باب 8- حكم ناسي النجاسة في الثوب و الجسد و جاهلها و حكم الثوب المشتبه

1-  العلل، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن زرعة عن سماعة قال قال أبو عبد الله ع إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة و لم تهرق الماء ثم توضأت و نسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت فعليك الإعادة و إن كنت أهرقت الماء و نسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك لأن البول مثل البراز

 بيان قد سبق الكلام فيه في كتاب الطهارة و أن الأشهر في ناسي استنجاء البول ذلك و في نسيان استنجاء الغائط عدم الإعادة مطلقا و الأحوط العمل بالمشهور

2-  تفسير علي بن إبراهيم، من كان عليه ثوبان فأصاب أحدهما بول أو قذر أو جنابة و لم يدر أي الثوبين أصاب القذر فإنه يصلي في هذا و في هذا فإذا وجد الماء غسلهما جميعا

 بيان يدل على وجوب الصلاة في كل من الثوبين المشتبهين كما هو المشهور بين الأصحاب و الظاهر أخذه من الرواية لأنه من أرباب النصوص و يدل عليه حسنة صفوان و نقل الشيخ في الخلاف عن بعض علمائنا أنه يطرحهما و يصلي   عريانا و جعله في المبسوط رواية و اختاره ابن إدريس و الأول أقوى للرواية المتقدمة و لورود الروايات بالصلاة في الثوب المتيقن النجاسة و المشهور في الثياب الكثيرة المشتبهة أيضا ذلك إلا أن يضيق الوقت فيصلي عريانا على الأشهر و الأظهر تعين الصلاة في الممكن و إن كان واحدا إذ الأظهر جواز الصلاة في الثوب المتيقن النجاسة بل تعينها كما مر

3-  فقه الرضا، قال ع إن كنت أهرقت الماء فتوضأت و نسيت أن تستنجي حتى فرغت من صلاتك ثم ذكرت فعليك أن تستنجي ثم تعيد الوضوء و الصلاة و قال ع قد روي في المني إذا لم تعلم من قبل أن تصلي فلا إعادة عليك

4-  السرائر، من كتاب المشيخة لابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك فإذا انصرفت فاغسله قال و إن كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف و اغسله و أعد صلاتك

 بيان يدل ظاهرا على أن الجاهل إذا رأى في أثناء الصلاة لا يستأنف و لا يطرح بل يتم الصلاة فيه و يحمل على ما إذا لم يكن عليه غيره أو لم يكن له ثوب غيره أصلا و على أن الناسي إذا رأى في الأثناء يستأنف و سيأتي تفصيل القول فيه

5-  قرب الإسناد، عن محمد بن الوليد عن عبد الله بن بكير قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه و هو يصلي فيه قال لا يعلمه   قلت فإن أعلمه قال يعيد

 بيان ظاهره أن قول المالك بالنجاسة و غيرها معتبر مقبول و يدل على أنه لا يلزم إعلام الجاهل بشي‏ء لا يجوز له مع علمه و يدل عليه أيضا

 ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع قال سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي قال لا يؤذيه و في بعض النسخ لا يؤذنه حتى ينصرف

و أما الأمر بالإعادة مع الإعلام فلعله محمول على الاستحباب أو على ما إذا صلى بعد الإخبار و إن كان بعيدا لما ستعرف من عدم إعادة الجاهل و لما رواه

 الشيخ في الصحيح عن العيص قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه قال لا يعيد شيئا من صلاته

و قال في التذكرة لو استعار ثوبا و صلى فيه ثم أخبره المالك بنجاسته لم تجب عليه الإعادة خصوصا إذا خرج الوقت عملا بالأصل و لأن قول الغير لا يقبل في حقه و لصحيحة العيص

6-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال علي ع من صلى في ثوب نجس فلم يذكره إلا بعد فراغه فليعد صلاته

 بيان يدل على إعادة الناسي و يحمل على الوقت أو على الاستحباب كما سيأتي

7-  العلل، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة قال قلت لأبي جعفر ع إنه أصاب ثوبي دم من الرعاف أو غيره أو شي‏ء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له ماء فأصبت الماء و قد حضرت الصلاة   و نسيت أن بثوبي شيئا فصليت ثم إني ذكرت بعد قال تعيد الصلاة و تغسله قال قلت فإن لم أكن رأيت موضعه و قد علمت أنه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله و تعيد قال قلت فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم طلبت فرأيته فيه بعد الصلاة قال تغسله و لا تعيد الصلاة قال قلت و لم ذاك قال لأنك كنت على يقين من نظافته ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا قلت فإني قد علمت أنه أصابه و لم أدر أين هو فأغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه أصابها حتى تكون على يقين من طهارته قال قلت فهل علي إن شككت في أنه أصابه شي‏ء أن أنظر فيه فأقلبه قال لا و لكنك إنما تريد بذلك أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك قال قلت فإني رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته فيه و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثم بنيت على الصلاة فإنك لا تدري لعله شي‏ء وقع عليك فليس لك أن تنقض بالشك اليقين

 توضيح قوله ع لأنك كنت على يقين إلخ أقول يحتمل هذا الكلام وجهين الأول أن يكون المعنى أنك لما كنت أولا على يقين من طهارة الثوب أي قبل أن تظن أنه أصابته نجاسة و المراد بقوله ثم شككت الظن الذي حصل له ثم انقلب الظن بالشك بعد النظر و لا عبرة بهذا الشك بعد علم الطهارة فقد صليت في ثوب محكوم بطهارته شرعا فلا يلزمك الإعادة بطريان العلم بعد الصلاة بكون الثوب نجسا حالة الصلاة فيومئ إلى إجزاء صلاة تكون ظاهرا موافقة للأمر   و إن ظهر خلافه. الثاني أن يكون المراد بحالة اليقين مجموع حالتي اليقين و الظن السابقتين و بحالة الشك حالة الرؤية أي كنت سابقا على يقين من الطهارة و بعد الظن و التفحص لم يزل ذلك اليقين و صليت على تلك الحالة ثم شككت بعد الرؤية في أنه هل كان حالة الصلاة الثوب نجسا أو طرأت النجاسة بعد حين الرؤية فلا يحكم بمجرد الشك ببطلان الصلاة و على هذا لا يدل على عدم إعادة الجاهل بل إيماء إلى الإعادة و لا يخفى أن الأول أظهر. و قال الشيخ البهائي قدس سره ما تضمنه من قوله ع تعيد الصلاة و تغسله يدل بإطلاقه على ما ذهب إليه الثلاثة قدس الله أرواحهم من أن من علم بالنجاسة ثم نسيها و صلى ثم ذكر فعليه الإعادة في الوقت و خارجه و به قال ابن حمزة و العلامة و شيخنا الشهيد و نقل ابن إدريس على ذلك الإجماع و قال لو لا الإجماع لما صرت إليه و يؤيد ذلك إطلاقه ع الإعادة في بعض الأخبار و الشيخ في الإستبصار جمع بين هذه الأخبار بحمل ما تضمن الإعادة على أن المراد به مع بقاء الوقت و ما تضمن عدمها على ما إذا خرج الوقت و هو غير بعيد و قول زرارة فإن ظننت أنه قد أصابه إلى آخره و قوله ع لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ربما استفيد منه أن ظن النجاسة لا يقوم مقام العلم و أن الظن قد يطلق عليه اسم الشك و ليس بشي‏ء فإن قول زرارة فنظرت فلم أر شيئا يعطي تغير ذلك الظن و قوله ع ثم شككت ينبئ عن انقلاب ذلك الظن بسبب عدم الرؤية شكا. و قد دل هذا الحديث على أن من شك في أن النجاسة هل أصابت ثوبه فليس عليه أن ينظر إلى الثوب و يستعلم الحال ليصير على يقين من أمره بل يستصحب طهارة الثوب إلى أن يتحقق ما يزيلها و المراد أن هذا التفحص ليس أمرا واجبا عليه بحيث يعاقب على تركه و الظاهر أنه لو تفحص لاستعلام الحال تحصيلا لليقين و احتياطا لأمر الدين و اهتماما بشأن العبادة لكان مثابا و متمثلا لقوله

    دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. و اعلم أن بعض الأصحاب جعل ما تضمنه هذا الحديث من قول زرارة فإني رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة و قوله ع في جوابه تنقض الصلاة دالا على أن من علم النجاسة في ثوبه ثم نسيها و رآها في أثناء الصلاة فإنه يقطع الصلاة و هو مبني على أن هذا القول من زرارة مندرج تحب قوله في أول الحديث أصاب ثوبي دم من الرعاف أو غيره إلى قوله و نسيت أن بثوبي شيئا و أن قوله ع تنقض الصلاة منقطع عن قوله و تعيد إذا شككت إلى آخره. و هو كما ترى فإن الظاهر أن هذا القول من زرارة غير مندرج تحت كلامه ذلك و لا منخرط في سلكه و أن قوله ع تنقض الصلاة غير منقطع عن قوله و تعيد إذا شككت بل هو مرتبط به و ظني أن هذا القول من زرارة إن جعل مرتبط بما قبل فليجعل مرتبطا بقوله فهل علي إن شككت فكأنه قال إذا شككت قبل الصلاة في إصابته ثوبي ثم رأيته فيه و أنا في الصلاة فما الحكم فأجابه ع بأنه إذا سبق شكك في موضع من الثوب أنه أصابه نجاسة ثم رأيتها و أنت في الصلاة فانقض الصلاة و أعدها و إن لم يكن سبق منك شك في إصابة النجاسة و كنت خالي الذهن من ذلك ثم رأيته على وجه يحتمل تجدده في ذلك الوقت قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت و لعل بعض الشقوق الأخر المحتملة كان زرارة عالما بها فلذلك سكت ع عن التعرض لها انتهى. و قال الشهيد طاب ثراه في الذكرى و لو قيل لا إعادة على من اجتهد قبل الصلاة و يعيد غيره أمكن لما رواه

 محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال ذكر المني فشدده و جعله أشد من البول ثم قال إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة فإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت   فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك و كذا البول إن لم يكن إحداث قول ثالث

أقول قد مر بعض القول منا فيه في كتاب الطهارة

8-  قرب الإسناد، و كتاب المسائل، بسنديهما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع قال إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي و لا ينقص منها شي‏ء و إن كان رآه و قد صلى فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله

 بيان يستفاد منه بظاهره إعادة العامد و الناسي في الوقت و خارجه و عدم إعادة الجاهل مطلقا و جملة القول فيه أنه لا خلاف في العامد العالم بعدم جواز الصلاة في الثوب النجس أنه يعيد في الوقت و خارجه إن لم تكن النجاسة من المستثنيات و أما العامد الجاهل للحكم فالمشهور فيه أيضا ذلك و فيه إشكال و إن كان العمل بالمشهور أحوط بل أقوى. و أما الناسي فذهب الشيخ في أكثر كتبه و المفيد و المرتضى و ابن إدريس إلى الإعادة في الوقت و خارجه و حكي عن الشيخ في بعض أقواله عدم وجوب الإعادة مطلقا و مال إليه في المعتبر و ذهب في الإستبصار إلى أنه يعيد في الوقت دون خارجه جمعا بين الأخبار كما عرفت و الأحوط الأول و الثاني لعله أقوى   إذ يمكن حمل أخبار الإعادة على الاستحباب. و أما الجاهل للنجاسة إذا لم يعلم إلا بعد الصلاة فالمشهور عدم الإعادة مطلقا و قال الشيخ في المبسوط يعيد في الوقت خاصة و ظاهرهم الاتفاق على عدم وجوب القضاء إذ علم بها بعد الوقت و نقل في المهذب عليه الإجماع و ربما ظهر من عبارة المنتهى تحقق الخلاف فيه أيضا و الأظهر عدم الإعادة مطلقا. و لو وجد في ثوبه أو جسده نجاسة و هو في الصلاة فإما أن يعلم سبقها على الصلاة أم لا أما الأول فقد صرح الشيخ في المبسوط و النهاية و الفاضلان و من تبعهم بأنه يجب عليه إزالة النجاسة أو إلقاء الستر النجس و ستر العورة بغيره مع الإمكان و إتمام الصلاة و إن لم يمكن إلا بفعل المبطل كالفعل الكثير و الاستدبار بطلت صلاته و استقبلها بعد إزالة النجاسة. قال في المعتبر و على قول الشيخ الثاني يستأنف و أشار بالقول الثاني إلى ما نقله عن المبسوط من إعادة الجاهل الذي لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته في الوقت. و قال السيد في المدارك و يشكل بمنع الملازمة إذ من الجائز أن تكون الإعادة لوقوع الصلاة بأسرها مع النجاسة فلا يلزم مثله في البعض و بأن الشيخ قطع في المبسوط بوجوب المضي في الصلاة مع التمكن من إلقاء الثوب و ستر العورة بغيره مع حكمه فيه بإعادة الجاهل في الوقت. و قد اختلف الروايات في ذلك فمقتضى روايتي زرارة و محمد بن مسلم المتقدمتين تعين القطع مطلقا سواء تمكن من إلقاء الثوب و ستر العورة بغير أم لا

 و روى محمد بن مسلم في الحسن قال قلت له الدم يكون في الثوب علي و أنا في الصلاة قال و إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل و إن لم يكن عليك   غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك

و يدل على عدم إعادة الجاهل إن علم في الأثناء و كذا صحيحة ابن سنان السابقة و يدل هذا على جواز إتمام الصلاة في الثوب إن لم يكن عليه غيره و يمكن حمله على ما إذا لم يكن له غيره. و قال بعض المحققين الجمع بين الروايات يتحقق بحمل ما تضمن الأمر بالاستئناف على الاستحباب و إن جاز المضي في الصلاة مع طرح الثوب النجس إذا كان عليه غيره و إلا مضى مطلقا و لا بأس بالمصير إلى ذلك و إن كان الاستئناف مطلقا أولى و أحوط. و أما الثاني هو أن لا يعلم السبق فالأظهر وجوب طرح النجاسة أو غسلها و إتمام الصلاة ما لم يكثر الفعل و إلا استأنف و جعل في المعتبر وجوب الاستئناف هنا مبنيا على القول بإعادة الجاهل في الوقت و الإشكال في هذا البناء أكثر من السابق. و لو صلى ثم رأى النجاسة و شك هل كانت عليك في الصلاة أم لا فالصلاة ماضية قال في المنتهى لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم و لو علم بالنجاسة السابقة في أثناء الصلاة عند تضيق الوقت عن الإزالة و الاستئناف فقد قطع الشهيد في البيان بوجوب الاستمرار و مال إليه في الذكرى و المسألة مشكلة و لعل الأحوط الصلاة مع النجاسة و القضاء بعد الإزالة. ثم اعلم أن الظاهر من الأدلة أن الجاهل و الناسي في سائر الشروط حكمهما عدم الإعادة في الوقت و خارجه كالمصلي في الميتة أو الحرير أو جلد ما لا يؤكل لحمه أو الساجد على النجس أو ما لا يصح السجود عليه أو المصلي مكشوف العورة و غير ذلك إلا في استقبال القبلة فإن فيه كلاما سيأتي