اللقاء وجمع الشمل

كان القحط والغلاء والمجاعة وشحة الطعام يشتد يوما بعد يوم في مصر وما حولها ، ومرة اخرى يامر يعقوب اولاده بان يسيروا صوب مصر للحصول على الطعام ، ولكنه في هذه المرة يطلب منهم ان يبحثوا عن يوسف واخيه بنيامين. لكن اولاد يعقوب كانوا مطمئنين من موت يوسف وهلاكه وعدم بقاءه ، فتعجبوا من توصية ابيهم وتأكيده على يوسف ، لكن يعقوب كان قلبه يعلم بان ولده يوسف حي ، ونهاهم عن اليأس والقنوط ووصاهم بالاعتماد على الله سبحانه والاتكال عليه وقال : « ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون ». توجه الاخوة نحو مصر ، ولكن خلافا للسفرتين السابقتين ، كانوا مطاطئي الرؤوس ويشعرون بالخجل حيث كانت ضمائرهم معذبة ، وفي نفس الوقت لم يحملوا معهم هذه المرة من المتاع والنقود ما يستحق ان يعاوضوه بالطعام والحبوب ، الا ان الذي كان يبعث في نفوسهم الامل ويعطيهم القدرة على تحمل الصعاب هو وصية ابيهم في قوله : « ولا تيأسوا من روح الله ». واخيرا استطاعوا ان يقابلوا العزيز يوسف فقالوا له وهم في غاية الخجل والالم : « يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فاوف لنا الكيل وتصدق علينا ان الله يجزي المتصدقين ». وقد روي في هذا المقام ، ان الاخوة كانوا يحملون معهم رسالة من ابيهم الى عزيز مصر يوسف ، حيث مدح يعقوب في رسالته عزيز مصر واكبر عدالته وصلاحه وشكره على ما بذله له ولعائلته من الطعام والحبوب ، ثم عرفه نفسه والانبياء من اهل بيته ، واخبره بفقد اعز اولاده واحبهم الى نفسه يوسف واخيه بنيامين ، وما اصابهم من القحط والغلاء ، وفي ختام الرسالة طلب منه ان يمن عليه ويطلق سراح ولده بنيامين ، وذكره ان بنيامين سليل النبوة والرسالة وانه لا يتلوث بالسرقة وغيرها من المعاصي. وحينما قدم الاولاد رسالة ابيهم الى العزيز شاهدوا انه فض الرسالة باحترام وقبلها ووضعها على عينيه وبدأ يبكي بحيث الدموع بلت ثيابه ، وقد حير هذا التصرف الاخوة وبدأوا يفكرون بعلاقة العزيز مع ابيهم ماهي ، ولعل هذه الرسالة اثارت عواطف العزيز وشعوره .... وفي تلك اللحظة ، وبعد ان مضت ايام الامتحان الصعب ، عرف يوسف نفسه لاخوته وقال لهم : « هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه اذ انتم جاهلون » ، فابتسم يوسف ونظر اخوته الى اسنانه الجميلة وتذكروا الشبه بينه وبين اسنان اخيهم يوسف الجميلة ، ومن جهة اخرى شاهدوا ان العزيز يتحدث معهم ويستفسرهم عما فعلوه بيوسف. حينما لاحظوا هذه الامور وغيرها تجرأوا اخيرا وسألوه مستفسرين منه وقالوا له : « اءنك لانت يوسف » كانت هذه اصعب اللحظات على الاخوة ، وكانت اللحظات تمر بسرعة والانتظار يعصر قلوبهم ويزيد في قلقهم ، رفع يوسف الحجاب بينه وبينهم واظهر لهم الحقيقة « قال انا يوسف وهذا اخي قد منّ الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين ». لا يعرف احد كيف مرت هذه اللحظات الحساسة على الاخوة وما خامرهم من السرور والفرح وكيف تعانقوا واحتضنوا اخاهم والدموع الغزيرة التي ذرفوها وذلك حين التقوا باخيهم وبعد عشرات السنين من الفراق ، ولكنهم في كل الاحوال كانوا لا يطيقون النظر الى وجه اخيهم يوسف بسبب الذنب والجريمة التي اقترفوها في حقه ، وقالوا له : لقد آثرك الله علينا وفضلك بالحلم والعلم والحكومة علينا ونحن كنا خاطئين ونعتذر الى الله واليك. فقال لهم يوسف بلغة المحبة والعطف والرضا : « لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين ». اي العتاب والعقاب مرفوع عنكم واطمئنوا وكونوا مرتاحي الضمير ، وان الله سبحانه وتعالى قد قبل توبتكم وعفا عنكم لانه ارحم الراحمين.