زكـاة الغلاّت

 

قدّمنا أنّ الزكاة تجب في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وتستحبّ في غيرها ممّا أنبتته الأرض ، ما عدا الخضار والبقول ، ولا بدّ لوجوب الزكاة في الأصناف الأربعة من وجود أمرين : بلوغ النصاب والتملّك .

 

 

النصاب :

قال الإمام الباقر أبو الإمام الصادق  عليهماالسلام : « ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق([1]) ـ والوسق ستّون صاعاً ، فذلك ثلاثمائة صاع ـ ففيه العشر ، وما كان يسقى بالرشاء والدلاء والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلاً ففيه العشر تماماً ، وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شيء ، وليس فيما أنبتت الأرض شيء إلاّ في هذه الأربعة أشياء »([2]) .

ويبلغ النصاب الكامل بالكيلو جرام حوالي تسعمائة وعشراً على التقريب ، وما نقص عنها لا زكاة فيها ، وما بلغ النصاب فأكثر ففيه الزكاة .

____________________

[1] في الطبعات السابقة : « أسوق » وما أثبتناه من المصدر .

[2] الوسائل 9 : 176 ، ب1 من أبواب زكاة الغلاّت ، ح5 .

 

 

التملّك :

قال الفقهاء : إنّما يجب على الإنسان أن يؤدّي زكاة هذه الأربع إذا بلغت النصاب ، وكانت في نفس الوقت اُصولها مملوكة له قبل تعلّق الزكاة بناتجها كما لو كان هو الزارع والغارس ، أو انتقل إليه الزرع قبل انعقاد الحبّ والشجر قبل أن يحمل الثمر . أمّا من ابتاع أو اتّهب الزرع أو الكرم بعد بدوّ الناتج ـ بحيث حصل ذلك في ملك غيره لا في ملكه ـ فلا تجب عليه الزكاة ، تماماً كما لا تجب على من اشترى عنباً وجفّفه حتّى صار زبيباً بالإتّفاق .

وذهب مشهور الفقهاء إلى أنّ الزكاة تتعلّق بالغلاّت عند بدوّ الصلاح ، وذلك أن يشتدّ الحبّ في الحنطة والشعير ، ويحمرّ أو يصفرّ ثمر النخيل ، وينعقد زهر الكرم حصرماً . هذا مع العلم بأ نّه لا يجب إخراج الزكاة إلاّ بعد اليباس والجفاف وبلوغ النهاية.

والّذي نراه أنّ الزكاة لا تتعلّق بشيء من الغلاّت حتّى يسمّى الحبّ حنطة وشعيراً والثمر تمراً وزبيباً ؛ لأنّ هذه الأسماء قد وردت في أدلّة الأحكام ، وبديهة أنّ الأحكام الشرعيّة تدور مدار عناوين موضوعاتها وجوداً وعدماً .

ومهما يكن فإنّ النصاب إنّما يعتبر حال الجفاف لا قبله ، فلو افترض أنّ شيئاً من هذه الأصناف يبلغ النصاب وهو رطب ولا يبلغه وهو جاف فلا زكاة فيه بالإتّفاق.

وتظهر الثمرة بين القولين فيما لو تصرّف المالك بثمر الكرم قبل أن يصير زبيباً وبثمر النخل قبل أن يصير تمراً وبناتج الزرع قبل أن يأتي أوانُ حصاده ، فعلى القول المشهور يكون المالك ضامناً للفقراء المستحقّين ، وعلى القول الثاني لا ضمان عليه .

 

 

مقدار الزكاة :

قال الإمام  عليه‏السلام : « ما كان يعالج بالرشاء والدلاء والنضح([1]) ففيه نصف العشر ، وما كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو سماء أو كان بعلاً ففيه العشر كاملاً »([2]) .

 

الفقهاء :

قالوا : إنّ المقدار الواجب من الزكاة يختلف باختلاف السقي ، فما سقته الطبيعة فيه عشر المحصول ، وما سُقي بآلة فيه نصف العشر ، وإن سقي بآلة تارةً وبالسماء اُخرى ينظر ، فإن غلب الاستغناء عن الآلة فالعشر ، وإن غلب استعمال الآلة فنصف العشر ، وإن تساويا فثلاثة أرباع العشر ـ أي العشر في نصفه ، ونصف العشر في النصف الآخر  ـ ومع الشكّ في أ يّهما الغالب الآلة أو الطبيعة نقتصر على القدر المتيقّن وهو الأقلّ ـ أي نصف العشر ـ لأ نّه الواجب على كلّ حال .

_________________

[1] الرَشاء الحبل ، والدلاء جمع دلو ، والنضح الرشّ [ منه 1 ] .

[2] الوسائل 9 : 184 ، ب4 من أبواب زكاة الغلاّت ، ح5 .

 

 

المؤن وحصّة السلطان :

وإنّما يجب إخراج الزكاة بعد تصفية الحبّ وتجفيف الثمر بحيث يضبط بالكيل والوزن ، وبعد إخراج ما يأخذ السلطان منها ، وبعد إخراج المؤن والتكاليف بكاملها ، أي أنّ ما يأخذه السلطان وما يُصرف على المحصول من النفقات لا يتحمّله المالك وحده ولا يدفع زكاته من ماله ، وإنّما هو على مجموع الناتج والمحصول .

ولا يحتاج هذا إلى البحث الطويل ولا إلى القال والقيل وتسويد الصفحات كما فعل أكثر من واحد ، وإنّما الكلام هل يعتبر النصاب بعد المؤن وما يأخذه السلطان بحيث لو نقص الباقي بعدهما فلا زكاة فيه ، أو يعتبر النصاب قبلهما فإذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة في الباقي وإن قلّ عن النصاب ما دام المجموع نصاباً ؟

قال صاحب الجواهر([1]) : المشهور بين الفقهاء أ نّه لا بدّ من اعتبار النصاب بعد المؤونة ، فإذا لم يكن الباقي نصاباً فلا زكاة فيه وإن كان المجموع بمقدار النصاب .

وقال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه : ( وهو الأشبه ؛ لأصالة براءة الذمّة عن وجوب الزكاة فيما نقص بعد إخراج المؤونة عن النصاب )([2]) .

_________________

[1] الجواهر 15 : 233 .

[2] مصباح الفقيه 13 : 384 .

 

 

هل الزكاة حقّ على الإنسان أو شراكة في الأعيان :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى أشرك بين الفقراء والأغنياء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم »([1]) .

وسئل أبوه الإمام الباقر  عليه‏السلام عن الزكاة تجب في مواضع لا يمكنني أن اُؤدّيها ؟ قال الإمام  عليه‏السلام  للسائل : « اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح ، وإن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شيء ، فإن لم تعزلها فاتّجر بها في جملة مالك ولها بقسطها من الربح ، ولا وضيعة عليها »([2]) .

الفقهاء :

اختلفوا في أنّ الفقير هل هو شريك للغني في العين ويملك فيها بمقدار حصّته ، تماماً كما يملك الغني ، أو أنّ الفقير صاحب حقّ في العين دون أن يملك شيئاً منها ، تماماً كصاحب الرهن الّذي تعلّق حقّه بالعين المرهونة دون أن يكون مالكاً لها ، وأنّ الغني مسؤول عن الزكاة تجاه الفقير كما أنّ صاحب العين مسؤول عن صاحب الرهن ؟

قال صاحب الجواهر([3]) : ذهب المشهور نقلاً وتحصيلاً ـ أي نقل له قول المشهور ، وتأكّد هو منه وحصّله بذاته ـ إلى أنّ الزكاة تتعلّق بالعين ، وأنّ الفقير شريك للغني في العين ، ويملك منها بمقدار حصّته على النحو الّذي يملكه الغني ، واستدلّوا فيما استدلّوا بالروايتين السابقتين عن الإمامين  عليهماالسلام .

ونحن مع الشيخ الهمداني صاحب مصباح الفقيه([4]) الّذي نفى شراكة الفقراء مع الأغنياء في العين ، وأثبت الحقّ في أموالهم تماماً كحقّ غرماء الميّت المتعلّق بتركته ، نحن مع هذا الشيخ الجليل بعد أن اطلعنا واقتنعنا بأدلّته التي استدلّ بها على رأيه ، وتتلخّص هذه الأدلّة بما يأتي :

أوّلاً  : لو كان الفقير شريكاً حقيقيّاً للغني في العين لما جاز للغني أن يتصرّف بها إلاّ بإذن الفقير ، كما هو الشأن في كلّ شريكين ، وأيضاً لما جاز له أن يدفع الزكاة من غير العين إلاّ برضا الفقير ، وأيضاً يجب أن يكون النماء كاللبن والصوف شراكة بين الاثنين ؛ لأ نّه تابع للملك ، ولاقائل بذلك ، ومن ادّعى شيئاً منه فهو محجوج بالنصّ والسيرة القطعيّة.

ثانياً  : أنّ لسان الروايات الواردة عن أهل البيت  عليهم‏السلام في الزكاة الواجبة تماماً كلسان الروايات الواردة عنهم في الزكاة المستحبّة ، مع العلم بأ نّه لا شراكة حقيقيّة في المستحبّ .

وإذن فالمقصود منها أنّ اللّه‏ سبحانه قد جعل للفقراء حقّاً في أموال الأغنياء كحقّ غرماء الميّت المتعلّق بتركته ، بحيث إذا امتنع الأغنياء عن أداء هذا الحقّ كان للحاكم الشرعي أو للجابي الّذي يعيّنه أو لعدول المسلمين من باب الحسبة أو للفقير نفسه مع عدم هؤلاء جميعاً كان له أن يستوفي هذا الحقّ قهراً عن الأغنياء ، وهذا شيء ، وأنّ الفقير شريك للغني في الحقيقة والواقع شيء آخر .

_________________

[1] الوسائل 9 : 215 ، ب2 من أبواب المستحقّين للزكاة ، ح4 .

[2] الوسائل 9 : 307 ، ب52 من أبواب المستحقّين للزكاة ، ح3 .

[3] الجواهر 15 : 138 .

[4] مصباح الفقيه 13 : 253 ـ 256 .

 

 

أموال التجارة :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل توضع عنده الأموال يتّجر بها ؟ قال : « إذا حال عليها الحول فليزكّها »([1]) .

وقال [  عليه‏السلام] : « كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إن حال عليه الحول »([2]) .

الفقهاء :

قالوا : كلّ مال يعمل به بقصد الربح والاتّجار فتستحبّ فيه الزكاة ، سواء أكان الاتّجار بالحيوان أم بالحبوب أم بالمعادن أم بالقماش أم بالخضار والبقول وما إلى ذلك.

ولا تستحبّ الزكاة في التجارة إلاّ بشروط ، فإذا انتفى أحدها فلا استحباب ، وهي قصد الاتّجار والاكتساب ، وأن تبلغ قيمة التجارة أحد نصابي النقدين ، وأن يمضي على الاكتساب الحول ، وأن يستمرّ قصد الاكتساب طوال الحول ، وأن لا يبيع بأقلّ من رأس المال ، وأن لا ينقص رأس المال قرش واحد طوال أيّام الحول ، ولو افترض أ نّه نقص ثمّ عاد إلى التمام استأنف رأس السنة من هذا الحين .

وأيضاً تستحبّ الزكاة في كلّ ما يكال ويوزن ممّا أنبتته الأرض ما عدا الغلاّت الأربع ، وفي اُناث الخيل ، على شريطة أن تكون سائمة غير معلوفة وإن استعملت للركوب وما إليه .

وأيضاً تستحبّ الزكاة في ناتج العقار المعدّ للاستثمار ، كالدكّان والبستان وما إليه ، وتقدّمت الإشارة إلى ذلك .

_________________

[1] الوسائل 9 : 71 ، ب13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، ح3 .

[2] الوسائل 9 : 72 ، ب13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، ح8 .