هل كان كنعان بن نوح عليه السلام ؟

عن ابي بصير ، عن ابي عبد الله عليه السلام قال : لما اراد الله عزوجل هلاك قوم نوح عليه السلام ، عقم ارحام النساء اربعين سنة ، فلم يلد فيهم مولود. فلما فرغ نوح عليه السلام من اتخاذ السفينة ، امره الله ان ينادي بالسريانية : لا يبقى بهيمة ولا حيوان الا حضر ، فادخل من كل جنس من اجناس الحيوان زوجين في السفينة ، وكان الذين امنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا ، فقال الله تعالى : « حتى اذا جاء امرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ومن امن وما امن معه الا قليل » (1). بعد ما ركب الجميع وفار التنور وتفجرت الارض عيونا وهطلت الامطار من السماء ، وفتحت ابواب السماء بماء منهمر. قال الله تعالى : « اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها » ، اي مسيرها وموقفها. فدارت السفينة ، ونظر نوح عليه السلام الى ابنه يقع ويقوم فقال له : « يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين » فقال ابنه كنعان ، كما حكى الله عزوجل : « قال ساوي الى جبل يعصمني من الماء » فقال نوح : « لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم » ثم قال نوح عليه السلام : « رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين » فقال الله عزوجل : « يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسالن ما ليس لك به علم اني اعظك ان تكون من الجاهلين » (2) ... « وحال بينهما الموج فكان من المغرقين » (3). وردت تفاسير واحتمالات عديدة في ان « كنعان » هل كان ابن نوح عليه السلام او لم يكن ؟ نذكر منها مختصرا : يقول البعض : هو ابن نوح عليه السلام ولكن لم يكن في صف الكفار ولا في صف المؤمنين ، بل كما يقول القران « كان في معزل من القوم » ولذلك كان يحتمل نوح ان يندم ولده. وهناك احتمال اخر يقول : هو ان ابن نوح لم يكن يخالف اباه بصراحة ، بل كان منافقا وكان يوافق اباه في الظاهر احيانا ، فلذلك طلب نوح من ربه له النجاة. وقال البعض : في قوله تعالى : « انه عمل غير صالح » بمعنى « انه ذو عمل غير صالح » ، وان الانسان قد يذوب في عمله الى درجة كانه يصير بنفسه العمل ذاته ، وياتي مثل هذا التعبير للمبالغة ، كما يقال احيانا : « ان فلانا هو كل العدل والسخاء » او ان فلانا هو السرقة والفساد جميعها ، فكانه غاص في العمل حتى صار هو العمل بذاته. فابن نوح هكذا كان ، فقد جلس مع السيئين وغاص في اعماقهم السيئة وافكارهم المنحرفة ، بحيث تبدل وجوده الى عمل غير صالح !. اي : يا نوح ، لو كان ابنك انحرافه وفساده سطحيا لكانت الشفاعة في حقه ممكنة ، ولكنه اصبح غارقا في الفساد والانحراف. وهناك احتمالات يراها المفسرون على ان « كنعان » لم يكن ابن نوح حقيقة ، او انه كان ابنا غير شرعي ، او انه شرعي من زوجته عن رجل اخر. وروي انه سأل الامام الرضا عليه السلام بعض اصحابه يوما : كيف يفسر الناس هذه الاية : « انه عمل غير صالح » .. فأجابه احد الحاضرين : انهم يعتقدون ان كنعان لم يكن الابن الحقيقي لنوح ، فقال الامام عليه السلام : « كلا لقد كان ابنه ، ولكن لما عصى الله نفاه عن ابيه ، كذا من كان منا لم يطع الله فليس منا » (4). فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال : « من غش مسلما فليس منا » (5). وروي عن الصادق عليه السلام انه قال : « ليس بولي لي من اكل مال مؤمن حرام » (6). ويقول النبي صلى الله عليه واله وسلم : « من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم » (7). وقيل ان ابن نوح لم يكن على دين ابيه ، وكان نوح عليه السلام يظن انه مسلم فلذلك دعاه للركوب في السفينة ، وكان ينافق اباه وقال الله تعالى لنوح : « انه ليس من اهلك » لانه كان مخالفا له وجعل من اتبعه من اهله. (8) وقال الشيخ الطوسي قدس سره : في معنى قوله سبحانه : « انه ليس من اهلك » اي انه ليس من اهلك الذين وعدتك بنجاتهم معك ، وانه كان ابنه من صلبه. وقول ثاني انه « ليس من اهلك » اي انه ليس على دينك ، فكان كفره اخرجه عن ان يكون له احكام اهله ، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه واله وسلم لسلمان الفارسي : « سلمان منا اهل البيت » اي على ديننا. (9) وقول ثالث قال : تقرا « ونادى نوح ابنه » بنصب الهاء ، اي « ابنها » وهي لغة طي. وروي عروة بن الزبير : « ونادى نوح ابنه » بفتح الهاء فحذف الالف تخفيفا ، اي ابنها ، اي رجوع الضمير الى امراته ، اي انه كان ابن امراته. (10) 

________________________________________

1 ـ هود : 40. 

2 ـ هود : 43 ، 46. 

3 ـ نفس المصدر. 

4 ـ تفسير الامثل : ج 6 ص 514. 

5 ـ سفينة البحار : ج 2 ص 318. 

6 ـ وسائل الشيعة ج 12 ص 53. 

7 ـ اصول الكافي ج 2 ص 164. 

8 ـ البحار : ج 11 ص 304. 

9 ـ نفس المصدر : ص 313. 

10 ـ نفس المصدر.