قال اللّه تبارك وتعالى : وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيلِ ([1]) . فالطرف الأوّل من النهار لصلاة الصبح ، والطرف الثاني منه لصلاة الظهر والعصر ، وزلفاً من الليل لصلاة المغرب والعشاء .
قال تعالى : وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُرُوبِهَا وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرَافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضَى ([2]) .
قال تعالى : أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً ([3]) . ودلوك الشمس زوالها ، وهو وقت صلاة الظهر والعصر ، وغسق الليل ظلمته ، وهي وقت صلاة المغرب والعشاء ، وقرآن الفجر ـ يعني صلاة الصبح ـ يشهدها الناس ، وفي كلام أهل البيت عليهمالسلام : أنّ غسق الليل نصفه([4]) .
ومعلوم أنّ هذا مجمل لم يحدّد الأوقات تحديداً واضحاً، لايقع اللبس فيه والاشتباه، فلابدّ من الرجوع إلى السنّة الكريمة ؛ لأ نّها تفسير وبيان لما أجمل اللّه في كتابه .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « من صلّى في غير الوقت فلا صلاة له »([5]) .
وقال عليهالسلام : « قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صلّى الصلاة لغير وقتها رفعت له سوداء مظلمة ، تقول : ضيّعتني ضيّعك اللّه [كما ضيّعتني]([6]) ، وأوّل ما يسأل العبد إذا وقف بين يدي اللّه تعالى عن الصلاة ، فإن زكت صلاته زكا سائر عمله ، وإن لم تزك صلاته لم يزك عمله »([7]) .
وقال [ عليهالسلام] : « لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على مواقيت الصلوات الخمس ، فإذا ضيّعهنّ اجترأ عليه ، وأدخله في العظائم »([8]) .
وقال [ عليهالسلام] : « امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها »([9]) .
وقال [ عليهالسلام] : « إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال ، فما اُحبّ أن يصعد عمل أوّل من عملي ، ولا يكتب في الصحيفة أحد أوّل منّي »([10]) .
وقال حفيده الإمام الرضا عليهالسلام : « إذا دخل الوقت عليك فصلّها ، فإنّك لا تدري ما يكون »([11]) إلى غير ذلك كثير .
_____________________
[1] هود : 114 .
[2] طه : 130 .
[3] الإسراء : 78 .
[4] الوسائل 4 : 159 ، ب10 من أبواب المواقيت ، ح10 .
[5] الوسائل 4 : 109 ، ب1 من أبواب المواقيت ، ح6 .
[6] من المصدر .
[7] الوسائل 4 : 110 ، ب1 من أبواب المواقيت ، ح11 .
[8] الوسائل 4 : 112 ، ب1 من أبواب المواقيت ، ح14 .
[9] الوسائل 4 : 112 ، ب1 من أبواب المواقيت ، ح16 .
[10] الوسائل 4 : 119 ، ب3 من أبواب المواقيت ، ح2 .
[11] الوسائل 4 : 119 ، ب3 من أبواب المواقيت ، ح3 .
وقت الظهرين :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس »([1]) .
وقال عليهالسلام : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر ، حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس »([2]) .
وقال [ عليهالسلام] : « لكلّ صلاة وقتان ، وأوّل الوقت أفضلهما »([3]) .
وقال [ عليهالسلام] : « إذا كان ظلّك مثلك فصلِّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلِّ العصر »([4])
الفقهاء :
أجمعوا كلمة واحدة على أنّ لكلّ من الظهر والعصر وقتاً مختصّاً بها ، وآخر مشتركاً مع اُختها ، فإذا زالت الشمس عن كبد السماء اختصّت الظهر بمقدار أربع ركعات لا تشاركها فيه العصر ، وإذا قربت الشمس من المغيب اختصّت العصر من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات لا تشاركها فيه الظهر ، وما بين هذين الوقتين المختصّين مشترك بين الظهرين .
وأيضاً أجمعوا على أنّ لكلّ صلاة وقتين أحدهما أفضل من الآخر ، وأنّ الأفضل هو التعجيل ، ولكنّهم اختلفوا في تحديد الوقت لكلّ من الظهر والعصر تبعاً لاختلاف الروايات عن أهل البيت عليهمالسلام . والمشهور في المذهب هو العمل بالرواية المتقدّمة ، ومؤدّاها أنّ وقت الفضيلة أوّلاً فضيلة للظهر أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله ، ووقت الفضل للعصر أن يصير ظلّ كلّ شيء مثليه.
ويجدر التنبيه إلى أنّ الفقهاء ابتدأوا في كتبهم بصلاة الظهر ؛ لأ نّها أوّل صلاة فرضت في الإسلام ، ثمّ فرضت بعدها العصر ، ثمّ المغرب ، ثمّ العشاء ، ثمّ الصبح .
______________________
[378] الوسائل 4 : 126 ، ب4 من أبواب المواقيت ، ح5 .
[379] الوسائل 4 : 127 ، ب4 من أبواب المواقيت ، ح7 .
[380] الوسائل 4 : 122 ، ب3 من أبواب المواقيت ، ح13 .
[381] الوسائل 4 : 144 ، ب8 من أبواب المواقيت ، ح13 .
وقت العشاءين :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق . . . ذلك أنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا ـ ورفع يمنه فوق يساره ثمّ قال : ـ فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا »([1])([2]) .
وقال [ عليهالسلام] : « أوّل وقت المغرب ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل ، أي نصفه »([3]) .
وقال [ عليهالسلام] : « إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذ ما مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب ، وبقي وقت العشاء إلى انتصاف الليل »([4]) .
وقال : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلِّ الصبح ثمّ المغرب والعشاء »([5]) .
الفقهاء :
قالوا : أوّل وقت المغرب غياب الشمس المعلوم بذهاب الحمرة المشرقيّة إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات ، ووقت العشاء من حين الفراغ من المغرب إلى نصف الليل ، وتختصّ المغرب بمقدار ثلاث ركعات من أوّل الوقت ، والعشاء بمقدار أربع من آخر الوقت ، وما بينهما مشترك تماماً كما تقدّم في وقت الظهرين .
ولكلّ من المغرب والعشاء وقتان : أحدهما للفضيلة والآخر للإجزاء ، ويمتدّ وقت الفضيلة للمغرب من أوّل الوقت إلى ذهاب الحمرة المغربيّة ، ووقت فضيلة العشاء من ذهاب هذه الحمرة إلى ثلث الليل .
وإذا نسي صلاة المغرب والعشاء أو نام عنهما حتّى انتصف الليل أتى بهما بنيّة الأداء ؛ لأنّ وقتهما مع الاضطرار يمتدّ إلى طلوع الفجر ، والأفضل أن يؤدّيهما بقصد التقرّب إلى اللّه سبحانه دون نيّة الأداء أو القضاء .
____________
[1] يتحقّق الغروب بمجرّد مغيب الشمس ، ولكن هذا المغيب لا يعرف بمواراة القرص عن العيان ، بل
بارتفاع الحمرة من المشرق ؛ لأنّ المشرق مطلّ على المغرب ، وعليه تكون الحمرة المشرقيّة انعكاساً لنور الشمس ، وكلّما أوغلت الشمس في المغيب تقلّص هذا الانعكاس ، أمّا ما نسب إلى الشيعة من أ نّهم يؤخّرون المغرب حتّى تشتبك النجوم فكذب وافتراء فقد قيل للإمام الصادق عليهالسلام : إنّ أهل العراق يؤخّرون المغرب حتّى تشتبك النجوم قال : « هذا من عمل عدو اللّه أبي الخطاب » [ منه قدسسره ] . الوسائل 4 : 188 ، ب18 من أبواب المواقيت ، ح7 .
[2] الوسائل 4 : 173 ، ب16 من أبواب المواقيت ، ح3 ، وفيه : « رفع يمينه » .
[3] الوسائل 4 : 174 ، ب16 من أبواب المواقيت ، ح6 .
[4] الوسائل 4 : 184 ، ب17 من أبواب المواقيت ، ح4 ، وفيه : « فإذا مضى » .
[5] الوسائل 4 : 288 ، ب62 من أبواب المواقيت ، ح3 .
وقت الصبح :
قال الإمام أبو جعفر عليهالسلام : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس »([1]) .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « لكلّ صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما([2]) ، ووقت الفجر من حين الفجر إلى أن يتخلّل([3]) الصبح السماء »([4]) .
الفقهاء :
قالوا : أوّل صلاة الصبح هو الفجر الصادق ، أمّا الفجر الكاذب المشبّه بذنب السرحان فلا تحلّ فيه الصلاة ، ولا يحرم الأكل على الصائم ، وآخر وقتها طلوع الشمس ، وأوّل الوقت أفضل من غيره .
__________________
[1] الوسائل 4 : 208 ، ب26 من أبواب المواقيت ، ح6 .
[2] في الطبعات السابقة « فضلهما » وما أثبتناه من المصدر .
[3] في المصدر : « يتجلّل » .
[4] الوسائل 4 : 208 ، ب26 من أبواب المواقيت ، ح5 .
أوقات النوافل اليوميّة :
أجمع الفقهاء على أنّ وقت نافلة الظهر يدخل بالزوال ، ووقت نافلة العصر يدخل بالفراغ من صلاة الظهر ، واختلفوا في وقت الانتهاء ، قال صاحب الجواهر :
( والقول بأنّ وقت نافلة الظهر يمتدّ إلى أن يصير الفيء مقدار قدمين ونافلة العصر إلى أن يصير أربعة أقدام هو المشهور فتوىً وروايةً نقلاً وتحصيلاً ، بل أنّ بعض العبارات تشعر بالإجماع للنصوص المستفيضة ، بل لعلّها متواترة : منها : صحيح ابن مسكان عن زرارة عن الإمام الباقر عليهالسلام : « لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفيء ذراعاً ـ أي مقدار قدمين ـ فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة » )([1]) .
ووقت نافلة المغرب من حين الفراغ من الفريضة إلى ذهاب الحمرة المغربيّة.
ووقت نافلة العشاء يمتدّ بامتداد وقت العشاء . ووقت نافلة الصبح من الفجر إلى طلوع الحمرة المشرقيّة . ووقت نافلة الليل من نصفه إلى طلوع الفجر ، وكلّما قربت من الفجر كان أفضل .
قال صاحب الجواهر : ( بلا خلاف معتدٍّ به )([2]) . وفسّر أهل البيت عليهمالسلام([3]) قوله تعالى : وَبِالأَسحَارِ هُمْ يَستَغفِرُونَ ([4]) ، وقوله : وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ ([5]) فسّروه بصلاة الليل .
________________
[1] الجواهر 7 : 170 ـ 171 .
[2] الجواهر 7 : 196 .
[3] مجمع البيان 9 ـ 10 : 234 و 1 ـ 2 : 714 .
[4] الذاريات : 18 .
[5] آل عمران : 17 .
مسائل :
1 ـ قدّمنا أنّ صلاة الظهر تختصّ بمقدار أربع ركعات من أوّل الزوال ، وأنّ العصر تختصّ بمقدار ركعاتها من آخر الوقت ، ومعنى هذا أنّ العصر لا تصحّ في الوقت المختصّ بالظهر ، ولا الظهر تصحّ في الوقت المختصّ بالعصر ، أمّا الصلوات
الاُخرى كالقضاء فلا بأس بوقوعها في الوقت المختصّ بالظهر والعصر ، وكذلك الحكم بالقياس إلى المغرب والعشاء .
2 ـ إذا باشر بصلاة العصر معتقداً أ نّه قد صلّى الظهر ثمّ تبيّن له وهو في أثناء الصلاة أ نّه لم يأت بالظهر ، عدل بنيّته إلى الظهر ، وإن لم يذكر حتّى فرغ صحّت عصراً وأتى بعدها بالظهر ، على شريطة أن لا تكون قد وقعت بتمامها في الوقت المختصّ بالظهر ، وإلاّ فهي لغو.
3 ـ لا يجوز العدول من صلاة سابقة إلى صلاة لاحقة ؛ لأنّ الأصل عدم صحّة العدول ، ويجوز العكس ؛ لقول الإمام عليهالسلام : « إن نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فانوها الاُولى ثمّ صلّ العصر ، فإنّما هي أربع مكان أربع »([1]) .
4 ـ إذا أخّر صلاة الظهرين حتّى بقي من الوقت ما يتّسع لأربع ركعات فقط صلّى العصر أداءً والظهر بعدها قضاءً ، وإذا بقي من الوقت ما يتّسع لخمس ركعات صلّى الظهر أوّلاً ثمّ صلّى العصر ثانية ؛ لقول الإمام عليهالسلام : « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كلّه »([2]) وعليه يأتي بالصلاتين معاً بنيّة الأداء ، ولو صلّى العصر أوّلاً وأتى بعدها بالظهر لكانت الاُولى أداءً والثانية قضاءً ، وليس من شكّ أنّ الأداء أهمّ من القضاء ومقدّم عليه ، والحكم كذلك إلى العشاءين .
5 ـ من فاتته فرائض متعدّدة فعليه قضاؤها على الترتيب الّذي فاتته مقدّماً السابق على اللاحق ؛ لقول الإمام عليهالسلام : « يقضي ما فاته كما فاته »([3]) .
6 ـ إذا صلّى وقد رأى أنّ الوقت قد دخل ثمّ تبيّن له العكس فماذا يصنع ؟
الجواب :
إذا كانت الصلاة قد وقعت بتمامها خارج الوقت فهو لغو ، وعليه الإعادة إجماعاً ونصّاً ، وهو قول الإمام عليهالسلام : في رجل صلّى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر ، قال:
« يعيد صلاته »([4]) . وإذا وقع بعضها خارج الوقت وبعضها داخل الوقت ولو السلام فقط كفى ، ولا إعادة عليه شهرة ونصّاً ، وهو قول الإمام عليهالسلام : « إذا صلّيت وأنتترى أ نّك في الوقت ولم يكن قد دخل ولكن دخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك »([5]) .
_____________________
[1] الوسائل 4 : 290 ـ 291 ، ب63 من أبواب المواقيت ، ح1 .
[2] انظر الوسائل 4 : 217 ، ب30 من أبواب المواقيت .
[3] الوسائل 8 : 268 ، ب6 من أبواب قضاء الصلوات ، ح1 .
[4] الوسائل 4 : 167 ، ب13 من أبواب المواقيت ، ح5 .
[5] الوسائل 4 : 206 ، ب25 من أبواب المواقيت ، ح1 .