آثار البخل

نقرأ في حياة الانبياء وقصصهم ومواعظهم وحكمهم روايات مختلفة وقصص متعددة ، وهذا الاختلاف سببه ينحصر في نقل الراوي وحسب ما يراه ويعيشه من الحوادث والمناسبات الواقعة في زمانه وحين حضوره. وعلى هذا الاساس نحن نذكر النقاط المهمة التي جرت في حياة الانبياء. نقرا في كتاب بحار الانوار ما نقله من علل الشرائع عن الراوية الثقة « ابي بصير » رضي الله عنه القصة الثانية من حياة النبي لوط عليه السلام وقومه هذه الحكمة والموعظة المهمة عسى ان نعتبر بها ما ينفعنا لديننا ودنيانا.  ... عن ابي بصير قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعوذ من البخل ؟ قال : نعم يا ابا محمد في كل صباح ومساء ، ونحن نتعوذ بالله من البخل ، الله يقول : « ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون » (1) وساخبرك عن عاقبة البخل. ان قوم لوط كانوا اهل قرية اشحاء على الطعام ، فاعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم. وقال : ان قرية لوط كانت على طريق السيارة الى الشام ومصر ، فكانت السيارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلما كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا وبخلا ولؤما ، فدعاهم البخل الى ان كانوا اذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم الى ذلك ، وانما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتى لا ينزل عندهم الضيوف والمارة على قريتهم. فشاع امرهم في القرى وحذر منهم النازلة والمارة ، فاورثهم البخل بلاء لا يستطيعون دفعه عن انفسهم من غير شهوة لهم الى ذلك ، حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ـ بشهوة ـ ويعطونهم عليه الجعل. قال ابو بصير : فقلت له : جعلت فداك فهل كان اهل قرية لوط كلهم هكذا يعملون ؟ فقال : نعم الا اهل بيت من المسلمين ، اما تسمع لقوله تعالى : « فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين » (2). ثم قال ابو جعفر عليه السلام : ان لوطا عليه السلام لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم الى الله عزوجل ويحذرهم عذابه ، وكانوا قوما لا يتنظفون من الغائط ، ولا يتطهرون من الجنابة ، وكان لوط عليه السلام ابن خالة النبي ابراهيم عليه السلام وكان امرأة ابراهيم سارة اخت لوط ، وكان لوط وابراهيم نبيين مرسلين منذرين ، وكان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف اذا نزل به ، وكان قومه يحذرونه من ذلك ، وكانوا يقولون له : انا ننهاك ان تقر ضيفا ينزل بك ان فعلت فضحنا ضيفك الذي ينزل بك واخزيناك. فكان لوط اذا نزل به الضيف كتم امره مخافة ان يفضحه قومه ، وذلك انه لم يكن للوط عشيرة تدافع عنه ، فضلّ على هذه الحالة حتى جاء امر الله وقلب عاليها سافلها وامطرهم بحجارة من سجيل. وروي ايضا : ان قرية قوم لوط كانت كثيرة الشجر والنبات والخير ، وكان الطريق عليها ، وكان كل من يمر بتلك البلاد يتناول من ثمارهم وزرعهم ، فجزعوا من ذلك ، فجائهم ابليس في صورة شيخ فقال لهم : ادلكم على ما ان فعلتموه لم يمر بكم احد ؟ فقالوا : ما هو ؟ فقال : من مر بكم فانكحوه في دبره واسلبوه ثيابه ، ثم تصور لهم ابليس في صورة شاب امرد حسن الوجه ، فجائهم فوثبوا عليه ففجروا به كما امرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه بالرجال ، فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء. وكان هذا اول انحراف قوم لوط وسبب هلاكهم. وقال المسعودي : ارسل الله النبي لوط عليه السلام الى المدائن الخمسة وهي : سدوم ، وعموراء ، وادوما ، وصاعورا ، وصابورا. (3) هذه المدن كان يسكنها قوم لوط ، واعظم هذه المدن سدوم ، وكان لوط يسكنها ، وقد قلبها الله عزوجل كلها على قومها المنحرفين ، فلذلك سميت ـ المؤتفكات : ـ اي المنقلبات.

 ________________________________________

1 ـ الحشر : 9. 

2 ـ الذاريات : 35. 

3 ـ مروج الذهب : ج 1 ص 21.