باب 11- آخر في أن المؤمن صنفان

1-  كا، ]الكافي[ عن محمد عن أحمد عن ابن سنان عن نصير أبي الحكم الخثعمي عن أبي عبد الله ع قال المؤمن مؤمنان فمؤمن صدق بعهد الله و وفى بشرطه و ذلك قوله عز و جل رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا و لا أهوال الآخرة و ذلك ممن يشفع و لا يشفع له و مؤمن كخامة الزرع تعوج أحيانا و تقوم أحيانا فذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا و أهوال الآخرة و ذلك ممن يشفع له و لا يشفع

 بيان قال الله سبحانه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ قال البيضاوي من الثبات مع الرسول و المقاتلة لأعداء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق فإن العاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة و مصعب بن عمير و أنس بن النضر و النحب النذر استعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ أي الشهادة وَ ما بَدَّلُوا العهد و لا غيروه تَبْدِيلًا أي شيئا من التبديل. و قال الطبرسي رحمه الله فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ يعني حمزة بن عبد المطلب و جعفر بن أبي طالب وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يعني علي بن أبي طالب ع.

 و روي في الخصال عن الباقر ع في حديث طويل قال قال أمير المؤمنين ع لقد كنت عاهدت الله و رسوله أنا و عمي حمزة و أخي جعفر و ابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله تعالى و لرسوله فتقدمني أصحابي و تخلفت بعدهم لما أراد الله تعالى فأنزل الله فينا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ الآية حمزة و جعفر و عبيدة و أنا و الله المنتظر و ما بدلت تبديلا

فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه ع استدل بهذه الآية على أن المؤمنين صنفان لأنه تعالى قال مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ فصنف منهم مؤمن صدق بعهد الله قيل الباء بمعنى في أي في عهد الله فقوله صدق كنصر بالتخفيف ففيه إشارة إلى أن في الآية أيضا الباء مقدرة أي صدقوا بما عاهدوا الله عليه و يمكن أن يقرأ صدق بالتشديد بيانا لحاصل معنى الآية أي صدقوا بعهد الله و ما وعدهم من الثواب و ما اشترط في الثواب من الإيمان و العمل الصالح و الأول أظهر و المراد بالعهد أصول الدين من الإقرار بالتوحيد و النبوة و الإمامة و المعاد و الوفاء بالشرط الإتيان بالمأمورات و الانتهاء عن المنهيات و قيل أراد بالعهد الميثاق بقوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ و بالشرط قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ. و أقول يحتمل أن يكون المراد بهما ما مر

 في كتاب الإمامة عنه ع حيث قال إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا و لا تعرفون حتى تصدقوا و لا تصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها ضل أصحاب الثلاثة و تاهوا تيها بعيدا إن الله تبارك و تعالى لا يقبل إلا العمل الصالح و لا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط و العهود فمن وفى لله عز و جل بشرطه و استعمل ما وصف في عهده نال ما عنده و استعمل عهده إن الله تبارك و تعالى أخبر العباد بطريق الهدى و شرع لهم فيها المنار و أخبرهم كيف يسلكون فقال وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى و قال إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ إلى آخر الخبر

فالشروط و العهود هي التوبة و الإيمان و الأعمال الصالحة و الاهتداء بالأئمة ع. فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا و لا أهوال الآخرة قيل المراد بأهوال الدنيا القحط و الطاعون و أمثالهما في الحياة و ما يراه عند الموت من سكراته و أهواله و أهوال الآخرة ما بعد الموت إلى دخول الجنة و قيل المراد بأهوال الدنيا الهموم من فوات نعيمها لأن الدنيا و نعيمها لم تخطر بباله فكيف الهموم من فواتها أو المراد أعم منها و من عقوباتها و مكارهها و مصائبها لأنها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة أو لأنها لا تصيبه لأجل المعصية فلا ينافي إصابتها لرفع الدرجة و لا يخفى بعد تلك الوجوه. و الأظهر عندي أن المراد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب و المعاصي لأنها عنده من أعظم المصائب و الأهوال بقرينة ما سيأتي في الشق المقابل له و يحتمل أن يكون إطلاق الأهوال عليها على مجاز المشاكلة. و ذلك ممن يشفع على بناء المعلوم أي يشفع للمؤمنين من المذنبين و لا يشفع له على بناء المجهول أي أنه لا يحتاج إلى الشفاعة لأنه من المقربين الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ و لا يحزنون و إنما الشفاعة لأهل المعاصي. كخامة الزرع قال في النهاية فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع و ألفها منقلبة عن واو انتهى. و أشار ع إلى وجه الشبه بقوله يعوج أحيانا و المراد باعوجاجه ميله إلى الباطل و هو متاع الدنيا و الشهوات النفسانية و بقيامه استقامته على طريق الحق و مخالفته للأهواء و الوساوس الشيطانية و لا يشفع أي لا يؤذن له في الشفاعة

2-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل عن محمد بن عبد الله عن خالد القمي عن خضر بن عمرو عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول المؤمن مؤمنان مؤمن وفى لله بشروطه التي اشترطها عليه فذلك مع النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً و ذلك ممن يشفع و لا يشفع له و ذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا و لا أهوال الآخرة و مؤمن زلت به قدم كخامة الزرع كيفما كفته الريح انكفأ و ذلك من تصيبه أهوال الدنيا و أهوال الآخرة و يشفع له و هو على خير

 بيان خضر بكسر الخاء و سكون الضاد أو بفتح الخاء و سكون الضاد صحح بهما في القاموس و غيره وفى لله بشروطه العهود داخلة تحت الشروط هنا فذلك مع النبيين إشارة إلى قوله تعالى وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً و هذا مبني على ما ورد في الأخبار الكثيرة أن الصديقين و الشهداء و الصالحين هم الأئمة ع و المراد بالمؤمن في المقسم هنا غيرهم من المؤمنين و قد مر

 عن أبي جعفر ع أنه قال بعد قراءة هذه الآية فمنا النبي و منا الصديق و الشهداء و الصالحون

و في تفسير علي بن إبراهيم قال النَّبِيِّينَ رسول الله وَ الصِّدِّيقِينَ علي وَ الشُّهَداءِ الحسن و الحسين وَ الصَّالِحِينَ الأئمة وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً القائم من آل محمد صلوات الله عليهم. فلا يحتاج إلى ما قيل إن الظاهر أنه كان من النبيين لأن الصنف الأول إما نبي أو صديق أو شهيد أو صالح و الصنف الثاني يكون مع هؤلاء بشفاعتهم زلت به قدم كان الباء للتعدية أي أزلته قدم و إقدام على المعصية و قيل الباء للسببية أي زلت بسببه قدمه أي فعله عمدا من غير نسيان و إكراه و كيفما مركب من كيف للشرط نحو كيف تصنع أصنع و ما زائدة للتأكيد. و في النهاية يقال كفأت الإناء و أكفأته إذا كببته و إذا أملته و في القاموس كفاه كمنعه صرفه و كبه و قلبه كأكفأه و اكتفاه و انكفأ رجع و لونه تغير

3-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن مهران عن يونس بن يعقوب عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر ع قال قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإخوان فقال الإخوان صنفان إخوان الثقة و إخوان المكاشرة فأما إخوان الثقة فهم الكف و الجناح و الأهل و المال فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك و بدنك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و عيبه و أظهر منه الحسن و اعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الأحمر و أما إخوان المكاشرة فإنك تصيب لذتك منهم فلا تقطعن ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان

 بيان الإخوان صنفان المراد بالإخوان إما مطلق المؤمنين فإن المؤمنين إخوة أو المؤمنين الذين يصاحبهم و يعاشرهم و يظهرون له المودة و الأخوة أو الأعم من المؤمنين و غيرهم إذا كانوا كذلك و المراد بإخوان الثقة أهل الصلاح و الصدق و الأمانة الذين يثق بهم و يعتمد عليهم في الدين و عدم النفاق و موافقة ظاهرهم لباطنهم و بإخوان المكاشرة الذين ليسوا بتلك المثابة و لكن يعاشرهم لرفع الوحشة أو للمصلحة و التقية فيجالسهم و يضاحكهم و لا يعتمد عليهم و لكن ينتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لإزالة الوحشة و دفع الضرر. قال في النهاية فيه إنا لنكشر في وجوه أقوام الكشر ظهور الأسنان في الضحك و كاشره إذا ضحك في وجهه و باسطه و الاسم الكشرة كالعشرة. فهم الكف الحمل على المبالغة و التشبيه أي هم بمنزلة كفك في إعانتك و كف الأذى عنك فينبغي أن تراعيه و تحفظه كما تحفظ كفك. قال في المصباح قال الأزهري الكف الراحة مع الأصابع سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن و قال جناح الطائر بمنزلة اليد للإنسان و في القاموس الجناح اليد و العضد و الإبط و الجانب و نفس الشي‏ء و الكنف و الناحية انتهى و أكثر المعاني مناسبة و العضد أظهر و الحمل كما سبق أي هم بمنزلة عضدك في إعانتك فراعهم كما تراعي عضدك و كذا الأهل و المال و يمكن أن يكون المراد بكونهم مالا أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إليه. فإذا كنت من أخيك أي بالنسبة إليه كقول النبي أنت مني بمنزلة هارون من موسى على حد الثقة أي على مرتبة الثقة و الاعتماد أو على أول حد من حدودها و الثقة في الأخوة و الديانة و الاتصاف بصفات المؤمنين و كون باطنه موافقا لظاهره. فابذل له مالك و بدنك بذل المال هو أن يعطيه من ماله عند حاجته إليه سأل أم لم يسأل و بذل البدن هو أن يخدمه و يدفع الأذى عنه قولا و فعلا و هما متفرعان على كونهم الكف و الجناح و الأهل و المال و صاف من صافاه أي أخلص الود لمن أخلص له الود قال في المصباح صفا خلص من الكدر و أصفيته الوداد أخلصته و في القاموس صافاه صدقه الإخاء كأصفاه. و عاد من عاداه أي في الدين أو الأعم إذا كان الأخ محقا و إنما أطلق لأن المؤمن الكامل لا يكون إلا محقا و يؤيد هاتين الفقرتين ما روي عنه في النهج أنه قال أصدقاؤك ثلاثة و أعداؤك ثلاثة فأصدقاؤك صديقك و صديق صديقك و عدو عدوك و أعداؤك عدوك و عدو صديقك و صديق عدوك. و اكتم سره أي ما أمرك بإخفائه أو تعلم أن إظهاره يضره و عيبه أي إن كان له عيب نادرا أو ما يعيبه الناس عليه و لم يكن قبيحا واقعا كالفقر و الأمراض الخفية و أظهر منه الحسن بالتحريك أي ما هو حسن ممدوح عقلا و شرعا من الصفات و الأخلاق و الأعمال و يمكن أن يقرأ بالضم. فإنك تصيب لذتك منهم أي تلتذ بحسن صحبتهم و مؤانستهم و تحصيل بعض المنافع الدنيوية منهم بل الأخروية أيضا أحيانا بمذاكرتهم و مفاوضتهم فلا تقطعن ذلك الحظ منهم بالاستيحاش عنهم و ترك مصاحبتهم فتصير وحيدا لندرة النوع الأول كما قال ع في حديث آخر زهدك في راغب فيك نقصان حظ و رغبتك في زاهد فيك ذل نفس. و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم أي ما يضمرون في أنفسهم فلعله يظهر لك منهم حسد و عداوة و نفاق فتترك مصاحبتهم فيفوتك ذلك الحظ منهم أو يظهر لك منهم سوء عقيدة و فساد رأي فتضطر إلى مفارقتهم لذلك أو المعنى لا تتوقع منهم موافقة ضميرهم لك و حبهم الواقعي و اكتف بالمعاشرة الظاهرة و إن علمت عدم موافقة قلبهم للسانهم كما يرشد إليه قوله ع و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه أي تهلله و إظهار فرحه برؤيتك و تبسمه.

  في المصباح رجل طلق الوجه أي فرح ظاهر البشر و هو طليق الوجه قال أبو زيد متهلل بسام. و في الحديث حث على حسن المعاشرة و الاكتفاء بظواهر أحوالهم و عدم تجسس ما في بواطنهم فإنه أقرب إلى هدايتهم و إرشادهم إلى الحق و تعليم الجهال و هداية أهل الضلال و أبعد من التضرر منهم و التنفر عنهم و الأخبار في حسن المعاشرة كثيرة لا سيما مع المدعين للتشيع و الإيمان وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ