فصل في التيمم

فصل في التيمم ويسوغه العجز عن استعمال الماء (1). وهو يتحقق بأمور: فصل في التيمم (1) قد اختلفت كلماتهم في بيان مسوغ التيمم. ففي الشرائع: " ما يصح معه التيمم ضروب: عدم الماء، وعدم الوصلة إليه، والخوف ". وفي القواعد: " مسوغاته يجمعها شئ واحد وهو العجز عن استعمال الماء " ثم ذكر أن أسباب العجز ثلاثة، وذكر الامور الثلاثة المذكورة. ونحوه ما ذكره في التذكرة والمنتهى، وتبعه عليه جماعة منهم صاحب الجواهر والمصنف. ولكنه لا يخلو من إشكال، إذ موارد الحرج الذي يشرع معه التيمم ليست منه، وكذلك موارد الضرر الذي لا يحرم ارتكابه مثل الضرر المالي أو البدني إذا كان غير ممنوع من ارتكابه عند العقلاء، وسيذكر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب الوضوء حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 33 من ابواب الجناية حديث: 1 و 4 و 8. (* 3) الوسائل باب: 34 من أبواب الجناية حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 44 من ابواب أحكام المساجد حديث: 22.

 

===============

 

( 290 )

 

المصنف في المسوغ الخامس مالا يكون منه أيضا. وأما الآية الشريفة وهي قوله تعالى في سورة المائدة: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " (* 1)، ومثله في سورة النساء، لكن صدره قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى... " (* 2). غير أنه ترك فيه قوله: (منه) في آخره. فظاهره لا يخلو من إشكال، لانه جمع فيه أمورا أربعة عطف بعضها على بعض ب‍ (أو) المقتضية لاستقلال كل واحد منها في السببية مع أن سببية أحد الاولين مشروطة بأحد الاخيرين. ولذلك حكي الاردبيلي في آيات الاحكام عن كشف الكشاف: أن الآية من معضلات القرآن، بعد أن ذكر الاشكال على نظمها - بحسب فهمنا - من وجوه: مثل ترك الحدث في أولها، وذكر الجنابة فقط بعده والاجمال الذي لم يفهم أن الغسل بعد الاقامة إلى الصلاة أم لا، وترك " كنتم حاضرين صحاحا قادرين على استعمال الماء "، ثم عطف (إن كنتم " عليه) وترك تقييد المرضى، وتأخير (فلم تجدوا) عن قوله (أو جاء) وذكر (جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم) مع عدم الحاجة اليهما، إذ يمكن الفهم مما سبق، والعطف ب‍ (أو) والمناسب الواو، والاقتصار

 

 

____________

(* 1) المائدة: 6. (* 2) النساء: 43.

 

===============

 

( 291 )

 

في بيان الحدث الاصغر على الغائط والتعبير عنه ب‍ (جاء أحد منكم من الغائط والاكبر على (لامستم)، والتعبير عن الجنابة به. انتهى. والعمدة الاشكال الاول. أما الاشكالات الباقية فموهونة. بعضها غير صحيح. وبعضها مقتضى البلاغة. وأما الاشكال الاول: فقد ذكر جماعة في دفعه أن (أو) فيه بمعنى الواو نظير قوله تعالى: (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون)، ونحوه. وهو كما ترى غير ظاهر في المورد ولا في نظيره. والاولى في دفعه ما ذكره في الجواهر من أن المراد بالقيام إلى الصلاة القيام من النوم كما ورد في النص، ويكون المراد من قوله تعالى: " وإن كنتم جنبا " صورة الاحتلام ويكون المرض والسفر متعلقين به، وإطلاق المرض من جهة غلبة الضرر باستعمال الماء، وإطلاق السفر من جهة غلبة فقد بذل الماء والجميع متعلق بحدث النوم، فيصح عطف المجئ من الغائط والملامسة - المراد بها الجماع - عليه. نعم هذا التوجيه لا يطرد في الآية المذكورة في سورة النساء. اللهم إلا أن يكون المراد من السكر سكر النوم. لكن لو تم لا يكفي في اطراد الجواب، إذ ليس فيها القيام من النوم، إلا أن يحمل على ذلك. وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أن العجز عن استعمال الماء مسوغ للتيمم. وإنما الكلام في انحصار المسوغ به. والظاهر عدمه، وأن المسوغ سقوط وجوب الطهارة المائية سواء كان للعجز عن استعمال الماء أم لا. يستفاد ذلك مما ورد في مشروعية التيمم عند لزوم الحرج من وجوب الطهارة المائية، أو الضرر المالي عند طلب الماء أو شرائه، أو الضرر البدني الذي لا يعتد به عند استعماله كالشين، أو غير ذلك مما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.

 

===============

 

( 292 )

 

[ (أحدها): عدم وجدان الماء (1) بقدر الكفاية للغسل أو الوضوء في سفر كان أو حضر (2) ووجدان المقدار الغير الكافي كعدمه. (3) ] (1) إجماعا ادعاه جماعة كثيرة، وفي التذكرة وغيرها: نسبته إلى إجماع العلماء. ويقتضيه الكتاب والسنة المتواترة. (2) هو مذهب علمائنا أجمع كما في المنتهى، وعن الخلاف. وما في التذكرة عن السيد في شرح الرسالة من وجوب الاعادة على الحاضر، ليس خلافا منه في ذلك، لبنائه على وجوب التيمم والصلاة، وانما خلافه في الاجتزاء بها على نحو لا تجب عليه الاعادة. نعم عن أبي حنيفة وغيره: أن الحاضر الفاقد للماء لا يصلي. بل عن زفر: دعوى الاجماع عليه. وإطلاق الآية في وجه يردهم. (3) هو مذهب علمائنا كما في المنتهى وظاهر التذكرة وجامع المقاصد لظهور مادل على مشروعية التيمم من الكتاب والسنة في كون موضوعه عدم الماء الكافي، وقاعدة الميسور قد تقدم في بعض المباحث السابقة الاشكال في ثبوتها بنحو الكلية بحيث يرجع إليها عند الشك. مضافا إلى اطلاق مادل على وجوب التيمم للجنب إذا كان عنده ما يكفيه للوضوء كصحيح عبد الله بن علي الحلبي: " أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء الوضوء للصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال عليه السلام: لا، بل يتيمم " (* 1)، ونحوه صحيح جميل ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله (ع) (* 2)، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) (* 3)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من ابواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 24 من ابواب التيمم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 24 من أبواب التيمم حديث: 4.

 

===============

 

( 293 )

 

ويجب الفحص عنه (1) ] وغيرها. وحينئذ فما عن الشيخ في بعض أقواله من التبعيض، وما عن العلامة في النهاية من احتماله ضعيف. وقد تقدم في الجبائر ماله نفع في المقام. فراجع. (1) بلا إشكال ظاهر. وذلك لان مقتضى الجمود على قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) وإن كان الاكتفاء بعدم العثور عليه، لكن الظاهر منه في المقام - بقرينة كون البدلية اضطرارية - إرادة عدم الوجوب المقدور، كما يتعارف كثيرا في استعمال هذا التركيب. ويشير إليه جملة من النصوص كصحيح صفوان قال: " سألت أبا الحسن (ع) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بالف درهم وهو واجد لها... " (* 1)، وخبر الحسين بن أبي طلحة قال: " سألت عبدا صالحا عن قول الله عزوجل: (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) ماحد ذلك؟ فان لم تجدوا بشراء وبغير شراء إن وجد قدر وضوئه بمائة الف أو بالف وكم بلغ؟ قال: ذلك على قدر جدته " (* 2)، وفي خبر أبي أيوب المروي عن تفسير العياشي: " إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتفض تيممه " (* 3). وبالجملة لا ينبغي التأمل في كون المراد من عدم الوجدان عدم الوجود المقدور مقابل الوجود الذي يكون تحت قدرته، لا مطلق عدم الوقوف عليه كما في وجدان الضالة. وكأن ما يحكى عن المفسرين - بل ادعي عليه اطباقهم - من أن المراد به عدم القدرة يراد به ما ذكرنا - أعني عدم الوجود المقدور -

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 19 من أبواب التيمم حديث: 6.

 

===============

 

( 294 )

 

لانفس عدم القدرة، وإلا فحمل الوجدان على معنى القدرة خلاف الظاهر جدا. وحينئذ فإذا شك في وجود الماء قبل الفحص عند فقد شك في الوجود الخاص فيشك في مشروعية التيمم فلا يجتزأ به في نظر العقل. بخلاف مالو شك في الوجود بعد الفحص وعدم العثور عليه، إذ حينئذ يحرز عدم الوجود الخاص فيتحقق موضوع المشروعية. ولذلك قال في جامع المقاصد: " لاريب أن طلب الماء شرط لجواز التيمم، لظاهر قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وعدم الوجدان إنما يكون بعد الطلب ". وكأنه لاحظ قرينة وروده مورد الاضطرار فيما ذكره، وإلا فعدم الوجدان يصدق بمجرد عدم الاستيلاء عليه وإن احتمل وجوده والعثور عليه مع الطلب. فاذن العمدة في دعوى كون المراد ذلك هو القرينة المذكورة، فالمراد عدم الوجدان الخاص. اللهم إلا أن يقال: لو سلم ذلك كفى في إثبات المشروعية استصحاب عدم الوجود الخاص لكونه مسبوقا بالعدم. نعم لو كان المكلف مسبوقا بوجود الماء المقدور كان الاستصحاب نافيا للمشروعية. لكن وجوب الطلب عندهم لا يختص بذلك، بل يجب الطلب حتى مع الشك في وجود الماء، ومثله مجرى لاستصحاب العدم حتى لو كان قادرا على ماء غيره ثم نفذ ذلك الماء، لان الماء النافذ غير الماء المشكوك، فجريان استصحاب وجود الماء المقدور يكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي، والمرجع فيه استصحاب عدم وجود الماء. فالعمدة إذن في وجوب الطلب بنحو الكلية ليس ما ذكرنا، بل هو ما أشرنا إليه مكررا في هذا الشرح - مثل مبحث الوضوء من الاناء

 

===============

 

( 295 )

 

[ إلى اليأس (1) إذا كان في الحضر (2)، ] المغصوب، ومبحث وضوء الجبائر - من أن وجوب الطهارة المائية ليس مشروطا بالوجدان. بل هو مطلق غير مشروط به. واشتراط وجوب الطهارة الترابية بعدم الوجدان لا يلازم اشتراطه بالوجدان. ومع الشك في القدرة على الواجب المطلق يجب الاحتياط، لبناء العقلاء عليه، أو لعموم دليل الوجوب بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبيا. فالطلب يكون واجبا من باب الاحتياط في امتثال وجوب الطهارة المائية. ولا مجال لاجراء استصحاب عدم القدرة لان القدرة بالاضافة إلى وجوب الطهارة المائية ليست قيدا لموضوع الحكم الشرعي ليصح التعبد بوجودها أو عدمها بلحاظه، بل هي موضوع للبعث العقلي لا غير، فلا تكون مجرى للاصل الشرعي، نعم هي بالاضافة إلى مشروعية الطهارة الترابية مجرى للاصل الشرعي، لانها موضوع للحكم الشرعي، إلا أن إثباتها بالاصل الظاهري لا يجدي في عذر العقل عن الطهارة المائية. ومن ذلك يظهر أن وجوب الطلب والفحص في المقام عقلي، لا شرعي نفسي ولا غيري، إذ لاوجه لذلك. لكن تقدم في بعض مباحث الماء المشكوك أن مشروعية التيمم لما كانت بعنوان كونه بدلا عن الطهارة المائية، فهذه البدلية توجب المعذورية عند العقل وان كان نفس مشروعية التيمم لا توجب العذرية. (1) اليأس ليس بحجة عقلا على العدم، فكأن التسالم منهم على الاجتزاء به في المقام من جهة لزوم الحرج لولاه، أو لانه حجة عند العقلاء في الموارد التي لا يتيسر العلم فيها غالبا ومنها المقام. (2) الظاهر أن ذكر الحضر في المتن من باب المثال، وإلا فان

 

===============

 

( 296 )

 

معاقد الاجماع على وجوب الطلب ليست مختصة بالسفر، بل هي شاملة لجميع الاحوال. نعم التخصيص بالغلوة والغلوتين يختص بالطلب في الارض أما الطلب في غيرها كالقافلة والرحل فلا حد له إلا اليأس. ولذا قال في التذكرة: " إن رأى خضرة أو شيئا يدل على الماء قصده واستبرأه، ولو كان دونه حائل صعد عليه وطلب... إلى أن قال: وإن كان له رفقة طلب منهم، فان تعذر ذلك كله فليطلب من جوانبه الاربعة غلوة... "، وفي المنتهى: " لو كان يطلب الماء فظهرت قافلة كثيرة طلب الماء من جميعهم ما لم يخف فوت الصلاة فيطلبه حينئذ إلى أن يبقى من الوقت قدر الفعل " وقال في روض الجنان: " ولو فقده (أي الماء) وجب عليه الطلب من أصحابه ومجاوريه في ركبه أو رحله فان لم يجده وجب عليه الطلب غلوة... " وبالجملة: التحديد الآتي يختص بطلب المسافر الماء عند احتماله في الارض، أما إذا احتمل وجوده في غيرها من جار أو رفقة أو غيرهما فيجب الطلب إلى أن يحصل اليأس وإن كان مسافرا كما سيأتي في كلام المصنف (ره). نعم لزوم الفحص إلى آخر الوقت يختص بالقول بالمضايقة وعدم جواز البدار. أما على القول بجواز البدار - ولو لاجل النصوص الآتية في محلها - فاللازم في مقدار الفحص أن يحصل اليأس ويصدق معه عدم الوجدان. ثم إن النص الآتي الوارد في تحديد الطلب بالغلوة أو الغلوتين وإن كان مورده المسافر لكن الظاهر منه المسافر العرفي لا خصوص المسافر الشرعي وإن احتمل أو قيل به. فما عدا المسافر العرفي يرجع في تحديد طلبه إلى العقل الحاكم بوجوبه إلى أن يعلم بالعجز أو يحصل اليأس. بل لا يبعد التعدي من المسافر إلى الحاضر، فيكون ذلك حكم مطلق الارض

 

===============

 

( 297 )

 

[ وفي البرية يكفي الطلب (1) ] وإن كان وطنا، فيكون حكم سكان البوادي والجبال حكم المسافرين من حيث الطلب في الارض. فالمتحصل: أنه يجب الطلب إلى أن يعلم بعدم القدرة على الماء، أو ييأس منه، أو يحصل حرج أو ضرر عليه، فإذا لم يحصل شئ من الامور المذكورة وجب الطلب إلى أن يحصل له عنوان عدم الوجدان عرفا فيشرع له التيمم حينئذ بناء على القول بجواز البدار كما عرفت. نعم إذا علم بوجود الماء في مكان بعيد وجب السعي عليه كما سيأتي، ويظهر منهم الاجماع عليه حتى على القول بجواز البدار ولو للنصوص الخاصة. وكذا لو علم بوجوده في آخر الوقت، كما سيأتي في مبحث جواز البدار. فانتظر. (1) أما وجوب الطلب في البرية: فعن الشيخ والعلامة والمحقق الثاني والسيد في المدارك وغيرهم: الاجماع عليه. وفي المنتهى: نسبته إلى علمائنا وفي التذكرة: نسبته إلى علمائنا أجمع. ويدل عليه - مضافا إلى ما عرفته في الحضر - مصحح زرارة المروي عن الكافي وأحد طريقي التهذيب عن أحدهما (ع): " إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل " (* 1)، وخبر السكوني عن جعفر بن محمد (ع) عن أبيه عن علي (ع) انه قال: " يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة وإن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك " (* 2). وإطلاق الاول لا ينافي الاستدلال به على أصل الوجوب. كما أن عدم صحة الثاني لا تقدح فيه بعد بناء الاصحاب

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب التيمم حديث: 2.

 

===============

 

( 298 )

 

على العمل بروايات روايه وهو السكوني، ولاسيما بعد حكاية الاجماع على العمل به. وحمله على إرادة بيان مجرد تحديد الطلب ونفي وجوب الزائد على الحد لا الالزام به خلاف الظاهر. وما في صحيح داود الرقي عن أبي عبد الله (ع): " لا تطلب الماء ولكن تيمم فاني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع " (* 1) وما في خبر يعقوب بن سالم قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحوه ذلك. قال (ع): لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع " (* 2) لا يعارض ما سبق، للتعليل فيهما بالخوف والتغرير، فيختصان بهما، ولا يشملان صورة الامن كما هو محل الكلام. مع أن الثاني مورده صورة العلم بوجود الماء فلا يكون مما نحن فيه. وأما خبر علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: " قلت له: أتيمم... إلى أن قال: فقال له داود الرقي أفأطلب الماء يمينا وشمالا؟ فقال (ع): لا تطلب الماء يمينا وشمالا ولا في بئر، إن وجدته على الطريق فتوضأ منه وإن لم تجده فامض " (* 3) فهو وإن لم يكن مورده الخوف، لكن يجب حمله على جمعا، ولاسيما بملاحظة قرب اتحاد الواقعة التي سأل فيها الرقي التي قد عرفت جوابه (ع) فيها مع الواقعة المحكية في هذا الخبر، فان ذلك موهن لاطلاقه جدا. هذا مع ضعف السند لتردد علي بن سالم بين المجهول وبين علي بن أبي حمزة البطائني الذي قيل فيه: " إنه أحد عمد الواقفة ". مضافا إلى ما عرفت من دعوى الاجماع على خلافه. ومنه يظهر ضعف ما ذكره الاردبيلي من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 3.

 

===============

 

( 299 )

 

الميل إلى الاستحباب، لان خبر السكوني ليس بصحيح ولا بصريح، ولمعارضته بخبر علي بن سالم، وانه أوضح دلالة وسندا وإن كان علي بن سالم مجهولا. انتهى. وهل الوجوب في المقام نفسي؟ - كما عن قواعد الشهيد والحيل المتين والمعالم - أو غيري لكون الطلب شرطا في صحة التيمم تعبدا - كما اختاره في الجواهر ولعله المشهور - أو عقلي بمناط وجوب الاحتياط مع الشك في القدرة؟ وجوه: من كون الاصل في الامر كونه نفسيا، ومن كون الظاهر منه ومن النهي الوارد في أمثال المقام كونهما إرشادا إلى الشرطية والمانعية، ومن كون ارتكاز الوجوب العقلي يصلح قرينة على الارشاد إليه. والاظهر الاخير، إذ الاول خلاف الاصل الثانوي، والثاني خلاف إطلاق الآية الدالة على مشروعيته بمجرد عدم الوجدان واقعا، فهذا الاطلاق بمناسبة الارتكاز يوجب حمله على الارشاد لا غير. وعليه فلا دخل للطلب في صحة التيمم لا ظاهرا ولا واقعا. بل هو راجع إلى تأمين المكلف عن خطر تفويت الطهارة المائية. لكن الانصاف أن ذلك بعيد عن ظاهر المصحح، فان ظهوره في ترتب التيمم على الطلب مما لا ينكر. فإذا بنينا على صحة جريان أصالة عدم الوجدان في نفسه - كما تقدم - فلا بد من الالتزام بكون الامر بالطلب - من قبيل الامر بالفحص في الشبهات الحكمية - راجعا إلى إلغاء الاصل المذكور، وتنجيز احتمال عدم مشروعية التيمم، فلا يحكم المكلف بصحة صلاته ظاهرا إلا في ظرف تحقق الطلب. وعلى هذا يكون الطلب شرطا في الحكم الظاهري بصحة التيمم، لا شرطا في الصحة واقعا ولا واجبا نفسيا، ولا واجبا عقليا بحتا. ولا يبعد الالتزام بذلك أيضا في الطلب

 

===============

 

( 300 )

 

[ غلوة سهم في الحزنة (1) ولو لاجل الاشجار (2). ] لغير المسافر، فيكون الاجماع عليه راجعا إلى الاجماع على إلغاء الاصل المذكور فيه، بل الظاهر عدم الاشكال في ذلك عندهم، فيتعين المصير إلى الغاء الاصل في المقامين. (1) كما هو المشهور. وعن جماعة: الاجماع صريحا أو ظاهرا عليه وعن الحلي: دعوى تواتر الاخبار به، وإن كان لم يعثر في ذلك إلا على رواية السكوني المتقدمة كما اعترف به غير واحد، فيقيد بها إطلاق مصحح زرارة المتقدم، فيحمل على إرادة بيان اشتراط الطلب المحدود بالحد السابق ببقاء الوقت وسقوطه مع ضيقه، لا وجوب الطلب دائما بدوام الوقت. ويشير إلى ذلك إهمال بيان مبدأ الطلب فيه، إذ لا يظن إمكان الالتزام بأن مبدأه أول الوقت ويمتد إلى وقت الفوت. كما لا يظن الالتزام بأن مبدأه إرادة الصلاة، لان ذلك يؤدي إلى عدم ارادة الصلاة إلا في آخر الوقت فرارا من كلفة الطلب، فيتعين حمله على ما ذكرناه. ومنه يظهر ضعف ماعن المحقق من استحسان دوام الطلب مادام الوقت، عملا بالحسن إذ لا مجال لذلك مع وجود المقيد، ولاسيما وأن المروي في أحد طريقي التهذيب (فليمسك) بدل (فليطلب) (* 1). وأما ماعن النهاية والمبسوط من تحديده بالرمية أو الرميتين مما ظاهره التخيير فلا وجه له ظاهر. ولعل مراده التفصيل المشهور، فتكون (أو) في كلامه للتقسيم لا التخيير. (2) كما نص عليه في الجواهر وغيرها. وفي القاموس والمجمع: تفسير الحزنة - بالفتح فالسكون - بما غلظ من الارض. وشموله لذلك لا يخلو من إشكال ظاهر. وحينئذ تعميم الحكم مبني على الاستفادة من غير اللفظ

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم ملحق الحديث الثالث.

 

===============

 

( 301 )

 

[ وغلوة سهمين في السهلة في الجوانب الاربعة (1)، بشرط احتمال وجود الماء في الجميع (2)، ومع العلم بعدمه في بعضها يسقط فيه، ومع العلم بعدمه في الجميع يسقط في الجميع. كما أنه لو علم وجوده فوق المقدار وجب طلبه (3) ] ويكون الموضوع الموجب للاكتفاء بالغلوة سهولة الطلب، وعليه فيمكن التعدي إلى غير الشجر مما يكون اشتغال الارض به موجبا لصعوبة الطلب. (1) كما هو المشهور، وظاهر التذكرة نسبته إلى علمائنا، وعن النهاية والوسيلة: الاقتصار على اليمين واليسار. وعن المقنعة: الاقتصار على الامام واليمين والشمال. لكن مقتضى إطلاق النص - ولاسيما بملاحظة كون مقتضى حكم العقل وجوب الاحتياط في المقام - هو وجوب الضرب في جميع الجهات بنحو يستوعب الطلب نقاط الدائرة المفروضة في مكانه، بحيث يكون مركزها مبدأ الطلب ومحيطها واقع في نهاية الغلوة أو الغلوتين، ولا وجه للتخصيص بجهة دون جهة. ويحتمل أن يكون المراد من كل من اليمين واليسار - فيما عن النهاية والوسيلة - نصف الدائرة، وأن الوجه في إهمال المقنعة جهة الخلف كونها وقع الطلب فيها بالمرور فيها إلى أن وصل إلى مكانه. فلاحظ. (2) وفي الحدائق: " الظاهر عدم الخلاف فيه ". لكن حكي عن قواعد الشهيد والحبل المتين والمعالم: العدم، لبنائهم على كون وجوب الطلب نفسيا، فلا مانع من الاخذ باطلاق الدليل. لكن قد عرفت ضعفه ولاسيما وكون مفهوم الطلب مما لا مجال لاعتباره إلا في ظرف رجاء المطلوب واحتماله، لامع العلم بعدمه. (3) كما عن نهاية الاحكام وجماعة. وفي التذكرة: " لو دل على

 

===============

 

( 302 )

 

[ مع بقاء الوقت. وليس الظن به كالعلم (1) في وجوب الازيد، وإن كان الاحوط خصوصا إذا كان بحد الاطمينان (2)، بل لا يترك في هذه الصورة فيطلب إلى أن يزول ظنه ولا عبرة بالاحتمال في الازيد. ] ماء وجب قصده مع المكنة وإن زاد على الغلوة والغلوتين ". وكأنه لصدق الوجدان المانع من مشروعية التيمم، فاطلاق وجوب الطهارة المائية يقتضي فعليته، ونصوص التحديد لا تنافي ذلك، لان ظاهرها صورة الاحتمال لاغير، فمعه يسقط وجوب الطهارة المائية. كما أن الظاهر سقوطه إذا كان الماء بعيدا مثل فرسخ ونحوه، فان الظاهر صدق عدم الوجدان. فإذا بنينا على جواز البدار في السعة - كما سيأتي في أحكام التيمم - لامانع من صحة التيمم حينئذ، وإن علم بوجود الماء بعيدا بحيث يمكن الوصول إليه قبل خروج الوقت. ولابد من ملاحظة كلماتهم، فان كان إجماع على وجوب السعي إلى الماء مطلقا - كما هو الظاهر من بعض الكلمات - فهو، وإلا فاللازم جعل المدار على صدق عدم الوجدان عرفا، بناء على القول بجواز البدار، ولو لاجل النصوص الخاصة كما عرفت. وسيأتي في مبحث جواز البدار اختصاص القول به بصورة عدم العلم بوجوده في الوقت وإلا لم يجز إجماعا، وإن كانت أدلة المواسعة شاملة لذلك حتى النصوص لو لزم من الطلب الحرج أو الضرر أو نحوهما مما يوجب سقوط التكليف. (1) فلا يجب مع الظن الطلب زائدا على الحدين لعدم الدليل عليه. وما في جامع المقاصد وعن الروض من إلحاقه به، وتعليله بأن شرط التيمم العلم بعدم الماء، كما ترى خروج عن إطلاق دليل التحديد. (2) فقد تردد فيه في الجواهر كالمتن، لاحتمال خروجه عن نصوص

 

===============

 

( 303 )

 

[ (مسألة 1): إذا شهد عدلان بعدم الماء في جميع الجوانب أو بعضها سقط وجوب الطلب (1) فيها أو فيه، وإن كان الاحوط عدم الاكتفاء. وفي الاكتفاء بالعدل الواحد إشكال (2) فلا يترك الاحتياط بالطلب. (مسألة 2): الظاهر وجوب الطلب في الازيد من المقدارين إذا شهد عدلان بوجوده في الازيد، ولا يترك الاحتياط في شهادة عدل واحد به. (مسألة 3): الظاهر كفاية الاستنابة (3) في الطلب وعدم وجوب المباشرة، بل لا يبعد كفاية نائب واحد عن جماعة، ] التحديد لانصرافها عنه، بل هو المتعين بناء على حجيته، لما عرفت من كون موضوع الامر في النصوص في موضوع حكم العقل به من باب الاحتياط، وحيث لا مجال لحكم العقل مع وجود الحجة يكون خارجا عن موضوع النصوص أيضا. (1) لانه مع وجود الحجة على العدم لا مجال لحكم العقل فلا تشمله النصوص. نعم لو بني على كون الوجوب نفسيا أو غيريا لم يسقط، لما سبق. (2) مبني على الاشكال في حجيته في الموضوعات. (3) كما عن الشهيدين وابن فهد وغيرهم. وفي جامع المقاصد: " ويجوز الاستنابة في الطلب وينبغي اشتراط عدالة النائب، ويحسب لهما، لان إخبار العادل يثمر الظن ". وفي التذكرة: " لو أمر غيره بالطلب لم يبح له التيمم على إشكال ينشأ من الاعتماد على الظن وقد حصل من إخبار الثقة ". وفي المنتهى: " لو أمر غيره فطلب الماء فلم يجده لم

 

===============

 

( 304 )

 

يكتف به لان الخطاب بالطلب للمتيمم فلا يجوز أن يتولاه غيره كما لا يجوز له أن ييممه ". وهذه الكلمات ليست جارية على مجرى واحد، فان كلام العلامة مبني على عدم كون المقام مقام النيابة، وكلام جامع المقاصد مبني على خلاف ذلك. وتحقيق ذلك: أن النيابة تختص بالمورد الذي تكون نسبة الفعل فيه إلى المخاطب دخيلة في ترتب الاثر مثل الصوم والصلاة ونحوهما، فان النائب بفعله بقصد النيابة يتحقق منه فعل منسوب إلى المنوب عنه، فيترتب عليه أثره. ولو لم يقصد النيابة لاتتحقق النسبة إلى المنوب عنه فلا يترتب الاثر عليه. أما الموارد التي لا تكون النسبة فيها دخيلة في ترتب الاثر فلا مجال لاعتبار النيابة فيها وليست من مواردها. وعلى هذا فالاولى أن يقال: إن بني على كون الوجوب في المقام نفسيا أو غيريا فظاهر الدليل وجوب فعل المكلف نفسه فيكون من موارد النيابة. وحينئذ يشكل الامر في جواز النيابة فيه، لعدم ثبوت العموم الدال على جوازها كلية بحيث يرجع إليه عند الشك، والدليل عليه بالخصوص مفقود، وبناء العرف عليه في كل مقام وإن كان حجة - كما تقتضيه الاطلاقات المقامية - إلا أن ثبوت بنائهم في المقام غير ظاهر. وإن بني على كون الوجوب طريقيا - نظير وجوب الفحص في الشبهات الحكمية راجعا إلى إيجاب الاحتياط وإلغاء الاصل المؤمن - فظاهر الدليل عدم الخصوصية في الطلب المنسوب إلى المكلف، وأن الواجب هو اليأس من وجود الماء فيما دخل الحد الحاصل من الطلب سواء أكان الطلب والفحص من المكلف أم من غيره فإذا علم بوقوع الطلب من غيره على أحسن وجوهه اكتفى به وان لم يكن بقصد النيابة، وإلا فلا وإن وقع بقصد النيابة.

 

===============

 

( 305 )

 

[ ولا يلزم كونه عادلا (1) بعد كونه أمينا موثقا (2). (مسألة 4): إذا احتمل وجود الماء في رحله أو في منزله أو في القافلة وجب الفحص حتى يتيقن العدم أو يحصل اليأس منه، فكفاية المقدارين خاص بالبرية (3). (مسألة 5) إذا طلب قبل دخول وقت الصلاة ولم يجد ففي كفايته بعد دخول الوقت مع احتمال العثور عليه لو أعاده إشكال (4)، فلا يترك الاحتياط بالاعادة. وأما مع انتقاله عن ] (1) لاطلاق الطلب بعد فهم عدم خصوصية النسبة إلى المكلف فيه، لعدم الدليل عليه، ولذا لا يشترط في سائر موارد النيابة. (2) ليقبل خبره. (3) يعني: خاص بطلب الماء الذي يكون في البرية مثل الآبار والمنابع ومجامع المياه ونحو ذلك، ولا يرتبط بالماء الذي يكون في الرحل أو المنزل أو القافلة أو نحوها مما لا يتعلق بالارض، فانه يجب الفحص عنه بلا تقدير، فيكون حاله حال الفحص في الحضر لابد في سقوطه من حصول العلم بالعجز أو اليأس من الوصول إليه أو الحرج أو الضرر كما تقدمت الاشارة إليه في أول المسألة، وتقدم نقل ما في التذكرة والمنتهى والروض، فراجع. (4) قال في المعتبر: " لو طلب قبل الوقت لم يعتد بطلبه وأعاده، ولو طلب بعد دخول الوقت اجتزأ به ". وقال في المنتهى: " لو طلب قبل الوقت لم يعتد به ووجبت إعادته لانه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه كالشفيع لو طلب قبل البيع ". ثم استدل له بمصحح زرارة المتقدم، ثم قال: " لا يقال: إذا كان قد طلب قبل الوقت ودخل الوقت ولم يتجدد حدوث ماء كان طلبه عبثا. لانا نقول: إنما يتحقق

 

===============

 

( 306 )

 

أنه لم يحدث ماء إذا كان ناظرا إلى مواضع الطلب ولم يتجدد فيها شئ وهذا يجزؤه بعد دخول الوقت لان هذا هو الطلب، وأما إذا غاب عنه جاز أن يتجدد فيها حدوث الماء فاحتاج إلى الطلب ". والظاهر ذيل كلامه - كظاهر ما في المتن - الفرق بين الطلب قبل الوقت وبعده، ووجوب التجديد مع احتمال العثور في الاول وعدمه في الثاني. واستدل له في الجواهر بأن الطلب واجب للاجماع وغيره، فلا ينطبق على ما قبل الوقت لانه ليس بواجب. ولتوقف صدق عدم الوجدان على الطلب في الوقت ولظهور الاية في إرادة عدم الوجدان عند إرادة التيمم للصلاة والقيام إليها. ولانه لو اكتفى بما قيل الوقت لاكتفى بالطلب الواحد لايام متعددة وهو معلوم البطلان. انتهى. هذا والمنساق من الادلة المذكورة - كصدر كلام المنتهى - الفرق بين الطلب قبل الوقت وبعده في الاجتزأء بالثاني مطلقا دون الاول كذلك. وكيف كان فان أريد هذا فهو خلاف إطلاق خبر السكوني، والوجوه المذكورة لا تصلح لتقييده إذ هي مجال المناقشة، لان عدم وجوب ما قبل الوقت لا يلازم عدم الاجتزاء به كما هو الحال في جميع المقدمات المأتي بها قبل وقت ذيها. وتوقف عدم الوجدان على الطلب في الوقت أول الكلام. وظهور الاية في إرادة عدم الوجدان عند الصلاة مسلم، لكنه لا يقيد الطلب المعتبر شرطا في صحة التيمم - بناء عليه - في خصوص ما يكون في الوقت. والعلم ببطلان الاكتفاء بالطلب الواحد لايام متعددة غير ظاهر. وإن أريد الاول نقول: إن كان احتمال العثور على الماء لاحتمال الخطأ في الطلب، أو لاحتمال تجدد وجود الماء احتمالا غير معتد به عند العقلاء،

 

===============

 

( 307 )

 

فمقتضى النص عدم الاعتناء به وعدم وجوب تجديد الطلب لاجله، لان الاحتمال المذكور لازم غالبا لا ينفك عنه، فلو بني على التجديد لاجله لزم وجوب التجديد دائما إلى آخر الوقت، وهو خلاف ظاهر النص من الاكتفاء بطلب واحد. وإن كان معتدا به عند العقلاء كنزول مطر ونحوه فالظاهر وجوب الطلب ثانيا، وإن وقع الاول في الوقت لظهور النص في أنه يعتبر في صحة التيمم والصلاة به بقاء المكلف على الحالة التي كان عليها وبعبارة أخرى: ظاهر النص الدال على اعتبار الطلب في صحة التيمم ظاهرا إنما هو اعتبار نفس الحالة التي تحصل للطالب بعد الطلب وهو اليأس من القدرة على الماء، لااعتبار نفس السعي والطلب، فإذا فرض زوال تلك الحالة بحدوث ما يوجب رجاء القدرة عليه وجب تحصيلها ثانيا. ولاجل ما ذكرنا يندفع ما يقال من أن أدلة وجوب الطلب إنما اقتضت إلغاء أصالة عدم الوجدان الجارية قبل الطلب، فإذا جرى الاصل المذكور بعد الطلب كفى في إحراز صحة التيمم ولم يحتج إلى الطلب. وجه الاندفاع أن ظاهر النص اعتبار نفس الحالة الحاصلة بالطلب في صحة التيمم، فلا بد من تجديد الطلب لتحصيل الحالة المذكورة، وإلا فلا يحرز صحته. هذا ولو بني على المناقشة فيما ذكرنا وعلى الحكم بعدم وجوب التجديد لو طلب في الوقت كان اللازم أيضا الحكم بعدم وجوب التجديد لو وقع قبل الوقت، عملا بالاستصحاب المذكور، لعدم الفرق بينهما في شمول الاطلاق وجريان الاستصحاب، فالفرق بينهما - كما ذكره الجماعة - غير ظاهر. ثم إنه لو بني على الفرق بينهما في شمول الاطلاق وجريان الاستصحاب فقد عرفت الاشارة إلى أن عدم وجوب التجديد عملا بالاستصحاب لو وقع بعد الوقت إنما يتم بالنسبة إلى إحراز صحة التيمم، لا بالنسبة إلى الامن من تفويت الواجب المطلق أعني: الطهارة المائية كما ذكرنا ذلك آنفا.

 

===============

 

( 308 )

 

[ ذلك المكان فلا إشكال في وجوبه (1) مع الاحتمال المذكور. (مسألة 6): إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة فلم يجد يكفي لغيرها من الصلوات فلا يجب الاعادة عند كل صلاة إن لم يحتمل العثور مع الاعادة، وإلا فالاحوط الاعادة (2)، (مسألة 7): المناط في السهم والرمي والقوس والهواء والرامي: هو المتعارف المعتدل الوسط في القوة والضعف (3). ] (1) وفي كشف اللثام وغيره: القطع به، لاطلاق النص. ودعوى انصرافه عن صورة عدم انتقاض تيممه بحدث، ويكون المرجع فيها استصحاب صحة التيمم. غير ظاهرة. (2) الكلام في هذه المسألة بعينه الكلام فيما قبلها، وفي الذكرى صرح بالاكتفاء بالطلب مرة في الصلوات إذا ظن الفقد بالاولى مع اتحاد المكان. ذكر ذلك بعد مباحث التخلي، ونحوه في جامع المقاصد إذا كان الظن قويا، ومرادهم صورة بقاء الظن بحاله، بناء منهم على الاجتزاء بذلك في الطلب مطلقا، وفي التحرير: " لو دخل عليه وقت صلاة أخرى وقد طلب في الاولى ففي وجوب الطلب ثانيا إشكال أقربه عدم الوجوب. ولو انتقل عن ذلك المكان وجب إعادة الطلب ". وظاهر إطلاقه المنافاة لما سبق، إلا أن يحمل على صورة عدم نقض تيممه بحدث، ليكون الوجه في عدم الوجوب استصحاب صحة التيمم بعد قصور الادلة على شمول المورد. وهو - مع بعده عن كلامه - لا يتجه بالاضافة إلى احتمال تفويت الطهارة المائية. أو يكون المراد صورة ما إذا كان احتمال العثور على الماء - لو طلب ثانيا - غير معتد به عند العقلاء، فيكون اليأس من العثور على الماء الحاصل بالطلب الاول بحاله. (3) وفي كشف اللثام: أنه المعروف، ويقتضيه الاطلاق المقامي

 

===============

 

( 309 )

 

[ (مسألة 8): يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت (1) (مسألة 9): إذا ترك الطلب حتى ضاق الوقت عصى (1) ] المعول عليه في أمثال المقام من موارد التحديد. لكن حكى فيه عن العين والاساس: أن الفرسخ التام. خمس وعشرون غلوة. وعن ابن شجاع: ان الغلوة ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة. وعن الارتشاف: أنها مائة باع وأن الميل عشرة غلاء. انتهى. ولكنها - مع اختلافها فيما بينها - لا تصلح للخروج عن مقتضى الاطلاق المقامي وهو الاخذ بالمتعارف. ومعرفة مقداره موقوفة على الاختبار. (1) بلا خلاف ولا إشكال ظاهر، ويظهر من كلام غير واحد كونه من الواضحات، فيتيمم ويصلي ولا قضاء عليه. ويشهد به صحيح زرارة السابق عن أحدهما (ع): " إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت، فان وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل " (* 1)، ويشير إليه الخبران المتقدمان (* 2) الدالان على سقوط الطلب بالخوف. (2) بلا خلاف ظاهر، ويظهر منهم الاتفاق عليه. ووجهه - بناء على وجوب الطلب نفسيا كما عرفت سابقا أنه ظاهر جماعة - ظاهر. أما بناء على كون وجوبه إرشاديا إلى إلغاء أصالة عدم الوجدان الجارية لولا دليل وجوب الطلب، فيكون مفاده تنجز احتمال عدم مشروعية التيمم كما عرفت أنه الظاهر، فثبوت العصيان حينئذ غير ظاهر إلا بناء على القول

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم، حديث: 3، وقد تقدم نقله من دون قوله (فان وجد...). (* 2) هما خبرا داود الرقي ويعقوب بن سالم المتقدمان قريبا في البحث عن وجوب الطلب في البرية.

 

===============

 

( 310 )

 

[ لكن الاقوى صحة صلاته حينئذ (1) ] بفساد التيمم والصلاة حينئذ، إذ لو قيل بصحتهما - كما سيأتي - لم يكن وجه للعصيان. كما أنه لو قيل بكون صحتهما منوطة بصدق عدم الوجدان واقعا كان اللازم القول بالتجرؤ من جهة الاقدام على عدم اليقين بالفراغ لا العصيان الحقيقي لاحتمال الصحة والموافقة. نعم لو كان عالما بأنه لو طلب لعثر كان عاصيا، لكن محل الكلام أعم من ذلك. وكذا الاشكال في تحقق العصيان من جهة تفويت الطهارة المائية - بناء على كون وجوبها مطلقا لا مشروطا بالوجدان - فان ذلك إنما يتم أيضا لو كان يعلم بأنه لو طلب الماء لعثر عليه، أما لو كان يحتمل ذلك فليس منه إلا التجرؤ، من جهة الاقدام على تفويت الواجب مع احتماله القدرة عليه. وكأنه لاجل ما ذكرنا عبر جماعة بالخطأ - منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد - ولم يعبروا بالعصيان. فلاحظ. (1) كما هو المشهور كما في المدارك. وعن الروض: نسبته إلى فتوى الاصحاب، كما يقتضيه قوله تعالى: (فلم تجدوا) (* 1)، وإطلاق مصحح زرارة السابق (* 2). واحتمال انصرافهما إلى خصوص صورة عدم التفريط ممنوع، كما هو كذلك في سائر موارد الابدال الاضطرارية. وعلى هذا فما عن المشهور من شرطية الطلب للتيمم يراد بها الشرطية في السعة لا في الضيق، وإلا لم يكن وجه للصحة في المقام. وأما ماعن ظاهر النهاية والمبسوط والخلاف والسرائر والنافع والدروس من وجوب الاعادة، فمجرده لا يقتضي خلافا منهم في الصحة، بل يحتمل خلافهم في الاجزاء. وحينئذ

 

 

____________

(* 1) المائدة: 6. (* 2) تقدم ذكره في المسألة الثالثة.

 

===============

 

( 311 )

 

[ وإن علم أنه لو طلب لعثر (1) لكن الاحوط القضاء خصوصا في الفرض المذكور. ] فضعفه أظهر، لصراحة أدلة مشروعية التيمم في اجزائه عن الطهارة المائية وعدم الحاجة إلى الاعادة، وإن كان مقتضى الجمع بين ذلك وبين مادل على تحريم تفويت الطهارة الالتزام بأن ما يفوت من الطهارة غير قابل للتدارك بالقضاء. ويحتمل - كما في المدارك - أن يكون مراد الشيخ من وجوب الاعادة صورة مالو تيمم في السعة، الذي ادعى غير واحد الاجماع على وجوب الاعادة فيه، فلا خلاف له فيما نحن فيه. ولعله مراد غيره فلابد من ملاحظة كلامهم. (1) لعدم الفرق بين الصورة المذكورة وغيرها في صدق عدم الوجدان وعموم الصحيح المتقدم (* 1)، إذ مجرد العلم المذكور لا يجدي بعد تعذر الطلب من جهة الضيق كما هو ظاهر. نعم استثنى في القواعد صورة مالو وجد الماء في رحله أو مع أصحابه فأوجب الاعادة فيها. وفي محكي البيان " لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت عصى وصحت الصلاة بالتيمم، فان وجده بعدها في رحله أو مع أصحابه الباذلين أو في الفلوات أعادها ". وقريب منهما ما يحكى عن غيرهما. فان كان مرادهم صورة ضيق الوقت عن طلب الماء في الغلوة أو الغلوتين مع عدم ضيقه عن طلب الماء الذي وجده وإنما لم يطلبه لاعتقاد عدمه - كما لعله ظاهر المقنعة - فالحكم بوجوب الاعادة منهم مبني على ما يأتي إن شاء الله في المسألة الثانية عشرة. وإن كان مرادهم صورة الضيق عن طلب الماء مطلقا حتى ما وجده في رحله أو عند أصحابه - كما لعله ظاهر عبارة البيان بل هو صريح المنتهى،

 

 

____________

(* 1) هو صحيح زرارة الذي تقدم ذكره قى المسألة الثامنة.

 

===============

 

( 312 )

 

[ (مسألة 10): إذا ترك الطلب في سعة الوقت وصلى بطلت صلاته (1) وإن تبين عدم وجود الماء. نعم لو حصل ] قال فيه: " لو كان بقرب المكلف ماء وأهمل حتى ضاق الوقت فصار لو مشى إليه خرج الوقت فانه يتيمم وفي الاعادة وجهان أقربهما الوجوب " - كان الحكم بوجوب الاعادة غير ظاهر، لما عرفت من أن بناءهم على وجوب الاعادة إن كان لاجل البناء على بطلان التيمم والصلاة فهو خلاف إطلاق الاية والمصحح. وإن كان راجعا إلى عدم الاجزاء مع البناء على صحة التيمم والصلاة - كما هو ظاهر المنتهى والبيان - فهو خلاف مادل على الاجزاء كما سيأتي إن شاء الله. نعم في الحدائق - بعدما نسب إلى المشهور القول بوجوب القضاء في الفرض - قال (ره): " استنادا إلى ما رواه الشيخ (ره) عن أبي بصير قال: " سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمم وصلى، ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت. قال (ع): عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة " (* 1) وأنت خبير بأن ظاهر الخبر المذكور أولا إنما هو النسيان وهو أخص من المدعى، وثانيا ان تيممه وقع في السعة وهو خلاف المفروض في كلامهم " وسبقه في الاشكال الاول السيد في المدارك، والمناقشة في اختصاصه بالسعة كما ترى. ومن ذلك يظهر أن ماعن السرائر والمهذب وظاهر المقنع والفقيه والنهاية من عدم لزوم الاعادة في محله. (1) قطعا وإجماعا منقولا إن لم يكن محصلا كما في الجواهر. وفي غيرها: " ان الاجماع عليه مستفيض النقل مابين صريح وظاهر والتتبع مساعده "، لعدم الدليل على مشروعيته حينئذ، لان دليل وجوب الطلب

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 5.

 

===============

 

( 313 )

 

[ منه قصد القربة مع تبين عدم الماء فالاقوى صحتها (1). (مسألة 11): إذا طلب الماء بمقتضى وظيفته فلم يجد فتيمم وصلى ثم تبين وجوده في محل الطلب من الغلوة أو الغلوتين أو الرحل أو القافلة - صحت صلاته ولا يجب القضاء أو الاعادة (2). ] مانع من صدق عدم الوجدان. بل لو قيل بكون وجوب الطلب غيريا كان دليه دليلا على البطلان، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. (1) كما عن التحرير. وهو في محله بناء على كون وجوب الطلب إرشاديا، إذ عليه يكون الفعل مصداقا للمأمور به واقعا فيسقط الامر به واعتبار الجزم في التقرب لا شاهد عليه كما تقدم في أوائل مباحث التقليد، مع أنه قد يتفق حصول الحزم بسبب الغفلة عن التكليف بالطلب شرعا وعقلا. نعم بناء على كون وجوب الطلب غيريا لابد من الحكم بالبطلان لكن عرفت ضعف المبنى المذكور. (2) اتفاقا كما قيل، بل الظاهر كون الفرض من صغريات ما يأتي من أن من صلى بتيمم صحيح لم تجب عليه الاعادة، الذي ادعى جماعة الاجماع عليه، المستدل عليه بالنصوص الكثيرة الصريحة في الاجزاء. (ودعوى) أن موضوع تلك المسألة التيمم الصحيح، وهو أول الكلام في الفرض، لان وجود الماء في الحد يوجب كونه واجدا له في الواقع فلا يشرع له التيمم. (مندفعة) بما عرفت من أن موضوع المشروعية عدم الوجود المقدور وهو حاصل، لان عدم عثوره على الماء مع وقوع الطلب منه على وجهه ملزوم لعدم القدرة عليه. نعم لو كان الموضوع عدم الوجود مطلقا تم ما ذكر، لكنه ليس كذلك.

 

===============

 

( 314 )

 

[ (مسألة 12): إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه وتيمم وصلى ثم تبين سعة الوقت لا يبعد صحة صلاته (1) وإن كان الاحوط الاعادة (2) أو القضاء، بل لا يترك الاحتياط بالاعادة. وأما إذا ترك الطلب باعتقاد عدم الماء فتبين وجوده ] ومثلها دعوى كون عدم القدرة المأخوذ شرطا في مشروعيته ليس مجرد عدم القدرة الذي يصلح عذرا في نظر العقل، ليشمل ما يكون ناشئا من عدم الالتفات، لعدم الدليل على ذلك، بل عدم القدرة واقعا مع قطع النظر عن العلم والجهل، وذلك منتف في المقام. وجه الاندفاع: أنك عرفت أن مقتضى الجمود على قوله تعالى: " فلم تجدوا " هو الاكتفاء بمجرد عدم إصابة الماء وعدم استيلائه عليه، غاية الامر أن المتعارف في استعمال التركيب المذكور - بمناسبة كون البدل اضطراريا وأنه مجعول في ظرف الاضطرار، كما يشير إلى ذلك صحيح صفوان المتقدم في أول المبحث - هو إرادة عدم الاصابة المضطر إليه، فيكون المراد عدم الوجدان المقدور وهو صادق فيما نحن فيه، وإرادة أكثر من ذلك محتاجة إلى دليل مفقود (1) إما لانه يستفاد من مصحح زرارة السابق بالاولوية، أو لان اعتقاد الضيق يوجب منعه من الطلب للمضادة بينه وبين الصلاة فلا يكون قادرا على الماء، فيشرع له التيمم بناء على كون عدم القدرة - ولو بتوسط جعل الشارع - موضوعا للمشروعية كما سيأتي. (2) لامكان المناقشة في الاول بأن المصحح لا يدل على الصحة في ظرف انكشاف السعة ليمكن إلحاق المقام بموره بالاولوية، بل هو حكم ظاهري بالصحة ونفي القضاء، فيجري فيه ما يجري في سائر الاحكام الظاهرية من عدم الاجزاء على تقدير الخطأ. وفي الثاني بأن عدم القدرة المأخوذ موضوعا

 

===============

 

( 315 )

 

لمشروعية التيمم لايراد به ما يشمل ما ذكر مما كان ناشئا عن اعتقاد خطئي لظهور الدليل في غيره، والاصل عدم المشروعية. وفيه: أن المناقشة في الاول إنما تتم لو كان الخوف طريقا شرعا إلى الضيق، أو أن مقتضى الاصل ثبوت الضيق على خلاف استصحاب بقاء الوقت، وكلاهما خلاف ظاهر المصحح، فان ظاهره كون الوجه في التيمم لزوم ترجيح احتمال الفوت على احتمال إبقاع الصلاة بالطهارة المائية، فان المكلف عند خوف فوت الوقت يحتمل السعة الموجبة للطلب، ويحتمل الضيق الموجب للمبادرة إلى الصلاة مع الطهارة المائية، فحيث يدور أمره بينهما يترجح في حقه العلم على الثاني لاهمية متعلقه، فيكون وجوب التيمم من باب الاحتياط في الوقت. فإذا دل المصحح على المشروعية حينئذ حتى على تقدير السعة واقعا - كما يقتضيه إطلاقه - فقد دل على المشروعية فيما نحن فيه بالاولوية. ولا ينافي ذلك قوله (ع) في المصحح: " وليصل في آخر الوقت "، لان المراد منه آخر الوقت الذي يخاف الفوت لو أخر عنه. ويدفع المناقشة في الثاني: أن الموجب لسلب القدرة على الطلب ليس هو الاعتقاد ليدعى انصرافه إلى غير الخطئي، بل هو حكم العقل، ولا يفرق فيه بين الاعتقاد الخطئي وغيره، لان موضع الاحكام العقلية الموضوعات الاعتقادية. نعم إنما يتم التقريب المذكور بناء على أن عدم القدرة المعتبر في التيمم أعم من العقلي والشرعي كما هو الظاهر. وبالجملة: المحتمل بدوا في موضوعية عدم الماء لمشروعية التيمم وإن كان أحد أمور أربعة: (الاول): عدم الماء في مقابل وجوده. (الثاني): عدم وجدان الماء مطلقا في مقابل فقدانه. (الثالث). عدم وجدان الماء مع الاضطرار إلى العدم، أعني العدم الخاص في مقابل الوجدان وفي مقابل

 

===============

 

( 316 )

 

[ وأنه لو طلب لعثر فالظاهر وجوب الاعادة (1) أو القضاء. (مسألة 13): لا يجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل ] عدم الوجدان غير الاضطراري. وهذا على قسمين لان العدم الاضطراري (تارة): لقصور في الكلفة أو في الماء. (وأخرى): لا لقصور في إحدى الجهات بل لمجرد الخطأ في الاعتقاد. لكن الاول لا مجال له لعدم الدليل عليه ولا منشأ لاحتماله. والثاني وإن كان هو مقتضى الجمود على قوله تعالى: " فان لم تجدوا " لكن المفهوم منه عرفا - بملاحظة وروده مورد الاضطرار وبملاحظة دليل وجوب الطلب ومثل صحيح صفوان المتقدم في أول المبحث - يأباه، فلا مجال للاخذ به، ويتعين الحمل إما على الثالث وإما على الرابع. والذي يساعد المذاق العرفي هو الاخير، فان المنع العقلي بعدما كان موجبا لسلب القدرة، كان كالمنع الشرعي. وسيأتي في المسألة التاسعة عشرة ماله نفع في المقام. وعليه فالبناء على ما في المتن في محله. نعم إذا كان الخطأ في الاعتقاد لا يوجب منعا عقليا - كما في الفرض الاتي - لم يكن وجه للاجزاء. كما أنه أيضا يبتني على القول بجواز البدار، وإلا فلو انكشف اتساع الوقت انكشف عدم جواز البدار. (1) لما عرفت من أن اعتقاد عدم الوجود لا يوجب صدق عدم الوجدان، ولامع عقلي يستوجب ذلك أيضا كما في الفرض السابق. وأما مضمر أبي بصير المتقدم (* 1) فالتعدي عن مورده إلى مثل المقام يحتاج إلى لطف قريحة. وعن السيد المرتضى (ره) نفي الاعاده في الناسي، وكأنه استضعاف للنص في قبال عموم عدم الوجدان الصادق مع النسيان. ولكنه في غير محله، لانجبار ضعف السند بالعمل. مع أنك عرفت أنه مقتضى

 

 

____________

(* 1) تقدم قي المسألة التاسعة من هذا الفصل.

 

===============

 

( 317 )

 

[ بعد دخول الوقت إذا علم بعدم وجدان ماء آخر (1). ولو كان على وضوء لا يجوز له إبطاله إذا علم بعدم وجود الماء، بل الاحوط القاعدة. هذا بناء على جواز التيمم في السعة. ولو خص الجواز بالضيق كان الظاهر وجوب الاعادة مطلقا بلا خصوصية للنسيان. (1) كما نسب إلى الاصحاب، بل في الجواهر: دعوى ظهور الاجماع عليه، إذ لم يعرف فيه مخالف إلا ما في المعتبر. لاطلاق وجوب الطهارة المائية، كما هو ظاهر قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا...) وقوله تعالى: (حتى تغتسلوا). ودعوى: أنه وإن كان مقتضى ظاهرهما ذلك، إلا أن مقتضى الجمع بينه وبين ما بعده من قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء..) كون موضوع الطهارة المائية خصوص واجد الماء كما هو الحال في أمثاله مما ورد فيه مطلق ومقيد، كاطلاق أدلة وجوب تمام، فانه وإن كان يقتضي وجوبه مطلقا، إلا أن الجمع بينه وبين مادل على القصر للمسافر يقتضي اختصاصه بغير المسافر، فيكون التمام والقصر حكمين لموضوعين: الاول: حكم الحاضر، والثاني: حكم المسافر، وكذا نقول في المقام، فان مقتضى الجمع بين أدلة الطهارة المائية والترابية كون موضوع الاولى الواجد، وموضوع الثانية الفاقد. فكما لامانع عقلا من الانتقال من الحضر إلى السفر وبالعكس كذلك في المقام يجوز الانتقال من الوجدان إلى عدمه وبالعكس لو أمكن وأمثالهما في الفقه كثيرة. مندفعة: بأن ذلك وإن سلم لكنه يختص بما إذا لم يكن عنوان المقيد عنوانا اضطراريا، أما لو كان كذلك فالعرف يأبى عن الجمع بالتقييد، بل يكون المفهوم عنده من الدليلين هو وجود ملاك حكم المطلق مطلقا غير مشروط

 

===============

 

( 318 )

 

بنقيض عنوان المقيد، وأنه في ظرف عذر المكلف عن موافقة حكم المطلق. ولاجل الاضطرار يثبت حكم المقيد. والرجوع إلى العرف في القيود الاضطرارية يوجب الجزم بما ذكرنا. مضافا إلى أن ارتكاز بدلية التيمم عن الوضوء أو الغسل عند المتشرعة لا يصح إلامن جهة وجود ملاكهما في ظرف مشروعيته، إذ مع انتفاء ملاكهما لا معنى للبدلية عنهما، ولو كان الوجوب مشروطا بالوجدان كان عدم الوجدان موجبا لانتفاء الملاك كما هو ظاهر. نعم قد يعارض ذلك مادل على الاجزاء مثل قوله (ع) " يكفيك الصعيد عشر سنين " (* 1)، وقوله (ع): التيمم أحد الطهورين " (* 2)، ونحوهما، ولاسيما مثل قوله (ع): " إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (* 3). لكن لا يخفى أن مفاد أدلة الاجزاء ليس إلا نفي الاعادة أو القضاء، ولا تدل على وفاء التيمم تمام ما يفي به الوضوء أو الغسل. ومن الجائز أن يكون نفي الاعادة والقضاء لعدم إمكان تدارك الفائت. وأما التشبيه في الاخير فانما وقع بين نفس الجعلين فيدل على تساويهما، لابين نفس المجعولين ليدل على تساويهما في المصلحة، ليمتنع الترتب بينهما. فلاحظ. فان قلت: لو كانت مصلحة الطهارة المائية أهم وأعظم لزم عدم جواز فعل الغايات المشروطة بها إلا عند الضرورة مع بنائهم على أنه يستباح بالتيمم كل ما يستباح بالطهارة المائية ولو مع عدم الاضطرار، فلو تيمم عند عدم الماء أو الخوف من استعماله جاز له القضاء وغيره من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 1. ويدل على المطلب المذكور في المتن سائر أخبار باب: 23 وجملة من أخبار باب: 20 و 14 من أبواب التيمم. فراجع.

 

===============

 

( 319 )

 

[ عدم الاراقة وعدم الابطال قبل الوقت أيضا مع العلم بعدم وجدانه بعد الوقت (1). ولو عصى فأراق ] الواجبات والمستحبات وإن كانت موسعة، وجاز لغيره استئجاره لذلك، وجاز الاكتفاء بفعله في الكفائيات، ونحو ذلك، ولما جازالبدار مع أنه مذهب جماعة، بل هو الصحيح كما يأتي إن شاء الله تعالى. قلت: مع أن جملة مما ذكر محل إشكال أو منع كما سيأتي، نقول إن تم إجماع في جميع ما ذكر أو قام دليل عليه أمكن أن يكون كاشفا عن رفع الشارع الاقدس اليد عن المقدار الزائد من المصلحة لجهة اقتضت ذلك، لا أنه ترفع اليد عن إطلاق الوجوب الذي هو ظاهر الدليل كما عرفت. فإذا ثبت إطلاق وجوب الطهارة المائية وجب عقلا حفظها وحفظ مقدماتها التي تفوت بفواتها. ولاجله لا تجوز إراقة الماء ولانقض الوضوء. وجوز بعض الثاني دون الاول. وكأنه لظهور الاجماع على عدم الجواز في الاول ولم يثبت في الثاني. وهو غريب، إذ كيف يجوز الالتزام بوجوب حفظ الماء للوضوء للصلاة، ثم يحكم بجواز نقض ذلك الوضوء الذي وجب حفظ الماء لاجله؟! فلاحظ. (1) كما نسب الجزم به إلى الوحيد. ويقتضيه حكم العقل بوجوب حفظ المقدمة قبل حصول شرط الواجب إذا علم بعدم القدرة عليها بعده، كالسفر إلى الحج قبل زمانه، والتعلم قبل الوقت، والغسل قبل الفجر، ونحو ذلك، وتفصيل الكلام فيه موكول إلى محله في الاصول فراجع. وما اشتهر من عدم وجوب المقدمة قبل الشرط الوجوب محمول على عدم الوجوب الشرعي. لبناء المشهور على عدم تقدم الوجوب على الشرط زمانا لكونه منوطا بوجود الشرط الخارجي لا العلمي اللحاظي، لا عدم الوجوب

 

===============

 

( 320 )

 

[ أو أبطل يصح تيممه وصلاته (1) وإن كان الاحوط القضاء ] مطلقا ولو عقلا، وإلا فهو مما لاأصل له كما يظهر من بنائهم على وجوب فعل المقدمات المذكورة وغيرها. فلاحظ. وأما بناؤهم في المقام على جواز الاراقة قبل الوقت بحيث لا يكون آثما بذلك فالعمدة فيه دعوى ظهور الاجماع وعدم الخلاف الكاشف عن أن المقدمة ليس مطلق الوجود قبل الوقت بل خصوص الوجود من باب الاتفاق، فيمتنع أن يكون واجبا، لانه إذا وجب كان الغرض من وجوبه وجوده، فيكون وجوبه داعيا إلى وجوده، فإذا وجد عن داعي وجوبه لم يكن وجوده من باب الاتفاق، بل يكون بداعي الوجوب، وهو خلف. لكن في تمامية دعوى الاجماع تأمل ظاهر. وأما قوله (ع) " إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة " (* 1)، فغاية ما يقتضي توقيت الطهارة الواجبة بدخول الوقت، وهذا مما لا إشكال فيه، لان الطهارة إنما تجب شرطا في الصلاة مقارنة لها، والصلاة لا تجب إلا بعد دخول الوقت، فكأنه قال: (إذا دخل الوقت وجبت الصلاة في حال الطهارة) وهذا المقدار أجنبي عن الترخيص في إراقة الماء أو نقض الوضوء قبل الوقت، بل مقتضى وجوبها حال الصلاة بعد الوقت حرمتها عقلا. فتأمل جيدا. ثم إنه لو فرض دلالة الحديث المذكور على عدم وجوب حفظ الطهارة قبل الوقت بترك الحدث لابد من البناء على جواز إراقة الماء أيضا إذ قد عرفت أن الالتزام بحرمة الاراقة وجواز إبطال الوضوء غريب. (1) الظاهر أنه لاإشكال عندهم في صحتهما كما يظهر ذلك من ملاحظة كلماتهم. إنما الاشكال في الاعادة والقضاء، فالذي اختاره في كشف

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 321 )

 

[ (مسألة 14): يسقط وجوب الطلب إذا خاف (1) على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك كالتأخر عن القافلة (2) وكذا إذا كان فيه حرج ومشقة (3) لاتتحمل. ] اللثام عدم وجوبهما، وحكاه عن المنتهى ونهاية الاحكام والتحرير والتذكرة وكذلك في جامع المقاصد قواه، وحكاه عن التذكرة والذكرى. أما الاول: فلما عرفت أن المسألة التاسعة من أن العصيان في تفويت الطهارة لايمنع من صدق عدم وجدان الماء بعده، فيشمله دليل المشروعية. وأما الثاني: فلظهور دليل المشروعية في الاجزاء. فما في المقنعة وعن الدروس والبيان من وجوب الاعادة عند التمكن من الماء ضعيف، سواء أكان المراد من الاعادة ما يقابل القضاء أم ما يعمه. ودعوى: أن الصلاة بالطهارة المائية فاتت، وصحة الصلاة بالتيمم لا يقتضي سقوط التكليف بالفائت. مندفعة: بما عرفت من ظهور دليل مشروعية التيمم في إجزائه عن الطهارة المائية كما يقتضيه التسالم على ذلك في غير الفرض من سائر موارد مشروعية التيمم كما سيأتي إن شاء الله. (1) كما عن غير واحد، بل في الجواهر نفي الريب فيه. ويشهد له خبر الرقي ويعقوب بن سالم المتقدمان في صدر الفصل المجبور ضعفهما بالعمل. (2) يعني: إذا كان موجبا للخوف على نفسه أو ماله، وإلا فلا دليل على مسقطيته. (3) لدليل نفي الحرج (* 1) بناء على ما عرفت من الملازمة بين

 

 

____________

(* 1) هو قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) - الحج: 78 - وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) - البقرة: 185 - وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) - المائدة: 6.

 

===============

 

( 322 )

 

[ (مسألة 15): إذا كانت الارض في بعض الجوانب حزن وفي بعضها سهلة، يلحق كلا حكمه (1) من الغلوة والغلوتين: (الثاني): عدم الوصلة إلى الماء الموجود (2) لعجز: من كبر، أو خوف من سبع أو لص (3)، أو لكونه في بئر مع عدم ما يستقى به من الدلو والحبل، وعدم إمكان إخراجه بوجه آخر ولو بادخال ثوب وإخراجه بعد جذبه الماء وعصره. ] سقوط وجوب الوضوء ومشروعية التيمم. (1) بلا خلاف. ولو كان الجانب الواحد بعضه حزنا وبعضه سهلا فالنص قاصر عن شموله. ومقتضى مادل على وجوب الطلب وجوب الاحتياط بمعاملته معاملة السهلة. لكن قال في الجامع المقاصد: " ولو اختلفت في ذلك توزع الحكم بحسبها ". وكأنه لفهم المناط. (2) إجماعا ادعاه جماعة منهم المحقق في المعتبر قال فيه: " وعدم الوصلة كعدم الماء، وهو إجماع ". ويشهد له جملة من النصوص كصحيح الحلبي أنه سأل أبا عبد الله (ع): " عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو قال عليه السلام: ليس عليه أن يدخل الركية لان رب الماء هو رب الارض فليتيمم " (* 1). ونحوه حسن الحسين بن أبي العلا عنه (ع) (* 2) وصحيح ابن أبي يعفور عنه (ع) (* 3) وزاد في الاخير: " ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم ". (3) إجماعا كما في كشف اللثام، كما يشهد به - مضافا إلى أدلة نفي الحرج والضرر - خبر يعقوب بن سالم المتقدم. (ودعوى) أنه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 3 من ابواب التيمم حديث: 2.

 

===============

 

( 323 )

 

[ (مسألة 16): إذا توقف تحصيل الماء على شراء الدلو أو الحبل أو نحوهما، أو استيجارهما، أو على شراء الماء أو اقتراضه وجب (1) ولو باضعاف العوض (2) ] لا مجال لادلة نفي الضرر في المقام كما يشهد به اتفاق النص والفتوى على وجوب الشراء ولو بالمال الكثير. والخبر ظاهر في الخوف على النفس فلا يشمل الماء (لاتهم) للفرق بين الشراء، وبين تعريض النفس للصوص في نظر العقلاء، حيث يقدمون على الاول ولا يقدمون على الثاني، لما فيه من الغضاضة والحزازة التي لاتتحمل، وحينئذ يكفي نفي الحرج في مشروعية التيمم وإن لم تف به قاعدة الضرر ولا الخبر: على أن تخصيص القاعدة في الاول لا تقتضي تخصيصها في الثاني: فما في الحدائق من الاشكال في الخوف على المال ضعيف جدا، ولاسيما بعد الاتفاق عليه كما اعترف به. (1) بلا خلاف ظاهر، بل عن المنتهى نفي الخلاف عند العلماء في وجوب شراء الماء، وفي كشف اللثام الاتفاق عليه. والظاهر عدم الفرق بينه وبين غيره مما ذكر في المتن عندهم. وتقتضيه - مضافا إلى صدق الوجدان - النصوص الآتية. (2) إجماعا في شراء نفس الماء كما عن الخلاف. وعن المهذب البارع أنه فتوى فقهائنا. وعن غيرهم: نسبته إلى المشهور. لصدق الوجدان أيضا، فيتعين العمل باطلاق أدلة الطهارة المائية. مضافا إلى صحيح صفوان " سألت أبا الحسن (ع) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائدة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال (ع): لا، بل

 

===============

 

( 324 )

 

يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت، وتوضأت وما يشتري بذلك مال كثير " (* 1). وقريب منه غيره. وفي خبر الحسين بن أبي طلحة: " سألت عبدا صالحا عن قوله الله عزوحل: (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (* 2) ماحد ذلك؟ فان لم تجدوا بشراء وغير شراء، إن وجد قدر وضوئه بمائة الف أو بألف وكم بلغ؟ قال (ع): ذلك على قدر جدته " (* 3). وبذلك ترفع اليد عن عموم: " لاضرر " المقتضي لعدم وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل لكونه ضررا ماليا اتفاقا كما يظهر من كلماتهم في خيار الغبن وغيره. أما لو كان الشراء بالقيمة فلا مجال لتطبيق " لاضرر " بلحاظه. إذ لاضرر في شراء الشئ بقيمته. نعم يمكن تطبيقها بلحاظ وجوب الوضوء بالماء إذا كان ضررا ماليا. لكن النصوص المذكورة كما يظهر منها وجوب الشراء ولو كان ضررا ماليا يظهر منها أيضا وجوب الوضوء به، فتكون أيضا هي المانع من تطبيق عموم: " لاضرر " بلحاظ وجوب الوضوء الضروري. فان قلت: لا حاجة إلى النصوص المذكورة في المقام، لان وجوب الوضوء بالماء حكم ضروري، لاقتضائه اتلاف الماء الذي له مالية، فيكون دليله مخصصا لقاعدة نفي الضرر، وحيث أنه يجب الاخذ باطلاق الدليل المخصص يجب الاخذ باطلاق وجوب الوضوء حتى لو كانت قيمته مائة أو ألفا. قلت: الماء الذي يلزم صرفه في الوضوء لا يعد إتلافه ضررا عرفا غالبا، فلا يكون دليله مخصصا للقاعدة، بل يكون بينهما عموم من وجه، فتكون القاعدة حاكمة عليه حكومتها على سائر العمومات التي قد تكون ضررية وقد لا تكون، فلابد من الرجوع إلى النصوص المتقدمة لتكون

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من ابواب التيمم حديث: 1. (* 2) المائدة: 6. (* 3) الوسائل باب: 26 من أبواب التيمم حديث: 2.

 

===============

 

( 325 )

 

[ ما لم يضر بحاله (1). وأما إذا كان مضرا بحاله فلا. كما أنه لو أمكنه اقتراض نفس الماء أو عوضه مع العلم أو الظن بعدم إمكان الوفاء لم يجب ذلك (2). ] مخصصة للقاعدة. واختصاصها بشراء الماء لايمنع من التعدي عنه إلى شراء الآلة أو استئجارها، لعدم الفرق بين الجميع. وأما ماعن ابن الجنيد من عدم وجوب الشراء إذا كان غالبا بل يتيمم ويعيد، فضعيف. (1) باتفاق الاصحاب كما عن شرح المفاتيح. وعن المنتهى: " لو كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء ولا نعرف فيه مخالفا ". نعم عن السيد المرتضى وابن سعيد: إطلاق إيجاب الشراء، وكأنه لاطلاق النصوص المتقدمة. وفيه: أنه يتم لو لم يكن الضرر بالحال حرجا وضيقا لا يتحمل عادة، وإلا فلا وجه للوجوب، لعموم نفي الحرج المقدم على الاطلاق. ومن هنا يشكل إطلاق الضرر بالحال في كلام الاكثر، أو الاجحاف كما في كلام جماعة. ولا يبعد أن يكون مرادهم منهما ذلك. كما لا يبعد أن يكون مراد السيد وابن سعيد غير صورة الحرج كما احتمله في كشف اللثام، وحينئذ فلا إشكال ولا خلاف. والظاهر عدم الفرق في صدق الضيق والحرج بين ما يكون مضرا بحاله الحالي وما يكون مضرا بحاله الاستقبالي كما عن التذكرة والذكرى وغيرهما. وما عن صريح المعتبر: من تخصيص الاستثناء بالاول لعدم العلم بالبقاء إلى وقته، ولامكان حصول مال له على تقدير البقاء. ضعيف، فان مجرد احتمال حصول الماء غير كاف في رفع الحرج إذا كان الاحتمال غير معتد به عند العقلاء، وكان احتمال البقاء قريبا جدا. (2) لان القدرة على الاداء، وإن لم تكن شرطا في صحة القرض - كما

 

===============

 

( 326 )

 

[ (مسألة 17): لو أمكنه حفر البئر بلا حرج وجب (1)، كما أنه لو وهبه غيره بلا منة ولا ذلة وجب القبول. (الثالث): الخوف من استعماله على نفسه (2) أو عضو من أعضائه، بتلف، أو عيب، أو حدث مرض، أو شدته، أو طول مدته، أو بطء برئه، أو صعوبة علاجه، أو نحو ذلك ] هو الظاهر من النصوص والفتاوى، عدا ماعن الحلبي - إلا أن الاقدام على الدين مع العلم أو الظن بعدم القدرة على وفائه يوجب صدق الحرج عرفا، لما فيه من المعرضية للمهانة والمنة. نعم لو أمن ذلك كان وجوب الوضوء بلا مانع. (1) الحكم فيه وفيما بعده ظاهر. (2) إجماعا كما عن الغنية. بل عن التذكرة والمنتهى انه باجماع العلماء. وفي المعتبر: " ويجوز التيمم لو منعه من استعمال الماء مرض. وهو قول أهل العلم إلا طاووس "، وقال في الفرع الرابع: " يستبيح المريض التيمم مع خوف التلف إجماعا ولا يستبيحه مع خوف المرض اليسير كوجع الرأس والضرس. وقيل: يستبيحه بخوف الزيادة في العلة أو بطئها أو الشين. مذهبنا: نعم ". ويشهد به - مضافا إلى قوله تعالى: (وان كنتم مرضى) (* 1) والى مادل على نفي الضرر والحرج، والى خبر الرقي ويعقوب بن سالم المتقدمين - (* 2) النصوص الدالة على مشروعية التيمم للمجروح، والمقروح، والمسكور، والمبطون، ومن يخاف على نفسه البرد، كصحيح البزنطي عن الرضا (ع): " في الرجل تصبيه الجنابة وبه

 

 

____________

(* 1) المائدة: 6. (* 2) تقدم ذكرهما في أوائل الفصل.

 

===============

 

( 327 )

 

[ مما يعسر تحمله عادة، بل لو خاف من الشين الذي يكون تحمله شاقا تيمم (1). والمراد به: ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة أو الموجبة لتشقق الجلد وخروج الدم. ] قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد. فقال (ع): لا يغتسل ويتيمم " (* 1) ومثله صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (* 2)، ومرسل ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام: " يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة " (* 3)، ونحوهما غيرهما. وقصور النصوص عن شمول بعض الفروض المذكورة، لايهم بعد دخول الجميع تحت دليلي نفي الحرج والضرر. (1) بلا خلاف يعرف في الجملة، وعن ظاهر جماعة: الاجماع عليه، وقد تقدم عن المعتبر نسبته إلى مذهبنا، كما أنه حكى عن المنتهى نسبته إلى علمائنا. وإطلاقه في كلامهم يقتضي عدم الفرق بين الشديد والضعيف، إلا أنه لا يظهر عليه دليل. وإطلاق معاقد ظاهر الاجماع مما يشكل الاعتماد عليه، لتقييده في كلام جماعة - منهم المنتهى وجامع المقاصد والروضة - بالفاحش، وفي كلام آخر بما لا يتحمل عادة. بل عن الكفاية دعوى الاتفاق على عدم مشروعية التيمم فيما لا يغير الخلقة ويشوها. وحينئذ مقتضى وجب والاقتصار على المتيقن في الدليل اللبي هو التخصيص بالشاق كما هو مورد أدلة نفي العسر والحرج والضرر، ويجب الرجوع في غيره إلى عموم وجوب الطهارة المائية بعد أن لم يعثر له على دليل سوى عمومات العسر والحرج، كما في الجواهر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب التيمم حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب التيمم حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 5 من ابواب التيمم حديث: 10.

 

===============

 

( 328 )

 

[ ويكفي الظن بالمذكورات (1) أو الاحتمال الموجب للخوف، سواء حصل له من نفسه أو قول طبيب أو غيره وإن كان فاسقا أو كافرا (2). ولا يكفي الاحتمال المجرد عن الخوف (3). كما أنه لا يكفي الضرر اليسير (4) الذي لا يعتني به العقلاء. ] (1) بلا خلاف ظاهر. بل مقتضى ذكر الخوف في معاقد الاجماعات أنه إجماع، لصدقه معه قطعا. وحينئذ فيشهد له من النصوص ما ذكر فيه الخوف، وهو صحيحا البزنطي وداود بن سرحان وصحيح الرقي وخبر يعقوب بن سالم المتقدمة كلها (* 1). كما أن مقتضاها أيضا الاكتفاء بالاحتمال المعتد به عند العقلاء - كما قواه في الجواهر - لصدق الخوف معه أيضا، كصدقه مع الظن. (2) بلا خلاف ظاهر إلا عن المنتهى حيث نفي قبول قول الذمي. وهو غير ظاهر، إلا أن يكون مراده صورة التهمة المانعة من تحقق الخوف بقوله، كما ذكر في التذكرة قال: " أما الذمي فان اتهمه في أمر الدين لم يقبل وإن ظن صدقه قبل ". والمدار على صدق الخوف. (3) هذا ظاهر لو كان الموضوع للمشروعية الخوف لا غير، لعدم تحقق الخوف به، فيرجع حينئذ إلى عموم دليل الطهارة المائية. وإن كان الموضوع هو الضرر الواقعي فمع احتماله - ولو ضعيفا - يكون المورد من الشبهة المصداقية، فالرجوع إلى عموم الطهارة المائية بحيث يجدي في وجوبها وعدم وجوب التيمم يتوقف على الرجوع إلى العام عند الشك في المخصص ولو بتوسط جريان أصالة عدم الضرر إلى ما بعد الوضوء. فلاحظ. (4) كما عن صريح المبسوط وظاهر الشرائع حيث قيد فيها المرض

 

 

____________

(* 1) تقدم الاولان في التعليقة الاولى من المسوغ الثالث التيمم وتقدم الاخيران في أوائل الفصل.

 

===============

 

( 329 )

 

[ وإذا أمكن علاج المذكورات بتسخين الماء وجب، ولم ينتقل إلى التيمم (1). (مسألة 18): إذا تحمل الضرر وتوضأ أو اغتسل فان كان الضرر في المقدمات من تحصيل الماء ونحوه - وجب الوضوء (2) أو الغسل وصح، وإن كان في استعمال الماء في أحدهما بطل (3). ] المسوغ للتيمم بالشديد. بل عن المبسوط، نفي الخلاف فيه. وتقدم عن المعتبر التصريح بذلك. وكأنه لعدم صدق الحرج معه وانصراف الضرر عنه، كانصراف الآية والنصوص المتقدمة عنه أيضا. ومنه يظهر ضعف ما في الذكرى من الاستشكال في ذلك حيث قال: " ويشكل بالعسر والحرج وبقول النبي صلى الله عليه وآله: " لاضرر ولاضرار ". فان ذلك خارج عن محل كلامهم ظاهرا. وأضعف من ذلك ماعن جامع المقاصد من أن عدم اعتبار اليسير لا يخلو عن قوة. وجزم به في محكي إرشاد الجعفرية وكشف الالتباس، لصدق الحرج والضرر والمرض، إذ صدق الاول ممنوع. والاخيران منصرفان عنه. ولعل مرادهم باليسير ما يكون معتدا به عند العقلاء ولو ولاحتمال انجراره إلى الشديد، لا ما لا يكون معتدا به عندهم. وحينئذ فلا خلاف. وفي الذكرى: " أما الالم الخالي فلا " يعني: لايشرع معه التيمم. والظاهر أن مراده مالا يكون حرجيا وإلا فدليل نفي الحرج يقتضى مشروعيته. (1) لقصور الادلة عن شمول مثله، فيرجع فيه إلى عموم وجوب الطهارة المائية. (2) كما نص عليه في الجواهر وغيرها، لصدق الوجدان بعد ارتكاب المقدمات المحرمة فلا مجال لمشروعية التيمم. (3) كما في الجواهر، لان حرمة استعمال الماء مانعة من إمكان

 

===============

 

( 330 )

 

[ وأما إذا لم يكن استعمال الماء مضرا، بل كان موجبا للحرج والمشقة - كتحمل ألم البرد أو الشين مثلا - فلا تبعد الصحة (1) ] التقرب به، لامتناع التقرب بما هو معصية، لان المعصية مبعدة، والمبعدية والمقربية ضدان في نظر العقلاء لا يمكن اجتماعهما في محل واحد ولو من جهتين، كما هو محرر في مسألة اجتماع الامر والنهي. فان قلت: هذا يتم لو كان استعمال الماء محرما نفسيا ولو لانطباق عنوان محرم عليه. أما لو كان محرما غيريا لكون الحرام النفسي هو الضرر المترتب عليه فقد تقرر في مبحث مقدمة الواجب أن الوجوب الغيي لا يصلح للمقربية، وكذا الحرمة الغيرية لا تصلح للمبعدية، بل المقربية والمبعدية إنما تكونان بنفس فعل الواجب أو الحرام المترتبين عليهما، وإذا لم يكن استعمال الماء مبعدا لامانع من أن يكون مقربا. قلت: الوجوب والحرمة الغيريان إنما لا يوجبان قربا وبعدا بلحاظ نفسهما في قبال الوجوب والحرمة النفسيين. أما بلحاظ كونهما في شؤونهما فهما يوجبان القرب والبعد أيضا، إذ لاريب في كون السعي إلى انقاذ ولد المولى انقيادا إلى أمره بانقاد ولده، كما أن السعي إلى قتل ولد المولى تمردا عن نهي المولى عن قتل ولده، والقرب والبعد إنما ينتزعان عند العقلاء من الانقياد والتمرد، ولذا بنى الاصوليون بطلان العبادة إذا كانت ضدا للواجب على كون ترك الضد مقدمة لفعل ضده. وتحقيق ذلك كله يطلب من محله. فراجع. (1) كما مال إليه في الجواهر، لان أدلة الحرج لما كانت امتنالية لم تصلح أن ترفع إلا فعلية وجوب الوضوء الحرجي، ولا ترفع ملاكه، إذ ليس في رفع الملاك امتنان، وإذا كان الملاك باقيا أمكن التعبد به

 

===============

 

( 331 )

 

[ وإن كان يجوز معه التيمم (1) لان نفي الحرج من باب الرخصة لا العزيمة (2)، ولكن الاحوط ترك الاستعمال (3) وعدم الاكتفاء به على فرضه فيتيمم أيضا. ] والتقرب بموافقته فيصح الوضوء والغسل عبادة. (1) لما أشرنا إليه في صدر المبحث من أن سقوط وجوب الطهارة المائية ملزوم لمشروعية التيمم كما يظهر من النص والفتوى، فيدل نفي الحرج عليها بالالتزام. (2) لان كونه للامتنان ينافي كونه من باب العزيمة، لان العزيمة كلفة على خلاف الامتنان. (3) بل هو الذي قواه بعض الاعاظم مدعيا القطع بعدم التخيير بين الطهارة المائية والترابية، لان أدلة الحرج والضرر موجبة لتقييد متعلقات الاحكام بأن لا تكون حرجية أو ضررية. وفيه: أنه إن أريد أن مفادها تقييد ملاكاتها بذلك فهو مما لا يقتضيه الادلة المذكورة كما عرفت، إذ هي ظاهرة في نفي ما يؤدي إلى الحرج والضرر لاغير، والمؤدي اليهما ليس إلا الالزام بمتعلقاتها، والملاكات مما لاأثر لها في وجودهما، لانتفائهما بمجرد الترخيص في مخالفة تلك الاحكام، فإذا كانت ظاهرة في نفي الالزام كان الملاك باقيا بحاله وهو كاف في صحة التقرب. بل قد عرفت في نية الوضوء أن الملاك في المقربية ليس إلا موافقة الملاكات حتى مع فعلية تلك الاحكام، ولافرق في التقرب بين صورة وجود الامر الفعلي وعدمه. فان قلت: دليل الحرج - مثلا - إذا كان دالا على انتفاء الالزام لم يكن دليل على وجود الملاك ليكون هو المقرب، إذ العلم بوجوده إنما

 

===============

 

( 332 )

 

كان بتوسط العلم بوجود الالزام، فإذا فرض البناء على انتفاء الالزام كان وجود الملاك مما لادليل عليه. قلت: الادلة الاولية كما تدل على وجود الحكم الفعلي مطلقا حتى في صورة وجود الحرج تدل على وجود الملاك مطلقا حتى في الصورة المذكورة، فإذا دل دليل نفي الحرج على انتفاء الالزام ولم يدل على انتفاء الملاك، وجب الحكم بعدم حجية دليل الحكم الفعلي على ثبوته وبقاء حجيته على ثبوت الملاك، فيحصل التفكيك في الحجية بين الدلالتين، وهو مما لا بأس به، كما يظهر من كلماتهم في كثير من المقامات: منها: باب التعارض حيث يظهر منهم الاتفاق على حجية المتعارضين في نفي الدليل الثالث ولو بناء على التساقط. ومنها: باب قضاء الفائت حيث يتمسكون بما دل على وجوب قضاء الفائت في موارد الفوت للحرج أو الاضطرار أو نحوهما، فلولا بناؤهم على وجود الملاك للادلة الاولية لم يكن وجه للتمسك المذكور إذ مع عدم الملاك لا يصدق الفوت. وبالجملة: بناء الاصحاب على ما ذكر لا ينبغي التأمل فيه. ولاجل ما ذكرنا من كون المقرب وجود الملاك يندفع الاشكال على صحة الوضوء، بأنه بعد ارتفاع الوجوب بدليل الحرج لا مجال للالتزام وجود الطلب في الجملة، لعدم الدليل عليه، ومراتب الطلب لادليل على كونها استقلالية، ليصح الالتزام ببقاء مرتبة منه دون الالزام، بل من الجائز أن تكون ارتباطية متلازمة ثبوتا وسقوطا. وجه الاندفاع: أن الالتزام بارتفاع الطلب من أصله لايهم، ولا يقدح في إمكان التقرب، لكفاية وجود الملاك فيه كما هو موضح في باب الضد الاهم، حيث التزم المحققون بامكان التقرب بالمهم مع التزامهم بانتفاء

 

===============

 

( 333 )

 

أصل الطلب عنه عند المزاحمة بالاهم، لمنافاة طلبه - بأي مرتبة ولو استحبابية - لطلب الاهم بناء على عدم الترتب. مع أن الاشكال في بقاء مرتبة من الطلب بعد ارتفاع مرتبة الالزام بدليل نفي الحرج أو الضرر إنما يبتني على القول بأن اختلاف الوجوب والاستحباب إنما هو لاختلاف مرتبتي الطلب قوة وضعفا. لكن أوضحنا في محله ضعفه، وأن الاختلاف بينهما إنما هو باختلافهما بالترخيص وعدمه فان تحقق أضعف طلب من المولى يوجب حكم العقل بوجوب موافقته إلا أن يرد من المولى ترخيص في مخالفته. وحينئذ فأدلة نفي الحرج لاترفع شيئا من الطلب ولا مرتبة منه، وانما تقتضي الترخيص فيرتفع الوجوب، فالطيب يكون بحاله باقيا بلا نقص فيه أصلا، فيكون التقرب به وإن لم نقل بصحة التقرب بالملاك. وأما ما قد يقال من أن ادلة الحرج والضرر إذا كانت امتنانية لم تجر في مورد إقدام المكلف على الامتثال، إذ لا امتنان على المكلف برفع التكليف في ظرف إقدامه على موافقته، كما هو الحال في الاقدام على المعاملة المحاباتية مع العلم بالتفاوت، فكما لا تجري أدلة نفي الضرر لرفع لزوم المعاملة حينئذ لا تجري أدلة نفي الحرج في المقام أيضا، فيكون الوضوء والغسل الحرجيان واجبين على المكلف في ظرف إقدامه عليهما، ولا دليل على رفع وجوبهما حينئذ. ففيه: أن ذلك يتم في غير العباديات كالاتفاق ونحوه. أما هي: فيعتبر في صحتها صدورها عن داعي الامر، فيكون الامر مؤديا إلى الحرج، وتبطل في صورة الاقدام عليها لامن جهة الامر بنحو لا يكون الوقوع في الحرج مستندا إليه، لفقد التقرب المعتبر فيها حينئذ. والذي يتحصل مما ذكرنا أمور: (الاول): أنه يكفي في عبادية

 

===============

 

( 334 )

 

[ (مسألة 19): إذا تيمم باعتقاد الضرر أو خوفه فتبين عدمه صح تيممه وصلاته (1). نعم لو تبين قبل الدخول في الصلاة ] الطهارة المائية وجود الملاك. (الثاني): انه يمكن اثبات وجود الملاك بأدلة وجوب الطهارة المائية بنحو الدلالة الالتزامية. (الثالث): أنه لو بني على عدم صحة التعبد بالملاك فيمكن التقرب بالطلب الفعلي. (الرابع): أن أدلة نفي الحرج لا تنفي الطلب وإنما تنفي الالزام. (الخامس): أن الاقدام على الفعل لايمنع من تطبيق أدلة نفي الحرج في العبادات وإن كان يمنع عنه في غيرها. (1) كما صرح به في كشف الغطاء قال: " ولو انكشف عدم الضيق أو عدم الخوف صح ما فعله ". ويقتضيه تعليق مشروعية التيمم على الخوف من البرد في صحيحي البزنطي وداود بن سرحان: " في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد. فقال (ع): لا يغتسل ويتيمم " (* 1) المعتضدين بخبري يعقوب بن سالم وداود الرقي المتقدمين (* 2)، فانه إذا ثبت مشروعية التيمم مع الخوف ثبت مع الاعتقاد بطريق أولى. وإذا صح التيمم كان مجزئا إجماعا حكاه جماعة كما يأتي إن شاء الله في محله. وأما صحيح ابن سنان: " أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصبيه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل. فقال (ع): يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة " (* 3)، فهو أجنبي عما نحن فيه، وإنما يقتضي الاعادة عند ارتفاع الضرر. وسيجئ ما يدل على خلافه من النص والاجماع بل صدره - بضميمة ما يأتي مما يدل على الاجزاء - يقتضي الاجزاء فيما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب التيمم حديث: 7 و 8. (* 2) تقدم ذكرها في أوائل الفصل. (* 3) الوسائل باب: 16 من أبواب التيمم، حديث: 1.

 

===============

 

( 335 )

 

نحن فيه كغيره مما دل على المشروعية مع الخوف. نعم قد يعارض ذلك مادل على كون موضوع المشروعية نفس الضرر الواقعي مثل دليلي نفي الضرر والحرج، وقوله تعالى: (وإن كنتم مرضى) (* 1) وما دل على مشروعية التيمم للمكسور والمجروح والمبطون والمقروح، بتقريب: أنه يمتنع أن يكون الموضع كلا من الضرر وخوف الضرر، لانه يلزم اجتماع المثلين، فلابد من التصرف إما بالطائفة الاولى أو الثانية، لكن الاول متعين، لان التصرف في الثانية - بحملها على إرادة كون الموضوع هو الخوف أو الاعتقاد - بعيد جدا، فلابد من التصرف بالطائفة الاولى بحملها على إرادة جعل حكم ظاهري في ظرف احتمال الضرر، كما في سائر موارد الاحكام الظاهرية المجعولة في الشبهات الموضوعية، فيكون وجوب التيمم أو جوازه في حال خوف الضرر حكما ظاهريا. وحينئذ فاجزاؤه عن الواقع في صورة انكشاف الخطأ خلاف التحقيق كما حرر في مسألة الاجزاء. وأما وجوب التيمم في حال اعتقاد الضرر أو جوازه فليس إلا حكما عقليا، ولا ينبغي التأمل في عدم اقتضاء موافقته الاجزاء عند انكشاف الخلاف كما هو موضح في تلك المسألة. نعم لو كان احتمال الضرر موجبا لكون الاقدام معه على استعمال الماء حرجا وضيقا على المكلف، كان القول باجزاء التيمم معه في محله، كما في سائر الموارد التي يكون فيها وجوب الوضوء مؤديا إلى الحرج، لكن محل الكلام في المقام أعم من ذلك كما هو ظاهر. وفيه: أن حمل الطائفة الاولى على إرادة جعل الحكم الظاهري - أعني: جعل مشروعية التيمم ظاهرا في ظرف الشك في مشروعيته واقعا للشك في تحقق الضرر وعدمه - خلاف ظاهرها، فان الامر بالتيمم في صحيحي

 

 

____________

(* 1) المائدة: 6.

 

===============

 

( 336 )

 

[ وجب الوضوء أو الغسل (1) وإذا توضأ أو اغتسل باعتقاد عدم الضرر ثم تبين وجوده صح (2)، ] البزنطي وداود بن سرحان وقع في سياق الامر بالتيمم لذي القروح والجروح والثاني لا مجال للتأمل في كونه حكما واقعيا كما يقتضيه السؤال فيهما عن ذلك، بل غيرهما من النصوص كالصريح في ذلك، والتفكيك بين المقامين بعيدا جدا. وحينئذ فليس التصرف في الطائفة الاولى - بحملها على الحكم الظاهري - بأسهل من التصرف بالطائفة الثانية. وعلى لا مجال للتصرف في كل من الطائفتين، ويتعين العمل بهما والاخذ بظاهرهما. وأما محذور لزوم اجتماع المثلين في صورة المصادقة - لو بني على العلم بهما - فغاية ما يقتضي امتناع الالتزام بمشروعيتين للتيمم، فيمكن أن يلتزم بمشروعية واحدة لجهتين كما في جميع موارد اجتماع العناوين المتعددة في مورد واحد. وقد أشرنا في المسألة الثانية عشرة إلى أن المستفاد من الادلة: أن موضوع المشروعية العجز الواقعي بتوسط المنع الشرعي، وفي موارد خوف الضرر لما كان يحرم الارتكاب من جهة طريقية الخوف أو من جهة وجوب الاحتياط، فهذا التحريم الشرعي يوجب التحريم العقلي فتسلب القدرة على الفعل ويتحقق العجز. وقد سبق تقرير ذلك في المسألة المذكورة، وسيأتي ان شاء الله في المسوغ السادس. وإذا كان العجز الظاهري لا يوجب حبس قدرة المكلف - كما لو قامت إمارة على عدم وجود الماء، أو علم ذلك فانكشف الخلاف - لم يجز التيمم. (1) لعدم الدليل على إجزاء التيمم حينئذ، والمتيقن منه هو الاجزاء مادام موضوع المشروعية باقيا، فيرجع في حال ارتفاعه إلى عموم وجوب الطهارة المائية. (2) هذا ظاهر لو كان موضوع مشروعية التيمم منحصرا باعتقاد

 

===============

 

( 337 )

 

[ لكن الاحوط مراعاة الاحتياط في الصورتين. وأما إذا توضأ أو اغتسل مع اعتقاد الضرر أو خوفه لم يصح (1) وإن تبين عدمه. كما أنه إذا تيمم مع اعتقاد عدم الضرر لم يحص وإن تبين وجوده (2) ] الضرر وخوفه، إذ عليه يكون المشروع له واقعا هو الطهارة المائية لاغير. وأما لو كان الضرر الواقعي موضوعا أيضا لمشروعية التيمم فقد يشكل الوضوء أو الغسل، لكون المشروع في حق الملكف التيمم. لكن عرفت فيما سبق أن الطهارة المائية واجدة لملاكها في جميع موارد مشروعية التيمم، فتصح لوجئ بها إذا لم يكن مانع من التقرب، ولامانع منه مع جهل المكلف بالضرر الواقعي كما هو المفروض، بخلاف الصورة الآتية. (1) لما تقدم في الصورة الثانية من المسألة الثامنة عشرة من أن وقوع الوضوء أو الغسل على وجه المعصية مانع عن صحة التقرب به فيبطل، وتبين عدم الضرر واقعا وإن كان يكشف عن عدم الحرمة واقعا، لكنه يقتضي وقوعها بعنوان التجرؤ الذي هو كالمعصية الحقيقية في كونه مبعدا ومانعا من التقرب. هذا وعليه فيختص الحكم المذكور بما لو كان الضرر المعتقد وجوده أو المحتمل مما يحرم ارتكابه، كما هو ظاهر المتن. أما إذا كان يجوز ارتكابه فلا موجب للبطلان. كما أنه إنما يتم ما ذكر في صورة الخوف بناء على وجوب الاحتياط معه، وإلا فلا معصية ولا تجرؤ، ولا ملازمة بين مشروعية التيمم معه ووجوب الاحتياط كما لا يخفى. (2) هذا يتم لو لم يكن الضرر الواقعي موضوعا لمشروعية التيمم، وقد عرفت أن ذلك مفاد قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى) (* 1)، وأدلة

 

 

____________

(* 1) المائدة: 6.

 

===============

 

( 338 )

 

[ (مسألة 20): إذا أجنب عمدا مع العلم بكون استعمال الماء مضرا وجب التيمم وصح عمله (1)، لكن لما ذكر بعض العلماء وجوب الغسل في الصورة المفروضة ] نفي الضرر والحرج، ونصوص المجدور (* 1). اللهم إلا أن يستشكل في أدلة نفي الحرج والضرر، بأنها امتنانية لا تشمل صورة اعتقاد عدم الضرر، إذ ليس في شمولها لذلك امتنان. ويندفع بأنه يكفي في الامتنان جريانها في مثل المقام، فان صحة العمل وإجزاءه أثر امتناني جزما. نعم يمكن الاستشكال فيها بأن الوقوع في الضرر من جهة فعل الوضوء في المقام ليس مستندا إلى وجوب الوضوء الضرري، بل مستندا إلى جهل المكلف بالضرر واعتقاده عدم الضرر، ولذا لو لم يجب الوضوء الضرري لتوضأ المكلف لاعتقاده عدم الضرر، وأما دعوى كون الظاهر من الآية ونصوص المجدور كون الموضوع هو الذي يعتقد بالضرر أو يخاف منه، لا مطلق المريض ولو كان آمنا منه، فيدفعها أن الظاهر من الجميع كون الموضوع المتضرر الواقعي، بل عن مجمع البيان تفسير الاية بذلك عن الصادقين (ع). وما ورد من النصوص في من غسل فكز فمات (* 2)، كالصريح فيه. فالبناء على الصحة في الفرض مع تأتي نية القربة في محله. (1) كما هو المشهور، لعدم الفرق بينه وبين غير العامد في الدخول تحت إطلاق الادلة. وفي كشف اللثام عن المقنعة: " ان على المتعمد الغسل وإن خاف على نفسه، ولا يجزؤه التيمم، وحكي عن ظاهر أبي علي وفي الهداية والخلاف وإن خاف التلف، ويحتمله كلام المفيد ". واختار

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 5 من ابواب التيمم. (* 2) الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم حديث: 6.

 

===============

 

( 339 )

 

في الوسائل وجوب الغسل مع المشقة الشديدة. وكأن الخلاف منهم للاجماع المدعى في الخلاف على ذلك، ولصحيح سليمان بن خالد وأبي بصير و عبد الله ابن سليمان جميعا عن أبي عبد الله (ع): " انه سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال (ع): يغتسل وإن أصابه ما أصابه. قال: وذكر انه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة شدية الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم احلموني فاغسلوني. فقالوا: إنا نخاف عليك. فقلت: ليس بد. فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني " (* 1)، وصحيح محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل تصبيه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا. فقال (ع): يغتسل على ماكان. حدثه رجل أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد. فقال (ع): اغتسل على ماكان فانه لابد من الغسل. وذكر أبو عبد الله (ع) أنه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل. وقال: لابد من الغسل " (* 2)، ومرفوع علي بن أحمد عن أبي عبد الله (ع): " سألته عن مجدور أصابته جنابة قال (ع): إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم " (* 3)، ونحوه مرفوع إبراهيم بن هاشم (* 4). وفيه: أنه لا مجال للخروج عن أدلة نفي الضرر والحرج، وما دل على حرمة الاضرار بالنفس، وإطلاق الاية، والنصوص الواردة في المجدور (* 5)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب التيمم حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 17 من أبواب التيمم حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 17 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 17 من أبواب التيمم حديث: 2. (* 5) راجع الوسائل باب: 5 من أبواب التيمم.

 

===============

 

( 340 )

 

[ وإن كان مضرا فالاولى الجمع بينه وبين التيمم (1)، بل الاولى مع ذلك إعادة والصلاة بعد زوال العذر (2) ] ونحوه بالنصوص المذكورة بعد إعراض المشهور عنها، ولاسيما بملاحظة اتفاق النص والفتوى على جواز تعمد الجنابة مع عدم الماء كما سيأتي. مع أن المرفوعين غير صالحين للحجية. والصحيحان ظاهران في غير العامد. وحملهما على العامد بقرينة حكاية الامام (ع) فعله المختص بالعمد لكونه منزها عن الاحتلام يمنعه بعد وقوع العمد إلى الجنابة منه (ع) وهو في الحال المذكورة التي يعجز فيها عن مباشرة الغسل، ولاسيما بملاحظة علمه (ع) بأن الجماع يؤدي إلى التكليف بالغسل الموجب للخوف على بدنه من الضرر والخطر. فالمتعين طرحهما أو حملهما على صورة حصول المشقة بالغسل بنحو لا ينفيها دليلا الحرج والضرر، لكونها مما تتحمل عادة كما احتمل ذلك في كشف اللثام. فلاحظ. (1) بل المتعين حرمة الغسل لما دل على حرمة الضرر. ومثله ما احتمله في المعتبر وحكاه عن التهذيب من حمل الصحيحين على الاستحباب. (2) فعن التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والمهذب والاصباح والروض: ان معتمد الجنابة يتيمم ويصلي، فإذا ارتفع العذر أعاد الصلاة بعد الغسل. وقد يشهد له صحيح ابن سنان: " انه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصبيه الجنابة في الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل. فقال (ع): يتيمم ويصلي فإذا أمن من البرد اغتسل وأعاد الصلاة " (* 1). لكن يجب التصرف فيه، لما سيأتي من إجزاء التيمم الصحيح. مع أنها غير مختصة بالعامد. فلا حظ. ومن ذلك يظهر الوجه في أولوية الاعادة مع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 2.

 

===============

 

( 341 )

 

[ (مسألة 21): لا يجوز للمتطهر بعد دخول الوقت إبطال وضوئه بالحدث الاصغر إذا لم يتمكن من الوضوء بعده كما مر (1). لكن يجوز له الجماع مع عدم إمكان الغسل (2). والفارق وجود النص في الجماع. ومع ذلك الاحوط تركه أيضا. ] الجمع بين الغسل والتيمم، فلا وجه للاشكال عليها بأن الجمع مطابق للاحتياط فلا حاجة إلى الاعادة. (1) ومر وجهه. (2) إجماعا كما في المعتبر: ويشهد له مصحح إسحاق بن عمار المروي في الوسائل عن التهذيب قال: " سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال (ع): ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه " (* 1)، وزاد في محكي مستطرفات السرائر: " قلت: يطلب بذلك اللذة. قال (ع): هو حلال " (* 2)، وخبر السكوني عن جعفر (ع) عن آبائه (ع) عن أبي ذر: " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يارسول الله هلكت، جامعت أهلي على غير ماء. قال: فأمر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترنا به وبماء فاغتسلت أنا وهي. ثم قال صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين " (* 3) فان الظاهر من قوله: " يا أبا ذر " كونه ردعا لابي ذر عن اعتقاده الهلاك، بأنه لاهلاك مع وجود البدل، ولو كان حراما لم يجد وجود البدل. نعم يمكن أن يتأمل في دلالتهما على المقام، لظهورهما في جواز الجماع حيث لاماء أصلا، لا للوضوء ولا للغسل، بحيث كانت وظيفة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 27 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 27 من أبواب التيمم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 12.

 

===============

 

( 342 )

 

[ (الرابع): الحرج في تحصيل الماء (1) أو في استعماله وإن لم يكن ضرر أو خوفه. (الخامس): الخوف من استعمال الماء على نفسه (2) ] المكلف التيمم على كل حال، غاية الامر أنه إن جامع كان تيممه بدلا عن الغسل، وإن لم يجامع كان بدلا عن الوضوء، وهو غير ما نحن فيه من جواز نقض الطهارة المائية بالجماع، لان جواز تبديل الاصغر بالاكبر لا يلازم جواز تبديل الطهارة المائية بالترابية، إذ الثاني على خلاف قاعدة لزوم حفظ الشروط الوجودية، والاول ليس كذلك، فالاصل يقتضي جوازه. اللهم إلا أن يكون المراد من " غير ماء " عدم الماء الكافي للغسل، فيعم المقام. أو يتمسك بترك الاستفصال عن أن الجماع على طهارة أو على الحدث الاصغر الدال على عموم الحكم للمقامين، وإن كان الظاهر الاختصاص بالثاني لكونه الغالب المنساق إلى الذهن. ثم إن الظاهر أن قول أبي ذر: " هلكت " ليس المراد منه تفويت الطهارة المائيه، بل تفويت الصلاة، بقرينة قوله صلى الله عليه وآله: " يكفيك الصعيد ". فلا يكون مما نحن فيه. فلاحظ. (1) كما يقتضيه دليل نفي الحرج، فانه إذا نفي وجوب الطهارة المائية يدور الامر بين سقوط وجوب الصلاة، ووجوبها بلا طهارة، ووجوبها بطهارة غير المائية والترابية، ووجوبها ولو بالترابية، وما عدا الاخير معلوم البطلان فيتعين هو. مع أن هذه الملازمة تستفاد من النصوص كما سنشير إليه في المسوغ السادس. (2) بلا خلاف ظاهر فيه في الجملة. وعن المعتبر نسبته إلى أهل العلم. ويشهد به صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع): " انه قال في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه إلا ماء قليل ويخاف إن هو اغتسل

 

===============

 

( 343 )

 

[ أو أولاده وعياله أو بعض متعلقيه أو صديقه (1) ] أن يعطش. قال (ع): إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فان الصعيد أحب الي " (* 1)، وصحيح الحلبي: " قلت لابي عبد الله (ع): الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم؟ فقال (ع)، بل يتيمم. وكذلك إذا أراد الوضوء " (* 2)، ونحوهما موثق سماعة قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته. قال (ع): يتيمم بالصعيد ويستبقى الماء فان الله عزوجل جعلهما طهورا الماء والصعيد (* 3)، وخبر ابن أبي يعفور قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه أيتيمم أو يتوضأ؟ قال (ع: يتيمم أفضل، ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الطهور " (* 4). (1) كأن وجهه دعوى إطلاق النصوص بنحو يشمل جميع ما ذكر. ولا يخلو عن إشكال، فان الصحيحين الاولين ظاهران في عطش نفسه، وكذلك خبر ابن أبي يعفور، وأما موثق سماعة فهو وإن كان يقتضي العموم لما ذكر، لان الظاهر من قلة الماء قلته بنحو لا يفي بما يتحتاج إليه مما جعل لاجله، سواء كان ري نفسه، أم عياله، أم رفقائه وأصحابه الذين معه، أم دوابه، أم حيوانه مما كان مقصودا له ربه روفع عطشه، إلا أنه لا مجال للاخذ باطلاقه، لاقتضائه جواز التيمم مع خوف قلة الماء عن استعماله في سائر حوائجه، كطبخه وغسل ثيابه و أوانيه ونحو ذلك مما يقطع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 4.

 

===============

 

( 344 )

 

[ فعلا، أو بعد (1) ذلك من التلف بالعطش، أو حدوث مرض (2)، بل أو حرج أو مشقة لا تتحمل (3). ولا يعتبر العلم بذلك، بل ولا الظن، بل يكفي احتمال يوجب الخوف (4) حتى إذا كان موهوما، فانه قد يحصل الخوف مع الوهم إذا كان المطلب عظيما (5) ] بعدم مشروعيته لاجله، ولاجل ذلك اقتصر بعض على عطش نفسه كما في الشرائع وفي المعتبر والقواعد، أو عطش رفيقه أو حيوان له حرمة. وخص بعضهم الرفيق بالمسلم. وعممه بعضه للكافر الذي يضر به تلفه أو ضعفه. وزاد في التذكرة الذمي والمعاهد. والذي تقتضيه القواعد التعميم لكل ما يلزم من صرف الماء فيه الوقوع في الحرام أو الضرر البدني أو المالي أو الحرج. وعدم التعدي إلى غير ذلك كما ذكر في المتن ظاهرا. وأما الموثق فالاشكال عليه بما ذكر غير ظاهر، لانصرافه إلى صورة لزوم المحذور من قلة الماء كانصراف المريض في الآية، والكسير والجريح والقريح في النصوص إلى المتضرر، ولافرق بين المقامين. (1) متعلق بالعطش المتعلق بالتلف المتعلق بالخوف. (2) يعني: معتد به بحيث يحرم الوقوع فيه، أو يلزم منه الحرج. (3) لاختصاص دليل نفي الحرج بذلك. (4) الاكتفاء بذلك مبني على الاخذ بالموثق الذي عرفت إشكاله، ولو بني على عدم الاخذ به والرجوع إلى القواعد فانما يقتضي سقوط الطهارة المائية إذا كانت موجبة للاحتياط مع الخوف كما إذا خاف على نفسه من المرض أو التلف. (5) بل وإن لم يكن كذلك. والمعيار في صدق الخوف الاحتمال المعتد به للامر المكروه.

 

===============

 

( 345 )

 

[ فيتممم حينئذ. وكذا إذا خاف على دوابه (1) أو على نفس محترمة وإن لم تكن مرتبطة به (2). وأما الخوف على غير المحترم كالحربي، والمرتد الفطري، ومن وجب قتله في الشرع فلا يسوغ التيمم. كما أن غير المحترم الذي لا يجب قتله بل يجوز كالكلب العقور، والخنزير، والذئب، ونحوها لا يوجبه وإن كان الظاهر جوازه (3). ففي بعض صور خوف العطش يجب حفظ الماء وعدم استعماله كخوف تلف النفس أو الغير ممن يجب ] (1) هذا داخل في الموثق، ولولاه لاشكل الامر لعدم وجوب حفظ المال عند خوف التلف ولاسيما إذا أمكن الانتفاع بالدابة بالذبح. وكذلك الحكم في النفس المحترمة فانه لا يجب الاحتياط في حفظها عند خوف تلفها. (2) دخوله في النصوص غير ظاهر كاقتضاء احترام النفس مشروعية التيمم، لانه إنما يتم لو وجب الاحتياط، وهو محل إشكال، بل لو كان الخوف من غير التلف بل لحدوث مرض أو حرج أو مشقة فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب الاحتياط حينئذ وعليه فلا وجه للخروج عن عموم وجوب الطهارة المائية. (3) كأنه لما ورد من قوله (ع): " لكل كبد حرى أجر " (* 1) ونحوه. ولكنه - كما ترى - لا يصلح لمعارضة دليل وجوب الطهارة المائية بعد عدم صلاحية ما ذكر لاثبات المشروعية. وليس هو من المحاذير التي ينصرف إليها الموثق. ولذا لم أقف على موافق له في ذلك. نعم لو اتفق

 

 

____________

(* 1) ورد هذا المضمون في بعض النصوص. راجع الوسائل باب: 19 - 49 من ابواب الصدقة.

 

===============

 

( 346 )

 

[ حفظه، وكخوفه حدوث مرض ونحوه. وفي بعضها يجوز حفظه ولا يجب مثل تلف النفس المحترمة التي لا يجب حفظها (1) وإن كان لا يجوز قتلها أيضا. وفي بعضها يحرم حفظه، بل يجب استعماله في الوضوء أو الغسل كما في النفوس التي يجب إتلافها. ففي الصورة الثالثة لا يجوز التيمم وفي الثانية يجوز ويجوز الوضوء أو الغسل أيضا. وفي الاولى يجب ولا يجوز الوضوء أو الغسل. (مسألة 22): إذا كان معه ماء طاهر يكفي لطهارته وماء نجس بقدر حاجته إلى شربه لا يكفي في عدم الانتقال إلى التيمم (2). لان وجود الماء النجس حيث أنه يحرم شربه كالعدم ] كون الحيوانات المذكورة من توابع المسافر بحيث يهمه شأنها وسقايتها فلا يبعد دخولها في الموثق. (1) إذا كانت لا يحب حفظها فلا دليل على مشروعية التيمم إذا خاف عطشها، إلا أن تكون من توابع المكلف فتدخل في الموثق. (2) في المدارك نسبته إلى قطع الاصحاب، وفي المعتبر وعن غيره التصريح به. وفي المدارك: " هو جيد إن ثبت حرمة شرب النجس ". والوجه فيه: ما أشار إليه في المتن - تبعا للمعتبر - من أن الماء الذي يحرم شربه بمنزلة العدم، لان حرمة شربه تقتضي وجوب حفظ الماء الطاهر والمنع من استعماله في الوضوء، ومع هذا المنع يكون المكلف عاجزا عن استعماله في الوضوء فيشرع له التيمم وماقد يظهر من المدارك من التأمل في حرمة شرب النجس مخالف للاجماع والنصوص، كما اعترف به في الحدائق والجواهر وغيرهما، وقد تقدم في النجاسات.

 

===============

 

( 347 )

 

[ فيجب التيمم وحفظ الماء الطاهر لشربه. نعم لو كان الخوف على دابته لا على نفسه يجب عليه الوضوء أو الغسل (1) وصرف الماء النجس في حفظ دابته. بل وكذا إذا خاف على طفل من العطش فانه لا دليل على حرمة إشرابه الماء المتنجش (2). وأما لو فرض شرب الطفل بنفسه فالامر أسهل (3)، فيستعمل الماء الطاهر في الوضوء مثلا ويحفظ الماء النجس ليشربه الطفل. بل يمكن أن يقال: إذا خاف على رفيقه أيضا يجوز التوضؤ وإبقاء الماء النجس لشربه، فانه لا دليل على وجوب رفع اضطرار الغير من شرب النجس (4). نعم لو كان رفيقه عطشانا فعلا لا يجوز إعطاؤه الماء النجش ليشرب مع وجود الماء الطاهر، ] (ودعوى) معارضة حرمة شرب النجس بوجوب الطهارة المائية. فترجيح الحرمة على الوجوب يتوقف على أهميتها منه. (مندفعة) بأن أهمية حرمة شرب النجس من وجوب الطهارة المائية - مع أنها معقد ظاهر الاجماع - تستفاد من تسويغ التيمم في جملة من الموارد المنصوصة، مثل خوف ضياع المال القليل، وتلف الدابة من العطش، ونحوهما، فإذا ثبتت أهميتها سقط وجوب الطهارة المائية، ويستكشف مشروعية التيمم كما سبق. مضافا إلى ما عرفت الاشارة إليه، ويأتي في المسوغ السادس من أن لزوم أي محذور كاف في مشروعية التيمم وإن لم تثبت الاهمية. (1) لجواز صرف الماء النجس في الشرب كالماء الطاهر. (2) تقدم الكلام فيه في الماء النجس. فراجع. (3) لان عدم وجوب منعه أوضح من جواز سقيه النجس. (4) قد يستفاد هذا الوجوب مما ورد في بيع الدهن المتنجس من

 

===============

 

( 348 )

 

[ كما أنه لو باشر الشرب بنفسه لا يجب منعه. (السادس): إذا عارض استعمال الماء في الوضوء أو الغسل واجب أهم (1)، كما إذا كان بدنه أو ثوبه نجسا ولم يكن عنده من الماء إلا بقدر أحد الامرين من رفع الحدث أو الخبث، ] الامر بالاعلام، وكذا وجوب المنع لو باشره. وقد تقدم ذلك في أحكام النجاسات. (1) فان أهميته توجب ترجيح فعليته على فعلية وجوب الوضوء أو الغسل، فإذا سقط وجوبهما عن الفعلية ثبت مشروعية التيمم، لما عرفت من أنه يستفاد مما ورد في مشروعية عند عدم الوجدان، أو المرض، أو خوف البرد، أو خوف العطش، أو خوف اللص أو السبع على تقدير طلب الماء أو نحوه ذلك الملازمة بين سقوط وجوب الطهارة المائية ومشروعية التيمم، ألا ترى إلى قول الصادق (ع): " لا تطلب الماء ولكن تيمم فاني أخاف عليك التخلف... " (* 1)، فان التعليل إنما يصلح تعليلا لنفي الطلب لا لمشروعية التيمم، فلولا الملازمة بينهما لم يكن وجه للاكتفاء به، والى قوله (ع) في خبر ابن سالم: " لا آمره أن يغرر بنفسه.. " (* 2)، حيث اقتصر (ع) عليه ولم يتعرض لوجوب التيمم، فلولا الملازمة المذكورة لم يكن أيضا وجه للاقتصار عليه، ونحوهما صحيح الحلبي: " ليس عليه أن يدخل الركية لان رب الماء... " (* 3)، ومثله حسن الحسين بن أبي العلا (* 4).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب التيمم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 3 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 3 من ابواب التيمم حديث: 4.

 

===============

 

( 349 )

 

وبالجملة: ظهور النصوص المذكورة في الملازمة بتوسط المناسبات الارتكازية العرفية مما لا ينبغي التأمل فيه. وقد سبق تقريب الملازمة المذكورة بأنه إذا سقط وجوب الوضوء فأما أن يلتزم بسقوط الصلاة، وهو - مع أنه خلاف الاجماع - خلاف مادل على أنه لا تترك الصلاة بحال، أو بوجوب الصلاة بلا طهارة وهو أيضا - مع أنه خلاف الاجماع - خلاف قوله (ع): " لاصلاة إلا بطهور " (* 1)، أو يلتزم بمشروعية طهارة غير المائية والترابية، وهو خلاف الضرورة، فيتعين المصير إلى مشروعية التيمم، ولاجل ذلك بنى الاصحاب على مشروعيته بمجرد لزوم حرج أو ضرر في استعمال الماء، أو في طلبه، اوفي شرائه، أو نحو ذلك بحيث مهما دل دليل على نفي وجوب الوضوء كفى عندهم في الدلالة على مشروعية التيمم، ولم يحتاجوا في إثباتها إلى دليل آخر دال على مشروعيته بالخصوص. ولعل ذلك هو الموافق لاطلاق تنزيل التراب منزلة الماء، وأنه أحد الطهورين. وعليه فلا تتوقف مشروعيته على ثبوت أهمية الواجب المزاحم للطهارة المائية، بل يكفي فيها عدم ثبوت أهميتها بالنسبة إلى ذلك الواجب، لانه مع التساوي في الاهتمام يحكم العقل بالتخيير بين الطهارة المائية والواجب الآخر، فيجوز تركها بنظر العقل وفعل ذلك الواجب، فإذا جاز الترك جاءت المشروعية للملازمة. وكذا إذا احتملت الاهمية في كل واحد منهما بعينه لحكم العقل بالتخيير أيضا نعم لو علمت أهمية الطهارة المائية لم يكن وجه للمشروعية، لحكم العقل بوجوب الطهارة المائية بعينها، وكذا إذا احتملت أهميتها بناء على أن احتمال الاهمية كاف في حكم العقل بالتعيين - كما هو التحقيق - ولو لاجل الدوران في حكم العقل بين التعيين والتخيير.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب الوضوء حديث: 1.

 

===============

 

( 350 )

 

ولاجل أن العلم بأهمية الطهارة المائية أو احتمالها بعينها فرض نادر لم يتعرض الفقهاء (رض) للتمييز بين ما يكون من الواجبات أهم من الطهارة المائية، وما تكون أهم منه، وما يستويان. هذا بناء على أن الوجدان المأخوذ عدمه موضوعا لبدلية التيمم هو الوجدان العقلي. أما إذا أريد منه عدم الوجدان الاعم من الشرعي والعقلي فالوجدان العقلي الذي يلزم منه محذور شرعي كلا وجدان، لان المحذور الشرعي لما كان موجبا لصرف قدرة المكلف إلى غيره ومانعا عن صرف قدرة المكلف فيه فقد اقتضى سلب القدرة على الماء إذا كان في استعماله محذور، وإن لم يكن أهل من الطهارة المائية، لان الاهمية إنما تقتضي الترجيح في نظر العقل لاجل الاضطرار، وإلا فالمحذور مانع من الطهارة في نفسه، وموجب لصدق عدم الوجدان، فان ترجيح الاهم عقلا راجع إلى الغاء المهم وعدم الاعتداد به، وإلا فالمهم لا قصور في منعه عن الاخذ بالاهم، فلذلك يصدق معه عدم الوجدان بالنسبة إلى الاهم. فالمراد من الوجدان الذي أخذ عدمه موضوعا لمشروعية التيمم خصوص مالا يلزم منه محذور أصلا. فاللازم البناء على تقديم سائر الواجبات والمحرمات على الطهارة المائية عند التزاحم، لانه إذا كان في استعمال الماء محذور ترك الواجب أو فعل الحرام فقد تحقق موضوع مشروعية التيمم فيجب، ويحرم عقلا ارتكاب الحرام أو ترك الواجب المزاحمين له. وقد عرفت في صدر المبحث في شرح المسألة الثانية عشرة أن دعوى انصراف الوجدان في الآية الشريفة إلى الثاني قريبة جدا، كيف؟! ولولا ذلك لزم صدق الوجدان بمجرد للماء ولو كان أمانة. وهو - كما ترى - لا ينسبق إلى الذهن من الآية الشريفة وأمثالها مما علق فيه الحكم على عدم

 

===============

 

( 351 )

 

[ ففي هذه الصورة يجب استعماله في رفع الخبث (1) ويتيمم، لان الوضوء له بدل (2)، وهو التيمم بخلاف رفع الخبث، ] الوجدان، مثل ما ورد في الكفارة المرتبة. (ودعوى): أن حرمة التصرف في الامانة لما كانت أهم من وجوب الطهارة المائية سقط وجوبها كما تقدم. (مندفعة) بأن ذلك مسلم، إلا أن الكلام في صدق ما ينصرف إليه الذهن من الوجدان بذلك، لا في سقوط الطهارة المائية وعدمه، فالبناء على كون المراد من الوجدان مالا محذور معه ينبغي أن يكون واضحا. ويظهر ذلك من عبارة المنتهى الآتية. (1) إجماعا صريحا وظاهرا، محكيا عن المعتبر، والمنتهى، والتذكرة، والذخيرة، وحاشية الارشاد. قال في المعتبر: " ولو كان على جسده نجاسة ومعه ماء يكفيه لازالتها أو للوضوء أزالها به وتيمم بدلا من الوضوء، ولا أعلم في هذه خلافا بين أهل العلم، لان الطهارة بدلا من التيمم ولا كذلك إزالة النجاسة ". وفي المنتهى: " لو كان على بدنه نجاسة ومعه من الماء ما يكفي إحداهما صرفه إلى الازالة لا إلى الطهارة، لان الطهارة واجب لها بدل بخلاف ازالة النجاسة. لا نعرف فيه خلافا. وكذا لو كانت النجاسة على ثوبه، وقال أحمد: إنه يتوضأ ويدع الثوب لانه واجد للماء. وهو ضعيف إذ المراد بالوجدان التمكن من الاستعمال وهذا غير متمكن منه شرعا ". (2) هذا التعليل وإن ذكره غير واحد - منهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى، كما تقدم في كلامهما - غير ظاهر، إذ لا يدل جعل البدل على عدم الاهمية، ولا عدمه على الاهمية بوجه، بل الجعل وعدمه تابعان لوجود البدل وعدمه، ولا دخل للاهمية وعدمها فيهما أصلا. وأما ما في طهارة شيخنا الاعظم (ره) في مبحث الشبهة المحصورة من أنه علل في

 

===============

 

( 352 )

 

[ مع أنه منصوص في بعض صوره (1). والاولى أن يرفع الخبث أولا ثم يتيمم ليتحقق كونه فقاد للماء حال التيمم (2). وإذا توضأ أو اغتسل حينئذ بطل، لانه مأمور بالتيمم، ولا أمر بالوضوء أو الغسل (3). ] بعض الاخبار مراعاة سائر الواجبات والمحرمات على الطهارة المائية، بأن الله تعالى جعل للماء بدلا. فلم أقف عاجلا عليه. نعم يمكن أن يكون المراد من التعليل ما أشرنا إليه آنفا من أن منصرف الوجدان في المقام وأمثاله الوجدان الذي لا محذور فيه لا مطلقا. (1) يشير بهذا إلى خبر أبي عبيدة قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحائض ترى الطهر وهي في السفر وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة. قال (ع): إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي " (* 1)، حيث أمر فيه بغسل النجاسة الخبثية مطلقا وإن أمكن الوضوء. وفيه: أنه مبني على اعتبار الوضوء مع غسل الحيض، وقد عرفت أنه محل إشكال. مضافا إلى أن محتمل السؤال المفروغية عن وجوب الغسل إذا كان الماء يكفي له، ولا يجب غسل الفرج حينئذ، فالسكوت في الجواب عن الردع عنه دليل على عدم الاهمية المذكورة. فتأمل. (2) فيكون الفقد العقلي منضما إلى الفقد الشرعي. (3) فيه مالا يخفى، لان المقام من صغريات مسألة الضد، فيمكن الالتزام فيه بالامر بالوضوء على نحو الترتب، على ما هو التحقيق من إمكانه عقلا، كما هو محرر في محله. مضافا إلى أن صحة الوضوء يكفي فيها وجود

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من ابواب الحيض حديث: 1.

 

===============

 

( 353 )

 

[ نعم لو لم يكن عنده ما يتيمم به أيضا يتعين صرفه في رفع الحدث (1)، لان الامر يدور بين الصلاة مع نجاسة البدن أو الثوب أو مع الحدث وفقد الطهورين، فمراعاة رفع الحدث أهم. مع أن الاقوى بطلان صلاة فاقد الطهورين فلا ينفعه رفع الخبث حينئذ (2). ] ملاكه وإن لم يكن مأمورا به عقلا، وقد عرفت أن ملاك الوضوء غير مشروط بالوجدان ولا بغيره. لا يقال: إن ما ذكر إنما يتم لو كان ملاك الطهارة الحدثية أجنبيا عن ملاك الطهارة الخبثية، بأن كان كل منهما مستقلا في تأثير الوجوب المستقل وليس كذلك، فانهما معا شرط في صحة الصلاة وترتب ملاكها عليها، فعصيان الامر بأحدهما ملازم لعصيان الامر بالآخر، فيكف يلتزم بصحة الوضوء التي هي فرع إطاعة أمره مع الالتزام بعصيان الامر بازالة الخبث؟ لانا نقول: هما ليسا شرطا في مطلق الصلاة، ولذا تصح بالتيمم مع النجاسة عند الاضطرار، وإنما هو شرط لصحة الصلاة التامة، فإذا توضأ صحت صلاته مع النجاسة، لكنه فوت الصلاة التامة فيكون بذلك عاصيا وإن كان مطيعا في شرطية الطهارة المائية. نعم لما كان حفظ الماء واجبا لاجل تحصيل الطهارة الخبثية فان اتفق انطباق اتلافه على نفس الغسل به كان حراما فيمتنع التقرب به. لكن قد لا يتفق ذلك فلا مانع من التقرب به. (1) لان العجز في الفرض ليس موضوعا لمشروعية التيمم، ولا يترتب عليه ذلك، فيقع الدوران كما ذكر في المتن. (2) وحينئذ يسقط الامر به، فيبقى الامر بالصلاة مع الطهارة من

 

===============

 

( 354 )

 

[ (مسألة 23): إذا كان معه ما يكفيه لوضوئه أو غسل بعض مواضع النجس من بدنه أو ثوبه بحيث لو تيمم أيضا يلزم الصلاة مع النجاسة، ففي تقديم رفع الخبث حينئذ على رفع الحدث إشكال، بل لا يبعد تقديم الثاني (1). نعم لو كان بدنه وثوبه كلاهما نجسا، وكان معه من الماء ما يكفي لاحد الامور من الوضوء أو تطهير البدن أو الثوب، ربما يقال بتقديم تطهير البدن والتيمم، ثم الصلاة مع نجاسة الثوب أو عريانا على اختلاف القولين. ولا يخلو ما ذكره من وجه (2). ] الحدث بلا مزاحم. (1) هذا مما لا ينبغي التأمل فيه بناء على أن النجاسة الملحوظة مانعا في الصلاة يراد منها صرف الوجود، فان إزالة البعض لا تجدي في رفع المانع فلا تجب، ويجب صرف الماء في الوضوء. أما إذا كانت ملحوظة بنحو الطبيعة السارية يكون كل جزء ملحوظا مانعا مستقلا، فإذا دار الامر بين الوضوء وبين إزالة جزء واحد كان الحال كما لو لم يكن إلا ذلك الجزء وقد تقدم منه أن إزالته أهم، لا أقل من تساويهما في الاهتمام أو في احتمال الاهمية، فيتخير بينهما عقلا. وقد عرفت أنه مع سقوط وجوب الوضوء يشرع التيمم. هذا ومقتضى التعليل في الفرض الاول بأن الوضوء له بدل: لزوم البناء على وجوب التيمم في جميع الفروض المذكورة في هذا المقام، ولا يرجع إلى قواعد التزاحم فيها كما صنع في المتن وتبعه بعض المحشين. وحيث عرفت آنفا توجيه التعليل المذكور، فالبناء على وجوب التيمم في هذه الفروض كلها وعدم الرجوع إلى قواعد التزاحم هو الاقوى. (2) قد عرفت هذا الوجه. لكن الاشكال منه سابقا في تقديم رفع

 

===============

 

( 355 )

 

[ (مسألة 24): إذا دار أمره بين ترك الصلاة في الوقت أو شرب الماء النجس - كما إذا كان معه ما يكفي لوضوئه من الماء الطاهر، وكان معه ماء نجس بمقدار حاجته لشربه، ومع ذلك لم يكن معه ما يتيمم به بحيث لو شرب الماء الطاهر بقي فاقد الطهورين - ففي تقديم أيهما إشكال (1). (مسألة 25): إذا كان معه ما يمكن تحصيل أحد الامرين من ماء الوضوء أو الساتر لا يبعد ترجيح الساتر (2) والانتقال إلى التيمم، لكن لا يخلو عن إشكال، ] بعض الخبث على رفع الحدث آت هنا أيضا، فان تطهير البدن إنما يتضح ترجحه على تطهير الثوب عند الدوران بينهما، ولا موجب لوضوح ترجحه على رفع الحدث مع عدم الفرق بينه وبين ما سبق. فتأمل. (1) للاشكال في تعيين المهم منهما. لكن مقتضى ما ورد من الحث على الصلاة في القرآن المجيد والسنة المطهرة من أنواع التأكيد، والذم على تركها، وأنها عمود الدين: هو كونها أهم بمراتب كثيرة من ترك شرب النجس لا أقل من كونها محتملة الاهمية، فيلزم تقديمها وشرب النجس. وعلى تقدير التساوي واحتمال الاهمية في كل منهما فالحكم التخيير كما عرفت. (2) بل هو المتعين بناء على وجوب الصلاة عاريا على من لم يجد إلا ثوبا نجسا، فان البناء سابقا على وجوب صرف الماء في إزالة النجاسة عند الدوران بينه وبين الوضوء يقتضي البناء على ترجيح الساتر على الطهارة المائية. أما بناء على وجوب الصلاة في النجس فلا طريق إلى ترجيح الساتر، لكنه لا يخرج عن كونه محتمل الاهمية، لاحتمال كون ترجح وصفه - أعني: الطهارة من النجاسة - على الطهارة المائية يقتضي أولوية ترجيح نفسه عليها.

 

===============

 

( 356 )

 

[ والاولى صرفه في تحصيل الساتر أولا (1) ليتحقق كونه فاقد الماء ثم يتيمم. وإذا دار الامر بين تحصيل الماء أو القبلة ففي تقديم أيهما إشكال (2). (السابع): ضيق الوقت عن استعمال الماء (3) بحيث لزم ] (1) هذه الاولوية لاحراز صحة التيمم ومشروعيته، لا احتياط في التكليف، لاحتمال أن صرف الماء فيه مخالفة لوجوب الطهارة المائية. (2) لعدم وضوح ما يوجب ترجح أحدهما على الآخر. وقد عرفت أن مقتضى تعليله فيما سبق بأن له بدلا: الجزم بترجيح القبلة في المقام. كما أن مقتضى ما عرفت من التخيير عقلا بين المتزاحمين عند احتمال أهمية كل منها. هو التخيير في المقام. (3) كما عن المنتهى والتذكرة والمختلف والروضة. وعن الرياض: أنه الاشهر. بل ظاهر ماعن المنتهى من نسبة القول بالعدم إلى بعض العامة الاتفاق عليه. واختاره في الجواهر. والعمدة فيه: أولا: ما عرفت من أن ظاهر النصوص والفتاوى الملازمة بين سقوط الطهارة المائية ومشروعية التيمم، وحيث أن ضيق الوقت يسقطها ضرورة فلابد من التيمم. نعم هنا لا إجماع على عدم السقوط كما كان في موارد الحرج، لكن يكفي في عدم السقوط عموم: " لا تسقط الصلاة بحال " بناء على ثبوته كما سيأتي في فاقد الطهورين. وثانيا: ما أشرنا إليه أيضا آنفا من أن الوجدان المأخوذ عدمه موضوعا لمشروعية التيمم يختص بما لا محذور به من استعمال الماء، فإذا كان ضيق الوقت موجبا للزوم المحذور من استعمال الماء الموجود، كان موجبا لصدق عدم الوجدان الذي هو موضوع المشروعية. ودعوى اختصاص التقريب الاول بصورة كون السقوط لامن جهة ضيق الوقت، والتقريب

 

===============

 

( 357 )

 

الثاني بصورة كون القدرة لامن جهته أيضا. خلاف الظاهر، ولو بملاحظة المناسبات الارتكازية العرفية التي يعول عليها في مقام البيان. وأما ما في الجواهر من الاستدلال على الحكم بعموم تنزيل التراب منزلة الماء، (* 1) وعدم سقوط الصلاة، وظهور مساواة الفرض لما لو خاف فوت الوقت بالسعي إليه، وظهور كون أصل مشروعية التيمم للمحافظة على الوقت، فهو أهم في نظر الشارع من المحافظة على الطهارة المائية كسائر الشرائط التي تسقط عند الضيق، وما ورد من الامر بالتيمم عند الزحام يوم الجمعة وعرفة (* 2). فلا يخلو من خدش - وإن كان مجموعه يوجب الاطمئنان بالحكم حسب المذاق الفقهي - إذ العموم لا يجدي بعد تقييده بعدم الوجدان. وعدم سقوط الصلاة - لو ثبت بنحو الكلية - لا يقتضي مشروعية التيمم التي هي خلاف الاصل، اللهم إلا أن تستفاد بالملازمة بين ثبوت الصلاة في المقام ومشروعية التيمم. ومساواة الفرض لما لو خاف ضيق الوقت عن الطلب لا يخلو من خفاء، لان المستند في الثاني إن كان هو الاجماع فهو غيرب حاصل في المقام، وإن كان مصحح زرارة (* 3) - بناء على حواز العمل بروايته على بعض الطرف الذي فيه: " فليطلب " بدل: " فليمسك " كما هو الظاهر - فالتعدي منه إلى المقام يحتاج إلى لطف قريحة. وكون العلة في تشريع التيمم المحافظة على الوقت - لو سلم - يختص بما إذا صدق عدم الوجدان. وأهمية الوقت إنما تقتضي سقوط الوضوء لا مشروعية التيمم إلا بتوسط الملازمة بينهما. والتعدي من الزحام يوم الجمعة وعرفة إلى المقام غير ظاهر، ولاسيما بملاحظة كون الزحام

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم. (* 2) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب التيمم. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب التيمم حديث: 1، وقد تقدم ذكره والاشارة إليه مكررا.

 

===============

 

( 358 )

 

[ من الوضوء أو الغسل خروج وقت الصلاة ولو كان لوقوع جزء منها خارج الوقت (1). وربما يقال: إن المناط عدم ] موجبا لعدم القدرة على الماء مع قطع النظر عن الوقت. فتأمل. فإذا العمدة في وجوب التيمم ما عرفت من التقريبين. ومنهما يظهر ضعف ماعن المعتبر وجامع المقاصد وكشف اللثام والمدارك من عدم مشروعية التيمم لضيق الوقت، لصدق الوجدان. قال في المدارك: " لو كان الماء موجودا عنده، فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة المائية والاداء، فهل يتطهر ويقضي، أو يتيمم ويؤدي؟ فيه قولان. أظهرهما الاول. وهو خيرة المصنف (ره) في المعتبر، لان الصلاة واجب مشروط بالطهارة، والتيمم إنما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء، والحال ان المكلف واجد للماء، متمكن من استعماله، غاية الامر أن الوقت لا يتسع لذلك، ولم يثبت كون ذلك مسوغا للتيمم. وقال العلامة في المنتهى: يجب التيمم والاداء، لقوله (ع) في صحيحة حماد بن عثمان: (هو بمنزلة الماء)... " (* 1). وفيه: ما عرفت من أنه يكفي في المشروعية سقوط الوضوء وإن صدق الوجدان، مع أن الوجدان الذي هو منصرف الآية الشريفة والنصوص غير صادق. كيف؟! وقد بنوا على مشروعية التيمم إذا احتاج الماء في إزالة النجاسة، وكذا إذا لزم من وجوب الوضوء حرج في استعماله، أو من شرائه. أوفي طلبه، أو في شراء الآلة التي يستقي بها، أو نحو ذلك، مع صدق الوجدان بالمعنى المدعى صدقه هنا. والتفكيك بين المقام وما ذكر تحكم. فلاحظ. (1) إذ لافرق بين الجزء الاخير وغيره في وجوب إيقاعه في الوقت.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 2.

 

===============

 

( 359 )

 

[ إدراك ركعة منها في الوقت، فلو دار الامر بين التيمم وإدراك تمام الوقت أو الوضوء وإدراك ركعة أو أزيد قدم الثاني، لان من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت. لكن الاقوى ما ذكرنا، والقاعدة مختصة بما إذا لم يبق من الوقت فعلا إلا مقدار ركعة (1)، فلا تشمل ما إذا بقي بمقدار تمام الصلاة ويؤخرها إلى أن يبقى مقدار ركعة. فالمسألة من باب الدوران بين مراعاة الوقت ومراعاة اطهارة المائية، والاول أهم. ومن المعلوم أن الوقت معتبر في تمام أجزاء الصلاة فمع استلزام الطهارة المائية خروج جزء من أجزائها خارج الوقت لا يجوز تحصيلها، بل ينتقل إلى التيمم. لكن الاحوط القضاء مع ذلك، خصوصا إذا استلزم وقوع جزء من الركعة خارج الوقت (2). ] (1) لان قوله (ع) " من أدرك... " (* 1) ظاهر في صورة فوات الوقت إلا ركعة، ولا يدل على جواز تفويت الوقت إلا ركعة، وحينئذ لا مخصص لما دل على وجوب ايقاع تمام الصلاة في الوقت، فيشرع لاجله التيمم. إلا أن يقال: ذلك مسلم، إلا أنه يدل على بدلية مقدار الركعة عن مقدار تمام الصلاة، وحينئذ يكون فعل الصلاة بتمامها في الوقت مما له بدل، فيدور الامر بين واجبين كل واحد له بدل، ولا وجه لترجيح أحدهما على الاخر. إلا أن يدعى ان الوقت بالنسبة إلى كل جزء أهم من الطهارة المائية، وكأنه إلى هذا أشار المصنف بقوله: " والاول أهم ". لكن الاهمية في الفرض غير ظاهرة، إلا أن تحتمل الاهمية. (2) كأنه من جهة ان النقص من حيث الوقت وارد على الصلاة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت - كتاب الصلاة - حديث: 2 و 4 و 5.

 

===============

 

( 360 )

 

[ (مسألة 26): إذا كان وجدا للماء وأخر الصلاة عمدا إلى أن ضاق الوقت عصى، ولكن يجب عليه التيمم (1) والصلاة ولا يلزم القضاء، وإن كان الاحوط احتياطا شديدا (2). (مسألة 27): إذا شك في ضيق الوقت وسعته بنى على البقاء (3) وتوضأ أو اغتسل. وأما إذا علم ضيقه وشك في كفايته لتحصيل الطهارة والصلاة وعدمها، وخاف الفوت إذا حصلها، ] على كل حال. (1) لما تقدم بعينه. (2) لاحتمال انصراف أدلة المشروعية عن صورة التفريط والتقصير، كما عن بعض. لكنه ضعيف. (3) إما لاستصحاب بقاء الوقت إلى ما بعد الصلاة والطهارة المائية وقد عرفت في الحيض في مبحث التحيض برؤية الدم أنه لامانع من جريان الاستصحاب في الازمنة المستقبلة. إلا أن يقال: الواجب إيقاع الصلاة في زمان هو وقتها من ليل أو نهار، واستصحاب بقاء الوقت لا يصلح لاثبات كون الزمان الخارجي وقتا إلا بناء على الاصل المثبت، نظير استصحاب بقاء الكر في الحوض لاثبات كرية الماء الموجود فيه. وهكذا الحال في كل ما هو مفاد كان التامة، فان استصحابه لا يثبت مفاد كان الناقصة. نعم لو كان مفاد القضية الشرعية أنه تجب الصلاة مادام الوقت الكذائي موجودا كان استصحابه كافيا في جواز الصلاة. لكنه خلاف الظاهر من القضايا الشرعية الامرة بالصلاة في وقتها. اللهم إلا أن يقال: الصلاة في الوقت لايراد منه كون الوقت بنفسه ظرفا للصلاة، إذ لاظرفية بينهما، بل المراد منه وقوع الصلاة في الامد

 

===============

 

( 361 )

 

[ فلا يبعد الانتقال إلى التيمم (1) والفرق بين الصورتين (2) أن في الاولى يحتمل سعة الوقت، وفي الثانية يعلم ضيقه، فيصدق خوف الفوت فيها دون الاولى. والحاصل أن المجوز للانتقال إلى التييم خوف الفوت الصادق في الصورة الثانية دون الاولى. ] الموهوم الذي يكون ظرفا للوقت كما يكون ظرفا لها، نظير الصلاة في الطهارة. وحينئذ كما يجري استصحاب الطهارة المائية لاثبات كون الصلاة في حالها كذلك يجري استصحاب الوق. لاثبات كونها في الوقت. لان مرجع ظرفية الزمان للزمانيات مجرد وجودها في حاله. ومنه يظهر صحة جريان استصحاب النهار واستصحاب رمضان لاثبات وجوب الصوم. فتأمل جيدا. وإما لقاعدة الشك في القدرة المقتضية للاحتياط، لان الشك في ضيق الوقت يرجع إلى الشك في القدرة على الصلاة بالطهارة المائية وعدمها، وقد تقدمت الاشارة إلى أن الشك في القدرة على الواجب يقتضي الاحتياط في فعله إما لبناء العقلاء عليه، أو لعموم مادل على وجوبه المقتصر في الخروج عنه على القدر المتيقن، وهو فرض العلم بالعجز دون العجز الواقعي على ما هو القاعدة في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبيا. (1) لقاعدة وجوب المبادرة إلى الوقت عند خوف فوته، التي يدل عليها - مضافا إلى ظهور تسالم الفقهاء والعقلاء عليها، وإن خالف فيها بعض الاعاظم من المتأخرين - مصحح زرارة السابق (* 1)، بناء على جواز العمل ببعض طرق روايته، وجواز التعدي عن مورده إلى غيره. ومنه يظهر ضعف بعض الحواشي على المقام من أن الاقرب عدم الانتقال (2) حاصل الفرق: أن في الصورة الاولى يتردد الوقت بين القصير والطويل

 

 

____________

(* 1) الوسئل باب: 1 من ابواب التيمم حديث: 1. وقد تقدم ذكره في صدر المبحث.

 

===============

 

( 362 )

 

[ (مسألة 28): إذا لم يكن عنده الماء، وضاق الوقت عن تحصيله - مع قدرته عليه - بحيث استلزم خروج الوقت ولو في بعض أجزاء الصلاة، انتقل أيضا إلى التيمم. وهذه الصورة أقل إشكالا من الصورة السابقة، وهي: ضيقه عن استعماله مع وجوده، لصدق عدم الوجدان (1) في هذه الصورة، بخلاف السابقة. بل يمكن أن يقال بعدم الاشكال أصلا، فلا ] فيمكن جريان الاستصحاب فيه. وفي الصورة الثانية لاتردد في ذلك، بل يعلم مقداره لكن لا يعلم مقدار الصلاة مع الطهارة المائية، فلاجل ذلك يخاف الفوت. ولاجل أن الاستصحاب لا يجري في هذه الصورة، لاختصاصه بصورة الشك في الامتداد، والمفروض عدمه، يتعين الرجوع إلى قاعدة خوف الفوت. وهذا الفرق وإن كان ظاهرا، إلا أن كونه فارقا بينهما في العمل بقاعدة خوف الفوت وعدمه غير ظاهر. بل الظاهر أن العمل بها في الصورتين على حد واحد. نعم لو كان دليل القاعدة منحصرا بالمصحح أمكن دعوى انصرافه إلى خصوص الصورة الثانية لاغير. لكن عرفت عدم انحصار الدليل فيه، ودعوى الانصراف ممنوعة. ويحتمل أن يكون غرضه في الفرق بين الصورتين: أنه في الصورة الاولى يتردد الامر في الوقت بين الطويل والقصير، وفي الصورة الثانية يعلم أنه قصير وإن كان يتردد أيضا بين الزائد والناقص بأن لا يدري أنه عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة، فالشك في الصورتين يكون في الامتداد وعدمه. والاشكال فيه أظهر، فان الفرق المذكور لا يصلح فارقا في جريان الاستصحاب وعدمه، ولافي تحقق خوف الفوت وعدمه، ولافي العمل بالقاعدة وعدمه. (1) هذا يتم إذا كان عدم الوجدان بمعنى الفقدان، لا بمعنى عدم

 

===============

 

( 363 )

 

[ حاجة إلى الاحتياط بالقضاء هنا. (مسألة 29): من كانت وظيفته التيمم من جهة ضيق الوقت عن استعمال الماء، إذا خالف وتوضأ أو اغتسل بطل، لانه ليس مأمورا بالوضوء لاجل تلك الصلاة (1). هذا إذا قصد الوضوء لاجل تلك الصلاة. وأما إذا توضأ بقصد غاية أخرى من غاياته، أو بقصد الكون على الطهارة صح على ] القدرة على الوجود، وإلا فهو غير صادق. ولازم الاول: أن لزوم تحصيل الماء للدليل الخاص بخلاف الثاني فان لزوم تحصيله عليه يكون لاجل تحقيق عدم الوجدان. وكأنه لذلك يمكن أن يقال بعدم الاشكال، لانه إذا صدق عدم الوجدان فقد تحقق معه موضوع المشروعية، غاية الامر أنه يجب تحصيل الماء للدليل، لكنه يختص بصور سعة الوقت، ولا يشمل الفرض. ثم إن المحقق الثاني في جامع المقاصد التزم في المقام بوجوب التيمم اعتمادا على ما عرفت من صدق عدم الوجدان، ولم يلتزم به في الصورة السابقة، لصدق الوجدان. وقد عرفت إشكاله. وفي المستند: فصل كذلك، مع بنائه على صدق الوجدان في الصورتين معا، ولكنه اعتمد مرسل حسين العامري عمن سأله: " عن رجل أجنب فلم يقدر على الماء وحضرت الصلاة فتيمم بالصعيد، ثم مر بالماء ولم يغتسل، وانتظر ماء آخر وراء ذلك، فدخل وقت الصلاة الاخرى ولم ينته إلى الماء، وخاف فوت الصلاة. قال (ع): يتيمم ويصلي " (* 1). لكن إرساله مانع عن العمل به. (1) يعني لا يصح امتثالا للامر الآتي من قبل الصلاة في الوقت،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 19 من أبواب التيمم حديث: 2.

 

===============

 

( 364 )

 

[ ما هو الاقوى من أن الامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده. ولو كان جاهلا بالضيق وأن وظيفته التيمم فتوضأ فالظاهر أنه كذلك، فيصح إن كان قاصدا لاحدى الغايات الاخر، ويبطل إن قصد الامر المتوجه إليه من قبل تلك الصلاة. (مسألة 30): التيمم لاجل الضيق مع وجدان الماء لا يبيح إلا الصلاة التي ضاق وقتها، فلا ينقع لصلاة أخرى غير تلك الصلاة ولو صار فاقدا للماء حينها. بل لو فقد الماء في أثناء الصلاة الاولى أيضا لا تكفي لصلاة أخرى، بل لا بد من تجديد التيمم لها، وإن كان يحتمل الكفاية في هذه الصورة (1). ] لانه لاواقع له. ويصح امتثالا للامر المتعلق بالصلاة ولو قضاء، أو للامر المتعلق بغير الصلاة من الغايات الاخرى، لعدم قصده، والعبادية المعتبرة في صحة العبادة لابد فيها من وقوع الفعل بداعي أمره، وهو غير حاصل. وكأن ما في بعض الحواشي على المقام من أن الاقوى الصحة مبني على إطلاق الصلاة في عبارة المصنف. لكن مراده خصوص الصلاة في الوقت. كما أنه لو بني على كون عبادية المقدمات العبادية إنما هي لقصد أمرها النفسي لا الغيري الآتي من قبل الامر بذيها، بل يكون هو داعيا إلى امتثال الامر النفسي، لكان الوجه الصحة. لكن عليه يكون من قبيل الصورة الثانية. ولافرق في ذلك كله بين صورة العلم بالضيق والجهل به، لاتحاد مناط الصحة والبطلان في المقامين. نعم يختلفان في أن قصد الامر الآتي من قبل الصلاة تشريعي في الاولى دون الثانية. (1) بل لا يخلو من قوة، لان وجوب المبادرة إلى التيمم والصلاة

 

===============

 

( 365 )

 

[ (مسألة 31): لا يستباح بالتيمم لاجل الضيق غير تلك الصلاة من الغايات الاخر (1) حتى في حال الصلاة، ] التي ضاق وقتها موجب للعجز عن الوضوء للصلاة الثانية، وحينئذ يكون المقام من صغريات مزاحمة الوضوء بواجب أهم، فيصدق عدم الوجدان من حين وقوع التيمم إلى حين فقد الماء، فإذا فقد الماء في أثناء الصلاة فقد استمر عدم الوجدان إلى حين الصلاة الثانية، فلا مانع من إيقاعها بالتيمم الاول، لصدق عدم الوجدان من حين التيمم بالاضافة إلى الصلاة الثانية أيضا، فيكون التيمم مشروطا بالنسبة إليها فلا مانع من استباحتها به وكذا الحكم لو كان فقدان الماء بعد الصلاة بمقدار لا يسع الوضوء. ومن ذلك تعرف أن الاحتمال الذي ذكره المصنف هو الموافق للقواعد. وببالي أن بعضهم قوى ذلك، وهو في محله كما ذكرنا. (1) من غير خلاف ظاهر، ولا ما يوجب توهم الخلاف إلا ما طفحت به عباراتهم وحكي عليه الاتفاق ونفي الخلاف من أنه يستباح بالتيمم لغاية ما يستبيحه المتطهر من سائر الغايات. إلا أنه ينبغي الجزم بأن مرادهم عدم الاحتياج في فعل كل غاية إلى إيقاع التيمم لها، وتجديده عند فعلها، لا أنه إذا شرع لغاية لصدق عدم الوجدان بالاضافة إليها يستباح به كل غاية وإن لم يصدق عدم الوجدان بالاضافة إليها، فان ذلك مقطوع بفساده من ملاحظة كلمات الاصحاب كما في الجواهر، لعدم الدليل عليه، فان أدلة المشروعية إذا دلت على إناطتها بعدم الوجدان، وفرض أنه يختلف صدقه باختلاف الغايات، فلابد من اختلاف المشروعية باختلافه، فيكون مبيحا بالاضافة إلى غاية غير مبيح بالاضافة إلى أخرى، لا أقل من أن ذلك مقتضى قاعدة الاشتغال.

 

===============

 

( 366 )

 

[ فلا يجوز له مس كتابة القرآن (1) ولو كان في حال الصلاة، وكذا لا يجوز له قراءة العزائم إن كان بدلا عن الغسل. فصحته واستباحته مقصورة على خصوص تلك الصلاة، ] (1) اختار بعض جواز المس فيما لو كان التيمم لصلاة الفريضة، لما سبق من أن الامر بالمبادرة إلى التيمم والصلاة موجب للعجز عن استعمال الماء بالاضافة إلى المس، فيصدق عدم الوجدان بالاضافة إليه. نعم لو كان التيمم لصلاة النافلة لم يكن مانع من الوضوء للمس، لان الامر بالتيمم لها لا يوجب العجز عن استعمال الماء، لكون الامر استحبابيا، كما أن الدخول في النافلة لا يوجب ذلك، لجواز قطعها، بخلاف الفريضة. وفيه: أن العجز في مدة الصلاة لا يوجب صدق عدم الوجدان عرفا كما يفهم ذلك مما دل على وجوب الطلب غلوة أو غلوتين، ومما حكي الاتفاق عليه من وجوب السعي إلى الماء في خارج الحد إذا علم وجوده. ولو بني على تحقق عدم الوجدان بالعجز عن الماء في الامد القصير مع العلم بحصوله بعده والتمكن منه، لجاز التيمم لمن كان في السطح إذا كان الماء في السرداب وبالعكس، ولجاز التيمم لم كان على شفير بئر إذا كان يستطيع الاستقاء منه، لحصول العجز في مدة التحصيل، وهو كما ترى. نعم لو وجبت المبادرة إلى المس استباحه بالتيمم، لصدق عدم الوجدان بالنسبة إليه أيضا. وسيأتي نقل الاجماع على وجوب الانتظار والصبر إذا علم بوجود الماء في الوقت حتى على القول بجواز البدار، وأن القول المذكور يختص بصورة الاحتمال، وإن كانت نصوص المواسعة وجواز البدار شاملة لصورة العلم، لكن يخرج عنها بالاجماع المذكور. ومن ذلك يعلم الحكم في قراءة العزائم.

 

===============

 

( 367 )

 

[ (مسألة 32): يشترط في الانتقال إلى التيمم ضيق الوقت عن واجبات الصلاة فقط (1)، فلو كان كافيا لها دون المستحبات وجب الوضوء والاقتصار عليها، بل لو لم يكف لقراءة السورة تركها وتوضأ (2)، لسقوط وجوبها في ضيق الوقت. (مسألة 33): في جواز التيمم لضيق الوقت عن المستحبات الموقتة إشكال (3)، فلو ضاق وقت صلاة الليل مع وجود الماء والتمكن من استعماله يشكل الانتقال إلى التيمم. ] (1) إذا الامر بمستحباتها لا يوجب عدم القدرة على الطهارة المائية، فتجب ويسقط هو للعجز عنها. (2) لظهور دليل سقوطها في مثل الفرض بنحو لا يصلح دليل بدليته لمعارضته، ففي صحيح الحلبي: " لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الاولتين إذا ما أعجلت به حاجة، أو تخوف شيئا " (* 1) ونحوه غيره. فانه يكفي في صدق الحاجة الطهارة المائية. وبالجملة: المقام من قبيل تعارض المقتضي واللا مقتضي. (3) كأنه للاشكال في أهمية الوقت من الطهارة المائية في المستحبات الموقتة، إذ أهميته في الواجب الموقت لا تقتضي أهميته في المتسحب الموقت. نعم لو كان الوجه في مشروعية التيمم لضيق الوقت هو عدم القدرة على الطهارة المائية للموقت، لصدق عدم الوجدان معه - كما عرفت - كانت المشروعية في المستحب في محلها. لكن التشكيك في الاهمية غير ظاهر الوجه، ولاسيما في المستحبات التي لا تقضى بعد الوقت. نعم يمكن الاشكال في النوافل الموقتة التي تقضى، بأن الوقت قيد استحبابي، واستحبابه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

 

===============

 

( 368 )

 

[ (مسألة 34) إذا توضأ باعتقاد سعة الوقت فبان ضيقه فقد مر أنه إذا كان وضوء بقصد الامر المتوجه إليه من قبل تلك الصلاة بطل، لعدم الامر به، وإذا أتى به بقصد غاية أخرى أو الكون على الطهارة صح. وكذا إذا قصد المجموع من الغايات التي يكون مأمورا بالوضوء فعلا لاجلها. وأما لو تيمم باعتقاد الضيق فبأن سعته بعد الصلاة فالظاهر وجوب إعادتها (1)، ] لا يمنع من صدق الوجدان. لكن المذاق العرفي وملاحظة ما تقدم عن الجواهر يستوجب ضعف الاشكال المذكور. (1) لانكشاف عدم مشروعيته واقعا للقدرة على الطهارة المائية. إلا أن يقال: - في صورة كون الانكشاف بعد خروج الوقت، أو بقاء مقدار منه لاتمكن معه الصلاة - إن اعتقاده الضيق موجب لحكم العقل بوجوب المبادرة إلى الصلاة بالتيمم، فيكون استعمال الماء غير خال من المحذور، لكونه تجربا، فيكون ذلك موجبا لصدق عدم الوجدان واقعا في حال الاعتقاد كالمعصية الحقيقة، فإذا انكشف سعة الوقت كان وجوب الاعادة مبنيا على عدم جواز البدار. فلو قيل بجواز البدار وكفاية عدم القدرة على الماء في كل وقت لمشروعية التيمم فيه كانت الصلاة صحيحة. مضافا إلى إمكان استفادة الصحة من مصحح زرارة: " فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم... " (* 1) بناء على إمكان التعدي من مورده إلى المقام، كما يظهر من المصنف في بعض الفروع السابقة، نظير ما تقدم في المسألة الثانية عشرة، وكذا من مرسل العامري المتقدم (* 2)، بناء على ظهوره في الحكم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 19 من ابواب التيمم حديث: 2 تقدم في المسألة الثامنة والعشرين من هذا الفصل.

 

===============

 

( 369 )

 

[ وإن تبين قبل الشروع فيها وكان الوقت واسعا توضأ وجوبا، وإن لم يكن واسعا فعلا بعد ما كان واسعا أو لا وجب إعادة التيمم (1). الثامن: عدم إمكان استعمال الماء لمانع شرعي (2) كما إذا كان الماء في آنية الذهب أو الفضة، وكان الظرف منحصرا فيها بحيث لا يتمكن من تفريغه في ظرف آخر، أو كان في اناء مغصوب كذلك، فانه ينتقل إلى التيمم. وكذا إذا كان محرم الاستعمال من جهة أخرى. (مسألة 35): إذا كان جنبا ولم يكن عنده ماء وكان موجودا في المسجد، فان أمكنه أخذ الماء بالمرور وجب ولم ينتقل إلى التيمم (3). وإن لم يكن له آنية لاخذ الماء، أو كان عنده ولم يمكن أخذ الماء إلا بالمكث، فان أمكنه الاغتسال فيه بالمرور وجب ذلك. وإن لم يمكن ذلك أيضا، أو كان الماء في أحد المسجدين (4) - أي: المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله - ] الواقعي، كما هو غير بعيد. (1) قد عرفت أنه موقوف على عدم جواز البدار، وأن المراد منه عدم صحة الفعل قبل آخر الوقت. ولو كان المراد عدم صحته على تقدير ارتفاع العذر - فلو بادر وانكشف استمرار العذر صح - يتعين البناء على عدم لزوم إعادة التيمم في الفرض، لانكشاف استمرار العذر. (2) قد تقدم الكلام في المسوغ السادس. فراجع. (3) لعدم المقتضي للانتقال إليه بعد عدم المانع من أخذ الماء أو الاغتسال في حال المرور. (4) لحرمة المرور فيهما.

 

===============

 

( 370 )

 

[ فالظاهر وجوب التيمم (1) لاجل الدخول في المسجد وأخذ الماء أو الاغتسال فيه. وهذا التيمم إنما يبيح خصوص هذا الفعل (2) - أي: الدخول والاخذ أو الدخول والاغتسال - ولا يرد الاشكال (3) بأنه يلزم من صحته بطلانه، حيث أنه يلزم منه كونه واجدا للماء فيبطل كما لا يخفى. ] (1) تقدم الكلام فيه في المسألة الثامنة من فصل ما يحرم على الجنب. (2) لكونه غير واجد للماء بالاضافة إلى ذلك وواجدا له بالاضافة إلى غير ذلك، وإن كان وجدانه للماء بالقدرة على التيمم كما أشرنا إليه سابقا في المسألة المذكورة. (3) هذا تفريع على قوله: " إنما يبيح خصوص... ". يعني: أن التيمم المذكور لا يوجب صدق الوجدان بالاضافة إلى الكون في المسجد إلى أن يتحقق الاغتسال، بل يصدق بالاضافة إليه عدم الوجدان حتى بعد التيمم، نعم يصدق كونه واجدا بالاضافة إلى غيره، ولكن التيمم لم يشرع له كما أشرنا إليه فيما سبق. ويمكن أن يجاب عنه أيضا بأن الوجدان الآتي من قبل التيمم يمتنع أن يكون مبطلا للتيمم، لان معلول الشئ يمتنع أن يكون علة لعدمه. ولا يعارض ذلك بأن التيمم يمتنع أن يكون علة الوجدان لان الوجدان علة لعدمه، فان رفع اليد عن معلولية بطلان التيمم للوجدان ليس بأولى من رفع اليد عن معلولية الوجدان له، وحينئذ فلا دليل على معلولية الوجدان للتيمم، فإذا لم يعلم ترتب الوجدان عليه لم يجز الدخول في المسجد بعد التيمم، لاصالة عدم ترتب الاثر عليه. وجه الاندفاع: أن المعارضة إنما تتم لو كانت العلية في المقامين عقلية

 

===============

 

( 371 )

 

[ (مسألة 36): لا يجوز التيمم مع التمكن من استعمال الماء إلا في موضعين: أحدهما: لصلاة الجنازة، فيجوز مع التمكن من الوضوء أو الغسل على المشهور (1) مطلقا، ] حيث أنه لا طريق للعقل إلى ترجيح أحد الطرفين. أما إذا كانت شرعية - كما فيما نحن فيه - تعين رفع اليد عن دليل معلولية البطلان للوجدان، للعلم بعدم حجيته، إما للتخصص أو للتخصيص، فلا يكون مرجعا في المقام على كل حال، فيبقى دليل عليه التيمم للوجدان بلا معارض. نعم لما لم يكن وجوب التيمم غيريا، لعدم كونه مقدمة للدخول، بل عقلي من باب وجوب الجمع بين غرضي الشارع مهما أمكن، فلابد أن يكون الامر المصحح للتعبد به غير أمر الدخول، بل الامر الاستحبابي لدخول المساجد متطهرا، ولاجل ذلك قلنا في مبحث غسل الجنابة: إن وجوب التيمم في المقام يتوقف على كون دخول المساجد من الغايات الشرعية للطهارة. فلو لم نقل بذلك تعذرت صحة التيمم للدخول لعدم الامر المتعبد به، بل يجب التيمم للصلاة ولا يجب عليه الدخول وإن كان يجوز له، لكن هذا الجواز لا يوجب الوجدان الناقض للتيمم، لئلا يلزم الخلف، حيث أن المفروض أن المقصود بالتيمم استباحة الصلاة. فتأمل جيدا. (1) نقلا وتحصيلا، بل في الذكرى: نسبته إلى الاصحاب، والتذكرة: إلى علمائنا، وظاهره الاجماع كما عنه في المنتهى ذلك أيضا، بل في الخلاف: دعوى الاجماع صريحا. كذا في الجواهر. واستدل له - مضافا إلى الاجماع المحكي - بموثق سماعة قال: " سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ (ع): يضرب بيده على حائط اللبن

 

===============

 

( 372 )

 

[ لكن القدر المتيقن صورة خوف فوت الصلاة منه (1) لو أراد أن يتوضأ أو يغتسل. نعم لما كان الحكم استحبابيا (2) يجوز أن يتيمم مع عدم خوف الفوت أيضا، لكن برجاء المطلوبية، لا بقصد الورود والمشروعية. الثاني: للنوم، فانه يجوز أن يتيمم مع إمكان الوضوء ] فليتيمم " (* 1)، ومرسل حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال: " الطامث تصلي على الجنازة لانه ليس فيها ركوع ولا سجود، والجنب يتيمم ويصلي على الجنارة " (* 2). (1) بل عن جمل المرتضى والمبسوط والنهاية وسلار والقاضي والدروس والبيان: الاقتصار على ذلك. وعن المعتبر: الميل إليه، لعدم تمامية الاجماع ولعدم صحة سند الموثق والمرسل، وانسباق الفوت من أولهما، فلا موجب للخروج عما دل على اعتبار عدم الوجدان في مشروعية التيمم. وفيه: أن الموثق من قسم الحجة. لكن دعوى الانسباق فيه إلى صورة الخوف غير بعيدة، كما ورد في مصحح الحلبي قال: " سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب يتوضأ فاتته الصلاة. قال (ع): يتيمم ويصلي " (* 3). نعم لا بأس بالحكم بمشروعيته مطلقا بناء على قاعدة التسامح، وعلى جواز تطبيقها بمجرد الفتوى. (2) إذ لو كان وجوبيا كان الاجتزاء بالتيمم محتاجا إلى دليل، لانه خلاف قاعدة الاشتغال.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 22 من ابواب صلاة الجنازة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 21 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

 

===============

 

( 373 )

 

[ أو الغسل على المشهور أيضا مطلقا (1) وخص بعضهم بخصوص الوضوء: ولكن القدر المتيقن من هذا أيضا صورة خاصة، وهي: ما إذا آوى إلى فراشه لتذكر أنه ليس على وضوء فيتيمم من دثاره، لا أن يتيمم قبل دخوله في فراشه متعمدا مع إمكان الوضوء. نعم هنا أيضا لا بأس به لا بعنوان الورود بل برجاء المطلوبية، حيث أن الحكم استحبابي. وذكر بعضهم موضعا ثالثا وهو ما لو احتلم في أحد المسجدين (2) فانه يجب أن يتيمم للخروج وإن أمكنه الغسل. لكنه مشكل، بل المدار على أقلية زمان التيمم أو زمان الغسل أو زمان الخروج، حيث أن الكون في المسجدين جنبا حرام، ] (1) بل في محكي الحدائق: " الظاهر عدم الخلاف فيه ". وكأنه للمرسل الذي رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق (ع): " من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده، فان ذكر أنه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ماكان لم يزل في صلاة ما ذكر الله " (* 1). لكن مورده المحدث بالاصغر الناسي فالتعدي إلى غيره يحتاج إلى دليل، ولاسيما وفي خبر أبي بصير عن أبى عبد الله (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال: " لاينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد... " (* 2). اللهم إلا أن تتم قاعدة التسامح، ويكتفى فيها بالفتوى. (2) تقدم الكلام فيه في المسألة الاولى من فصل ما يحرم على الجنب. فراجع.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب الوضوء حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة حديث: 3.

 

===============

 

( 374 )

 

[ فلا بد من اختيار ما هو أقل زمانا من الامور الثلاثة، فإذا كان زمان التيمم أقل من زمان الغسل يدخل تحت ما ذكرنا من مسوغات التيمم من أن من موارده ما إذا كان هناك مانع شرعي من استعمال الماء، فان زيادة الكون في المسجدين جنبا مانع شرعي من استعمال الماء. (مسألة 37): إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفيه لوضوئه أو غسله، وأمكن تتميمه بخلط شئ من الماء المضاف الذي لا يخرجه عن الاطلاق، لا يبعد وجوبه (1). وبعد الخلط يجب الوضوء أو الغسل وإن قلنا بعدم وجوب الخلط (2) لصدق وجدان الماء حينئذ. ] (1) لصدق الوجدان المانع من مشروعية التيمم. فان قلت: الظاهر من الوجدان وجود ما يكفي للوضوء والمفروض انتفاؤه. قلت: المراد من كفايته للوضوء كفايته بحسب قدرة المكلف - يعني بحيث يقدر أن يتوضأ به - وهو حاصل، فكما يجب الوضوء إذا كان يكفي بتوسط تبريد أعضاء الوضوء أو تقليل ماء الغسل أو نحو ذلك من الوسائط التي تدخل تحت قدرة المكلف فكذا في المقام. ودعوى الانصراف عما نحن فيه ممنوعة. (2) يعني: إن قلنا بعدم وجوب الخلط وبمشروعية التيمم، أو خلط من باب الاتفاق يجب الوضوء أو الغسل، لصدق الوجدان.