باب آخر و هو من الباب الأول إلا أن فيه زيادة و هو الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء الله و أسماء المخلوقين

1-  علي بن إبراهيم عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني و محمد بن الحسن عن عبد الله بن الحسن العلوي جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن ع قال سمعته يقول و هو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق و لا المنشئ من المنشإ لكنه المنشئ فرق بين من جسمه و صوره و أنشأه إذ كان لا يشبهه شي‏ء و لا يشبه هو شيئا قلت أجل جعلني الله فداك لكنك قلت الأحد الصمد و قلت لا يشبهه شي‏ء و الله واحد و الإنسان واحد أ ليس قد تشابهت الوحدانية قال يا فتح أحلت ثبتك الله إنما التشبيه في المعاني فأما في الأسماء فهي واحدة و هي دالة على المسمى و ذلك أن الإنسان و إن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة و ليس باثنين و الإنسان نفسه ليس بواحد لأن أعضاءه مختلفة و ألوانه مختلفة و من ألوانه مختلفة غير واحد و هو أجزاء مجزاة ليست بسواء دمه غير لحمه و لحمه غير دمه و عصبه غير عروقه و شعره غير بشره و سواده غير بياضه و كذلك سائر جميع الخلق فالإنسان واحد في الاسم و لا واحد في المعنى و الله جل جلاله هو واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه و لا تفاوت و لا زيادة و لا نقصان فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة و جواهر شتى غير أنه بالاجتماع شي‏ء واحد قلت جعلت فداك فرجت عني فرج الله عنك فقولك اللطيف الخبير فسره لي كما فسرت الواحد فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل غير أني أحب أن تشرح ذلك لي فقال يا فتح إنما قلنا اللطيف للخلق اللطيف و لعلمه بالشي‏ء اللطيف أ و لا ترى وفقك اللهو ثبتك إلى أثر صنعه في النبات اللطيف و غير اللطيف و من الخلق اللطيف و من الحيوان الصغار و من البعوض و الجرجس و ما هو أصغر منها ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى و الحدث المولود من القديم فلما رأينا صغر ذلك في لطفه و اهتداءه للسفاد و الهرب من الموت و الجمع لما يصلحه و ما في لجج البحار و ما في لحاء الأشجار و المفاوز و القفار و إفهام بعضها عن بعض منطقها و ما يفهم به أولادها عنها و نقلها الغذاء إليها ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة و بياض مع حمرة و أنه ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة خلقها لا تراه عيوننا و لا تلمسه أيدينا علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف لطف بخلق ما سميناه بلا علاج و لا أداة و لا آلة و أن كل صانع شي‏ء فمن شي‏ء صنع و الله الخالق اللطيف الجليل خلق و صنع لا من شي‏ء

2-  علي بن محمد مرسلا عن أبي الحسن الرضا ع قال قال اعلم علمك الله الخير أن الله تبارك و تعالى قديم و القدم صفته التي دلت العاقل على أنه لا شي‏ء قبله و لا شي‏ء معه في ديموميته فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة أنه لا شي‏ء قبل الله و لا شي‏ء مع الله في بقائه و بطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شي‏ء و ذلك أنه لو كان معه شي‏ء في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه و لو كان قبله شي‏ء كان الأول ذلك الشي‏ء لا هذا و كان الأول أولى بأن يكون خالقا للأول ثم وصف نفسه تبارك و تعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم و تعبدهم و ابتلاهم إلى أن يدعوه بها فسمى نفسه سميعا بصيرا قادرا قائما ناطقا ظاهرا باطنا لطيفا خبيرا قويا عزيزا حكيما عليما و ما أشبه هذه الأسماء فلما رأى ذلك من أسمائه القالون المكذبون و قد سمعونا نحدث عن الله أنه لا شي‏ء مثله و لا شي‏ء من الخلق في حاله قالوا أخبرونا إذا زعمتم أنه لا مثل لله و لا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض إذ جمعتم الأسماء الطيبة قيل لهم إن الله تبارك و تعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني و ذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين و الدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع و هو الذي خاطب الله به الخلق فكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا فقد يقال للرجل كلب و حمار و ثور و سكرة و علقمة و أسد كل ذلك على خلافه و حالاته لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليه لأن الإنسان ليس بأسد و لا كلب فافهم ذلك رحمك الله و إنما سمي الله تعالى بالعلم بغير علم حادث علم به الأشياء استعان به على حفظ ما يستقبل من أمره و الروية فيما يخلق من خلقه و يفسد ما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم و يغيبه كان جاهلا ضعيفا كما أنا لو رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا فيه جهلة و ربما فارقهم العلم بالأشياء فعادوا إلى الجهل و إنما سمي الله عالما لأنه لا يجهل شيئا فقد جمع الخالق و المخلوق اسم العالم و اختلف المعنى على ما رأيت و سمي ربنا سميعا لا بخرت فيه يسمع به الصوت و لا يبصر به كما أن خرتنا الذي به نسمع لا نقوى به على البصر و لكنه أخبر أنه لا يخفى عليه شي‏ء من الأصوات ليس على حد ما سمينا نحن فقد جمعنا الاسم بالسمع و اختلف المعنى و هكذا البصر لا بخرت منه أبصر كما أنا نبصر بخرت منا لا ننتفع به في غيره و لكن الله بصير لا يحتمل شخصا منظورا إليه فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و هو قائم ليس على معنى انتصاب و قيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء و لكن قائم يخبر أنه حافظ كقول الرجل القائم بأمرنا فلان و الله هو القائم على كل نفس بما كسبت و القائم أيضا في كلام الناس الباقي و القائم أيضا يخبر عن

 الكفاية كقولك للرجل قم بأمر بني فلان أي اكفهم و القائم منا قائم على ساق فقد جمعنا الاسم و لم نجمع المعنى و أما اللطيف فليس على قلة و قضافة و صغر و لكن ذلك على النفاذ في الأشياء و الامتناع من أن يدرك كقولك للرجل لطف عني هذا الأمر و لطف فلان في مذهبه و قوله يخبرك أنه غمض فيه العقل و فات الطلب و عاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم فكذلك لطف الله تبارك و تعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف و اللطافة منا الصغر و القلة فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و أما الخبير فالذي لا يعزب عنه شي‏ء و لا يفوته ليس للتجربة و لا للاعتبار بالأشياء فعند التجربة و الاعتبار علمان و لو لا هما ما علم لأن من كان كذلك كان جاهلا و الله لم يزل خبيرا بما يخلق و الخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و أما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها و قعود عليها و تسنم لذراها و لكن ذلك لقهره و لغلبته الأشياء و قدرته عليها كقول الرجل ظهرت على أعدائي و أظهرني الله على خصمي يخبر عن الفلج و الغلبة فهكذا ظهور الله على الأشياء و وجه آخر أنه الظاهر لمن أراده و لا يخفى عليه شي‏ء و أنه مدبر لكل ما برأ فأي ظاهر أظهر و أوضح من الله تبارك و تعالى لأنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت و فيك من آثاره ما يغنيك و الظاهر منا البارز بنفسه و المعلوم بحده فقد جمعنا الاسم و لم يجمعنا المعنى و أما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا كقول القائل أبطنته يعني خبرته و علمت مكتوم سره و الباطن منا الغائب في الشي‏ء المستتر و قد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و أما القاهر فليس على معنى علاج و نصب و احتيال و مداراة و مكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا و المقهور منهم يعود قاهرا و القاهر يعود مقهورا و لكن ذلك من الله تبارك و تعالى على أن جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله و قلة الامتناع لما أراد به لم يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون و القاهر منا على ما ذكرت و وصفت فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و هكذا جميع الأسماء و إن كنا لم نستجمعها كلها فقد يكتفي الاعتبار بما ألقينا إليك و الله عونك و عوننا في إرشادنا و توفيقنا