باب 7- الرضا بموهبة الإيمان و أنه من أعظم النعم و ما أخذ الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه من الأذى

1-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن موسى بن جعفر ع قال إن رجلا جاء إلى سيدنا الصادق ع فشكا إليه الفقر فقال ليس الأمر كما ذكرت و ما أعرفك فقيرا قال و الله يا سيدي ما استبنت و ذكر من الفقر قطعة و الصادق ع يكذبه إلى أن قال خبرني لو أعطيت بالبراءة منا مائة دينار كنت تأخذ قال لا إلى أن ذكر ألوف دنانير و الرجل يحلف أنه لا يفعل فقال له من معه سلعة يعطى هذا المال لا يبيعها هو فقير

 بيان ما استبنت أي ما حققت حالي و ما استوضحتها حيث لم تعرفني فقيرا

2-  ير، ]بصائر الدرجات[ عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد و محمد بن جمهور عن عبد الله بن عبد الرحمن عن الهيثم بن واقد عن أبي يوسف البزاز قال تلا أبو عبد الله ع علينا هذه الآية فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ قال أ تدري ما آلاء الله قلت لا قال هي أعظم نعم الله على خلقه و هي ولايتنا

3-  سن، ]المحاسن[ عن ابن فضال عن ثعلبة عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعيد قال قال أبو عبد الله ع أن تكونوا وحدانيين فقد كان رسول الله ص وحدانيا يدعو الناس فلا يستجيبون له و لقد كان أول من استجاب له علي بن أبي طالب ع و قد قال له رسول الله ص أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي

4-  سن، ]المحاسن[ عن ابن فضال عن علي بن شجرة عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول ما من مؤمن إلا و قد جعل الله له من إيمانه أنسا يسكن إليه حتى لو كان على قلة جبل لم يستوحش إلى من خالفه

 بيان القلة بالضم أعلى الجبل و قلة كل شي‏ء أعلاه يستوحش إلى من خالفه أي ممن خالفه و الظاهر لم يستوحش كما في بعض النسخ بتضمين معنى الميل أي لم يستوحش من الوحدة فيميل إلى من خالفه في الدين و يأنس به في القاموس الوحشة الهم و الخلوة و الخوف و استوحش وجد الوحشة

5-  سن، ]المحاسن[ عن ابن فضال عن ابن فضيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال الله تبارك و تعالى ما ترددت في شي‏ء أنا فاعله كترددي عن المؤمن فإني أحب لقاءه و يكره الموت فأزويه عنه و لو لم يكن في الأرض إلا مؤمن واحد لاكتفيت به عن جميع خلقي و جعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج معه إلى أحد

6-  سن، ]المحاسن[ عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي قال قال أبو عبد الله ع قال الله تبارك و تعالى ليأذن بحرب مني مستذل عبدي المؤمن و ما ترددت في شي‏ء كترددي في موت المؤمن إني لأحب لقاءه و يكره الموت فأصرفه عنه و إنه ليدعوني في أمر فأستجيب له لما هو خير له و لو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي و لجعلت له من إيمانه أنسا لا يستوحش فيه إلى أحد

 بيان ليأذن بحرب مني أي ليعلم أني أحاربه كناية عن شدة غضبه عليه أو أنه في حكم محاربي كما قال تعالى فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ قال الطبرسي أي اعلموا بحرب و المعنى أنكم في امتناعكم حرب لله و لرسوله قوله لاستغنيت به أي لأقمت نظام العالم و أنزلت الماء من السماء و رفعت عن الناس العذاب و البلاء لوجود هذا المؤمن لأن هذا يكفي لبقاء هذا النظام لا يستوحش فيه كان كلمة في تعليلية و الضمير للإيمان و ليست هذه الكلمة في أكثر الروايات و هو أظهر

7-  سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر أخي أديم قال قال لي أبو عبد الله ع ما يضر أحدكم أن يكون على قلة جبل يجوع يوما و يشبع يوما إذا كان على دين الله

8-  سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن حماد بن عيسى عن ربعي عن فضيل عن أبي جعفر ع قال سلامة الدين و صحة البدن خير من زينة الدنيا حسب

9-  عدة الداعي، عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص قال الله تبارك و تعالى ليأذن بحرب مني من أذى عبدي المؤمن و ليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن و لو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق و المغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي و لقامت سبع أرضين و سبع سماوات بهما و لجعلت لهما من إيمانهما أنسا لا يحتاجان إلى البشر سواهما

  -10  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن كليب بن معاوية عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه فمن دونه المؤمن عزيز في دينه

 بيان أن يستوحش أي يجد الوحشة و لعله ضمن معنى الميل و السكون فعدي بإلى أي استوحش من الناس مائلا أو ساكنا إلى أخيه. قال في الوافي ضمن الاستيحاش معنى الاستيناس فعداه بإلى و إنما لا ينبغي له ذلك لأنه ذل فلعل أخاه الذي ليس في مرتبته لا يرغب في صحبته. و قال بعضهم إلى بمعنى مع و المراد بأخيه أخوه النسبي و من موصولة و دون منصوب بالظرفية و الضمير لأخيه أي لا ينبغي للمؤمن أن يجد وحشة مع أخيه النسبي إذا كان كافرا فمن كان دون هذا الأخ من الأقارب و الأجانب و قيل أي لا ينبغي للمؤمن أن يستوحش من الله و من الإيمان به إلى أخيه فكيف من دونه إذ للمؤمن أنس بالإيمان و قرب الحق من غير وحشة فلو انتفى الأنس و تحققت الوحشة انتفى الإيمان و القرب. و أقول الأظهر ما ذكرنا أولا من أن المؤمن لا ينبغي أن يجد الوحشة من قلة أحبائه و موافقيه و كثرة أعدائه و مخالفيه فيأنس لذلك و يميل إلى أخيه الديني أو النسبي فمن دونه من الأعادي أو الأجانب و قوله المؤمن عزيز في دينه جملة استئنافية فكأنه يقول قائل لم لا يستوحش فيجيب بأنه منيع رفيع القدر بسبب دينه فلا يحتاج في عزه و كرامته و غلبته إلى أن يميل إلى أحد و يأنس به و الحاصل أن عزته بالدين لا بالعشائر و التابعين فكلمة في سببية. و أقول في بعض النسخ عمن دونه و في بعضها عن دونه فهو صلة للاستيحاش أي يأنس بأخيه مستوحشا عمن هو غيره

11-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن فضالة بن أيوب عن عمر بن أبان و سيف بن عميرة عن فضيل بن يسار قال دخلت على أبي عبد الله ع في مرضة مرضها لم يبق منه إلا رأسه فقال يا فضيل إنني كثيرا ما أقول ما على رجل عرفه الله هذا الأمر لو كان في رأس جبل حتى يأتيه الموت يا فضيل بن يسار إن الناس أخذوا يمينا و شمالا و إنا و شيعتنا هدينا الصراط المستقيم يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له ما بين المشرق و المغرب كان ذلك خيرا له و لو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له يا فضيل بن يسار إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له يا فضيل بن يسار لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء يا فضيل بن يسار إنه من كان همه هما واحدا كفاه الله همه و من كان همه في كل واد لم يبال الله بأي واد هلك

 محص، ]التمحيص[ عن الفضيل مثله بأدنى تغيير و اختصار بيان في مرضة بالفتح أو بالتحريك و كلاهما مصدر مرضها أي مرض بها و قيل البارز في مرضها مفعول مطلق للنوع لم يبق منه إلا رأسه من للتبعيض و الضمير للإمام ع أي من أعضائه أو للتعليل و الضمير للمرض و الأول أظهر و المعنى أنه نحف جميع أعضائه و هزلت حتى كأنه لم يبق منها شي‏ء إلا رأسه فإنه لقلة لحمه لا يعتريه الهزال كثيرا أو المراد أنه لم يبق قوة الحركة في شي‏ء من أعضائه إلا في رأسه و الأول أظهر. كثيرا ما أقول ما زائدة للإبهام و ما في قوله ما على رجل نافية أو استفهامية للإنكار و حاصلهما واحد أي لا ضرر و لا وحشة عليه أخذوا يمينا و شمالا أي عدلوا عن الصراط المستقيم إلى أحد جانبيه من الإفراط كالخوارج أو التفريط كالمخالفين له ما بين المشرق أي و الحال أن له ما بينهما أو أصبح بمعنى صار مقطعا على بناء المفعول للتكثير أعضاؤه بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعا و منهم من قرأ أعضاء بالنصب على التميز. و قوله ع إن الله لا يفعل بالمؤمن تعليل لهاتين الجملتين فإنه تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن لم يكن ذلك على سبيل الاستدراج بل لأنه علم أنه يشكره و يصرفه في مصارف الخير و لا يصير ذلك سببا لنقص قدره عند الله كما فعل ذلك بسليمان ع بخلاف ما إذا فعل ذلك بغير المؤمن فإنه لإتمام الحجة عليه و استدراجه فيصير سببا لشدة عذابه و كذا إذا قدر للمؤمن تقطيع أعضائه فإنما هو لمزيد قربه عنده تعالى و رفعة درجاته في الآخرة فينبغي أن يشكره سبحانه في الحالتين و يرضى بقضائه فيهما. و لما كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين و ابتلائهم بأنواع البلاء و غنى الكفار و الأشرار و الجهال رغب الأولين بالصبر و حذر الآخرين عن الاغترار بالدنيا و الفخر بقوله ع لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء فما أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده بل لهوانهم عليه و لذا لم يعطهم من الآخرة التي لها عنده قدر و منزلة شيئا و قد قال تعالى وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ. إنه من كان همه هما واحدا الهم القصد و العزم و الحزن و الحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا و هو طلب دين الحق و رضى الله تعالى و قربه و طاعته و لم يخلطه بالأغراض النفسانية و الأهواء الباطلة فإن الحق واحد و للباطل شعب كثيرة أو غرضه في العبادات قربه تعالى و رضاه دون الأغراض الدنيوية كفاه الله همه أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود و نصره على النفس و الشيطان و جنود الجهل و من كان همه في كل واد من أودية الضلالة و الجهالة لم يبال الله بأي واد هلك أي صرف الله لطفه و توفيقه عنه و تركه مع نفسه و

  أهوائها حتى يهلك باختيار واحد من الأديان الباطلة أو الأغراض الباطلة أو كل واد من أودية الدنيا و كل شعبة من شعب أهواء النفس الأمارة بالسوء من حب المال و الجاه و الشرف و العلو و لذة المطاعم و المشارب و الملابس و المناكح و غير ذلك من الأمور الفانية الباطلة. و الحاصل أن من اتبع الشهوات النفسانية أو الآراء الباطلة و لم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى دين الحق و طاعة الله و ما يوجب قربه لم يمدده الله بنصره و توفيقه و لم يكن له عند الله قدر و منزلة و لم يبال بأي طريق سلك و لا في أي واد هلك و قيل بأي واد من أودية جهنم و قيل يمكن أن يراد بالهم الواحد القصد إلى الله و التوكل عليه في جميع الأمور فإنه تعالى يكفيه هم الدنيا و الآخرة بخلاف من اعتمد على رأيه و قطع علاقة التوكل عن نفسه و يحتمل أن يكون المراد بالهم الحزن و الغم أي من كان حزنه للآخرة كفاه الله ذلك و أوصله إلى سرور الأبد و من كان حزنه للدنيا وكله الله إلى نفسه حتى يهلك في واد من أودية أهوائها

12-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن فضيل بن يسار عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال قال أبو جعفر ع يا عبد الواحد ما يضر رجلا إذا كان على ذا الرأي ما قال الناس له و لو قالوا مجنون و ما يضره و لو كان على رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت

 بيان ما يضر ما نافية و يحتمل الاستفهام على الإنكار على ذا الرأي أي على هذا الرأي و هو التشيع ما قال فاعل ما يضره و لو قالوا مجنون فإن هذا أقصى ما يمكن أن يقال فيه كما قالوا في الرسول ص و ما يضره أي قول الناس و هذا أيضا يحتمل الاستفهام على الإنكار و لو كان على رأس جبل أي لكثرة قول الناس فيه هربا من أقوالهم فيه و ضررهم يعبد الله حال أو استئناف كأنه سئل كيف لا يضره ذلك قال لأنه يعبد الله حتى يأتيه الموت

13-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن ابن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن المعلى عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص قال الله تبارك و تعالى لو لم يكن في الأرض إلا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي و لجعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج إلى أحد

 بيان يحتمل أن يكون هذا المؤمن الواحد الإمام أو لا بد من أحد غيره يؤمن به و الأول أظهر لما مر من كون إبراهيم ع أمة و قد مر ما يؤيد الثاني أيضا و أما كون الإيمان سببا للأنس و عدم الاستيحاش لأنه يتفكر في الله و صفاته و في صفات الأنبياء و الأئمة ع و حالاتهم و في درجات الآخرة و نعمها و يتلو كتاب الله و يدعوه فيعبده فيأنس به سبحانه كما سئل عن راهب لم لا تستوحش عن الخلوة قال لأني إذا أردت أن يكلمني أحد أتلو كتاب الله و إذا أردت أن أكلم أحدا أناجي الله

14-  كا، ]الكافي[ عن محمد عن أحمد عن ابن أبي نصر عن الحسين بن موسى عن ابن يسار عن أبي جعفر ع قال ما يبالي من عرفه الله هذا الأمر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الأرض حتى يأتيه الموت

 بيان ما يبالي خبر أو المعنى ينبغي أن لا يبالي من عرفه هذا الأمر أي دين الإمامية

15-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن منصور الصيقل و المعلى بن خنيس قالا سمعنا أبا عبد الله ع يقول قال رسول الله ص قال الله عز و جل ما ترددت في شي‏ء أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن إنني لأحب لقاءه و يكره الموت فأصرفه عنه و إنه ليدعوني فأجيبه و إنه ليسألني فأعطيه و لو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي و لجعلت له من إيمانه أنسا لا يستوحش إلى أحد

 تبيين ما ترددت في شي‏ء هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الفريقين و من المعلوم أنه لم يرد التردد المعهود من الخلق في الأمور التي يقصدونها فيترددون في إمضائها إما لجهلهم بعواقبها أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع و نحوه و لهذا قال أنا فاعله أي لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله أو المراد به التردد في التقديم و التأخير لا في أصل الفعل و على التقديرين فلا بد فيه من تأويل و فيه وجوه عند الخاصة و العامة أما عند الخاصة فثلاثة. الأول أن في الكلام إضمارا و التقدير لو جاز علي التردد ما ترددت في شي‏ء كترددي في وفاة المؤمن. الثاني أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه و يوقره كالصديق و أن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر و لا حرمة كالعدو بل يوقعها من غير تردد و تأمل صح أن يعبر عن توقير الشخص و احترامه بالتردد و عن إذلاله و احتقاره بعدمه فالمعنى ليس لشي‏ء من مخلوقاتي عندي قدر و حرمة كقدر عبدي المؤمن و حرمته فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية. الثالث أنه ورد من طريق الخاصة و العامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف و الكرامة و البشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت و يوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار فيقل تأذيه به و يصير راضيا بنزوله و راغبا في حصوله فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم فهو يتردد في أنه كيف يوصل هذا الألم إليه على وجه يقل تأذيه. فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية و الراحة العظيمة إلى أن يتلقاه بالقبول و يعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول فيكون في الكلام استعارة تمثيلية. و أما وجوهه عند العامة فهي أيضا ثلاثة الأول أن معناه ما تردد عبدي المؤمن في شي‏ء أنا فاعله كتردده في قبض روحه فإنه متردد بين إرادته للبقاء و إرادتي للموت فأنا ألطفه و أبشره حتى أصرفه عن كراهة الموت فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدسة كرامة و تعظيما له كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه عبدي مرضت فلم تعدني فيقول كيف تمرض و أنت رب العالمين فيقول مرض عبدي فلان فلم تعده فلو عدته لوجدتني عنده و كما أضاف مرض وليه و سقمه إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده و تنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك. الثاني أن ترددت في اللغة بمعنى رددت مثل قولهم فكرت و تفكرت و دبرت و تدبرت فكأنه يقول ما رددت ملائكتي و رسلي في أمر حكمت بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن فارددهم في إعلامه بقبضي له و تبشيره بلقائي و بما أعددت له عندي كما ردد ملك الموت ع إلى إبراهيم و موسى ع في القصتين المشهورتين إلى أن اختار الموت فقبضهما كذلك خواص المؤمنين من الأولياء يرددهم إليهم رفقا و كرامة ليميلوا إلى الموت و يحبوا لقاءه تعالى. الثالث أن معناه ما رددت الأعلال و الأمراض و البر و اللطف و الرفق حتى يرى بالبر عطفي و كرمي فيميل إلى لقائي طمعا و بالبلايا و العلل فيتبرم بالدنيا و لا يكره الخروج منها. و ما دل عليه هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت لا ينافي ما دلت الروايات الكثيرة عليه من أن المؤمن يحب لقاء الله و لا يكرهه إما لما ذكره الشهيد في الذكرى من أن حب لقاء الله غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار و معاينة ما يحب فإنه ليس شي‏ء حينئذ أحب إليه من الموت و لقاء الله أو لأنه يكره الموت من حيث التألم به و هما متغايران و كراهة أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الآخر أو لأن حب لقاء الله يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه و هو يستلزم كراهة الموت القاطع له و اللازم لا ينافي الملزوم قوله تعالى و إنه ليدعوني بأن يقول يا الله مثلا فأجيبه بأن يقول له لبيك مثلا و إنه ليسألني أي يطلب حاجته كان يقول اصرف عني الموت لاستغنيت به أي اكتفيت به في إبقاء نظام العالم للمصلحة و ضمن يستوحش معنى الاحتياج و نحوه فعدي بإلى كما مر