فصل الماء الجاري

[ فصل الماء الجاري - وهو النابع (1) السائل على وجه الارض (2) فوقها أو تحتها، كالقنوات - لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغير، سواء كان كرا أو أقل (3). ] فصل في حكم الماء الجارى (1) بلا خلاف فيه، كما عن جماعة. وفي جامع المقاصد: إن الجاري لا عن نبع من أقسام الراكد، يعتبر فيه الكرية اتفاقا ممن عدا ابن أبى عقيل انتهى. ويساعده المتفاهم العرفي، فان الاستعداد للجريان مقوم لمفهوم الجاري وما لا يكون له نبع فاقد لذلك الاستعداد. نعم الجاري لغة أعم من ذلك. (2) كما نص عليه جماعة. لكن في المسالك: أنه النابع غير البئر سواء جرى أم لا. انتهى. فان أراد أنه كذلك لغة أو عرفا فممنوع. وان أراد أنه كذلك اصطلاحا فغير ظاهر، لما عرفت من تصريح جمع بخلافه. (3) أما نجاسته مع التغير فمتفق عليها نصا وفتوى. وأما عدم نجاسته بالملاقاة - وان كان قليلا - فظاهر محكي عبارات جماعة انه اجماعي، بل عن حواشي التحرير نقل الاجماع عليه صريحا، وفي الجواهر: " يمكن للمتروي في كلمات الاصحاب تحصيل الاجماع على عدم اشتراط الكرية ". ويشهد له التعليل في صحيح ابن بزيع المتقدم (* 1)، على ما عرفت

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 13 من الفصل الاول في المياه.

 

===============

 

( 132 )

 

من عمومه للمقام. وصحيح داود بن سرحان: " قلت لابي عبد الله (ع): ما تقول في ماء الحمام؟ قال (ع): بمنزلة الماء الجاري (* 1). لكن يشكل باجمال الحكم الملحوظ في التنزيل، إذ يحتمل أن لا يكون هو الاعتصام ولا قرينة في الكلام على تعيينه. وأما الاشكال: بأنه على خلاف المطلوب أدل، بناء على اشتراط بلوغ المادة ولو مع ما في الحياض كرا، لان مقتضى التنزيل مساواة الشيئين في الحكم. (فيدفعه): أن التنزيل إنما يقتضى ثبوت حكم ذي المنزلة لما جعل بمنزلته، أعني: حكم الجاري لماء الحمام، لا حكم ماء الحمام للجاري ولو سلم فغاية ما يقتضي ذلك اعتبار الكرية في مادة الجاري - ولو بضميمة الخارج عنها - ولا مضايقة في ذلك. لكن حينئذ يدل على عدم اعتبار الكرية في الماء الجاري كما ذهب إليه العلامة (ره) ومن تبعه. نعم من هنا يظهر أنه لو فرض ظهور الرواية في كون التنزيل بلحاظ الاعتصام لا حكم آخر مجهول فلا يظهر منها التنزيل في الاعتصام مطلقا، بل من الجائز أن يكون التنزيل بلحاظ الاعتصام في حال كون المادة كرا، وعدمه عند كونها دون الكر، فاعتصام الجاري مطلقا مما لا يمكن اثباته من الرواية بوجه. نعم لا يتوجه هذا الاشكال على رواية ابن أبي يعفور (* 2) المتضمنة أن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا، للتصريح فيها بكون الاعتصام هو الملحوظ في التنزيل. كما لا يتوجه عليها الاشكال بمنع عموم النهر للقليل إذ هو خلاف الاطلاق. كالاشكال بمنع اختصاص النهر بما له نبع، إذ هو لا يقدح في الاستدلال بها على حكم ذي النبع.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب الماء المطلق حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب الماء المطلق حديث: 7.

 

===============

 

( 133 )

 

نعم تشكل هذه الرواية: بأن ظاهر قوله (ع): " يطهر بعضه بعضا " أن الاعتصام يكون لماء النهر بنفسه، لا بالمادة، وحيث عرفت الاتفاق على أن مالا مادة له بحكم المحقون يتعين له حمل الرواية على النهر المشتمل على الكر وتكون أجنبية عما نحن فيه (ودعوى): أن حملها على الكر يستوجب الغاء خصوصية النهرية. (يدفعها): أن ارتكاب ذلك أولى من التصرف في ظاهر قوله (ع): " يطهر.. " بحمله على التطهير بالمادة وأما الاشكال عليها: بأن مقتضى المماثلة المساواة من الطرفين.. إلى آخر ما تقدم في صحيح ابن سرحان. فقد عرفت ما فيه، وأنه لا مضايقة في الالتزام باعتبار الكرية في المادة في الجاري وغير ولو بضميمة ما في الحياض. بل لا يبعد اعتبار الكرية فيها مستقلة - وإن قيل: انه لا قائل به ظاهرا - لانصراف اطلاق المادة في التعليل إلى ما كانت كرا، بقرينة الارتكاز العرفي المتعين حمل التعليل عليه، فان البناء على الاخذ بالاطلاق يوجب كون التعليل تعبديا، إذ لا ارتكاز عرفي يساعد على كون المادة مطلقا عاصمة لغيرها. فلاحظ. ثم إن اعتبار الكرية في المادة مستقلة أو بضميمة ما في الحياض، أجنبي عن مذهب العلامة (ره)، فدعوى: أنه عين مذهب العلامة في الجاري غير ظاهرة. ومن ذلك تعرف وجوه النظر في كلمات شيخنا الاعظم (ره) في طهارته. فراجع. وأما صحيحة ابن مسلم في الثوب يصيبه البول: " فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة " (* 1) فالاستدلال بها يتوقف إما على اعتبار التعدد في غير المعتصم، أو على اعتبار ورود الماء في غير المعتصم مع ظهورها في ورود النجاسة على الماء: وكلا المبنيين غير ظاهر. نعم ورد في البول وجوب

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب النجاسات حديث: 1.

 

===============

 

( 134 )

 

[ وسواء كان بالفوران أو بنحو الرشح (1). ومثله كل نابع وان كان واقفا (2). (مسألة 1): الجاري على الارض من غير مادة نابعة ] التعدد. لكن لا مانع من تخصيصه بغير الجاري، عملا بالصحيح المذكور. ومن هذا كله يظهر لك: أن العمدة في اعتصام الجاري - وان كان قليلا - عموم التعليل في صحيح ابن بزيع وكفى به حجة على ذلك. وبه يظهر ضعف ما ذهب إليه العلامة (ره) في اكثر كتبه - وتبعه عليه الشهيد الثاني (ره) في المسالك، والروض، والروضة - من اعتبار الكرية فيه تمسكا بعموم ما دل على انفعال القليل، إذ هو مخصص بالتعليل المذكور حتما، لان ظهور التعليل في العموم أقوى من ظهور ذلك الدليل فيه. ولو سلم التساوي فلاجل أن بينهما عموم من وجه، يتعين الرجوع إلى عموم النبوي الدال على اعتصام الماء مطلقا ولو كان قليلا ما لم يتغير، أو إلى أصالة الطهارة. (1) لاطلاق المادة. وفي الحدائق عن والده (ره): عدم تطهير الآبار التي في بعض البلدان بالنزح بل بالقاء كر، لان ماءها يخرج رشحا. انتهى وفيه: أن ذلك لا يأبى شمول اطلاق المادة له. نعم بناء على ما عرفت من اتفاقهم على اعتبار النبع في الجاري قد يشكل صدقه إذا كانت المادة راشحة لخروج الرشح عن النبع. لكن الظاهر أن المراد من النبع ما هو أعلم من الرشح مقابل مالا مادة له. ولو سلم ذلك فلا يهم بعد ما عرفت من أن العمدة في دليل حكم الجاري مادل على عاصمية المادة، وهي أعم من الرشح بل قد قيل، إن الغالب في الآبار الرشح. (2) لما عرفت من عموم التعليل في صحيح ابن بزيع.

 

===============

 

( 135 )

 

[ أو راشحة إذا لم يكن كرا ينجس بالملاقاة (1). نعم إذا كان جاريا من الاعلى إلى الاسفل لا ينجس أعلاه بملاقاة الاسفل للنجاسة (2)، وان كان قليلا. (مسألة 2): إذا شك في أن له مادة أم لا وكان قليلا، ينجس بالملاقاة (3). ] (1) لعدم شمول التعليل له. ونصوص الجاري، لو تمت دلالتها على اعتصامه فهي غير واضحة الشمول للفرض، كما عرفت. (2) كما تقدم في المسألة الاولى من الفصل السابق. نعم لو لم يكن الجريان بقوة ودفع تعين البناء على سراية النجاسة إلى العالي، لموافقته للمرتكز العرفي. (3) لان الجمع بين ما دل على انفعال القليل، وما دل على اعتصام ذي المادة يقتضي كون موضوع الانفعال القليل الذي ليس له مادة، فإذا أحرزت قلة الماء، وجرت أصالة عدم المادة، فقد أحرز موضوع الانفعال بعضه بالوجدان، وبعضه بالاصل، فيترتب حكمه. ثم إن الشك في وجود المادة (تارة): يكون في وجودها المقارن لوجود الماء. (وأخرى): في وجودها اللاحق بعد وجود الماء. وفي الصورة الثانية: إن علم بانتفائها قبل زمان الشك بني على استصحاب عدمها فيترتب الحكم بلا إشكال. وان علم بوجودها قبل زمان الشك بني على استصحاب وجودها، ويترتب حكمه وهو الاعتصام بلا إشكال أيضا. أما في الصورة الاولى: فأصالة العدم فيها من قبيل استصحاب العدم الازلي الثابت قبل وجود الموضوع، وهو محل كلام بين الاعلام، وإن كان الاظهر جريانه، لعموم الادلة بعد اجتماع أركانه من اليقين والشك (ودعوى): أن العدم الازلي مغاير للعدم اللاحق للوجود، لكون الاول

 

===============

 

( 136 )

 

عدما لعدم الموضوع، الثاني عدما لعدم المقتضي أو لوجود المانع، وليس عدم الموضوع دخيلا فيه، لفرض وجوده. (مندفعة): بأن هذا الاختلاف لا يستوجب اختلافهما ذاتا، وانما يستوجب اختلافهما منشأ وعلة، وذلك لا يمنع من إجراء الاستصحاب، ولا يوجب التعدد عرفا، كما يظهر من ملاحظة النظائر، فانه يجوز استصحاب ترك الاكل والشرب للصائم بعد الغروب، مع أن الترك إلى الغروب كان بداعي الامر الشرعي - وهو منتف بعد الغروب - والترك بعده لابد أن يكون بداع آخر. فان قلت: عدم العارض لما كان نقيضا لوجود العارض، ولابد من وحدة الرتبة بين النقيضين، ومن المعلوم أن وجود العارض متأخر رتبة عن وجود المعروض، فعدم العارض المأخوذ قيدا في الحكم لابد أن يكون متأخرا رتبة عن وجود الموضوع، والعدم الازلي ليس كذلك، لانه سابق على وجود الموضوع. قلت: السبق الزماني على وجود الموضوع لا ينافي التأخر الرتبي عنه فانه وجود المعدوض وعدمه نقيضان، وهما في رتبة واحدة، ووجود العارض وعدمه نقيضان وهما في رتبة واحدة أيضا، فعدم العارض لما كان بمنزلة المعلول لعدم المعروض كان متأخرا عنه رتبة، وهو عين تأخره عن وجود المعروض المتأخر زمانا، لكون وجود المعروض في رتبة عدمه فالمتأخر عن أحدهما متأخر عن الآخر، وتأخر وجود المعروض زمانا لا ينافي ذلك. وبالجملة: ثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له، ومقتضى الفرعية الانتفاء عند الانتفاء المعبر عنه بالسالبة بانتفاء الموضوع، فإذا وجد زيد بعد العدم صح أن يقال: لم يكن زيد موجودا - يعنى: قبل أن يوجد - كما يصح أن يقال: لم يكن زيد هاشميا، وبعد ما تبدل الاول بنقيضه وصح أن يقال: وجد زيد، فإذا شك في تبدل الثاني بنقيضه يبنى على بقائه،

 

===============

 

( 137 )

 

[ (مسألة 3): يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة (1) فلو كانت المادة من فوق تترشح وتتقاطر، فان كان دون الكر ينجس. نعم إذا لاقى محل الترشح للنجاسة لا ينجس. ] فيقال بعد ما وجد زيد: لم يكن هاشميا. بالاستصحاب، وقد عرفت أن السلب بانتفاء الموضوع عين السلب بانتفاء المحمول لا غيره، فلا مانع من استصحابه عند الشك فيه. ودعوى: أن التقابل بين عدم المحمول ووجوده المأخوذين في موضوع الحكم الشرعي - مثل القرشية واللاقرشية - تقابل العدم والملكة، لا تقابل النقيضين، وعدم العارض عند عدم المعروض يقابل وجود العارض عند وجود المعروض تقابل النقيضين، فلا يكون أحدهما عين الآخر، كي تكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة كي يصح الاستصحاب. (لا مأخذ) لها ظاهر، فان المذكور في كلامهم أن نقيض الجزاء يثبت مع نقيض الشرط ففي قوله (ع): " لان له مادة " يكون المفهوم: (إذا لم يكن له مادة) الذي هو نقيض: كان له مادة. وكذلك مثل قوله: " إن كانت المرأة قرشية تحيض إلى الستين " يكون المفهوم: " إذا لم تكن المرأة قرشية لا تحيض إلى الستين " فشرط المفهوم نقيض شرط المنطوق. (وبالجملة): الوحدة بين العدمين - عرفا - لا مجال لانكارها، وهي كافية في صحة الاستصحاب ومن ذلك كله يظهر أن استصحاب العدم الازلي لاثبات القيد السلبي في محله. وقد أطال بعض الاعاظم من مشايخنا (* 1) في تقريب المنع من جريان الاصل المذكور، بترتيب مقدمات غير واضحة في نفسها، ولا في صلاحيتها لنفي الاستصحاب المبني على صدق الشك في البقاء عرفا وإن لم يصدق عقلا. (1) هذا مما لا ريب فيه، فانه منصرف الدليل، لمطابقته للمرتكز العرفي

 

 

____________

(* 1) الميرزا النائيني (قدس سره).

 

===============

 

( 138 )

 

[ (مسألة 4): يعتبر في المادة الدوام (1)، فلو اجتمع الماء من المطر أو غيره تحت الارض ويترشح إذا حفرت لا يلحقه حكم الجاري. ] (1) قال الشهيد (ره) في الدروس: " ولا يشترط فيه - أي في الجاري - الكرية على الاصح. نعم يشترط دوام النبع ". وظاهر العبارة غير مراد قطعا. فيحتمل أن يكون المراد الاحتراز عن العيون التي لا يتصل نبعها لضعف الاستعداد فيه فتنبع آنا وتقف آنا، كما عن المحقق الكركي احتماله. أو الاحتراز به عن العيون التي يقف نبعها لسد المادة. أو الاحتراز عن العيون التي يقف نبعها لوصول الماء إلى حد مساو لسطح النبع، فإذا نقص من الماء شئ نبعت حينئذ. أو الاحتراز عن العيون التي تنبع في الشتاء وتجف في الصيف، فلا يدوم في فصول السنة، كما عن كثير احتماله بل عن المحقق الكركي: أن اكثر المتأخرين عن الشهيد - رحمه الله - ممن لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه. انتهى. والاظهر منها الاول كما أن الحكم بعدم الاعتصام في الثانية ظاهر، لعدم الاتصال. وفي الاخيرتين مشكل، لانه خلاف الاطلاق. وأما الاولى فان كان الآن الذي يكون فيه النبع مما يعتد به عرفا في صدق أن له مادة، كان الماء معتصما في ذلك الآن لا غيره. وإن كان لا يعتد به فلا اعتصام للماء حينئذ دائما. وأما الدوام في عبارة المتن فالمراد منه غير ظاهر. نعم في الجواهر: ان الثمد - وهو ما يتحقق تحت الرمل من ماء المطر كما عن الاصمعي وغيره - الاقوى الحاقه بالمحقون مطلقا، جرى أو لم يجر، للاستصحاب مع الظن أو القطع بعدم شمول ذي المادة له، لا أقل من الشك فيبقى على حكم المحقون من القليل أو الكثير. اللهم إلا أن يفرض كونه على وجه يصدق ذو المادة عليه. أو يقال: إنه مطلقا من ذي المادة

 

===============

 

( 139 )

 

{ (مسألة 5): لو انقطع الاتصال بالمادة - كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع - كان حكمه حكم الراكد (1)، فان أزيل الطين لحقه حكم الجاري وان لم يخرج من المادة شئ، فاللازم مجرد الاتصال. (مسألة 6): الراكد المتصل بالجاري كالجاري (2)، فالحوض المتصل بالنهر بساقية يلحقه حكمه، وكذا أطراف النهر وان كان ماؤها واقفا. ] أو بحكمه ولو مع الشك، كما ستعرف. انتهى. وأشار بما ذكره أخيرا إلى ما ذكره بعد ذلك من أن عموم الادلة يقتضي اعتصام كل ماء، والخارج عنه القليل المعلوم عدم المادة له كالحياض والغدران ونحوهما. انتهى. وحاصل وجه الاشكال في اعتصام الثمد ونحوه التشكيك في شمول ذي المادة له. لكنه غير ظاهر، لصدق المادة فيه كغيره. وأما ما ذكره اخيرا من وجه الاعتصام، فهو على خلاف إطلاق أدلة انفعال القليل. واختصاصه بالمعلوم عدم المادة له غير ظاهر الوجه، بل إطلاقه شامل للمعلوم وجود المادة له. غاية الامر يجب الخروج عنه بما دل على الاعتصام بالمادة، فإذا شك في صدق المادة بنحو الشبهة الموضوعية يتعين الرجوع إلى الاصول، بناء على التحقيق من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وكيف كان فالدوام في عبارة المصنف رحمه الله لا يخلو من إجمال. (1) لما عرفت من ظهور دليل الاعتصام بالمادة في اعتبار الاتصال بها، فإذا انقطع الاتصال لا يدخل المورد تحت ذلك الدليل، ويتعين الرجوع إلى عموم انفعال القليل. (2) لصدق أن له مادة.

 

===============

 

( 140 )

 

[ (مسألة 7): العيون التي تنبع في الشتاء - مثلا - وتنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها (1). (مسألة 8): إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقاة (2) وان كان قليلا (3) والطرف الآخر حكمه حكم الراكد (4) إن تغير تمام قطر ذلك البعض المتغير، وإلا فالمتنجس هو المقدار المتغير فقط، لاتصال ما عداه بالمادة ] (1) قد تقدم أن المحكي عن جماعة ممن تأخر عن الشهيد - رحمه الله - أنهم فهموا من اعتبار الدوام في النبع في اعتصام الجاري المذكور في عبارة الدروس الاحتراز عن العيون التي تنبع في الشتاء وتجف في الصيف. وعن المحقق الثاني إنكاره، وأنه لا شاهد له من الاخبار ولا يساعد عليه الاعتبار وأنه تخصيص لعموم الدليل بمجرد التشهي. وجعل من فهم ذلك من عبارته ممن لا تحصيل له. وأنه منزه عن أن يذهب إلى مثله، فانه تقييد لاطلاق النص بمجرد الاستحسان، وهو أفحش أغلاط الفقهاء. (2) لاتصاله بالمادة. (3) لما عرفت من عدم اعتبار الكرية في اعتصام المتصل بالمادة. بل عن بعض الحكم بعدم الانفعال مع القلة وإن اعتبرنا الكرية في الجاري لان جهة المنع في الجاري أعلى سطحا فلا تسري النجاسة إليه من المتغير السائل عنه. وفيه: أن العلو الموجب للجريان لا يمنع من سراية النجاسة إلى العالي. (4) يعني يعتصم إن كان كرا، لعموم اعتصام الكر. وينفعل إن كان قليلا، لعموم انفعال القليل واحتمال طهارته - عملا باطلاق ما دل

 

===============

 

( 141 )

 

[ فصل الراكد بلا مادة إن كان دون الكر ينجس بالملاقاة (1) من غير فرق بين النجاسات، حتى برأس إبرة. ] على اعتصام المتصل بالمادة - يندفع بانصراف الاطلاق إلى صورة اتصال الاثر، لا بنحو يكون منفصلا كالطفرة. فان ذلك خلاف المرتكز العرفي المنزل عليه التعليل. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما ذكره في الجواهر، فانه - بعد ما جزم بأن الحكم بالطهارة في غاية الضعف - قال " والمسألة لا تخلو من تأمل، لانه يمكن أن يقال: إن تغير بعض الجاري لا يخرج البعض الآخر عن هذا الاطلاق. وأيضا احتمال الدخول تحت الجاري معارض باحتمال الخروج، فيبقى أصل الطهارة سالما، فيحكم عليه بالطهارة ". إذ فيه: أن الانصراف موجب للخروج عن الاطلاق. وأن معارضة احتمال الدخول باحتمال الخروج مرجعها إلى إجمال دليل اعتصام الجاري، والمتعين الرجوع حينئذ إلى عموم انفعال القليل، لا أصالة الطهارة.