احتجاج ابراهيم على قومه

وروي انه لما كبر ابراهيم وخرج من الغار نظر الى النجم وكان اخر الشهر فرأى كوكبا قال هذا ربي ، ولما افل قال : لا احب الافلين ، ثم رأى القمر ، ثم رأى الشمس ، فقال ما قال ، ولما رأى قومه يعبدون الاصنام خالفهم ، وكان يعيب الهتهم حتى فشا امره وجرت المناظرات ... وقد وصف القران الكريم ذلك في قوله تعالى : « فلما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الافلين ، فلما رءا القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين ، فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال ياقوم اني بريء مما تشكرون ، اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين » (1). تشير هذه الايات المباركة الى نضال ابراهيم عليه السلام المنطقي والاستدلالي مع عبدة الاصنام والكواكب وبين لهم كيفية توصله الى اصل التوحيد عن طريق الاستدلال العقلي الواضح ، واثبت ان الكواكب والقمر والشمس من المخلوقات لدى مشاهدة افولها ، لان الخالق لا يمكن له ان يغيب ويافل ... وكما جاء في بعض التفاسير : ان ابراهيم عليه السلام كان يقول هذا الكلام اثناء مخاطبته عبدة النجوم والشمس وخطا تفكيرهم ، فاظهر في البداية انه معهم وقال لهم : انكم تقولون : ان كوكب الزهرة هذا هو ربي ، والبعض يقول ان الشمس هو ربي ، وكيف للرب ان يختفي ويغيب خلف الافق المظلم ، عندئذ اتخذ ابراهيم من هذا الافول سلاحا يواجههم به فقال : انا لا يمكنني ان اتقبل معبودا يافل كهذا. وعليه فان عبارة « هذا ربي » تفي : هذا ما تعتقدونه انه ربي ، او قالها بلهجة الاستفهام : « هذا ربي ؟ » فاخذ ابراهيم عليه السلام يحاج ازر وقومه في عبادة الاصنام ويدعوهم الى عبادة الله سبحانه وتعالى ، وطلب من ابيه آزر « عمه » ان يتبعه حتى يهديه الى الصراط المستقيم ، ولم يزل يحاجه ويلح عليه حتى زبره وطرده وهدده واوعده ان يرجمنه ان لم ينته عن ذكر الهته بسوء. فتلطف ابراهيم عليه السلام ارفاقا به وحنانا عليه ، ووعده ان يستغفر له ربه. وكذلك كان يحاج قومه في امر عبادة الكواكب وافولها واثبت لهم بطلان عقيدتهم بقوله : « انا لا احب الآفلين » لان الالوهية والربوبية تلازمان المحبوبية ، والحب ارتباط حقيقي بين الرب والمربوب ، وحب المربوب لربه يجعله ينجذب نحوه اكثر فاكثر ويتبعه تكوينيا ويقترب منه ، فاذا غاب هذا المحبوب وافل سوف ينقطع حبل الاتصال به ويتغير عن جماله ويبتعد عنه. فمن الواجب ان يكون الرب ثابت الوجود غير متغير الاحوال. وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام : « هل الدين الا الحب ».
______________________________________________
1 ـ الانعام : 76.