باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها

1-  علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد قال حدثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد الله ع قال قلت له أيها العالم أخبرني أي الأعمال أفضل عند الله قال ما لا يقبل الله شيئا إلا به قلت و ما هو قال الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة و أشرفها منزلة و أسناها حظا قال قلت أ لا تخبرني عن الإيمان أ قول هو و عمل أم قول بلا عمل فقال الإيمان عمل كله و القول بعض ذلك العمل بفرض من الله بين في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد له به الكتاب و يدعوه إليه قال قلت صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه قال الإيمان حالات و درجات و طبقات و منازل فمنه التام المنتهى تمامه و منه الناقص البين نقصانه و منه الراجح الزائد رجحانه قلت إن الإيمان ليتم و ينقص و يزيد قال نعم قلت كيف ذلك قال لأن الله تبارك و تعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم و قسمه عليها و فرقه فيها فليس من جوارحه جارحة إلا و قد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها فمنها قلبه الذي به يعقل و يفقه و يفهم و هو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح و لا تصدر إلا عن رأيه و أمره و منها عيناه اللتان يبصر بهما و أذناه اللتان يسمع بهما و يداه اللتان يبطش بهما و رجلاه اللتان يمشي بهما و فرجه الذي الباه من قبله و لسانه الذي ينطق به و رأسه الذي فيه وجهه فليس من هذه جارحة إلا و قد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تبارك اسمه ينطق به الكتاب لها و يشهد به عليها ففرض على القلب غير ما فرض على السمع و فرض على السمع غير ما فرض على العينين و فرض على العينين غير ما فرض على اللسان و فرض على اللسان غير ما فرض على اليدين و فرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين و فرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج و فرض على الفرج غير ما فرض على الوجه فأما ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار و المعرفة و العقد و الرضا و التسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و أن محمدا عبده و رسوله ص و الإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار و المعرفة و هو عمله و هو قول الله

 عز و جل إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان و لكن من شرح بالكفر صدرا و قال ألا بذكر الله تطمئن القلوب و قال الذين آمنوا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم و قال إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء فذلك ما فرض الله عز و جل على القلب من الإقرار و المعرفة و هو عمله و هو رأس الإيمان و فرض الله على اللسان القول و التعبير عن القلب بما عقد عليه و أقر به قال الله تبارك و تعالى و قولوا للناس حسنا و قال و قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم و إلهنا و إلهكم واحد و نحن له مسلمون فهذا ما فرض الله على اللسان و هو عمله و فرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله و أن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عز و جل عنه و الإصغاء إلى ما أسخط الله عز و جل فقال في ذلك و قد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ثم استثنى الله عز و جل موضع النسيان فقال و إما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين و قال فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب و قال عز و جل قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون و الذين هم عن اللغو معرضون و الذين هم للزكاة فاعلون و قال و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه و قالوا لنا أعمالنا و لكم أعمالكم و قال و إذا مروا باللغو مروا كراما فهذا ما فرض الله على السمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحل له و هو عمله و هو من الإيمان و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم الله عليه و أن يعرض عما نهى الله عنه مما لا يحل له و هو عمله و هو من الإيمان فقال تبارك و تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم و أن ينظر المرء إلى فرج أخيه و يحفظ فرجه أن ينظر إليه و قال و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن

 من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها و تحفظ فرجها من أن ينظر إليها و قال كل شي‏ء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر ثم نظم ما فرض على القلب و اللسان و السمع و البصر في آية أخرى فقال و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم يعني بالجلود الفروج و الأفخاذ و قال و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله عز و جل و هو عملهما و هو من الإيمان و فرض الله على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله و أن يبطش بهما إلى ما أمر الله عز و جل و فرض عليهما من الصدقة و صلة الرحم و الجهاد في سبيل الله و الطهور للصلاة فقال يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين و قال فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد و إما فداء حتى تضع الحرب أوزارها فهذا ما فرض الله على اليدين لأن الضرب من علاجهما و فرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شي‏ء من معاصي الله و فرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عز و جل فقال و لا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا و قال و اقصد في مشيك و اغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير و قال فيما شهدت الأيدي و الأرجل على أنفسهما و على أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عز و جل به و فرضه عليهما اليوم نختم على أفواههم و تكلمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين و على الرجلين و هو عملهما و هو من الإيمان و فرض على الوجه السجود له بالليل و النهار في مواقيت الصلاة فقال يا أيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربكم و افعلوا الخير لعلكم تفلحون فهذه فريضة جامعة على الوجه و اليدين و الرجلين و قال في موضع آخر و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا و قال فيما فرض على الجوارح من الطهور و الصلاة بها و ذلك أن الله عز و جل لما صرف نبيه ص إلى الكعبة عن البيت المقدس فأنزل الله عز و جل و ما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم فسمى الصلاة إيمانا فمن لقي الله عز و جل حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز و جل عليها لقي الله عز و جل مستكملا لإيمانه و هو من أهل الجنة و من خان في شي‏ء منها أو تعدى ما أمر الله عز و جل فيها لقي الله عز و جل ناقص الإيمان قلت قد فهمت نقصان الإيمان و تمامه فمن أين جاءت زيادته فقال قول الله عز و جل و إذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا و هم يستبشرون و أما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم و قال نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدى و لو كان كله واحدا لا زيادة فيه و لا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر و لاستوت النعم فيه و لاستوى الناس و بطل التفضيل و لكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة و بالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله و بالنقصان دخل المفرطون النار

2-  عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا عن البرقي عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي عن عبيد الله بن ]الحسن عن الحسن بن[ هارون قال قال لي أبو عبد الله ع إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا قال يسأل السمع عما سمع و البصر عما نظر إليه و الفؤاد عما عقد عليه

 -  أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان أو غيره عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الإيمان فقال شهادة أن لا إله إلا الله ]و أن محمدا رسول الله[ و الإقرار بما جاء من عند الله و ما استقر في القلوب من التصديق بذلك قال قلت الشهادة أ ليست عملا قال بلى قلت العمل من الإيمان قال نعم الإيمان لا يكون إلا بعمل و العمل منه و لا يثبت الإيمان إلا بعمل

4-  عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن عبد الله بن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال قلت له ما الإسلام فقال دين الله اسمه الإسلام و هو دين الله قبل أن تكونوا حيث كنتم و بعد أن تكونوا فمن أقر بدين الله فهو مسلم و من عمل بما أمر الله عز و جل به فهو مؤمن

5-  عنه عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي عن أيوب بن الحر عن أبي بصير قال كنت عند أبي جعفر ع فقال له سلام إن خيثمة ابن أبي خيثمة يحدثنا عنك أنه سألك عن الإسلام فقلت له إن الإسلام من استقبل قبلتنا و شهد شهادتنا و نسك نسكنا و والى ولينا و عادى عدونا فهو مسلم فقال صدق خيثمة قلت و سألك عن الإيمان فقلت الإيمان بالله و التصديق بكتاب الله و أن لا يعصى الله فقال صدق خيثمة

6-  محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله ع عن الإيمان فقال شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله قال قلت أ ليس هذا عمل قال بلى قلت فالعمل من الإيمان قال لا يثبت له الإيمان إلا بالعمل و العمل منه

7-  بعض أصحابنا عن علي بن العباس عن علي بن ميسر عن حماد بن عمرو النصيبي قال سأل رجل العالم ع فقال أيها العالم أخبرني أي الأعمال أفضل عند الله قال ما لا يقبل عمل إلا به فقال و ما ذلك قال الإيمان بالله الذي هو أعلى الأعمال درجة و أسناها حظا و أشرفها منزلة قلت أخبرني عن الإيمان أ قول و عمل أم قول بلا عمل قال الإيمان عمل كله و القول بعض ذلك العمل بفرض من الله بينه في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد به الكتاب و يدعو إليه قلت صف لي ذلك حتى أفهمه فقال إن الإيمان حالات و درجات و طبقات و منازل فمنه التام المنتهى تمامه و منه الناقص المنتهى نقصانه و منه الزائد الراجح زيادته قلت و إن الإيمان ليتم و يزيد و ينقص قال نعم قلت و كيف ذلك قال إن الله تبارك و تعالى فرض الإيمان على جوارح بني آدم و قسمه عليها و فرقه عليها فليس من جوارحهم جارحة إلا و هي موكلة من الإيمان بغير ما وكلت به أختها فمنها قلبه الذي به يعقل و يفقه و يفهم و هو أمير بدنه الذي لا تورد الجوارح و لا تصدر إلا عن رأيه و أمره و منها يداه اللتان يبطش بهماو رجلاه اللتان يمشي بهما و فرجه الذي الباه من قبله و لسانه الذي ينطق به الكتاب و يشهد به عليها و عيناه اللتان يبصر بهما و أذناه اللتان يسمع بهما و فرض على القلب غير ما فرض على اللسان و فرض على اللسان غير ما فرض على العينين و فرض على العينين غير ما فرض على السمع و فرض على السمع غير ما فرض على اليدين و فرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين و فرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج و فرض على الفرج غير ما فرض على الوجه فأما ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار و المعرفة والتصديق و التسليم و العقد و الرضا بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و أن محمدا ص عبده و رسوله

8-  محمد بن الحسن عن بعض أصحابنا عن الأشعث بن محمد عن محمد بن حفص بن خارجة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول و سأله رجل عن قول المرجئة في الكفر و الإيمان و قال إنهم يحتجون علينا و يقولون كما أن الكافر عندنا هو الكافر عند الله فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بإيمانه أنه عند الله مؤمن فقال سبحان الله و كيف يستوي هذان و الكفر إقرار من العبد فلا يكلف بعد إقراره ببينة و الإيمان دعوى لا تجوز إلا ببينة و بينته عمله و نيته فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن و الكفر موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل و الأحكام تجري على القول و العمل فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان و يجري عليه أحكام المؤمنين و هو عند الله كافر و قد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله و عمله