لوط في القرآن

كان النبي لوط عليه السلام من كلدان في ارض بابل ومن السابقين الاولين ممن آمن بابراهيم عليه السلام ، وقد ذكرت التوراة ان لوطا كان ابن اخي ابرام ـ « اي ابراهيم » ... وهاجر مع النبي ابراهيم الى الارض المقدسة ارض فلسطين : « اني مهاجر الى ربي ... » (1). وكان اهل المدينة وما حولها من المدائن ـ التي سماها الله في كلامه بالمؤتفكات « ... واصحاب مدين والمؤتفكات ... » (2) يعبدون الاصنام ، ويأتون بالفاحشة اللواط ، وهم اول قوم شاع فيهم ذلك « ... اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين » (3) حتى كانوا ياتون به في نواديهم من غير انكار ، ولم « ... وتاتون في ناديكم المنكر ... » (4) يزالوا يمارسون الفاحشة فيهم حتى اصبحت سنة قومية ابتلت به عامتهم وتركوا النساء وقطعوا السبيل. بعد ان تمادوا في غيهم ارسل الله اليهم لوطا عليه السلام ، فدعاهم الى تقوى الله وترك الفحشاء ، وانذرهم وخوفهم فلم يزدادوا الا عتوا ، ولم يكن جوابهم الا ان قالوا : ائتنا بعذاب الله ان كنت من الصادقين ، وهددوه بالاخراج من بلدتهم وقالوا له : « لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين » (5). لم يزال لوط عليه السلام يدعوهم الى سبيل الله وترك الفحشاء وهم يصرون على عمل الخبائث حتى استقر بهم الطغيان وحقت عليهم كلمة العذاب ، فبعث الله من الملائكة المكرمين لاهلاكهم. نزلوا الملائكة اولا على النبي ابراهيم عليه السلام واخبروه بما امرهم الله به من اهلاك قوم لوط ، فجادلهم ابراهيم عليه السلام لعله يرد بذلك عنهم العذاب ، وذكرهم بان فيهم لوطا ، فقالوا له بانهم اعلم بموقع لوط واهله ، وانه قد جاء امر الله وان القوم آتيهم العذاب غير مردود « قد جاء امر ربك وانهم آتيهم عذاب غير مردود » (6). عند ذلك ذهبوا الى لوط في صِوَر غلمان مرد ودخلوا عليه ضيفا فشق ذلك على لوط وضاق بهم ذرعا ، وخاف عليهم من قومه انهم سيتعرضون لهم وانهم غير تاركيهم البتة « ولما ان جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لاتخف ولا تحزن انا منجوك واهلك الا امرأتك كانت من الغابرين » (7). فلما دخلوا البيت وسمع القوم بذلك اقبلوا يهرعون اليه وهم يستبشرون وهجموا على داره ، فخرج اليهم وبالغ في وعظهم واستثارة فتوتهم ورشدهم حتى عرض عليهم بناته وقال : يا قوم ان هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي ، ثم استغاث وقال : اليس منكم رجل رشيد ، فردوا عليه : انه ليس لهم في بناته اربة وانهم غير تاركي اضيافه البتة حتى آيس لوط وقال : لو ان لي بكم قوة او آوي الى ركن شديد. (8) عند ذلك قالت له الملائكة يا لوط : انا رسل ربك طب نفسا ان القوم لن يصلوا اليك ، فطمسوا اعين القوم فعادوا عميانا يتخبطون وتفرقوا « ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر » (9). ثم امروا لوطا عليه السلام ان يسري باهله من ليلته بقطع من الليل ويتبع ادبارهم ولا يلتفت منهم احد الا امرأته فانه مصيبها ما اصابهم ، واخبروه انهم سيهلكون القوم مصبحين « ... فاسر باهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم احد ... » (10). جاء في معنى قوله تعالى : « ولا يلتفت مكم احد الا امرأتك انه مصيبها ما اصابهم ... » مفهوم ذلك ان لوطا واهله بما فيهم امرأته تحركوا للخروج من المدينة ولم يلتفت منهم احد كما امرهم الرسل ، الا امرأة لوط فانها بحكم علاقتها بقوم لوط وتاثرها على مصيرهم ، حينما سمعت الصوت وقفت والتفتت وراءها لترى ما حدث ، اصابها حجر من الاحجار التي كانت تهوي على المدينة فقتلت به. وايضا نرى في قوله تعالى : « ولا يلتفت منكم احد » احتمالات عديدة : منها. 1 ـ لا ينظر احد الى وراء مديرا وجهه لمن خلفه. 2 ـ لا تفكروا بما تركتم خلفكم من الاموال والقصور ووسائل المعاش ، انما عليكم ان تنجوا بانفسكم من العذاب والهلاك ، ولا تنفعكم اموالكم واولادكم ونسائكم اذا نزل العذاب وقامت القيامة. 3 ـ لا يتاخر احد منكم عن هذه القافلة الصغيرة يا اهل لوط عليه السلام الى غير ذلك من الاحتمالات ... فاخذت الصيحة القوم مشرقين ، وارسل الله عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين ، وقلب مدائنهم عليهم فجعل عاليها سافلها ، واخرج من كان فيها من المؤمنين ، فلم يجد فيها غير بيت من المسلمين ، وهو بيت لوط ، وترك فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم (11). نزول غضب الله على قوم لوط عليه السلام دليل على ان القوم كانوا كفارا غير مؤمنين ، وان الفحشاء ما كانت شائعة بين الرجال منهم حسب بل ان الفحشاء شاعت بين الرجال والنساء ، واكتفى الرجال بالرجال باللواط ، والنساء بالنساء بالسحق. ومن الاعمال الشنيعة والخبيبثة التي كان يرتكبونها قوم لوط وادت الى قطع السبيل كما ذكرها الله في كتابه العزيز : « وتقطعون السبيل » اي تقطعون سبيل الولد وقطع النسل الحلال باختياركم الرجال بدل النساء ، كما تقطعون سبيل المعروف ، وخوف الناس من الاسفار ، لان قوم لوط كانوا ياتون الفاحشة بالمجتازين في ديارهم ، وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالخذف ، فايهم اصابه كان اولى به ، وياخذون ماله ، وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم ، وكان لهم قاض يقضي بذلك ، وكانوا يقطعون الطريق على الناس بالسرقة ، وكانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء ، وكانوا ياتون الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا ، وقيل : كانت مجالسهم تشمل انواع المناكير مثل الشتم والسخف والصفع والقمار وخذف الاحجار على من مر بهم ، وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط. ضلوا عليها عاكفين حتى جائتهم ريحا حصبتهم ورمتهم بالحجارة والحصباء فاهلكتهم. 
________________________________________
1 ـ العنكبوت : 26. 
2 ـ التوبة : 70. 
3 ـ الاعراف : 80. 
4 ـ العنكبوت : 29. 
5 ـ الشعراء : 167. 
6 ـ العنكبوت : 32 وهود : 76. 
7 ـ العنكبوت : 33. 
8 ـ هود : 80. 
9 ـ القمر : 37. 
10 ـ الحجر : 66. 
11 ـ الذاريات : 37.:
نقرأ في حياة الانبياء وقصصهم ومواعظهم وحكمهم روايات مختلفة وقصص متعددة ، وهذا الاختلاف سببه ينحصر في نقل الراوي وحسب ما يراه ويعيشه من الحوادث والمناسبات الواقعة في زمانه وحين حضوره. وعلى هذا الاساس نحن نذكر النقاط المهمة التي جرت في حياة الانبياء. نقرا في كتاب بحار الانوار ما نقله من علل الشرائع عن الراوية الثقة « ابي بصير » رضي الله عنه القصة الثانية من حياة النبي لوط عليه السلام وقومه هذه الحكمة والموعظة المهمة عسى ان نعتبر بها ما ينفعنا لديننا ودنيانا.  ... عن ابي بصير قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعوذ من البخل ؟ قال : نعم يا ابا محمد في كل صباح ومساء ، ونحن نتعوذ بالله من البخل ، الله يقول : « ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون » (1) وساخبرك عن عاقبة البخل. ان قوم لوط كانوا اهل قرية اشحاء على الطعام ، فاعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم. وقال : ان قرية لوط كانت على طريق السيارة الى الشام ومصر ، فكانت السيارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلما كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا وبخلا ولؤما ، فدعاهم البخل الى ان كانوا اذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم الى ذلك ، وانما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتى لا ينزل عندهم الضيوف والمارة على قريتهم. فشاع امرهم في القرى وحذر منهم النازلة والمارة ، فاورثهم البخل بلاء لا يستطيعون دفعه عن انفسهم من غير شهوة لهم الى ذلك ، حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ـ بشهوة ـ ويعطونهم عليه الجعل. قال ابو بصير : فقلت له : جعلت فداك فهل كان اهل قرية لوط كلهم هكذا يعملون ؟ فقال : نعم الا اهل بيت من المسلمين ، اما تسمع لقوله تعالى : « فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين » (2). ثم قال ابو جعفر عليه السلام : ان لوطا عليه السلام لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم الى الله عزوجل ويحذرهم عذابه ، وكانوا قوما لا يتنظفون من الغائط ، ولا يتطهرون من الجنابة ، وكان لوط عليه السلام ابن خالة النبي ابراهيم عليه السلام وكان امرأة ابراهيم سارة اخت لوط ، وكان لوط وابراهيم نبيين مرسلين منذرين ، وكان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف اذا نزل به ، وكان قومه يحذرونه من ذلك ، وكانوا يقولون له : انا ننهاك ان تقر ضيفا ينزل بك ان فعلت فضحنا ضيفك الذي ينزل بك واخزيناك. فكان لوط اذا نزل به الضيف كتم امره مخافة ان يفضحه قومه ، وذلك انه لم يكن للوط عشيرة تدافع عنه ، فضلّ على هذه الحالة حتى جاء امر الله وقلب عاليها سافلها وامطرهم بحجارة من سجيل. وروي ايضا : ان قرية قوم لوط كانت كثيرة الشجر والنبات والخير ، وكان الطريق عليها ، وكان كل من يمر بتلك البلاد يتناول من ثمارهم وزرعهم ، فجزعوا من ذلك ، فجائهم ابليس في صورة شيخ فقال لهم : ادلكم على ما ان فعلتموه لم يمر بكم احد ؟ فقالوا : ما هو ؟ فقال : من مر بكم فانكحوه في دبره واسلبوه ثيابه ، ثم تصور لهم ابليس في صورة شاب امرد حسن الوجه ، فجائهم فوثبوا عليه ففجروا به كما امرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه بالرجال ، فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء. وكان هذا اول انحراف قوم لوط وسبب هلاكهم. وقال المسعودي : ارسل الله النبي لوط عليه السلام الى المدائن الخمسة وهي : سدوم ، وعموراء ، وادوما ، وصاعورا ، وصابورا. (3) هذه المدن كان يسكنها قوم لوط ، واعظم هذه المدن سدوم ، وكان لوط يسكنها ، وقد قلبها الله عزوجل كلها على قومها المنحرفين ، فلذلك سميت ـ المؤتفكات : ـ اي المنقلبات. 
________________________________________
1 ـ الحشر : 9. 
2 ـ الذاريات : 35. 
3 ـ مروج الذهب : ج 1 ص 21.