المعجزة الخالدة

كان لنمرود وقومه عيد يخرجون في كل سنة خارج المدينة واذا رجعوا منه دخلوا على الاصنام فيسجدون لها ، فقالوا لابراهيم : الا تخرج معنا ؟ فخرج ، فلما كان في بعض الطريق قال لهم : اشتكي رجلي ولا يمكنني مواصلة السير ، فرجع الى المدينة ودخل على اصنامهم فكسرها جميعا وترك كبيرهم وعلق الفاس في رقبته وخرج. فلما رجع القوم من عيدهم فوجدوا اصنامهم مكسرة ، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين. قال احدهم : اني سمعت ابراهيم يعيب آلهتنا ويقول انها لا تنفع ولا تضر ولا تبصر ولا تسمع ، فهو الذي كسرها. فذهبوا الى ملكهم نمرود واخبروه ، فبعث خلفه وقال : من فعل هذا بآلهتنا. قال ابراهيم عليه السلام فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم ان كانوا ينطقون. فرجعوا الى انفسهم عندما سمعوا قول ابراهيم ونكسوا رؤوسهم واخذوا يفكرون في الامر وآمن البعض منهم وصدقوا ابراهيم فيما قال لهم في عبادة الله تعالى. لما رأى نمرود هذا الموقف ، وسمع اعتراض بعض اصحابه على ابراهيم وقولهم « احرقوه وانصروا آلهتكم » امر نمرود بجمع الحطب واضرام النار والقاء ابراهيم فيها. فلما اشعلوا النار وكان لهيبها مرتفع جدا ، حاروا كيف يلقون ابراهيم فيها ، فجاء ابليس وعلمهم صنع المنجنيق ، « وهو اول منجنيق صنعت » ، فوضعوه فيها ثم رموه ، ولكن الله تعالى انجاه من الحريق وجعل النار عليه بردا وسلاما .. « قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم » (1). قال الامام الصادق عليه السلام : « لما اجلس ابراهيم في المنجنيق وارادوا ان يرموا به في النار اتاه جبرئيل فقال : السلام عليك يا ابراهيم ورحمة الله وبركاته ، الك حاجة ؟ فقال : اما اليك فلا فلما طرحوه دعا الله فقال : ( يا الله يا واحد يا احد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ) فحسرت (2) النار عنه وانه لمحتبى ومعه جبرئيل وهما يتحدثان في روضة خضراء. (3) وقيل : ان ابراهيم عليه السلام لما القي في النار كان عمره ست عشر سنة ، وبعد ذلك سلط الله على نمرود وخيله البعوض حتى اخذت لحومهم وشربت دمائهم فاهلكتهم ، ودخلت واحدة من البعوض في دماغ نمرود حتى اهلكته (4) وبقيت هذه المعجزة خالدة تتناقلها الاجيال والى ان تقوم الساعة

_______________________________________________

1 ـ الانبياء : 69. 

2 ـ فحسرت : اي انكشفت عنه ، واحتبى : اي اشتمر بالثوب وجمعه عليه من شدت البرد. 

3 ـ البحار : ج 12 ص 24. 

4 ـ مجمع البيان ج 7 ص 55.