باب 14- النهي عن الرهبانية و السياحة و سائر ما يأمر به أهل البدع و الأهواء

 الآيات التوبة الْعابِدُونَ... السَّائِحُونَ الأحقاف وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ الحديد وَ جَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ   التحريم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ

1-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن المتوكل عن الأسدي عن محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن وهب البصري عن ثوابة بن مسعود عن أنس قال توفي ابن لعثمان بن مظعون رضي الله عنه فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ من داره مسجدا يتعبد فيه فبلغ   ذلك رسول الله ص فقال له يا عثمان إن الله تبارك و تعالى لم يكتب علينا الرهبانية إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله يا عثمان بن مظعون للجنة ثمانية أبواب و للنار سبعة أبواب أ فما يسرك أن لا تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك آخذا بحجزتك يشفع لك إلى ربك قال بلى فقال المسلمون و لنا يا رسول الله في فرطنا ما لعثمان قال نعم لمن صبر منكم و احتسب ثم قال يا عثمان من صلى صلاة الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله عز و جل حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة و من صلى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة و من صلى العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل كل منهم رب بيت يعتقهم و من صلى المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة و عمرة متقبلة و من صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر

2-  ل، ]الخصال[ ابن الوليد عن الصفار عن أبي الجوزاء عن ابن علوان عن عمر بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص ليس في أمتي رهبانية و لا سياحة و لا زم يعني سكوت

    مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن محمد بن الحسين عن أبي الجوزاء مثله

3-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن مخلد عن محمد بن جعفر بن نصير عن أحمد بن محمد بن مسروق عن يحيى الجلاء قال سمعت بشرا يقول لجلسائه سيحوا فإن الماء إذا ساح طاب و إذا وقف تغير و اصفر

4-  فس، ]تفسير القمي[ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد الله ع قال نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين ع و بلال و عثمان بن مظعون فأما أمير المؤمنين ع فحلف أن لا ينام في الليل أبدا و أما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا و أما عثمان بن مظعون فإنه حلف لا ينكح أبدا فدخلت امرأة عثمان على عائشة و كانت امرأة جميلة فقالت عائشة ما لي أراك متعطلة فقالت و لمن أتزين فو الله ما قربني زوجي منذ كذا و كذا فإنه قد ترهب و لبس المسوح و زهد في الدنيا فلما دخل رسول الله ص أخبرته عائشة بذلك فخرج فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات ألا إني أنام بالليل و أنكح و أفطر بالنهار فمن رغب عن سنتي فليس مني فقام هؤلاء فقالوا يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك فأنزل الله لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ   الآية

5-  غط، ]الغيبة للشيخ الطوسي[ الفزاري عن محمد بن جعفر بن عبد الله عن محمد بن أحمد الأنصاري قال وجه قوم من المفوضة و المقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد ع قال كامل فقلت في نفسي أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي قال فلما دخلت على سيدي أبي محمد ع نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه فقلت في نفسي ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الإخوان و ينهانا عن لبس مثله فقال متبسما يا كامل و حسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده فقال هذا لله و هذا لكم تمام الخبر

6-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن مسعود قال كتب إلي الفضل بن شاذان يذكر عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد قال حججت و سكين النخعي فتعبد و ترك النساء و الطيب و الثياب و الطعام الطيب و كان لا يرفع رأسه داخل المسجد إلى السماء فلما قدم المدينة دنا عن أبي إسحاق فصلى إلى جانبه فقال جعلت فداك إني أريد أن أسألك من مسائل قال اذهب فاكتبها و أرسل بها إلي فكتب جعلت فداك رجل دخله الخوف من الله عز و جل حتى ترك النساء و الطعام الطيب و لا يقدر أن يرفع رأسه إلى السماء و أما الثياب فشك فيها فكتب أما قولك في ترك النساء فقد علمت ما كان لرسول الله ص من النساء و أما قولك في ترك الطعام الطيب فقد كان رسول الله ص يأكل اللحم و العسل و أما قولك إنه دخله الخوف حتى لا يستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء فأكثر من تلاوة هذه الآيات الصَّابِرِينَ وَ الصَّادِقِينَ وَ الْقانِتِينَ وَ الْمُنْفِقِينَ وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ

    -7  الدرة الباهرة، قال له الصوفية إن المأمون قد رد هذا الأمر إليك و أنت أحق الناس به إلا أنه تحتاج أن يتقدم منك تقدمك إلى لبس الصوف و ما يحسن لبسه فقال ويحكم إنما يراد من الإمام قسطه و عدله إذا قال صدق و إذا حكم عدل و إذ وعد أنجز قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ إن يوسف ع لبس الديباج المنسوج بالذهب و جلس على متكآت آل فرعون

8-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له ع بالبصرة و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي يعوده و هو من أصحابه فلما رأى سعة داره قال ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة تقري فيها الضيف و تصل فيها الرحم و تطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة فقال له العلاء يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد قال و ما له قال لبس العباء و تخلى من الدنيا قال علي به فلما جاء قال يا عدي نفسه لقد استهام بك الخبيث أ ما رحمت أهلك و ولدك أ ترى الله أحل لك الطيبات و هو يكره أن تأخذها أنت أهون على الله من ذلك قال يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك قال ويحك إني لست كأنت إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره

    -9  كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي رفعه عن جعفر بن محمد ع قال أتي علي ع بخبيص فأبى أن يأكله قالوا أ تحرمه قال لا و لكني أخشى أن تتوق إليه نفسي ثم تلا أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا

 و عنه ع قال أعتق علي ع ألف مملوك مما عملت يداه و إن كان عندكم إنما حلواه التمر و اللبن و ثيابه الكرابيس و تزوج ع ليلى فجعل له حجلة فهتكها و قال أحب أهلي على ما هم فيه

10-  كتاب المسائل، بإسناده عن علي بن جعفر قال سألت أخي موسى ع عن الرجل المسلم هل يصلح أن يسيح في الأرض أو يترهب في بيت لا يخرج منه قال ع لا

 قال الكراجكي قدس الله روحه في كنز الفوائد، لقد اضطررت يوما إلى الحضور مع قوم من المتصوفين فلما ضمهم المجلس أخذوا فيما جرب به عادتهم من الغناء و الرقص فاعتزلتهم إلى إحدى الجهات و انضاف إلي رجل من أهل الفضل و الديانات فتحادثنا ذم الصوفية على ما يصنعون و فساد أغراضهم فيما يتناولون و قبح ما يفعلون من الحركة و القيام و ما يدخلون على أنفسهم في الرقص من الآلام فكان الرجل لقولي مصوبا و للقوم في فعلهم مخطئا. و لم نزل كذلك إلى أن غنى مغني القوم هذه الأبيات

و ما أم مكحول المدامع ترتعي ترى الأنس وحشا و هي تأنس بالوحش‏غدت فارتعت ثم انتشت لرضاعه فلم تلف شيئا من قوائمه الخمش‏فطافت بذاك القاع ولها فصادمت سباع الفلا ينهشنه أيما نهش‏بأوجع مني يوم ظلت أنامل تودعني بالدر من شبك النقش

   فلما سمع صاحبي ذلك نهض مسرعا مبادرا ففعل من القفز و الرقص و البكاء و اللطم ما يزيد على ما فعله من قبله ممن كان يخطئه و يستجهله و أخذ يستعيد من الشعر ما لا يحسن استعادته و لا جرت عادتهم بالطرب على مثله و هو قوله

فطافت بذاك القاع ولها فصادفت سباع الفلا ينهشنه أيما نهش

 و يفعل بنفسه ما حكيت و لا يستعيد غير هذا البيت حتى بلغ من نفسه المجهود و وقع كالمغشي عليه من الموت فحيرني ما رأيت من حاله و أخذت أفكر في أفعاله المضادة لما سمعت من أقواله فلما أفاق من غشيته لم أملك الصبر دون سؤاله عن أمره و سبب ما صنعه بنفسه مع تجهيله من قبل لفاعله و عن وجه استعادته من الشعر ما لم تجر عادتهم باستعادة مثله فقال لي لست أجهل ما ذكرت و لي عذر واضح فيما صنعت أعلمك أن أبي كان كاتبا و كان بي برا و علي شفيقا فسخط السلطان عليه فقتله فخرجت إلى الصحراء لشدة ما لحقني من الحزن عليه فوجدته ملقى و الكلاب ينهشون لحمه فلما سمعت المغني يقول

فطافت بذاك القاع ولها فصادفت سباع الفلا ينهشنه أيما نهش

 ذكرت ما لحق أبي و تصور شخصه بين عيني و تجدد حزنه علي ففعلت الذي رأيت بنفسي فندمت حينئذ على سوء ظني به و تغممت له غما لحقه و اتعظت بقصته

11-  و قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، روي أن قوما من المتصوفة دخلوا بخراسان على علي بن موسى ع فقالوا له إن أمير المؤمنين ع فكر فيما ولاه الله من الأمور فرآكم أهل بيت أولى الناس أن تؤموا الناس و نظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس فرأى أن يرد هذا الأمر إليك و الإمامة تحتاج إلى من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يركب الحمار و يعود المريض   فقال لهم إن يوسف كان نبيا يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب و يجلس على متكآت آل فرعون و يحكم إنما يراد من الإمام قسطه و عدله إذا قال صدق و إذا حكم عدل و إذا وعد أنجز إن الله لم يحرم لبوسا و لا مطعما ثم قرأ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ الآية

12-  ثم قال ابن أبي الحديد رويت عن الشيوخ و رأيت بخط عبد الله بن أحمد الخشاب رحمه الله إن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام فأتاه علي ع عائدا فقال كيف تجدك أبا عبد الرحمن قال أجدني يا أمير المؤمنين لو كان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه قال و ما قيمة بصرك عندك قال لو كانت لي الدنيا لفديته بها قال لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك إن الله يعطي على قدر الألم و المصيبة و عنده تضعيف كثير قال الربيع يا أمير المؤمنين أ لا أشكو إليك عاصم بن زياد أخي قال ما له قال لبس العباء و ترك الملاء و غم أهله و حزن ولده فقال ع ادعوا لي عاصما فلما أتاه عبس في وجهه و قال ويحك يا عاصم أ ترى الله أباح لك اللذات و هو يكره ما أخذت منها لأنت أهون على الله من ذلك أ و ما سمعته يقول مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ثم قال يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ و قال وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها أما و الله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال و قد سمعتم الله يقول وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ و قوله قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ   إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ و قال يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً و قال رسول الله ص لبعض نسائه ما لي أراك شعثاء مرهاء صلتاء قال عاصم فلم اقتصرت يا أمير المؤمنين على لبس الخشن و أكل الجشب قال إن الله تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لأنفسهم بالقوم كيلا يتبيغ بالفقير فقره فما قام علي ع حتى نزع عاصم العباءة و لبس ملاءة

13-  ف، ]تحف العقول[ دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله ع فرأى عليه ثياب بياض كأنها غرقئ البيض فقال له إن هذا اللباس ليس من لباسك فقال له اسمع مني و ع ما أقول لك فإنه خير لك عاجلا و آجلا إن كنت أنت مت على السنة و الحق و لم تمت على بدعة أخبرك أن رسول الله ص كان في زمان مقفر جشب فإذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها و مؤمنها لا منافقوها و مسلموها لا كفارها فما أنكرت يا ثوري فو الله إني لمع ما ترى ما أتى علي مذ عقلت صباح و لا مساء و لله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعا إلا وضعته   فقال ثم أتاه قومه ممن يظهر التزهد و يدعون الناس أن يكونوا معهم مثل الذي هم عليه من التقشف فقالوا إن صاحبنا حصر عن كلامك و لم تحضره حجة فقال لهم هاتوا حججكم فقالوا إن حججنا من كتاب الله قال لهم فأدلوا بها فإنها أحق ما اتبع و عمل به فقالوا يقول الله تبارك و تعالى يخبر عن قوم من أصحاب النبي ص وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فمدح فعلهم و قال في موضع آخر وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً فنحن نكتفي بهذا فقال رجل من الجلساء إنا ما رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تتمتعوا أنتم منها فقال له أبو عبد الله ع دعوا عنكم ما لا ينتفع به أخبروني أيها النفر أ لكم علم بناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل و هلك من هلك من هذه الأمة فقالوا له أو بعضه فأما كله فلا فقال لهم من هاهنا أتيتم و كذلك أحاديث رسول الله ص فأما ما ذكرتم من إخبار الله إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن   فعالهم فقد كان مباحا جائزا و لم يكونوا نهوا عنه و ثوابهم منه على الله و ذلك أن الله جل و تقدس أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخا لفعلهم و كان نهي الله تبارك و تعالى رحمة للمؤمنين و نظرا لكي لا يضروا بأنفسهم و عيالاتهم منهم الضعفة الصغار و الولدان و الشيخ الفان و العجوز الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع فإن تصدقت برغيفي و لا رغيف لي غيره ضاعوا و هلكوا جوعا فمن ثم قال رسول الله ص خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها الإنسان و هو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه ثم الثانية على نفسه و عياله ثم الثالثة القرابة و إخوانه المؤمنين ثم الرابعة على جيرانه الفقراء ثم الخامسة في سبيل الله و هو أخسها أجرا و قال النبي ص للأنصاري حيث أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق و لم يكن يملك غيرهم و له أولاد صغار لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنونه مع المسلمين ترك صبية صغارا يتكففون الناس ثم قال حدثني أبي أن النبي ص قال ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم و نهيا عنه مفروض من الله العزيز الحكيم قال الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً أ فلا ترون أن الله تبارك و تعالى قال غير ما أراكم تدعون الناس إليه من الأثرة على أنفسهم و سمى من فعل ما تدعون إليه مسرفا و في غير آية من كتاب الله يقول إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ فنهاهم عن الإسراف و نهاهم عن التقتير لكن أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي ص أن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم رجل يدعو على والديه

   و رجل يدعو على غريم ذهب له بمال و لم يشهد عليه و رجل يدعو على امرأته و قد جعل الله تخلية سبيلها بيده و رجل يقعد في البيت يقول يا رب ارزقني و لا يخرج يطلب الرزق فيقول الله جل و عز عبدي أ و لم أجعل لك السبيل إلى الطلب و الضرب في الأرض بجوارح صحيحة فتكون قد أعذرت فيما بيني و بينك في الطلب لاتباع أمري و لكيلا تكون كلا على أهلك فإن شئت رزقتك و إن شئت قترت عليك و أنت معذور عندي و رجل رزقه الله مالا كثيرا فأنفقه ثم أقبل يدعو يا رب ارزقني فيقول الله أ لم أرزقك رزقا واسعا أ فلا اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف كما نهيتك و رجل يدعو في قطيعة رحم ثم علم الله نبيه كيف ينفق و ذلك أنه كان عنده أوقية من ذهب فكره أن تبيت عنده فصدق و أصبح ليس عنده شي‏ء و جاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل و اغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه و كان رحيما رفيقا فأدب الله نبيه بأمره إياه فقال وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً يقول إن الناس قد يسألونك و لا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك كنت قد حسرت من المال فهذه أحاديث رسول الله ص يصدقها الكتاب و الكتاب يصدقه أهله من المؤمنين و قال أبو بكر عند موته أوصي بالخمس و الخمس كثير فإن الله قد رضي بالخمس فأوصى بالخمس و قد جعل الله له الثلث عند موته و لو علم أن الثلث خيرا له أوصى به ثم من قد علمتم بعده في فضله و زهده سلمان و أبو ذر فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضره عطاؤه من قابل فقيل له يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا و إنك لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا و كان جوابه أن قال ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء أ و ما علمتم يا   جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت فأما أبو ذر فكانت له نويقات و شويهات يحلبها و يذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور أو من الشاة على قدر ما يذهب عنهم قرم اللحم فيقسمه بينهم و يأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم و من أزهد من هؤلاء و قد قال فيهم رسول الله ص ما قال و لم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم و شيئهم و يؤثرون به على أنفسهم و عيالاتهم و اعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه أن رسول الله ص قال يوما ما عجبت من شي‏ء كعجبي من المؤمن إنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له و إن ملك ما بين مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له فكل ما يصنع الله به فهو خير له فليت شعري هل يحيق فيكم اليوم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم أ و ما علمتم أن الله جل اسمه فرض على المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه عنهم و من ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ثم حولهم من حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل الرجلين من المشركين تخفيفا من الله عن المؤمنين فنسخ الرجلان العشرة

   و أخبروني أيضا عن القضاة أجور منهم حيث يفرضون على الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال أنا زاهد و أنه لا شي‏ء لي فإن قلتم جور ظلمتم أهل الإسلام و إن قلتم بل عدل خصمتم أنفسكم و حيث يردون صدقة من تصدق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث أخبروني لو كان الناس كلهم كما تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع غيرهم فعلى من كان يتصدق بكفارات الأيمان و النذور و الصدقات من فرض الزكاة من الإبل و الغنم و البقر و غير ذلك من الذهب و الفضة و النخل و الزبيب و سائر ما قد وجبت فيه الزكاة إذا كان الأمر على ما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا إلا قدمه و إن كان به خصاصة فبئس ما ذهبتم إليه و حملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله و سنة نبيه و أحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل و ردكم إياها بجهالتكم و ترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ و المحكم و المتشابه و الأمر و النهي و أخبروني أنتم عن سليمان بن داود ع حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه الله ذلك و كان يقول الحق و يعمل به ثم لم نجد الله عاب ذلك عليه و لا أحدا من المؤمنين و داود قبله في ملكه و شدة سلطانه ثم يوسف النبي حيث قال لملك مصر اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك و ما حولها إلى اليمن فكانوا يمتازون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم و كان يقول الحق   و يعمل به فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه ثم ذو القرنين عبد أحب الله فأحبه طوى له الأسباب و ملكه مشارق الأرض و مغاربها و كان يقول بالحق و يعمل به ثم لم نجد أحدا عاب ذلك عليه فتأدبوا أيها النفر بآداب الله للمؤمنين و اقتصروا على أمر الله و نهيه و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به و ردوا العلم إلى أهله تؤجروا و تعذروا عند الله و كونوا في طلب علم الناسخ من القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه و ما أحل الله فيه مما حرم فإنه أقرب لكم من الله و أبعد لكم من الجهل و دعوا الجهالة لأهلها فإن أهل الجهل كثير و أهل العلم قليل و قد قال الله فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ

14-  نبه، ]تنبيه الخاطر[ قيل إن سلمان رضي الله عنه جاء زائرا لأبي الدرداء فوجد أم الدرداء مبتذلة فقال ما شأنك قالت إن أخاك ليست له حاجة في شي‏ء من أمر الدنيا قال فلما جاء أبو الدرداء رحب لسلمان و قرب إليه طعاما فقال لسلمان أطعم فقال إني صائم قال أقسمت عليك إلا ما طعمت فقال ما أنا بآكل حتى تأكل قال و بات عنده فلما جاء الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان قال يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا إن لجسدك عليك حقا و لأهلك عليك حقا فصم و أفطر و صل و نم و أعط كل ذي حق حقه فأتى أبو الدرداء النبي ص فأخبره بما قال سلمان فقال له مثل قول سلمان

15-  نوادر الراوندي، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه ع قال كان رسول الله ص يأتي أهل الصفة و كانوا ضيفان رسول الله ص كانوا هاجروا من أهاليهم و أموالهم إلى المدينة فأسكنهم رسول الله ص صفة المسجد و هم   أربعمائة رجل فكان يسلم عليهم بالغداة و العشي فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف نعله و منهم من يرقع ثوبه و منهم من يتفلى و كان رسول الله ص يرزقهم مدا مدا من تمر في كل يوم فقام رجل منهم فقال يا رسول الله التمر الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا فقال رسول الله أما إني لو استطعت أن أطعمكم الدنيا لأطعمتكم و لكن من عاش منكم من بعدي يغدى عليه بالجفان و يراح عليه بالجفان و يغدو أحدكم في قميصه و يروح في أخرى و تنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة فقام رجل فقال يا رسول الله أنا إلى ذلك الزمان بالأشواق فمتى هو قال ص زمانكم هذا خير من ذلك الزمان إنكم إن ملأتم بطونكم من الحلال توشكون أن تملئوها من الحرام فقام سعد بن أشج فقال يا رسول الله ما يفعل بنا بعد الموت قال الحساب و القبر ثم ضيقه بعد ذلك أو سعته فقال يا رسول الله هل تخاف أنت ذلك فقال لا و لكن أستحيي من النعم المتظاهرة التي لا أجازيها و لا جزءا من سبعة فقال سعد بن أشج إني أشهد الله و أشهد رسوله و من حضرني أن نوم الليل علي حرام و الأكل بالنهار علي حرام و لباس الليل علي حرام و مخالطة الناس علي حرام و إتيان النساء علي حرام فقال رسول الله يا سعد لم تصنع شيئا كيف تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر إذا لم تخالط الناس و سكون البرية بعد الحضر كفر للنعمة نم بالليل و كل بالنهار و البس ما لم يكن ذهبا أو حريرا أو معصفرا و آت النساء يا سعد اذهب إلى بني المصطلق فإنهم قد ردوا رسولي فذهب إليهم فجاء بصدقة فقال رسول الله ص كيف رأيتهم قال خير قوم ما رأيت قوما قط أحسن أخلاقا فيما بينهم من قوم بعثتني إليهم فقال رسول الله ص إنه لا ينبغي لأولياء الله تعالى من أهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم و فيها رغبتهم أن يكونوا أولياء   الشيطان من أهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم و فيها رغبتهم ثم قال بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن المنكر بئس القوم قوم يقذفون الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر بئس القوم قوم لا يقومون لله تعالى بالقسط بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط في الناس بئس القوم قوم يكون الطلاق عندهم أوثق من عهد الله تعالى بئس القوم قوم جعلوا طاعة إمامهم دون طاعة الله بئس القوم قوم يختارون الدنيا على الدين بئس القوم قوم يستحلون المحارم و الشهوات و الشبهات قيل يا رسول الله فأي المؤمنين أكيس قال أكثرهم للموت ذكرا و أحسنهم له استعدادا أولئك هم الأكياس