باب 48- القسوة و الخرق و المراء و الخصومة و العداوة

 أقول قد مر كثير من أخبار هذا الباب في مطاوي أبواب الكفر و مساوي الأخلاق كما لا يخفى

1-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن حفص عن إسماعيل بن دبيس عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إذا خلق الله العبد في أصل الخلقة كافرا لم يمت حتى يحبب الله إليه الشر فيقرب منه فابتلاه بالكبر و الجبرية فقسا قلبه و ساء خلقه و غلظ وجهه و ظهر فحشه و قل حياؤه و كشف الله ستره و ركب المحارم فلم ينزع عنها ثم ركب معاصي الله و أبغض طاعته و وثب على الناس لا يشبع من الخصومات فاسألوا الله العافية و اطلبوها منه

    بيان قيل قوله كافرا حال عن العبد فلا يلزم أن يكون كفره مخلوقا لله تعالى. أقول كأنه على المجاز فإنه تعالى لما خلقه عالما بأنه سيكفر فكأنه خلقه كافرا أو الخلق بمعنى التقدير و المعاصي يتعلق بها التقدير ببعض المعاني كما مر تحقيقه و كذا تحبيب الشر إليه مجاز فإنه لما سلب عنه التوفيق لسوء أعماله و خلي بينه و بين نفسه و بين الشيطان فأحب الشر فكان الله حببه إليه قال سبحانه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ و إن كان الظاهر أن الخطاب لخلص المؤمنين. فيقرب منه أي العبد من الشر أو الشر من العبد و على التقديرين كأنه كناية عن ارتكابه و قال الجوهري يقال فيه جبرية و جبروة و جبروت و جبورة مثال فروجه أي كبر و غلظ الوجه كناية عن العبوس أو الخشونة و قلة الحياء و كشف الله ستره كناية عن ظهور عيوبه للناس و قيل المراد كشف ستره الحاجز بينه و بين القبائح و هو الحياء فيكون تأكيدا لما قبله و أقول الأول أظهر كما ورد في الخبر. و ركب المحارم أي الصغائر مصرا عليها لقوله فلم ينزع عنها أي لم يتركها ثم ركب معاصي الله أي الكبائر و قيل المراد بالأول الذنوب مطلقا و بالثاني حبها أو استحلالها بقرينة قوله أبغض طاعته لأن بغض الطاعة يستلزم حب المعصية أو المراد بها ذنوبه بالنسبة إلى الخلق و الوثوب على الناس كناية عن المجادلات و المعارضات

2-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع لمتان لمة من الشيطان و لمة من الملك   فلمة الملك الرقة و الفهم و لمة الشيطان السهو و القسوة

 بيان قال الجزري في حديث ابن مسعود لابن آدم لمتان لمة من الملك و لمة من الشيطان

اللمة الهمة و الخطرة تقع في القلب أراد إلمام الملك أو الشيطان به و القرب منه فما كان من خطرات الخير فهو من الملك و ما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان انتهى. فلمة الملك الرقة و الفهم أي هما ثمرتها أو علامتها و الحمل على المجاز لأن لمة الملك إلقاء الخير و التصديق بالحق في القلب و ثمرتها رقة القلب و صفاؤها و ميله إلى الخير و كذا لمة الشيطان إلقاء الوساوس و الشكوك و الميل إلى الشهوات في القلب و ثمرتها السهو عن الحق و الغفلة عن ذكر الله و قساوة القلب

3-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد عن عمرو بن عثمان عن علي بن عيسى رفعه قال فيما ناجى الله عز و جل به موسى صلوات الله عليه يا موسى لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك و القاسي القلب مني بعيد

 بيان لا تطول في الدنيا أملك تطويل الأمل هو أن ينسى الموت و يجعله بعيدا و يظن طول عمره أو يأمل أموالا كثيرة لا تحصل إلا في عمر طويل و ذلك يوجب قساوة القلب و صلابته و شدته أي عدم خشوعه و تأثره من المخاوف و عدم قبوله للمواعظ كما أن تذكر الموت يوجب رقة القلب و وجله عند ذكر الله و الموت و الآخرة قال الجوهري قسا قلبه قسوة و قساوة و قساء و هو غلظ القلب و شدته و أقساه الذنب و يقال الذنب مقساة القلب

4-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عمن حدثه عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي جعفر ع قال من قسم له الخرق يحجب عنه الإيمان

    بيان الظاهر أن الخرق عدم الرفق في القول و الفعل في القاموس الخرق بالضم و بالتحريك ضد الرفق و أن لا يحسن الرجل العمل و التصرف في الأمور و الحمق و في النهاية فيه الرفق يمن و الخرق شؤم الخرق بالضم الجهل و الحمق انتهى و إنما كان الخرق مجانبا للإيمان لأنه يؤذي المؤمنين و المؤمن من أمن المسلمون من يده و لسانه و لأنه لا يتهيأ له طلب العلم الذي به كمال الإيمان و هو مجانب لكثير من صفات المؤمنين كما مر ثم إنه إنما يكون مذموما إذا أمكن الرفق و لم ينته إلى حد المداهنة في الدين

 كما قال أمير المؤمنين ع و ارفق ما كان الرفق أرفق و اعتزم بالشدة حين لا يغني عنك

أي الرفق إلا الشدة

5-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع إياكم و المراء و الخصومة فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان و ينبت عليهما النفاق

 و بإسناده قال قال النبي ص ثلاث من لقي الله عز و جل بهن دخل الجنة من أي باب شاء من حسن خلقه و خشي الله في المغيب و المحضر و ترك المراء و إن كان محقا

 و بإسناده قال من نصب الله غرضا للخصومات أوشك أن يكثر الانتقال

 بيان المراء بالكسر مصدر باب المفاعلة و قيل هو الجدال و الاعتراض على كلام الغير من غير غرض ديني و في مفردات الراغب الامتراء و المماراة المحاجة فيما فيه مرية و هي التردد في الأمر و في النهاية فيه لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر المراء الجدال و التماري و المماراة المجادلة على مذهب الشك و الريبة و يقال للمناظرة مماراة لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه   و يمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع قال أبو عبيد ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل و لكنه على الاختلاف في اللفظ و هو أن يقرأ الرجل على حرف فيقول الآخر ليس هو هكذا و لكنه على خلافه و كلاهما منزل مقروء بهما فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن أن يكون يخرجه ذلك إلى الكفر لأنه نفى حرفا أنزله الله على نبيه. و قيل إنما جاء هذا في الجدال و المراء في الآيات التي فيها ذكر القدر و نحوه من المعاني على مذهب أهل الكلام و أصحاب الأهواء و الآراء دون ما تضمنت من الأحكام و أبواب الحلال و الحرام لأن ذلك قد جرى بين الصحابة و من بعدهم من العلماء و ذلك فيما يكون الغرض و الباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة و التعجيز و الله أعلم. و قال فيه ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا الجدل مقابلة الحجة بالحجة و المجادلة المناظرة و المخاصمة و المراد به في الحديث الجدل على الباطل و طلب المغالبة به فأما المجادلة لإظهار الحق فإن ذلك محمود لقوله تعالى وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. و قال الراغب الخصم مصدر خصمته أي نازعته خصما يقال خصمته و خاصمته مخاصمة و خصاما و أصل المخاصمة أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر أي جانبه و أن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب. و أقول هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة المعنى و قد ورد النهي عن الجميع في الآيات و الأخبار و أكثر ما يستعمل المراء و الجدال في المسائل العلمية و المخاصمة في الأمور الدنيوية و قد يخص المراء بما إذا كان الغرض إظهار الفضل و الكمال و الجدال بما إذا كان الغرض تعجيز الخصم و ذلته. و قيل الجدل في المسائل العلمية و المراء أعم و قيل لا يكون المراء إلا   اعتراضا بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء و اعتراضا و الجدل أخص من الخصومة يقال جدل الرجل من باب علم فهو جدل إذا اشتدت خصومته و جادل مجادلة و جدالا إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق و وضوح الصواب و الخصومة لا تعتبر فيها الشدة و لا الشغل. و قال الغزالي يندرج في المراء كل ما يخالف قول صاحبه مثل أن يقول هذا حلو فيقول هذا مر أو يقول من كذا إلى كذا فرسخ فيقول ليس بفرسخ أو يقول شيئا فيقول أنت أحمق أو أنت كاذب و يندرج في الخصومة كل ما يوجب تأذى خاطر الآخر و ترداد القول بينهما و إذا اجتمعا يمكن تخصيص المراء بالأمور الدينية و الخصومة بغيرها أو بالعكس. فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان أي يغيرانها بالعداوة و الغيظ و إنما عبر عنها بالمرض لأنها توجب شغل القلب و توزع البال و كثرة التفكر و هي من أشد المحن و الأمراض و أيضا توجب شغل القلب عن ذكر الله و عن حضور القلب في الصلاة و عن التفكر في المعارف الإلهية و خلوها عن الصفات الحسنة و تلوثها بالصفات الذميمة و هي من أشد الأمراض النفسانية و الأدواء الروحانية كما قال تعالى فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. و ينبت عليهما النفاق أي التفاوت بين ظاهر كل واحد منهما و باطنه بالنسبة إلى صاحبه و هذا نفاق أو النفاق مع الرب تعالى أيضا إذا كان في المسائل الدينية فإنهما يوجبان حدوث الشكوك و الشبهات في النفس و التصلب في الباطن للغلبة على الخصم بل في الأمور الدنيوية أيضا بالإصرار على مخالفة الله تعالى و كل ذلك من دواعي النفاق. فإن قيل هذا ينافي ما ورد في الأخبار و الآيات من الأمر بهداية الخلق و الذب عن الحق و دفع الشبهات عن الدين و قطع حجج المبطلين و قد قال تعالى

    وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و قال وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. قلت هذه الأخبار محمولة على ما إذا كان الغرض محض إظهار الفضل أو الغلبة على الخصم أو التعصب و ترويج الباطل أو على ما إذا كان مع عدم القدرة على الغلبة و إظهار الحق و كشفه فيصير سببا لمزيد رسوخ الخصم في الباطل أو على ما إذا أراد إبطال الباطل بباطل آخر أو مع إمكان الهداية باللين و اللطف يتعدى إلى الغلظة و الخشونة المثيرتين للفتن أو يترك التقية في زمنها و أما مع عدم التقية و القدرة على تبيين الحق فالسعي في إظهار الحق و إحيائه و إماتة الباطل بأوضح الدلائل و بالتي هي أحسن مع تصحيح النية في ذلك من غير رئاء و لا مراء من أعظم الطاعات لكن للنفس و الشيطان في ذلك طرق خفية ينبغي التحرز عنها و السعي في الإخلاص فيه أهم من سائر العبادات.

 و يدل على ما ذكرنا ما ذكره الإمام أبو محمد العسكري ع في تفسيره قال ذكر عند الصادق ع الجدال في الدين و أن رسول الله ص و الأئمة المعصومين ع قد نهوا عنه فقال الصادق ع لم ينه عنه مطلقا لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أ ما تسمعون الله يقول وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و قوله تعالى ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين و الجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا و كيف يحرم الله الجدال جملة و هو يقول وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى قال الله تعالى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فجعل علم الصدق و الإيمان بالبرهان و هل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي   هي أحسن قيل يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن و التي ليست بأحسن قال أما الجدال بغير التي هي أحسن أن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله تعالى و لكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم و على المبطلين أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته و ضعف ما في يده حجة له على باطله و أما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل و أما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت و إحياءه له فقال الله حاكيا عنه وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ فقال الله في الرد عليهم قُلْ يا محمد يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام و هي رميم فقال الله تعالى قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ أ فيعجز من ابتدأ به لا من شي‏ء أن يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثم قال الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً أي إذا كمن النار الحارة في الشجرة الأخضر الرطب و يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة ما بلى أقدر ثم قال أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ أي إذا كان خلق السماوات و الأرض أعظم و أبعد في أوهامكم و قدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم و الأصعب لديكم و لم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي قال الصادق ع فهذا الجدال بالتي هي

   أحسن لأن فيها قطع عذر الكافرين و إزالة شبههم و أما الجدال بغير التي هي أحسن بأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه و بين باطل من تجادله و إنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا و جحدت أنت حقا آخر قال فقام إليه رجل فقال يا ابن رسول الله أ فجادل رسول الله ص فقال الصادق ع مهما ظننت برسول الله ص من شي‏ء فلا تظن به مخالفة الله أ و ليس الله تعالى قال وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و قال قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ لمن ضرب الله مثلا أ فتظن أن رسول الله ص خالف ما أمره الله به فلم يجادل بما أمره الله و لم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به

 و روى أبو عمرو الكشي بإسناده عن عبد الأعلى قال قلت لأبي عبد الله ع إن الناس يعيبون علي بالكلام و أنا أكلم الناس فقال أما مثلك من يقع ثم يطير فنعم و أما من يقع ثم لا يطير فلا

 و روي أيضا بإسناده عن الطيار قال قلت لأبي عبد الله ع بلغني أنك كرهت مناظرة الناس فقال أما مثلك فلا يكره من إذا طار يحسن أن يقع و إن وقع يحسن أن يطير فمن كان هكذا لا نكرهه

 و بإسناده أيضا عن هشام بن الحكم قال قال لي أبو عبد الله ع ما فعل ابن الطيار قال قلت مات قال رحمه الله و لقاه نضرة و سرورا فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت

 و بإسناده أيضا عن أبي جعفر الأحول عن أبي عبد الله ع قال ما فعل ابن الطيار فقلت توفي فقال رحمه الله أدخل الله عليه الرحمة و النضرة فإنه كان يخاصم عنا أهل البيت

    و بإسناده أيضا عن نصر بن الصباح قال كان أبو عبد الله ع يقول لعبد الرحمن بن الحجاج يا عبد الرحمن كلم أهل المدينة فإني أحب أن يرى في رجال الشيعة مثلك

 و بإسناده أيضا عن محمد بن حكيم قال ذكر لأبي الحسن ع أصحاب الكلام فقال أما ابن حكيم فدعوه

فهذه الأخبار كلها مع كون أكثرها من الصحاح تدل على تجويز الجدال و الخصومة في الدين على بعض الوجوه و لبعض العلماء و تؤيد بعض الوجوه التي ذكرناها في الجمع. من لقي الله بهن أي كن معه إلى الموت أو في المحشر دخل الجنة من أي باب شاء كأنه مبالغة في إباحة الجنة له و عدم منعه منها بوجه في المغيب و المحضر أي يظهر فيه آثار خشية الله بترك المعاصي في حال حضور الناس و غيبتهم و قيل أي عدم ذكر الناس بالشر في الحضور و الغيبة و الأول أظهر. و إن كان محقا قد مر أنه لا ينافي وجوب إظهار الحق في الدين و لا ينافي أيضا جواز المخاصمة لأخذ الحق الدنيوي لكن بدون التعصب و طلب الغلبة و ترك المداراة بل يكتفي بأقل ما ينفع في المقامين بدون إضرار و إهانة و إلقاء باطل كما عرفت. من نصب الله النصب الإقامة و الغرض بالتحريك الهدف قال في المصباح الغرض الهدف الذي يرمى إليه و الجمع أغراض و قولهم غرضه كذا على التشبيه بذلك أي مرماه الذي يقصده انتهى و هنا كناية عن كثرة المخاصمة في ذات الله سبحانه و صفاته فإن العقول قاصرة عن إدراكها و لذا نهي عن التفكر   فيها كما مر في كتاب التوحيد و كثرة التفكر و الخصومة فيها يقرب الإنسان من كثرة الانتقال من رأي إلى رأي لحيرة العقول فيها و عجزها عن إدراكها كما ترى من الحكماء و المتكلمين المتصدين لذلك فإنهم سلكوا مسالك شتى و الاكتفاء بما ورد في الكتاب و السنة و ترك الخوض فيها أحوط و أولى. و يحتمل أن يكون المراد الانتقال من الحق إلى الباطل و من الإيمان إلى الكفر فإن الجدال في الله و الخوض في ذاته و كنه صفاته يورثان الشكوك و الشبهة قال الله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ و قال جل شأنه وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إلى غير ذلك من الآيات في ذلك. و أوشك من أفعال المقاربة بمعنى القرب و الدنو و منهم من ذهب هنا إلى ما يترتب على مطلق الخصومة مع الخلق و قال الانتقال التحول من حال إلى حال كالتحول من الخير إلى الشر و من حسن الأفعال إلى قبح الأعمال المقتضية لفساد النظام و زوال الألفة و الالتيام و قيل المراد كثرة الحلف بالله في الدعاوي و الخصومات فإنه أوشك أن ينتقل مما حلف عليه إلى ضده خوفا من العقاب فيفتضح بذلك و لا يخفى ما فيهما

8-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن عمار بن مروان قال قال أبو عبد الله ع لا تمارين حليما و لا سفيها فإن الحليم يقليك و السفيه يؤذيك

 بيان الحليم يحتمل المعنيين المتقدمين أي العاقل و المتثبت المتأني في الأمور و السفيه يحتمل مقابليهما و المعنيان متلازمان غالبا و كذا مقابلاهما و الحاصل   أن العاقل الحازم المتأني في الأمور لا يتصدى للمعارضة و يصير ذلك سببا لأن يبطن في قلبه العداوة و الأحمق المتهتك يعارض و يؤذي في القاموس قلاه كرماه و رضيه قلى و قلاء و مقلية أبغضه و كرهه غاية الكراهة فتركه أو قلاه في الهجر و قليه في البغض

9-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسن بن عطية عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص ما كاد جبرئيل يأتيني إلا قال يا محمد اتق شحناء الرجال و عداوتهم

 بيان ما كاد في القاموس كاد يفعل كذا قارب و هم و في بعض النسخ ما كان و في الأول المبالغة أكثر أي لم يقرب إتيانه إلا قال و الشحناء بالفتح البغضاء و العداوة و الإضافة إلى المفعول أي العداوة مع الرجال و يحتمل الفاعل أيضا أي العداوة الشائعة بين الرجال و الأول أظهر و عداوتهم تأكيد أو المراد بالأول فعل ما يوجب العداوة أو إظهارها قال في المصباح الشحناء العداوة و البغضاء و شحنت عليه شحنا من باب تعب حقدت و أظهرت العداوة و من باب نفع لغة

10-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسن بن الحسين الكندي عن أبي عبد الله ع قال قال جبرئيل ع للنبي ص إياك و ملاحاة الرجال

 بيان قال في النهاية فيه نهيت عن ملاحاة الرجال أي مقاولتهم و مخاصمتهم يقال لحيت الرجل ألحاه إذا لمته و عذلته و لاحيته ملاحاة و لحاء إذا نازعته

11-  كا، ]الكافي[ عنه عن عثمان بن عيسى عن عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله ع قال إياكم و المشارة فإنها تورث المعرة و تظهر العورة

 بيان في النهاية فيه لا تشار أخاك هو تفاعل من الشر أي لا تفعل به شرا يحوجه إلى أن يفعل بك مثله و يروى بالتخفيف و في الصحاح المشارة المخاصمة فإنها تورث المعرة قال في القاموس المعرة الإثم و الأذى و الغرم و الدية و الخيانة   و تظهر العورة أي العيوب المستورة. و قال الجوهري العورة سوأة الإنسان و كل ما يستحيا منه و في بعض النسخ المعورة اسم فاعل من أعور الشي‏ء إذا صار ذا عوار أو ذا عورة و هي العيب و القبيح و كل شي‏ء يستره الإنسان أنفة أو حياء فهو عورة و المراد بها هنا القبيح من الأخلاق و الأفعال و على النسختين المراد ظهور قبائحه و عيوبه إما من نفسه فإنه عند المشاجرة و الغضب لا يملكها فيبدو منه ما كان يخفيه أو من خصمه فإن الخصومة سبب لإظهار الخصم قبح خصمه لينتقص منه و يضع قدره بين الناس

12-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن عنبسة العابد عن أبي عبد الله ع قال إياكم و الخصومة فإنها تشغل القلب و تورث النفاق و تكسب الضغائن

 بيان فإنها تشغل القلب عن ذكر الله و بالتفكر في الشبه و الشكوك و الحيل لدفع الخصم و بالغم و الهم أيضا و الضغائن جمع الضغينة و هي الحقد و تضاغنوا انطووا على الأحقاد

13-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن مهران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص ما أتاني جبرئيل قط إلا وعظني فآخر قوله لي إياك و مشارة الناس فإنها تكشف العورة و تذهب بالعز

 بيان روى الشيخ في مجالسه عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إياكم و مشارة الناس فإنها تدفن العرة و تظهر الغرة

العرة الأولى بالعين المهملة و الثانية بالمعجمة و كلاهما مضمومتان و روت العامة أيضا من طرقهم هكذا قال في النهاية فيه إياكم و مشارة الناس فإنها تدفن العرة و تظهر الغرة الغرة هاهنا الحسن و العمل الصالح شبهه بغرة الفرس و كل   شي‏ء ترفع قيمته فهو غرة و العرة هي القذر و عذرة الناس فاستعير للمساوي و المثالب

14-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الوليد بن صبيح قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال رسول الله ص ما عهد إلي جبرئيل في شي‏ء ما عهد إلي في معاداة الرجال

 بيان كلمة ما في الأولى نافية و في الثانية مصدرية و المصدر مفعول مطلق للنوع و المراد هنا المداراة مع المنافقين من أصحابه كما فعل ص أو مع الكفار أيضا قبل الأمر بالجهاد أو الغرض بيان ذلك للناس

15-  كا، ]الكافي[ عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن بعض أصحابه رفعه قال قال أبو عبد الله ع من زرع العداوة حصد ما بذر

 بيان حصد ما بذر في الصحاح بذرت البذر زرعته أي العداوة مع الناس كالبذر يحصد منه مثله و هو عداوة الناس له