بدء خلق النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم

   قال الله تعالى : « واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال ءاقررتم واخذتم على ذلكم اصري * قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين » (1).     يظهر من الاية المباركة انها تعبر عن مسالة عامة ، وان كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الانبياء هو مصداقها البارز.     ينقل الفخر الرازي في تفسيره عن الامام علي عليه السلام قال : « ان الله تعالى ما بعث ادم عليه السلام ومن بعده من الانبياء الى اخذ عليهم العهد لان بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو حي ، ليؤمنن به ولينصرنه » (2).     والواقع ان القصد من اخذ الميثاق من الانبياء لم يؤخذ منهم وحدهم ، بل من اتباعهم ومن اممهم والاجيال التي تولد بعدهم وتدرك عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى العصور ما بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن خلفاء الانبياء.     عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال : ان بعض قريش قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : باي شيء سبقت الانبياء وفضلت عليهم وانت بعثت اخرهم وخاتمهم ؟ قال : اني كنت اول من اقر بربي جل جلاله ، واول من اجاب ، حيث اخذ الله ميثاق النبيين ، واشهدهم على انفسهم : الست بربكم ؟ قالوا : بلى ، فكنت اول نبي قال « بلى » فسبقتهم الى الاقرار بالله عزوجل. (3)     روي عن سفيان الثوري ، عن جعفر عن محمد الصادق عن ابائه عليهم السلام ، عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام انه قال : « ان الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل ان يخلق السماوات والارض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار ، وقبل ان يخلق ادم ... باربع مائة الف سنة ... الحديث (4).     كما روي عن انس بن مالك ، عن معاذ بن جبل ، ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ان الله خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين من قبل ان يخلق الدنيا بسبعة الاف عام ، قلت : فاين كنتم يا رسول الله ؟ قال : قدام العرش ، نسبح لله ونحمده ونقدسه ونمجده ... الحديث (5).     وروي عن ابي ذر رحمة الله عليه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول : خلقت انا وعلي بن ابي طالب من نور واحد ، نسبح الله يمنة العرش قبل ان خلق ادم بالفي عام ، فلما ان خلق الله ادم عليه السلام جعل ذلك النور في صلبه ، ولقد سكن الجنة ونحن في صلبه ، ولقد هم بالخطيئة ونحن في صلبه ، ولقد ركب نوح عليه السلام السفينة ونحن في صلبه ، ولقد قذف ابراهيم عليه السلام في النار ونحن في صلبه ، فلم يزل ينقلنا الله عزوجل من اصلاب طاهرة الى ارحام مطهرة حتى انتها بنا الى عبد المطلب ، فقسمنا بنصفين ، فجعلني في صلب عبد الله ، وجعل عليا في صلب ابي طالب ، وجعل في النبوة والبركة ، وجعل في علي الفصاحة والفروسية ، وشق لنا اسمين من اسمائه ، فذو العرش محمود وانا محمد والله الاعلى وهذا علي. (6)     عندما خلق الله تعالى ادم عليه السلام ونفخ فيه من روحه جعل نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم في جبهته ، ثم انتقل من ادم الى ولده شيث ، واخذ ينتقل النور ، نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين ابناء ادم حتى انتقل الى فهر ومنه الى عبد مناف ومنه الى هاشم ، وكان نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم في جبهة هاشم ، وكان هاشم اذا اقبل الى الكعبة تضيء منه الكعبة وتكتسي من نوره نورا وشعاعا.     لما كان في بعض الليالي وقد طاف هاشم بالبيت وسال الله ان يرزقه ولدا يكون فيه نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فاخذه النعاس ، فمال عن البيت ثم اضطجع ، فاتاه ات يقول في منامه : عليك بسلمى بنت عمرو فانها طاهرة مطهرة الاذيال ، فخذها وادفع لها المهر الجزيل فلم تجد لها مشبها من النساء ، فانك ترزق منها ولدا يكون منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... فانتبه هاشم فزعا مرعوبا واخبر اخاه المطلب وبني عمه فذهبوا الى بني النجار في يثرب وخطبوا « سلمى » وتمت الخطبة وتزوج هاشم من سلمى بنت عمرو النجارية ، ودخل بها وحملت بعبد المطلب جد رسول الله ، وانتقل النور الى جبين عبد المطلب وتزوج عبد المطلب من فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم ، فولدت له ابو طالب ، وعبد الله ، والزبير ، وكان عبد الله ابرز اولاده ، ولما ولد عبد الله سطع نور النبوة في جبينه ، النور الذي كان يحمله اجداده ، ولما تزوج عبد الله من امنه بنت وهب انتقل النور اليها ومنها الى ولدها محمد بن عبد الله عليه السلام (7). 

_____________________________________________________

1 ـ ال عمران : 81. 

2 ـ التفسير الكبير : ج 8 ص 123. 

3 ـ نفس المصدر : ص 15. 

4 ـ بحار : ج 15 ص 4. 

5 ـ البحار : ج 15 ص 7. 

6 ـ نفس المصدر ص 11. 

7 ـ راجع البحار : ج 15 ص 51.