باب 33- السكينة و روح الإيمان و زيادته و نقصانه

 الآيات البقرة قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي الأنفال وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً التوبة وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ   فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ الكهف إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ الأحزاب وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً الفتح هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ المجادلة لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ. تفسير قوله تعالى قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أقول يدل على أن الإيمان و اليقين قابلان للشدة و الضعف قال الطبرسي ره أي بلى أنا مؤمن و لكن سألت ذاك لأزداد يقينا إلى يقيني و قيل لأعاين ذلك و يسكن قلبي إلى علم العيان بعد علم الاستدلال و قيل ليطمئن قلبي بأنك قد أجبت مسألتي و اتخذتني خليلا كما وعدتني. و قال في قوله تعالى وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً معناه و إذا قرئ عليهم القرآن زادتهم آياته تبصرة و يقينا على يقين و قيل زادتهم تصديقا مع تصديقهم بما أنزل إليهم قبل ذلك عن ابن عباس و المعنى أنهم يصدقون بالأولى و الثانية و الثالثة و كلما يأتي من عند الله فيزداد تصديقهم. و قال القاضي زادتهم إيمانا لزيادة المؤمن به أو لاطمينان النفس و رسوخ اليقين بتظاهر الأدلة أو بالعمل بموجبها و هو قول من قال الإيمان يزيد بالطاعة   و ينقص بالمعصية بناء على أن العمل داخل فيه. قوله تعالى فَمِنْهُمْ قال الطبرسي رحمه الله أي من المنافقين مَنْ يَقُولُ على وجه الإنكار أي يقول بعضهم لبعض أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً و قيل معناه يقول المنافقون للمؤمنين الذين في إيمانهم ضعف أيكم زادته هذه السورة إيمانا أي يقينا و بصيرة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً قال القاضي بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة و انضمام الإيمان بها و بما فيها إلى إيمانهم وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بنزولها لأنه سبب لزيادة كمالهم و ارتفاع درجاتهم فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ أي كفرا بها مضموما إلى كفرهم بغيرها وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ أي استحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه. وَ زِدْناهُمْ هُدىً في المجمع أي بصيرة في الدين و رغبة في الثبات عليه بالألطاف المقوية لدواعيهم إلى الإيمان وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أي شددنا عليها بالألطاف و الخواطر المقوية للإيمان حتى وطنوا أنفسهم على إظهار الحق و الثبات على الدين و الصبر على المشاق و مفارقة الوطن. وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ أي و لما عاين المصدقون بالله و رسوله الجماعة الذين تحزبت على قتال النبي ص مع كثرتهم قالُوا إلخ فيه قولان. أحدهما أن النبي ص كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الأحزاب و يقاتلونهم و وعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله و كان ذلك معجزا له وَ ما زادَهُمْ مشاهدة عدوهم إِلَّا إِيماناً أي تصديقا بالله و رسوله وَ تَسْلِيماً لأمره و الآخر أن الله وعدهم بقوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا إلى قوله إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ما سيكون من الشدة التي تلحقهم من

    عدوهم فلما رأوا الأحزاب قالوا هذه المقالة. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ هي أن يفعل الله بهم اللطف الذي يحصل لهم عنده من البصيرة بالحق ما تسكن إليه نفوسهم و ذلك بكثرة ما ينصب لهم من الأدلة الدالة عليه فهذه النعمة التامة للمؤمنين خاصة و أما غيرهم فتضطرب نفوسهم لأول عارض من شبهة ترد عليهم إذ لا يجدون برد اليقين و روح الطمأنينة في قلوبهم و قيل هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم و يثبتوا في القتال و قيل هي ما أسكن قلوبهم من التعظيم لله و لرسوله لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ أي يقينا إلى يقينهم بما يرون من الفتوح و علو كلمة الإسلام على وفق ما وعدوا و قيل ليزدادوا تصديقا بشرائع الإسلام و هو أنهم كلما أمروا بشي‏ء من الشرائع صدقوا به و ذلك بالسكينة التي أنزلها الله في قلوبهم عن ابن عباس و المعنى ليزدادوا معارف على المعرفة الحاصلة عندهم. أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أي ثبته في قلوبهم بما فعل بهم من الألطاف فصار كالمكتوب و قيل كتب في قلوبهم علامة الإيمان و معنى ذلك أنها سمة لمن شاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ أي قواهم بنور الإيمان و قيل قواهم بنور الحجج و البرهان حتى اهتدوا للحق و عملوا به و قيل قواهم بالقرآن الذي هو حياة للقلوب من الجهل و قيل أيدهم بجبرئيل في كثير من المواطن ينصرهم و يدفع عنهم. أقول سيأتي في الأخبار أن السكينة هي الإيمان و معنى روح الإيمان

1-  ب، ]قرب الإسناد[ ابن سعد عن الأزدي عن أبي عبد الله ع قال إن للقلب أذنين روح الإيمان يساره بالخير و الشيطان يساره بالشر فأيهما ظهر على صاحبه غلبه قال و قال أبو عبد الله ع إذا زنى الرجل أخرج الله منه روح الإيمان   فقلنا الروح التي قال الله تبارك و تعالى وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قال نعم و قال أبو عبد الله ع لا يزني الزاني و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن و إنما أعني ما دام على بطنها فإذا توضأ و تاب كان في حال غير ذلك

 بيان فإذا توضأ أي تطهر و اغتسل

2-  فس، ]تفسير القمي[ وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً رد على من زعم أن الإيمان لا يزيد و لا ينقص

3-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه رفعه عن محمد بن داود الغنوي عن الأصبغ بن نباتة قال جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين إن ناسا زعموا أن العبد لا يزني و هو مؤمن و لا يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر و هو مؤمن و لا يأكل الربا و هو مؤمن و لا يسفك الدم الحرام و هو مؤمن فقد ثقل علي هذا و حرج منه صدري حين أزعم أن هذا العبد يصلي صلاتي و يدعو دعائي و يناكحني و أناكحه و يوارثني و أوارثه و قد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه فقال أمير المؤمنين ص صدقت سمعت رسول الله ص يقول و الدليل عليه كتاب الله خلق الله الناس على ثلاث طبقات و أنزلهم ثلاث منازل و ذلك قول الله عز و جل في الكتاب أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ و أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ و السَّابِقُونَ فأما ما ذكره من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح روح القدس و روح الإيمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين و بها علموا الأشياء و بروح الإيمان عبدوا الله و لم يشركوا به شيئا و بروح القوة جاهدوا عدوهم و عالجوا معاشهم و بروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام و نكحوا الحلال من شباب النساء و بروح البدن دبوا و درجوا   فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم قال قال الله تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ثم قال في جماعتهم وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم ذكر أصحاب الميمنة و هم المؤمنون حقا بأعيانهم جعل الله فيهم أربعة أرواح روح الإيمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى يأتي عليه حالات فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات فقال أما أولهن فهو كما قال الله عز و جل وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً فهذا ينتقص منه جميع الأرواح و ليس بالذي يخرج من دين الله لأن الفاعل به رده إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصلاة وقتا و لا يستطيع التهجد بالليل و لا بالنهار و لا القيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الإيمان و ليس يضره شيئا و منهم من ينتقص منه روح القوة و لا يستطيع جهاد عدوه و لا يستطيع طلب المعيشة و منهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها و لم يقم و تبقى روح البدن فيه فهو يدب و يدرج حتى يأتيه ملك الموت فهذا بحال خير لأن الله عز و جل هو الفاعل به و قد يأتي عليه حالات في قوته و شبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة و يزين له روح الشهوة و تقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فإذا لامسها نقص من الإيمان و تفصى منه فليس يعود فيه حتى يتوب فإذا تاب تاب الله عليه و إن عاد أدخله الله نار جهنم فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود و النصارى يقول الله عز و جل الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ يعرفون محمدا و الولاية في التوراة و الإنجيل   كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ إنك الرسول إليهم فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الإيمان و أسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوة و روح الشهوة و روح البدن ثم أضافهم إلى الأنعام فقال إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ لأن الدابة إنما تحمل بروح القوة و تعتلف بروح الشهوة و تسير بروح البدن فقال السائل أحييت قلبي بإذن الله يا أمير المؤمنين

 ف، ]تحف العقول[ أتى أمير المؤمنين ع رجل فقال له إن أناسا يزعمون و ذكر نحوه

 ير، ]بصائر الدرجات[ عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن داود عن أبي هارون العبدي عن محمد عن ابن نباتة مثله بيان و حرج منه أي ضاق حين أزعم أي أعتقد و أدعي موافقا لدعواهم يصلي صلاتي كأن صلاتي مفعول مطلق للنوع و كذا دعائي و المراد الدعوة إلى الدين أو دعاء الرب و طلب الحاجة منه في الصلاة و غيرها و الأول أنسب و يناكحني أي يعطيني زوجة كبنته و أخته و قيل المفاعلة في تلك الأفعال بمعنى الإفعال و يوارثني كأن في الإسناد مجازا أي جعل الله له في ميراثي و لي في ميراثه نصيبا و عد الذنب يسيرا بالنسبة إلى الخلل في العقائد أو اليسير في مقابل الكثير و في البصائر يصلي إلى قبلتي و يدعو دعوتي إلى قوله أخرجه من الإيمان و فيه فقال صدقك أخوك إني سمعت رسول الله ص يقول خلق الله الخلق ثم ذكر الآية بتمامها إلى قوله أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ و على ما   في الكافي يمكن أن يقرأ صدقت على بناء المعلوم المخاطب أي القول الذي ذكرت عنهم صدق و حق أو صدقت في أنهم لا يخرجون من الإيمان رأسا بحيث تنتفي المناكحة و الموارثة و أمثالهما أو في أنهم لا يخرجون بمحض ارتكاب الذنب بل بالإصرار عليه أو المعلوم الغائب و الضمير للناس بتأويل أو المجهول المخاطب أي صدقوك فيما أخبروك. و الاستدلال بالكتاب إما بالآيات المذكورة أو غيرها من الآيات الدالة على حصر المؤمن في جماعة موصوفين بصفات مخصوصة و على الأول كما هو الظاهر الاستدلال بأن الظاهر من التقسيم و ما يأتي بعده أن يكون التقسيم إلى الأنبياء و الأوصياء و إلى المؤمنين و إلى الكافرين و وصف أصحاب اليمين و جزاءهم بأوصاف لا تليق إلا بمن لم يستحق عقوبة و لم يرتكب كبيرة موجبة للنار فلا بد من دخول المصرين على الكبائر في أصحاب الشمال أو بأنه تعالى ذكر في وصف أصحاب الشمال الذين يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ فالإصرار على الذنب العظيم يخرج من الإيمان. قوله ع جعل الله فيهم خمسة أرواح أقول الروح يطلق على النفس الناطقة و على الروح الحيوانية السارية في البدن و على خلق عظيم إما من جنس الملائكة أو أعظم منهم كما قال تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا و الأرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا مختلفة متباينة بعضها في البدن و بعضها خارجة عنه أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة الإنسانية باعتبار أعمالها و درجاتها و مراتبها أو أطلقت على تلك الأحوال و الدرجات كما أنه يطلق عليها النفس الأمارة و اللوامة و المطمئنة و الملهمة بحسب درجاتها و مراتبها في الطاعة و العقل الهيولائي و بالملكة و بالفعل و المستفاد بحسب مراتبها في العلم و المعرفة و يحتمل أن تكون روح القوة و الشهوة و المدرج كلها الروح الحيوانية و روح الإيمان و روح القدس النفس الناطقة

    بحسب كمالاتها أو تكون الأربعة سوى روح القدس مراتب النفس و روح القدس الخلق الأعظم فإن ظاهر أكثر الأخبار مباينة روح القدس للنفس. و يحتمل أن يكون ارتباط روح القدس متفرعا على حصول تلك الحالة القدسية للنفس فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة و على تلك الحالة و على الجوهر القدسي الذي يحصل له الارتباط بالنفس في تلك الحالة كما أن الحكماء يقولون إن النفس بعد تخليها عن الملكات الردية و تحليها بالصفات العلية و كشف الغواشي الهيولانية و نقض العلائق الجسمانية يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط البدن بالروح فتطالع الأشياء فيها و تفيض المعارف منه عليها آنا فآنا و ساعة فساعة و به يؤولون علم ما يحدث بالليل و النهار و هذا و إن كان مبتنيا على أصول فاسدة لا نقول بها لكن إنما ذكرناه للتشبيه و التنظير و علم جميع ذلك عند العليم الخبير. قوله ع خلق الله الناس على ثلاث طبقات قيل الخلق بمعنى الإيجاد أو التقدير و وجه الحصر أن الناس إما كافر أو مؤمن و المؤمن إما أن تكون له قوة قدسية مقتضية للعصمة أو لم تكن و الأول أصحاب المشأمة و الأخير أصحاب الميمنة و الثاني السابقون و ذلك قول الله إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الواقعة وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ إلى آخر الآيات و قد مر تفسير الآيات في باب درجات الإيمان فإنهم بكسر الهمزة و قد يقرأ بفتحها أي فلأنهم أنبياء كأنه ع غلب الأنبياء على الأوصياء لأن الأوصياء في الأمم السابقة كان أكثرهم أو كلهم أنبياء فهذا يشمل الأئمة ع.

 و في حديث جابر عن الصادق ع فالسابقون هم رسل الله و خاصة الله من خلقه

و في رواية أخرى الأنبياء و الأوصياء و يمكن عطف غير مرسلين   على الأنبياء لكنه أبعد و كأن فيه نوع تقية و في البصائر مرسلين و غير مرسلين و في القاموس عالجه علاجا و معالجة زاوله و داواه و قال الشباب الفتاء كالشبيبة و جمع شاب كالشبان و قال دب يدب دبا و دبيبا مشى على هينته و قال درج دروجا مشى و في الصحاح دب الشيخ مشى مشيا رويدا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم و هاتان الفقرتان ليستا في البصائر في شي‏ء من الروايتين في الموضعين و على ما في الكافي كأن الذنب مؤول بترك الأولى كما مر مرارا أو كنايتان عن عدم صدورها عنهم. تلك الرسل قال البيضاوي إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة أو المعلومة للرسول أو جماعة الرسل و اللام للاستغراق فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ و هو موسى و قيل موسى و محمد ع كلم موسى ليلة الحيرة و في الطور و محمدا ليلة المعراج حين فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى و بينهما بون بعيد وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ بأن فضله على غيره من وجوه متعددة و بمراتب متباعدة و هو محمد ص فإنه خص بالدعوة العامة و الحجج المتكاثرة و المعجزات المستمرة و الآيات المتراقية المتعاقبة بتعاقب الدهر و الفضائل العلمية و العملية الفائتة للحصر و الإبهام لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف المستغني عن التعيين و قيل إبراهيم خصصه بالخلة التي هي أعلى المراتب و قيل إدريس لقوله تعالى وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا و قيل أولو العزم من الرسل. وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات كإحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص و الإخبار بالمغيبات أو الإنجيل وَ أَيَّدْناهُ و قويناه بِرُوحِ الْقُدُسِ بالروح المقدسة كقولك حاتم الجود و رجل صدق أراد به جبرئيل أو روح عيسى و وصفها به لطهارته عن مس الشيطان أو لكرامته على الله و لذلك   أضافها إلى نفسه أو لأنه لم تضمها الأصلاب و الأرحام الطوامث أو الإنجيل أو اسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى و خص عيسى ع بالتعيين لإفراط اليهود و النصارى في تحقيره و تعظيمه و جعل معجزاته سبب تفضيله لأنها آيات واضحة و معجزات عظيمة لم يستجمعها غيره. ثم قال في جماعتهم ظاهره أن المراد أنه قال ذلك في عموم الأنبياء و الرسل و هو مخالف لظاهر سياق الآيات و المشهور بين المفسرين و الآيات هكذا كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ و قال البيضاوي أُولئِكَ أي الذين لم يوادوهم و أقول يمكن توجيهه بوجوه. الأول أن يكون أولئك إشارة إلى الرسل في قوله وَ رُسُلِي و هو و إن كان بعيدا لفظا فليس ببعيد معنى و لا ينافي ما مر في بعض الأخبار أنه الروح الذي في المؤمنين جميعا و يفارقهم في وقت المعصية لأنهم أكمل المؤمنين و فيهم هذا الروح أيضا على وجه الكمال و إن كان في سائر المؤمنين صنف منه و هذا غير روح القدس كما مر في الخمسة. الثاني أن يكون إشارة إلى المؤمنين و ذكره ع هذه الآية لبيان أنهم أيضا مؤيدون بهذا الروح لأنهم أكمل المؤمنين كما عرفت. الثالث أن يكون المراد بجماعتهم الجماعة المخصوصين بالرسل من خواص أممهم و أتباعهم و كونه في خواص أتباعهم يستلزم كونه فيهم أيضا و في البصائر في حديث جابر بعد قوله و روح البدن و بين ذلك في كتابه حيث قال تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا الآية و بعدها ثم قال في جميعهم وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ و هذا يأبى عن هذا الحمل بل عن الثاني أيضا إلا بتكلف.

    و هم المؤمنون حقا أي يكون إيمانهم واقعيا و لا يكون باطنهم مخالفا لظاهرهم فيكونون منافقين على بعض الاحتمالات السابقة أو المراد بهم المؤمنون الذين لا يتركون الفرائض و لا يرتكبون الكبائر إلا اللمم فالذين يفعلون ذلك و لا يتوبون داخلون في أصحاب الشمال لكنه يأبى عنه ما سيأتي من التخصيص بأهل الكتاب و سيأتي القول فيه و قوله بأعيانهم ليس في رواية جابر و كأن المعنى بخصوصهم أو بأنفسهم من غير أن يلحق بهم أتباعهم يستكمل هذه الأرواح أي يطلب كمالها و تمامها أو يتصف بها كاملة و في البصائر بهذه الأرواح و في رواية جابر مستكملا بهذه الأرواح و هما أظهر و هما على بناء المفعول في القاموس استكمله و كمله أتمه و جمله. إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ في مجمع البيان أي أدون العمر و أوضعه أي يبقيه حتى يصير إلى حال الهرم و الخرف فيظهر النقصان في جوارحه و حواسه و عقله و روي عن علي ع أن أرذل العمر خمس و سبعون سنة و روي مثل ذلك عن النبي ص و عن قتادة تسعون سنة لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي ليرجع إلى حال الطفولية لنسيان ما كان علمه لأجل الكبر فكأنه لا يعلم شيئا مما كان عليه و قيل ليقل علمه بخلاف ما كان عليه في حال شبابه انتهى و قال البيضاوي و قيل هو خمس و تسعون سنة و أقول في روضة الكافي أنه مائة سنة و قيل الكاف في قوله كما قال الله لبيان أن القريب من أرذل العمر أيضا داخل في المراد و ليس بالذي يخرج من دين الله. قال بعض المحققين إن قيل قد ثبت أن الإنسان إنما يبعث على ما مات عليه فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا قلنا لما كان مانعه عن الالتفات إلى معارفه أمرا عارضا و هو اشتغاله بتدبير البدن فلما زال ذلك بالموت برزت له معارفه التي كانت كامنة في ذاته بخلاف من لم يحصل المعرفة أصلا

    فإنه ليس في ذاته شي‏ء ليبرز له لأن الفاعل به رده أي أن الله الفاعل به المدبر لأمره رده أو الرب الفاعل به القوى الأربع و خالقها فيه رده أو فاعل آخر غير نفسه رده و لا تقصير له فيه و الأول أظهر و في البصائر لأن الله الفاعل ذلك به و هو أصوب و لا يستطيع التهجد بالليل و لا بالنهار كأنه استعمل التهجد هنا في مطلق العبادة أو يقدر فعل آخر كقولهم

علفتها تبنا و ماء باردا

 و قيل المراد بالتهجد هنا التيقظ من نوم الغفلة و أصل التهجد مجانبة الهجود في الليل للصلاة و في القاموس الهجود النوم كالتهجد و بالفتح المصلي بالليل و الجمع بالضم و هجد و تهجد استيقظ كهجد ضد و في البصائر و لا الصيام بالنهار و هو أصوب. و لا القيام في الصف أي لصلاة الجماعة و يحتمل الجهاد و ليس يضره شيئا لأن ترك الأفعال مع القدرة عليها يوجب نقص الإيمان لا مع العذر و لا يوجب نقص ثوابه أيضا لما ورد في الأخبار أنه يكتب له مثل ما كان يعمله في حال شبابه و قوته و صحته و فيهم أي في أصحاب الميمنة أو في أصحاب تلك الحالات من ينتقص منه روح القوة أي هي فقط أو بسبب غير الكبر في السن و منهم يحتمل الوجهين المتقدمين و ثالثا و هو إرجاع الضمير إلى الذين ينتقص منهم روح القوة و على الوجهين الآخرين كان المراد مع نقص الروح السابقة لقوله و يبقى روح البدن. لم يحن إليها أي لا يشتاق إليها و لم يقم أي إليها لطلبها و مراودتها و قيل أي لم تقم آلته لها و لا يخفى بعده و في رواية جابر و قد يأتي على العبد تارات ينقص منه بعض هذه الأربعة و ذلك قول الله تعالى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً فينتقص روح القوة و لا يستطيع مجاهدة العدو و لا معالجة المعيشة و ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أحسن بنات   بني آدم لم يحن إليها و تبقى فيه روح الإيمان و روح البدن فبروح الإيمان يعبد الله و بروح البدن يدب و يدرج حتى يأتيه ملك الموت إلى آخر الخبر و كأنه أظهر. فهذا بحال خير أي لا يضره هذا النقص في الأرواح و قيل المعنى أنه يسقط عنه بعض التكاليف الشرعية كالجماع في كل أربعة أشهر و القسمة بين النساء و لا يخفى ما فيه في قوته كلمة في للسببية أو للظرفية أي وقت قوته نقص النقص يكون لازما و متعديا و هنا يحتملهما فعلى الأول المعنى نقص بعض الإيمان فمن بمعنى البعض أو نقص شي‏ء منه فيكون فاعلا و على الثاني يكون مفعولا و تفصى منه بالفاء أي خرج من الإيمان أو خرج الإيمان منه في القاموس أفصى تخلص من خير أو شر كتفصى و في النهاية يقال تفصيت من الأمر تفصيا إذا خرجت منه و تخلصت و ربما يقرأ بالقاف أي بعد منه و هو تصحيف. و إن عاد أي من غير توبة على وجه الإصرار و قيل هو من العادة أدخله الله نار جهنم أي يستحق ذلك و يدخله إن لم يعف عنه لكن يخرجه بعد ذلك إلا أن يصير مستحلا أو تاركا لولاية أهل البيت ع و يؤيده أن في البصائر هكذا فإذا مسها انتقص من الإيمان و نقصانه من الإيمان ليس بعائد فيه أبدا أو يتوب فإن تاب و عرف الولاية تاب الله عليه و إن عاد و هو تارك الولاية أدخله الله نار جهنم. و أقول كأنه لم يذكر العود مع الولاية و أبهم ذلك إما لعدم اجتراء الشيعة على المعصية أو لأن الإصرار يصير سببا لترك الولاية غالبا أو أحيانا. فهم اليهود و النصارى كأن ذكرهما على المثال و المراد جميع الكفار و المنكرين للعقائد الإيمانية الذين تمت عليهم الحجة و يؤيده ما في رواية جابر حيث قال و أما ما ذكرت من أصحاب المشأمة فمنهم أهل الكتاب الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قال البيضاوي يعني علماءهم يَعْرِفُونَهُ الضمير لرسول الله ص

    و إن لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه و قيل للعلم أو القرآن أو التحويل يعني تحويل القبلة كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ يشهد للأول أي يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم و لا يلتبسون عليهم بغيرهم وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ تخصيص لمن عاند و استثناء لمن آمن الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ كلام مستأنف و الْحَقُّ إما مبتدأ خبره مِنْ رَبِّكَ و اللام للعهد و الإشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه أو للجنس و المعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب و إما خبر مبتدإ محذوف أي هو الحق و مِنْ رَبِّكَ حال أو خبر بعد خبر و قرئ بالنصب على أنه بدل من الأول أو مفعول يعلمون فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين في أنه من ربك أو في كتمانهم الحق عالمين به و ليس المراد به نهي رسول الله ص عن الشك فيه لأنه غير متوقع منه و ليس بقصد و اختيار بل إما تحقيق الأمر و أنه بحيث لا يشك فيه ناظر أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ. قوله و الولاية أي يعرفون محمدا بالنبوة و أوصياءهم بالإمامة و الولاية و إنما اكتفى بذكر محمد ص لأن معرفته على وجه الكمال يستلزم معرفة أوصيائه أو لأنه الأصل و العمدة أنك الرسول إليهم بيان للحق و في البصائر الحق من ربك الرسول من الله إليهم بالحق و الظاهر أن قراءتهم ع كان على النصب ابتلاهم الله بذلك أي بسبب ذلك الجحود و قوله فسلبهم بيان للابتلاء. و أقول يحتمل أن يكون الغرض من ذكر الآية بيان سلب روح الإيمان من هؤلاء بقوله تعالى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فإن الظاهر أن هذا تعريض لهم بأنهم من الشاكين على أحد وجهين أحدهما أنه لما جحدوا ما عرفوا سلب الله منهم التوفيق و اللطف فصاروا شاكين و مع الشك لا يبقى الإيمان فسلب منهم روحه لأنه لا يكون مع عدم الإيمان أو سلب منهم أولا الروح المقوي للإيمان   فصاروا شاكين و ثانيهما أنهم لما أنكروا ظاهرا ما عرفوا يقينا نسبهم إلى الامتراء و ألحقهم بالشاكين لأن اليقين إنما يكون إيمانا إذا لم يقارن الإنكار الظاهري فلذا سلبهم الروح الذي هو لازم الإيمان و يؤيده أن في البصائر ابتلاهم الله بذلك الذم و هذان الوجهان مما خطر بالبال في غاية المتانة. و أسكن أبدانهم تخصيص تلك الأرواح بالأبدان لأن الروحين الآخرين ليسا مما يسكن البدن و إن كانا متعلقين به. و اعلم أن الروح يذكر و يؤنث و إنما بسطنا الكلام في شرح هذا الخبر لأنه لم يتعرض أحد لإيضاح الدقائق المستنبطة منه

4-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن صباح بن سيابة قال كنت عند أبي عبد الله ع فقيل له ترى الزاني حين يزني و هو مؤمن قال لا إذا كان على بطنها سلب الإيمان منه فإذا قام رد عليه قال فإنه إن أراد أن يعود قال ما أكثر من يهم أن يعود ثم لا يعود

5-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن ابن البرقي عن أبيه عن جده أحمد عن ابن فضال عن ابن بكير قال قلت لأبي جعفر ع في قول رسول الله ص إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان قال هو قوله عز و جل وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ذلك الذي يفارقه

 كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال مثله بيان حاصله أن يفارقه كمال الإيمان و نوره و ما به يترتب عليه آثاره إذ الإيمان و التصديق بدون تأثيره في فعل الطاعات و ترك المناهي كبدن بلا روح و قد عرفت أنه قد يطلق على ملك موكل بقلب المؤمن يهديه في مقابلة شيطان يغويه و على نصرة ذلك الملك و لا ريب في أن المؤمن إذا زنى فارقه روح الإيمان   بتلك المعاني فإذا فرغ من العمل فإن تاب يعود إليه الروح كاملا و إلا يعود إليه في الجملة و الضمير المجرور في قوله بِرُوحٍ مِنْهُ راجع إلى الله أو إلى الإيمان و الأول أظهر

6-  ير، ]بصائر الدرجات[ عن عمران بن موسى بن جعفر عن علي بن معبد عن عبيد الله بن عبد الله الواسطي عن درست بن أبي منصور عمن ذكره عن جابر قال سألت أبا جعفر عن الروح قال يا جابر إن الله خلق الخلق على ثلاث طبقات و أنزلهم ثلاث منازل و بين ذلك في كتابه حيث قال فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فأما ما ذكر من السابقين فهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح روح القدس و روح الإيمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن و بين ذلك في كتابه حيث قال تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ثم قال في جميعهم وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين و بروح القدس علموا جميع الأشياء و بروح الإيمان عبدوا الله و لم يشركوا به شيئا و بروح القوة جاهدوا عدوهم و عالجوا معايشهم و بروح الشهوة أصابوا لذة الطعام و نكحوا الحلال من النساء و بروح البدن يدب و يدرج و أما ما ذكرت من أصحاب الميمنة فهم المؤمنون حقا جعل فيهم أربعة أرواح روح الإيمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن و لا يزال العبد مستكملا بهذه الأرواح الأربعة حتى يهم بالخطيئة فإذا هم بالخطيئة تزين له روح الشهوة و شجعه روح القوة و قاده روح البدن حتى يوقعه في   تلك الخطيئة فإذا لامس الخطيئة انتقص من الإيمان و انتقص الإيمان منه فإن تاب تاب الله عليه و قد تأتي على العبد تارات ينقص منه بعض هذه الأربعة و ذلك قول الله تعالى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً فتنتقص روح القوة و لا يستطيع مجاهدة العدو و لا معالجة المعيشة و تنتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أحسن بنات آدم لم يحن إليها و تبقى فيه روح الإيمان و روح البدن فبروح الإيمان يعبد الله و بروح البدن يدب و يدرج حتى يأتيه ملك الموت و أما ما ذكرت من أصحاب المشأمة فمنهم أهل الكتاب قال الله تبارك و تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ عرفوا رسول الله و الوصي من بعده و كتموا ما عرفوا من الحق بغيا و حسدا فسلبهم روح الإيمان و جعل لهم ثلاثة أرواح روح القوة و روح الشهوة و روح البدن ثم أضافهم إلى الأنعام فقال إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا لأن الدابة إنما تحمل بروح القوة و تعتلف بروح الشهوة و تسير بروح البدن

7-  سر، ]السرائر[ من كتاب موسى بن بكر عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله ع أ رأيت قول النبي ص لا يزني الزاني و هو مؤمن قال ينزع منه روح الإيمان قال ينزع منه روح الإيمان قال قلت فحدثني بروح الإيمان قال هو شي‏ء ثم قال هذا أجدر أن تفهمه أ ما رأيت الإنسان يهم بالشي‏ء فيعرض بنفسه الشي‏ء يزجره عن ذلك و ينهاه قلت نعم قال هو ذاك

8-  جا، ]المجالس للمفيد[ عن الجعابي عن ابن عقدة عن أحمد بن يحيى و محمد بن عبد الله في آخرين عن عبد الله بن سالم عن هشام بن مهران عن خاله محمد بن زيد   العطار و كان من كبار أصحاب الأعمش عن محمد بن أحمد بن الحسن عن منذر بن جيفر عن محمد بن بريد الباني قال كنت عند جعفر بن محمد ع فدخل عليه عمر بن قيس الماصر و أبو حنيفة و عمر بن زر في جماعة من أصحابهم فسألوه عن الإيمان فقال قال رسول الله ص لا يزني الزاني و هو مؤمن و لا يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر و هو مؤمن فجعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال له عمر بن زر بم نسميهم فقال بما سماهم الله و بأعمالهم قال الله عز و جل وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما و قال الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ فجعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال محمد بن يزيد و أخبرني بشر بن عمر بن زر و كان معهم قال لما خرجنا قال عمر بن زر لأبي حنيفة ألا قلت من عن رسول الله قال ما أقول لرجل يقول قال رسول الله ص

 بيان بم نسميهم بناء سؤاله على أنه لا واسطة بين الإيمان و الكفر فإذا لم يكونوا مؤمنين فهم كفار و بناء الجواب على الواسطة كما عرفت من عن رسول الله أي لم لم تسأله من أخبرك بهذا الحديث عن رسول الله فأجاب بأنه إذا ادعى العلم و نسب القول إليه كيف أستطيع أن أسأله من أخبرك

9-  ختص، ]الإختصاص[ عن أبان بن تغلب قال قال أبو عبد الله ع إن روح الإيمان واحدة خرجت من عند واحد و يتفرق في أبدان شتى فعليه ائتلفت و به تحابت و سيخرج من شتى و يعود واحدا و يرجع إلى عند واحد

 بيان فيه إيماء إلى أن روح الإيمان هي قوة الإيمان و الملكة الداعية إلى الخير فهي معنى واحد و حقيقة واحدة اتصفت بأفرادها النفوس و بعد ذهاب النفوس ترد إلى الله و إلى علمه فيجازيهم بحسبها و يحتمل أن تكون خلقا واحدا   تعين جميع النفوس على الطاعة بحسب إيمانهم و قابليتهم و استعدادهم كما تقول الحكماء في العقل الفعال و أومأنا إليه

10-  كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد و محمد بن يحيى جميعا عن علي بن محمد بن سعد عن محمد بن مسلم عن أبي سلمة عن محمد بن سعيد عن ابن أبي نجران عن ابن سنان عن أبي خديجة قال دخلت على أبي الحسن ع فقال لي إن الله تبارك و تعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه و يتقي و تغيب عنه في كل وقت يذنب فيه و يعتدي فهي معه تهتز سرورا عند إحسانه و تسيخ في الثرى عند إساءته فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقينا و تربحوا نفيسا ثمينا رحم الله امرأ هم بخير فعمله أو هم بشر فارتدع عنه ثم قال نحن نؤيد الروح بالطاعة لله و العمل له

 بيان قد مر تفسير الروح و الأظهر أن المراد هنا أيضا الملك و المراد بالإحسان الإتيان بالطاعات و بالاتقاء الاجتناب عن المنهيات و الاعتداء التجاوز عن حدود الشريعة أو الظلم على غيره بل على نفسه أيضا تهتز أي تتحرك سرورا و في القاموس هزه و به حركه و الحادي الإبل هزيزا نشطها بحدائه و الهزة بالكسر النشاط و الارتياح و تهزهز إليه قلبي ارتاح للسرور و اهتز عرش الرحمن لموت سعد أي ارتاح بروحه و استبشر لكرامته على ربه. و قال ساخت قوائمه أي خاضت و الشي‏ء رسب و الأرض بهم انخسفت و الثرى قيل هو التراب الندي و هو الذي تحت الظاهر من وجه الأرض فإن لم يكن نديا فهو تراب و لا يقال ثرى و أقول يظهر من الأخبار أنه منتهى المخلوقات السفلية و عند ذلك ضل علم العلماء و قال الفيروزآبادي الثرى الندي و التراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا و الأرض و قال تعهده و تعاهده تفقده و أحدث العهد به و في المصباح عهدت الشي‏ء ترددت إليه و أصلحته و حقيقته   تجديد العهد به و تعهدته حفظته و قال ابن فارس و لا يقال تعاهدته لأن التفاعل لا يكون إلا من اثنين و قال الفارابي تعهدته أصلح من تعاهدته انتهى. و الظاهر أن المراد هنا حفظ نعم الله و استبقاؤها و استعمال ما يوجب دوامها و بقاءها و المراد بالنعم هنا النعم الروحانية من الإيمان و اليقين و التأييد بالروح و التوفيقات الربانية و تعاهدها إنما يكون بترك الذنوب و المعاصي و الأخلاق الدنية التي توجب نقصها أو زوالها كما قال ع بإصلاحكم أنفسكم و يقينا تميز و زيادة اليقين لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و أيضا إصلاح النفس يوجب الترقي في الإيمان و اليقين و ما يوجب الفلاح في الآخرة كما قال سبحانه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها و النفيس الكريم الشريف الذي يتنافس فيه و في المصباح نفس الشي‏ء نفاسا كرم فهو نفيس و نفست به مثل ضننت لنفاسته وزنا و معنى و الثمين العظيم الثمن و المراد بهما هنا الجنة و درجاتها العالية و نعمها الباقية هم بخير أي أراده و قصده فارتدع عنه أي انزجر عنه و تركه و نحن نؤيد الروح أي نقويه و في بعض النسخ نزيد فيرجع إلى التأييد أيضا فإنه يتقوى بالطاعة كأنه يزيد

11-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن داود قال سألت أبا عبد الله ع عن قول رسول الله ص إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان قال فقال هو مثل قول الله عز و جل وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ثم قال غير هذا أبين منه و ذلك قول الله عز و جل وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ هو الذي فارقه

    بيان لم يكن في بعض النسخ من قول الله إلى قول الله فهو على قياس سائر الأخبار و على تقديره فصدر الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ أي من حلاله أو من جياده وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي و من طيبات ما أخرجنا من الحبوب و الثمر و المعادن فحذف المضاف لتقدم ذكره وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ أي و لا تقصدوا الردي مِنْهُ أي من المال أو مما أخرجنا و تخصيصه بذلك لأن التفاوت فيه أكثر تُنْفِقُونَ حال مقدرة من فاعل تَيَمَّمُوا و يجوز أن يتعلق به مِنْهُ و يكون الضمير للخبيث و الجملة حالا منه و روي عن ابن عباس أنهم كانوا يتصدقون بحشف التمر و شراره فنهوا عنه و كان وجه التشبيه أن الأعمال الصالحة إنفاق من النفس و إذا فارقها روح الإيمان بسبب الأعمال السيئة تصير خبيثا فلا يصلح الإنفاق منها إلا بعد تطهيرها بالتوبة و الأعمال الصالحة أو يقال الإنفاق من الإيمان و الإيمان المشوب بالكبائر خبيث كالمال الردي الذي كانوا يخرجونها في الزكوات و لا يقبل الله إلا الطيب كما قال تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ و قيل وجه المماثلة أن إيمان الزاني ناقص لا أنه معدوم بكله كما أن الإنفاق من مال الخبيث ناقص لا أنه ليس بإنفاق أصلا

12-  نهج، ]نهج البلاغة[ في حديثه ع إن الإيمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة

 بيان قال السيد ره بعد هذا الكلام اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض و منه قيل فرس المظ إذا كان بجحفلته شي‏ء من البياض انتهى. و قال ابن أبي الحديد قال أبو عبيد هي لمظة بضم اللام و المحدثون يقولون لمظة بالفتح و المعروف من كلام العرب الضم و قال و في الحديث حجة على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد و ينقص و الجحفلة للبهائم بمنزلة الشفة للإنسان

    -13  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن حماد عن نعمان الرازي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول من زنى خرج من الإيمان و من شرب الخمر خرج من الإيمان و من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا خرج من الإيمان

14-  كا، ]الكافي[ بالإسناد عن يونس عن محمد بن عبدة قال قلت لأبي عبد الله ع أ يزني الزاني و هو مؤمن قال لا إذا كان على بطنها سلب الإيمان فإذا قام رد إليه فإن عاد سلب قلت فإنه يريد أن يعود فقال ما أكثر من يريد أن يعود فلا يعود إليه أبدا

 بيان سلب الإيمان الإيمان إما مرفوع بنيابة الفاعل أو منصوب بكونه ثاني مفعول سلب و المفعول الأول النائب للفاعل الضمير الراجع إلى الزاني فقال ما أكثر من يريد الحاصل أنه ليس لإرادة العود حكم العود كما أن إرادة أصل المعصية ليست كنفس المعصية فإنها صغيرة مكفرة و لو لم تكن مكفرة بعد الفعل باعتبار ترك التوبة و الإصرار على الذنب فلا ريب أن أصل الفعل أشد

15-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن حماد عن ربعي عن الفضيل عن أبي عبد الله ع قال يسلب منه روح الإيمان ما دام على بطنها فإذا نزل عاد الإيمان قال قلت أ رأيت إن هم قال لا أ رأيت إن هم أن يسرق أ تقطع يده

 بيان عاد الإيمان أي إليه فالمراد به الإيمان الكامل أو الإيمان الذي معه الروح فاللام للعهد و فيه إشارة إلى أن الإيمان الذي فارقه الروح ليس بإيمان كما أن الجسد الذي فارقه الروح ليس بإنسان مع أنه يحتمل أن تكون إضافة الروح إلى الإيمان بيانية و يحتمل أن يكون المراد عاد الإيمان إلى كماله أو إلى حالة التي كان عليها قبل الزنا أي كما أنه قبل الزنا كان إيمانه قابلا للشدة و الضعف   فكذا بعد الزناء قابل لهما بالتوبة و عدمها فلا ينافي ما روي من عدم العود إليه إلا بعد التوبة. و قيل لعل المراد أنه يسلب منه شعبة من شعب الإيمان و هي إيمان أيضا فإن المؤمن يعلم أن الزناء مهلك و يزهر نور هذا العلم في قلبه و يبعثه على كف الألة عن الفعل المخصوص و كل واحد منهما أعني العلم و الكف إيمان و شعبة من الإيمان أيضا فإذا غلبت الشهوة على العقل و أحاطت ظلمتها بالقلب زال عنه نور ذلك العلم و اشتغلت الآلة بذلك الفعل فانتقصت عن الإيمان شعبتان فإذا انقضت الشهوة و عاد العقل إلى ممالكه و علم وقوع الفساد فيها و شرع في إصلاحها بالندامة عن الغفلة صار ذلك الفعل كالعدم و زالت تلك الظلمة عن القلب و يعود نور ذلك العلم فيعود إيمانه و يصير كاملا بعد ما صار ناقصا انتهى. قوله أ رأيت إن هم أي قصد الزنا هل يفارقه روح الإيمان أو إن كان بعد الزنا قاصدا للعود هل يمنع ذلك عود الإيمان قال لا و الأول أظهر أ رأيت إن هم أقول المعنى أنه كما أن قصد السرقة ليس كنفسها في المفاسد و العقوبات فكذا قصد الزنا ليس كنفسها في المفاسد أو يقال لما كان ذكر الزنا على سبيل المثال و الحكم شاملا للسرقة و غيرها فالغرض التنبيه بالأحكام الظاهرة على الأحكام الباطنة. فإن قيل على الوجهين هذا قياس فقهي و هو ليس بحجة عند الإمامية قلت ليس الغرض الاستدلال بالقياس فإنه ع لا يحتاج إلى ذلك و قوله في نفسه حجة بل هو تنبيه بذكر نظير للتوضيح و رفع استبعاد السائل أو إلزام على المخالفين على أن القياس الفقهي إنما لا يكون حجة لاستنباط العلة و عدم العلم بها أما مع العلم بها فيرجع إلى القياس المنطقي لكن يرد عليه أنه لما كان العلم بالعلة من جهة قوله ع فقوله يكفي لثبوت أصل الحكم فيرجع إلى الوجه الأول

16-  كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن للقلب أذنين فإذا هم العبد بذنب قال له روح الإيمان   لا تفعل و قال له الشيطان افعل و إذا كان على بطنها نزع منه روح الإيمان

 بيان على بطنها أي المرأة المزني بها كما في سائر الأخبار

17-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله ع قال ما من مؤمن إلا و لقلبه أذنان في جوفه أذن ينفث فيها الوسواس الخناس و أذن ينفث فيها الملك فيؤيد الله المؤمن بالملك و ذلك قوله وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ

18-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال سألته عن قول الله عز و جل أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قال هو الإيمان قال و سألته عن قول الله عز و جل وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قال هو الإيمان

 بيان كأن المراد بالسكينة الثبات و طمأنينة النفس و شدة اليقين بحيث لا يتزلزل عند الفتن و عروض الشبهات بل هذا إيمان موهبي يتفرع على الأعمال الصالحة و المجاهدات الدينية سوى الإيمان الحاصل بالدليل و البرهان و لذا قال لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ و الحاصل أن تفسيره ع السكينة بالإيمان إما لكون هذا اليقين كمال الإيمان أو إيمانا موهبيا ينضم إلى الإيمان الاستدلالي و هذا مما يدل على أن اليقين يقبل الشدة و الضعف كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله و كأن المراد بالروح أيضا الإيمان الموهبي لأنه قال ذلك بعد قوله كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أو المراد به قوة الإيمان و كماله و يحتمل أن يكون المراد به   أنه سبب الإيمان و قوته و كماله لما مر في الأخبار

19-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد البرقي عن ابن محبوب عن العلاء عن محمد عن أبي جعفر ع قال السكينة هي الإيمان

20-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن البختري و هشام بن سالم و غيرهما عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قال هو الإيمان

21-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن جميل قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قال هو الإيمان قال قلت وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قال هو الإيمان و عن قوله تعالى وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قال هو الإيمان

 بيان فسر أكثر المفسرين كَلِمَةَ التَّقْوى بكلمة التوحيد فإنه يتقى بها من عذاب الله و ما فسرها ع به أظهر إذ بجميع العقائد الإيمانية و اجتماعها يتقى من عذاب الله و فسرت في كثير من الأخبار بالولاية لاستلزامها لسائر العقائد و في بعضها بأمير المؤمنين و في بعضها بجميع الأئمة ع أي ولايتهم و الإقرار بإمامتهم كلمة التقوى أو أنهم يعبرون عن الله تعالى و ما يتقى به من عذابه

22-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن صفوان عن أبان عن الفضيل قال قلت لأبي عبد الله ع أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع قال لا

 بيان يدل على أن الإيمان من الله و ليس للعباد فيها صنع و عمل و اختيار و إنما كلف العباد بعدم الجحد ظاهرا أو بإخراج التعصب و الأغراض الباطلة عن النفس أو مع السعي في الجملة أيضا و يمكن تخصيصه بمعرفة الصانع تعالى   كما مر أو بكمال المعرفة و قد مر تمام القول فيه في كتاب العدل و في بعض النسخ صبغ بالباء الموحدة و الغين المعجمة أي هل لهذه الكتابة صبغ و لون و كأنه تصحيف.

تذييل

 اعلم أن المتكلمين من الخاصة و العامة اختلفوا في أن الإيمان هل يقبل الزيادة و النقصان أم لا و منهم من جعل هذا الخلاف فرع الخلاف في أن الأعمال داخلة فيه أم لا قال إمامهم الرازي في المحصل الإيمان عندنا لا يزيد و لا ينقص لأنه لما كان اسما لتصديق الرسول في كل ما علم بالضرورة مجيئه به و هذا لا يقبل التفاوت فسمي الإيمان لا يقبل الزيادة و النقصان و عند المعتزلة لما كان اسما لأداء العبادات كان قابلا لهما و عند السلف لما كان اسما للإقرار و الاعتقاد و العمل فكذلك و البحث لغوي و لكل واحد من الفرق نصوص و التوفيق أن يقال الأعمال من ثمرات التصديق فما دل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة و النقصان كان مصروفا إلى أصل الإيمان و ما دل على كونه قابلا لهما فهو مصروف إلى الإيمان الكامل انتهى. و قال الشهيد الثاني قدس سره في رسالة العقائد حقيقة الإيمان بعد الاتصاف بها بحيث يكون المتصف بها مؤمنا عند الله تعالى هل تقبل الزيادة أم لا فقيل بالثاني لما تقدم من أنه التصديق القلبي الذي بلغ الجزم و الثبات فلا تتصور فيه الزيادة عن ذلك سواء أتى بالطاعات و ترك المعاصي أم لا و كذا لا تعرض له النقيصة و إلا لما كان ثابتا و قد فرضناه كذلك هذا خلف و أيضا حقيقة الشي‏ء لو قبلت الزيادة و النقصان لكانت حقائق متعددة و قد فرضناها واحدة و هذا خلف.   إن قلت حقيقة الإيمان من الأمور الاعتبارية للشارع و حينئذ فيجوز أن يعتبر الشارع للإيمان حقائق متعددة متفاوتة زيادة و نقصانا بحسب مراتب المكلفين في قوة الإدراك و ضعفه فإنا نقطع بتفاوت المكلفين في العلم و الإدراك قلت لو جاز ذلك و كان واقعا لوجب على الشارع بيان حقيقة إيمان كل فرقة يتفاوتون في قوة الإدراك مع أنه لم يبين و ما ورد من جهة الشارع فيما به يتحقق الإيمان من حديث جبرئيل للنبي ص و غيره من الأحاديث قد مر ذكره و ليس فيه شي‏ء يدل على تعدد الحقائق بحسب تفاوت قوى المكلفين و أما ما ورد في الكتاب العزيز و السنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة و النقصان كقوله تعالى وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً و قوله تعالى لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ و قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و كذا ما ورد من أمثال ذلك في القرآن العزيز فمحمول على زيادة الكمال و هو أمر خارج عن أصل الحقيقة الذي هو محل النزاع و الآية الثانية صريحة في ذلك فإن قوله تعالى مَعَ إِيمانِهِمْ يدل على أن أصل الإيمان ثابت أو على من كان في عصر النبي ص حيث كانوا يسمعون فرضا بعد فرض منه ع فيزداد إيمانهم به لأنهم لم يكونوا مصدقين به قبل أن يسمعوه و حاصله أن الحقيقة الشرعية للإيمان لم تكن حصلت بتمامها في ذلك الوقت فكان كلما حصل منها شي‏ء صدقوا به. و اعترض بأن من كان بعد عصر النبي ص يمكن في حقه تجدد الاطلاع على تفاصيل الفرائض المتوقف عليها الإيمان فإنه يجب الاعتقاد إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا و لا ريب أن اعتقاد الأمور المتعددة تفصيلا

    أزيد و أظهر عند النفس من اعتقادها إجمالا فعلم من ذلك قبول حقيقة الإيمان الزيادة. أقول فيه بحث فإن الجازم بحقيقة الجملة جازم بحقيقة كل جزء منها و إن لم يعلمه بعينه أ لا ترى أنا بعد علمنا بصدق النبي ص جازمون بصدق كل ما يخبر به و إن لم نعلم تفصيل ذلك جزءا جزءا حتى لو فصل ذلك علينا واحدا واحدا لما ازداد ذلك الجزم نعم الزائد في التفصيل إنما هو إدراك الصور المتعددة من حيث التعدد و التشخص و هو لا يوجب زيادة في التصديق الإجمالي الجازم فإن هذه الصور قد كانت مجزوما بها على تقدير دخولها في الهيئة الإجمالية و إنما الشاذ عن النفس إدراك خصوصياتها و هو أمر خارج عن تحقق الحقيقة المجزوم بها نعم لا ريب في حصول الأكملية به و ليس الكلام فيها. و قد أجاب بعض المفسرين عن الآية الثالثة بأن تكرار الإيمان فيها ليس فيه دلالة على الزيادة بل إما أن يكون باعتبار الأزمنة الثلاثة أو باعتبار الأحوال الثلاث حال المؤمن مع نفسه و حاله مع الناس و حاله مع الله تعالى و لذا بدل الإيمان بالإحسان كما يرشد إليه قوله ص في تفسيره الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ و الوسط و المنتهى أو باعتبار ما ينبغي فإنه ينبغي ترك المحرمات حذرا عن العقاب و ترك الشبهات تباعدا عن الوقوع في المحرمات و هو مرتبة الورع و ترك بعض المباحات المؤذنة بالنقص حفظا للنفس عنه الخسة و تهذيبا لها عن دنس الطبيعة أو يكون هذا التكرار كناية عن أنه ينبغي للمؤمن أن يجدد الإيمان في كل وقت بقلبه و لسانه و أعماله الصالحة و عبر به حرصا منه على بقائه و الثبات عليه عند الذهول ليصير الإيمان ملكة للنفس فلا يزلزله عروض شبهة انتهى. قيل في بيان قبول الإيمان الزيادة إن الثبات و الدوام على الإيمان أمر زائد عليه في كل زمان و حاصل ذلك يرجع إلى أن الإيمان عرض لأنه من الكيفيات النفسانية و العرض لا يبقى زمانين بل بقاؤه إنما يكون بتجدد الأمثال. أقول و هذا مع بنائه على ما لم يثبت حقيته بل نفيه فليس من الزيادة في شي‏ء إذ لا يقال

    للمماثل الحاصل بعد انعدام مثله أنه زائد و هذا ظاهر. و قيل في توجيه قبوله الزيادة أنه بمعنى زيادة ثمرته من الطاعات و إشراق نوره و ضيائه في القلب فإنه يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي. أقول هذا التوجيه وجيه لو كان النزاع في مطلق الزيادة لكنه ليس كذلك بل النزاع إنما هو في أصل حقيقته لا في كمالها. و استدل بعض المحققين على أن حقيقة التصديق الجازم الثابت يقبل الزيادة و النقصان بأنا نقطع أن تصديقنا ليس كتصديق النبي ص أقول لا ريب في أنا قاطعون بأن تصديق النبي ص أقوى من تصديقنا و أكمل لكن هذا لا يدل على اختلاف أصل حقيقة الإيمان التي قدرها الشارع باعتقاد أمور مخصوصة على وجه الجزم و الثبات فإن تلك الحقيقة إنما هي من اعتبارات الشارع و لم يعهد من الشارع اختلاف حقيقة الإيمان باختلاف المكلفين في قوة الإدراك بحيث يحكم بكفر قوى الإدراك لو كان جزمه بالمعارف الإلهية كجزم من هو أضعف إدراكا منه نعم الذي تفاوت فيه المكلفون إنما هو مراتب كماله بعد تحقق أصل حقيقته التي يخاطب بتحصيلها كل مكلف و يعتبر بها مؤمنا عند الله تعالى و يستحق الثواب الدائم و بدونها العقاب الدائم. و أما تلك الكمالات الزائدة فإنما تكون باعتبار قرب المكلف إلى الله تعالى بسبب استشعاره لعظمة الله و كبريائه و شمول قدرته و علمه و ذلك لإشراق نفسه و اطلاعها على ما في مصنوعات الله تعالى من الإحكام و الإتقان و الحكم و المصالح فإن النفس إذا لاحظت هذه البدائع الغريبة العظيمة التي تحار في تعلقها مع علمها بأنها تشرك في الإمكان و الافتقار إلى صانع يبدعها و يبديها متوحد في ذاته بذاته انكشف عليها كبرياء ذلك الصانع و عظمته و جلاله و إحاطته بكل شي‏ء فيكثر خوفها و خشيتها و احترامها لذلك الصانع حتى كأنها لا تشاهد سواه و لا تخشى غيره فتنقطع عن غيره إليه و تسلم أزمة أمورها إليه حيث علمت أن لا رب غيره و أن المبدأ منه و المعاد إليه فلا تزال شاخصة منتظرة لأمره حتى تأتيها فتفر   إليه من ضيق الجهالة إلى سعة معرفته و رحمته و لطفه و في ذلك فليتنافس المتنافسون. و كذا ما ورد من السنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة و النقصان يمكن حمله على ما ذكرناه كحديث الجوارح ذكره في الكافي بإسناده عن أبي عمرو الزبيري

 عن أبي عبد الله ع قال قلت صفه لي يعني الإيمان جعلت فداك حتى أفهمه فقال الإيمان حالات و درجات إلى قوله و بالنقصان دخل المفرطون النار

انتهى. ثم قال رحمه الله اعلم أن سند هذا الحديث ضعيف لأن في طريقه بكر بن صالح الرازي و هو ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب و أبو عمرو الزبيري و هو مجهول فسقط الاستدلال به و لو سلم سنده فلا دلالة فيه على اختلاف نفس حقيقة الإيمان أ لا ترى أنه قال ع و لكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة فأشار بذلك إلى نفس حقيقة الإيمان التي يترتب عليها النجاة و جعل الناقص عنها مما يترتب عليه دخول النار فلم يكن إيمانا و إلا لم يدخل صاحبه النار لقوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ و جعل الزيادة في الإيمان مما يوجب التفاضل في الدرجات و لا ريب أن هذه الزيادة لو تركت و اقتصر المكلف على ما يحصل به التمام لم يعاقب على ترك هذه الزيادة و لأنه ع جعل التمام موجبا للجنة فكيف يوجب العقاب ترك الزيادة مع أن ما دونه و هو التمام يوجب الجنة و على هذا فتكون الزيادة غير مكلف بها فلم تكن داخلة في أصل حقيقة الإيمان لأنه مكلف به بالنص و الإجماع فيكون من الكمال فظهر بذلك كون هذا الحديث دليلا على عدم قبول حقيقة الإيمان للزيادة و النقصان لا دليلا على قبولهما.   و هذا استخراج لم نسبق إليه و بيان لم يعثر غيرنا عليه على أن هذا الحديث لو قطعنا النظر عما ذكرناه و حملناه على ظاهره لكان معارضا بما سبق من حديث جبرئيل للنبي ص حيث سأله عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله و رسله و اليوم الآخر أي تصدق بذلك و لو بقي من حقيقته شي‏ء سوى ما ذكره له لبينه له فدل على أن حقيقته تتم بما أجابه بالقياس إلى كل مكلف أما للنبي ص فلأنه المجاب به حين سأله و أما لغيره فللتأسي به و طريق الجمع بينهما حينئذ حمل ما في حديث الجوارح من الزيادة عن ذلك على مرتبة الكمال كما بيناه سابقا. و هاهنا بحث و هو أن حقيقة الإيمان لما كانت من الأمور الاعتبارية للشارع كان تحديدها إنما هو بجعل الشارع و تقريره لها فلا يعلم حينئذ مقداره و حقيقته إلا منه و حيث رأينا ما وصل إلينا من خطاباته تعالى غير قاطع في الدلالة على تعيين قدر مخصوص من أنواع الاعتقاد أو الأعمال بحيث تشترك الكل في التكليف به من غير تفاوت بين قوى الإدراك و ضعيفه بل رأيناها متفاوتة في الدلالة على ذلك يعلم ذلك من تتبع آيات الكتاب العزيز و السنة المطهرة و قد سبق نبذة من ذلك و لا يجوز الاختلاف في خطاباته و لا أن يكلف عباده بأمر لا يبين لهم مراده تعالى منه لاستحالة تكليف ما لا يطاق و إخلاله باللطف و رأينا الأكثر ورودا في كتابه بذلك الأمر بالاعتقاد القلبي من غير تعيين مقدار مخصوص منه بقاطع يوقفنا على اعتباره أمكن حينئذ أن يكون مراده منه مطلق الاعتقاد العلمي سواء كان علم الطمأنينة أو علم اليقين أو حق اليقين أو عين اليقين فتكون حقيقة واحدة و هو الإذعان القلبي و الاعتقاد العلمي و التفاوت بالزيادة و النقصان إنما هو في أفراد تلك الحقيقة و من مشخصاتها فلا يكون داخلا في الحقيقة المذكورة. و ما ورد مما ظاهره الاختلاف في الدلالة على مراد الشارع منه يمكن تنزيله على تفاوت الأفراد المذكورة كعلم الطمأنينة و علم اليقين و غيرهما فيكون كل واحد منها مرادا و كافيا في امتثال أمر الشارع و هذا هو المناسب لسهولة التكليف و اختلاف طبقات المكلفين في الإدراك كما لا يخفى.

    و بذلك يسهل الخطب في الحكم بإيمان أكثر العوام الذين لا يتيسر لأنفسهم الاتصاف بالعلم الذي لا يقبل تشكيك المشكك فإن علم الطمأنينة متيسر لكل واحد و على هذا فيكون ما تشعر النفس به من الازدياد في التصديق و الاطمئنان عند ما تشاهده من برهان أو عيان إنما هو انتقال في أفراد تلك الحقيقة و تبدل واحد بآخر و الحقيقة واحدة. لا يقال أفراد الحقيقة الواحدة لا تنافي الاجتماع في القوة العاقلة فإن أفراد الحيوان و الإنسان يصلح اجتماعهما في القوة العاقلة و ما نحن فيه ليس كذلك إذ لا يمكن اتصاف النفس بحصول علم الطمأنينة و علم اليقين في حالة واحدة لتضادهما و لهذا يزول الأول بحصول الثاني فلا يكون ما ذكرت أفراد حقيقة واحدة بل حقائق. قلت لا نسلم أن أفراد كل حقيقة يصح اجتماعها في الحصول عند القوة العاقلة بل قد لا يصح ذلك لما بينها من التضاد كما في البياض و السواد فإنهما فردان لحقيقة واحدة هي اللون مع عدم صحة اجتماعهما في محل واحد لا خارجا و لا ذهنا. بقي هاهنا شي‏ء و هو أنه لا ريب في تحقق الإيمان الشرعي بالتصديق الجازم الثابت و إن أخل المتصف به ببعض الطاعات و قارف بعض المنهيات عند من يكتفي في حصول الإيمان بإذعان الجنان و إذا كان الأمر كذلك فلا معنى للنزاع عند هؤلاء في أن حقيقة الإيمان هل تقبل الزيادة و النقصان إذ لو قبلت شيئا منهما لم تكن واحدة بل متعددة لأن القابل غير المقبول و العارض غير المعروض فإن دخل الزائد في مفهوم الحقيقة بحيث صار ذاتيا لها تعددت و تبدلت و كذا الناقص إذا خرج عنها فلا تكون واحدة و قد فرضناها كذلك هذا خلف و إن لم يدخل و لم يخرج شي‏ء منهما كانت واحدة من غير نقصان و زيادة فيها بل هما راجعان إلى الكمال و عدمه و حينئذ فيبقى محل النزاع هل يقبل كمالها الزيادة   و النقصان و أنت خبير بأن هذا مما لا يختلف في صحته اثنان. و قد ذكر بعض العلماء أن هذا النزاع إنما يتمشى على قول من جعل الطاعات من الإيمان و أقول الذي يقتضيه النظر أنه لا يتمشى على قولهم أيضا و ذلك أن ما اعتبروه في الإيمان من الطاعات إما أن يريدوا به توقف حصول الإيمان على جميع ما اعتبروه أو عليه في الجملة و على الأول يلزم كون حقيقته واحدة فإذا ترك فرضا من تلك الطاعات يخرج من الإيمان و على الثاني يلزم كون ما يتحقق به الإيمان من تلك الطاعات داخلا في حقيقته و ما زاد عليه خارجا فتكون واحدة على التقديرين فليس الزيادة و النقصان إلا في الكمال على جميع الأقوال انتهى كلامه رفع الله مقامه. و قال شارح المقاصد ظاهر الكتاب و السنة و هو مذهب الأشاعرة و المعتزلة و المحكي عن الشافعي و كثير من العلماء أن الإيمان يزيد و ينقص و عند أبي حنيفة و أصحابه و كثير من العلماء و هو اختيار إمام الحرمين أنه لا يزيد و لا ينقص لأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم و الإذعان و لا يتصور فيه الزيادة و النقصان و المصدق إذا ضم الطاعات إليه أو ارتكب المعاصي فتصديقه بحاله لم يتغير أصلا و إنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلة و كثرة و لهذا قال الإمام الرازي و غيره إن هذا الخلاف فرع تفسير الإيمان فإن قلنا هو التصديق فلا تتفاوت و إن قلنا هو الأعمال فمتفاوت و قال إمام الحرمين إذا حملنا الإيمان على التصديق فلا يفضل تصديق تصديقا كما لا يفضل علم علما و من حمله على الطاعة سرا و علنا و قد مال إليه القلانسي فلا يبعد إطلاق القول بأنه يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية و نحن لا نؤثر هذا. ثم قال و لقائل أن يقول لا نسلم أن التصديق لا يتفاوت بل يتفاوت قوة و ضعفا كما في التصديق بطلوع الشمس و التصديق بحدوث العالم لأنه إما نفس الاعتقاد القابل للتفاوت أو مبني عليه قلة و كثرة كما في التصديق الإجمالي و التفصيلي الملاحظ لبعض التفاصيل و أكثر فإن ذلك من الإيمان لكونه تصديقا

    بما جاء به النبي ص إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا. لا يقال الواجب تصديق يبلغ حد اليقين و هو لا يتفاوت لأن التفاوت لا يتصور إلا باحتمال النقيض لأنا نقول اليقين من باب العلم و المعرفة و قد سبق أنه غير التصديق و لو سلم أنه التصديق و أن المراد به ما يبلغ حد الإذعان و القبول و يصدق عليه المعنى المسمى بگرويدن ليكون تصديقا قطعا فلا نسلم أنه لا يقبل التفاوت بل لليقين مراتب من أجلى البديهيات إلى أخفى النظريات و كون التفاوت راجعا إلى مجرد الجلاء و الخفاء غير مسلم بل عند الحصول و زوال التردد التفاوت بحاله و كفاك قول الخليل وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.

 و عن علي ع لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا

على أن القول بأن المعتبر في حق الكل هو اليقين و أن ليس للظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال حكم اليقين محل نظر. احتج القائلون بالزيادة و النقصان بالعقل و النقل أما العقل فلأنه لو لم يتفاوت لكان إيمان آحاد الأمة بل المنهمك في الفسق مساويا لتصديق الأنبياء و اللازم باطل قطعا و أما النقل فلكثرة النصوص الواردة في هذا المعنى قال الله وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً و عن ابن عمر قلنا يا رسول الله إن الإيمان يزيد و ينقص قال نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة و ينقص حتى يدخل صاحبه النار   و أجيب بوجوه الأول أن المراد الزيادة بحسب الدوام و الثبات و كثرة الأزمان و الساعات و هذا ما قال إمام الحرمين النبي ص يفضل من عداه باستمرار تصديقه و عصمة الله إياه من مخامرة الشكوك و التصديق عرض لا يبقى فيقع للنبي ص متواليا و لغيره على الفترات فثبت للنبي ص أعداد من الإيمان لا يثبت لغيره إلا بعضها فيكون إيمانه أكثر و الزيادة بهذا المعنى مما لا نزاع فيه و ما يقال من أن حصول المثل بعد انعدام الشي‏ء لا يكون زيادة مدفوع بأن المراد زيادة أعداد حصلت و عدم البقاء لا ينافي ذلك. الثاني أن المراد الزيادة بحسب زيادة المؤمن به و الصحابة كانوا آمنوا في الجملة و كان يأتي فرض بعد فرض و كانوا يؤمنون بكل فرض خاص و حاصله أن الإيمان واجب إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا و الناس متفاوتون في ملاحظة التفاصيل كثرة و قلة فيتفاوت إيمانهم زيادة و نقصانا و لا يختص ذلك بعصر النبي ص على ما يتوهم. الثالث أن المراد زيادة ثمرته و إشراق نوره في القلب فإنه يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي و هذا مما لا خفاء فيه و هذه الوجوه جيدة في التأويل لو ثبت لهم أن التصديق في نفسه لا يقبل التفاوت و الكلام فيه انتهى. و الحق أن الإيمان يقبل الزيادة و النقصان سواء كانت الأعمال أجزاءه أو شرائطه أو آثاره الدالة عليه فإن التصديق القلبي بأي معنى فسر لا ريب أنه يزيد و كلما زاد زادت آثاره على الأعضاء و الجوارح فهي كثرة و قلة تدل على مراتب الإيمان زيادة و نقصانا و كل منهما يتفرع على الآخر فإن كل مرتبة من مراتب الإيمان تصير سببا لقدر من الأعمال يناسبها فإذا أتى بها قوي الإيمان القلبي و حصلت مرتبة أعلى تقتضي عملا أكثر و هكذا. و جملة القول في ذلك أن للإيمان و لكل من الأعمال الإيمانية أفرادا كثيرة و حقيقة و نورا و روحا كالصلاة فإن لها روحا هي الإخلاص مثلا فإذا فارقها كانت جسدا بلا روح لا يترتب عليه أثر و لا ينهى عن الفحشاء و المنكر فللإيمان   أيضا مراتب يترتب على كل مرتبة منها آثار فإذا ارتكب المؤمن الكبائر نقص إيمانه و فارقه روح الإيمان و حقيقته و كيف يؤمن بالله و بالمعاد و بالجنة و النار و يرتكب ما أخبر الله بأنه موجب لدخول النار فلا يكون ذلك إلا لضعف في اليقين كما ورد في أخبار كثيرة أنهم ع سألوا عند ادعاء الإيمان أو اليقين ما حقيقة إيمانك و ما حقيقة يقينك فظهر لهما حقائق مختلفة تظهر بآثارهما. و روح الإيمان الواردة في الأخبار يمكن حملها على ذلك فإن الإيمان إذا ضعف حتى غلب عليه الشهوات البدنية فكأنه لا روح له و لا يترتب عليه أثر بل لا بقاء له فإن غلب عليه الشهوة و عاد إلى التوبة قوي الإيمان و عاد إليه الروح و ترتب عليه الآثار و عاد إليه الملك المؤيد له و لذا أطلق الروح في بعض الأخبار على ذلك الملك أيضا و قد يعود إليه بعد انقضاء الشهوة و قوة العقل و الإيمان و تصرف العقل في ممالكه بعد ما صار مغلوبا مقهورا بالشهوات الدنية فيتذكر قبح فعله فيعود إليه الملك المؤيد أو شي‏ء من نور الإيمان و إن لم تكمل له التوبة و لم يقدر على العزم التام على تركها فيما سيأتي و لذا ورد في بعض الأخبار أنه يعود إليه روح الإيمان بدون التوبة أيضا و قد مر بعض القول في ذلك و سيأتي إن شاء الله تعالى