سورة النّساء الآية 121-140

أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً : معدلا ومهربا.

من حاص يحيص، إذا عدل. و«عنها» حال منه، أي: من المحيص. وليس صلة له، لأنّه اسم مكان. وإن جعل مصدر، فلا يعمل- أيضا- فيما قبله.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا، أي: وعده وعدا، وحقّ ذلك حقّا.

فالأوّل، مؤكّد لنفسه. لأنّه مضمون الجملة الاسميّة الّتي قبلها. والثّاني، مؤكّد لغيره.

و يجوز أن ينتصب الموصول بفعل يفسّره ما بعده و«وعد اللّه» بقوله: «سندخلهم» لأنّه بمعنى: نعدهم إدخالهم. و«حقّا» على أنّه حال من المصدر.

وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا : جملة مؤكّدة بليغة.

و المقصود من الآية، معارضة المواعيد الشّيطانيّة الكاذبة لقرنائه بوعد اللّه الصّادق لأوليائه، والمبالغة في توكيده ترغيبا للعباد في تحصيله.

لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ:

في تفسير عليّ بن إبراهيم : ليس ما تمنّون أنتم ولا أهل الكتاب، أي: أن لاتعذّبون بأفعالكم.

قيل : روي أنّ المسلمين وأهل الكتاب افتخروا. فقال أهل الكتاب: «نبيّنا قبل نبيّكم. وكتابنا قبل كتابكم. ونحن أولى باللّه منكم.» وقال المسلمون: «نحن أولى منكم. نبيّنا خاتم النّبيّين. وكتابنا يقضي على الكتب المتقدّمة.» فنزلت.

و قيل : الخطاب مع المشركين. ويدلّ عليه ما تقدّم ذكرهم، أي: ليس الأمر بأماني المشركين. وهو قولهم: لا جنّة ولا نار. وقولهم: إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء، لنكوننّ خيرا منهم وأحسن حالا. ولا أماني أهل الكتاب. وهو قولهم : لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى. وقولهم : لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً..

مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ: عاجلا أو آجلا.

و في عيون الأخبار : في باب قول الرّضا- عليه السّلام- لأخيه زيد بن موسى حين افتخر على من في مجلسه، بإسناده إلى أبي الصّلت الهرويّ قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يحدّث عن أبيه أنّ إسماعيل قال للصّادق- عليه السّلام-: يا أبتاه، ما تقول في المذنب منّا ومن غيرنا؟

فقال- عليه السّلام-: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ.

و في مجمع البيان : عن أبي هريرة قال: لمّا نزلت هذه الآية بكينا وحزنا، وقلنا: يا رسول اللّه، ما أبقت هذه الآية من شي‏ء.

فقال: أما والّذي نفسي بيده، إنّها لكما أنزلت. ولكن أبشروا وقاربوا وسدّدوا أنّه لا يصيب أحدا منكم مصيبة إلّا كفّر اللّه بها خطيئة حتّى الشّوكة يشاكها أحدكم في قدمه.

و في تفسير العيّاشي : عن الباقر- عليه السّلام-: لمّا نزلت هذه الآية مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال بعض أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما أشدّها من‏آية! فقال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أما تبتلون في أموالكم وأنفسكم وذراريّكم؟

قالوا: بلى.

قال: هذا ممّا يكتب اللّه لكم به الحسنات ويمحو به السّيّئات.

و في الكافي ، عنه- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تعالى- إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسّقم. فإن لم يفعل ذلك به ابتلاه بالحاجة. فإن لم يفعل ذلك به شدّد عليه الموت ليكافئه بذلك الذّنب.

 (الحديث).

وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ، أي: وليّا يواليه ونصيرا ينصره في دفع العذاب عنه.

وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ: بعضها أو شيئا منها. فإنّ كلّ أحد لا يتمكّن من كلّها.

مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى: في موضع الحال من المستكنّ في «من يعمل» و«من» للبيان. أو «من الصّالحات»، أي: كائنة من ذكر أو أنثى. و«من» للابتداء.

وَ هُوَ مُؤْمِنٌ: حال. شرط اقتران العمل بها في استدعاء الثّواب المذكور، تنبيها على أنّه لا اعتداد به دونه.

فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً : بنقص شي‏ء من الثّواب.

و قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر: «يدخلون الجنّة» هنا وفي غافر ومريم، بضمّ الياء، وفتح الخاء. والباقون، بفتح الياء، وضمّ الخاء .

وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ: أخلص نفسه للّه، لا يعرف لها ربّا سواه.

و قيل : بذل وجهه له في السّجود. وفي الاستفهام، تنبيه على أنّ ذلك ما تبلغه القوّة البشريّة.وَ هُوَ مُحْسِنٌ: آت بالحسنات. تارك للسّيّئات.

و في مجمع البيان : وروي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- سئل عن الإحسان فقال: أن تعبد اللّه كأنّك تراه. فإن لم تكن تراه فإنّه يراك.

وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ: الموافقة لدين الإسلام، المتّفق على صحّتها، يعني:

اقتد بدينه وسيرته وطريقته.

حَنِيفاً: مائلا عن سائر الأديان. وهو حال، من المتّبع. أو، من الملّة.

أو، إبراهيم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  قال: هي العشرة الّتي جاء بها إبراهيم، الّتي لم تنسخ إلى يوم القيامة.

وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا : اصطفاه وخصّصه بكرامة الخلّة.

و إنّما ذكره ولم يضمر، تفخيما له، وتنصيصا على أنّه الممدوح.

قيل : و«الخلّة» إمّا من الخلال، فإنّه ودّ تخلّل النّفس ويخالطها. أو من الخلل، فإنّ كلّ واحد من الخليلين يسدّ خلل الآخر. أو من الخلّ، وهو الطّريق في الرّمل. فإنّهما يتوافقان في الطّريقة. أو من الخلّة، بمعنى: الخصلة، فإنّهما يتوافقان في الخصال.

و الجملة استئناف. جي‏ء بها للتّرغيب في اتّباع ملّته، والإيذان بانّه نهاية في الحسن وغاية في كمال البشر.

في روضة الكافي : أبان بن عثمان، عن محمّد بن مروان، عمّن رواه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا اتّخذ اللّه- عزّ وجلّ- إبراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلّة.

فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء ودهنا. فدخل إبراهيم- عليه السّلام- الدّار. فاستقبله خارجا من الدّار. وكان إبراهيم- عليه السّلام- رجلا غيورا. وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه ثمّ رجع ففتح. فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرّجال. فأخذ بيده وقال: يا عبد اللّه من أدخلك داري؟

فقال: ربّها أدخلنيها.فقال: ربّها أحقّ بها منّي، فمن أنت؟

قال: أنا ملك الموت.

ففزع إبراهيم- عليه السّلام- وقال: جئتني لتسلبني روحي؟

قال: لا، ولكن اتّخذ اللّه عبدا خليلا، فجئت لبشارته.

قال: فمن هو لعلّي أخدمه حتّى أموت؟

قال: أنت هو. فدخل على سارة فقال لها: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- اتّخذني خليلا.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسي- رحمه اللّه- في حديث طويل للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقول فيه- عليه السّلام-: قولنا: «إنّ إبراهيم خليل اللّه» فإنّما هو مشتقّ من الخلّة. والخلّة إنّما معناها: الفقر والفاقة. فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا. وذلك أنّه لمّا أريد قذفه في النّار فرمي به في المنجنيق، فبعث اللّه إلى جبرئيل، فقال له: أدرك عبدي. فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلّفني ما بدا لك، فقد بعثني اللّه لنصرتك.

فقال: بل حسبي اللّه ونعم الوكيل، إنّي لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلّا إليه.

فسمّاه خليله، أي: فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّا سواه.

قال: فإذا جعل معنى ذلك من الخلّة. وهو أنّه قد تخلّل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه: العالم به وبأموره. ولا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه. ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من العلل، بإسناده إلى الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: سمعت أبي يحدّث، عن أبيه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّما اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا، لأنّه لم يردّ أحدا ولم يسأل أحدا قطّ غير اللّه.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ابن أبي عمير عمّن ذكره قال: قلت‏لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لِمَ اتّخذ اللّه- عزّ وجلّ- إبراهيم خليلا؟

قال: لكثرة سجوده على الأرض.

و بإسناده إلى سهل بن زياد الآدمي ، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ قال:

 

سمعت عليّ بن محمّد العسكريّ- عليه السّلام- يقول: إنّما اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا [لكثرة صلاته على محمّد وأهل بيته- صلوات اللّه عليهم-.

و بإسناده إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ  قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: ما اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا]  إلّا لإطعام الطّعام وصلاته باللّيل والنّاس نيام.

و بإسناده إلى عبد اللّه بن الهلال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا جاء المرسلون إلى إبراهيم- عليه السّلام- جاءهم بالعجل. فقال: كلوا.

فقالوا: لا نأكل حتّى تخبرنا ما ثمنه؟

فقال: إذا أكلتم فقولوا: باسم اللّه، وإذا فرغتم فقولوا: الحمد للّه.

فقال: فالتفت جبرئيل إلى أصحابه وكانوا أربعة جبرئيل رئيسهم. فقال: حقّ اللّه أن يتّخذ هذا خليلا.

 

و في الكافي : عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن معاوية بن عمّار، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ إبراهيم- عليه السّلام- كان أبا أضياف، فكان إذا لم يكونوا عندهم خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف، وإنّه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدّار.

فقال: يا عبد اللّه، بإذن من دخلت هذه الدّار؟

قال: دخلتها بإذن ربّها- يردّد ذلك ثلاث مرّات- فعرف إبراهيم‏- عليه السّلام- أنّه جبرئيل- عليه السّلام- فحمد ربّه. ثمّ قال: أرسلني ربّي إلى عبد من عبيده يتّخذه خليلا.

قال إبراهيم- عليه السّلام-: فعلّمني من هو، أخدمه حتّى أموت؟

قال: فأنت. قال: وممّ ذلك؟

قال: لأنّك لم تسأل أحدا شيئا قطّ، ولم تسأل شيئا قطّ، فقلت: لا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: أنّ إبراهيم- عليه السّلام- هو أوّل من حوّل له الرّمل دقيقا. وذلك أنّه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام. فلم يجده في منزله.

فكره أن يرجع بالحمار خاليا. فملأ جرابه رملا. فلمّا دخل بمنزله خلا بين الحمار وبين سارة استحياء منها. ودخل البيت ونام. ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون. فخبزت وقدّمت إليه طعاما طيّبا.

فقال إبراهيم: من أين لك هذا؟

فقالت: من الدّقيق الّذي حملته من عند خليلك المصريّ.

فقال إبراهيم: أما إنّه خليلي، وليس بمصريّ. فلذلك أعطي الخلّة. فشكر اللّه وحمده فأكل.

و في أصول الكافي : محمّد بن الحسن، عمّن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشّحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- اتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا. وإنّ اللّه اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا. وإنّ اللّه اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا. وإن اللّه اتّخذه خليلا قبل أن يتّخذه إماما. والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسي- رحمه اللّه-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل في مكالمة له بينه وبين اليهود، وفيه: قالوا: إبراهيم خير منك.

قال ولِمَ ذاك؟قالوا: لأنّ اللّه اتّخذه خليلا.

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إن كان إبراهيم- عليه السّلام- خليلا، فأنا حبيبه محمّد.

و في مجمع البيان  وقد روي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: قد اتّخذ اللّه صاحبكم خليلا، يعني: نفسه.

و في بعض الرّوايات : أنّ الملائكة قال بعضهم لبعض: اتّخذ ربّنا من نطفة خليلا، وقد أعطاه ملكا عظيما جزيلا. فأوحى اللّه إلى الملائكة: اعمدوا على أزهدكم ورئيسكم. فوقع الاتّفاق على جبرئيل وميكائيل فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه.

و كان لإبراهيم أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كلّ كلب طوق وزن من ذهب أحمر، وأربعون ألف غنمة حلابة، وما شاء اللّه من الخيل والجمال. فوقف الملكان في طرفي الجمع.

فقال أحدهما بلذاذة صوت: سبّوح قدّوس. فجاوبه الثّاني: ربّ الملائكة والرّوح.

فقال: أعيداهما، ولكما نصف مالي. ثمّ قال: أعيداهما، ولكما مالي وولدي وجسدي. فنادت ملائكة السّموات: هذا هو الكرم. هذا هو الكرم. فسمعوا مناديا من العرش يقول: الخليل موافق لخليله.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: خلقا وملكا. يختار منها ما يشاء، ومن يشاء.

و قيل : هو متّصل بذكر العمّال ، مقرّر لوجوب طاعته على أهل السّموات والأرض وكمال قدرته على مجازاتهم على الأعمال.

وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطاً : علما وقدرة. فكان عالما بأعمالهم الخير والشّرّ، قادرا على جزائهم، فيجازيهم عليهما ما وعد وأوعد.

وَ يَسْتَفْتُونَكَ: ويسألونك الفتوى، أي: تبيين الحكم.

فِي النِّساءِ: في ميراثهنّ.قيل : إذ سبب نزوله أنّ عيينة بن الحصين أتى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: أخبرنا أنّك تعطي الابنة النّصف والأخت النّصف، إنّما نورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة.

فقال- عليه السّلام-: كذلك أمرت.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ فإنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- سئل عن النّساء وما لهنّ من الميراث؟ فأنزل اللّه الرّبع والثّمن.

قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ: يبيّن لكم حكمه فيهنّ.

و «الإفتاء» تبيين المبهم.

وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ: عطف على اسم «اللّه» أو ضميره المستكنّ في «يفتيكم». وجاز للفصل، فيكون الإفتاء مستندا إلى اللّه وإلى ما في القرآن، من نحو قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ. والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين باعتبارين مختلفين، ونظيره:

أغناني زيد وعطاؤه. أو استئناف معرض لتعظيم المتلوّ عليهم، على أنّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ مبتدأ و«في الكتاب» خبره. والمراد به، اللّوح المحفوظ. ويجوز أن ينتصب، على معنى:

و يبيّن لكم ما يتلى عليكم في الكتاب. أو يخفض، على القسم. كأنّه قيل : وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب. ولا يجوز عطفه على المجرور في «فيهنّ» لاختلاله لفظا ومعنى.

فِي يَتامَى النِّساءِ: صلة «يتلى» إن عطف الموصول على ما قبله، أي: يتلى عليكم في شأنهنّ. وإلّا فبدل من «فيهنّ». أو صلة أخرى «ليفتيكم» على معنى: اللّه يفتيكم فيهنّ بسبب يتامى النّساء. كما تقول: كلّمتك اليوم في زيد. وهذه الإضافة بمعنى: من. لأنّها إضافة الشّي‏ء إلى جنسه.

و قرئ: «ييامى» على أنّه «أيامى» فقلبت همزته ياء .

اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ: لا تعطونهنّ.

ما كُتِبَ لَهُنَّ: ما فرض لهنّ من الميراث.في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: كان أهل الجاهليّة لا يورثون الصّغير ولا المرأة، ويقولون: لا نورث إلّا من قاتل ودفع عن الحريم. فأنزل اللّه- تعالى- آيات الفرائض الّتي في أوّل السّورة. وهو معنى قوله: لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  زيادة وهي قوله: وكانوا يرون ذلك حسنا في دينهم.

فلمّا أنزل اللّه فرائض المواريث وجدوا من ذلك وجدا شديدا، فقالوا: انطلقوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنذكر ذلك لعلّه يدعه أو يغيّره. فأتوه فقالوا: يا رسول اللّه، للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها ويعطى الصّبيّ الصّغير الميراث، وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يجوز الغنيمة ولا يقاتل العدوّ.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بذلك أمرت.

وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ:

قيل : في أن تنكحوهنّ. أو عن أن تنكحوهنّ. فإنّ أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهنّ إن كنّ جميلات ويأكلون ما لهنّ. وإلّا كانوا يعضلونهنّ طمعا في ميراثهنّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إنّ الرّجل كان في حجره اليتيمة، فتكون دميمة وساقطة، يعني: حمقاء. فيرغب الرّجل أن يتزوّجها، ولا يعطيها ما لها فينكحها غيره من أجل مالها، ويمنعها النّكاح ويتربّص بها الموت ليرثها. فنهى اللّه عن ذلك.

و «الواو» يحتمل الحال، على تقدير مبتدأ.

و العطف، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ: عطف على «يتامى النّساء».

مِنَ الْوِلْدانِ: في موضع الحال من «المستضعفين». أو ضميره. ويحتمل الصّفة. والعرب ما كانوا يورثونهم كما ذكر.

وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ: عطف على «يتامى النّساء». أو «المستضعفين»، أي: ويفتيكم. أو ما يتلى عليكم في أن تقوموا. هذا إذا جعلت «في يتامى» صلة لأحدهما. وإن جعلته بدلا فالوجه نصبهما، عطفا على موضع «فيهنّ».

و قيل : ويجوز أن ينتصب.

و «أن تقوموا» بإضمار فعل، أي: ويأمركم أن تقوموا.

وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ: في أمر النّساء، واليتامى، وغير ذلك.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً : وعد لمن أثر الخير في ذلك.

وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها: توقّعت منه، لما ظهر لها من المخايل.

و «امرأة» فاعل فعل، يفسّره الظّاهر.

نُشُوزاً: تجافيا عنها، وترفّعا عن صحبتها، وكراهة لها، ومنعا لحقوقها.

أَوْ إِعْراضاً: بأن يقلّ مجالستها ومحادثتها.

فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً: أن يتصالحا بأن تحطّ له بعض المهر، أو القسم، أو تهب له شيئا تستميله به.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت في ابنة محمّد بن مسلمة [كانت امرأة رافع بن خديج، وكانت امرأة قد دخلت في السّنّ، فتزوّج امرأة شابّة كانت أعجب إليه من ابنة محمّد بن مسلمة. فقالت له بنت محمّد بن مسلمة:] .

ألا أراك معرضا عنّي، مؤثرا عليّ؟

فقال رافع: هي امرأة شابّة. وهي أعجب إليّ منك. فإن شئت أقررت لها على أنّ لها يومين أو ثلاثة منّي ولك يوم واحد.

فأبت ابنة محمّد بن مسلمة أن ترضاها. فطلّقها تطليقة واحدة ثمّ طلّقها أخرى.

فقالت: لا واللّه لا أرضى أو تسوّي بيني وبينها. يقول اللّه: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وابنة محمّد لم تطب نفسها بنصيبها وشحّت عليه. فأعرض عليها رافع. إمّا أن ترضى. وإمّا أن يطلّقها الثّالثة. فشحّت على زوجها ورضيت فصالحته على ما ذكرت.

فقال اللّه- عزّ وجلّ-: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. فلمّا رضيت واستقرّت لم يستطع أن يعدل بينهما. فنزلت وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ أن تأتي واحدة وتذر الأخرى لا أيّم ولا ذات بعل.و في تفسير العيّاشي : عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في قول اللّه: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً قال: النّشوز، الرّجل يهمّ بطلاق امرأته، فتقول له: أدع ما على ظهرك وأعطيك كذا وكذا. وأحلّلك من يومي وليلتي على ما اصطلحا عليه، فهو جائز.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً.

فقال: إذا كان كذلك فهمّ بطلاقها فقالت له: امسكني وأدع لك بعض ما عليك، وأحلّلك من يومي وليلتي. حلّ له ذلك، ولا جناح عليهما.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً.

 

فقال: هي المرأة تكون عند الرّجل فيكرهها، فيقول لها: إنّي أريد أن أطلّقك.

فتقول له: لا تفعل، إنّي أكره أن يشمت بي، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شي‏ء فهو لك ودعني على حالتي. وهو قوله- تبارك وتعالى-:

فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً. وهو هذا الصّلح.

حميد بن زياد، عن ابن سماعة ، عن الحسين بن هاشم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- جلّ اسمه-: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً.

 

قال: هذا يكون عند المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها، فتقول له: أمسكني ولا تطلّقني وأدع لك ما على ظهرك وأعطيك من مالي وأحلّلك من يومي وليلتي. فقد طاب ذلك كلّه.

وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ: من الفرقة. أو سوء العشرة. أو من الخصومة. ولا يجوز أن يكون المراد أنّه من الخيور، كما أنّ الخصومة من الشّرور. وهو اعتراض. وكذا قوله:وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ: ولذلك اغتفر عدم تجانسهما. والأوّل، للتّرغيب في المصالحة. والثّاني، لتمهيد العذر في المماكسة.

و معنى إحضار الأنفس الشّحّ: جعلها حاضرة له، مطبوعة عليه، فلا تكاد المرأة تسمح بالإعراض عنها والتّقصير في حقّها، ولا الرّجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقّها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحبّ غيرها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ. فمنها من اختارته، ومنها من لم تختره.

وَ إِنْ تُحْسِنُوا: في العشرة.

وَ تَتَّقُوا: النّشوز والإعراض ونقص الحقّ.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ: من الإحسان والخصومة.

خَبِيراً : عالما به وبالغرض منه، فيجازيكم عليه. أقام كونه عالما بأعمالهم مقام مجازاته لهم، الّذي هو في الحقيقة جواب الشّرط، إقامة السّبب مقام المسبّب.

وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ: أن تسوّوا بينهنّ في المحبّة والمودّة بالقلب. لأنّ العدل أن لا يقع ميل ألبتّة. وهو متعذّر ولذلك‏

كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: هذه قسمتي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك.

على ما نقل .

و في تفسير العيّاشي»: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: يعني: في المودّة.

و كذا في تفسير عليّ بن إبراهيم  عنه- عليه السّلام-.

 

و في مجمع البيان : عن الصّادق والباقر- عليهما السّلام-: أنّ معناه: التّسوية في كلّ الأمور من جميع الوجوه، من النّفقة والكسوة والعطيّة والمسكن والصّحبة والبشر وغير ذلك. والمراد به، أنّ ذلك لا يخفّف عليكم بل يثقّل ويشقّ لميلكم إلى بعضهنّ.وَ لَوْ حَرَصْتُمْ: على تحرّي ذلك، وبالغتم.

فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ: بترك المستطاع، والجور على المرغوب عنها. فإنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ: الّتي ليست ذات بعل، ولا مطلّقة.

و في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام-:

أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهنّ.

قال: وروي أنّ عليّا- عليه السّلام- كان له امرأتان. فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضّأ في بيت الأخرى.

وَ إِنْ تُصْلِحُوا: ما كنتم تفسدون من أمورهنّ.

وَ تَتَّقُوا: فيما يستقبل.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً : يغفر لكم ما مضى من ميلكم.

وَ إِنْ يَتَفَرَّقا:

و قرئ: وإن يتفارقا، أي: وإن يفارق كلّ واحد منهما صاحبه .

يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا: من الآخر ببدل، أو سلوة.

مِنْ سَعَتِهِ: من غناه وقدرته.

وَ كانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً : مقتدرا متقنا في أفعاله وأحكامه.

و في الكافي  بإسناده إلى ابن أبي ليلى قال: حدّثني عاصم بن حميد قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. فأتاه رجل. فشكى إليه الحاجة. فأمره بالتّزويج.

قال: فاشتدّت الحاجة. فأتى أبا عبد اللّه- عليه السّلام-. فسأله عن حاله.

فقال: اشتدّت بي الحاجة.

قال: ففارق. ثمّ أتاه فسأله عن حاله.

فقال: أثريت وحسن حالي.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّي أمرتك بأمرين أمر اللّه بهما، قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ إلى قوله: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ وقال:إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.

 

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: تنبيه على كمال قدرته وسعته.

و أنّه لا يتعذّر عليه الإغناء بعد الفرقة والإيناس بعد الوحشة.

وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ: من اليهود والنّصارى ومن قبلهم. و«الكتاب» للجنس. و«من» متعلّقة «بوصّينا» أو «بأوتوا».

وَ إِيَّاكُمْ: عطف على «الّذين أوتوا».

أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ: بأن اتّقوا اللّه. ويجوز أن يكون «أن» مفسّرة. لأنّ التّوصية في معنى القول.

في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-. وقد جمع اللّه ما يتواصى به المتواصون من الأوّلين والآخرين في خصلة واحدة، وهي التّقوى [يقول اللّه تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ.]  وفيه جماع كلّ عبادة صالحة. وبه وصل من وصل إلى الدّرجات العلى.

وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: على إرادة القول، أي: وقلنا لهم ولكم: إن تكفروا فإنّ اللّه مالك الملك كلّه. لا يتضرّر بكفركم ومعاصيكم. كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم. وإنّما وصّاكم لرحمته لا لحاجته. ثمّ قرّر ذلك بقوله: وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا: عن الخلق وعبادتهم.

حَمِيداً : في ذاته، حمد أو لم يحمد.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: كلّ مخلوق يدلّ بحاجته على غناه، وبما فاض عليه من الوجود والكمال على كونه حميدا.

وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا :

قيل : أي: حافظا للجميع لا يعزب عنه مثقال ذرّة فيهما.

و قيل : راجع إلى قوله: يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ فإنّه يوكل بكفايتهما. وما بينهما تقرير لذلك.إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ: يفنكم. ومفعول «يشأ» محذوف، دلّ عليه الجواب.

وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ: ويوجد قوما آخرين مكانكم. أو خلفاء آخرين مكان الإنس.

وَ كانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ: من الإعدام والإيجاد.

قَدِيراً : بليغ القدرة، لا يعجزه مراده.

قيل : وهذا- أيضا- تقرير لغناه وقدرته، وتهديد لمن كفر وخالف أمره.

و الظّاهر، أنّه خطاب لمن عادى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من العرب.

و معناه معنى قوله: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ لما

قال في مجمع البيان : ويروى أنّه لمّا نزلت هذه الآية ضرب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يده على ظهر سلمان- رضي اللّه عنه- وقال: هم قوم هذا، يعني: عجم الفرس.

مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا: كمن يجاهد للغنيمة.

فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ: فليطلب الثّوابين جميعا عند اللّه. وما له يكتفي بأخسّهما ويدع أشرفهما؟ على أنّه لو طلب الأشرف لم يخطئه الأخسّ.

في كتاب الخصال : جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- قال: كانت الحكماء والفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة: من كانت الآخرة همّه، كفاه اللّه همّه من الدّنيا. ومن أصلح سريرته، أصلح اللّه [علانيته. ومن أصلح فيه ما بينه وبين اللّه، أصلح اللّه‏]  فيما بينه وبين النّاس.

و في نوادر من لا يحضره الفقيه : وروي عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: الدّنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلب الدّنيا طلبه الموت حتّى يخرجه منها. ومن طلب الآخرة، طلبته الدّنيا حتّى توفيه رزقه.و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بإسناده رفعه. قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لبعض اليهود وقد سأله مسائل:

و إنّما سمّيت الدّنيا دنيا، لأنّها أدنى من كلّ شي‏ء. وسمّيت الآخرة آخرة، لأنّ فيها الجزاء والثّواب.

و بإسناده إلى عبد اللّه بن يزيد بن سلام

 أنّه سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: له أخبرني عن الدّنيا لم سمّيت الدّنيا؟

قال: لأنّ الدّنيا دنيّة خلقت من دون الآخرة. ولو خلقت مع الآخرة لم يفن أهلها كما لا يفنى أهل الآخرة.

قال: فأخبرني لم سمّيت الآخرة آخرة؟

قال: لأنّها متأخّرة تجي‏ء من بعد الدّنيا، لا توصف سنينها ولا تحصى أيّامها ولا يموت سكّانها.

قال: صدقت يا محمّد.

و الحديثان طويلان، أخذت منهما موضع الحاجة.

 [وَ كانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً : عارفا بالأعراض فيجازى كلا بحسب قصده.] .

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ: مواظبين على العدل، مجتهدين في إقامته.

شُهَداءَ لِلَّهِ: بالحقّ، تقيمون شهاداتكم لوجه اللّه. وهو خبر ثان. أو حال.

وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ: ولو كانت الشّهادة على أنفسكم. بأن تقرّوا عليها. لأنّ الشّهادة بيان للحقّ، سواء كان عليه أو على غيره.

أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، أي: ولو على والديكم وأقربيكم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ للمؤمن على المؤمن سبع حقوق. فأوجبها أن يقول الرّجل حقّا وإن كان على نفسه أو على والديه. فلا يميل لهم عن الحقّ.و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى اللّه- تعالى- يوم القيامة حتّى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرته في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه. ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة . ورجل قال الحقّ فيما له وعليه.

عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ للّه- تعالى- جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة: رجل حكم في نفسه بالحقّ.

 (الحديث).

إِنْ يَكُنْ، أي: المشهود عليه. أو كلّ واحد من المشهود عليه. ومن المشهود له.

غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً: فلا تمتنعوا عن إقامة الشّهادة. أو لا تجوروا فيها ميلا، أو ترحمّا.

فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما: بالغنيّ والفقير، وبالنّظر لهما. فلو لم تكن الشّهادة عليهما أو لهما صلاحا، لما شرّعها. وهو علّة الجواب أقيمت مقامه. والضّمير في «بهما» راجع إلى ما دلّ عليه المذكور، وهو جنسا الغنيّ والفقير لا إليه، وإلّا لوحّد للتّرديد فيه بأو «و يشهد عليه أن قرئ: فاللّه أولى بهم ».

فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا: لأن تعدلوا عن الحقّ. من العدول. أو كراهة أن تعدلوا. من العدل.

وَ إِنْ تَلْوُوا: ألسنتكم عن شهادة الحقّ.

و قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ بإسكان اللّام، وبعدها واوان الأولى مضمومة والثّانية ساكنة .

و قرئ: وإن تلوا، بمعنى: إن وليتم إقامة الشّهادة .

أَوْ تُعْرِضُوا: عن أدائها.

و في مجمع البيان : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: إن تلووا، أي: تبدّلوا الشّهادة. أو تعرضوا، أي: تكتموها.و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فقال: إن تلووا الأمر، أو تعرضوا عمّا أمرتم به فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً

 

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً : فيجازيكم عليه.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد. عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية أنّه قال: وإن تلووا الأمر، أو تعرضوا عمّا أمرتم به في ولاية عليّ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: بألسنتهم وظاهرهم.

آمَنُوا: بقلوبكم وباطنكم.

و قيل : خطاب لمؤمني أهل الكتاب، إذ روي أنّ ابن سلام وأصحابه قالوا:

يا رسول اللّه، إنّا نؤمن بك وبموسى والتّوراة وعزير ونكفر بما سواه. فنزلت. فعلى هذا معنى آمنوا: آمنوا إيمانا عامّا، يعمّ الكتب والرّسل.

و قيل : خطاب للمسلمين، أي: اثبتوا على الإيمان بذلك، ودوموا على الإيمان.

بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ: والكتاب الأوّل، القرآن. والثّاني، الجنس.

و قرأ نافع والكسائيّ: «الّذي نزّل، والّذي أنزل» بفتح النّون والهمزة والزّاي.

و الباقون، بضمّ النّون والهمزة وكسر الزّاي .

وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أي: من يكفر بشي‏ء من ذلك.

فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً : عن المقصد، بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه.إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا: كاليهود، آمنوا بموسى.

ثُمَّ كَفَرُوا: حين عبدوا العجل.

ثُمَّ آمَنُوا: حين رجع إليهم.

ثُمَّ كَفَرُوا: بعيسى.

ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً: بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت في الّذين آمنوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إقرارا لا تصديقا، ثمّ كفروا لمّا كتبوا الكتاب فيما بينهم، أن لا يردّوا الأمر في أهل بيته أبدا. فلمّا نزلت الولاية  وأخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الميثاق عليهم لأمير المؤمنين- عليه السّلام- آمنوا إقرارا لا تصديقا، فلمّا مضى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كفروا وازدادوا كفرا.

و في أصول الكافي»: الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة وعليّ بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: نزلت في فلان وفلان وفلان، آمنوا بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في أوّل الأمر، وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية حين قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من كنت مولاه. ثمّ آمنوا بالولاية لأمير المؤمنين- عليه السّلام- ثمّ كفروا حيث مضى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فلم يقرّوا بالبيعة، ثمّ ازدادوا كفرا بأخذهم من تابعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شي‏ء.

و في تفسير العيّاشي : عن جابر قال: قلت لمحمّد بن عليّ- عليهما السّلام-: قول اللّه في كتابه: الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.

قال: هما والثّالث والرّابع وعبد الرّحمن وطلحة، وكانوا سبعة عشر رجلا. قال:

لمّا وجّه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وعمّار بن ياسر- رحمه اللّه- إلى أهل مكّة قالوا: بعث هذا الصّبيّ، ولو بعث غيره- يا حذيفة- إلى أهل مكّة وفي مكّة صناديدها. وكانوا [في مكّة]  يسمّون عليّا: الصّبيّ. لأنّه كان اسمه‏

في كتاب اللّه الصّبيّ، لقول اللّه- عزّ وجلّ-: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وهو صبي وقال إنني من المسلمين واللّه الكفر بنا أولى ممّا نحن فيه. فساروا فقالوا لهما وخوّفوهما بأهل مكّة، فعرضوا لهما وخوّفوهما وغلّظوا عليهما الأمر.

فقال عليّ- عليه السّلام-: حسبنا اللّه ونعم الوكيل. ومضى. فلمّا دخلا مكّة أخبر اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- بقولهم لعليّ وبقول عليّ لهم. فأنزل اللّه بأسمائهم في كتابه. وذلك قول اللّه : الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ إلى قوله: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ. وإنّما نزلت «ألم تر» إلى فلان وفلان لقوا عليّا وعمّارا فقالا: إنّ أبا سفيان وعبد اللّه بن عامر وأهل مكّة قد جمعوا لكم فاخشوهم. فقالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ..

و هما اللّذان قال اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا إلى آخر الآية، فهذا أوّل كفرهم. والكفر الثّاني، قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يطلع عليكم من هذا الشّعب رجل فيطلع عليكم بوجهه فمثله عند اللّه كمثل عيسى. لم يبق منهم أحد إلّا تمنّى أن يكون بعض أهله. فإذا بعليّ قد خرج وطلع بوجهه، قال: هو هذا. فخرجوا غضبانا وقالوا: ما بقي إلّا أن يجعله نبيّا. واللّه الرّجوع إلى آلهتنا خير ممّا نسمع منه في ابن عمّه وليصدّنا على أنّه دام هذا. فأنزل اللّه : وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ إلى آخر الآية. فهذا الكفر الثّاني.

و زادوا الكفر حين قال اللّه : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، أصبحت وأمسيت خير البريّة.

فقال له ناس: هو خير من نوح وإبراهيم ومن الأنبياء؟ فأنزل اللّه : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ- إلى- سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

قالوا: فهو خير منك يا محمّد؟

قال: قال اللّه : قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً. ولكنّه خيرمنكم، وذرّيّته خير من ذرّيّتكم، ومن اتّبعه خير ممّن اتّبعكم. فقاموا غضبانا وقالوا زيادة: الرّجوع إلى الكفر أهون علينا ممّا يقول في ابن عمّه. وذلك قول اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً..

عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- في هذه الآية [قال: نزلت في عبد اللّه بن أبي سرح الّذي بعثه عثمان إلى مصر. قال: وازْدادُوا كُفْراً حتّى لم يبق فيه من الإيمان شي‏ء.

عن أبي بصير  قال: سمعته يقول فيه هذه الآية:]  من زعم أنّ الخمر حرام ثمّ شربها، ومن زعم أنّ الزّنا حرام ثمّ زنى، ومن زعم أنّ الزّكاة حقّ ولم يؤدّها.

لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا : إذ يستبعد منهم أن يتولّوا عن الكفر ويثبتوا على الإيمان. فإنّ قلوبهم ضربت بالكفر وبصائرهم عميت. لا أنّهم لو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم ولم يغفر لهم. وخبر «كان» في أمثال ذلك محذوف. وتعلّق به اللّام، مثل: لم يكن اللّه مريدا ليغفر لهم.

بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً : وضع «بشّر» موضع «أنذر» تهكّم بهم.

الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ: في محلّ النّصب، أو الرّفع على الذّمّ، يعني: أريد الّذين، أو هم الّذين.

أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ: أ يتعزّزون بموالاتهم.

فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً : لا يتعزّز إلّا من أعزّه، وقد كتب العزّة لأوليائه وقال: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ لا يؤبه بعزّ غيرهم بالإضافة إليهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت في بني أميّة، حيث حالفوهم على أن لا يردّوا الأمر في بني هاشم.

وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ، يعني: القرآن.

و قرأ غير عاصم: «نزل» والقائم مقام فاعله .أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ: وهي المخفّفة، والمعنى: أنّه إذا سمعتم.

يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها: حالان من «الآيات» جي‏ء بهما لتقييد النّهي من المجالسة في قوله:

فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ: الّذي هو جزاء الشّرط، بما إذا كان من يجالسه هازئا معاندا غير مرجوّ، ويؤيّده الغاية. وهذا تذكار ما نزل عليهم بمكّة من قوله : وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا. (الآية) والضّمير في «معهم» للكفرة المدلول عليهم بقوله: يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : آياتِ اللَّهِ هم الأئمّة- عليهم السّلام-.

و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن الفضل، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في تفسيرها: إذا سمعت الرّجل يجحد الحقّ ويكذب به ويقع في أهله، فقم من عنده ولا تقاعده.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القسم بن يزيد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في حديث طويل: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها. وفرض على السّمع ان يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم اللّه وأن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى اللّه- عزّ وجلّ- عنه والإصغاء إلى ما أسخط اللّه- عزّ وجلّ- فقال في ذلك: وَقَدْ نَزَّلَ إلى قوله: حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ. ثمّ استثنى اللّه- عزّ وجلّ- موضع النّسيان فقال: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ..

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ، عن شعيب العقرقوفيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها إلى آخر الآية.

فقال: إنّما عنى بهذا الرّجل يجحد الحقّ ويكذب به ويقع في الأئمّة، فقم من‏عنده ولا تقاعده كائنا من كان.

إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ: في الكفر إن رضيتم به، وإلّا ففي الإثم لقدرتكم على الإنكار والإعراض.

و في من لا يحضره الفقيه : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة: ففرض على السّمع أن لا تصغي به إلى المعاصي، فقال- عزّ وجلّ-: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً : فإذا كان القاعد معهم مثلهم واللّه جامعهم في جهنّم، فيجمع القاعد معهم فيها.

و قيل : إنّ هذا يؤيّد أن يكون المراد بالقاعدين قوما من المنافقين. فعلى هذا يكون معناه: إنّ اللّه يجمع المنافقين، أي: القاعدين. والكافرين، أي: المقعود معهم في جهنّم جميعا. وعلى هذا يلزم أن يكون قوله: «إذا» استدراكا، لأنّ المنافقين مثل الكافرين قعدوا معهم أم لم يقعدوا. «إذا» ملغاة لوقوعها بين الاسم والخبر. ولذلك لم يذكر بعدها الفعل. وإفراد «مثلهم» لأنّه كالمصدر. أو بالاستغناء بالإضافة إلى الجمع.

و قرئ، بالفتح، على البناء لإضافته إلى مبنيّ. كقوله: مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ .