آثار الحسد

ازداد حب يعقوب لولده يوسف وازداد تحفضه عليه واهتمامه به ، مما ادى الى ازدياد حسد اخوته منه وحقدهم عليه. اخذو يفكرون ويخططوا بكيفية التخلص من يوسف وابعاده عن ابيه حتى يخلوا لهم وجه ابيهم ، فوصلوا الى مقترَحَين وقالوا : اما ان نقتله او نرميه في بئر فتاخذه المارة ونتخلص منه ، وبعد ذلك نتوب الى الله ونكون قوما صالحين. هذه هي اساليب الشيطان لاغواء الانسان ، يرسم له الخطة في ارتكاب الذنب والجريمة وبعد ذلك يرسم له خطة شيطانية اخرى في كيفية التخلص والابتعاد عنها ، وذلك لمخادعة الضمير والوجدان في تسهيل ارتكاب الذنب ، فان اخوة يوسف دخلوا من هذا الطريق والمخطط الشيطاني. وفي النهاية صمموا على صواب اقتراح احدهم في عدم قتل يوسف والقائه في الجب « اي البئر » ، وكان الذي اقترح ذلك اخوه من امه ـ بنيامين ـ. عند ذلك اخذوا يفكرون في كيفية نجاح الخطة وابعاد يوسف عن ابيه واخذه الى خارج المدينة والقائه في البئر. فجاؤوا الى ابيهم بلسان ليّن يدعوا الى الترحم والمحبة والعطف وقالوا له : يا ابانا انّ اخانا هذا ما يزال صبيا وبحاجة الى اللهو واللعب فخل سبيله واتركه معنا غدا يرتع ويلعب ونحن نواظب عليه ونحامي عنه. ولكن يعقوب دون ان يتهم اولاده بسوء القصد ، بل اظهر التردد في ارسال يوسف وقال لهم : انه اذا ابتعد عني سوف يحزنني ، وربما يوجد في خارج المدينة بعض الذئاب المفترسة اخاف ان تاكله ، فاعتذر اليهم. فقالوا لابيهم : كيف يكون ذلك ، هل نحن موتى فلا ندافع عن اخينا بل نتفرج عليه والذئب ياكله ، ما عسى ان نقول للناس وكيف نغفل عنه ونتركه وحده ، الى غير ذلك من الترغيب وتحريك احاسيس يوسف وترغيبه للذهاب معهم للنزهة خارج المدينة ايضا. واخيرا انتصر اخوة يوسف واقنعوا اباهم ان يرسل معهم اخاهم يوسف ، فباتوا ليلتهم مطمئني البال لياتي الصباح وينفذوا خطتهم. عندما اصبح الصباح جاؤوا الى ابيهم واخذوا منه يوسف فامرهم بالمحافظة عليه ، وكرر توصياته في شأنه ، فاظهر الابناء طاعتهم لابيهم ، وابدوا احترامهم الفائق ومحبتهم العميقة ، وتحركوا الى خارج المدينة. عندما انتهوا الى خارج المدينة وجدوا بئرا فاجمعوا على القائه في هذا البئر ، فالقوه في البئر. وبعد ان نفذ اخوة يوسف خطتهم كما ارادوا ، جلسوا يفكرون ماذا يجب ان يفعلوا اذا رجعوا الى ابيهم كي يصدق كلامهم بان يوسف قد انتهى الى العدم بصورة طبيعية ، ليجلبوا عواطف ابيهم نحوهم. وكانت الفكرة هي ما تخوّف ابوهم منها في بادئ الأمر ، فادّعوا بان الذئب قد اكل يوسف وجاؤوا اليه بدلائل مزيفة !. « وجاؤوا اباهم عشاء يبكون * قالوا يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين * وجاؤوا على قميصه بدم كذب ... » (1). اما الاب الذي كان ينتظر مجيء ولده بفارغ من الصبر ، عندما لم يرى ولده مع اخوته وسمع مقولتهم ، اهتز وارتجف وبكى ولده لشدة حزنه عليه ، واخذ قميص ولده الملطخ بدم الغزال ووضعه على وجهه وطفق يبكي حتى غشي عليه وسقط الى الارض كالخشبة اليابسة ، وبقي مغشيا عليه حتى السحر ، فلما هب النسيم ومر بوجهه افاق من غشيته. وبالرغم من احتراق قلبه وبكائه الشديد ، لم يجر على لسانه ما يدل على الجزع وعدم الشكر بل قال : « فصبر جميل » ثم قال : « والله المستعان على ما يصفون » واسأله ان يرزقني الصبر والتحمل والقدرة اكثر فاكثر على فراقه. ولم يقل على موته ، لانه كان يعلم ان يوسف لم يُقتل ، بل قال اطلب الصبر على مفارقة : ولدي يوسف ... وعلى ما تصفون. 

________________________________________

1 ـ يوسف : 16 ـ 18.