باب في إبطال الرؤية

1-  محمد بن أبي عبد الله عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال كتبت إلى أبي محمد ع أسأله كيف يعبد العبد ربه و هو لا يراه فوقع ع يا أبا يوسف جل سيدي و مولاي و المنعم علي و على آبائي أن يرى قال و سألته هل رأى رسول الله ص ربه فوقع ع إن الله تبارك و تعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب

2-  أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا ع فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال و الحرام و الأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرة إنا روينا أن الله قسم الرؤية و الكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى و لمحمد الرؤية فقال أبو الحسن ع فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن و الإنس لا تدركه الأبصار و لا يحيطون به علما و ليس كمثله شي‏ء أ ليس محمد قال بلى قال كيف يجي‏ء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله و أنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول لا تدركه الأبصار و لا يحيطون به علما و ليس كمثله شي‏ء ثم يقول أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر أ ما تستحون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشي‏ء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر قال أبو قرة فإنه يقول و لقد رآه نزلة أخرى فقال أبو الحسن ع إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال ما كذب الفؤاد ما رأى يقول ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأى فقال لقد رأى من آيات ربه الكبرى فآيات الله غير الله و قد قال الله و لا يحيطون به علما فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم و وقعت المعرفة فقال أبو قرة فتكذب بالروايات فقال أبو الحسن ع إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها و ما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما و لا تدركه الأبصار و ليس كمثله شي‏ء

3-  أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن سيف عن محمد بن عبيد قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا ع أسأله عن الرؤية و ما ترويه العامة و الخاصة و سألته أن يشرح لي ذلك فكتب بخطه اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عز ذكره و إن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول و لا تزول في المعاد فهذا دليل على أن الله عز و جل لا يرى بالعين إذ العين تؤدي إلى ما وصفناه

4-  و عنه عن أحمد بن إسحاق قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث ع أسأله عن الرؤية و ما اختلف فيه الناس فكتب لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء لم ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي و المرئي لم تصح الرؤية و كان في ذلك الاشتباه لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه و كان ذلك التشبيه لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات

5-  علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معبد عن عبد الله بن سنان عن أبيه قال حضرت أبا جعفر ع فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له يا أبا جعفر أي شي‏ء تعبد قال الله تعالى قال رأيته قال بل لم تره العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يعرف بالقياس و لا يدرك بالحواس و لا يشبه بالناس موصوف بالآيات معروف بالعلامات لا يجور في حكمه ذلك الله لا إله إلا هو قال فخرج الرجل و هو يقول الله أعلم حيث يجعل رسالته

6-  عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد الله ع قال جاء حبر إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته قال فقال ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره قال و كيف رأيته قال ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان

7-  أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله ع قال ذاكرت أبا عبد الله ع فيما يروون من الرؤية فقال الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر فإن كانوا صادقين فليملئوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب

8-  محمد بن يحيى و غيره عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا ع قال قال رسول الله ص لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه قط جبرئيل فكشف له فأراه الله من نور عظمته ما أحب

في قوله تعالى لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار

9-  محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع في قوله لا تدركه الأبصار قال إحاطة الوهم أ لا ترى إلى قوله قد جاءكم بصائر من ربكم ليس يعني بصر العيون فمن أبصر فلنفسه ليس يعني من البصر بعينه و من عمي فعليها ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال فلان بصير بالشعر و فلان بصير بالفقه و فلان بصير بالدراهم و فلان بصير بالثياب الله أعظم من أن يرى بالعين

10-  محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أبي هاشم الجعفري عن أبي الحسن الرضا ع قال سألته عن الله هل يوصف فقال أ ما تقرأ القرآن قلت بلى قال أ ما تقرأ قوله تعالى لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار قلت بلى قال فتعرفون الأبصار قلت بلى قال ما هي قلت أبصار العيون فقال إن أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام و هو يدرك الأوهام

11-  محمد بن أبي عبد الله عمن ذكره عن محمد بن عيسى عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال قلت لأبي جعفر ع لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار فقال يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها و لا تدركها ببصرك و أوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون

12-  علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن هشام بن الحكم قال الأشياء كلها لا تدرك إلا بأمرين بالحواس و القلب و الحواس إدراكها على ثلاثة معان إدراكا بالمداخلة و إدراكا بالمماسة و إدراكا بلا مداخلة و لا مماسة فأما الإدراك الذي بالمداخلة فالأصوات و المشام و الطعوم و أما الإدراك بالمماسة فمعرفة الأشكال من التربيع و التثليث و معرفة اللين و الخشن و الحر و البرد و أما الإدراك بلا مماسة و لا مداخلة فالبصر فإنه يدرك الأشياء بلا مماسة و لا مداخلة في حيز غيره و لا في حيزه و إدراك البصر له سبيل و سبب فسبيله الهواء و سببه الضياء فإذا كان السبيل متصلا بينه و بين المرئي و السبب قائم أدرك ما يلاقي من الألوان و الأشخاص فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه رجع راجعا فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة فإذا لم يكن له سبيل رجع راجعا يحكي ما وراءه و كذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعا فيحكي ما وراءه إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره فأما القلب فإنما سلطانه على الهواء فهو يدرك جميع ما في الهواء و يتوهمه فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجودا رجع راجعا فحكى ما في الهواء فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجودا في الهواء من أمر التوحيد جل الله و عز فإنه إن فعل ذلك لم يتوهم إلا ما في الهواء موجود كما قلنا في أمر البصر تعالى الله أن يشبهه خلقه