الامتيازات الخمسة

وقد منح الله عزوجل للنبي سليمان عليه السلام ملكا يتميز بامتيازات خاصة ونِعَم كبيرة كما وضحتها لنا الآيات المباركة ، ويمكن ايجازها في خمسة اقسام وهي : 1 ـ تسخير الرياح : كما تقول الآية : « وسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث اصاب » (1). من الطبيعي ان الملك الواسع الكبير يحتاج الى واسطة سريعة للاتصال مع مناطق ملكه وتفقد مملكته بسرعة في الاوقات الضرورية. اما كيف كانت هذه الرياح تطيع اوامره ؟ وما هي هذه الواسطة التي كان يركبها ، وما هي العوامل التي كانت تحفظهم من السقوط ومن الانخفاض والارتفاع الذي يحدث بواسطة الهواء ؟ وما هي الاسرار الخفية التي كانت موضوعة تحت تصرف سليمان في ذلك العصر ؟ تفاصيل كل هذه التساؤلات ليست واضحة لنا ، وكل ما نعرفه ، ان الله عزوجل قادر ان يلهم انبيائه ويعطيهم القدرة الكاملة في التصرف لتسهيل امورهم والقيام بمهامهم التي من اجلها بعثهم الله تعالى. وهذه الامور تعد شيئا بسيطا في مقابل قدرة الباري عزوجل. 2 ـ النعمة الثانية التي انعمها الله على عبده سليمان هي : تسخير الموجودات المتمردة ووضعها تحت تصرفه لتنجز له بعض اعماله التي يحتاج لها ، وذلك في قوله تعالى : « والشياطين كل بناء وغواص » (2) اي ، ان مجموعة منها منشغلة في البر ببناء البيوت وما يحتاج اليه سليمان من ابنية ، وجماعة اخرى منشغلة بالغوص في البحر لتستخرج المواد الثمينة من اللؤلؤ والمرجان وغير ذلك. 3 ـ سيطرته على مجموعة من القوى التخريبية من الشياطين والانس والجن. هناك احتمال ان كلمة الشياطين المراد منها العصاة والمتمردين من بني الانسان ، وكذلك المجموعات المتمردة والمخربة الذين كانوا مكبلين بالقيود وفي السجون ، والشياطين التي كانت ممنوعة من اداء اي نشاط : « وآخرين مقرّنين في الاصفاد » (3) كل هؤلاء سيطر عليها سليمان عليه السلام واستعملها لتطوير مملكته. 4 ـ النعمة الرابعة التي انعمها الله سبحانه وتعالى على نبيه سليمان عليه السلام هي : اعطاؤه الصلاحيات الواسعة والكاملة في توزيع العطايا والنعم على من يريد ومنعها عمن يريد حسب ما تقتضيه المصلحة ، وذلك في قوله تعالى : « هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب » (4). وعبارة ( بغير حساب ) اشارة من الباري عزوجل انه اعطى لسليمان عليه السلام صلاحيات واسعة يتمتع بها فيما فيه خير الدنيا والآخرة له ولمن يريد. 5 ـ والنعمة الخامسة والاخيرة التي منحها الله سبحانه وتعالى بها على سليمان عليه السلام هي : المراتب المعنوية اللائقة التي شملته ، كما ورد ذلك في قوله تعالى : « وان له عندنا لزلفى وحسن مآب » (5). وهذه الآية المباركة تشير ايضا الى الرد المناسب على اولئك الذين يدنسون قدسية الانبياء العظام بادعاءات باطلة وواهية ، يستقونها من كتاب التوراة الحالي المحرف. وعبارة « حسن مآب » التي تبشره بحسن العاقبة والمنزلة الرفيعة عند الله ، هي ، في نفس الوقت ـ اشارة الى زيف الادعاءات المحرفة التي نسبتها كتب التوراة اليه .... وكذلك النعم التي حصل عليها سليمان من اجل ادارة مملكته القوية والامكانيات المادية والاقتصادية والسياسية الواسعة ، لا تتنامى مع المقامات المعنوية والقيم الالهية والانسانية ، كما ورد في الآية المباركة ... وان له عندنا لزلفى وحسن مآب ... فان ذلك لم يزد سليمان الا تخشعا وتعبدا لله تعالى.

 ________________________________________

1 ـ ص : 36. 

2 ـ ص : 37. 

3 ـ ص : 38. 

4 ـ ص : 39. 

5 ـ ص : 40.