باب 16- النية و شرائطها و مراتبها و كمالها و ثوابها و أن قبول العمل نادر

1-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن الثمالي عن علي بن الحسين ع قال لا عمل إلا بنية

 تبيين لا عمل إلا بنية أي لا عمل صحيحة كما فهمه الأكثر إلا بنية و خص بالعبادات لأنه لو كان المراد مطلق تصور الفعل و تصور فائدته و التصديق بترتب الغاية عليه و انبعاث العزم من النفس إليه فهذا لازم لكل فعل اختياري و معلوم أنه ليس غرض الشارع بيان هذا المعنى بل لا بد أن يكون المراد بها نية خاصة خالصة بها يصير العمل كاملا أو صحيحا و الصحة أقرب إلى نفي الحقيقة الذي هو الحقيقة في هذا التركيب فلا بد من تخصيصها بالعبادات لعدم القول باشتراط نية القربة و أمثالها في غيرها و لذا استدلوا به و بأمثاله على وجوب النية و تفصيله في كتب الفروع. و قال المحقق الطوسي قدس سره في بعض رسائله النية هي القصد إلى الفعل و هي واسطة بين العلم و العمل إذ ما لم يعلم الشي‏ء لم يمكن قصده و ما لم يقصده لم يصدر عنه ثم لما كان غرض السالك العامل الوصول إلى مقصد معين كامل على الإطلاق و هو الله تعالى لا بد من اشتماله على قصد التقرب به. و قال بعض المحققين يعني لا عمل يحسب من عبادة الله تعالى و يعد من طاعته بحيث يصح أن يترتب عليه الأجر في الآخرة إلا ما يراد به التقرب إلى الله تعالى و الدار الآخرة أعني يقصد به وجه الله سبحانه أو التوصل إلى ثوابه أو الخلاص من عقابه و بالجملة امتثال أمر الله تعالى فيما ندب عباده إليه و وعدهم   الأجر عليه و إنما يأجرهم على حسب أقدارهم و منازلهم و نياتهم فمن عرف الله بجماله و جلاله و لطف فعاله فأحبه و اشتاق إليه و أخلص عبادته له لكونه أهلا للعبادة و لمحبته له أحبه الله و أخلصه و اجتباه و قربه إلى نفسه و أدناه قربا معنويا و دنوا روحانيا كما قال في حق بعض من هذه صفته وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ.

 و قال أمير المؤمنين و سيد الموحدين صلوات الله عليه ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك و من لم يعرف من الله سوى كونه إلها صانعا للعالم قادرا قاهرا عالما و أن له جنة ينعم بها المطيعين و نارا يعذب بها العاصين فعبده ليفوز بجنته أو يكون له النجاة من ناره أدخله الله تعالى بعبادته و طاعته الجنة و أنجاه من النار لا محالة

 كما أخبر عنه في غير موضع من كتابه فإنما لكل امرئ ما نوى

فلا تصغ إلى قول من ذهب إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب زعما منه أن هذا القصد مناف للإخلاص الذي هو إرادة وجه الله سبحانه وحده و أن من قصد ذلك فإنما قصد جلب النفع إلى نفسه و دفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه فإن هذا قول من لا معرفة له بحقائق التكاليف و مراتب الناس فيها فإن أكثر الناس يتعذر منهم العبادة ابتغاء وجه الله بهذا المعنى لأنهم لا يعرفون من الله إلا المرجو و المخوف فغايتهم أن يتذكروا النار و يحذروا أنفسهم عقابها و يتذكروا الجنة و يرغبوا أنفسهم ثوابها و خصوصا من كان الغالب على قلبه الميل إلى الدنيا فإنه قلما ينبعث له إلى فعل الخيرات لينال بها الثواب الآخرة فضلا عن عبادته على نية إجلال الله عز و جل لاستحقاقه الطاعة و العبودية فإنه قل من يفهمها فضلا عمن يتعاطاها. و الناس في نياتهم في العبادات على أقسام أدناهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف فإنه يتقي النار و منهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء فإنه يرغب   في الجنة و كل من القصدين و إن كان نازلا بالإضافة إلى قصد طاعة الله و تعظيمه لذاته و لجلاله لا لأمر سواه إلا أنه من جملة النيات الصحيحة لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة و إن كان من جنس المألوف في الدنيا. و أما قول القائل إنه ينافي الإخلاص فجوابه أنك ما تريد بالإخلاص إن أردت به أن يكون خالصا للآخرة لا يكون مشوبا بشوائب الدنيا و الحظوظ العاجلة للنفس كمدح الناس و الخلاص من النفقة بعتق العبد و نحو ذلك فظاهر أن إرادة الجنة و الخلاص من النار لا ينافيان الإخلاص بهذا المعنى و إن أردت بالإخلاص أن لا يراد بالعمل سوى جمال الله و جلاله من غير شوب من حظوظ النفس و إن كان حظا أخرويا فاشتراطه في صحة العبادة متوقف على دليل شرعي و أنى لك به بل الدلائل على خلافه أكثر من أن تذكر مع أنه تكليف بما لا يطاق بالنسبة إلى أكثر الخلائق لأنهم لا يعرفون الله بجماله و جلاله و لا تتأتى منهم العبادة إلا من خوف النار أو للطمع في الجنة. و أيضا فإن الله سبحانه قد قال ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً فرغب و رهب و وعد و أوعد فلو كان مثل هذه النيات مفسدا للعبادات لكان الترغيب و الترهيب و الوعد و الوعيد عبثا بل مخلا بالمقصود. و أيضا فإن أولياء الله قد يعملون بعض الأعمال للجنة و صرف النار لأن حبيبهم يحب ذلك أو لتعليم الناس إخلاص العمل للآخرة إذا كانوا أئمة يقتدى بهم هذا

 أمير المؤمنين سيد الأولياء قد كتب كتابا لبعض ما وقفه من أمواله فصدر كتابه بعد التسمية بهذا هذا ما أوصى به و قضى به في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار و يصرف النار عني يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ

   فإن لم تكن العبادة بهذه النية صحيحة لم يصح له أن يفعل ذلك و يلقن به غيره و يظهره في كلامه. إن قيل إن جنة الأولياء لقاء الله و قربه و نارهم فراقه و بعده فيجوز أن يكون أمير المؤمنين ع أراد ذلك قلنا إرادة ذلك ترجع إلى طلب القرب المعنوي و الدنو الروحاني و مثل هذه النية مختص بأولياء الله كما اعترف به فغيرهم لما ذا يعبدون و ليس في الآخرة إلا الله و الجنة و النار فمن لم يكن من أهل الله و أوليائه لا يمكن له أن يطلب إلا الجنة أو يهرب إلا من النار المعهودتين إذ لا يعرف غير ذلك و كل يعمل على شاكلته و لما يحبه و يهواه غير هذا لا يكون أبدا. و لعل هذا القائل لم يعرف معنى النية و حقيقتها و أن النية ليست مجرد قولك عند الصلاة أو الصوم أو التدريس أصلي أو أصوم أو أدرس قربة إلى الله تعالى ملاحظا معاني هذه الألفاظ بخاطرك و متصورا لها بقلبك هيهات إنما هذا تحريك لسان و حديث نفس و إنما النية المعتبرة انبعاث النفس و ميلها و توجهها إلى ما فيه غرضها و مطلبها إما عاجلا و إما آجلا. و هذا الانبعاث و الميل إذا لم يكن حاصلا لها لا يمكنها اختراعه و اكتسابه بمجرد النطق بتلك الألفاظ و تصور تلك المعاني و ما ذلك إلا كقول الشبعان أشتهي الطعام و أميل إليه قاصدا حصول الميل و الاشتهاء و كقول الفارغ أعشق فلانا و أحبه و أنقاد إليه و أطيعه بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشي‏ء و ميله إليه و إقباله عليه إلا بتحصيل الأسباب الموجبة لذلك الميل و الانبعاث و اجتناب الأمور المنافية لذلك المضادة له فإن النفس إنما تنبعث إلى الفعل و تقصده و تميل إليه تحصيلا للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب عليها من الصفات. فإذا غلب على قلب المدرس مثلا حب الشهرة و إظهار الفضيلة و إقبال الطلبة إليه فلا يتمكن من التدريس بنية التقرب إلى الله سبحانه بنشر العلم   و إرشاد الجاهلين بل لا يكون تدريسه إلا لتحصيل تلك المقاصد الواهية و الأغراض الفاسدة و إن قال بلسانه أدرس قربة إلى الله و تصور ذلك بقلبه و أثبته في ضميره و ما دام لم يقلع تلك الصفات الذميمة من قلبه لا عبرة بنيته أصلا و كذلك إذا كان قلبك عند نية الصلاة منهمكا في أمور الدنيا و التهالك عليها و الانبعاث في طلبها فلا يتيسر لك توجيهه بكليته و تحصيل الميل الصادق إليها و الإقبال الحقيقي عليها بل يكون دخولك فيها دخول متكلف لها متبرم بها و يكون قولك أصلي قربة إلى الله كقول الشبعان أشتهي الطعام و قول الفارغ أعشق فلانا مثلا. و الحاصل أنه لا يحصل لك النية الكاملة المعتد بها في العبادات من دون ذلك الميل و الإقبال و قمع ما يضاده من الصوارف و الأشغال و هو لا يتيسر إلا إذا صرفت قلبك عن الأمور الدنيوية و طهرت نفسك عن الصفات الذمية الدنية و قطعت نظرك عن حظوظك العاجلة بالكلية. و أقول أمر النية قد اشتبه على كثير من علمائنا رضوان الله عليهم لاشتباهه على المخالفين و لم يحققوا ذلك على الحق و اليقين و قد حقق شيخنا البهائي قدس الله روحه شيئا من ذلك في شرح الأربعين و حققنا كثيرا من غوامض أسرارها في كتاب عين الحيوة و رسالة العقائد فمن أراد تحقيق ذلك فليرجع إليهما

2-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص نية المؤمن خير من عمله و نية الكافر شر من عمله و كل عامل يعمل على نيته

 بيان هذا الحديث من الأخبار المشهورة بين الخاصة و العامة و قد قيل فيه وجوه. الأول أن المراد بنية المؤمن اعتقاده الحق و لا ريب أنه خير من أعماله   إذ ثمرته الخلود في الجنة و عدمه يوجب الخلود في النار بخلاف العمل. الثاني أن المراد أن النية بدون العمل خير من العمل بدون النية و رد بأن العمل بدون نية لا خير فيه أصلا و حقيقة التفضيل تقتضي المشاركة و لو في الجملة. الثالث ما نقل عن ابن دريد و هو أن المؤمن ينوي خيرات كثيرة لا يساعده الزمان على عملها فكان الثواب المترتب على نياته أكثر من الثواب المترتب على أعماله الرابع ما ذكره بعض المحققين و هو أن المؤمن ينوي أن يوقع عباداته على أحسن الوجوه لأن إيمانه يقتضي ذلك ثم إذا كان يشتغل بها لا يتيسر له ذلك و لا يتأتى كما يريد فلا يأتي بها كما ينبغي فالذي ينوي دائما خير من الذي يعمل في كل عبادة و هذا قريب من المعنى الأول و يمكن الجمع بينهما

 و يؤيدهما الخبر الثالث و الخامس و ما رواه الصدوق ره في علل الشرائع بإسناده عن أبي جعفر ع أنه كان يقول نية المؤمن خير من عمله و ذلك لأنه ينوي من الخير ما لا يدركه و نية الكافر شر من عمله و ذلك لأن الكافر ينوي الشر و يأمل من الشر ما لا يدركه

 و بإسناده عن أبي عبد الله ع أنه قال له زيد الشحام إني سمعتك تقول نية المؤمن خير من عمله فكيف تكون النية خيرا من العمل قال لأن العمل إنما كان رئاء المخلوقين و النية خالصة لرب العالمين فيعطي عز و جل على النية ما لا يعطي على العمل قال أبو عبد الله ع إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام فيثبت الله له صلاته و يكتب نفسه تسبيحا و يجعل نومه صدقة

الخامس أن طبيعة النية خير من طبيعة العمل لأنه لا يترتب عليها عقاب أصلا بل إن كانت خيرا أثيب عليها و إن كانت شرا كان وجودها كعدمها   بخلاف العمل فإن من يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فصح أن النية بهذا الاعتبار خير من العمل. و أقول يمكن أن يقال هذا في الشر أيضا بناء على أن الكافر يعاقب على نيات الشر و إنما العفو عن المؤمنين. السادس أن النية من أعمال القلب و هو أفضل من الجوارح فعمله أفضل من عملها أ لا ترى إلى قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي جعل سبحانه الصلاة وسيلة إلى الذكر و المقصود أشرف من الوسيلة و أيضا فإعمال القلب مستورة عن الخلق لا يتطرق إليها الرئاء و غيره بخلاف أعمال الجوارح. السابع أن المراد أن نية بعض الأعمال الشاقة كالحج و الجهاد خير من بعض الأعمال الخفية كتلاوة آية من القرآن و الصدقة بدرهم مثلا. الثامن ما ذكره السيد المرتضى رضي الله عنه في الغرر أن لفظة خير ليست اسم تفضيل بل المراد أن نية المؤمن عمل خير من جملة أعماله و من تبعيضية و به دفع التنافي بين هذا الحديث و بين ما يروى عنه ص أفضل الأعمال أحمزها و يجري هذا الوجه في قوله و نية الكافر شر من عمله فإن المعنى فيه أيضا ليس معنى التفضيل بل المعنى شر من جملة عمله. فإن قيل كيف يصح هذا مع ما ورد في الحديث من أن ابن آدم إذا هم بالحسنة كتبت له حسنة و إذا هم بالسيئة لم يكتب عليه شي‏ء حتى يعمل قلنا قد ذكرنا سابقا أن ظاهر بعض الأخبار أن ذلك مخصوص بالمؤمنين. التاسع أن المراد بالنية تأثر القلب عند العمل و انقياده إلى الطاعة و إقباله على الآخرة و انصرافه عن الدنيا و ذلك يشتد بشغل الجوارح في الطاعات و كفها عن المعاصي فإن بين الجوارح و القلب علاقة شديدة يتأثر كل منهما بالآخر كما إذا حصل للأعضاء آفة سرى أثرها إلى القلب فاضطرب و إذا تألم القلب بخوف مثلا سرى أثره إلى الجوارح فارتعدت و القلب هو الأمير المتبوع   و الجوارح كالرعايا و الأتباع و المقصود من أعمالها حصول ثمرة للقلب. فلا تظن أن في وضع الجبهة على الأرض غرضا من حيث إنه جمع بين الجبهة و الأرض بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب فإن من يجد في نفسه تواضعا فإذا استعان بأعضائه و صورها بصورة التواضع تأكد بذلك تواضعه و أما من يسجد غافلا عن التواضع و هو مشغول القلب بأغراض الدنيا فلا يصل من وضع جبهته على الأرض أثر على قلبه بل سجوده كعدمه نظرا إلى الغرض المطلوب منه فكانت النية روح العمل و ثمرته و المقصد الأصلي من التكليف به فكانت أفضل. و هذا الوجه قريب مما ذكره الغزالي في إحيائه و هو أن كل طاعة تنتظم بنية و عمل و كل منهما من جملة الخيرات إلا أن النية من الطاعتين خير من العمل لأن أثر النية في المقصود أكثر من أثر العمل لأن صلاح القلب هو المقصود من التكليف و الأعضاء آلات موصلة إلى المقصود و الغرض من حركات الجوارح أن يعتاد القلب إرادة الخير و يؤكد الميل إليه ليتفرغ عن شهوات الدنيا و يقبل على الذكر و الفكر فبالضرورة يكون خيرا بالإضافة إلى الغرض قال الله تعالى لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ و التقوى صفة القلب و في الحديث إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد. العاشر أن نية المؤمن هي الباعثة له على عمل الخير فهي أصل العمل و علته و العمل فرعها لأنه لا يحصل العمل و لا يوجد إلا بتصور المقصود الحقيقي و التصديق بحصوله و انبعاث النفس إليه حتى يشتد العزم و يوجد الفعل فبهذه الجهة هي أشرف و كذا نية الكافر سبب لعمله الخبيث فهي شر منه. الحادي عشر أن النية روح العمل و العمل بمثابة البدن لها فخيريته و شريته تابعتان لخيرية النية و شريتها كما أن شرافة البدن و خباثته تابعتان

    لشرافة الروح و خباثته فبهذا الاعتبار نية المؤمن خير من عمله و نية الكافر شر من عمله. الثاني عشر أن نية المؤمن و قصده أولا هو الله و ثانيا العمل لأنه يوصل إليه و نية الكافر و قصده غيره تعالى و عمله يوصله إليه و بهذا الاعتبار صح ما ذكر. و هذا الوجه و ما تقدمه مستفادان من كلام المحقق الطوسي قدس سره و الوجود المذكورة ربما يرجع بعضها إلى بعض و بعد ما أحطت خبرا بما ذكرناه نذكر ما هو أقوى عندنا بعد الإعراض عن الفضول و هو الحق الحقيق بالقبول. فاعلم أن الإشكالات الناشئة من هذا الخبر إنما هو لعدم تحقيق معنى النية و توهم أنها تصور الغرض و الغاية و إخطارها بالبال و إذا حققتها كما أومأنا إليه سابقا عرفت أن تصحيح النية من أشق الأعمال و أحمزها و أنها تابعة للحالة التي النفس متصفة بها و كمال الأعمال و قبولها و فضلها منوط بها و لا يتيسر تصحيحها إلا بإخراج حب الدنيا و فخرها و عزها من القلب برياضات شاقة و تفكرات صحيحة و مجاهدات كثيرة فإن القلب سلطان البدن و كلما استولى عليه يتبعه سائر الجوارح بل هو الحصن الذي كل حب استولى عليه و تصرف فيه يستخدم سائر الجوارح و القوى و يحكم عليها و لا تستقر فيه محبتان غالبتان كما قال الله عز و جل يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد و لا قلبان في صدر واحد و كذلك الأذهان و قال سبحانه ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ. فالدنيا و الآخرة ضرتان لا يجتمع حبهما في قلب فمن استولى على قلبه حب المال لا يذهب فكره و خياله و قواه و جوارحه إلا إليه و لا يعمل عملا إلا و مقصوده الحقيقي فيه تحصيله و إن ادعى غيره كان كاذبا و لذا يطلب   الأعمال التي وعد فيها كثرة المال و لا يتوجه إلى الطاعات التي وعد فيها قرب ذي الجلال و كذا من استولى عليه حب الجاه ليس مقصوده في أعماله إلا ما يوجب حصوله و كذا سائر الأغراض الباطلة الدنيوية فلا يخلص العمل لله سبحانه و للآخرة إلا بإخراج حب هذه الأمور من القلب و تصفيته عما يوجب البعد عن الحق. فللناس في نياتهم مراتب شتى بل غير متناهية بحسب حالاتهم فمنها ما يوجب فساد العمل و بطلانه و منها ما يوجب صحته و منها ما يوجب كماله و مراتب كماله أيضا كثيرة فأما ما يوجب بطلانه فلا ريب في أنه إذا قصد الرئاء المحض أو الغالب بحيث لو لم يكن رؤية الغير له لا يعمل هذا العمل إنه باطل لا يستحق الثواب عليه بل يستحق العقاب كما دلت عليه الآيات و الأخبار الكثيرة و أما إذا ضم إلى القربة غيرها بحيث كان الغالب القربة و لو لم تكن الضميمة يأتي بها ففيه إشكال و لا تبعد الصحة و لو تعلق الرئاء ببعض صفاته المندوبة كإسباغ الوضوء و تطويل الصلاة فأشد إشكالا. و لو ضم إليها غير الرئاء كالتبريد ففيه أقوال ثالثها التفصيل بالصحة مع كون القربة مقصودة بالذات و البطلان مع العكس قال في الذكرى لو ضم إلى النية منافيا فالأقرب البطلان كالرئاء و الندب في الواجب لأن تنافي المرادات يستلزم تنافي الإرادات و ظاهر المرتضى الصحة بمعنى عدم الإعادة لا بمعنى حصول الثواب ذكر ذلك في الصلاة المنوي بها الرئاء و هو يستلزم الصحة فيها و في غيرها مع ضم الرئاء إلى التقرب و لو ضم اللازم كالتبرد قطع الشيخ و صاحب المعتبر بالصحة لأنه فعل الواجب و زيادة غير منافية و يمكن البطلان لعدم الإخلاص الذي هو شرط الصحة و كذا التسخن و النظافة انتهى. و أقول لو ضم إلى القربة بعض المطالب المباحة الدنيوية فهل تبطل عبادته ظاهر جماعة من الأصحاب البطلان و يشكل بأن صلوات الحاجة و الاستخارة و تلاوة القرآن و الأذكار و الدعوات المأثورة للمقاصد الدنيوية عبادات بلا ريب مع أن

    تكليف خلو القصد عنها تكليف بالمحال و الجمع بين الضدين كأن يقول أحد ائت الموضع الفلاني لرؤية الأسد من غير أن يكون غرضك رؤيته أو اذهب إلى السوق و اشتر المتاع من غير أن تقصد شراء المتاع و قد ورد في الأخبار الكثيرة منافع دنيوية للطاعات ككون صلاة الليل سببا لوسعة الرزق و كون الحج موجبا للغناء و أمثال ذلك كثيرة فلو كانت هذه مخلة بالقربة لكان ذكرها إغراء بالقبيح إذ بعد السماع ربما يمتنع تخلية القصد عنها. نعم يمكن أن تئول هذه القصود بالأخرة إلى القربة كأن يكون غرض طالب الرزق صرفه في وجوه البر و التقوى به على الطاعة و من يكون مقصوده من طول العمر تحصيل رضا الرب تعالى لكن هذا القصد لا يتحقق واقعا و حقيقة إلا لآحاد المقربين و لا يتيسر لأكثر الناس هذه النية و هذا الغرض إلا بالانتحال و الدعاوي الكاذبة و توهم أن الإخطار بالبال نية واقعية و بينهما بعد المشرقين. فالظاهر أنه يكفي لكونه طاعة و قربة كونه بأمره سبحانه و موافقا لرضاه و متضمنا لذكره و التوسل إليه و إن كان المقصود تحصيل بعض الأمور المباحة لنيل اللذات المحللة و أما النيات الكاملة و الأغراض العرية عن المطالب الدنية الدنيوية فهي تختلف بحسب الأشخاص و الأحوال و لكل منهم نية تابعة لشاكلته و طريقته و حالته بل لكل شخص في كل حالة نية تتبع تلك الحالة و لنذكر بعض منازلها و درجاتها فالأولى نية من تنبه و تفكر في شديد عذاب الله و أليم عقابه فصار ذلك موجبا لحط الدنيا و لذاتها عن نظره فهو يعمل كل ما أراد من الأعمال الحسنة و يترك ما ينتهي عنه من الأعمال السيئة خوفا من عذابه. الثانية نية من غلب عليه الشوق إلى ما أعد الله للمحسنين في الجنة من نعيمها و حورها و قصورها فهو يعبد الله لتحصيل تلك الأمور و هاتان نيتان صحيحتان على الأظهر و إن توهم الأكثر بطلان العبادة بهما لغفلتهم عن معنى النية كما عرفت و العجب أن العلامة رحمه الله ادعى اتفاق العدلية على أن من   فعل فعلا لطلب الثواب أو خوف العقاب فإنه لا يستحق بذلك ثوابا. و أقول لهاتين النيتين أيضا مراتب شتى بحسب اختلاف أحوال الناس فإن من الناس من يطلب الجنة لحصول مشتهياته الجسمانية فيه و منهم من يطلبها لكونها دار كرامة الله و محل قرب الله و كذا منهم من يهرب من النار لألمها و منهم من يهرب منها لكونها دار البعد و الهجران و الحرمان و محل سخط الله كما

 قال أمير المؤمنين ع في الدعاء الذي علمه كميل بن زياد النخعي فلئن صيرتني في العقوبات مع أعدائك و جمعت بيني و بين أهل بلائك و فرقت بيني و بين أحبائك و أوليائك فهبني يا إلهي و سيدي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك و هبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر على النظر إلى كرامتك

إلى آخر ما ذكر في هذا الدعاء المشتمل على جميع منازل المحبين و درجات العارفين فظهر أن هاتين الغايتين و طلبهما لا تنافيان درجات المقربين. الثالثة نية من يعبد الله تعالى شكرا له فإنه يتفكر في نعم الله التي لا تحصى عليه فيحكم عقله بأن شكر المنعم واجب فيعبده لذلك كما هو طريقة المتكلمين

 و قد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار و إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد و إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار

الرابعة نية من يعبده حياء فإنه يحكم عقله بحسن الحسنات و قبح السيئات و يتذكر أن الرب الجليل مطلع عليه في جميع أحواله فيعبده و يترك معاصيه لذلك

 و إليه يشير قول النبي ص الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك

   الخامسة نية من يعبده تقربا إليه تعالى تشبيها للقرب المعنوي بالقرب المكاني و هذا هو الذي ذكره أكثر الفقهاء و لم أر في كلامهم تحقيق القرب المعنوي فالمراد إما القرب بحسب الدرجة و الكمال إذ العبد لإمكانه في غاية النقص عار عن جميع الكمالات و الرب سبحانه متصف بجميع الصفات الكمالية فبينهما غاية البعد فكلما رفع عن نفسه شيئا من النقائص و اتصف بشي‏ء من الكمالات حصل له قرب ما بذلك الجناب أو القرب بحسب التذكر و المصاحبة المعنوية فإن من كان دائما في ذكر أحد و مشغولا بخدماته فكأنه معه و إن كان بينهما غاية البعد بحسب المكان و في قوة هذه النية إيقاع الفعل امتثالا لأمره تعالى أو موافقة لإرادته أو انقيادا و إجابة لدعوته أو ابتغاء لمرضاته. فهذه النيات التي ذكرها أكثر الأصحاب و قالوا لو قصد لله مجردا عن جميع ذلك كان مجزيا فإنه تعالى غاية كل مقصد و إن كان يرجع إلى بعض الأمور السالفة. السادسة نية من عبد الله لكونه أهلا للعبادة و هذه نية الصديقين كما قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك و لا تسمع هذه الدعوى من غيرهم و إنما يقبل ممن يعلم منه أنه لو لم يكن لله جنة و لا نار بل لو كان على الفرض المحال يدخل العاصي الجنة و المطيع النار لاختار العبادة لكونه أهلا لها كما أنهم في الدنيا اختاروا النار لذلك فجعلها الله عليهم بردا و سلاما و عقوبة الأشرار فجعلها الله عندهم لذة و راحة و نعيما. السابعة نية من عبد الله حبا له و درجة المحبة أعلى درجات المقربين و المحب يختار رضا محبوبه و لا ينظر إلى ثواب و لا يحذر من عقاب و حبه تعالى إذا استولى على القلب يطهره عن حب ما سواه و لا يختار في شي‏ء من الأمور إلا رضا مولاه.

 كما روى الصدوق رحمه الله بإسناده عن الصادق ع أنه قال إن الناس   يعبدون الله على ثلاثة أوجه فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء و هو الطمع و آخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد و هي رهبة و لكني أعبده حبا له عز و جل فتلك عبادة الكرام و هو الأمن لقوله عز و جل وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ و لقوله عز و جل قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ فمن أحب الله أحبه الله و من أحبه الله عز و جل كان من الآمنين

 و في تفسير الإمام ع قال علي بن الحسين ع إني أكره أن أعبد الله لأغراض لي و لثوابه فأكون كالعبد الطمع المطيع إن طمع عمل و إلا لم يعمل و أكره أن أعبده لخوف عقابه فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل قيل فلم تعبده قال لما هو أهله بأياديه علي و إنعامه

 و قال محمد بن علي الباقر ع لا يكون العبد عابدا لله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كله إليه فحينئذ يقول هذا خالص لي فيتقبله بكرمه

 و قال جعفر بن محمد ع ما أنعم الله عز و جل على عبده أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله غيره

 و قال موسى بن جعفر ع أشرف الأعمال التقرب بعبادة الله عز و جل

 و قال علي الرضا ع إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قول لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله و خليفة محمد رسول الله حقا و خلفاؤه خلفاء الله وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ علمه في قلبه بأن هذا صحيح كما قلته بلساني

و أقول لكل من النيات الفاسدة و الصحيحة أفراد أخرى يعلم بالمقايسة مما ذكرنا و هي تابعة لأحواله و صفاته و ملكاته الراسخة منبعثة عنها و من هذا يظهر سر أن أهل الجنة يخلدون فيها بنياتهم لأن النية الحسنة تستلزم طينة   طيبة و صفات حسنة و ملكات جميلة تستحق الخلود بذلك إذ لم يكن مانع العمل من قبله فهو بتلك الحالة مهيئ للأعمال الحسنة و الأفعال الجميلة و الكافر مهيئ لضد ذلك و تلك الصفات الخبيثة المستلزمة لتلك النية الردية استحق الخلود في النار. و بما ذكرنا ظهر معنى قوله ع و كل عامل يعمل على نيته أي عمل كل عامل يقع على وفق نيته في النقص و الكمال و الرد و القبول و المدار عليها كما عرفت و على بعض الاحتمالات المعنى أن النية سبب للفعل و باعث عليه و لا يتأتى العمل إلا بها كما مر

3-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن أسباط عن محمد بن إسحاق بن الحسين بن عمرو عن حسن بن أبان عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا فقال حسن النية بالطاعة

 بيان قد مضى الكلام فيه و الحاصل أنه حد العبادة الصحيحة المقبولة بالنية الحسنة غير المشوبة مع طاعة الإمام لأنهما العمدة في الصحة و القبول فالحمل على المبالغة أو المراد بالطاعة الإتيان بالوجوه التي يطاع الله منها مطلقا

4-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البر و وجوه الخير فإذا علم الله عز و جل ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم

 تبيان ليقول أي بلسانه أو بقلبه أو الأعم منهما فإذا علم الله عز و جل ذلك أي علم أنه إن رزقه يفي بما يعده من الخير فإن كثيرا من المتمنيات و المواعيد كاذبة لا يفي الإنسان به إن الله واسع أي واسع القدرة أو واسع العطاء   كريم بالذات فالإثابة على نية الخير من سعة جوده و كرمه لا من استحقاقهم ذلك. قال الشيخ البهائي قدس سره هذا الحديث يمكن أن يجعل تفسيرا لقوله ع نية المؤمن خير من عمله فإن المؤمن ينوي كثيرا من هذه النيات فيثاب عليها و لا يتيسر العمل إلا قليلا انتهى. و أقول النية تطلق على النية المقارنة للفعل و على العزم المتقدم عليه سواء تيسر العمل أم لا و على التمني للفعل و إن علم عدم تمكنه منه و المراد هنا أحد المعنيين الآخرين و يمكن أن يقال إن النية لما كانت من الأفعال الاختيارية القلبية فلا محالة يترتب عليها ثواب و إذا فعل الفعل المنوي يترتب عليه ثواب آخر و لا ينافي اشتراط العمل بها تعدد الثواب كما أن الصلاة صحتها مشروطة بالوضوء و يترتب على كل منهما ثواب إذا اقترنا. فإذا لم يتيسر الفعل لعدم دخوله تحت قدرته أو لمانع عرض له يثاب على العزم و ترتب الثواب عليه غير مشروطة بحصول الفعل بل بعدم تقصيره فيه فالثواب الوارد في الخبر يحتمل أن يكون هذا الثواب فله مع الفعل ثوابان و بدونه ثواب واحد فلا يلزم كون العمل لغوا و لا كون ثواب النية و العمل معا كثوابها فقط و يحتمل أن يكون ثواب النية كثوابها مع العمل بلا مضاعفة و مع العمل يضاعف عشر أمثالها أو أكثر. و يؤيده ما سيأتي أن الله جعل لآدم أن من هم من ذريته بسيئة لم تكتب عليه و إن عملها كتبت عليه سيئة و من هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشرا و إن أمكن حمله على ما إذا لم يعملها مع القدرة عليها. و على ما حققنا أن النية تابعة للشاكلة و الحالة و أن كمالها لا يحصل إلا بكمال النفس و اتصافها بالأخلاق الرضية الواقعية فلا استبعاد في تساوي ثواب من عزم على فعل على وجه خاص من الكمال و لم يتيسر له و من فعله على هذا   الوجه. و قيل إثابة المؤمن بنية أمر خير متفق عليه بين الأمة و رواه الخاصة و العامة

 روى مسلم بإسناده عن رسول الله ص قال من طلب الشهادة صادقا أعطيها و لو لم تصبه

 و بإسناد آخر عنه ص قال من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء و إن مات على فراشه

قال الماذري و فيهما دلالة على أن من نوى شيئا من أعمال البر و لم يفعله لعذر كان بمنزلة من عمله و على استحباب طلب الشهادة و نية الخير و قد صرح بذلك جماعة من علمائهم حتى قال الآبي لو لم ينوه كان حاله حال المنافق لا يفعل الخير و لا ينويه

5-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقري عن أحمد بن يونس عن أبي هاشم قال قال أبو عبد الله ع إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا و إنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا فبالنيات خلد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قال على نيته

 بيان كأن الاستشهاد بالآية مبني على ما حققنا سابقا أن المدار في الأعمال على النية التابعة للحالة التي اتصفت النفس بها من العقائد و الأخلاق الحسنة و السيئة فإذا كانت النفس على العقائد الثابتة و الأخلاق الحسنة الراسخة التي لا يتخلف عنها الأعمال الصالحة الكاملة لو بقي في الدنيا أبدا فبتلك الشاكلة و الحالة استحق الخلود في الجنة و إذا كانت على العقائد الباطلة و الأخلاق الردية التي علم الله تعالى أنه لو بقي في الدنيا أبدا لعصى الله تعالى دائما فبتلك الشاكلة استحق الخلود في النار لا بالأعمال التي لم يعملها فلا يرد أنه ينافي الأخبار الواردة في أنه إذا أراد السيئة و لم يعملها لم تكتب عليه مع أنه يمكن حمله على ما إذا لم تصر   شاكلة له و لم تكن بحيث علم الله أنه لو بقي لأتى بها أو يحمل عدم كتابة السيئة على المؤمنين و هذا إنما هو في الكفار و قد يستدل بهذا الخبر على أن كل كافر يمكن في حقه التوبة و الإيمان لا يموت على الكفر. أقول و يمكن أن يستدل به على أن بالعزم على المعصية يستحق العقاب و إن عفا الله عن المؤمنين تفضلا و ما ذكره المحقق الطوسي قدس سره في التجريد في مسألة خلق الأعمال حيث قال و إرادة القبيح قبيحة يدل على أنه يعد إرادة العباد للحرام فعلا قبيحا محرما و هو الظاهر من كلام أكثر الأصحاب سواء كان تاما مستتبعا للقبيح أو عزما ناقصا غير مستتبع لكن قد تقرر عندهم أن إرادة القبيح إذا كانت غير مقارنة لفعل قبيح يتعلق بها العفو كما دلت عليه الروايات و سيأتي بعضها و أما إذا كانت مقارنة فلعله أيضا كذلك و ادعى بعضهم الإجماع على أن فعل المعصية لا يتعلق به إلا إثم واحد و من البعيد أن يتعلق به إثمان أحدهما بإرادته و الآخر بإيقاعه. فيندفع حينئذ التدافع بين ما ذكره المحقق رحمه الله من قبح إرادة القبيح و بين ما هو المشهور من أن الله تعالى لا يعاقب بإرادة الحرام و إنما يعاقب بفعله و ما أوله به بعضهم من أن المراد أنه لا يعاقب العقوبة الخاصة بفعل المعصية بمجرد إرادتها و يثيب الثواب الخاص بفعل الطاعة بمجرد إرادتها ففيه أن شيئا من ذلك غير صحيح فإن الظاهر من النصوص أنه تعالى لا يعاقب و لا يؤاخذ على إرادة المعصية أصلا و إن الإجماع قائم على أن ثواب الطاعة لا يترتب على إرادتها بل المترتب عليها نوع آخر من الثواب يختلف باختلاف الأحوال المقارنة لها من خلوص النية و شدة الجد فيها و الاستمرار عليها إلى غير ذلك و لا مانع من أن تصير في بعض الأحوال أعظم من ثواب نفس الفعل الذي لم يكن لصاحبه تلك الإرادة البالغة الجامعة لهذه الخصوصيات و كأن تتبع الآثار المأثورة يغني عن الإطالة في هذا الباب. و أقول قد عرفت بعض ما حققنا في ذلك و سيأتي إن شاء الله تمام الكلام   عند شرح بعض الأخبار في أواخر هذا المجلد

6-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن أبي الحسن علي بن يحيى عن أيوب بن أعين عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له احتج فيقول يا رب خلقتني و هديتني فأوسعت علي فلم أزل أوسع على خلقك و أيسر عليهم لكي تنشر هذا اليوم رحمتك و تيسره فيقول الرب جل ثناؤه و تعالى ذكره صدق عبدي أدخلوه الجنة

7-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن علي بن عيسى قال إن موسى ناجاه الله تبارك و تعالى فقال في مناجاته و ذكر حديثا قدسيا طويلا إلى أن قال فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة

8-  نهج، ]نهج البلاغة[ هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة و يعطيني الأمنة

 و فيه و ليس رجل فاعلم أحرص على جماعة أمة محمد و ألفتها مني أبتغي بذلك حسن الثواب و كريم المآب

9-  لي، ]الأمالي للصدوق[ بإسناده إلى النبي ص قال من صام يوما تطوعا ابتغاء ثواب الله وجبت له المغفرة

 بيان في هذه الأخبار كلها دلالة على أن طلب الثواب و الحذر من العقاب لا ينافي صحة العمل و كماله و القربة فيه

    -10  فس، ]تفسير القمي[ مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ قال من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا أعطاه ثوابه في الدنيا و كان له في الآخرة النار

11-  ل، ]الخصال[ ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن الثمالي عن علي بن الحسين ع قال لا حسب لقرشي و لا عربي إلا بتواضع و لا كرم إلا بتقوى و لا عمل إلا بنية و لا عبادة إلا بتفقه ألا و إن أبغض الناس إلى الله عز و جل من يقتدي بسنة إمام و لا يقتدي بأعماله

12-  فس، ]تفسير القمي[ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي على نيته فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا فإنه حدثني أبي عن جعفر بن إبراهيم عن أبي الحسن الرضا ع قال إذا كان يوم القيامة أوقف المؤمن بين يديه فيكون هو الذي يلي حسابه فيعرض عليه عمله فينظر في صحيفته فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه و ترتعش فرائصه و تفزع نفسه ثم يرى حسناته فتقر عينه و تسر نفسه و تفرح روحه ثم ينظر إلى ما أعطاه من الثواب فيشتد فرحه ثم يقول الله للملائكة هلموا الصحف التي فيها الأعمال التي لم يعملوها قال فيقرءونها فيقولون و عزتك إنك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئا فيقول صدقتم نويتموها فكتبناها لكم ثم يثابون عليها

13-  ع، ]علل الشرائع[ ل، ]الخصال[ لي، ]الأمالي للصدوق[ السناني عن محمد بن هارون عن عبيد الله بن موسى الطبري عن محمد بن الحسين الخشاب عن محمد بن محصن عن يونس بن ظبيان   قال قال الصادق جعفر بن محمد ع إن الناس يعبدون الله عز و جل على ثلاثة أوجه فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء و هو الطمع و آخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد و هي رهبة و لكني أعبده حبا له عز و جل فتلك عبادة الكرام و هو الأمن لقوله عز و جل وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ و لقوله عز و جل قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ فمن أحب الله أحبه الله و من أحبه الله عز و جل كان من الآمنين

14-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن إدريس عن أبيه عن ابن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن الحسن بن الجهم عن الفضيل قال قال الصادق ع ما ضعف بدن عما قويت عليه النية

15-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن اليقطيني عن يونس عن أبي الوليد عن الحسن بن زياد قال قال أبو عبد الله ع من صدق لسانه زكي عمله و من حسنت نيته زيد في رزقه و من حسن بره بأهل بيته زيد في عمره

16-  ل، ]الخصال[ أبي عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن عبد الله بن محمد الرازي عن بكر بن صالح عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع مثله و فيه زاد الله مكان زيد في الموضعين

17-  مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن   سنان قال كنا جلوسا عند أبي عبد الله ع إذ قال له رجل من الجلساء جعلت فداك يا ابن رسول الله أ تخاف علي أن أكون منافقا قال فقال له إذا خلوت في بيتك نهارا أو ليلا أ ليس تصلي فقال بلى قال فلمن تصلي فقال لله عز و جل قال فكيف تكون منافقا و أنت تصلي لله عز و جل لا لغيره

18-  ع، ]علل الشرائع[ أبي عن حبيب بن الحسين الكوفي عن ابن أبي الخطاب عن أحمد بن صبيح عن زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله ع إني سمعتك تقول نية المؤمن خير من عمله فكيف تكون النية خيرا من العمل قال لأن العمل ربما كان رياء المخلوقين و النية خالصة لرب العالمين فيعطي عز و جل على النية ما لا يعطي على العمل قال أبو عبد الله ع إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام فيثبت الله له صلاته و يكتب نفسه تسبيحا و يجعل نومه عليه صدقة

19-  ع، ]علل الشرائع[ أبي عن محمد العطار عن الأشعري عن عمران بن موسى عن الحسن بن علي بن النعمان عن الحسن بن الحسين الأنصاري عن بعض رجاله عن أبي جعفر ع أنه كان يقول نية المؤمن أفضل من عمله و ذلك لأنه ينوي من الخير ما لا يدركه و نية الكافر شر من عمله و ذلك لأن الكافر ينوي الشر و يأمل من الشر ما لا يدركه

20-  ب، ]قرب الإسناد[ هارون عن ابن صدقة قال سئل جعفر بن محمد ع عما قد يجوز و عما لا يجوز من النية على الإضمار في اليمين فقال إن النيات قد تجوز في موضع و لا تجوز في آخر فأما ما تجوز فيه فإذا كان مظلوما فما حلف به و نوى اليمين فعلى نيته و أما إذا كان ظالما فاليمين على نية المظلوم ثم قال و لو كانت النيات من أهل الفسق يؤخذ بها أهلها إذا لأخذ كل من نوى الزنا بالزنا و كل من نوى السرقة بالسرقة و كل من نوى القتل بالقتل و لكن الله عدل كريم حكيم   ليس الجور من شأنه و لكنه يثيب على نيات الخير أهلها و إضمارهم عليها و لا يؤاخذ أهل الفسوق حتى يفعلوا

 أقول روى هذا الخبر في موضع آخر من هذا الكتاب بهذا السند و زاد في آخره زيادة هي هذه و ذلك إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح و لو ذهب العالم المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه و ينبغي له أن يقوم به حتى يكون ذلك منه بالنبطية و الفارسية فحيل بينه و بين ذلك بالأدب حتى يعود إلى ما قد علمه و عقله قال و لو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجمي المحرم ففعل فعال الأعجمي و الأخرس على ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا لشي‏ء من الخير و لا يعرف الجاهل من العالم

21-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن الصلت عن ابن عقدة عن المنذر بن محمد عن أحمد بن يحيى الضبي عن موسى بن القاسم عن أبي الصلت عن الرضا ع عن آبائه ع قال قال رسول الله ص لا قول إلا بعمل و لا قول و لا عمل إلا بنية و لا قول و لا عمل و لا نية إلا بإصابة السنة

22-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن مخلد عن أبي عمرو عن محمد بن هشام المروزي عن يحيى بن عثمان عن بقية عن إسماعيل البصري يعني ابن علية عن أبان عن أنس قال قال رسول الله ص لا يقبل قول إلا بعمل و لا يقبل قول و عمل إلا بنية و لا يقبل قول و عمل و نية إلا بإصابة السنة

23-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن علي بن أحمد بن سيابة عن   عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن حماد بن عيسى عن ابن أذينة عن الفضيل قال سمعت الصادق و الباقر ع يحدثان عن آبائهما عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال قال رسول الله ص نية المؤمن أبلغ من عمله و كذلك الفاجر

24-  ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن محمد عن محمد البرقي عن إبراهيم بن إسحاق عن أبي عثمان العبدي عن جعفر عن أبيه عن علي ع قال قال رسول الله ص لا قول إلا بعمل و لا عمل إلا بنية و لا عمل و لا نية إلا بإصابة السنة

25-  سن، ]المحاسن[ عن ابن فضال عن محمد عن الثمالي عن أبي عبد الله ع قال لو نظر الناس إلى مردود الأعمال من السماء لقالوا ما يقبل الله من أحد عملا

26-  سن، ]المحاسن[ النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص نية المؤمن خير من عمله و نية الفاجر شر من عمله و كل عامل يعمل بنيته

27-  سن، ]المحاسن[ الوشاء عن ابن فضال عن المثنى الحناط عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله ع من حسنت نيته زاد الله في رزقه

28-  سن، ]المحاسن[ بعض أصحابنا بلغ به خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي قال سأل عيسى بن عبد الله القمي أبا عبد الله ع و أنا حاضر فقال ما العبادة فقال حسن النية بالطاعة من الوجه الذي يطاع الله منه

 و في حديث آخر قال حسن النية بالطاعة عن الوجه الذي أمر به

    -29  سن، ]المحاسن[ علي بن الحكم عن أبي عروة السلمي عن أبي عبد الله ع قال إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة

30-  سن، ]المحاسن[ القاساني عن الأصبهاني عن المنقري عن أحمد بن يونس عن أبي هاشم قال سألت أبا عبد الله ع عن الخلود في الجنة و النار فقال إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا و إنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا فبالنيات خلد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي على نيته

 شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي هاشم مثله

31-  ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ أروي عن العالم ع أنه قال نية المؤمن خير من عمله لأنه ينوي خيرا من عمله و نية الفاجر شر من عمله و كل عامل يعمل على نيته و نروي نية المؤمن خير من عمله لأنه ينوي من الخير ما لا يطيقه و لا يقدر عليه و روي من حسنت نيته زاد الله في رزقه و سألت العالم ع عن قول الله خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ قوة الأبدان أم قوة القلوب فقال جميعا و قال لا قول إلا بعمل و لا عمل إلا بنية و لا نية إلا بإصابة السنة و نروي حسن الخلق سجية و نية و صاحب النية أفضل و نروي ما ضعفت نية عن نية

 و أروي عنه نية المؤمن خير من عمله فسألته عن معنى ذلك فقال العمل يدخله الرياء و النية لا يدخلها الرياء   و سألت العالم ع عن تفسير نية المؤمن خير قال إنه ربما انتهت بالإنسان حاله من مرض أو خوف فتفارقه الأعمال و معه نيته فلذلك الوقت نية المؤمن خير من عمله و في وجه آخر أنها لا يفارقه عقله أو نفسه و الأعمال قد يفارقه قبل مفارقة العقل و النفس

32-  مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم لأن سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية لله في الأمور كلها قال الله عز و جل يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

 و قال النبي ص نية المؤمن خير من عمله

 و قال ع إنما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى و لا بد للعبد من خالص النية في كل حركة و سكون لأنه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافلا و الغافلون قد وصفهم الله تعالى فقال أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا و قال أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ثم النية تبدو من القلب على قدر صفاء المعرفة و يختلف على حسب اختلاف الأوقات في معنى قوته و ضعفه و صاحب النية الخالصة نفسه و هواه مقهورتان تحت سلطان تعظيم الله و الحياء منه و هو من طبعه و شهوته و منيته نفسه منه في تعب و الناس منه في راحة

33-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال علي بن الحسين ع إني أكره أن أعبد الله و لا غرض لي إلا ثوابه فأكون كالعبد الطمع المطمع إن طمع عمل و إلا لم يعمل و أكره أن لا أعبده إلا لخوف عقابه فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل قيل فلم تعبده قال لما هو أهله بأياديه علي و إنعامه

    و قال محمد بن علي الباقر ع لا يكون العبد عابدا لله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كله إليه فحينئذ يقول هذا خالص لي فيتقبله بكرمه

 و قال جعفر بن محمد ع ما أنعم الله عز و جل على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله غيره

 و قال موسى بن جعفر الكاظم ع أشرف الأعمال التقرب بعبادة الله عز و جل

 و قال علي الرضا ع إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قول لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله و خليفة محمد رسول الله حقا و خلفائه خلفاء الله وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ علمه في قلبه بأن هذا صحيح كما قلته بلساني

34-  جا، ]المجالس للمفيد[ أبو غالب أحمد بن محمد عن جده محمد بن سليمان عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله ع قال إنما قدر الله عون العباد على قدر نياتهم فمن صحت نيته تم عون الله له و من قصرت نيته قصر عنه العون بقدر الذي قصر

35-  غو، ]غوالي اللئالي[ عن النبي ص إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه

36-  كتاب قضاء الحقوق، للصوري قال رسول الله ص نية المؤمن خير من عمله

37-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن حنظلة بن زكريا عن محمد بن علي بن حمزة عن أبيه عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص لا حسب إلا بالتواضع و لا كرم إلا بالتقوى و لا عمل بالنية

    -38  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن إسحاق الموسوي عن أبيه إسحاق بن العباس عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر عن علي بن جعفر و علي بن موسى عن موسى بن جعفر عن آبائه ع أن رسول الله ص أغزى عليا في سرية و أمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته فقال رجل من الأنصار لأخ له اغز بنا في سرية علي لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به فبلغ النبي ص قوله فقال إنما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى فمن غزا ابتغاء ما عند الله عز و جل فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عز و جل و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى

39-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار و إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد و إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار

40-  الهداية، قال رسول الله ص إنما الأعمال بالنيات

 و روي أن نية المؤمن خير من عمله و نية الكافر شر من عمله

 و روي أن بالنيات خلد أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار و قال عز و جل قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ يعني على نيته و لا يجب على الإنسان أن يجدد لكل عمل نية و كل عمل من الطاعات إذا عمله العبد لم يرد به إلا الله عز و جل فهو عمل بنية و كل عمل عمله العبد من الطاعات يريد به غير الله فهو عمل بغير نية و هو غير مقبول