في العلم والادب

يا بني : جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة ، فان الصلاة احب الى الله من الصيام. يا بني : ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عنى بالادب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ، ومن اشتد له طلبه ادرك منفعته فاتخذه عادة ، فانك تخلف في سلفك وينتفع به من خَلفَكَ ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب. واياك والكسل عنه بالطلب لغيره ، فان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة ، واذا فاتك طلب العلم في مضانه فقد غلبت على الآخرة. واجعل في لياليك وايامك وساعاتك نصيبا في طلب العلم ، فانك لن تجد له تضييعا اشد من تركه ، ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا ، ولا تماتين ظلوما ولا تصادقنه ، ولا تواخين فاسقا ، ولا تصاحبن متهما ، واخزن علمك كما تخزن ورقك (1). يا بني لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السفهاء او ترائي به في المجالس ، ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة. يا بني ، اختر المجالس على عينك ، فان رأيت قوما يذكرون الله فاجلس اليهم ، فانك ان تكن عالما ينفعك علمك ويزيدون علما ، وان تكن جاهلا يعلموك ، ولعل الله تعالى يظلهم برحمة فتعمك معهم (2). قيل للعبد الصالح لقمان : اي الناس افضل : قال : المؤمن الغني ، قيل الغني من المال ؟ قال : لا ، ولكن الغني من العلم الذي ان احتيج اليه انتفع بعلمه ، فان استغنى عنه اكتفى. وقيل : فاي الناس اشر ؟ قال : الذي لا يبالي ان يراه الناس مسيئا (3). يا بني : لا تخاصم في علم الله ، فان علم الله لا يدرك ولا يحصى. يا بني : احسن الى من اساء اليك ، ولا تكثر من الدنيا فانك في غفلة منها ، وانظر الى ما تصير منها. 

________________________________________

1 ـ امالي الصدوق : ص 42. 

2 ـ قصص الانبياء : حكم لقمان. 

3 ـ نفس المصدر.