باب 17- الكذب و روايته و سماعه

الآيات المائدة وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ إلى قوله تعالى يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ إلى قوله تعالى سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ التوبة فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ النحل وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ الكهف إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً الحج وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ الأحزاب لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي   الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا الزمر إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ المؤمن إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ الجاثية وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ

1-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن إسحاق بن عمار عن أبي النعمان قال قال أبو جعفر ع يا با النعمان لا تكذب علينا كذبة فتسلب الحنيفية و لا تطلبن أن تكون رأسا فتكون ذنبا و لا تستأكل الناس بنا فتفتقر فإنك موقوف لا محالة و مسئول فإن صدقت صدقناك و إن كذبت كذبناك

 بيان كذبة أي كذبة واحدة فكيف الأكثر و الكذب الإخبار عن الشي‏ء بخلاف ما هو عليه سواء طابق الاعتقاد أم لا على المشهور و قيل الصدق مطابقة الاعتقاد و الكذب خلافه و قيل الصدق مطابقة الواقع و الاعتقاد معا و الكذب خلافه و الكلام فيه يطول و لا ريب في أن الكذب من أعظم المعاصي و أعظم أفراده و أشنعها الكذب على الله و على رسوله و على الأئمة ع. فتسلب الحنيفية الحنيفية مفعول ثان لتسلب أي الملة المحمدية المائلة عن الضلالة إلى الاستقامة أو من الشدة إلى السهولة أي خرج عن كمال الملة و الدين و لم يعمل بشرائطها لا أنه يخرج من الملة حقيقة و قد مر نظائره أو هو محمول على ما إذا تعمد ذلك لإحداث بدعة في الدين أو للطعن على الأئمة الهادين.   و في النهاية الحنيف المائل إلى الإسلام الثابت عليه و الحنيفية عند العرب من كان على دين إبراهيم و أصل الحنف الميل و منه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة انتهى. و الكذب يصدق على العمد و الخطإ لكن الظاهر أن الأتم يتبع العمد و الكذب عليهم يشمل افتراء الحديث عليهم و صرف حديثهم إلى غير مرادهم و الجزم به و نسبة فعل إليهم لا يرضون به أو ادعاء مرتبة لهم لم يدعوها كالربوبية و خلق العالم و علم الغيب أو فضلهم على الرسول ص و أمثال ذلك أو نسبة ما يوجب النقص إليهم كفعل ينافي العصمة و أشباهه. و لا تطلبن أن تكون رأسا فتكون ذنبا الفاء متفرع على الطلب و هو يحتمل وجوها الأول أن يكون الذنب كناية عن الذل و الهوان عند الله و عند الصالحين من عباده. الثاني أن يكون المراد به التأخر في الآخرة عمن طلب الرئاسة عليهم و قد نبه على ذلك بتشبيه حسن و هو أن الركبان المترتبين الذاهبين في طريق إذا بدا لهم الرجوع أو اضطروا إليه يقع لضيق الطريق لا محالة المتأخر متقدما و المتقدم متأخرا و كذا القطيع من الغنم و غيره إذا رجعوا ينعكس الترتيب. الثالث أن يكون المعنى تكون ذنبا و ذليلا و لا يتحصل مرادك في الدنيا أيضا فإن الطالب لكل مرتبة من مراتب الدنيا يصير محروما منها غالبا و الهارب من شي‏ء منها تدركه. الرابع أن يكون المعنى أن الرئاسة في الدنيا لأوساط الناس لا يكون إلا بالتوسل برئيس أعلى منه إما في الحق أو في الباطل و لما كان في غير دولة الحق لا يمكن التوسل بأهل الحق في ذلك فلا بد من التوسل بأهل الباطل فيكون ذنبا و تابعا لهم و من أعوانهم و أنصارهم محشورا في الآخرة معهم لقوله تعالى احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ إلا أن يكون مأذونا من قبل إمام الحق خصوصا أو عموما و يفعل

    ذلك بنيابتهم على الوجه الذي أمروا به و هذا في غاية الندرة و أكثر الوجوه مما خطر بالبال و الله أعلم بحقيقة الحال. و ربما يقرأ ذئبا بالهمزة بدل النون أي آكلا للناس و أموالهم و هو مخالف للنسخ المضبوطة. و لا تستأكل الناس بنا أي لا تطلب أكل أموال الناس بوضع الأخبار الكاذبة فينا أو بافتراء الأحكام و نسبتها إلينا فتفتقر أي في الدنيا و الآخرة و الأخير أنسب بما هنا لكن كان في ما مضى و لا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا فإنك موقوف

2-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن مهران عن ابن عميرة عمن حدثه عن أبي جعفر ع قال كان علي بن الحسين ع يقول لولده اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير أ ما علمتم أن رسول الله قال ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقا و ما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذابا

 بيان في المصباح جد في الأمر يجد جدا من باب ضرب و قتل اجتهد فيه و الاسم الجد بالكسر و منه يقال فلان محسن جدا أي نهاية و مبالغة و جد في الكلام جدا من باب ضرب هزل و الاسم منه الجد بالكسر أيضا و الأول هو المراد هنا للمقابلة و هزل في كلامه هزلا من باب ضرب مزح و لعب و الفاعل هازل و هزال مبالغة و الظاهر أن كل واحد من الجد و الهزل متعلق بالصغير و الكبير و تخصيص الأول بالصغير و الثاني بالكبير بعيد. و ظاهره حرمة الكذب في الهزل أيضا و يؤيده عمومات النهي عن الكذب مطلقا و لم أذكر تصريحا من الأصحاب في ذلك

 و روي من طريق العامة عن النبي ص أنه قال ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك فويل له ثم ويل له

 و روي أنه ص كان يمزح و لا يقول إلا حقا و لا يؤذي قلبا و لا يفرط فيه

   فالمزاح على حد الاعتدال مع عدم الكذب و الأذى لا حرج فيه بل هو من خصال الإيمان و لا ريب أن ترك الكذب في المزاح إذا لم يكن من المعاريض المجوزة التي يكون مقصود القائل فيها حقا كما سيأتي أولى و أحوط لكن الحكم بالتحريم بمجرد هذه الأخبار مشكل لا سيما إذا لم يترتب عليه مفسدة و يظهر خلافه قريبا و إنما المقصود محض المطايبة فإن أكثر هذه الأخبار مسوقة لبيان مكارم الأخلاق و الزجر عن مساويها أعم من أن تكون واجبة أو مندوبة محرمة أو مكروهة و المراد بالكبير إما الكذب على الله و على رسوله و على الأئمة ع كما سيأتي أنها من الكبائر أو الأعم منها و مما تعظم مفسدته و ضرره على المسلمين و قوله اجترأ على الكبير أي على الكبير من الكذب بأحد المعنيين أو الكبير من المعاصي أعم من الكذب و غيره فإن الكذب كثيرا ما يؤدي إلى ذنوب غيره كما أن الصدق يؤدي إلى البر و العمل الصالح حتى يكتب صديقا. و يخطر بالبال وجه آخر و هو أن يكون المراد بالكبير الرب العليم القدير أي لا تجتر على الكذب الصغير بأنه صغير فإنه معصية لله و معصية الكبير كبيرة و ما سيأتي بالأول أنسب قال الراغب الصديق من كثر منه الصدق و قيل بل يقال ذلك لمن لم يكذب قط و قيل بل لمن لا يأتي منه الكذب لتعوده الصدق و قيل من صدق بقوله و اعتقاده و حقق صدقه بفعله و الصديقون هم قوم دون الأنبياء في الفضيلة و قيل لعل معنى يكتب على ظاهره فإنه يكتب في اللوح المحفوظ أو في دفتر الأعمال أو في غيرهما أن فلانا صديق و فلانا كذاب ليعرفهما الناظرون إليه بهذين الوصفين أو معناه يحكم لهما بذلك أو يوجب لهما استحقاق الوصف بصفة الصديقين و ثوابهم و صفة الكذابين و عقابهم أو معناه أنه يلقي ذلك في قلوب المخلوقين و يشهره بين المقربين

3-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال إن الله عز و جل جعل للشر   أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب و الكذب شر من الشراب

 بيان الشر في الأول صفة مشبهة و في الثاني أفعل التفضيل و المراد بالشراب جميع الأشربة المسكرة و كأن المراد بالأقفال الأمور المانعة من ارتكاب الشرور من العقل و ما يتبعه و يستلزمه من الحياء من الله و من الخلق و التفكر في قبحها و عقوباتها و مفاسدها الدنيوية و الأخروية و الشراب يزيل العقل و بزوالها ترتفع جميع تلك الموانع فتفتح جميع الأقفال و كأن المراد بالكذب الذي هو شر من الشراب الكذب على الله و على حججه ع فإنه تالي الكفر و تحليل الأشربة المحرمة ثمرة من ثمرات هذا الكذب فإن المخالفين بمثل ذلك حللوها. و قيل الوجه فيه أن الشرور التابعة للشراب تصدر بلا شعور بخلاف الشرور التابعة للكذب و قد يقال الشر في الثاني أيضا صفة مشبهة و من تعليله و المعنى أن الكذب أيضا شر ينشأ من الشراب لئلا ينافي ما سيأتي في كتاب الأشربة أن شرب الخمر أكبر الكبائر

4-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن الحسن الصيقل قال قلت لأبي عبد الله ع إنا قد روينا عن أبي جعفر ع في قول يوسف ع أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فقال و الله ما سرقوا و ما كذب و قال إبراهيم بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فقال و الله ما فعلوا و ما كذب قال فقال أبو عبد الله ع ما عندكم فيها يا صيقل قال قلت ما عندنا فيها إلا التسليم قال فقال إن الله أحب اثنين و أبغض اثنين أحب الخطر فيما بين الصفين و أحب الكذب في الإصلاح و أبغض الخطر في الطرقات و أبغض الكذب   في غير الإصلاح إن إبراهيم ع إنما قال بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا إرادة الإصلاح و دلالة على أنهم لا يعقلون و قال يوسف ع إرادة الإصلاح

 بيان في قول يوسف ع هذا لم يكن قول يوسف ع و إنما كان قول مناديه و نسب إليه لوقوعه بأمره و العير بالكسر الإبل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة و قال إبراهيم ع عطف على الجملة السابقة بتقدير روينا و قيل قال هنا مصدر فإن القال و القيل مصدران كالقول فهو عطف على قول يوسف بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ أريد بالكبير الكبير في الخلقة أو التعظيم قيل كانت لهم سبعون صنما مصطفة و كان ثمة صنم عظيم مستقبل الباب من ذهب في عينيه جوهرتان تضيئان بالليل و لعل إرجاع الضمير المذكر العاقل إلى الأصنام من باب التهكم أو باعتبار أنها تعقل و تفهم و تجيب بزعم عبادها. و أما ضمير الجمع في قوله و الله ما فعلوا فراجع إلى الكبير باعتبار إرادة الجنس الشامل للتعدد و لو فرضا أو إلى الأصنام للتنبيه على اشتراك الجميع في عدم صلاحية صدور ذلك الفعل منه و قيل إنما أتى بالجمع لمناسبة ما سرقوا أو مبني على أن الفعل الصادر عن أحد من الجماعة قد ينسب إلى الجميع نحو قوله تعالى فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ بناء على أن المنادي جبرئيل فقط و قيل و يمكن أن يكون إرجاع ضمير فَسْئَلُوهُمْ أيضا من هذا القبيل إذ لو كان المقصود نطق كل واحد في الزمان المستقبل تكون زيادة كانُوا في المضارع لغوا و إن كان الغرض النطق في الزمان الماضي لا يترتب عليه صحة السؤال إذ لا يلزم من جواز نطقهم قبل الكسر جواز ذلك بعده. أحب الخطر في ما بين الصفين في النهاية يقال خطر البعير بذنبه يخطر إذا رفعه و حطه إنما يفعل ذلك عند الشبع و السمن و منه حديث مرحب فخرج يخطر بسيفه أي يهزه معجبا بنفسه متعرضا للمبارزة أو أنه كان يخطر في   مشيته أي يتمايل و يمشي مشية المعجب و سيفه في يده أي كان يخطر سيفه معه. إرادة الإصلاح لعل المراد إرادة إصلاح حال قومه برجوعهم عن عبادة الأصنام وجه الدلالة أن العاقل إذا تفكر في نسبة الكسر إليها و علم أنه لا يصح ذلك إلا من ذي شعور عاقل قادر و علم أن هذه الأوصاف منتفية منها و علم أنها لا تقدر على دفع الاستخفاف و الضرر من أنفسها علم أنها ليست بمستحقة للألوهية و العبادة و يكون ذلك داعيا إلى الرجوع عنها و رفض العبادة لها. و للعلماء فيه وجوه أخرى الأول أنه من المعاريض التي يقصد بها الحق و إلزام الخصم و تبكيته فلم يكن قصده ع أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم و إنما قصد أن يقرره لنفسه على أسلوب تعريضي مع الاستهزاء و التبكيت كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق أنت كتبت فقلت بل كتبته أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك و إثباته لصاحبك الأمي و التعريض مما يجوز عقلا و نقلا لمصلحة جلب نفع أو دفع ضرر أو استهزاء في موضعه و نحوها. الثاني أنه ع غاظته الأصنام حين رآها مصطفة مزينة و كان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم و توقيرهم له فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته و كسره لها و الفعل كما يسند إلى المباشر يسند إلى السبب أيضا. الثالث أن ذلك حكاية لما يقود إليه مذهبهم كأنه قال ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبد و يدعى إليه أن يقدر على أمثال هذه الأفعال لا سيما الكبير الذي يستنكف أن يعبد معه هذه الصغار. الرابع ما روي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله بَلْ فَعَلَهُ ثم يبتدئ كَبِيرُهُمْ هذا أي فعله من فعله و هذا من باب التورية إذ له ظاهر و باطن و باطنه ما ذكر و ظاهره إسناد الفعل إلى الكبير و فهمهم تعلق به و مراده ع

    هو الباطن. الخامس ما روي عن بعضهم أنه كان يقف عند قوله كَبِيرُهُمْ ثم يبتدئ بقول هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ و أراد بالكبير نفسه لأن الإنسان أكبر من كل صنم و هذا أيضا من باب التورية و قيل إنه يتم بدون الوقف أيضا بأن يكون هذا إشارة إلى نفسه المقدسة و المغايرة بين المشير و المشار إليه كاف بحسب الاعتبار. السادس أن في الكلام تقديما و تأخيرا و التقدير بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون فاسألوهم فيكون إضافة الفعل إلى كبيرهم مشروطا بكونهم ناطقين فلما لم يكونوا ناطقين لم يكونوا فاعلين و الغرض منه تسفيه القوم و تقريعهم و توبيخهم لعبادة من لا يسمع و لا ينطق و لا يقدر أن يخبر من نفسه بشي‏ء. و يؤيده ما روي في كتاب الاحتجاج

 أنه سئل الصادق ع عن قول الله عز و جل في قصة إبراهيم قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ قال ما فعله كبيرهم و ما كذب إبراهيم قيل و كيف ذلك فقال إنما قال إبراهيم فاسألوهم إن كانوا ينطقون إن نطقوا فكبيرهم فعل و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا و ما كذب إبراهيم

و قال البيضاوي و ما روي أن لإبراهيم ع ثلاث كذبات تسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته. و قال يوسف ع إرادة الإصلاح كأن المراد الإصلاح بينه و بين إخوته في حبس أخيه بنيامين عنده و إلزامهم ذلك بحيث لا يكون لهم محل منازعة و لم يتيسر له ذلك إلا بأمرين أحدهما نسبة السرقة و ثانيهما التمسك بحكم آل يعقوب في السارق و هو استرقاق السارق سنة و كان حكم ملك مصر أن يضرب السارق و يغرم ما سرق فلم يتمكن من أخذ أخيه في دين الملك فلذلك أمر فتيانه بأن يدسوا الصاع في رحل أخيه و أن ينسبوا السرقة إليه و أن يستفتوا في   جزاء السارق منهم ف قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ أي أخذ السارق نفسه هو جزاؤه لا غير. فلما فتشوا وجدوا الصاع في رحل أخيه فأخذوا برقبته و حكموا برقيته و لم يبق لإخوته محل منازعة في حبسه إلا أن قالوا على سبيل التضرع و الالتماس فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فردهم بقوله مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ قيل أراد إنا إذا أخذنا غيره لظالمون في مذهبكم لأن استعباد غير من وجد الصاع في رحله ظلم عندكم أو أراد أن الله أمرني و أوحى إلي أن آخذ بنيامين فلو أخذت غيره كنت عاملا بخلاف الوحي و للعلماء فيه أيضا وجوه أخرى. الأول أن ذلك النداء لم يكن بأمره بل نادوا من عند أنفسهم لأنهم لما لم يجدوا الصاع غلب على ظنهم أنهم أخذوه. الثاني أنهم لم ينادوا أنكم سرقتم الصاع فلعل المراد أنكم سرقتم يوسف من أبيه يدل عليه

 ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن أبي عبد الله ع أنه قال في تفسير هذه الآية أنهم سرقوا يوسف من أبيه أ لا ترى أنهم حين قالوا ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ و لم يقولوا سرقتم صاع الملك

الثالث لعل المراد من قولهم إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ الاستفهام كما في قوله حكاية عن إبراهيم هذا رَبِّي و إن كان ظاهره الخبر و أيد ذلك بأن في مصحف ابن مسعود أ إنكم بالهمزتين. و قال بعض الأفاضل حاصل الجواب أن لكل من الصدق و الكذب معنيين أحدهما لغوي و الآخر عرفي فالأول هو الموافق للواقع و المخالف للواقع و الثاني الموافق للحق و المخالف للحق و المراد بالحق رضا الله تعالى فكما   يمكن أن لا يكون الصادق اللغوي صادقا عرفيا كما قال تعالى فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ فكذلك يمكن أن لا يكون الكاذب اللغوي كاذبا عرفيا كما ذكره ع في هذا الخبر

5-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن صفوان عن أبي مخلد السراج عن عيسى بن حسان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما أو رجل وعد أهله شيئا و هو لا يريد أن يتم لهم

 بيان يوما لعل الإبهام لاحتمال أن يكون السؤال في القبر أو في القيامة و يحتمل الدنيا أيضا فإن للناس أن يعيروه بذلك إلا كذبا المراد به الكذب اللغوي فهو موضوع عنه أي إثمه مرفوع عنه لا يأثم عليه يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا كأن يقول لكل منهما التقصير منك و هو غير مقصر في حقك أو يلقى كلا منهما بكلام غير الكلام الذي سمع من الآخر فيه من الشتم و إظهار العداوة و هذا أنسب معنى و الأول لفظا. و ما في قوله ما بينهما موصولة و هو مفعول الإصلاح أو رجل وعد أهله فيه أن الوعد من قبيل الإنشاء و الصدق و الكذب إنما يكونان في الخبر و لعله باعتبار أنه يلزم إذا لم يف به أن يعتذر بما يتضمن الكذب كأن يقول نسيت أو لم يمكنني و أمثال ذلك باعتبار ما يستلزمه من الأخبار ضمنا بإرادة الوفاء هذا بحسب ما هو أظهر عندي في الوعد لكن ظاهر أكثر العلماء أنه من قبيل الخبر و سيأتي الكلام فيه في باب خلف الوعد. قال الراغب الصدق و الكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا وعدا كان أو غيره و لا يكونان بالقصد الأول إلا في القول و لا يكونان من القول   إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام الاستفهام و الأمر و الدعاء و لذلك قال وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ و قد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالاستفهام و الأمر و الدعاء و ذلك نحو قول القائل أ زيد في الدار فإن في ضمنه إخبارا بكونه جاهلا بحال زيد و كذا إذا قال واسني في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة و إذا قال لا تؤذني ففي ضمنه أنه يؤذيه انتهى. ثم اعلم أن مضمون الحديث متفق عليه بين الخاصة و العامة

 فروى الترمذي عن النبي ص لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها و الكذب في الحرب و الكذب في الاصطلاح بين الناس

و في صحيح مسلم قال ابن شهاب و هو أحد رواته لم أسمع يرخص في شي‏ء مما يقول الناس كذبا إلا في ثلاث الحرب و الإصلاح بين الناس و حديث الرجل امرأته و حديث المرأة زوجها. قال عياض لا خلاف في جوازه في الثلاث و إنما يجوز في صورة ما يجوز منه فيها فأجاز قوم فيها صريح الكذب و أن يقول ما لم يكن لما فيه من المصالح و يندفع فيها الفساد قالوا و قد يجب لنجاة مسلم من القتل و قال بعضهم لا يجوز فيها التصريح بالكذب و إنما يجوز فيها التورية بالمعاريض و هي شي‏ء يخلص من المكروه و الحرام إلى الجائز إما لقصد الإصلاح بين الناس أو لدفع ما يضر أو لغير ذلك و تأول المروي على ذلك و قال مثل أن يعد زوجته أن يفعل لها و يحسن إليها و نيته إن قدر الله تعالى أو يأتيها في هذا بلفظ محتمل و كلمة مشتركة تفهم من ذلك ما يطيب قلبها و كذلك في الإصلاح بين الناس ينقل لهؤلاء من هؤلاء الكلام المحتمل و كذلك في الحرب مثل أن يقول لعدوه انحل حزام سرجك و يريد فيما مضى و يقول لجيش عدوه مات أميركم ليذعر قلوبهم   و يعني النوم أو يقول لهم غدا يأتينا مدد و قد أعد قوما من عسكره ليأتوا في صورة المدد أو يعني بالمدد الطعام فهذا نوع من الخدع الجائزة و المعاريض المباحة. و قال القرطبي لعل ما استند في منعه التصريح بقاعدة حرمة الكذب و تأويله الأحاديث بحملها على المعاريض ما يعضده دليل و أما الكذب ليمنع مظلوما من الظلم عليه فلم يختلف فيه أحد من الأمم لا عرب و لا عجم و من الكذب الذي يجوز بين الزوجين الإخبار بالمحبة و الاغتباط و إن كان كذبا لما فيه من الإصلاح و دوام الألفة

6-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن محمد بن مالك عن عبد الأعلى مولى آل سام قال حدثني أبو عبد الله ع بحديث فقلت له جعلت فداك أ ليس زعمت لي الساعة كذا و كذا فقال لا فعظم ذلك علي فقلت بلى و الله زعمت فقال لا و الله ما زعمته قال فعظم علي فقلت بلى و الله قد قلته قال نعم قد قلته أ ما علمت أن كل زعم في القرآن كذب

 بيان في القاموس الزعم مثلثة القول الحق و الباطل و الكذب ضد و أكثر ما يقال فيما يشك فيه و الزعمي الكذاب و الصادق و زعمتني كذا ظننتني و التزعم التكذب و أمر مزعم كمقعد لا يوثق به و في النهاية فيه أنه ذكر أيوب ع فقال إذا كان مر برجلين يتزاعمان و قال الزمخشري معناه أنهما يتحادثان بالزعمات و هي ما لا يوثق به من الأحاديث و منه الحديث بئس مطية الرجل زعموا معناه أن الرجل إذا أراد المسير إلى بلد و الظعن في حاجة ركب مطية حتى يقضي إربه فشبه ما يقدمه المتكلم أمام كلامه و يتوصل به إلى غرضه من قوله زعموا كذا و كذا بالمطية التي يتوسل بها إلى الحاجة و إنما يقال زعموا في حديث لا سند له و لا ثبت فيه و إنما يحكي عن الألسن على البلاغ فذم من الحديث ما هذا سبيله و الزعم بالضم و الفتح قريب من الظن.   و قال في المصباح زعم زعما من باب قتل و في الزعم ثلاث لغات فتح الزاي للحجاز و ضمها لأسد و كسرها لبعض قيس و يطلق بمعنى القول و منه زعمت الحنيفية و زعم سيبويه أي قال و عليه قوله تعالى أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ أي كما أخبرت و يطلق على الظن يقال في زعمي كذا و على الاعتقاد و منه قوله تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قال الأزهري و أكثر ما يكون الزعم فيما يشك فيه و لا يتحقق و قال بعضهم هو كناية عن الكذب و قال المرزوقي أكثر ما يستعمل في ما كان باطلا و فيه ارتياب و قال ابن القوطية زعم زعما قال خبرا لا يدري أ حق هو أو باطل قال الخطابي و لذا قيل زعم مطية الكذب و زعم من غير مزعم قال غير مقول صالح و ادعى ما لا يمكن انتهى. أقول و إذا علمت ذلك ظهر لك أن الزعم إما حقيقة لغوية أو عرفية أو شرعية في الكذب أو ما قيل بالظن أو بالوهم من غير علم و بصيرة فإسناده إلى من لا يكون قوله إلا عن حقيقة و يقين ليس من دأب أصحاب اليقين و إن كان مراده مطلق القول أو القول عن علم فغرضه ع تأديبه و تعليمه آداب الخطاب مع أئمة الهدى و سائر أولي الألباب و أما الحكم بكون ذلك كذبا و حراما فهو مشكل إذ غاية الأمر أن يكون مجازا و لا حجر فيه و أما يمينه ع على عدم الزعم فهو صحيح لأنه قصد به الحقيقة أو المجاز الشائع و كأنه من التورية و المعاريض لمصلحة التأديب أو تعليم جواز مثل ذلك للمصلحة فإن المعتبر في ذلك قصد المحق من المتخاصمين كما ذكره الأصحاب و كأنه لذلك ذكر المصنف رحمه الله الخبر في هذا الباب و إن كان مع قطع النظر عن ذلك له مناسبة خفية له فتأمل. قوله ع إن كل زعم في القرآن كذب أي أطلق في مقام   إظهار كذب المخبر به فلا ينافي ذلك قوله تعالى حاكيا عن المشركين أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً فإنهم أشاروا بقوله زعمت إلى قوله تعالى إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ فإن ما أشاروا إليه بقوله زعمت حق لكنهم أوردوه في مقام التكذيب و يمكن أيضا تخصيصه بما ذكره الله من قبل نفسه سبحانه غير حاك من غيره كما قال تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا و قال سبحانه بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً و قال أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ و قال قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ

7-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن أبي إسحاق الخراساني قال كان أمير المؤمنين ع يقول إياكم و الكذب فإن كل راج طالب و كل خائف هارب

 بيان فيه إما إرسال أو إضمار بأن يكون ضمير قال راجعا إلى الصادق ع أو الرضا ع إياكم و الكذب أراد ع لا تكذبوا في ادعائكم الرجاء و الخوف من الله سبحانه و ذلك لأن كل راج طالب لما يرجو ساع في أسبابه و أنتم لستم كذلك و كل خائف هارب مما يخاف منه مجتنب مما يقربه منه و أنتم لستم كذلك و هذا مثل قوله ع الذي رواه

 في نهج البلاغة أنه ع قال بعد كلام طويل لمدع كاذب إنه يرجو الله يدعي بزعمه أنه يرجو الله كذب و العظيم ما باله لا يتبين رجاؤه في عمله و كل من رجا عرف رجاؤه في عمله إلا رجاء الله فإنه مدخول و كل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول يرجو الله في الكبير و يرجو العباد في الصغير فيعطي العبد ما لا يعطي الرب فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع لعباده أ تخاف أن تكون   في رجائك له كاذبا أو تكون لا تراه للرجاء موضعا و كذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه من العباد نقدا و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا

و قال بعضهم حذر من الكذب على الله و على رسوله و على غيرهما في ادعاء الدين مع ترك العمل به و رغب في الصدق بأن الكذب ينافي الإيمان و ذلك لأن الكاذب لم يطلب الثواب و كل من لم يطلب الثواب فهو ليس براج بحكم المقدمة الأولى و لم يهرب من العقاب و كل من لم يهرب من العقاب فهو ليس بخائف بحكم المقدمة الثانية و من انتفى عنه الخوف و الرجاء فهو ليس بمؤمن كما هو المقرر عند أهل الإيمان انتهى و ارتكب أنواع التكلف لقلة التتبع و المقصود ما ذكرنا

8-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عمن ذكره عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أبي جعفر ع قال إن الكذب هو خراب الإيمان

 بيان الحمل على المبالغة أي هو سبب خراب الإيمان و قد يقرأ بتشديد الراء بصيغة المبالغة

9-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبان الأحمر عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر ع قال إن أول من يكذب الكذاب الله عز و جل ثم الملكان اللذان معه ثم هو يعلم أنه كاذب

 بيان لفظة ثم إما للترتيب الرتبي و يحتمل الزماني أيضا إذ علم الله مقدم على إرادته أيضا ثم بإلهام الله يعلم الملكان المقربان أو عند الإرادة تظهر منه رائحة خبيثة يعلم الملكان قبحه و كذبه كما يظهر من بعض الأخبار و يمكن أن يكون   علم الملكين لمصاحبتهما له و علمهما بأحواله بناء على عدم تبدلهما في كل يوم كما هو ظاهر أكثر الأخبار و أما تأخر علمه فلأنه ما لم يتم الكلام لا يعلم يقينا صدور الكذب منه

10-  كا، ]الكافي[ عن علي بن الحكم عن أبان عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الكذاب يهلك بالبينات و يهلك أتباعه بالشبهات

 بيان أريد بالكذاب في هذا الحديث إما مدعي الرئاسة بغير حق و سبب هلاكه بالبينات إفتاؤه بغير علم مع علمه بجهله و سبب إهلاك أتباعه بالشبهات تجويز كونه عالما و عدم قطعهم بجهله فهم في شبهة من أمره أو من يضع الحديث و يبتدع في الدين فهو يهلك نفسه بأمر يعلم كذبه و أتباعه يهلكون بالشبهة و الجهالة لحسن ظنهم به و احتمالهم صدقه و الوجهان متقاربان

11-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي نجران عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن آية الكذاب بأن يخبرك خبر السماء و الأرض و المشرق و المغرب فإذا سألته عن حرام الله و حلاله لم يكن عنده شي‏ء

 بيان بأن يخبرك كأن الباء زائدة أو التقدير تعلم بأن يخبرك و إنما كان هذا آية الكذاب لأنه لو كان علمه بالوحي و الإلهام لكان أحرى بأن يعلم الحلال و الحرام لأن الحكيم العلام يفيض على الأنام ما هم أحوج إليه من الحقائق و الأحكام و كذا لو كان بالوراثة عن الأنبياء و الأوصياء ع و لو كان بالكشف فعلى تقدير إمكان حصوله لغير الحجج ع فالعلم بحقائق الأشياء على ما هو عليه لا يحصل لأحد إلا بالتقوى و تهذيب السر من رذائل الأخلاق قال الله تعالى وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ و لا يحصل التقوى إلا بالاقتصار على الحلال   و الاجتناب عن الحرام و لا يتيسر ذلك إلا بالعلم بالحلال و الحرام فمن أخبر عن شي‏ء من حقائق الأشياء و لم يكن عنده معرفة بالحلال و الحرام فهو لا محالة كذاب يدعي ما ليس له

12-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الكذبة لتفطر الصائم قلت و أينا لا يكون ذلك منه قال ليس حيث ذهبت إنما ذلك الكذب على الله و على رسوله و على الأئمة ع

 بيان يدل على أن الكذب على الله و على رسوله و على الأئمة ع يفسد الصوم كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب و هم اختلفوا فقيل يجب به القضاء و الكفارة و قيل القضاء خاصة و المشهور أنه لا يفسد و إن نقص به ثوابه و فضله و تضاعف به العذاب و العقاب

13-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابه رفعه إلى أبي عبد الله ع قال ذكر الحائك لأبي عبد الله ع أنه ملعون فقال إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله و على رسوله ص

 بيان قوله أنه ملعون بفتح الهمزة بدل اشتمال للحائك و يحتمل أن يكون الحديث عنده ع موضوعا و لم يمكنه إظهاره ذلك تقية فذكر له تأويلا يوافق الحق و مثل ذلك في الأخبار كثير يعرف ذلك من اطلع على أسرار أخبارهم ع و استعارة الحياكة لوضع الحديث شائعة بين العرب و العجم

14-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن القاسم بن عروة عن عبد الحميد الطائي عن الأصبغ بن نباتة قال فقال أمير المؤمنين ع لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله و جده

 بيان وجدان طعم الإيمان كناية عن كماله و ترتب الثمرات العظيمة عليه   و لا يكون ذلك إلا بوصوله درجة اليقين و صاحب اليقين المشاهد لمثوبات الآخرة و عقوباتها دائما لا يجترئ على شي‏ء من المعاصي لا سيما الكذب الذي هو من كبائرها

15-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله ع الكذاب هو الذي يكذب في الشي‏ء قال لا ما من أحد إلا يكون ذاك منه و لكن المطبوع على الكذب

 بيان المطبوع على الكذب المجبول عليه بحيث صار عادة له و لا يتحرز عنه و لا يبالي به و لا يندم عليه و من لا يكون كذلك لا يصدق عليه الكذاب مطلقا فإنه صيغة مبالغة أو المراد الكذاب الذي يكتبه الله كذابا كما مر أو الكذاب الذي ينبغي أن يجتنب مواخاته كما سيأتي و فيه إيماء إلى أن الكذب مطلقا ليس من الكبائر و في القاموس طبع على الشي‏ء بالضم جبل

16-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن الحسين بن طريف عن أبيه عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال قال عيسى ابن مريم صلوات الله عليه من كثر كذبه ذهب بهاؤه

 بيان ذهب بهاؤه أي حسنه و جماله و وقره عند الله سبحانه و عند الخلق فإن الخلق و إن لم يكونوا من أهل الملة يكرهون الكذب و يقبحونه و يتنفرون من أهله

17-  كا، ]الكافي[ عنه عن عمرو بن عثمان عن محمد بن سالم رفعه قال قال أمير المؤمنين ع ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مواخاة الكذاب فإنه يكذب حتى يجي‏ء بالصدق فلا يصدق

 بيان حتى يجي‏ء بالصدق فلا يصدق الظاهر أنه على بناء المفعول من التفعيل أي لكثرة ما ظهر لك من كذبه لا يمكنك تصديقه فيما يأتي به من الصدق   أيضا فلا تنتفع بمواخاته و مصاحبته مع أنه جذاب لطبع الجليس إلى طبعه و يخطر بالبال أنه يحتمل أن يكون المراد به أن هذا الرجل المواخي يكذب نقلا عن الأخ الكذاب لاعتماده عليه ثم يظهر كذب ما أخبر به حتى لا يعتمد الناس على صدقه أيضا كما ورد في الخبر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع و ما سيأتي في البابين يؤيد الأول و ربما يقرأ يصدق على بناء المجرد أي إذا أخبر بصدق يغيره و يدخل فيه شيئا يصير كذبا

18-  كا، ]الكافي[ عن ابن فضال عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن مما أعان الله به على الكذابين النسيان

 بيان إن مما أعان الله على الكذابين أي أضرهم به و فضحهم فإن كثيرا ما يكذبون في خبر ثم ينسون و يخبرون بما ينافيه و يكذبه فيفتضحون بذلك عند الخاصة و العامة قال الجوهري في الدعاء رب أعني و لا تعن علي

19-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال الكلام ثلاثة صدق و كذب و إصلاح بين الناس قال قيل له جعلت فداك ما الإصلاح بين الناس قال تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعت منه

 بيان تسمع من الرجل كلاما كأن من بمعنى في كما في قوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أي فيه و كذا قالوا في قوله سبحانه أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أي في الأرض و يحتمل أن يكون تقدير الكلام تسمع من رجل كلاما في حق رجل آخر يذمه به فيبلغ الرجل الثاني ذلك   الكلام فتخبث نفسه على الأول أي يتغير عليه و يبغضه فتلقى الرجل الثاني فتقول سمعت من الرجل الأول فيك كذا و كذا من مدحه خلاف ما سمعت منه من ذمه و التكلف فيه من جهة إرجاع ضمير يبلغه إلى الرجل الثاني و هو غير مذكور في الكلام لكنه معلوم بقرينة المقام. و هذا القول و إن كان كذبا لغة و عرفا جائز لقصد الإصلاح بين الناس و كأنه لا خلاف فيه عند أهل الإسلام و الظاهر أنه لا تورية و لا تعريض فيه و إن أمكن أن يقصد تورية بعيدة كأن ينوي أنه كان حقه أن يقول كذا و لو صافيته لقال فيك كذا لكنه بعيد و قد اتفقت الأمة على أنه لو جاء ظالم ليقتل رجلا مختفيا ليقتله ظلما أو يطلب وديعة مؤمن ليأخذها غصبا وجب الإخفاء على من علم ذلك فلو أنكرها فطولب باليمين ظلما يجب عليه أن يحلف. لكن قالوا إذا عرف التورية بما يخرج به عن الكذب وجبت التورية كأن يقصد ليس عندي مال يجب علي أداؤه إليك أو لا أعلم علما يلزمني الإخبار به و أمثال ذلك. و قالوا إذا لم يعرفها وجب الحلف و الكذب بغير تورية أيضا فإنه و إن كان قبيحا إلا أن ذهاب حق الآدمي أشد قبحا من حق الله تعالى في الكذب أو اليمين الكاذبة فيجب ارتكاب أخف الضررين و لأن اليمين الكاذب عند الضرورة مأذون فيه شرعا كمطلق الكذب النافع بخلاف مال الغير فإنه لا يباح إذهابه بغير إذنه مع إمكان حفظه فأمثال هذا الكذب ليست بمذمومة في نفس الأمر بل إما واجبة أو مندوبة و يدل الحديث على أن الكذب شرعا إنما يطلق على ما كان مذموما فغير المذموم قسم ثالث من الكلام يسمى إصلاحا فهو واسطة بين الصدق و الكذب

20-  كا، ]الكافي[ عن الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن الحجال عن ثعلبة عن معمر بن عمرو عن عطا عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص لا كذب على مصلح ثم تلا أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ثم قال و الله ما سرقوا و ما كذب   ثم تلا بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ثم قال و الله ما فعلوه و ما كذب

 تكملة قال بعض المحققين اعلم أن الكذب ليس حراما لعينه بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره فإن أقل درجاته أن يعتقد المخبر الشي‏ء على خلاف ما هو به فيكون جاهلا و قد يتعلق به ضرر غيره و رب جهل فيه منفعة و مصلحة فالكذب تحصيل لذلك الجهل فيكون مأذونا فيه و ربما كان واجبا كما لو كان في الصدق قتل نفس بغير حق. فنقول الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق و الكذب جميعا فالكذب فيه حرام و إن أمكن التوصل بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا و واجب إن كان المقصود واجبا كما أن عصمة دم المسلم واجبة فمهما كان في الصدق سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب و مهما كان لا يتم مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بالكذب فالكذب مباح إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ما يمكن لأنه إذا فتح على نفسه باب الكذب فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغني عنه و إلى ما لم يقتصر فيه على حد الواجب و مقدار الضرورة فكان الكذب حراما في الأصل إلا لضرورة. و الذي يدل على الاستثناء ما

 روي عن أم كلثوم قالت ما سمعت رسول الله ص يرخص في شي‏ء من الكذب إلا في ثلاث الرجل يقول القول يريد الإصلاح و الرجل يقول القول في الحرب و الرجل يحدث امرأته و المرأة تحدث زوجها

 و قالت أيضا قال رسول الله ص ليس بكذاب من أصلح بين اثنين   فقال خيرا أو نما خيرا

 و قالت أسماء بنت يزيد إن رسول الله ص قال كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب بين رجلين يصلح بينهما

 و روي عن أبي كاهل قال وقع بين رجلين من أصحاب النبي ص كلام حتى تصادما فلقيت أحدهما فقلت ما لك و لفلان فقد سمعته يحسن الثناء عليك و لقيت الآخر فقلت له مثل ذلك حتى اصطلحا ثم قلت أهلكت نفسي و أصلحت بين هذين فأخبرت النبي ص فقال يا أبا كاهل أصلح بين الناس و لو بالكذب

 و قال عطاء بن يسار قال رجل للنبي أكذب أهلي قال لا خير في الكذب قال أعدها و أقول لها قال لا جناح عليك

 و عن النواس بن سمعان الكلابي قال قال رسول الله ص ما لي أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار كل الكذب مكتوب كذبا لا محالة إلا أن يكذب الرجل في الحرب فإن الحرب خدعة أو يكون بين رجلين شحناء فيصلح بينهما أو يحدث امرأته يرضيها

 و قال علي ع إذا حدثتكم عن رسول الله ص فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه و إذا حدثتكم فيما بيني و بينكم فالحرب خدعة

فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء و في معناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح له أو لغيره أما ماله فمثل أن يأخذ ظالم و يسأله عن ماله فله أن ينكر أو يأخذه السلطان فيسأله عن فاحشة بينه و بين الله ارتكبه فله أن ينكرها و يقول ما زنيت و لا شربت قال رسول الله ص من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله و ذلك لأن إظهار الفاحشة فاحشة أخرى. فللرجل أن يحفظ دمه و ماله الذي يؤخذ ظلما و عرضه بلسانه و إن كان كاذبا و أما عرض غيره فبأن يسأل عن سر أخيه فله أن ينكره و أن يصلح بين اثنين و أن يصلح بين الضرات من نسائه بأن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه أو كانت امرأته   لا تطيعه إلا بوعد ما لا يقدر عليه فيعدها الحال تطييبا لقلبها أو يعتذر إلى إنسان بالكذب و كان لا يطيب قلبه إلا بإنكار ذنب و زيادة تودد فلا بأس به. و لكن الحد فيه أن الكذب محذور و لكن لو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور فينبغي أن يقابل أحدهما بالآخر و يزن بالميزان القسط فإذا علم أن المحذور الذي يحصل بالصدق أشد وقعا في الشرع من الكذب فله الكذب و إن كان ذلك المقصود أهون من مقصود الصدق فيجب الصدق و قد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما و عند ذلك الميل إلى الصدق أولى لأن الكذب مباح بضرورة أو حاجة مهمة فإذا شك في كون الحاجة مهمة فالأصل التحريم فيرجع إليه. و لأجل غموض إدراك مراتب المقاصد ينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه و كذلك مهما كانت الحاجة له فيستحب أن يترك أغراضه و يهجر الكذب فأما إذا تعلق بغرض غيره فلا يجوز المسامحة بحق الغير و الإضرار به و أكثر كذب الناس إنما هو لحظوظ أنفسهم ثم هو لزيادات المال و الجاه و لأمور ليس فواتها محذورا حتى إن المرأة لتحكي من زوجها ما تتفاخر به و تكذب لأجل مراغمة الضرات و ذلك حرام.

 قالت أسماء سمعت امرأة تسأل رسول الله ص قالت إن لي ضرة و أنا أتكثر من زوجي بما لا يفعل أضارها بذلك فهل لي فيه شي‏ء فقال المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور

 و قال النبي ص من تطعم بما لم يطعم و قال لي و ليس له و أعطيت و لم يعط كان كلابس ثوبي زور يوم القيامة

و يدخل في هذا فتوى العالم بما لا يتحققه و رواية الحديث الذي ليس يثبت فيه إذ غرضه أن يظهر فضل نفسه فهو لذلك يستنكف من أن يقول لا أدري و هذا حرام و مما يلتحق بالنساء الصبيان فإن الصبي إذا كان لا رغبة له في المكتب إلا بوعد و وعيد و تخويف كان ذلك مباحا. نعم روينا في الأخبار أن ذلك يكتب كذبه و لكن الكذب المباح أيضا   يكتب و يحاسب عليه و يطالب لتصحيح قصده فيه ثم يعفى عنه لأنه إنما أبيح بقصد الإصلاح و يتطرق إليه غرور كثيرة فإنه قد يكون الباعث له حظه و غرضه الذي هو مستغن عنه و إنما يتعلل ظاهرا بالإصلاح فلهذا يكتب. و كل من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد ليعلم أن المقصود الذي كذب له هل هو أهم في الشرع من الصدق أو لا و ذلك غامض جدا فالحزم في تركه إلا أن يصير واجبا بحيث لا يجوز تركه كما يؤدي إلى سفك دم أو ارتكاب معصية كيف كان. و قد ظن ظانون أنه يجوز وضع الأخبار في فضائل الأعمال و في التشديد في المعاصي و زعموا أن القصد منه صحيح و هو خطأ محض إذ

 قال ص من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار

و هذا لا يترك إلا لضرورة و لا ضرورة هاهنا إذ في الصدق مندوحة عن الكذب ففيما ورد من الآيات و الأخبار كفاية عن غيرها. و قول القائل إن ذلك قد تكرر على الأسماع و سقط وقعها و ما هو جديد على الأسماع فوقعه أعظم فهذا هوس إذ ليس هذا من الأغراض التي تقاوم محذور الكذب على رسول الله ص و على الله تعالى و يؤدي فتح بابه إلى أمور تشوش الشريعة فلا يقاوم خير هذا بشره أصلا فالكذب على رسول الله ص من الكبائر التي لا يقاومها شي‏ء. ثم قال قد نقل عن السلف أن في المعاريض لمندوحة عن الكذب و عن ابن عباس و غيره أما في المعاريض ما يغني الرجل عن الكذب و إنما أرادوا من ذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب فأما إذا لم يكن حاجة و ضرورة فلا يجوز التعريض و لا التصريح جميعا و لكن التعريض أهون. و مثال المعاريض ما روي أن مطرفا دخل على زياد فاستبطأه فتعلل بمرض فقال ما رفعت جنبي منذ فارقت الأمير إلا ما رفعني الله و قال إبراهيم إذا بلغ الرجل عنك   شي‏ء فكرهت أن تكذب فقل إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شي‏ء فيكون قوله ما حرف النفي عند المستمع و عنده للإبهام. و كان النخعي لا يقول لابنته أشتري لك سكرا بل يقول أ رأيت لو اشتريت سكرا فإنه ربما لا يتفق و كان إبراهيم إذا طلبه في الدار من يكرهه قال للجارية قولي له اطلبه في المسجد و كان لا يقول ليس هاهنا لئلا يكون كاذبا و كان الشعبي إذا طلب في البيت و هو يكرهه فيخط دائرة و يقول للجارية ضع الإصبع فيها و قولي ليس هاهنا. و هذا كله في موضع الحاجة فأما مع عدم الحاجة فلا لأن هذا تفهيم للكذب و إن لم يكن اللفظ كذبا و هو مكروه على الجملة كما روي عن عبد الله بن عتبة قال دخلت مع أبي على عمر بن عبد العزيز فخرجت و علي ثوب فجعل الناس يقولون هذا كساء أمير المؤمنين فكنت أقول جزى الله أمير المؤمنين خيرا فقال لي يا بني اتق الكذب إياك و الكذب و ما أشبهه فنهاه عن ذلك لأن فيه تقريرا لهم على ظن كاذب لأجل غرض المفاخرة و هو غرض باطل فلا فائدة فيه. نعم المعاريض مباح لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح كقوله ص لا تدخل الجنة عجوز و في عين زوجك بياض و نحملك على ولد البعير و أما الكذب الصريح فكما يعتاده الناس من مداعبة الحمقى بتغريرهم بأن امرأة قد رغبت في تزويجك فإن كان فيه ضرر يؤديه إلى إيذاء قلب فهو حرام و إن لم يكن إلا مطايبة فلا يوصف صاحبها بالفسق و لكن ينقص ذلك من درجة إيمانه

 و قال رسول الله ص لا يستكمل المرء الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه و حتى يجتنب الكذب في مزاحه

 و أما قوله ص إن الرجل يتكلم بالكلمة يضحك بها الناس يهوي بها أبعد من الثريا

أراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاء قلب دون محض المزاح. و من الكذب الذي لا يوجب الفسق ما جرت به العادة في المبالغة كقوله قلت   لك كذا مائة مرة و طلبتك مائة مرة فإنه لا يراد بها تفهيم المرات بعددها بل تفهيم المبالغة فإن لم يكن طلب إلا مرة واحدة كان كاذبا و إن طلب مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة فلا يأثم و إن لم يبلغ مائة و بينهما درجات يتعرض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب. و ربما يعتاد الكذب فيه و يستأهل به أن يقال كل الطعام لأحد فيقول لا أشتهيه و ذلك منهي عنه و هو حرام إن لم يكن فيه غرض صحيح قال مجاهد

 قالت أسماء بنت عميس كنت صاحبة عائشة التي هيأتها و أدخلتها على رسول الله ص و معي نسوة قال فو الله ما وجدنا عنده قوتا إلا قدحا من لبن فشرب ثم ناوله عائشة قالت فاستحيت الجارية فقلت لا تردين يد رسول الله خذي منه قالت فأخذته على حياء فشربت منه ثم قال ناولي صواحبك فقلن لا نشتهيه فقال لا تجمعن جوعا و كذبا قالت فقلت يا رسول الله إن قالت أحدنا لشي‏ء يشتهيه لا نشتهيه أ يعد ذلك كذبا قال إن الكذب ليكتب حتى يكتب الكذيبة كذيبة

و قد كان أهل الورع يحترزون عن التسامح بمثل هذا الكذب قال الليث بن سعد كانت ترمص عينا سعيد بن المسيب حتى يبلغ الرمص خارج عينيه فيقال له لو مسحت هذا الرمص فيقول فأين قول الطبيب و هو يقول لي لا تمس عينيك فأقول لا أفعل و هذه من مراقبة أهل الورع و من تركه انسل لسانه عن اختياره فيكذب و لا يشعر. و عن خوات التيمي قال قد جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة إلى بني لي فانكبت عليه فقالت كيف أنت يا بني فجلس الربيع فقال أرضعته فقالت لا قال ما عليك لو قلت يا ابن أخي فصدقت. و من العادة أن يقول يعلم الله فيما لا يعلمه قال عيسى إن من أعظم الذنوب عند الله أن يقول العبد إن الله يعلم لما لا يعلم و ربما يكذب في حكاية المنام و الإثم فيه عظيم

 قال رسول الله ص إن من أعظم الفري أن يدعى الرجل إلى غير أبيه أو يري عينيه في المنام ما لم تريا أو يقول علي ما لم أقل

 و قال ص من   كذب في حلمه كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين

21-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الصادق ع قال قال رسول الله ص أقل الناس مروة من كان كاذبا

 أقول قد مضى بعض الأخبار في باب جوامع المكارم و بعضها في باب العدالة

22-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن محمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن الصادق ع عن آبائه ع قال قال رسول الله ص كثرة المزاح تذهب بماء الوجه و كثرة الضحك تمحو الإيمان و كثرة الكذب تذهب بالبهاء

23-  لي، ]الأمالي للصدوق[ قال أمير المؤمنين ع لا سوء أسوأ من الكذب

24-  لي، ]الأمالي للصدوق[ العطار عن أبيه عن ابن يزيد عن القندي عن أبي وكيع عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي ع قال لا يصلح من الكذب جد و لا هزل و لا أن يعد أحدكم صبيته ثم لا يفي له إن الكذب يهدي إلى الفجور و الفجور يهدي إلى النار و ما يزال أحدكم يكذب حتى يقال كذب و فجر و ما يزال أحدكم يكذب حتى لا يبقى في قلبه موضع إبرة صدق فيسمى عند الله كذابا

25-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الصادق ع قال قال رسول الله ص شر الرواية رواية الكذب

26-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن أبيه عن سعد عن أبي هاشم عن الدهقان عن درست عن   عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله ع لا تمزح فيذهب نورك و لا تكذب فيذهب بهاؤك و إياك و خصلتين الضجر و الكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق و إن كسلت لم تؤد حقا قال و كان المسيح ع يقول من كثر همه سقم بدنه و من ساء خلقه عذب نفسه و من كثر كلامه كثر سقطه و من كثر كذبه ذهب بهاؤه و من لاحى الرجال ذهبت مروته

27-  ع، ]علل الشرائع[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن أمير المؤمنين ع ألا فاصدقوا فإن الله مع الصادقين و جانبوا الكذب فإن الكذب مجانب الإيمان ألا و إن الصادق على شفا منجاة و كرامة ألا و إن الكاذب على شفا مخزاة و هلكة

28-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن ابن قولويه عن محمد بن همام عن أحمد بن إدريس عن ابن عيسى عن الحسن بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال إن فيمن ينتحل هذا الأمر لمن يكذب حتى يحتاج الشيطان إلى كذبه

29-  ع، ]علل الشرائع[ عن ابن الوليد عن الصفار عن هارون بن مسلم عن علي بن الحكم عن حسين بن الحسن الكندي عن أبي عبد الله ع قال إن الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم بها الرزق

30-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن ابن فضال رفعه إلى أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إن لإبليس كحلا و لعوقا و سعوطا فكحله النعاس و لعوقه الكذب و سعوطه الكبر

    -31  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن علي عن أبيه عن ابن مرار عن يونس رفعه إلى أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص يا علي أنهاك عن ثلاث خصال عظام الحسد و الحرص و الكذب

32-  ل، ]الخصال[ عن الخليل عن أبي العباس السراج عن قتيبة عن قرعة عن إسماعيل بن أسيد عن جبلة الإفريقي أن رسول الله ص قال أنا زعيم ببيت في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في أعلى الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا و لمن ترك الكذب و إن كان هازلا و لمن حسن خلقه

33-  ل، ]الخصال[ عن سفيان الثوري قال قال الصادق ع يا سفيان لا مروة لكذوب و لا أخ لملوك و لا راحة لحسود و لا سؤدد لسيئ الخلق

34-  ل، ]الخصال[ عن العسكري عن محمد بن موسى بن وليد عن يحيى بن حاتم عن يزيد بن هارون عن شعبة عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود عن النبي ص قال أربع من كن فيه فهو منافق و إن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها من إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر

35-  ل، ]الخصال[ عن الصادق ع قال ليس لكذاب مروة

36-  ل، ]الخصال[ عن أمير المؤمنين ع قال اعتياد الكذب يورث الفقر

37-  ل، ]الخصال[ عن أمير المؤمنين ع قال الصدق أمانة و الكذب خيانة

38-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن جعفر عن أبيه علي عن الحسين عن أبيه الحسن بن المغيرة عن   عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عمن رواه عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل جعل للشر أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب و أشر من الشراب الكذب

39-  سن، ]المحاسن[ في رواية أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن العبد ليكذب حتى يكتب من الكذابين و إذا كذب قال الله كذب و فجر

40-  سن، ]المحاسن[ عن معمر بن خلاد عن الرضا ع قال سئل رسول الله ص يكون المؤمن جبانا قال نعم قيل و يكون بخيلا قال نعم قيل و يكون كذابا قال لا

41-  سن، ]المحاسن[ في رواية الأصبغ بن نباتة قال قال علي ع لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتى يدع الكذب جده و هزله

42-  سن، ]المحاسن[ في رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر ع قال أول من يكذب الكاذب الله عز و جل ثم الملكان اللذان معه ثم هو يعلم أنه كاذب

43-  ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ روي أن رجلا أتى سيدنا رسول الله ص فقال يا رسول الله علمني خلقا يجمع لي خير الدنيا و الآخرة فقال لا تكذب فقال الرجل فكنت على حالة يكرهها الله فتركتها خوفا من أن يسألني سائل عملت كذا و كذا فأفتضح أو أكذب فأكون قد خالفت رسول الله ص فيما حملني عليه

44-  شي، ]تفسير العياشي[ عن العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا ع أنه ذكر رجلا كذابا ثم قال قال الله إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ

45-  ختص، ]الإختصاص[ قال النبي ص لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه و أصل السخرية الطمأنينة إلى أهل الكذب

    -46  الدرة الباهرة، عن أبي محمد العسكري ع قال جعلت الخبائث في بيت و جعل مفتاحه الكذب

47-  دعوات الراوندي، قال النبي ص أربى الربا الكذب و قال رجل له ص المؤمن يزني قال قد يكون ذلك قال المؤمن يسرق قال ص قد يكون ذلك قال يا رسول الله المؤمن يكذب قال لا قال الله تعالى إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ

48-  جع، ]جامع الأخبار[ قال ع إياكم و الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور و الفجور يهدي إلى النار

 عن عبد الرزاق عن نعمان عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله ص المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك و خرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش و يلعنه حملة العرش و كتب الله عليه لتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه

 و قال الصادق ع الكذب مذموم إلا في أمرين دفع شر الظلمة و إصلاح ذات البين

 قال موسى ع يا رب أي عبادك خير عملا قال من لم يكذب لسانه و لا يفجر قلبه و لا يزني فرجه

 و قال الإمام الزكي العسكري ع جعلت الخبائث كلها في بيت و جعل مفتاحها الكذب