باب 28- الرفق و اللين و كف الأذى و المعاونة على البر و التقوى

الآيات آل عمران فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ المائدة وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ الحجر وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الإسراء وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً   الفرقان وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً الشعراء وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

1-  نهج، ]نهج البلاغة[ إذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا ربما كان الدواء داء و الداء دواء

2-  كتاب الإمامة و التبصرة، عن سهل بن أحمد عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه ع قال قال رسول الله الرفق يمن و الخرق شؤم

 و منه بهذا الإسناد قال قال رسول الله ص الرفق لم يوضع على شي‏ء إلا زانه و لا ينزع من شي‏ء إلا شانه

3-  مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع أنه قال المسلم من سلم الناس من يده و لسانه و المؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم و أنفسهم

 و روي في حديث آخر أن المؤمن من آمن جاره بوائقه

4-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن ابن مسكان عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص أ لا أخبركم بمن تحرم عليه النار غدا قالوا بلى يا رسول الله قال الهين القريب اللين السهل

 ل، ]الخصال[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن سعدان بن مسلم عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص و ذكر مثله    ثو، ]ثواب الأعمال[ أبي عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن ابن معروف عن سعدان مثله

5-  لي، ]الأمالي للصدوق[ قال رسول الله ص أعقل الناس أشدهم مداراة للناس و أذل الناس من أهان الناس

6-  لي، ]الأمالي للصدوق[ علي بن أحمد عن الأسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني عن أبي الحسن الثالث ع قال كان فيما ناجى الله موسى بن عمران أن قال إلهي ما جزاء من كف أذاه عن الناس و بذل معروفه لهم قال يا موسى تناديه النار يوم القيامة لا سبيل لي عليك

7-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن موسى عن محمد بن هارون عن الروياني عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر الثاني عن آبائه قال قال أمير المؤمنين ع من رضي بالعافية ممن دونه رزق السلامة ممن فوقه الخبر

8-  ل، ]الخصال[ أبي عن الكمنداني و محمد العطار عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال شرف المؤمن صلاته بالليل و عزه كف الأذى عن الناس

 ل، ]الخصال[ أبي عن الكمنداني عن أحمد بن محمد عن أبيه عن ابن جبلة عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال جبرئيل للنبي ص و ذكر مثله مع زيادة ل، ]الخصال[ محمد بن أحمد بن علي الأسدي عن محمد بن جرير و الحسن بن عروة و عبد الله بن محمد الوهبي جميعا عن محمد بن حميد عن زافر بن سليمان عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي ص مثله

    -9  ل، ]الخصال[ أبي عن محمد العطار عن سهل عن اللؤلؤي عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن قوما من قريش قلت مداراتهم للناس فنفوا من قريش و ايم الله ما كان بأحسابهم بأس و إن قوما من غيرهم حسنت مداراتهم فألحقوا بالبيت الرفيع قال ثم قال من كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يدا واحدة و يكفون عنه أيادي كثيرة

 أقول قد مضى بعض الأخبار في باب جوامع المكارم

10-  ل، ]الخصال[ الأربعمائة قال أمير المؤمنين ع المؤمن نفسه منه في تعب و الناس منه في راحة

11-  ب، ]قرب الإسناد[ هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه أن النبي ص قال نعم وزير الإيمان العلم و نعم وزير العلم الحلم و نعم وزير الحلم الرفق و نعم وزير الرفق اللين

12-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمرو عن ابن عقدة عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان عن الحسن عن جابر قال قيل يا رسول الله ص أي الإسلام أفضل قال من سلم المسلمون من يده و لسانه

13-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ بإسناد المجاشعي عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إنا أمرنا معاشر الأنبياء بمداراة الناس كما أمرنا بأداء الفرائض

14-  مع، ]معاني الأخبار[ عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص أعقل الناس أشدهم مداراة للناس

15-  مع، ]معاني الأخبار[ الوراق عن سعد عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي عن الحسن بن سعيد عن الحارث بن محمد بن النعمان عن جميل بن صالح عن أبي   عبد الله عن آبائه ع قال قال رسول الله ص أ لا أنبئكم بشر الناس قالوا بلى يا رسول الله قال من أبغض الناس و أبغضه الناس ثم قال أ لا أنبئكم بشر من هذا قالوا بلى يا رسول الله ص قال الذي لا يقيل عثرة و لا يقبل معذرة و لا يغفر ذنبا ثم قال قال أ لا أنبئكم بشر من هذا قالوا بلى يا رسول الله ص قال من لا يؤمن شره و لا يرجى خيره الخبر

16-  ثو، ]ثواب الأعمال[ أبي عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سيف عن أخيه عن أبيه عن عاصم عن الثمالي عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول من كف نفسه عن أعراض الناس كف الله عنه عذاب يوم القيامة و من كف غضبه عن الناس أقاله الله نفسه يوم القيامة

17-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ علي بن النعمان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إن الله رفيق يعطي الثواب و يحب كل رفيق و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف

18-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ بعض أصحابنا عن جابر بن سمير عن معاذ بن مسلم قال دخلت على أبي عبد الله ع و عنده رجل فقال له أبو عبد الله ع قال رسول الله ص الرفق يمن و الخرق شؤم

19-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص لأبي ذر الغفاري كف أذاك عن الناس فإنه صدقة تصدق بها على نفسك

 و بهذا الإسناد قال قال رسول الله ص ما من عمل أحب إلى الله تعالى و إلى رسوله من الإيمان بالله و الرفق بعباده و ما من عمل أبغض إلى الله تعالى من الإشراك بالله تعالى و العنف على عباده

 و بهذا الإسناد قال قال رسول الله ص ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما   أجرا عند الله تعالى و أحبهما عند الله تعالى أرفقهما بصاحبه

 و بهذا الإسناد قال قال رسول الله ص ما وضع الرفق على شي‏ء إلا زانه و لا وضع الخرق على شي‏ء إلا شانه فمن أعطي الرفق أعطي خير الدنيا و الآخرة و من حرمه حرم خير الدنيا و الآخرة و قال النبي ص من مات مداريا مات شهيدا

20-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عمن ذكره عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أبي جعفر ع قال إن لكل شي‏ء قفلا و قفل الإيمان الرفق

 بيان قال في النهاية الرفق لين الجانب و هو خلاف العنف تقول منه رفق يرفق و يرفق و منه الحديث ما كان الرفق في شي‏ء إلا زانه أي اللطف و الحديث الآخر أنت رفيق و الله الطبيب أي أنت ترفق بالمريض و تتلطفه و هو الذي يبرأه و يعافيه و منه الحديث في إرفاق ضعيفهم و سد خلتهم أي إيصال الرفق إليهم انتهى. إن لكل شي‏ء قفلا أي حافظا له من ورود أمر فاسد عليه و خروج أمر صالح منه على الاستعارة و تشبيه المعقول بالمحسوس و قفل الإيمان الرفق و هو لين الجانب و الرأفة و ترك العنف و الغلظة في الأفعال و الأقوال على الخلق في جميع الأحوال سواء صدر عنهم بالنسبة إليه خلاف الآداب أو لم يصدر ففيه تشبيه الإيمان بالجوهر النفيس الذي يعتنى بحفظه و القلب بخزانته و الرفق بالقفل لأنه يحفظه عن خروجه و طريان المفاسد عليه فإن الشيطان سارق الإيمان و مع فتح القفل و ترك الرفق يبعث الإنسان على أمور من الخشونة و الفحش و القهر و الضرب و أنواع الفساد و غيرها من الأمور التي توجب نقص الإيمان أو زواله و قال بعض الأفاضل و ذلك لأن من لم يرفق يعنف فيعنف عليه فيغضب فيحمله   الغضب على قول أو فعل به يخرج الإيمان من قلبه فالرفق قفل الإيمان يحفظه

21-  كا، ]الكافي[ بالإسناد المتقدم قال قال أبو جعفر ع من قسم له الرفق قسم له الإيمان

 بيان من قسم له الرفق أي قدر له قسط منه في علم الله قسم له الإيمان أي الكامل منه

22-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن يحيى الأزرق عن حماد بن بشير عن أبي عبد الله ع قال إن الله تعالى رفيق يحب الرفق فمن رفقه بعباده تسليله أضغانهم و مضادتهم لهواهم و قلوبهم و من رفقه بهم أنه يدعهم على الأمر يريد إزالتهم عنه رفقا بهم لكيلا تلقى عليهم عرى الإيمان و مثاقلته جملة واحدة فيضعفوا فإذا أراد ذلك نسخ الأمر بالآخر فصار منسوخا

 تبيان إن الله تعالى رفيق أقول

 روى مسلم في صحيحه عن النبي ص أنه قال إن الله رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف

قال القرطبي الرفيق هو كثير الرفق و الرفق يجي‏ء بمعنى التسهيل و هو ضد العنف و التشديد و التعصيب و بمعنى الإرفاق و هو إعطاء ما يرتفق به و بمعنى التأني و ضد العجلة و صحت نسبة هذه المعاني إلى الله تعالى لأنه المسهل و المعطي و غير المعجل في عقوبة العصاة و قال الطيبي الرفق اللطف و أخذ الأمر بأحسن الوجوه و أيسرها الله رفيق أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر لا العسر و لا يجوز إطلاقه على الله لأنه لم يتواتر و لم يستعمل هنا على التسمية بل تمهيدا لأمر أي الرفق أنجح الأسباب و أنفعها فلا ينبغي الحرص في الرزق بل يكل إلى الله و قال النووي يجوز تسمية الله بالرفيق و غيره من ما ورد في خبر الواحد على الصحيح و اختلف أهل الأصول في التسمية بخبر الواحد انتهى. و قال في المصباح رفقت العمل من باب قتل أحكمته انتهى فيجوز أن يكون إطلاقه الرفيق عليه سبحانه بهذا المعنى و معنى يحب الرفق أنه يأمر به و يحث   عليه و يثيب به و السل انتزاعك الشي‏ء و إخراجه في رفق كالاستلال كذا في القاموس و كان بناء التفعيل للمبالغة و الضغن بالكسر و الضغينة الحقد و الأضغان جمع الضغن كالأحمال و الحمل و المعنى أنه من رفقه بعباده و لطفه لهم أنه يخرج أضغانهم قليلا قليلا و تدريجا من قلوبهم و إلا لأفنوا بعضهم بعضا و قيل لم يكلفهم برفعها دفعة لصعوبتها عليهم بل كلفهم بأن يسعوا في ذلك و يخرجوها تدريجا و هو بعيد و يحتمل أن يكون المعنى أنه أمر أنبياءه و أوصياءهم بالرفق بعباده الكافرين و المنافقين و الإحسان إليهم و تأليف قلوبهم ببذل الأموال و حسن العشرة فيسل بذلك أضغانهم لله و للرسول و للمؤمنين برفق و يمكن أن يكون المراد بالتسليل إظهار كفرهم و نفاقهم على المؤمنين لئلا ينخدعوا منهم كما قال سبحانه أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ أي أحقادهم على المؤمنين ثم قال وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ قالوا إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ أي يجهدكم بمسألة جميعها أو أجرا على الرسالة فيبالغ فيه تَبْخَلُوا بها فلا تعطوها وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ أي بغضكم و عداوتكم لله و الرسول و لكنه فرض عليكم ربع العشر أو لم يسألكم أجرا على الرسالة و هذا يؤيد المعنى السابق أيضا. قوله و مضادتهم لهواهم و قلوبهم هذا أيضا يحتمل وجوها الأول أن يكون معطوفا على الأضغان أي من لطفه بعباده رفع مضادة أهوية بعضهم لبعض و قلوب بعضهم لبعض فيكون قريبا من الفقرة السابقة على بعض الوجوه. الثاني أن يكون عطفا على تسليله أي من لطفه بعباده المؤمنين أن جعل أهوية المخالفين و الكافرين متضادة مختلفة فلو كانوا مجتمعين متفقين في الأهواء لأفنوا   المؤمنين و استأصلوهم كما قال تعالى لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ. الثالث أن يكون عطفا على تسليله أيضا و المعنى أنه من لطفه جعل المضادة بين هوى كل امرئ و قلبه أي روحه و عقله فلو لم يكن القلب معارضا للهوى لم يختر أحد الآخرة على الدنيا و في بعض النسخ و مضادته و هو أنسب بهذا المعنى و المضادة بمعنى جعل الشي‏ء ضد الشي‏ء شائع

 كما قال أمير المؤمنين ع ضاد النور بالظلمة و اليبس بالبلل

الرابع أن يكون الواو بمعنى مع و يكون تتمة للفقرة السابقة أي أخرج أحقادهم مع وجود سببها و هو مضادة أهوائهم و قلوبهم. الخامس أن يكون المعنى من رفقه أنه أوجب عليهم التكاليف المضادة لهواهم و قلوبهم لكن برفق و لين بحيث لم يشق عليهم بل إنما كلف عباده بالأوامر و النواهي متدرجا كيلا ينفروا كما أنهم لما كانوا اعتادوا بشرب الخمر نزلت أولا آية تدل على مفاسدها ثم نهوا عن شربها قريبا من وقت الصلاة ثم عمم و شدد و لم ينزل عليهم الأحكام دفعة ليشد عليهم بل أنزلها تدريجا و كل ذلك ظاهر لمن تتبع موارد نزول الآيات و تقرير الأحكام و في لفظ المضادة إيماء إلى ذلك قال الفيروزآبادي ضده في الخصومة غلبه و عنه صرفه و منعه برفق و ضاده خالفه. و من رفقه بهم أنه يدعهم على الأمر حاصله أنه يريد إزالتهم عن أمر من الأمور لكن يعلم أنه لو بادر إلى ذلك يثقل عليهم فيؤخر ذلك إلى أن يسهل عليهم ثم يحولهم عنه إلى غيره فيصير الأول منسوخا كأمر القبلة فإن الله تعالى كان يحب لنبيه ص التوجه إلى الكعبة و كان في أول وروده المدينة هذا الحكم شاقا عليهم لإلفهم بالصلاة إلى بيت المقدس فتركهم عليها فلما كملوا و آنسوا   بأحكام الإسلام و صار سهلا يسيرا عليهم حولهم إلى الكعبة. و عرى الإسلام أحكامه و شرائعه كأنها للإسلام بمنزلة العروة من جهة أن من أراد الشرب من الكوز يتمسك بعروته فكذا من أراد التمتع بالإسلام يستمسك بشرائعه و أحكامه و التعبير عن الثقل بالمثاقلة للمبالغة اللازمة للمفاعلة و لا يبعد أن يكون في الأصل مثاقيله يقال ألقى عليه مثاقيله أي مئونته و قيل المراد أنه تعالى يعلم أن صلاح العباد في أمرين و أنه لو كلفهم بهما دفعه و في زمان واحد ثقل ذلك عليهم و ضعفوا عن تحملهما فمن رفقه بهم أن يأمرهم بأحدهما و يدعهم عليه حينا ثم إذا أراد إزالتهم عنه نسخ الأمر الأول بالأمر الآخر ليفوزوا بالمصلحتين و هذا وجه آخر للنسخ غير ما هو المعروف من اختصاص كل أمر بوقت دون آخر انتهى و لا يخفى ما فيه. و قوله ع نسخ الأمر بالآخر إما من مؤيدات اليسر لأن ترك الناس أمرا رأسا أشق عليهم من تبديله بأمر آخر أو لبيان أن النسخ يكون كذلك كما قال تعالى ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها و سيأتي ما يؤيد الأول

23-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن معاوية بن وهب عن معاذ بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال قال ص الرفق يمن و الخرق شؤم

 بيان اليمن بالضم البركة كالميمنة يمن كعلم و عني و جعل و كرم فهو ميمون كذا في القاموس أي الرفق مبارك ميمون فإذا استعمل في أمر كان ذلك الأمر مقرونا بخير الدنيا و الآخرة و الخرق بعكسه قال في القاموس الخرق بالضم و بالتحريك ضد الرفق و أن لا يحسن الرجل العمل و التصرف في الأمور و الحمق

    -24  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال إن الله عز و جل رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف

 بيان يعطي على الرفق أي من أجر الدنيا و ثواب الآخرة

25-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إن الرفق لم يوضع على شي‏ء إلا زانه و لا نزع من شي‏ء إلا شانه

 بيان في المصباح زان الشي‏ء صاحبه زينا من باب سار و أزانه مثله و الاسم الزينة و زينه تزيينا مثله و الزين ضد الشين و قال شانه شينا من باب باع عابه و الشين خلاف الزين

26-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عمرو بن أبي المقدام رفعه إلى النبي ص قال إن في الرفق الزيادة و البركة و من يحرم الرفق يحرم الخير

 بيان إن في الرفق الزيادة أي في الرزق أو في جميع الخيرات و البركة و الثبات فيها و من يحرم الرفق على بناء المجهول أي منع منه و لم يوفق له حرم خيرات الدنيا و الآخرة في القاموس حرمه الشي‏ء كضربه و علمه حريما و حرمانا بالكسر منعه و أحرمه لغية و المحروم الممنوع من الخير و من لا ينمى له مال و المحارف الذي لا يكاد يكتسب

27-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال ما زوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير

 بيان ما زوي على بناء المفعول أي نحي و أبعد في القاموس زواه زيا و زويا نحاه فانزوى و سره عنه طواه و الشي‏ء جمعه و قبضه

28-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن علي   بن المعلى عن إسماعيل بن يسار عن أحمد بن زياد بن أرقم الكوفي عن رجل عن أبي عبد الله ع قال أيما أهل بيت أعطوا حظهم من الرفق فقد وسع الله عليهم في الرزق و الرفق في تقدير المعيشة خير من السعة في المال و الرفق لا يعجز عنه شي‏ء و التبذير لا يبقى معه شي‏ء إن الله عز و جل رفيق يحب الرفق

 بيان أعطوا حظهم أي أعطاهم الله نصيبا وافرا من الرفق أي رفق بعضهم ببعض أو رفقهم بخلق الله أو رفقهم في المعيشة بالتوسط من غير إسراف و تقتير أو الأعم من الجميع فقد وسع الله عليهم في الرزق لأن أعظم أسباب الرزق المداراة مع الخلق و حسن المعاملة معهم فإنه يوجب إقبالهم إليه مع أن الله تعالى يوفقه لإطاعة أمره لا سيما مع التقدير في المعيشة كما قال ع و الرفق في تقدير المعيشة أي في خصوص هذا الأمر أو معه بأن يكون في بمعنى مع و تقدير المعيشة يكون بمعنى التقتير كقوله تعالى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ و بمعنى التوسط بين الإسراف و التقتير و هو المراد هنا خير من السعة في المال أي بلا تقدير. و قوله ع الرفق لا يعجز عنه شي‏ء كأنه تعليل للمقدمتين السابقتين أي الرفق في تقدير المعيشة لا يضعف و لا يقصر عنه شي‏ء من المال أو الكسب لأن القليل منهما يكفي مع التقدير و القدر الضروري قد ضمنه العدل الحكيم و التبذير أي الإسراف لا يبقى معه شي‏ء من المال و إن كثر و قيل أراد بقوله الرفق لا يعجزه عنه شي‏ء إن الرفيق يقدر على كل ما يريد بخلاف الأخرق و لا يخفى ما فيه ثم قال و السر في جميع ذلك أن الناس إذا رأوا من أحد الرفق أحبوه و أعانوه و ألقى الله تعالى له في قلوبهم العطف و الود فلم يدعوه يتعب أو يتعسر عليه أمره

29-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم رفعه عن صالح بن عقبة عن هشام بن أحمر   عن أبي الحسن ع قال قال لي و جرى بيني و بين رجل من القوم كلام فقال لي ارفق بهم فإن كفر أحدهم في غضبه و لا خير فيمن كان كفره في غضبه

 إيضاح فإن كفر أحدهم في غضبه لأن أكثر الناس عند الغضب يتكلمون بكلمة الكفر و ينسبون إلى الله سبحانه و إلى الأنبياء و الأوصياء ما لا يليق بهم و أي خير يتوقع ممن لا يبالي عند الغضب بالخروج عن الإسلام و استحقاق القتل في الدنيا و العقاب الدائم في الآخرة فإذا لم يبال بذلك لم يبال بشتمك و ضربك و قتلك و الافتراء عليك بما يوجب استيصالك و يحتمل أن يكون الكفر هنا شاملا لارتكاب الكبائر كما مر أنه أحد معانيه

30-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل عن علي بن حسان عن موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى ع قال الرفق نصف العيش

 بيان نصف العيش أي نصف أسباب العيش الطيب لأن رفاهية العيش إما بكثرة المال و الجاه و حصول أسباب الغلبة أو بالرفق في المعيشة و المعاشرة بل هذا أحسن كما مر و إذا تأملت ذلك علمت أنه شامل لجميع الأمور حتى التعيش في الدار و المعاملة مع أهلها فإن تحصيل رضاهم إما بالتوسعة عليهم في المال أو بالرفق معهم في كل حال و بكل منهما يحصل رضاهم و الغالب أنهم بالثاني أرضى

31-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن الله يحب الرفق و يعين عليه فإذا ركبتم الدابة العجف فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عليها و إن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها

 بيان و يعين عليه أي يهيئ أسباب الرفق أو يعين بسبب الرفق أو معه أو كائنا عليه على سائر الأمور كما مر و التفريع بقوله ع فإذا ركبتم للتنبيه على أن الرفق مطلوب حتى مع الحيوانات و قال في المغرب العجف بالتحريك   الهزال و الأعجف المهزول و الأنثى العجفاء و العجفاء يجمع على عجف كصماء على صم انتهى و قوله فأنزلوها منازلها أولا يحتمل وجهين الأول أن يكون المراد الإنزال المعنوي أي راعوا حالها في إنزالها المنازل و المراد في الثاني المعنى الحقيقي و الثاني أن يكون الأول مجملا و الثاني تفصيلا و تعيينا لمحل ذلك الحكم و على التقديرين الفاء في قوله فإن كانت للتفصيل و في المصباح الجدب هو المحل لفظا و معنى و هو انقطاع المطر و يبس الأرض يقال جدب البلد جدوبه فهو جدب و جديب و أرض جدبة و جدوب و أجدبت إجدابا فهي مجدبة و قال الجوهري نجوت نجاء ممدود أي أسرعت و سبقت و الناجية و النجاة الناقة السريعة تنجو بمن ركبتها و البعير ناج و الخصب بالكسر نقيض الجدب و قد أخصبت الأرض و مكان مخصب و خصيب و أخصب القوم أي صاروا إلى الخصب قوله فأنزلوها منازلها أي منازلها اللائقة بحالها من حيث الماء و الكلاء أو لا تجعلوا منزلا لضعف الدابة و إنما يجوز ذلك مع جدب الأرض فإن مصلحتها أيضا في ذلك

32-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص لو كان الرفق خلقا يرى ما كان مما خلق الله عز و جل شي‏ء أحسن منه

33-  كا، ]الكافي[ عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه عن أحدهما ع قال إن الله رفيق يحب الرفق و من رفقه بكم تسليل أضغانكم و مضادة قلوبكم و إنه ليريد تحويل العبد عن الأمر فيتركه عليه حتى يحوله بالناسخ كراهية تثاقل الحق عليه

 بيان قد عرفت الوجوه في حله و كان الأنسب هنا عطف مضادة على أضغانكم إشارة إلى قوله تعالى لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ و يحتمل أيضا العطف على التسليل بالإضافة إلى المفعول كما مر.   قوله كراهية تثاقل الحق عليه قيل الكراهية علة لتحويله بالناسخ و الحق الأمر المنسوخ و وجه التثاقل أن النفس يثقل عليها الأمر المكروه و ينشط بالأمر الجديد أو علة لتحويله بالناسخ دون جمعه معه مع أن في كلا الأمرين صلاح العبد إلا أن الرفق يقتضي النسخ لئلا يتثاقل الحق عليه انتهى. أقول لا يخفى ما في الوجهين أما الأول فلأن ترك المعتاد أشق على النفس و لذا كانت الأمم يثقل عليهم قبول الشرائع المتجددة و إن كانت أسهل و كانوا يرغبون إلى ما ألفوا به و مضوا عليه من طريقة آبائهم نعم قد كان بعض الشرائع الناسخة أسهل من المنسوخة كعدة الوفاة نقلهم فيها من السنة إلى أربعة أشهر و عشرة أيام و كثبات القدم في الجهاد من العشر إلى النصف لكن أكثرها كان أشق و أما الثاني ففي غالب الأمر لا يمكن الجمع بين الناسخ و المنسوخ لتضادهما كالقبلتين و العدتين و الحكمين في الجهاد و تحليل الخمر و تحريمه و إباحة الجماع في ليالي شهر رمضان و عدمها و الأكل و الشرب فيها بعد النوم و عدمهما نعم قد يتصور نادرا كصوم عاشوراء و صوم شهر رمضان إن ثبت ذلك فالأوجه ما ذكرنا سابقا

34-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا و أحبهما إلى الله عز و جل أرفقهما بصاحبه

 بيان يقال اصطحب القوم أي صحب بعضهم بعضا و يدل على فضل الرفق لا سيما في المصطحبين المترافقين

35-  كا، ]الكافي[ عن أبي علي الأشعري عن محمد بن حسان عن الحسن بن الحسين عن الفضيل بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول من كان رفيقا في أمره نال ما يريد من الناس