النبي عزير عليه السلام

النبي عزير (ع)

 

القرآن الكريم، يقصّ حكاية احد الأنبياء القدامى، وهي تشير إلى حكاية رجل سافر على حماره ومعه طعام وشراب، فمرّ بقرية قد تهدّمت وتحوّلت إلى أنقاض تتخلّلها عظام أهاليها النخرة. وإذ رأى هذا المشهد المروع قال: كيف يقدر الله على إحياء هؤلاء الأموات؟

 

لم يكن تسأوله بالطبع من باب الشكّ والإنكار، بل كان من باب التعجّب، إذ أنّ القرائن الأُخرى في القرآن تدلّ على انّه كان أحد الأنبياء، وقد تحدّث إليه الله، كما أنّ الأحاديث تؤيّد هذا كما سيأتي.

 

عند ذلك أماته الله مدة مائة سنة، ثم أحياه مرّة أخرى وسأله: كم تظنّ أنّك بقيت في هذه الصحراء؟ فقال وهو يحسب أنّه بقي سويعات: يومًا أو أقل، فخاطبه الله بقوله: بل بقيت هنا مائة سنة، انظر كيف أنّ طعامك وشرابك طوال هذه المدّة لم يصبه أي تغيّر بإذن الله. أي أنّ الله القادر على إبقاء ما يسرع إليه التفسّخ والفساد كالطعام والشراب، قادر أيضًا على إحياء الموتى بيسر. فإبقاء الطعام والشراب نوع من إدامة الحياة لهذه المواد السريعة التفسّخ، وعملية الإبقاء هذه ليست بأيسر من إحياء الموتى.

 

إلاَّ أنّ الآية لم تشر إلى ماهيّة طعام النبيّ وشرابه. يقول بعض: إنّ طعامه كان فاكهة التين وكان شرابه عصير بعض الفواكه، وكلاهما يسرع إليه الفساد والتفسّخ كما هو معلوم، لذلك فإنّ بقاءهما هذه المدّة الطويلة دون تلف أمرٌ مهم.

 

ولكن لكي تؤمن بأنك قد أمضيت مائة سنة كاملة هنا انظر إلى حمارك الذي تلاشى ولم يبق منه شيء بموجب نواميس الطبيعة، بخلاف طعامك وشرابك، ثمّ انظر كيف إنّنا نجمع أعضاءه ونحييه مرّة أخرى. فعندما رأى كلّ هذه الأُمور أمامه قال: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، أي: إنني الآن على يقين بعد أن رأيت البعث بصورة مجسّمة أمامي.

 

ومَن هذا النبيّ الذي تحدّث عنه القرآن الكريم؟ ثمة أقوال عديدة، قال بعض: إنّه (ارميا). وقال آخرون: إنّه (الخضر). إلاَّ أنّ أشهر الأقوال: إنّه (العزير) ويؤيّده حديث الإمام الصادق (ع).

 

واختلفت الأقوال أيضًا بشأن القرية المذكورة، قال البعض: إنّها (بيت المقدس) التي دمّرها نبوخذ نصّر، وهو احتمال بعيد...(1).

 

خدمة عزير الكبرى لليهود

(عزير) في لغة العرب هو (عزرا) في لغة اليهود، ولمّا كانت العرب تغيّر في بعض الكلمات التي تردها من لغات أجنبية وتجري على لسانها، وذلك كما عي الحال في إظهار المحبّة خاصّة فتصغر الكلمة، فصغرت عزرا إلى عُزير، كما بُدلت كلمة يسوع العبرية إلى عيسى في العربية، ويوحنا إلى يحيى.

 

وعلى كان حال، فإن عزيرًا –أو عزرا- له مكانة خاصّة في تاريخ اليهود، حتى أن بعضهم زعم أنّه واضع حجر الأساس لأُمّة اليهود باني مجدهم وفي الواقع فإنّ له خدمةً كبرى لدينهم، لأنّ بخت نصر ملك بابل دمر اليهود تدميرًا في واقعته المشهورة، وجعل مُدُنَهم، تحت سيطرة جنوده فأبادوها، وهدموا معابدهم، وأحرقوا توراتهم، وقتلوا رجالهم، وسبوا نساءهم، وأسروا أطفالهم، وجيء بهم إلى بابل فمكثوا هناك حوالي قرن.

 

ولم فتح كورش ملك فارس بابل جاءه عزرا، وكان من أكابر اليهود، فاستشفعه في اليهود فشفّعه فيهم، فرجعوا إلى ديارهم وكتب لهم التّوراة –ممّا بقي في ذهنه من أسلافه اليهود وما كانوا قد حدّثوا به –من جديد.

 

ولذلك فهم يحترمونه أيما احترام، ويعدّونه منقذهم ومحيي شريعتهم.

 

وكان هذا الأمر سببًا أن تلقبه جماعة منهم بـ (ابن الله) غير أنّه يستفاد من بعض الرّوايات أنّهم أطلقوا هذا اللقب احترامًا له لا على نحو الحقيقة.

 

ولكنّنا نقرأ في الرّواية ذاتها أنّ النّبي سألهم بما مؤدّاه (إذا كنتم تٌجلّون عزيرًا وتكرمونه لخدماته العظمى وتطلقّون عليه هذا الاسم، فعلامَ لا تسمّون موسى وهو أعظم عندكم من عزير بهذا الاسم؟ فلم يجدوا للمسألة جوابًا وأطلقوا برؤوسهم).

 

ومهما يكن من أمر فهذه التسمية كانت اكبر من موضوع الإجلال والاحترام في أذهان جماعة منهم، وما هو مألوف عند العامّة أنّهم يحملون هذا المفهوم على حقيقته، ويزعمون أنّه ابن الله حقًّا، لأنّه خلصهم من الدمار والضياع ورفع رؤوسهم بكتابة التوراة من جديد.

وبالطبع فهذا الاعتقاد كان سائدًا عند جميع اليهود، إلا أنّه يتفاد أنّ هذا التصّور أو الاعتقاد كان سائدًا عند  جماعة منهم، ولاسيما في عصر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والدليل على ذلك أنّ أحدًا من كتب التاريخ، لم يذكر بأنّهم عندما سمعوا الآية ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ﴾(2) احتجوا على النّبي أو أنكروا هذا القول (ولو كان لبان).

 

1- جاءت هذه القّصة في سورة البقرة، الآية 259.

2- الآية 30، من سورة التوبة.