باب 19- الرياء

الآيات البقرة كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ النساء وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ و قال تعالى في وصف المنافقين يُراؤُنَ النَّاسَ الأنفال وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ الماعون الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ  

1-  كا، ]الكافي[ عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع أنه قال لعباد بن كثير البصري في المسجد ويلك يا عباد إياك و الرياء فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له

 بيان وكله الله إلى من عمل له أي في الآخرة كما سيأتي أو الأعم منها و من الدنيا و قيل وكل ذلك العمل إلى الغير و لا يقبله أصلا

 و قد روي عن النبي ص أنه قال إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قيل و ما الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرياء قال يقول الله عز و جل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم

و قال بعض المحققين اعلم أن الرياء مشتق من الرؤية و السمعة مشتق من السماع و إنما الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم خصال الخير إلا أن الجاه و المنزلة يطلب في القلب بأعمال سوى العبادات و يطلب بالعبادات و اسم الرياء مخصوص بحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادات و إظهارها فحد الرياء هو إرادة المنزلة بطاعة الله تعالى فالمرائي هو العابد و المراءى هو الناس المطلوب رؤيتهم لطلب المنزلة في قلوبهم و المراءى به هو الخصال التي قصد المرائي إظهارها و الرياء هو قصد إظهار ذلك و المراءى بها كثيرة و يجمعها خمسة أقسام و هي مجامع ما يتزين العبد به للناس و هو البدن و الزي و القول و العمل و الأتباع و الأشياء الخارجة. و لذلك أهل الدنيا يراءون بهذه الأسباب الخمسة إلا أن طلب الجاه و قصد الرياء بأعمال ليست من جملة الطاعات أهون من الرياء بالطاعات. و الأول الرياء في الدين من جهة البدن و ذلك بإظهار النحول و الصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد و عظم الحزن على أمر الدين و غلبة خوف الآخرة و ليدل   بالنحول على قلة الأكل و بالصفار على سهر الليل و كثرة الأرق في الدين و كذلك يرائي بتشعث الشعر ليدل به على استغراق الهم بالدين و عدم التفرغ لتسريح الشعر و يقرب من هذا خفض الصوت و إغارة العينين و ذبول الشفتين فهذه مراءاة أهل الدين في البدن. و أما أهل الدنيا فيراءون بإظهار السمن و صفاء اللون و اعتدال القامة و حسن الوجه و نظافة البدن و قوة الأعضاء. و ثانيها الرئاء بالزي و الهيئة أما الهيئة فتشعث شعر الرأس و حلق الشارب و إطراق الرأس في المشي و الهدوء في الحركة و إبقاء أثر السجود على الوجه و غلظ الثياب و لبس الصوف و تشميرها إلى قريب من نصف الساق و تقصير الأكمام و ترك تنظيف الثوب و تركه مخرقا كل ذلك يرائي به ليظهر من نفسه أنه يتبع السنة فيه و مقتد فيه بعباد الله الصالحين. و أما أهل الدنيا فمراءاتهم بالثياب النفيسة و المراكب الرفيعة و أنواع التوسع و التجمل. الثالث الرياء بالقول و رياء أهل الدين بالوعظ و التذكير و النطق بالحكمة و حفظ الأخبار و الآثار لأجل الاستعمال في المحاورة إظهارا لغزارة العلم و لدلالته على شدة العناية بأقوال السلف الصالحين و تحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمشهد الخلق و إظهار الغضب للمنكرات و إظهار الأسف على مقارفة الناس بالمعاصي و تضعيف الصوت في الكلام. و أما أهل الدنيا فمراءاتهم بالقول بحفظ الأمثال و الأشعار و التفاصح في العبارات و حفظ النحو الغريب للإغراب على أهل الفضل و إظهار التودد إلى الناس لاستمالة القلوب. الرابع الرياء في العمل كمراءاة المصلي بطول القيام و مده و تطويل الركوع و السجود و إطراق الرأس و ترك الالتفات و إظهار الهدوء و السكون و تسوية القدمين و اليدين و كذلك بالصوم و بالحج و بالصدقة و بإطعام الطعام و بالإخبات

    بالشي‏ء عند اللقاء كإرخاء الجفون و تنكيس الرأس و الوقار في الكلام حتى أن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه واحد من أهل الدين رجع إلى الوقار و إطراق الرأس خوفا من أن ينسبه إلى العجلة و قلة الوقار فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا رآه عاد إلى خشوعه و منهم من يستحيي أن يخالف مشيته في الخلوة لمشيته بمرأى من الناس فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة حتى إذا رآه الناس لم يفتقر إلى التغيير و يظن أنه تخلص به من الرياء و قد تضاعف به رياؤه فإنه صار في خلواته أيضا مرائيا. و أما أهل الدنيا فمراءاتهم بالتبختر و الاختيال و تحريك اليدين و تقريب الخطى و الأخذ بأطراف الذيل و إدارة العطفين ليدلوا بذلك على الجاه و الحشمة. الخامس المراءاة بالأصحاب و الزائرين و المخالطين كالذي يتكلف أن يزور عالما من العلماء ليقال إن فلانا قد زار فلانا أو عابدا من العباد لذلك أو ملكا من الملوك و أشباهه ليقال إنهم يتبركون به و كالذي يكثر ذكر الشيوخ ليري أنه لقي شيوخا كثيرا و استفاد منهم فيباهي بشيوخه و منهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه و منهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته و منهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حطام و كسب مال و لو من الأوقاف و أموال اليتامى و غير ذلك. و أما حكم الرياء فهل هو حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل فأقول فيه تفصيل فإن الرياء هو طلب الجاه و هو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال فلا يحرم من حيث إنه طلب منزلة في قلوب العباد و لكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات و أسباب محظورة فكذلك الجاه و كما أن كسب قليل من المال و هو ما يحتاج إليه الإنسان محمود فكسب قليل من الجاه و هو ما يسلم به عن الآفات محمود و هو الذي طلبه يوسف ع حيث قال إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و كما أن المال فيه سم ناقع و ترياق نافع فكذلك الجاه.   و أما انصراف الهم إلى سعة الجاه فهو مبدأ الشرور كانصراف الهم إلى كثرة المال و لا يقدر محب الجاه و المال على ترك معاصي القلب و اللسان و غيرها. و أما سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه و من غير اهتمام بزواله إن زال فلا ضرر فيه فلا جاه أوسع من جاه رسول الله ص و من بعده من علماء الدين و لكن انصراف الهم إلى طلب الجاه نقصان في الدين و لا يوصف بالتحريم. و بالجملة المراءاة بما ليس هو من العبادات قد يكون مباحا و قد يكون طاعة و قد يكون مذموما و ذلك بحسب الغرض المطلوب به و أما العبادات كالصدقة و الصلاة و الغزو و الحج فللمرائي فيه حالتان إحداهما أن لا يكون له قصد إلا الرياء المحض دون الأجر و هذا يبطل عبادته لأن الأعمال بالنيات و هذا ليس يقصد العبادة ثم لا يقتصر على إحباط عبادته حتى يقال صار كما كان قبل العبادة بل يعصي بذلك و يأثم لما دلت عليه الأخبار و الآيات. و المعنى فيه أمران أحدهما يتعلق بالعبادة و هو التلبيس و المكر لأنه خيل إليهم أنه مخلص مطيع لله و أنه من أهل الدين و ليس كذلك و التلبيس في أمر الدنيا أيضا حرام حتى لو قضى دين جماعة و خيل إلى الناس أنه متبرع عليهم ليعتقدوا سخاوته أثم بذلك لما فيه من التلبيس و تملك القلوب بالخداع و المكر. و الثاني يتعلق بالله و هو أنه مهما قصد بعبادة الله خلق الله فهو مستهزئ بالله فهذا من كبائر المهلكات و لهذا سماه رسول الله ص الشرك الأصغر فلو لم يكن في الرياء إلا أنه يسجد و يركع لغير الله لكان فيه كفاية فإنه إذا لم يقصد التقرب إلى الله فقد قصد غير الله لعمري لو قصد غير الله بالسجود لكفر كفرا جليا إلا أن الرياء هو الكفر الخفي. و اعلم أن بعض أبواب الرياء أشد و أغلظ من بعض و اختلافه باختلاف أركانه و تفاوت الدرجات فيه و أركانه ثلاثة المراءى به و المراءى له و نفس قصد الرياء. الركن الأول نفس قصد الرياء و ذلك لا يخلو إما أن يكون مجردا

    دون إرادة الله و الثواب و إما أن يكون مع إرادة الثواب فإن كان كذلك فلا يخلو إما أن يكون إرادة الثواب أقوى و أغلب أو أضعف أو مساويا لإراءة العباد فيكون الدرجات أربعا. الأولى و هي أغلظها أن لا يكون مراده الثواب أصلا كالذي يصلي بين أظهر الناس و لو انفرد لكان لا يصلي فهذه الدرجة العليا من الرياء. الثانية أن يكون له قصد الثواب أيضا و لكن قصدا ضعيفا بحيث لو كان في الخلوة لكان لا يفعله و لا يحمله ذلك القصد على العمل و لو لم يكن الثواب لكان قصد الرياء يحمله على العمل فهذا قريب مما قبله. الثالثة أن يكون قصد الرياء و قصد الثواب متساويين بحيث لو كان كل واحد خاليا عن الآخر لم يبعثه على العمل فلما اجتمعا انبعثت الرغبة فكان كل واحد لو انفرد لا يستقل بحمله على العمل فهذا قد أفسد مثل ما أصلح فنرجو أن يسلم رأسا برأس لا له و لا عليه أو يكون له من الثواب مثل ما عليه من العقاب و ظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم. الرابعة أن يكون اطلاع الناس مرجحا و مقويا لنشاطه و لو لم يكن لكان لا يترك العبادة و لو كان قصد الرياء وحده لما أقدم و الذي نظنه و العلم عند الله أنه لا يحبط أصل الثواب و لكنه ينقص منه أو يعاقب على مقدار قصد الرياء و يثاب على مقدار قصد الثواب و أما قوله تعالى أنا أغنى الأغنياء عن الشرك فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان أو كان قصد الرياء أرجح الركن الثاني المرائى به و هي الطاعات و ذلك ينقسم إلى الرياء بأصول العبادات و إلى الرياء بأوصافها. القسم الأول و هو الأغلظ الرياء بالأصول و هو على ثلاث درجات. الأولى الرياء بأصل الإيمان و هو أغلظ أبواب الرياء و صاحبه مخلد في النار و هو الذي يظهر كلمتي الشهادة و باطنه مشحون بالتكذيب و لكنه يرائي بظاهر الإسلام و هم المنافقون الذين ذمهم الله سبحانه في مواضع كثيرة و قد قال    يُراؤُنَ النَّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. و كان النفاق في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء لغرض و ذلك مما يقل في زماننا و لكن يكثر نفاق من ينسل من الدين باطنا فيجحد الجنة و النار و الدار الآخرة ميلا إلى قول الملحدة أو يعتقد طي بساط الشرع و الأحكام ميلا إلى أهل الإباحة و يعتقد كفرا أو بدعة و هو يظهر خلافه فهؤلاء من المراءين المنافقين المخلدين في النار و حال هؤلاء أشد من حال الكفار المجاهرين لأنهم جمعوا بين كفر الباطن و نفاق الظاهر. الثانية الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين و هذا أيضا عظيم عند الله و لكنه دون الأول بكثير و مثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة خوفا من ذمه و الله يعلم منه أنه لو كان في يده لما أخرجها أو يدخل وقت الصلاة و هو في جمع فيصلي معهم و عادته ترك الصلاة في الخلوة و كذا سائر العبادات فهو مراء معه أصل الإيمان بالله يعتقد أنه لا معبود سواه و لو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغير الله لم يفعل و لكنه يترك العبادات للكسل و ينشط عند اطلاع الناس فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق و خوفه من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله و رغبته في محمدتهم أشد من رغبته في ثواب الله و هذا غاية الجهل و ما أجدر صاحبه بالمقت و إن كان غير منسل عن أصل الإيمان من حيث الاعتقاد. الثالثة أن لا يرائي بالإيمان و لا بالفرائض و لكن يرائي بالنوافل و السنن التي لو تركها لا يعصي و لكن يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها و لإيثار لذة الكسل على ما يرجى من الثواب ثم يبعثه الرياء على فعله و ذلك كحضور الجماعة في الصلاة و عيادة المريض و اتباع الجنائز و كالتهجد بالليل و صيام السنة و التطوع و نحو ذلك فقد يفعل المرائي جملة ذلك خوفا من المذمة أو طلبا للمحمدة و يعلم الله تعالى منه لو خلي بنفسه لما زاد على أداء الفرائض فهذا أيضا

    عظيم و لكن دون ما قبله و كأنه على الشطر من الأول و عقابه نصف عقابه. القسم الثاني الرياء بأوصاف العبادات لا بأصولها و هي أيضا على ثلاث درجات. الأولى أن يرائي بفعل ما في تركه نقصان العبادة كالذي غرضه أن يخفف الركوع و السجود و لا يطول القراءة فإذا رآه الناس أحسن الركوع و ترك الالتفات و تمم القعود بين السجدتين و قد قال ابن مسعود من فعل ذلك فهو استهانة يستهين بها ربه. فهذا أيضا من الرياء المحظور لكنه دون الرياء بأصول التطوعات فإن قال المرائي إنما فعلت ذلك صيانة لألسنتهم عن الغيبة فإنهم إذا رأوا تخفيف الركوع و السجود و كثرة الالتفات أطلقوا اللسان بالذم و الغيبة فإنما قصدت صيانتهم عن هذه المعصية فيقال له هذه مكيدة للشيطان و تلبيس و ليس الأمر كذلك فإن ضررك من نقصان صلاتك و هي خدمة منك لمولاك أعظم من ضررك من غيبة غيرك فلو كان باعثك الدين لكان شفقتك على نفسك أكثر. نعم للمرائي فيه حالتان إحداهما أن يطلب بذلك المنزلة و المحمدة عند الناس و ذلك حرام قطعا و الثانية أن يقول ليس يحضرني الإخلاص في تحسين الركوع و السجود و لو خففت كان صلاتي عند الله ناقصة و آذاني الناس بذمهم و غيبتهم و أستفيد بتحسين الهيئة دفع مذمتهم و لا أرجو عليه ثوابا فهو خير من أن أترك تحسين الصلاة فيفوت الثواب و تحصل المذمة فهذا فيه أدنى نظر فالصحيح أن الواجب عليه أن يحسن و يخلص فإن لم يحضره النية فينبغي أن يستمر على عبادته في الخلوة و ليس له أن يدفع الذم بالمراءاة بطاعة الله فإن ذلك استهزاء. الثانية أن يرائي بفعل ما لا نقصان في تركه و لكن فعله في حكم التكملة و التتمة لعبادته كالتطويل في الركوع و السجود و مد القيام و تحسين الهيئة في رفع اليدين و الزيادة في القراءة على السورة المعتادة و أمثال ذلك و كل   ذلك مما لو خلي و نفسه لكان لا يقدم عليه. الثالثة أن يرائي بزيادات خارجة عن نفس النوافل كحضوره الجماعة قبل القوم و قصده الصف الأول و توجهه إلى يمين الإمام و ما يجري مجراه و كل ذلك مما يعلم الله منه أنه لو خلي بنفسه لكان لا يبالي من أين وقف و متى يحرم بالصلاة فهذه درجات الرياء بالنسبة إلى ما يراءى به و بعضه أشد من بعض و الكل مذموم. الركن الثالث المراءى لأجله فإن للمرائي مقصودا لا محالة فإنما يرائي لإدراك مال أو جاه أو غرض من الأغراض لا محالة و له أيضا ثلاث درجات الأولى و هي أشدها و أعظمها أن يكون مقصده التمكن من معصية كالذي يرائي بعباداته ليعرف بالأمانة فيولي القضاء أو الأوقاف أو أموال الأيتام فيحكم بغير الحق و يتصرف في الأموال بالباطل و أمثال ذلك كثيرة. الثانية أن يكون غرضه نيل حظ مباح من مال أو نكاح امرأة جميلة أو شريفة فهذا رياء محظور لأنه طلب بطاعة الله متاع الدنيا و لكنه دون الأول. الثالثة أن لا يقصد نيل حظ و إدراك مال أو شبهه و لكن يظهر عبادته خيفة من أن ينظر إليه بعين النقص و لا يعد من الخاصة و الزهاد كأن يسبق إلى الضحك أو يبدر منه المزاح فيخاف أن ينظر إليه بعين الاحتقار فيتبع ذلك بالاستغفار و تنفس الصعداء و إظهار الحزن و يقول ما أعظم غفلة الإنسان عن نفسه و الله يعلم منه أنه لو كان في الخلوة لما كان يثقل عليه ذلك. فهذه درجات الرياء و مراتب أصناف المراءين و جميعهم تحت مقت الله و غضبه و هي من أشد المهلكات. و أما ما يحبط العمل من الرياء الخفي و الجلي و ما لا يحبط فنقول إذا عقد العبد العبادة على الإخلاص ثم ورد وارد الرياء فلا يخلو إما أن ورد عليه بعد فراغه من العمل أو قبل الفراغ فإن ورد بعد الفراغ سرور من غير إظهار فلا يحبط العمل إذ العمل قد تم على نعت الإخلاص سالما من الرياء فما يطرأ بعده فنرجو   أن لا ينعطف عليه أثره لا سيما إذا لم يتكلف هو إظهاره و التحدث به و لم يتمن ذكره و إظهاره و لكن اتفق ظهوره بإظهار الله إياه و لم يكن منه إلا ما دخل من السرور و الارتياح على قلبه و يدل على هذا ما سيأتي

 و قد روي أن رجلا قال لرسول الله ص يا رسول الله أسر العمل لا أحب أن يطلع عليه أحد فيطلع عليه فيسرني قال لك أجران أجر السر و أجر العلانية

و قال الغزالي نعم لو تم العمل على الإخلاص من غير عقد رياء و لكن ظهرت له بعده رغبة في الإظهار فتحدث به و أظهره فهذا مخوف و في الأخبار و الآثار ما يدل على أنه محبط و يمكن حملها على أن هذا دليل على أن قلبه عند العبادة لم يخل عن عقد الرياء و قصده لما أن ظهر منه التحدث به إذ يبعد أن يكون ما يطرأ بعد العمل مبطلا للثواب بل الأقيس أن يقال أنه مثاب على عمله الذي مضى و معاقب على مراءاته بطاعة الله بعد الفراغ منها بخلاف ما لو تغير عقده إلى الرياء قبل الفراغ فإنه مبطل. ثم قال المحقق المذكور و أما إذا ورد وارد الرياء قبل الفراغ من الصلاة مثلا و كان قد عقد على الإخلاص و لكن ورد في أثنائها وارد الرياء فلا يخلو إما أن يكون مجرد سرور لا يؤثر في العمل فهو لا يبطله و إما أن يكون رياء باعثا على العمل فختم و ختم به العمل فإذا كان كذلك حبط أجره. و مثاله أن يكون في تطوع فتجددت له نظارة أو حضر ملك من الملوك و هو يشتهي أن ينظر إليه أو يذكر شيئا نسيه من ماله و هو يريد أن يطلبه و لو لا الناس لقطع الصلاة فاستتمها خوفا من مذمة الناس فقد حبط أجره و عليه الإعادة إن كان في فريضة

 و قد قال ص العمل كالوعاء إذا طاب آخره طاب أوله

أي النظر إلى خاتمته و روي من راءى بعمله ساعة حبط عمله الذي كان قبله و هو منزل على الصلاة في هذه الصورة لا على الصدقة و لا على القراءة فإن كل جزء منها منفرد فما يطرأ يفسد الباقي دون الماضي و الصوم و الحج من قبيل الصلاة فأما إذا كان وارد الرياء بحيث لا يمنعه من قصد الاستتمام لأجل الثواب   كما لو حضر جماعة في أثناء صلاته ففرح بحضورهم و اعتقد الرياء و قصد تحسين الصلاة لأجل نظرهم و كان لو لا حضورهم لكان يتمها أيضا فهذا رياء قد أثر في العمل و انتهض باعثا على الحركات فإن غلب حتى انمحق معه الإحساس بقصد العبادة و الثواب و صار قصد العبادة مغمورا فهذا أيضا ينبغي أن يفسد العبادة مهما مضى ركن من أركانها على هذا الوجه لأنا نكتفي بالنية السابقة عند الإحرام بشرط أن لا يطرأ ما يغلبها و يغمرها. و يحتمل أن يقال لا تفسد العبادة نظرا إلى حالة العقد و إلى بقاء أصل قصد الثواب و إن ضعف بهجوم قصد هو أغلب منه و الأقيس أن هذا القدر إذا لم يظهر أثره في العمل بل بقي العمل صادرا عن باعث الدين و إنما انضاف إليه سرور بالاطلاع فلا يفسد العمل لأنه لا ينعدم به أصل نيته و بقيت تلك النية باعثة على العمل و حاملة على الإتمام و روي في الكافي عن أبي جعفر ع ما يدل عليه و أما الأخبار التي وردت في الرياء فهي محمولة على ما إذا لم يرد به إلا الخلق و أما ما ورد في الشركة فهو محمول على ما إذا كان قصد الرياء مساويا لقصد الثواب أو أغلب منه أما إذا كان ضعيفا بالإضافة إليه فلا يحبط بالكلية ثواب الصدقة و سائر الأعمال و لا ينبغي أن يفسد الصلاة و لا يبعد أيضا أن يقال إن الذي أوجب عليه صلاة خالصة لوجه الله و الخالصة ما لا يشوبه شي‏ء فلا يكون مؤديا للواجب مع هذا الشوب و العلم عند الله فيه فهذا حكم الرياء الطاري بعد عقد العبادة إما قبل الفراغ أو بعده. القسم الثالث الذي يقارن حال العقد بأن يبتدئ في الصلاة على قصد الرياء فإن تم عليه حتى يسلم فلا خلاف في أنه يعصي و لا يعتد بصلاته و إن ندم عليه في أثناء ذلك و استغفر و رجع قبل التمام ففيما يلزمه ثلاثة أوجه. قالت فرقة لم تنعقد صلاته مع قصد الرياء فليستأنف. و قالت فرقة تلزمه إعادة الأفعال كالركوع و السجود و تفسد أعماله دون تحريمه الصلاة لأن التحريم عقد و الرياء خاطر في قلبه لا يخرج التحريم عن كونه عقدا

    و قالت فرقة لا تلزمه إعادة شي‏ء بل يستغفر الله بقلبه و يتم العبادة على الإخلاص و النظر إلى خاتمة العبادة كما لو ابتدأها بالإخلاص و ختم بالرياء لكان يفسد علمه و شبهوا ذلك بثوب أبيض لطخ بنجاسة عارضة فإذا أزيل العارض عاد إلى الأصل فقالوا إن الصلاة و الركوع و السجود لا يكون إلا لله و لو سجد لغير الله لكان كافرا و لكن قد اقترن به عارض الرياء ثم إن زال بالندم و التوبة و صار إلى حالة لا يبالي بحمد الناس و ذمهم فتصح صلاته. و مذهب الفريقين الآخرين خارج عن قياس الفقه جدا خصوصا من قال يلزمه إعادة الركوع و السجود دون الافتتاح لأن الركوع و السجود إن لم يصح صارت أفعالا زائدة في الصلاة فتبطل الصلاة و كذلك قول من يقول لو ختم بالإخلاص صح نظرا إلى الخاتمة فهو أيضا ضعيف لأن الرياء يقدح بالنية و أولى الأوقات بمراعاة الأحكام النية حالة الافتتاح. فالذي يستقيم على قياس الفقه هو أن يقال إن كان باعثه مجرد الرياء في ابتداء العقد دون طلب الثواب و امتثال الأمر لم ينعقد افتتاحه و لم يصح ما بعده و ذلك من إذا خلا بنفسه لم يصل و لما رآه الناس يحرم بالصلاة و كان بحيث لو كان ثوبه أيضا نجسا كان يصلي لأجل الناس فهذه صلاة لا نية فيها إذ النية عبارة عن إجابة باعث الدين و هاهنا لا باعث و لا إجابة. فأما إذا كان بحيث لو لا الناس أيضا لكان يصلي إلا أنه ظهرت له الرغبة في المحمدة أيضا فاجتمع الباعثان فهذا إما أن يكون في صدقة أو قراءة و ما ليس فيه تحريم و تحليل أو في عقد صلاة و حج فإن كان في صدقة فقد عصى بإجابة باعث الرياء و أطاع بإجابة باعث الثواب فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و له ثواب بقدر قصده الصحيح و عقاب بقدر قصده الفاسد و لا يحبط أحدهما الآخر. و إن كان في صلاة يقبل الفساد بتطرق خلل إلى النية فلا يخلو إما أن   يكون نفلا أو فرضا فإن كان نفلا فحكمها أيضا حكم الصدقة فقد عصى من وجه و أطاع من وجه إذا اجتمع في قلبه الباعثان و أما إذا كان في فرض و اجتمع الباعثان و كان كل واحد منهما لا يستقل و إنما يحصل الانبعاث بمجموعهما فهذا لا يسقط الواجب عنه لأن الإيجاب لم ينتهض باعثا في حقه بمجرده و استقلاله و إن كان كل باعث مستقلا حتى لو لم يكن باعث الرياء لأدى الفرض و لو لم يكن باعث الفرض لأنشأ صلاة تطوعا لأجل الرياء فهذا في محل النظر و هو محتمل جدا. فيحتمل أن يقال إن الواجب صلاة خالصة لوجه الله و لم يؤد الواجب الخالص و يحتمل أن يقال إن الواجب امتثال الأمر الواجب بواجب مستقل بنفسه و قد وجد فاقتران غيره به لا يمنع سقوط الفرض عنه كما لو صلى في دار مغصوبة فإنه و إن كان عاصيا بإيقاع الصلاة في الدار المغصوبة فإنه مطيع بأصل الصلاة و مسقط للفرض عن نفسه و تعارض الاحتمال في تعارض البواعث في أصل الصلاة أما إذا كان الرياء في المبادرة مثلا دون أصل الصلاة مثل من بادر في الصلاة في أول الوقت لحضور جماعة و لو خلا لأخرها إلى وسط الوقت و لو لا الفرض لكان لا يبتدئ صلاة لأجل الرياء فهذا مما يقطع بصحة صلاته و سقوط الفرض به لأن باعث أصل الصلاة من حيث إنها صلاة لم يعارضها غيره بل من حيث تعيين الوقت فهذا أبعد من القدح في النية. هذا في رياء يكون باعثا على العمل و حاملا عليه فأما مجرد السرور باطلاع الناس إذا لم يبلغ أثره حيث يؤثر في العمل فبعيد أن يفسد الصلاة فهذا ما نراه لائقا بقانون الفقه و المسألة غامضة من حيث إن الفقهاء لم يتعرضوا لها في فن الفقه و الذين خاضوا فيه و تصرفوا لم يلاحظوا قوانين الفقه و مقتضى فتاوي العلماء في صحة الصلاة و فسادها بل حملهم الحرص على تصفية القلوب و طلب الإخلاص على إفساد العبادات بأدنى الخواطر و ما ذكرناه هو الأقصد فيما نواه و العلم عند الله تعالى انتهى كلامه.

    و قال الشهيد قدس الله روحه في قواعده النية يعتبر فيها القربة و دل عليها الكتاب و السنة قال تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و الإخلاص فعل الطاعة خالصة لله وحده و هنا غايات ثمان الأول الرياء و لا ريب في أنه مخل بالإخلاص فيتحقق الرياء بقصد مدح الرائي أو الانتفاع به أو دفع ضرره. فإن قلت فما تقول في العبادة المشوبة بالتقية قلت أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص و ما فعل منها تقية فإن له اعتبارين بالنظر إلى أصله و هو قربة و بالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر و هو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره أما لو فرض إحداث صلاة مثلا تقية فإنها من باب الرياء الثاني قصد الثواب أو الخلاص من العقاب أو قصدهما معا الثالث فعلها شكرا لنعم الله تعالى و استجلابا لمزيده الرابع فعلها حياء من الله تعالى الخامس فعلها حبا لله تعالى السادس فعلها تعظيما لله تعالى و مهابة و انقيادا و إجابة السابع فعلها موافقة لإرادته و طاعة لأمره الثامن فعلها لكونه أهلا للعبادة و هذه الغاية مجمع على كون العبادة تقع بها معتبرة و هي أكمل مراتب الإخلاص و إليه أشار

 الإمام الحق أمير المؤمنين ع ما عبدتك طمعا في جنتك و لا خوفا من نارك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك

و أما غاية الثواب و العقاب فقد قطع الأصحاب بكون العبادة فاسدة بقصدها و كذلك ينبغي أن يكون غاية الحياء و الشكر و باقي الغايات الظاهر أن قصدها مجزأ لأن الغرض بها الله في الجملة و لا يقدح كون تلك الغايات باعثة على العبادة أعني الطمع و الرجاء و الشكر و الحياء لأن الكتاب و السنة مشتملة على المرهبات من الحدود و التعزيرات و الذم و الإيعاد بالعقوبات و على المرغبات من المدح و الثناء في العاجل و الجنة و نعيمها في الآجل و أما الحياء فغرض   مقصود

 و قد جاء في الخبر عن النبي ص استحيوا من الله حق الحياء اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فإنه إذا تخيل الرؤية انبعث على الحياء و التعظيم و المهابة

 و عن أمير المؤمنين ع و قد قال له ذعلب اليماني بالذال المعجمة المكسورة و العين المهملة الساكنة و اللام المكسورة هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين فقال ع أ فأعبد ما لا أرى فقال و كيف تراه فقال لا تدركه العيون بمشاهد العيان و لكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان قريب من الأشياء غير ملامس بعيد منها غير مباين متكلم بلا روية مريد بلا همة صانع لا بجارحة لطيف لا يوصف بالخفاء بعيد لا يوصف بالجفاء بصير لا يوصف بالحاسة رحيم لا يوصف بالرقة تعنو الوجوه لعظمته و توجل القلوب من مخافته

و قد اشتمل هذا الكلام الشريف على أصول صفات الجلال و الإكرام التي عليها مدار علم الكلام و أفاد أن العبادة تابعة للرؤية و يفسر معنى الرؤية و أفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن و إن لم يكن تمام الغاية و كذلك الخوف منه تعالى. ثم لما كان الركن الأعظم في النية هو الإخلاص و كان انضمام تلك الأربعة غير قادح فيه فخليق أن يذكر ضمائم أخر و هي أقسام. الأول ما يكون منافية له كضم الرياء و يوصف بسببه العبادة بالبطلان بمعنى عدم استحقاق الثواب و هل يقع مجزيا بمعنى سقوط التعبد به و الخلاص من العقاب الأصح أنه لا يقع مجزيا و لم أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام المرتضى قدس الله لطيفه فإن ظاهره الحكم بالإجزاء في العبادة المنوي بها الرياء. الثاني من الضمائم ما يكون لازما للفعل كضم التبرد و التسخن أو التنظيف   إلى نية القربة و فيه وجهان ينظران إلى عدم تحقق معنى الإخلاص فلا يكون الفعل مجزيا و إلى أنه حاصل لا محالة فنيته كتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه و هذا الوجه ظاهر أكثر الأصحاب و الأول أشبه و لا يلزم من حصوله نية حصوله و يحتمل أن يقال إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثم طرأ التبرد عند الابتداء في الفعل لم يضر و إن كان الباعث الأصلي هو التبرد فلما أراده ضم القربة لم يجزئ و كذا إذا كان الباعث مجموع الأمرين لأنه لا أولوية فتدافعا فتساقطا فكأنه غير ناو و من هذا الباب ضم نية الحمية إلى القربة في الصوم و ضم ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف و السعي و الوقوف بالمشعرين. الثالث ضم ما ليس بمناف و لا لازم كما لو ضم إرادة دخول السوق مع نية التقرب في الطهارة أو أراد الأكل و لم يرد بذلك الكون على طهارة في هذه الأشياء فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكدا غير مناف و هذه الأشياء و إن لم يستحب لها الطهارة بخصوصياتها إلا أنها داخلة فيما يستحب لعمومه و في هذه الضميمة وجهان مرتبان على القسم الثاني و أولى بالبطلان لأن ذلك تشاغل عما يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه. ثم قال ره يجب التحرز من الرياء فإنه يلحق العمل بالمعاصي و هو قسمان جلي و خفي فالجلي ظاهر و الخفي إنما يطلع عليه أولو المكاشفة و المعاينة لله كما يروى عن بعضهم أنه طلب الغزو فتاقت نفسه إليه فتفقدها فإذا هو يحب المدح بقولهم فلان غاز فتركه فتاقت نفسه إليه فأقبل يعرض على ذلك الرياء حتى أزاله و لم يزل يتفقدها شيئا بعد شي‏ء حتى وجد الإخلاص بعد بقاء الانبعاث فاتهم نفسه و تفقد أحوالها فإذا هي تحب أن يقال مات فلان شهيدا لتحسن سمعته في الناس بعد موته. و قد يكون في ابتداء النية إخلاصا و في الأثناء يحصل الرياء فيجب التحرز منه فإنه مفسد للعمل نعم لا يتكلف بضبط هواجس النفس و خواطرها بعد إيقاع   النية في الابتداء خالصة فإن ذلك معفو عنه كما جاء في الحديث أن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها

2-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه قال سمعت أبا عبد الله ع يقول اجعلوا أمركم هذا لله و لا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله و ما كان للناس فلا يصعد إلى الله

 بيان اجعلوا أمركم هذا أي التشيع لله أي خالصا له و لا تجعلوه للناس لا بالانفراد و لا بالاشتراك فإنه ما كان لله أي خالصا له فهو لله أي يصعد إليه و يقبله و عليه أجره و ما كان للناس و لو بالشركة فلا يصعد إلى الله أي لا يرفعه الملائكة و لا يثبتونه في ديوان الأبرار كما قال تعالى إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ و الصعود إليه كناية عن القبول

3-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي المغراء عن يزيد بن خليفة قال قال أبو عبد الله ع كل رياء شرك إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس و من عمل لله كان ثوابه على الله

 بيان كل رياء شرك هذا هو الشرك الخفي فإنه لما أشرك في القصد العبادة غيره تعالى فهو بمنزلة من أثبت معبودا غيره سبحانه كالصنم كان ثوابه على الناس أي لو كان ثوابه لازم على أحد كان لازما عليهم فإنه تعالى قد شرط في الثواب الإخلاص فهو لا يستحق منه تعالى شيئا أو أنه تعالى يحيله يوم القيامة على الناس

4-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن جراح المدائني عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً   وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ثم قال ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له خيرا و ما من عبد يسر شرا فذهبت الأيام حتى يظهر الله له شرا

 بيان فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ قال الطبرسي رحمه الله أي فمن كان يطمع في لقاء ثواب ربه و يأمله و يقر بالبعث إليه و الوقوف بين يديه و قيل معناه فمن كان يخشى لقاء عقاب ربه و قيل إن الرجاء يشتمل على كلا المعنيين الخوف و الأمل وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً غيره من ملك أو بشر أو حجر أو شجر و قيل معناه لا يرائي عبادته أحدا عن ابن جبير.

 و قال مجاهد جاء رجل إلى النبي ص فقال إني أتصدق و أصل الرحم و لا أصنع ذلك إلا لله فيذكر ذلك مني و أحمد عليه فيسرني ذلك و أعجب به فسكت رسول الله ص و لم يقل شيئا فنزلت الآية

قال عطا عن ابن عباس أن الله تعالى قال و لا يشرك به لأنه أراد العمل الذي يعمل لله و يحب أن يحمد عليه قال و لذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها كيلا يعظمه من يصل بها.

 و روي عن النبي ص أنه قال قال الله عز و جل أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بري‏ء فهو للذي أشرك

أورده مسلم في الصحيح و روي عن عبادة بن صامت و شداد بن الأوس قالا سمعنا رسول الله ص يقول من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك و من صام صوما يرائي به فقد أشرك ثم قرأ هذه الآية

 و روي أن أبا الحسن الرضا ع دخل يوما على المأمون فرآه يتوضأ للصلاة و الغلام يصب على يده الماء فقال لا تشرك بعبادة ربك أحدا فصرف   المأمون الغلام و تولى إتمام وضوئه بنفسه

انتهى. و أقول الرواية الأخيرة تدل على أن المراد بالشرك هنا الاستعانة في العبادة و هو مخالف لسائر الأخبار و يمكن الجمع بحملها على الأعم منها فإن الإخلاص التام هو أن لا يشرك لا في القصد و لا في العمل غيره سبحانه تزكية الناس أي مدحهم أن يسمع به على بناء الإفعال ما من عبد أسر خيرا أي عملا صالحا بأن أخفاه عن الناس لئلا يشوب بالرياء أو أخفى في قلبه نية حسنة خالصة فذهبت الأيام أبدا قوله أبدا متعلق بالنفي في قوله ما من عبد حتى يظهر الله له خيرا حتى للاستثناء أي يظهر الله ذلك العمل الخفي للناس أو تلك النية الحسنة و صرف قلوبهم إليه ليمدحوه و يوقروه فيحصل له مع ثناء الله ثناء الناس. و على الاحتمال الأول يدل على أن إسرار الخير أحسن من إظهاره و لكل فائدة أما فائدة الإسرار فالتحرز من الرياء و أما فائدة الإظهار فترغيب الناس في الاقتداء به و تحريكهم إلى فعل الخير و قد مدح الله كليهما و فضل الإسرار في قوله سبحانه إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. و يظهر من بعض الأخبار أن الإخفاء في النافلة أفضل و الإبداء في الفريضة أحسن و يمكن القول باختلاف ذلك بحسب اختلاف أحوال الناس فمن كان آمنا من الرياء فالإظهار منه أفضل و من لم يكن آمنا فالإخفاء أفضل و الأول أظهر لتأييده بالخبر. قال المحقق الأردبيلي رحمه الله المشهور بين الأصحاب أن الإظهار في الفريضة أولى سيما في المال الظاهر و لمن هو محل التهمة لرفع تهمة عدم الدفع و بعده عن الرياء و لأن يتبعه الناس في ذلك و الإخفاء في غيرها ليسلم من الرياء   و المروي عن ابن عباس أن صدقة التطوع إخفاؤها أفضل و أما المفروضة فلا يدخلها الرياء و يلحقها تهمة المنع بإخفائها فإظهارها أفضل

 و ما رواه في مجمع البيان عن علي بن إبراهيم بإسناده إلى الصادق ع قال الزكاة المفروضة تخرج علانية و تدفع علانية و غير الزكاة إن دفعها سرا فهو أفضل

فإن ثبت صحته أو صحة مثله فتخصص الآية و تفصل به و إلا فهي على عمومها و معلوم دخول الرياء في الزكاة المفروضة كما في سائر العبادات المفروضة و لهذا اشترط في النية عدمه و لو تمت التهمة لكانت مختصة بمن يتهم انتهى. و ما من عبد يسر شرا أي عملا قبيحا أو رياء في الأعمال الصالحة فإن الله يفضحه بهذا العمل القبيح إن داوم عليه و لم يتب عند الناس و كذا الرياء الذي أصر عليه فيترتب على إخفائه نقيض مقصوده على الوجهين

5-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن عرفة قال قال لي الرضا ع ويحك يا ابن عرفة اعملوا لغير رياء و لا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل ويحك ما عمل أحد عملا إلا رداه الله به إن خيرا فخير و إن شرا فشر

 بيان في النهاية ويح كلمة ترحم و توجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها و قد يقال بمعنى المدح و التعجب و هي منصوبة على المصدر و قد ترفع و تضاف و لا تضاف انتهى و السمعة بالضم و قد يفتح يكون على وجهين أحدهما أن يعمل عملا و يكون غرضه عند العمل سماع الناس له كما أن الرياء هو أن يعمل ليراه الناس فهو قريب من الرياء بل نوع منه و ثانيهما أن يسمع عمله الناس بعد الفعل و المشهور أنه لا يبطل عمله بل ينقض ثوابه أو يزيله كما سيأتي و كأن المراد هنا الأول. في القاموس و ما فعله رياء و لا سمعة و يضم و يحرك و هي ما نوه   بذكره ليرى و يسمع انتهى. إلى من عمل أي إلى من عمل له و في بعض النسخ إلى ما عمل أي إلى عمله أي لا ثواب له إلا أصل عمله و ما قصده به إذ ليس له إلا التعب إلا رداه الله به رداه تردية ألبسه الرداء أي يلبسه الله رداء بسبب ذلك العمل فشبه ع الأثر الظاهر على الإنسان بسبب العمل بالرداء فإنه يلبس فوق الثياب و لا يكون مستورا بثوب آخر. إن خيرا فخيرا أي إن كان العمل خيرا كان الرداء خيرا و إن كان العمل شرا كان الرداء شرا و الحاصل أن من عمل شرا إما بكونه في نفسه أو بكونه مشوبا بالرياء يظهر الله أثر ذلك عليه و يفضحه بين الناس و كذا إذا عمل عملا خيرا و جعله لله خالصا ألبسه الله أثر ذلك العمل و أظهر حسنه للناس كما مر في الخبر السابق و قيل شبه العمل بالرداء في الإحاطة و الشمول إن خيرا فخيرا أي إن كان عمله خيرا فكان جزاؤه خيرا و كذا الشرور و ربما يقرأ ردأه بالتخفيف و الهمزة يقال ردأه به أي جعله له ردءا و قوة و عمادا و لا يخفى ما فيهما من الخبط و التصحيف و سيأتي ما يأبى عنهما

6-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عمر بن يزيد قال إني لأتعشى عند أبي عبد الله ع إذ تلا هذه الآية بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ يا با حفص ما يصنع الإنسان أن يتقرب   إلى الله عز و جل بخلاف ما يعلم الله إن رسول الله ص كان يقول من أسر سريرة رداه الله رداءها إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا

 بيان التعشي أكل الطعام آخر النهار أو أول الليل في القاموس العشي و العشية آخر النهار و العشاء كسماء طعام العشي و تعشى أكله. بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ قال البيضاوي أي حجة بينة على أعمالها لأنه شاهد بها وصفها بالبصارة على سبيل المجاز أو عين بصيرة بها فلا يحتاج إلى الإنباء وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ أي و لو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به جمع معذار و هو العذر أو جمع معذرة على غير قياس كالمناكير في المنكر فإن قياسه معاذر انتهى و التوجيه الأول لبصيرة لأكثر المفسرين و الثاني نقله النيسابوري عن الأخفش فإنه جعل الإنسان بصيرة كما يقال فلان كرم لأنه يعلم بالضرورة متى رجع إلى عقله أن طاعة خالقه واجبة و عصيانه منكر فهو حجة على نفسه بعقله السليم و نقل عن أبي عبيدة أن التاء للمبالغة كعلامة و قال في قوله تعالى وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ هذا تأكيد أي و لو جاء بكل معذرة يحاج بها عن نفسه فإنها لا تنفعه لأنها لا تخفي شيئا من أفعاله فإن نفسه و أعضاءه تشهد عليه قال قال الواحدي و الزمخشري المعاذير اسم جمع للمعذرة كالمناكير للمنكر و لو كان جمعا لكان معاذر بغير ياء و نقل عن الضحاك و السدي أن المعاذير جمع المعذار و هو الستر و المعنى أنه و إن أسبل الستور أن يخفى شي‏ء من عمله قال الزمخشري إن صح هذا النقل فالسبب في التسمية أن الستر يمنع رؤية المحتجب كما يمنع المعذرة عقوبة المذنب انتهى. يا با حفص أي قال ذلك ما يصنع الإنسان استفهام على الإنكار و الغرض التنبيه على أنه لا ينفعه في آخرته و لا في دنياه أيضا لما سيأتي أن يتقرب إلى الله أي يفعل ما يفعله المتقرب و يأتي بما يتقرب به و إن كان ينوي به أمرا آخر   بخلاف ما يعلم الله أي من باطنه فإنه يظهر ظاهرا أنه يعمل العمل لله و يعلم الله من باطنه أنه يفعله لغير الله أو أنه ليس خالصا لله و قيل المعنى أن التقرب بهذا العمل المشترك إلى الله تعالى تقرب بخلاف ما يعلم الله أنه موجب للتقرب. و السريرة ما يكتم رداه الله رداءها كأنه جرد التردية عن معنى الرداء و استعمل بمعنى الإلباس و سيأتي ألبسه الله. و قد مر أنه استعير الرداء للحالة التي تظهر على الإنسان و تكون علامة لصلاحه أو فساده

7-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال النبي ص إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز و جل اجعلوها في سجين إنه ليس إياي أراد به

 بيان الابتهاج السرور و الباء في قوله بعمل و بحسناته للملابسة و يحتمل التعدية و قوله ليصعد أي يشرع في الصعود و قوله فإذا صعد أي تم صعوده و وصل إلى موضع يعرض فيه الأعمال على الله تعالى و قوله بحسناته من قبيل وضع المظهر موضع المضمر تصريحا بأن العمل من جنس الحسنات أو هو منها بزعمه أي أثبتوا تلك الأعمال التي تزعمون أنها حسنات في ديوان الفجار الذي هو في سجين كما قال تعالى إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. و في القاموس سجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار و واد في جهنم أعاذنا الله منها أو حجر في الأرض السابعة و قال البيضاوي إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم لَفِي سِجِّينٍ كتاب جامع لأعمال الفجرة من الثقلين كما قال تعالى وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ أي مسطور بين الكتابة ثم قال و قيل هو اسم مكان و التقدير ما كتاب السجين أو محل كتاب مرقوم فحذف المضاف.   اجعلوها الخطاب إلى الملائكة الصاعدين فالمراد بالملك أولا الجنس أو إلى الملائكة الرد و القبول و الضمير المنصوب للحساب ليس إياي أراد تقديم الضمير للحصر أي لم يكن مراده أنا فقط بل أشرك معي غيري

8-  كا، ]الكافي[ بإسناده قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس و يكسل إذا كان وحده و يحب أن يحمد في جميع أموره

 بيان في القاموس نشط كسمع نشاطا بالفتح طابت نفسه للعمل و غيره و قال الكسل محركة التثاقل عن الشي‏ء و الفتور فيه كسل كفرح انتهى و النشاط يكون قبل العمل و باعثا للشروع فيه و يكون بعده و سببا لتطويله و تجويده في جميع أموره أي في جميع طاعاته و تركه للمنهيات أو الأعم منهما و من أمور الدنيا

9-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن علي بن سالم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال الله عز و جل أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا

 بيان أنا خير شريك لأنه سبحانه غني لا يحتاج إلى الشركة و إنما يقبل الشركة من لم يكن غنيا بالذات فلا يقبل العمل المخلوط لرفعته و غناه أو المراد أني محسن إلى الشركاء أدع إليهم ما كان مشتركا بيني و بينهم و لا أقبله و قيل إن هذا الكلام مبني على التشبيه و الاستثناء في قوله إلا ما كان منقطع

10-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن داود عن أبي عبد الله ع قال من أظهر للناس ما يحب الله و بارز الله بما كرهه لقي الله و هو ماقت له

 بيان بارز الله كأن المراد به أبرز و أظهر لله بما كرهه الله من المعاصي   فإن ما يفعله في الخلوة يراه الله و يعلمه و المستفاد من اللغة أنه من المبارزة في الحرب فإن من يعصي الله سبحانه بمرأى منه و مسمع فكأنه يبارزه و يقاتله في القاموس بارز القرن مبارزة و برازا برز إليه

11-  كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن فضل أبي العباس عن أبي عبد الله ع قال ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا و يسر سيئا أ ليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ذلك ليس كذلك و الله عز و جل يقول بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ إن السريرة إذا صحت قويت العلانية

 كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن فضالة عن معاوية عن الفضيل عن أبي عبد الله مثله

 بيان و يسر سيئا أي نية سيئة و رئاء أو أعمالا قبيحة و الأول أظهر فيعلم أن ذلك ليس كذلك أي يعلم أن عمله ليس بمقبول لسوء سريرته و عدم صحة نيته إن السريرة إذا صحت أي إن النية إذا صحت قويت الجوارح على العمل كما ورد لا يضعف بدن عما قويت عليه النية و روي أن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ألا و هي القلب لكن هذا المعنى لا يناسب هذا المقام كما لا يخفى و يمكن أن يكون المراد بالقوة القوة المعنوية أي صحة العمل و كمالها و قيل المراد بالعلانية الرداء المذكور سابقا أي أثر العمل. و أقول يحتمل أن يكون المعنى قوة العلانية على العمل دائما لا بمحضر الناس فقط

12-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله ع ما من عبد يسر خيرا إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله تعالى له خيرا و ما من عبد يسر شرا إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر له شرا

    -13  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن يحيى بن بشير عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال من أراد الله عز و جل بالقليل من عمله أظهره الله له أكثر مما أراد و من أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه و سهر من ليله أبى الله عز و جل إلا أن يقلله في عين من سمعه

 بيان أظهر الله له في بعض النسخ أظهره الله له فالضمير للقليل أو للعمل و أكثر صفة للمفعول المطلق المحذوف مما أراد أي مما أراد الله به و المراد إظهاره على الناس و نسبة السهر إلى الليل على المجاز فضمير يقلله للكثير أو للعمل و قد يقال الضمير للموصول فالتقليل كناية عن التحقير كما روي أن رجلا من بني إسرائيل قال لأعبدن الله عبادة أذكر بها فمكث مدة مبالغا في الطاعات و جعل لا يمر بملإ من الناس إلا قالوا متصنع مراء فأقبل على نفسه و قال قد أتعبت نفسك و ضيعت عمرك في لا شي‏ء فينبغي أن تعمل لله سبحانه فغير نيته و أخلص عمله لله فجعل لا يمر بملإ من الناس إلا قالوا ورع تقي

14-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم

 بيان سيأتي السين للتأكيد أو للاستقبال القريب تخبث كتحسن سرائرهم بالمعاصي أو بالنيات الخبيثة الريائية طمعا مفعول له لتحسن لا يريدون به الضمير لحسن العلانية أو للعمل المعلوم بقرينة المقام يكون دينهم أي عباداتهم الدينية أو أصل إظهار الدين رياء لطلب المنزلة في قلوب الناس و الباء في قوله بعقاب للتعدية دعاء الغريق أي كدعاء من أشرف على الغرق   فإن الإخلاص و الخضوع فيه أخلص من سائر الأدعية لانقطاع الرجاء عن غيره سبحانه و ما قيل من أن المعنى من غرق في ماء دموعه فلا يخفى بعده و عدم الإجابة لعدم علمهم بشرائطها و عدم وفائهم بعهوده تعالى كما قال تعالى أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ و سيأتي الكلام فيه في كتاب الدعاء إن شاء الله تعالى و لا يبعد أن يكون العقاب إشارة إلى غيبة الإمام ع

15-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عمر بن يزيد قال إني لأتعشى مع أبي عبد الله ع إذ تلا هذه الآية بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ يا با حفص ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله منه إن رسول الله ص يقول من أسر سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا

 بيان قد مر بعينه سندا و متنا و لا اختلاف إلا في قوله أن يعتذر إلى الناس و قوله ألبسه الله و كأنه أعاده لاختلاف النسخ في ذلك و هو بعيد و لعله كان على السهو و ما هنا كأنه أظهر في الموضعين و الاعتذار إظهار العذر و طلب قبوله و قيل لعل المراد به هو الحث على التسوية بين السريرة و العلانية بحيث لا يفعل سرا ما لو ظهر لاحتاج إلى العذر و من البين أن الخير لا يحتاج إلى العذر و إنما المحتاج إليه هو الشر ففيه ردع عن تعلق السر بالشر مخالفا للظاهر و هذا كما قيل لبعضهم عليك بعمل العلانية قال و ما عمل العلانية قال ما إذا اطلع الناس عليك لم تستحي منه و هذا مأخوذ

 من كلام أمير المؤمنين ع على ما ذكره صاحب العدة حيث يقول ع إياك و ما تعتذر منه فإنه لا تعتذر من خير و إياك و كل عمل في السر تستحيي منه في العلانية و إياك   و كل عمل إذا ذكر لصاحبه أنكره

16-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي جعفر ع أنه قال الإبقاء على العمل أشد من العمل قال و ما الإبقاء على العمل قال يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرا ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثم يذكرها فتمحى و تكتب له رياء

 بيان الإبقاء على العمل أي حفظه و رعايته و الشفقة عليه من ضياعه في النهاية يقال أبقيت عليه أبقى إبقاء إذا رحمته و أشفقت عليه و الاسم البقيا و في الصحاح أبقيت على فلان إذا رعيت عليه و رحمته قوله ص يصل هو بيان لترك الإبقاء ليعرف الإبقاء فإن الأشياء تعرف بأضدادها فتكتب على بناء المجهول و الضمير المستتر راجع إلى كل من الصلة و النفقة و سرا و علانية و رياء كل منها منصوب و مفعول ثان لتكتب و قوله فتمحى على بناء المفعول من باب الإفعال و يمكن أن يقرأ على بناء المعلوم من باب الافتعال بقلب التاء ميما. فتكتب له علانية أي يصير ثوابه أخف و أقل و تكتب له رياء أي يبطل ثوابه بل يعاقب عليه و قيل كما يتحقق الرياء في أول العبادة و وسطها كذلك يتحقق بعد الفراغ منها فيجعل ما فعل لله خالصا في حكم ما فعل لغيره فيبطلها كالأولين عند علمائنا بل يوجب الاستحقاق للعقوبة أيضا عند الجميع و قال الغزالي لا يبطلها لأن ما وقع صحيحا فهو صحيح لا ينتقل من الصحة إلى   الفساد نعم الرياء بعده حرام يوجب استحقاق العقوبة و قد مر بسط القول فيه

17-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع اخشوا الله خشية ليست بتعذير و اعملوا لله في غير رياء و لا سمعة فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى عمله

 بيان خشية ليست بتعذير أقول هذه الفقرة تحتمل وجوها. الأول ما ذكره المحدث الأسترآبادي حيث قال إذا فعل أحد فعلا من باب الخوف و لم يرض به فخشيته خشية تعذير و خشية كراهية و إن رضي به فخشيته خشية رضى و خشية محبة. الثاني أن يكون التعذير بمعنى التقصير بحذف المضاف أي ذات تعذير أي لم تكونوا مقصرين في الخشية أو الباء للملابسة و بمعنى مع قال في النهاية التعذير التقصير و منه حديث بني إسرائيل كانوا إذا عمل فيهم بالمعاصي نهوهم تعذيرا أي قصروا فيه و لم يبالغوا وضع المصدر موضع اسم الفاعل حالا كقولهم جاء مشيا و منه حديث الدعاء و تعاطى ما نهيت عنه تعذيرا. الثالث أن يكون التعذير بمعنى التقصير أيضا و يكون المعنى لا تكون خشيتكم بسبب التقصيرات الكبيرة بل يكون مع بذل الجهد في الأعمال كما ورد في صفات المؤمن يعمل و يخشى. الرابع أن يكون المعنى تكون خشيتكم خشية واقعية لا إظهار خشية في مقام الاعتذار إلى الناس و العمل بخلاف ما تقتضيه كما مر في قوله ع ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس إلخ قال الجوهري المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر من غير حقيقة له في العذر. الخامس ما ذكره بعض مشايخنا أن المعنى اخشوا الله خشية لا تحتاجون معها في القيامة إلى إبداء العذر و كأن الثالث أظهر الوجوه.   وكله الله إلى عمله أي يرد عمله إليه فكأنه وكله إليه أو بحذف المضاف أي مقصود عمله أو شريك عمله أي ليس له إلا العناء و التعب كما مر

18-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر ع قال سألته عن الرجل يعمل الشي‏ء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك قال لا بأس ما من أحد إلا و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك

 بيان ما من أحد أي الإنسان مجبول على ذلك لا يمكنه دفع ذلك عن نفسه فلو كلف به لكان تكليفا بما لا يطاق إذا لم يكن صنع ذلك لذلك أي لم يكن باعثه على أصل الفعل أو على إيقاعه على الوجه الخاص ظهوره في الناس و قد ورد نظير ذلك من طريق العامة

 عن أبي ذر أنه قيل لرسول الله ص أ رأيت الرجل يعمل العمل من الخير و يحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن يعني البشرى المعجلة له في الدنيا و البشرى الأخرى قوله سبحانه بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ

قيل و هذا ينافي ما روي من طريقنا ما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شي‏ء من عمل لله و ما روي من طريقهم عن ابن جبير في سبب نزول قوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ إلى آخره و قد مر. و قد جمع بينهما صاحب العدة ره بأنه إن كان سروره باعتبار أنه تعالى أظهر جميله عليهم أو باعتبار أنه استدل بإظهار جميله في الدنيا على إظهار جميله في الآخرة على رءوس الأشهاد أو باعتبار أن الرائي قد يميل قلبه بذلك إلى طاعة الله تعالى أو باعتبار أنه يسلب ذلك اعتقادهم بصفة ذميمة له فليس ذلك السرور رياء و سمعة و إن كان سروره باعتبار رفع المنزلة أو توقع التعظيم و التوقير بأنه عابد زاهد   و تزكيهم له إلى غير ذلك من التدليسات النفسية و التلبيسات الشيطانية فهو رياء ناقل للعمل من كفة الحسنات إلى كفة السيئات انتهى. و أقول يمكن أن يكون ذلك باعتبار اختلاف درجات الناس و مراتبهم فإن تكليف مثل ذلك بالنظر إلى أكثر الخلق تكليف بما لا يطاق و لا ريب في اختلاف التكاليف بالنسبة إلى اختلاف أصناف الخلق بحسب اختلاف استعدادهم و قابلياتهم

19-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الفامي عن محمد الحميري عن أبيه عن هارون عن ابن زياد عن الصادق عن أبيه ع أن رسول الله ص سئل في ما النجاة غدا فقال إنما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم فإنه من يخادع الله يخدعه و يخلع منه الإيمان و نفسه يخدع لو يشعر فقيل له و كيف يخادع الله قال يعمل بما أمر الله به ثم يريد به غيره فاتقوا الله و اجتنبوا الرياء فإنه شرك بالله إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك و لا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له

 مع، ]معاني الأخبار[ ابن الوليد عن الصفار عن هارون مثله

 ثو، ]ثواب الأعمال[ أبي عن الحميري عن هارون مثله

 شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن زياد مثله

20-  ب، ]قرب الإسناد[ هارون عن ابن زياد عن جعفر عن أبيه ع أن النبي ص قال إذا أتى الشيطان أحدكم و هو في صلاته فقال إنك مرائي فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت فريضة و إذا كان على شي‏ء من أمر   الآخرة فليتمكث ما بدا له و إذا كان على شي‏ء من أمر الدنيا فليبرح و إذا دعيتم إلى العرسات فأبطئوا فإنها تذكر الدنيا و إذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا فإنها تذكر الآخرة

21-  ع، ]علل الشرائع[ عن العطار عن أبيه عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه ع قال قال رسول الله ص يؤمر برجال إلى النار فيقول الله جل جلاله لمالك قل للنار لا تحرق لهم أقداما فقد كانوا يمشون إلى المساجد و لا تحرق لهم وجها فقد كانوا يسبغون الوضوء و لا تحرق لهم أيديا فقد كانوا يرفعونها بالدعاء و لا تحرق لهم ألسنا فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن قال فيقول لهم خازن النار يا أشقياء ما كان حالكم قالوا كنا نعمل لغير الله عز و جل فقيل لنا خذوا ثوابكم ممن عملتم له

 ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن محمد العطار عن العمركي مثله

22-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن الأصبهاني عن المنقري عن حماد عن أبي عبد الله ع قال قال لقمان لابنه للمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده و ينشط إذا كان الناس عنده و يتعرض في كل أمر للمحمدة

23-  ع، ]علل الشرائع[ عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن نعمان عن يزيد بن خليفة قال قال أبو عبد الله ع ما على أحدكم لو كان على قلة جبل حتى ينتهي إليه أجله أ تريدون تراءون الناس إن من عمل للناس كان ثوابه على الناس و من عمل لله كان ثوابه على الله إن كل رياء شرك

    -24  فس، ]تفسير القمي[ عن جعفر بن أحمد عن عبيد الله بن موسى عن ابن البطائني عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قوله عز و جل فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال هذا الشرك شرك رياء

25-  و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال سئل رسول الله ص عن تفسير قول الله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الآية فقال من صلى مراءاة الناس فهو مشرك و من زكى مراءاة الناس فهو مشرك و من صام مراءاة الناس فهو مشرك و من حج مراءاة الناس فهو مشرك و من عمل عملا مما أمر الله به مراءاة الناس فهو مشرك و لا يقبل الله عمل مراء

26-  مع، ]معاني الأخبار[ لي، ]الأمالي للصدوق[ عن أمير المؤمنين ع سئل أي عمل أنجح قال طلب ما عند الله

27-  مع، ]معاني الأخبار[ لي، ]الأمالي للصدوق[ السناني عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن محمد بن سنان عن المفضل عن الصادق ع قال الاشتهار بالعبادة ريبة الخبر

28-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم عن الكوفي عن المفضل بن صالح عن محمد بن علي الحلبي عن زرارة و حمران عن أبي جعفر ع قال لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله عز و جل و الدار الآخرة فأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا

    و قال أبو عبد الله ع من عمل للناس كان ثوابه على الناس إن كل رياء شرك

 و قال أبو عبد الله ع قال الله عز و جل من عمل لي و لغيري هو لمن عمل له

 سن، ]المحاسن[ عن محمد بن علي عن المفضل بن صالح مثله

29-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص سيأتي على أمتي زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند الله عز و جل يكون أمرهم رياء لا يخالطه خوف يعمهم الله منه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم

30-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن الحميري عن هارون عن ابن زياد عن الصادق عن أبيه ع إن الله عز و جل أنزل كتابا من كتبه على نبي من الأنبياء و فيه أن يكون خلق من خلقي يلحسون الدنيا بالدين يلبسون مسوك الضأن على قلوب كقلوب الذئاب أشد مرارة من الصبر و ألسنتهم أحلى من العسل و أعمالهم الباطنة أنتن من الجيف فبي يغترون أم إياي يخادعون أم علي يجترءون فبعزتي حلفت لأبعثن عليهم فتنة تطأ في خطامها حتى تبلغ أطراف الأرض تترك الحكيم منها حيران يبطل فيها رأي ذي الرأي و حكمة الحكيم و ألبسهم شيعا و أذيق بعضهم بأس بعض أنتقم من أعدائي بأعدائي فلا أبالي بما أعذبهم جميعا و لا أبالي

31-  ف، ]تحف العقول[ عن أبي محمد ع قال الشرك في الناس أخفى من دبيب النمل   على المسح الأسود في الليلة المظلمة

32-  سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال يقول الله عز و جل أنا خير شريك فمن عمل لي و لغيري فهو لمن عمل له غيري

33-  سن، ]المحاسن[ عن بعض أصحابنا بلغ به أبا جعفر ع قال ما بين الحق و الباطل إلا قلة العقل قيل و كيف ذلك يا ابن رسول الله قال إن العبد يعمل العمل الذي هو لله رضى فيريد به غير الله فلو أنه أخلص لله لجاءه الذي يريد في أسرع من ذلك

34-  سن، ]المحاسن[ عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال قال علي ع اخشوا الله خشية ليست بتعذير و اعملوا لله في غير رئاء و لا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى عمله يوم القيامة

35-  سن، ]المحاسن[ عن عدة من أصحابنا عن ابن أسباط عن يحيى بن بشير النبال عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال من أراد الله بالقليل من عمله أظهر الله له أكثر مما أراده به و من أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه و سهر في ليله أبى الله إلا أن يقلله في عين من سمعه

36-  ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ أروي عن العالم ع أنه قال يقول الله تبارك و تعالى أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عملي لم أقبل إلا ما كان لي خالصا

 و نروي أن الله عز و جل يقول أنا خير شريك ما شوركت في شي‏ء إلا تركته

 و نروي في قول الله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا   يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال ليس من رجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس إلا أشرك بعبادة ربه في ذلك العمل فيبطله الرياء و قد سماه الله الشرك

 و نروي من عمل لله كان ثوابه على الله و من عمل للناس كان ثوابه على الناس إن كل رياء شرك

 و نروي ما من عبد أسر خيرا فتذهب الأيام حتى يظهر الله له خيرا و ما من عبد أسر شرا فتذهب الأيام حتى يظهر الله له شرا

37-  مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع لا تراء بعملك من لا يحيي و لا يميت و لا يغني عنك شيئا و الرياء شجرة لا تثمر إلا الشرك الخفي و أصلها النفاق يقال للمرائي عند الميزان خذ ثوابك ممن عملت له ممن أشركته معي فانظر من تدعو و من ترجو و من تخاف و اعلم أنك لا تقدر على إخفاء شي‏ء من باطنك عليه و تصير مخدوعا قال الله عز و جل يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ و أكثر ما يقع الرياء في النظر و الكلام و الأكل و المشي و المجالسة و اللباس و الضحك و الصلاة و الحج و الجهاد و قراءة القرآن و سائر العبادات الظاهرة و من أخلص باطنه لله و خشع له بقلبه و رأى نفسه مقصرا بعد بذل كل مجهود وجد الشكر عليه حاصلا فيكون ممن يرجى له الخلاص من الرياء و النفاق إذا استقام على ذلك على كل حال

38-  سئل أمير المؤمنين ع عن عظيم الشقاق قال رجل ترك الدنيا للدنيا ففاتته الدنيا و خسر الآخرة و رجل تعبد و اجتهد و صام رئاء الناس فذلك الذي حرم لذات الدنيا و لحقه التعب الذي لو كان به مخلصا لاستحق ثوابه فورد الآخرة   و هو يظن أنه قد عمل ما يثقل به ميزانه فيجده هباء منثورا

39-  سر، ]السرائر[ عبد الله بن بكير عن عبيد قال قلت لأبي عبد الله ع الرجل يدخل في الصلاة فيجود صلاته و يحسنها رجاء أن يستجر بعض من يراه إلى هواه قال ليس هو من الرياء

40-  شي، ]تفسير العياشي[ عن العلاء بن فضيل عن أبي عبد الله ع قال سألته عن تفسير هذه الآية فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله و هو شرك مغفور

41-  شي، ]تفسير العياشي[ عن جراح عن أبي عبد الله ع قال فَمَنْ كانَ يَرْجُوا إلى بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً أنه ليس من رجل يعمل شيئا من البر و لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فذاك الذي أشرك بعبادة ربه أحدا

42-  شي، ]تفسير العياشي[ عن علي بن سالم عن أبي عبد الله ع قال قال الله تبارك و تعالى أنا خير شريك من أشرك بي في عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا

 و في رواية أخرى عنه ع قال إن الله يقول أنا خير شريك من عمل لي و لغيري فهو لمن عمل له دوني

43-  شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قالا لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله و الدار الآخرة ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا

44-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن الجوهري عن البطائني عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع قال يجاء بعبد يوم القيامة قد صلى فيقول يا رب صليت ابتغاء وجهك فيقال له بل صليت ليقال ما أحسن صلاة فلان اذهبوا به إلى النار   و يجاء بعبد قد تعلم القرآن فيقول يا رب تعلمت القرآن ابتغاء وجهك فيقال له بل تعلمت ليقال ما أحسن صوت فلان اذهبوا به إلى النار و يجاء بعبد قد قاتل فيقول يا رب قاتلت ابتغاء وجهك فيقال له بل قاتلت ليقال ما أشجع فلانا اذهبوا به إلى النار و يجاء بعبد قد أنفق ماله فيقول يا رب أنفقت مالي ابتغاء وجهك فيقال بل أنفقته ليقال ما أسخى فلانا اذهبوا به إلى النار

45-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن محمد بن سنان عن يزيد بن خليفة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول من عمل لله كان ثوابه على الله و من عمل للناس كان ثوابه على الناس إن كل رياء شرك

46-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ ابن أبي البلاد عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر ع قال كان في بني إسرائيل عابد فأعجب به داود ع فأوحى الله تبارك و تعالى إليه لا يعجبنك شي‏ء من أمره فإنه مراء قال فمات الرجل فأتي داود ع فقيل له مات الرجل فقال ادفنوا صاحبكم قال فأنكرت ذلك بنو إسرائيل و قالوا كيف لم يحضره قال فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا فلما صلوا عليه قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا فأوحى الله عز و جل إلى داود ع ما منعك أن تشهد فلانا قال الذي أطلعتني عليه من أمره قال إن كان لكذلك و لكن شهده قوم من الأحبار و الرهبان فشهدوا بي ما يعلمون إلا خيرا فأجزت شهادتهم عليه و غفرت له مع علمي فيه

47-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن النضر عن القاسم بن سليمان عن جراح المدائني عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال هو العبد يعمل شيئا من الطاعات لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به فهذا الذي أشرك بعبادة ربه و قال ما من عبد أسر خيرا فتذهب الأيام حتى يظهر الله له خيرا و ما من عبد أسر شرا فتذهب الأيام حتى يظهر الله له شرا

    -48  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر ع عن آبائه ع قال قال علي ع قلنا يا رسول الله ص الرجل منا يصوم و يصلي فيأتيه الشيطان فيقول إنك مراء فقال رسول الله ص فليقل أحدكم عند ذلك أعوذ بك أن أشرك بك شيئا و أنا أعلم و أستغفرك لما لا أعلم

49-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع و اعملوا في غير رياء و لا سمعة فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له

50-  منية المريد، قال رسول الله ص إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا و ما الشرك الأصغر يا رسول الله قال هو الرياء يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء

 و قال ص استعيذوا بالله من جب الخزي قيل و ما هو يا رسول الله قال واد في جهنم أعد للمراءين

 و قال ص إن المرائي ينادى يوم القيامة يا فاجر يا غادر يا مرائي ضل عملك و بطل أجرك اذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له

 و روى جراح المدائني عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الآية قال الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله و إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه أحدا

 و عنه ع قال قال النبي ص إن الملك يصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز و جل اجعلوها في سجين إنه ليس إياي أراد به

 و عن أمير المؤمنين ع ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس و يكسل إذا كان وحده و يحب أن يحمد في جميع أموره

    -51  عدة الداعي، عن النبي ص قال يقول الله سبحانه أنا خير شريك من أشرك معي شريكا في عمله فهو لشريكي دوني لأني لا أقبل إلا ما أخلص لي

 و في حديث آخر إني أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا ثم أشرك فيه غيري فأنا منه بري‏ء و هو للذي أشرك فيه دوني

 و قال النبي ص إن لكل حق حقيقة و ما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شي‏ء من عمل لله

 و قال ص يا با ذر لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس أمثال الأباعر فلا يحفل بوجودهم و لا يغيره ذلك كما لا يغيره وجود بعير عنده ثم يرجع هو إلى نفسه فيكون أعظم حاقر لها

 و قال ص و قد سئل فيم النجاة قال أن لا يعمل العبد بطاعة الله يريد بها الناس

 و قال ص إن الله تعالى لا يقبل عملا فيه مثقال ذرة من رئاء

 و قال ص إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا و ما الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرئاء يقول الله عز و جل إذا جازى العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذي كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون ثواب أعمالكم

 و روي أن رجلا من بني إسرائيل قال لأعبدن الله عبادة أذكر بها فمكث مدة مبالغا في الطاعات و جعل لا يمر بملإ من الناس إلا قالوا متصنع مراء فأقبل على نفسه و قال قد أتعبت نفسك و ضيعت عمرك في لا شي‏ء فينبغي أن تعمل لله سبحانه فغير نيته و أخلص عمله لله فجعل لا يمر بملإ من الناس إلا قالوا ورع تقي

 و قال رسول الله ص من آثر محامد الله على محامد الناس كفاه الله   مئونة الناس

 و قال ص من أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه و من أصلح ما بينه و بين الله أصلح الله ما بينه و بين الناس

52-  أسرار الصلاة، عن النبي ص قال إن الجنة تكلمت و قالت إني حرام علي كل بخيل و مراء

 و عنه ص قال إن النار و أهلها يعجون من أهل الرئاء فقيل يا رسول الله كيف تعج النار قال من حر النار التي يعذبون بها

 و عنه ص إن أول من يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن و رجل قتل في سبيل الله و رجل كثير المال فيقول الله عز و جل للقاري أ لم أعلمك ما أنزلت على رسولي فيقول بلى يا رب فيقول ما عملت فيما علمت فيقول يا رب قمت به في آناء الليل و أطراف النهار فيقول الله كذبت و تقول الملائكة كذبت و يقول الله تعالى إنما أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك و يؤتى بصاحب المال فيقول الله تعالى أ لم أوسع عليك المال حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد فيقول بلى يا رب فيقول فما عملت بما آتيتك قال كنت أصل الرحم و أتصدق فيقول الله كذبت و تقول الملائكة كذبت و يقول الله سبحانه بل أردت أن يقال فلان جواد و قد قيل ذلك و يؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله ما فعلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله كذبت و تقول الملائكة كذبت و يقول الله سبحانه بل أردت أن يقال فلان شجاع جري‏ء فقد قيل ذلك ثم قال رسول الله ص أولئك خلق الله تسعر بهم نار جهنم