ذي القرنين في القرآن

فلما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخبر موسى عليه السلام وفتاه والخضر ، قالوا له : يا رسول الله اخبرنا عن طائف طاف الارض بين المشرق والمغرب من هو ؟ وما قصته ؟ فانزل الله تعالى : « ويسالونك عن ذي القرنين » (1). فيكون الجواب على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « قل ساتلو عليكم منه ذكرا » والرسول هنا يتحدث لهم مباشرة عن ذي القرنين. ويظهر من بداية الآية ان قصة « ذو القرنين » كانت متداولة ومعروفة بين الناس ، ولكنها كانت محاطة بالغموض والابهام ، لهذا السبب طالبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليوضحها لهم. يقول تعالى : « انا مكنا له في الارض » (2) اي منحناه القوة والقدرة والحكم على وجه الارض ، « وآتيناه من كل شيء سببا » (3) اي اعطاه الله ومنحه كل وسائل القدرة والتمكن ، وعلمه اسباب الوصول اليها مثل : العقل : والعلم الكافي ، والادارة السليمة ، والقوة والقدرة ، والجيوش البشرية ، بالاضافة الى الامكانيات المادية والمعنوية الكفيلة بتحقيق الاهداف المنشودة. ثم يشير القرآن بعد ذلك الى استفادة ذي القرنين من هذه الاسباب والسبل حيث يقول : « فاتبع سببا » اي استفادة من العقل والعلم والقوة التي منحها الله اياه في خدمة الانسان وهدايته واخذ يجول في الارض شرقها وغربها ، فيقول تعالى : « حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة » (4). « حمئة : تعني في الاصل الطين الاسود ذا الرائحة الكريهة ، او الماء الاسن الموجود في المستنقعات ، وهذا الوصف يبين لنا بان الارض التي بلغها ذو القرنين ، كانت مليئة بالمستنقعات ، بشكل كان ذو القرنين يشعر معه بان الشمس كانت تغرب في هذه المستنقعات ، تماما كما يشعر بذلك ما بحر البحر ، وسكان السواحل الذين يشعرون بان الشمس غابت في البحر او خرجت منه ». « ووجد عندها قوما » (5) : هؤلاء القوم هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم وقال : « قلنا يا ذا القرنين إما ان تعذب وإما ان تتخذ فيهم حسنا » (6) اي اما ان تعذب هؤلاء القوم ، واما ان تتخذ فيهم امرا ذا حسن ، حسب الظاهر ان هؤلاء القوم الذين وجدهم ذي القرنين كانوا منحرفين ولا يعبدون الله وظَلَمة. بعد ذلك تحكي الآية جواب ذي القرنين الذي قال : « قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا » (7) اي ان الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والاخروي معا. « وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى » (8). « وسنقول له من امرنا يسرا » (9). اي اننا سنتعامل مع المؤمنين بالقول الحسن ونحسن له ونكلفه بما فيه اليسر ، اما الظالمين منهم سوف نعذبهم ونشدد عليهم في الضرائب والاعمال الشاقة. وعندما انتهى ـ ذو القرنين ـ من سفره الى المغرب ، توجه الى المشرق حيث يقول القرآن في ذلك : « ثم اتبع سببا » (10) ، اي استخدم الوسائل والامكانات التي كانت بحوزته. « حتى اذا بلغ مطلع الشمس » (11) رأى هنا انها تطلع على قوم آخرين ، ما هي صافتهم ؟ « وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا » (12) اي كانت صفاتهم عراة ، لا يملكون سوى القليل من الملابس التي لا تكفي لتغطية ابدانهم من الشمس ، ولم تكن عندهم مساكن تحميهم من الشمس ، ويحتمل ان يكون هؤلاء القوم في ارض صحراوية لا يوجد فيها جبال ولا اشجار ولا ملاجيء يمكنهم حماية انفسهم. « كذلك وقد احطنا بما لديه خبرا » (13). هكذا كانت اعمال ـ ذو القرنين ـ ونحن ، اي الله يعلم جيدا بامكاناته وقدراته وكل جزئياته ، ولا يخفى عليه ما قاساه ذو القرنين في هذا المسير وما تحمله من مصائب وشدائد.