لقاء يوسف وبنيامين

واصل الاخوة سيرهم نحو مصر وبعد ان قطعوا مسافات شاسعة وطويلة بين كنعان مقر اقامتهم ومصر ، وصلوا الاراضي المصرية ودخلوها ، ومن هناك ذهبوا الى مقر اخيهم يوسف ودخلوا عليه واخبروه بمجيء اخاهم الصغير معهم حسب طلبه وبرغم امتناع ابيه في البداية ، ولكنهم اصروا عليه وبعد ذلك تمت الموافقة. اما يوسف فانه قد استقبلهم بحفاوة وكرم ، ودعاهم لتناول الطعام معه وعلى مائدته ، وامرهم ان يجلس كل اثنين منهم على طبق من الطعام ، ففعلوا وجلس كل واحد مع اخيه وبقي بنيامين وحدة فتألم من وحدته وبكى وقال : لو كان اخي يوسف حيا لعطف علي واجلسني الى جنبه. فقال يوسف لهم : ان اخاكم بقي وحيدا وانني ساجلسه بجنبي على المائدة ونأكل سوية من الطعام ، ثم بعد ذلك استدعاهم الى غرف المنام ليناموا ، ومرة اخرى بقي بنيامين وحده ، فدعاه يوسف الى غرفته وبسط له الفراش لينام الى جنبه ، لكنه لاحظ في تقاسيم وجهه الحزن والالم وسمعه يذكر يوسف دائما متأوها. عند ذلك نفذ صبر يوسف وكشف له عن حقيقة نفسه ، ويصف القرآن الكريم هذا الموقف ويقول : « ولما دخلوا على يوسف ءآوى اليه اخاه قال اني انا اخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ». فعندما كشف يوسف عن واقع حاله ، قال لاخيه الذي كان الالم يعصر قلبه للمعاملة السيئة التي لاقاها من اخوته ، لا تحزن يا اخي واطمأن سوف يندمون عن قريب وسوف تبقى معي ولن اتركك تذهب معهم ، وسوف تذهب محاولاتهم وحيلهم ادراج الرياح. وبدا يوسف بتنفيذ خطته لابقاء اخيه بنيامين عنده ، وامر بان يُعطي لكل واحد منهم حصة من الطعام والحبوب ، وبعد ذلك وضع الكيل المخصوص الثمين في رحل اخيه بسرية تامة ، وعند ذلك افتُقد الكيل الملكي الخاص ، وبحث عنه الموظفون والعمال كثيرا ولكن دون جدوى ، وحينئذ اذن المؤذن باعلى صوته : ايها العير انكم لسارقون. وعندما سمع اخوة يوسف هذا النداء ارتعدت فرائصهم واستولى عليهم الخوف ، حيث لم يخطر ببالهم ان يتهموا بالسرقة ، بعد هذه الحفاوة التي قوبلوا بها من جانب يوسف ، فقالوا للموظفين والعمال ؛ ماذا فقدتم ؟ قالوا : فقدنا صواع الملك ونظن انه عندكم ، لانه لا يوجد غيركم في هذا المحل ، وان الملك قد وضع جائزة ، وهي حمل بعير من الطعام لمن وجدها. فاشتد اضطراب الاخوة لسماعهم هذه الامور وزادت مخاوفهم ، وقالوا للموظفين ، فتشوا رحالنا ، ومن وجد الصواع في رحله هو ان يؤخذ ويسجن بدل الصواع ، وهذا جزاء السارق. وحينئذ امر يوسف الموظفين والعمال بتفتيش رحالهم وبداوا من رحال اخوة بنيامين ، ولما انتهوا الى رحل بنيامين اخيرا وجدوه في رحله وامتعته. بعد ان عُثر على الصاع في متاع بنيامين استولى عليهم الارتباك والدهشة وصعقتهم هذه الواقعة وتحيروا ماذا يقولون ، فمن جهة قام اخوهم بعمل قبيح وسرق صواع الملك ، وهذا يعود عليهم بالخزي والعار ، ومن جهة اخرى خافوا على تضعضع اعتبارهم ونفوذهم عند الملك ، وخصوصا حاجتهم الشديدة الى الطعام ، واضافة الى كل هذا ، كيف يجيبون على استفسارات ابيهم وكيف يقنعونه بذنب ابنه وعدم تقصيرهم في ذلك. وتوجه الاخوة الى بنيامين وعاتبوه عتابا شديدا ، فقالوا له : الا تخجل من فعلك القبيح قد فضحتنا وفضحت اباك يعقوب وآل يعقوب ، قل لنا كيف ولماذا سرقت الصاع ووضعته في رحلك. قال لهم بنيامين بكل برود ، حيث كان عالما بالقضية : ان الذي قام بهذا العمل ووضع الصاع في رحلي ، هو نفسه الذي وضع الاموال في متاعكم في المرة السابقة ، لكن الاخوة لم ينتبهوا لهول الواقعة ما قاله بنيامين. بعد ان عَلِم اخوة يوسف من ارتكاب اخيهم السرقة وقد شوه سمعتهم عند عزيز مصر ، ارادوا ان يبرءوا انفسهم ، وقالوا للعزيز : فهذا قيامه بالسرقة ليس بأمر عجيب منه فان اخاه يوسف قد ارتكب مثل هذا العمل القبيح (1) ونحن نختلف عنهما في النسب ، فهذا ويوسف اخوة من ام ونحن من ام ولكن ابينا واحد .... 

________________________________________

1 ـ « ان يَسرق فقد سرق اخ له من قبل ».