باب 10- لزوم البيعة و كيفيتها و ذم نكثها

 الآيات النحل وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ إلى قوله تعالى وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الفتح إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً الممتحنة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. تفسير وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ قال الطبرسي رحمه الله قال ابن عباس الوعد من العهد و قال المفسرون العهد الذي يجب الوفاء به هو الذي يحسن فعله و عاهد الله ليفعلنه فإنه يصير واجبا عليه وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ هذا نهي منه سبحانه عن حنث الأيمان و قوله بَعْدَ تَوْكِيدِها أي بعد عقدها و إبرامها و توثيقها باسم الله تعالى و قيل بعد تشديدها و تغليظها بالعزم و العقد على اليمين بخلاف لغو اليمين وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا أي حسيبا فيما عاهدتموه عليه و قيل كفيلا بالوفاء إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ من نقض العهد أو الوفاء به فإياكم أن تلقوه و قد نقضتم و هذه الآية نزلت في الذين بايعوا النبي ص على الإسلام فقال سبحانه للمسلمين الذين بايعوه لا يحملنكم قلة المسلمين و كثرة المشركين على نقض البيعة فإن الله حافظكم أي اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول و أكدتموه بالأيمان انتهى. وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها أي كالمرأة غزلت ثم نكثت غزلها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أي من بعد إحكام و فتل أَنْكاثاً جمع نكث بالكسر و هو ما ينكث فتله

 و روى علي بن إبراهيم عن الباقر ع التي نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لؤي بن غالب كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها الآية

قال إن الله تعالى أمر بالوفاء و نهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أي دغلا و خيانة و مكرا و خديعة و ذلك لأنهم كانوا حين عهدهم يضمرون الخيانة و الناس يسكنون إلى عهدهم. و الدخل أن يكون الباطن خلاف الظاهر و أصله أن يدخل في الشي‏ء ما لم يكن منه أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ يعني لا تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة و هم كفرة قريش أزيد عددا و أوفر مالا من أمة يعني جماعة المؤمنين إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ أي إنما يختبركم بكونكم أربى لينظر أ توفون بعهد الله أم تغترون بكثرة قريش و قوتهم و ثروتهم و قلة المؤمنين و ضعفهم و فقرهم وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وعيد و تحذير من مخالفة الرسول ص. وَ لا تَتَّخِذُوا تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا و مبالغة في قبح المنهي عنه فَتَزِلَّ قَدَمٌ عن محجة الإسلام بَعْدَ ثُبُوتِها عليها أي فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى يقال زل قدم فلان في أمر كذا إذا عدل عن الصواب و المراد أقدامهم و إنما وحد و نكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة وَ تَذُوقُوا السُّوءَ في الدنيا بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي بصدودكم أو بصدكم غيركم عنها لأنهم لو نقضوا العهد و ارتدوا لاتخذ نقضها سنة يستن بها وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ في الآخرة

 و في الجوامع، عن الصادق ع أنه قال نزلت في ولاية علي و البيعة له حين قال النبي ص سلموا على علي بإمرة المؤمنين

و أقول قد مر أن في قراءتهم ع أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم. إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لأنه المقصود بيعته يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم إياك إنما هي بمنزلة يد الله لأنهم في الحقيقة يبايعون الله عز و جل ببيعتك فَمَنْ نَكَثَ أي نقض العهد فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ أي لا يعود ضرر نكثه إلا عليه وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ أي في مبايعته فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً هو الجنة. وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ يريد البنات أو الأسقاط وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ في الجوامع كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك كنى بالبهتان المفتري بين يديها و رجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين و فرجها الذي تلده به بين الرجلين وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ أي في حسنة تأمرهن بها فَبايِعْهُنَّ بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء.

 و في المجمع، روى الزهري عن عائشة قالت كان النبي ص يبايع النساء بالكلام بهذه الآية أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً و ما مست يد رسول الله ص كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس يده فيه ثم غمس أيديهن فيه و قيل إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي

1-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بإسناده إلى الريان بن شبيب أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين و للرضا ع بولاية العهد و للفضل بالوزارة أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر و يخرجون حتى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام فتبسم أبو الحسن ع فقال كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها فقال المأمون و ما فسخ البيعة و ما عقدها قال أبو الحسن ع عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام و فسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر قال فماج الناس في ذلك و أمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصف أبو الحسن ع فقال الناس كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة إن من علم أولى بها ممن لا يعلم فحمله ذلك على ما فعله من سمه

2-  ل، ]الخصال[ عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه عن الحسن بن علي بن نصر عن محمد بن عثمان بن كرامة عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص ثلاثة لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عز و جل وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطاه منها ما يريده وفى له و إلا كف و رجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله عز و جل لقد أعطى بها كذا و كذا فصدقه و أخذها و لم يعط فيها ما قال و رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل

 بيان لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ أي بما يسرهم أو بشي‏ء أصلا فإن الملائكة يسألونهم أو هو كناية عن سخطه سبحانه عليهم وَ لا يُزَكِّيهِمْ أي لا يثني عليهم أو لا يقبل منهم عملا أو لا يطهرهم مما يوجب العذاب بالعفو و المغفرة

3-  سن، ]المحاسن[ عن عبد الله بن علي العمري عن علي بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال ثلاث موبقات نكث الصفقة و ترك السنة و فراق الجماعة

4-  الدرة الباهرة، قال الرضا ع لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة

 بيان قال الراغب الدائرة في المكروه كما يقال دولة في المحبوب قال تعالى نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ و قوله يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أي محيط به السوء إحاطة الدائرة فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه و قال الجوهري صفقت له بالبيع و البيعة صفقا أي ضربت بيدي على يده و تصافق القوم عند البيعة

5-  شا، ]الإرشاد[ في بيعة الناس للرضا ع عند المأمون في حديث طويل ذكر فيه أنه جلس المأمون و وضع للرضا ع وسادتين عظيمتين و أجلس الرضا ع عليهما في الخضرة و عليه عمامة و سيف ثم أمر ابنه العباس أن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بها وجهه و ببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة فقال الرضا إن رسول الله ص هكذا كان يبايع فبايعه الناس و يده فوق أيديهم

6-  ل، ]الخصال[ بإسناده عن جابر الجعفي عن الباقر ع في حديث طويل يذكر فيه أحكام النساء قال و لا تبايع إلا من وراء الثياب

7-  ثو، ]ثواب الأعمال[ بإسناده عن أبي عبد الله ع أن أمير المؤمنين ع قال إن في النار لمدينة يقال لها الحصينة أ فلا تسألوني ما فيها فقيل له و ما فيها يا أمير المؤمنين قال فيها أيدي الناكثين

8-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن البزنطي عن أبان عن أبي عبد الله ع قال لما فتح رسول الله ص مكة بايع الرجال ثم جاءته النساء يبايعنه فأنزل الله عز و جل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ إلى قوله إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ قالت هند أما الولد فقد ربينا صغارا و قتلتهم كبارا و قالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام و كانت عند عكرمة بن أبي جهل يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه قال لا تلطمن خدا و لا تخمشن وجها و لا تنتفن شعرا و لا تشققن جيبا و لا تسودن ثوبا و لا تدعين بويل فبايعهن رسول الله ص على هذا فقالت يا رسول الله كيف نبايعك قال إنني لا أصافح النساء فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة

9-  كا، ]الكافي[ بإسناده عن المفضل قال قلت لأبي عبد الله ع كيف ماسح رسول الله ص النساء حين بايعهن قال دعا بمركنه الذي كان يتوضأ فيه فصب فيه ماء ثم غمس يده فكلما بايع واحدة منهن قال اغمسي يدك فتغمس كما غمس رسول الله ص فكان هذا مماسحته إياهن

 بيان المركن كمنبر الإجانة

10-  كا، ]الكافي[ بإسناده عن سعدان قال قال أبو عبد الله ع أ تدري كيف بايع رسول الله ص النساء قلت الله أعلم و ابن رسوله أعلم قال جمعهن حوله ثم دعا بتور برام فصب فيه ماء نضوحا ثم غمس يده فيه ثم قال اسمعن يا هؤلاء أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا و لا تسرقن و لا تزنين و لا تقتلن أولادكن و لا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن و أرجلكن و لا تعصين بعولتكن في معروف أقررتن قلن نعم فأخرج يده من التور ثم قال لهن اغمسن أيديكن ففعلن فكانت يد رسول الله ص الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم

 بيان في النهاية التور إناء من صفر أو حجارة كالإجانة و قد يتوضأ منه و قال البرمة بالضم القدر مطلقا و جمعها برام و هي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز و اليمن و النضوح كصبور طيب. أقول قد مر تفسير الآيات و سائر الأخبار في النكث و كيفية البيعة في باب فتح مكة و أبواب نكث طلحة و الزبير