باب 14- الافتتاح بالتسمية عند كل فعل و الاستثناء بمشية الله في كل أمر

الآيات الكهف وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ و قال تعالى وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ و قال تعالى سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً القلم إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَ لا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ إلى قوله تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ  

1-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال الصادق ع و لربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيمتحنه الله بمكروه و ينبهه على شكر الله تعالى و الثناء عليه و يمحو فيه عنه وصمة تقصيره عند تركه قول بسم الله لقد دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين ع و بين يديه كرسي فأمره بالجلوس عليه فجلس عليه فمال به حتى سقط على رأسه فأوضح عن عظم رأسه و سال الدم فأمر أمير المؤمنين بماء فغسل عنه ذلك الدم ثم قال ادن مني فوضع يده على موضحته و قد كان يجد من ألمها ما لا صبر له معه و مسح يده عليها و تفل فيها فما هو أن فعل ذلك حتى اندمل فصار كأنه لم يصبه شي‏ء قط ثم قال أمير المؤمنين ع يا عبد الله الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم لتسلم لهم طاعاتهم و يستحقوا عليها ثوابها فقال عبد الله يا أمير المؤمنين قد أفدتني و علمتني فإن أردت أن تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس حتى لا أعود إلى مثله قال تركك حين جلست أن تقول بسم الله الرحمن الرحيم فجعل الله ذلك لسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك أ ما علمت أن رسول الله ص حدثني عن الله جل و عز أنه قال كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله فهو أبتر فقلت بلى بأبي أنت و أمي لا أتركها بعدها قال إذا تحظى بذلك و تسعد

2-  شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال إذا حلف الرجل بالله فله ثنياها إلى أربعين يوما و ذلك أن قوما من اليهود سألوا النبي ص عن شي‏ء فقال ائتوني غدا و لم يستثن حتى أخبركم فاحتبس عنه جبرئيل ع أربعين يوما ثم أتاه و قال وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ

3-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع ذكر أن آدم ع لما أسكنه   الله الجنة فقال له يا آدم لا تقرب هذه الشجرة فقال نعم يا رب و لم يستثن فأمر الله نبيه فقال وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ و لو بعد سنة

4-  شي، ]تفسير العياشي[ عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر ع قال قال الله تعالى وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن لا أفعله فسبق مشية الله في أن لا أفعله فلا أقدر على أن أفعله قال فلذلك قال الله وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أي استثن مشية الله في فعلك

5-  شي، ]تفسير العياشي[ عن حمزة بن حمران قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قال أن تستثني ثم ذكرت بعد فاستثن حين تذكر

 أقول قد أوردنا بعض الأخبار في باب أحكام اليمين

6-  مكا، ]مكارم الأخلاق[ عن أبي عبد الله ع قال إذا توضأ أحدكم أو شرب أو أكل أو لبس و كل شي‏ء يصنعه ينبغي له أن يسمي فإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك

7-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر ع في قوله وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً قال إن الله لما قال لآدم ادخل الجنة قال له يا آدم لا تقرب هذه الشجرة قال فأراه إياها فقال آدم لربه كيف أقربها و قد نهيتني عنها أنا و زوجتي قال فقال لهما لا تقرباها يعني لا تأكلا منها فقال آدم و زوجته نعم يا ربنا لا نقربها و لا نأكل منها و لم يستثنيا في قولهما نعم فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما و إلى ذكرهما قال و قد قال الله لنبيه في الكتاب وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن لا أفعله فتسبق مشية الله في أن لا أفعله فلا أقدر على   أن أفعله قال فلذلك قال الله وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أي استثن مشية الله في فعلك

8-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ روى لي مرازم قال دخل أبو عبد الله ع يوما إلى منزل يزيد و هو يريد العمرة فتناول لوحا فيه كتاب لعمه فيه أرزاق العيال و ما يجري لهم فإذا فيه لفلان و فلان و ليس فيه استثناء فقال له من كتب هذا الكتاب و لم يستثن فيه كيف ظن أنه يتم ثم دعا بالدواة فقال الحق فيه في كل اسم إن شاء الله

 أقول قال السيد المرتضى قدس روحه في كتاب الغرر و الدرر إن سأل سائل عن قوله تعالى وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ فقال ما تنكرون أن يكون ظاهر هذه الآية يقتضي أن يكون جميع ما نفعله يشاؤه و يريده لأنه تعالى لم يخص شيئا من شي‏ء و هذا بخلاف مذهبكم و ليس أن تقولوا إنه خطاب لرسول الله ص خاصة و هو لا يفعل إلا ما يشاء الله تعالى لأنه قد يفعل المباح بلا خلاف و يفعل الصغائر عند أكثركم فلا بد أن يكون في أفعاله تعالى ما لا يشاؤه عندكم و لأنه أيضا تأديب لنا كما أنه تعليم له ع و لذلك يحسن منا أن نقول ذلك فيما نفعل. الجواب قلنا تأويل هذه الآية مبني على وجهين أحدهما أن يجعل حرف الشرط الذي هو أن متعلقا بما يليه و بما هو متعلق به في الظاهر من غير تقدير محذوف و يكون التقدير و لا تقولن إنك تفعل إلا ما يريد الله تعالى و هذا الجواب ذكره الفراء و ما رأيته إلا له و من العجب تغلغله إلى مثل هذا مع أنه لم يكن متظاهرا بالقول بالعدل و على هذا الجواب لا شبهة في الآية و لا سؤال للقوم علينا و في هذا الوجه ترجيح على غيره من حيث اتبعنا فيه الظاهر و لم نقدر محذوفا و كل جواب طابق الظاهر و لم يبن على محذوف كان أولى. و الجواب الآخر أن تجعل أن متعلقة بمحذوف و يكون التقدير و لا تقولن لشي‏ء إني فاعل ذلك غدا إلا أن تقول إن شاء الله لأن من عاداتهم إضمار القول في مثل هذا الموضع و اختصار الكلام إذا طال و كان في الموجود منه   دلالة على المفقود و على هذا الوجه يحتاج إلى جواب عما سئلنا عنه فنقول هذا تأديب من الله تعالى لعباده و تعليم لهم أن يعلقوا ما يخبرون به بهذه اللفظة حتى يخرج من حد القطع و لا شبهة في أن ذلك مختص بالطاعات و أن الأفعال القبيحة خارجة عنه لأن أحدا من المسلمين لا يستحسن أن يقول إني أزني غدا إن شاء الله أو أقتل مؤمنا و كلهم يمنع من ذلك أشد المنع فعلم سقوط شبهة من ظن أن الآية عامة في جميع الأفعال. و أما أبو علي الجبائي محمد بن عبد الوهاب فإنه ذكر في تأويل هذه الآية ما نحن ذاكروه بعينه قال إنما عنى بذلك أن من كان لا يعلم أنه يبقى إلى غد حيا فلا يجوز أن يقول إني سأفعل غدا كذا و كذا فيطلق الخبر بذلك و هو لا يدري لعله سيموت و لا يفعل ما أخبر به لأن هذا الخبر إذا لم يوجده مخبره على ما أخبر به المخبر فهو كذب و إذا كان المخبر لا يأمن أن لا يوجد مخبره لحدوث أمر من فعل الله تعالى نحو الموت و العجز أو بعض الأمراض أو لا يوجد ذلك بأن يبدو له في ذلك فلا يأمن أن يكون خبره كذبا في معلوم الله عز و جل و إذا لم يأمن ذلك لم يجز أن يخبر به و لا يسلم خبره هذا من الكذب إلا بالاستثناء الذي ذكره الله تعالى. فإذا قال إني صائر غدا إلى المسجد إن شاء الله فاستثنى في مصيره مشية الله تعالى خرج من أن يكون خبره في هذا كذبا لأن الله تعالى إن شاء أن يلجئه إلى المصير إلى المسجد غدا ألجأه إلى ذلك و كان المصير منه لا محالة و إذا كان ذلك على ما وصفناه لم يكن خبره هذا كذبا و إن لم يوجد منه المصير إلى المسجد لأنه لم يوجد ما استثناه في ذلك من مشية الله تعالى. قال و ينبغي أن لا يستثني مشية دون مشية لأنه إن استثنى في ذلك مشية الله لمصيره إلى المسجد على وجه التعبد فهو أيضا لا يأمن أن يكون خبره كذبا لأن الإنسان قد يترك كثيرا مما يشاؤه تعالى منه و يتعبده به و لو كان استثنى مشية الله تعالى لأن يبقيه و يقدره و يرفع عنه الموانع كان أيضا لا يأمن أن

    يكون خبره كذبا لأنه قد يجوز أن لا يصير إلى المسجد مع تبقية الله تعالى له قادرا مختارا فلا يأمن من الكذب في هذا الخبر دون أن يستثني المشية العامة التي ذكرناها فإذا دخلت هذه المشية في الاستثناء فقد أمن من أن يكون خبره كذبا إذا كانت هذه المشية متى وجدت وجب أن يدخل المسجد لا محالة. قال و بمثل هذا الاستثناء يزول الحنث عمن حلف فقال و الله لأصيرن غدا إلى المسجد إن شاء الله لأنه إن استثنى على سبيل ما بينا لم يجز أن يحنث في يمينه و لو خص استثناءه بمشية بعينها ثم كانت و لم يدخل معها المسجد حنث في يمينه. و قال غير أبي علي أن المشية المستثناة هنا هي مشية المنع و الحيلولة فكأنه قال إن شاء الله يخليني و لا يمنعني و في الناس من قال القصد بذلك أن يقف الكلام على جهة القطع و إن لم يلزم به ما كان يلزم لو لا الاستثناء و لا ينوي في ذلك إلجاء و لا غيره و هذا الوجه يحكى عن الحسن البصري. و اعلم أن للاستثناء الداخل على الكلام وجوها مختلفة فقد يدخل على الأيمان و الطلاق و العتاق و سائر العقود و ما يجري مجراها من الأخبار فإذا دخل ذلك اقتضى التوقف عن إمضاء الكلام و المنع من لزوم ما يلزم به و إزالته عن الوجه الذي وضع له و لذلك يصير ما تكلم به كأنه لا حكم له و لذلك يصح على هذا الوجه أن يستثني في الماضي فيقول قد دخلت الدار إن شاء الله فيخرج بهذا الاستثناء من أن يكون كلامه خبرا قاطعا أو يلزمه حكمه و إنما لم يصح دخوله في المعاصي على هذا الوجه لأن فيه إظهار الانقطاع إلى الله تعالى و المعاصي لا يصح ذلك فيها و هذا الوجه أحد ما يحتمله تأويله الآية. و قد يدخل الاستثناء في الكلام فيراد به اللطف و التسهيل و هذا الوجه يخص بالطاعات و لهذا الوجه جرى قول القائل لأقضين غدا ما علي من الدين و لأصلين غدا إن شاء الله مجرى أن يقول إني أفعل ذلك إن لطف الله تعالى فيه و سهله فعلم أن القصد واحد و أنه متى قصد الحالف فيه هذا الوجه لم يجب

    إذا لم يقع منه هذا الفعل أن يكون حانثا أو كاذبا لأنه إن لم يقع علمنا أنه لم يلطف له فيه لأنه لا لطف له فيه. و ليس لأحد أن يعترض هذا بأن يقول الطاعات لا بد فيها من لطف و ذلك لأن فيها ما لا لطف فيه جملة فارتفاع ما هذه سبيله يكشف عن أنه لا لطف فيه و هذا الوجه لا يصح أن يقال في الآية أنه لا يخص الطاعات و الآية تتناول كل ما لم يكن قبيحا بدلالة إجماع المسلمين على حسن الاستثناء ما تضمنته في كل فعل ما لم يكن قبيحا. و قد يدخل الاستثناء في الكلام و يراد به التسهيل و الإقدار و التخلية و البقاء على ما هو عليه من الأحوال و هذا هو المراد به إذا دخل في المباحات و هذا الوجه يمكن في الآية إلا أنه يعترضه ما ذكره أبو علي الجبائي فيما حكيناه من كلامه و قد يذكر استثناء المشية أيضا في الكلام و إن لم يرد به شي‏ء مما تقدم بل يكون الغرض به إظهار الانقطاع إلى الله تعالى من غير أن يقصد إلى شي‏ء من الوجوه المتقدمة و قد يكون هذا الاستثناء غير معتد به في كونه كاذبا أو صادقا فالآية في الحكم كأنه قال لأفعلن كذا إن وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله تعالى و إظهاري الحاجة إليه و هذا الوجه أيضا مما يمكن في تأويل الآية و من تأمل جملة ما ذكرناه من الكلام عرف منه الجواب عن المسألة التي لا يزال يسأل عنها المخالفون من قولهم لو كان الله تعالى إنما يريد العبادات من الأفعال دون المعاصي لوجب إذا قال من لغيره عليه دين طالبه به و الله لأعطينك حقك غدا إن شاء الله أن يكون كاذبا أو حانثا إذا لم يفعل لأن الله تعالى قد شاء ذلك منه عندكم و إن كان لم يقع فكان يجب أن تلزمه الكفارة و أن لا يؤثر هذا الاستثناء في يمينه و لا يخرجه عن كونه حانثا كما أنه لو قال و الله لأعطينك حقك غدا إن قدم زيد فقدم و لم يعطه يكون حانثا و في إلزام هذا الحنث خروج عن إجماع المسلمين فصار ما أوردناه جامعا لبيان تأويل الآية و الجواب عن هذه المسألة و نظائرها من المسائل و الحمد لله وحده