فصل في الماء المستعمل

فصل في الماء المستعمل (1) إجماعا، بل ادعي على الاول ضرورة المذهب. ويكفي فيه الاصل، وفي الثاني إطلاقات مطهرية الماء (* 1)، وبعض النصوص، كما سيأتي. نعم في المستدرك عن أبى حنيفة: " إنه نجس نجاسة مغلظة ". (2) إجماعا، كما في القواعد، وعن التذكرة، وظاهر غيرهما، وفي الحدائق: " نفي جملة من المتأخرين الخلاف فيها ". لاشتراكه مع ما قبله فيما ذكر دليلا على حكميه. (3) اتفاقا نصا (* 2) وفتوى، بل لعله ضروري. ويكفي فيه الاصل نعم ظاهر عبارة الوسيلة عدم رفع الخبث به، قد يستظهر منها القول

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق. (* 2) راجع الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المضاف.

 

===============

 

( 220 )

 

[ ورفعه للخبث (1). والاقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضا (2). ] بنجاسته. وهو غريب. (1) إجماعا، كما عن غير واحد. للعمومات (* 1) ويقتضيه الاصل لكنه تعليقي. (2) كما هو الاشهر، بل نسب إلى مشهور المتأخرين، وحكي عن السيدين والعلامة والشهيدين وغيرهم. خلافا للمقنعة والمبسوط والصدوقين وابني حمزة والبراج، على ما حكي عنهم. لخبر ابن سنان عن أبي عبد الله (ع): قال: لا بأس بأن تتوضأ بالماء المستعمل. فقال (وقال خ ل): الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه. وأما الذي يتوضأ الرجل به، فيغسل به وجهه ويده في شئ نظيف، فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به " (* 2). لظهوره في عطف: " وأشباهه " على الضمير المجرور، فيدل على المنع من الوضوء بكل مستعمل في رفع الاكبر، جنابة كان أو غيرها. والطعن في السند باشتماله على أحمد بن هلال العبرتائي، الذى رجع عن التشيع إلى نصب - كما عن سعد بن عبد الله الاشعري - والملعون المذموم - كما عن الكشي - والغالي المتهم في دينه - كما عن الفهرست - والذي لا يعمل بما يختص بروايته - كما عن التهذيب - وروايته غير مقبولة - كما عن الخلاصة - (مدفوع): بأن اعتماد المشايخ الثلاثة وغيرهم على روايته كاف في جبر ضعفه ولا سيما بملاحظة أن الراوي عنه بواسطة الحسن ابن علي سعد بن عبد الله، وهو أحد الطاعنين عليه. وأن رواية أحمد للخبر

 

 

____________

(* 1) يعني. عمومات مطهرية الماء. (* 2) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المضاف حديث: 13.

 

===============

 

( 221 )

 

كانت عن الحسن بن محبوب، والظاهر أنها عن كتابه. وعن ابن الغضائري: أنه لم يتوقف في روايته عن ابن أبى عمير والحسن بن محبوب، لانه قد سمع كتابهما جل أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما. وأما رواية الحسن بن علي فانما تصلح جابرا - كما قيل - لو كان هو ابن فضال كي تدخل في قول العسكري (ع): " خذوا مارووا " (* 1). ولكنه بعيد، بل قيل: " يكاد يقطع بخلافه "، لان ابن فضال أعلى طبقة من العبرتائي، ولانه لم تعرف رواية سعد عن ابن فضال بلا واسطة، بل يروي عنه بواسطتين. على أن الظاهر من قوله (ع): " خذوا مارووا " صحة رواياتهم، لا صحة رواية من يروون عنه. ومثل ذلك الطعن في الدلالة، الاحتمال كون المنع من جهة نجاسة بدن الجنب، كما هو الغالب، كما يظهر مما ورد في كيفية غسل الجنابة (* 2) وغيره. إذ فيه: أن ذلك خلاف ظاهر العبارة المذكورة في الخبر. ولا سيما بملاحظة العطف على ما يغسل به الثوب. ومثله المناقشة باحتمال ارادة إزالة الوسخ من غسل الثوب لا النجاسة، فيتعين حمل النهي على مطلق المرجوحية المجامعة للكراهة. إذ فيها: أنه إن بني على الجمود على ما تحت العبارة فالمراد مجرد غسل الثوب وان لم يكن عن وسخ، وان أريد الغسل المشروع فليس الا الغسل لازالة النجاسة. وقد يستدل على المنع بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): " سألته عن ماء الحمام، فقال (ع): ادخله بازار، ولا تغتسل من ماء آخر، الا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا يدري فيهم جنب أم لا " (* 3)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب صفات القاضي حديث: 14. (* 2) راجع الوسائل باب: 26 من ابواب الجنابة. (* 3) الوسائل باب: 7 من ابواب الماء المطلق حديث: 5.

 

===============

 

( 222 )

 

وفيه: (أولا): ما عرفت آنفا (* 1) من إجمال المورد، للجهل بكيفية تمايز ماء الحمام عن الماء الآخر، والجهل بما يكون وجها للمنع عن الاغتسال بماء الحمام عند ما يوجد الجنب فيه، وأنه من جهة اختلاط ماء غسله بماء الحمام أو غير ذلك. ولاسيما بملاحظة كثرة وجود الجنب فيه، وندرة حصول العلم بعدمه، فلو منع من الاغتسال مع احتمال الجنب لزم الهرج. ولعله لذلك يتعين حملها على ماء الخزانة المتعارف في زماننا، وحينئذ يتعين حملها على الكراهة، لعدم الخلاف في الجواز في الكثير إلا من شاذ، كما سيأتي (وثانيا): أنها معارضة بصحيحته الاخرى " قلت لابي عبد الله (ع): الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره اغتسل من مائه؟ قال (ع): نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت فيه وجئت فغسلت رجلي، وما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب " (* 2). ومثله في الاشكال الاستدلال بصحيح ابن مسكان: " حدثني صاحب لى ثقة أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل، وليس معه إناء، والماء في وهدة، فان هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال (ع): ينزح بكف بين يديه، وكفا من خلفه وكفا عن يمينه، وكفا عن شماله، ثم يغتسل " (* 3) بناء على ظهوره في كون محذور رجوع الغسل في الماء عدم صحة الغسل به. ولكنه غير ظاهر. مع أن نضح الاكف لا يمنع من رجوع الماء، فاطلاق الامر بالغسل بعد النضح يدل على جواز الغسل بالماء وان رجع إليه ماء الغسل، فيكون رادعا عما في ذهن السائل. فالرواية على الجواز أدل. ويؤيد ذلك

 

 

____________

(* 1) في اول فصل ماء الحمام. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب الماء المطلق حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 10 من ابواب الماء المضاف حديث: 2.

 

===============

 

( 223 )

 

أنه ورد مثل هذا النضح في الوضوء من الماء القليل، لا من جهة منع رجوع الماء، بل تعبدا. ولعله من آداب الوضوء والغسل من الماء القليل. وأشكل من ذلك الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع): " وسئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب، ويغسل فيه الجنب قال (ع): إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (* 1). إذ ظاهرها نجاسة الماء باغتسال الجنب، ولا يقول به الخصم. فلتحمل على صورة تلوث بدنه بالمني. فالعمدة في المنع الخبر الاول. ويؤيده ما ورد من النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام (* 2)، معللا: بأن فيها غسالة الجنب، وان كان قد يظهر من تلك الروايات أن المنع من جهة النجاسة لا من جهة الجنابة. نعم يظهر الجواز من صحيح ابن جعفر عن أخيه (ع) الوارد في الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاء؟ قال (ع) في ذيله -: " وان كان في مكان واحد " وهو قليل لا يكفيه لغسله، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه فان ذلك يجزؤه " (* 3) وهو في بدو النظر وان كان مختصا بصورة عدم وجدان غيره، لكن الظاهر منه بعد التأمل عموم الحكم، لان الماء الذي يغسل فيه بعض الاعضاء ويرجع إلى الساقية أو المستنقع، مما يكفي في تحصيل مسمى الغسل لجميع البدن، بأن يؤخذ قليلا قليلا، ويمسح به البدن بنحو يتحقق مسمى الغسل. ويؤيد ذلك قوله (ع) في صدره -: " فان خشي ان لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات " فالمراد من عدم كفايته عدم كفايته إذا اغتسل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق حديث: 1. (* 2) راجع الوسائل باب: 11 من ابواب الماء المضاف (* 3) الوسائل باب: 10 من ابواب الماء المضاف حديث: 1.

 

===============

 

( 224 )

 

[ وان كان الاحوط مع وجود غيره (1) التجنب عنه. وأما المستعمل في الاستنجاء، ولو من البول (2)، فمع الشروط ] به على نحو الصب على الاعضاء على ما هو المتعارف. وعلى هذا يكون قرينة على ارادة جواز الاغتسال به، ولو بعد رجوعه إلى الموضع في صحيح ابن مسكان السابق، كما عرفت. وبهما يرفع اليد عن ظاهر خبر ابن سنان المتقدم. فيحمل على ارادة صورة نجاسة بدن الجنب، كما هو الغالب. ويشير إليه ما ورد في كيفية غسل الجنابة (* 1)، وما ورد في اعتصام الكر (* 2) وغير ذلك. وهذا الجمع أقرب من الجمع بالحمل على الكراهة، أو على المنع عن اغتسال غير المغتسل لا عن اغتسال نفسه ثانيا، أو عن غير ذلك الغسل، أو إذا لم يقصد ذلك حين الاغتسال به اولا. فان هذه الخصوصيات وان اشتمل عليها صحيحا الرخصة، لكنها عرفا ملغية فلا يخص بها الدليل ويتعين في الجمع العرفي ما عرفت. ولذا يكون ما في المتن هو الاقوى. (1) لان فرض عدم وجود غيره متيقن من صحيح ابن جعفر (ع) وان كان هذا المقدار لا ينافي الاحتياط أيضا فيه، خروجا عن شبهة خلاف القائلين بالمنع مطلقا. نعم الاحتياط فيه بالجمع بين استعماله والتيمم. (2) كما صرح به جماعة، بل لا يعرف فيه خلاف، وفي جامع المقاصد نسبته إلى الاصحاب، وفي المدارك وعن الذخيرة: أنه مقتضى النص وكلام الاصحاب، ولعل هذا المقدار كاف في الحجية عليه. وأما اطلاق النص فلا يخلو من تأمل، لان الاستنجاء في الاصل غسل موضع النجو، وهو الغائط، كما قيل. اللهم إلا أن يكون تعميمهم الحكم شهادة بعموم معناه، ويساعده العرف اليوم. أو لان الدليل لما كان واردا في جواب السؤال عن

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 26 من ابواب الجنابة. (* 2) راجع الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق.

 

===============

 

( 225 )

 

[ الآتية طاهر (1)، ويرفع الخبث أيضا لكن لا يجوز استعماله في ] القضية الخارجية، وكان لا ينفك ماء الاستنجاء من الغائط عن ماء الاستنجاء من البول إلا نادرا جدا، فالدليل يكون ظاهرا في طهارتهما معا، كما لا يخفى. (1) كما نص عليه جماعة كثيرة، وفي بعض العبارات: أنه لا بأس به، وفي آخر: أنه لا ينجس الثوب، وفي ثالث: أنه معفو عنه. ولعل مراد الجميع الطهارة، كما قد يشهد به نقل الاجماع على كل واحد من التعبيرات الثلاثة الاول، فيكون الوجه في اختلاف التعبير اختلاف عبارات النصوص. وان كان الظاهر من النصوص المفاد الاول والثاني لا غير. فالمشتمل على المفاد الاول رواية العلل عن يونس عن رجل العنزار عن الاحول أنه قال لابي عبد الله (ع) في حديث: " الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به. فقال (ع): لا بأس. أو تدري لم صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا والله. فقال (ع): إن الماء اكثر من القذر " (* 1). فان الظاهر من التعليل طهارة الماء. والمشتمل على المفاد الثاني بقية النصوص مثل صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه؟ فقال (ع): لا " (* 2) ومصححة الاحول: " قلت لابي عبد الله (ع): أخرج من الخلا فاستنجى بالماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، فقال (ع). لا بأس به " (* 3) ونحوه مصححته الاخرى (* 4)، فان الظاهر رجوع الضمير إلى الثوب لا إلى الماء.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من ابواب الماء المضاف حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 13 من ابواب الماء المضاف حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 13 من ابواب الماء المضاف حديث: 4.

 

===============

 

( 226 )

 

نعم قد يشكل الاعتماد على المرسل وان كان المرسل يونس الذي هو من أصحاب الاجماع، لعدم تحقق الاجماع على قبول روايتهم ولو مع الارسال ولذا كان الخلاف في قبول مراسيل ابن أبي عمير معروفا، مع أنه ممن لا يرسل إلا عن ثقة - كما قيل - فكيف بمراسيل يونس؟!. مع أن العنزار مجهول. مضافا إلى أن البناء على عدم التعدي عن مورد التعليل يستوجب البناء على إجماله، وعدم ارادة ظاهره. وأما بقية النصوص فدلالتها على طهارة الماء أو نفي البأس به غير ظاهرة، لعدم الملازمة، فعموم انفعال القليل - كعموم ما دل على تعدي نجاسة كل متنجس - المقتضي لنجاسة الماء محكم. اللهم إلا أن تستفاد الطهارة بالملازمة العرفية بين طهارة ملاقي الشئ وطهارته، كالملازمة بين نجاسة الملاقي ونجاسته. ولذا بني على نجاسة بعض الاعيان لدلالة الدليل على نجاسة ملاقيه، وعلى طهارة بعض الاعيان لدلالة الدليل على طهارة ملاقيه. ولهذه الدلالة الالتزامية اللفظية يخصص ما دل على انفعال القليل، كما يخصص ما دل على تنجيس النجيس. ومن ذلك تعرف الاشكال في كلام شيخنا الاعظم (ره) حيث ذكر أولا: أن البناء على نجاسة الماء يقتضي تخصيص قاعدة نجاسة ملاقي المتنجس والبناء على طهارته يقتضي تخصيص عموم انفعال الماء القليل، ولاجل أن الثاني أولى تعين البناء على الطهارة. ثم استشكل فيه: بأن قاعدة نجاسة ملاقي المتنجس ساقطة على كل حال، للعلم الاجمالي بتخصيصها إما بالنسبة إلى ملاقي الماء - بناء على نجاسته - أو بالنسبة إلى نفس الماء الملاقي البول أو الغائط، وبعد سقوطها عن الحجية للعلم الاجمالي المذكور، يبقي عموم انفعال الماء القليل بلا معارض، فيتعين الحكم بنجاسة الماء. ووجه الاشكال فيه (اولا): ما أشرنا إليه، من أن تخصيص عموم الانفعال ليس لتقديم قاعدة نجاسة ملاقي النجس عليه، بل للدلالة الالتزامية

 

===============

 

( 227 )

 

العرفية. (وثانيا): أن عموم انفعال الماء القليل في رتبة قاعدة نجاسة ملاقي النجس، فإذا فرض معارضة أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ملاقي ماء الاستنجاء مع أصالة العموم فيها بالنسبة إلى ماء الاستنجاء، فهذه المعارضة بعينها حاصلة بين أصالة العموم في القاعدة في الاول، وأصالة العموم في عموم انفعال الماء القليل في الثاني، فالعلم الاجمالي يوجب سقوط العمومين معا عن الحجية. (وثالثا): أن المعارضة بين أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى الفردين غير ظاهرة، لسقوط أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ملاقي ماء الاستنجاء جزما، للعلم الاجمالي بالتخصيص أو التخصص فتبقي أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ماء الاستنجاء الملاقي للبول والغائط بلا معارض. وكذا عموم انفعال الماء القليل. بل لو فرض ملاقاة ماء الاستنجاء لماء آخر فلا معارضة في عموم انفعال الماء القليل بالنسبة إلى تطبيقه لان تطبيقه بالنسبة إلى الماء الثاني معلوم البطلان، أما للتخصيص أو للتخصص، على نحو ما عرفت في عموم نجاسة ملاقي النجس. ومثله في الاشكال ما ذكره الفقيه المقدس الهمداني (قده) في مصباحه من أن البناء على طهارة ماء الاستنجاء، وتخصيص عموم انفعال الماء القليل أهون من البناء على نجاسته، وتخصيص ما دل على عدم جواز استعمال الماء النجس في المأكول والمشروب والوضوء والصلاة وغيرها. انتهى. وجه الاشكال: أن العموم الثاني ساقط عن الحجية، إما بالتخصيص أو التخصص، فيبقى العموم الاول بحاله بلا معارض. ومن هنا يظهر أن المتعين إما القول بالطهارة، وإما القول بالنجاسة مع طهارة الملاقي. فان أريد من العفو في كلام بعض هذا المعنى فله وجه، ولو أريد منه كونه نجسا بحكم الطاهر مطلقا، أو في خصوص عدم وجوب الاجتناب عنه، مع ترتب بقية أحكام النجس عليه فغير ظاهر الوجه.

 

===============

 

( 228 )

 

[ رفع الحدث ولا في الوضوء والغسل المندوبين (1). وأما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء والغسل (2). وفي طهارته ونجاسته خلاف (3). ] ثم إنه حيث كان الاظهر الطهارة فمقتضى الاطلاقات جواز رفع الحدث والخبث به. لكن يجب الخروج عنها بالاجماع المحكي عن المعتبر والمنتهى على عدم جواز رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا. وفي مفتاح الكرامة: " اعترف بهذا الاجماع جماعة كصاحب المدارك والمعالم والذخيرة وغيرهم " بل عن المعالم دعواه في خصوص المقام. ويقتضيه خبر ابن سنان المتقدم في المستعمل في رفع الحدث الاكبر، بناء على جواز التعدي من مورده إلى المقام، ولو بناء على نجاسة ماء الغسالة. فيبقى رفع الخبث به على مقتضى الاطلاقات السليمة عن المعارض. ومما ذكرنا يظهر ضعف ما في الحدائق، من جواز رفع الحدث به لعدم حجية الاجماع المنقول على المنع. فان الاجماع الذي يحكيه الفاضلان ويتلقاه الاعاظم بعدهما بالقبول، ليس من الاجماع المنقول. نعم ذكر في المدارك - في مبحث الغسالة - وجود القائل بكون ماء الغسالة باقيا على ما هو عليه من الطهورية. لكن هذا القائل غير معروف، كما في مفتاح الكرامة. نعم في الحدائق حكى ذلك عن المحقق الادبيلى (قده) فليلحظ كلامه. (1) للاجماع والخبر إذا كانا رافعين للحدث، وللخبر وحده إذا لم يكونا كذلك. فان اطلاق الخبر شامل للواجب والمندوب. فتأمل. (2) لما تقدم من الاجماع والخبر أيضا. فتأمل. (3) هذا الخلاف بعد البناء على نجاسة القليل بملاقاة النجاسة. أما بناء على الطهارة فلا مجال للقول بالنجاسة هنا. ومنه يظهر أن نسبة القول

 

===============

 

( 229 )

 

[ والاقوى أن ماء الغسلة المزيلة للعين نجس (1)، وفي الغسلة غير المزيلة الاحوط الاجتناب. ] بالطهارة في المقام إلى مثل العماني في غير محلها. وكذا نسبته إلى مثل السيد والحلي (قدهما)، فانهما قائلان بطهارة الوارد ولو على النجاسة العينية اللهم إلا أن يكون مفاد دليلهما الطهارة في المقام بالخصوص، كما تقدم. (1) كما هو المنسوب إلى المشهور بين المتأخرين، وأشهر الاقوال ولاسيما بين المتأخرين، بل لعله إجماع في خصوص المورد. لاطلاق ما دل على انفعال القليل بملاقاة النجاسة، مثل قولهم (ع): " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (1). والمناقشة فيه: بأنه من تعليق العموم - لو سلمت - لم تقدح في الاستدلال به على المقام، لان الكلام فيه بعد الفراغ عن انفعال الماء بتلك النجاسة. ويكفي في اثبات الانفعال حينئذ الاطلاق الاحوالي. على أنك عرفت في مبحث انفعال القليل ضعف المناقشة المذكورة، لوجود القرائن في نصوص المفهوم المذكور على ثبوت العموم الافرادي له. أما ما ذكره شيخنا الاعظم (ره) في طهارته، من تقريب العموم: بأن السلب الكلي لما كان منحلا إلى السلب عن كل واحد من الافراد، فإذا كان مفاد الشرطية كون الشرط علة منحصرة، رجع ذلك إلى علية الشرط بالاضافة إلى كل واحد من الافراد، ولازمه انتفاء الحكم عن كل واحد منها عند انتفاء الشرط. نعم لو استفيد من المنطوق كون الشرط علة للحكم العام بوصف العموم. - وبعبارة أخرى: علة لعموم الحكم - كان المنفي في المفهوم هو ذلك الحكم بوصف العموم، فيكفي ثبوته لبعض الافراد. لكن العموم في السالبة الكلية ليس من قيود السلب ولا من قيود المسلوب

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق.

 

===============

 

( 230 )

 

انتهى. (فيشكل): بأن ذلك خلاف ما ذكروه في محله من أن نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية، وأن مفهوم القضية الشرطية قضية شرطية شرطها نقيض الشرط وجزاؤها نقيض الجزاء. إذ - على هذا - يكون مفهوم قولنا: " إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شئ " إذا لم يبلغ كرا ينجسه بعض الشئ. وما ذكره (قده) يبتني على تحليل القضية إلى قضايا شرطية متعددة بتعدد أفراد الشئ، وهو غير واضح. ومثله في الاشكال ما ذكره - ثانيا - بعد تسليم عدم دلالة المفهوم بمقتضى نفس التركيب على العموم، وحاصله: أن المراد من الشئ في الجزاء ليس كل شئ بل خصوص ما كان مقتضيا للتنجيس، فإذ فرض أن الشئ مقتضيا للتنجيس وأن الكرية مانعة، لزم عند انتفاء الكرية المانعة ثبوت الحكم المنفي لكل فرد من الشئ باقتضائه السليم من منع المانع. (وجه الاشكال): أنه إذا سلمنا كون الجزاء سالبة كلية، فمفاد القضية الشرطية ليس إلا انحصار علية السلب الكلي بالكرية فإذا انتفت انتفى، وقد عرفت أنه لا ملازمة بين انتفاء السلب الكلي والايجاب الكلي، بل اللازم له هو الايجاب الجزئي لا غير. فإذا العمدة في اثبات العموم الافرادي القرائن الخاصة التي اشتملت عليها النصوص كما أشرنا إليه آنفا (* 1). وقد عرفت أن استفادة نجاسة ماء الغسالة لا يتوقف عليه، بل على العموم الاحوالي، ولما لم يتعرض الشارع لكيفية التنجيس فلابد أن يكون ذلك اتكالا منه على ما عند العرف، ولا ريب أنهم لا يفرقون في تنجيس النجاسات بين الوارد والمورود، وبين ما يكون مستعملا في مقام التطهير وبشرايطه وبين غيره، فيكون مقتضى الاطلاق ذلك أيضا. ومما يدل على النجاسة رواية العيص بن القاسم المروية في الخلاف والمعتبر والمنتهى والذكرى: " سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت

 

 

____________

(* 1) في اوائل فصل الماء الراكد.

 

===============

 

( 231 )

 

فيه وضوء. فقال (ع): إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه، وان كان من وضوء الصلاة فلا بأس " (* 1). وحملها على الطشت الذي يكون فيه عين البول والقذر خلاف الاطلاق. كما أن الطعن في السند من جهة عدم كونها مروية في كتب الحديث، وانما رويت في كتب الفقهاء المذكورة مرسلة عن العيص من دون ذكر طريقهم إليه بل قيل: " من المقطوع به أن رواية المنتهى إنما كانت تبعا للخلاف " مع أن الرواية مضمرة. مندفع: بأن الظاهر من نسبة الرواية إلى العيص وجدانها في كتابه - كما ذكره شيخنا الاعظم (ره) وغيره - وطريق الشيخ إليه حسن، كما يظهر من الفهرست. وأما الاضمار فغير قادح، فانه ناشئ من تقطيع الاخبار وتبويبها، وإلا فليس من شأن العيص أن يودع في كتابه الموضوع للرواية عن المعصوم (ع) رواية عن غيره، ولا من شأن الشيخ (ره) ذلك أيضا. نعم ظهور رواية الشيخ وغيره في وجدانها في كتابه ليس على نحو يحصل الوثوق به، لتدخل الرواية في موضوع الحجية. وكأنه لذلك رماها في المعتبر بالضعف، وفي الذكرى بالقطع، لاحتمال أن يكون الشيخ رواها من غير كتابه. وقد يستدل أيضا بموثق عمار (* 2) الوارد في الكوز والاناء يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ وأنه يغسل ثلاث مرات في كل مرة يصب فيه الماء، فيحرك فيه، ثم يفرغ منه. ويشكل: بأن من الجائز أن يكون افراغه لاعتبار انفصال ماء الغسالة في التطهير في جميع الغسلات لا لاجل النجاسة. ومن الغريب استدلال المحقق في المعتبر على النجاسة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المضاف حديث: 14. ولم يذكرها بتمامها، وكذا في المعتبر والذكرى. نعم رواها بتمامها في الخلاف مع اختلاف في الالفاظ في مسألة: 135. (* 2) الوسائل باب: 53 من ابواب النجاسات حديث: 1.

 

===============

 

( 232 )

 

بخبر ابن سنان المتقدم في المستعمل في رفع الاكبر، فان عدم جواز الوضوء به لا يدل على النجاسة بوجه. ومما ذكرنا تعرف أن العمدة في القول بالنجاسة الاطلاق الاحوالي لعموم انفعال الماء القليل. والظاهر أنه لا إشكال في وجوب العمل به في الغسلة المزيلة بل في السرائر والمنتهى دعوى الاجماع عليه، ولعله ظاهر المعتبر أيضا. أما في غيرها من الغسلات فقد يشكل العمل به فيها، بدعوى انصرافه إلى النجاسات العينية، كما تقدم في مبحث انفعال القليل. وما تقدم من النصوص الدالة على تنجسه بالمتنجس فانما هو في موارد خاصة ليس منها المقام. فيكون المتعين الرجوع إلى الاصل المقتضي للطهارة. وكأنه لاحتمال هذا الانصراف قال المصنف (ره): " وفي الغسلة غير المزيلة الاحوط الاجتناب ". بل قد يستدل على الطهارة فيها: بأن البناء على النجاسة يستلزم تخصيص ما دل على عدم مطهرية النجس، وليس هو أولى من تخصيص ما دل على انفعال القليل وحيث لا مرجح يسقطان معا ويرجع إلى استصحاب الطهارة. وقد يرد بمنع هذه القاعدة، والمتيقن منها عدم مطهرية النجس قبل الاستعمال، لا ما صار نجسا به، لان النجاسة بالاستعمال من اللوازم التي يكون اشتراط عدمها موجبا لتعذر التطهير بالقليل. بل يمكن منع كون المتيقن ذلك، لان الماء يرد على بعض الموضع النجس ثم يسري منه إلى الباقي منه، فيكون تطهيره للباقي بعد انفعاله بملاقاة الاول، فيلزم مطهرية النجس قبل الاستعمال. بل يمكن أن يقال: إنه يلزم من القول بالنجاسة تخصيص ما دل على تنجيس المتنجس، فان الماء يسري من المحل النجس إلى المحل الطاهر المتصل به، فاما أن ينجسه فيلزم سراية النجاسة إلى تمام الجسم المتنجس بعضه، أولا فيلزم لمحذور من تخصيص قاعدة تنجيس المتنجس. بل يلزم من القول بالنجاسة في الغسلة الاخيرة تخصيص قاعدة ثالثة،

 

===============

 

( 233 )

 

وهي (إما) اختلاف حكم الماء الواحد لو كان المختلف طاهرا قبل انفصال ما ينفصل، لان الماء الوارد على المحل واحد بعضه نجس وهو المنفصل، وبعضه طاهر وهو المتخلف. (وإما) طهارة الماء بدون مطهر لو كان المتخلف يطهر بعد انفصال المنفصل. (ودعوى): أنه يطهر بالتبعية (فيها) - مع أن التبعية ليست من المطهرات - أنها ممنوعة، لان المحل يطهر بمجرد انفصال الماء عنه. والمتخلف يطهر بعد انفصال الماء عن العضو وان تأخر عن الانفصال عن المحل. مثلا إذا تنجس أعلى الكف فصب عليه الماء، وجرى عليه حتى انفصل من أطراف الاصابع، فهذا الانفصال من أعلى الكف متقدم على الانفصال من اطراف الاصابع، وطهارة المحل مقارنة للاول وطهارة المتخلف مقارنة للثاني. وعلى هذا نقول: يلزم في المقام إما تخصيص قاعدة انفعال القليل، أو تخصيص هذه القواعد الثلاث كلها، ولا ريب أن تخصيص واحدة أولى من تخصيص جملة. ولاسيما مع ورود التخصيص على الواحدة بمثل ماء الاستنجاء، وماء المطر، وذي المادة، ولم يثبت تخصيص غيرها. لا أقل من التساقط والرجوع إلى استصحاب الطهارة. ولكن قد عرفت الاشكال في هذه المعارضة، من جهة أن القواعد المذكورة - غير قاعدة انفعال القليل - مما يعلم إجمالا بسقوطها عن الحجية، إما للتخصيص أو للتخصص، بخلاف قاعدة انفعال القليل، فانها يشك في تخصيصها فيرجع فيها إلى أصالة عدم التخصيص بلا معارض. واستبعاد تخصيص هذه القواعد غير ظاهر، إذ هو الموافق للمرتكزات العرفية في القذارات العرفية، فان بناءهم على استقذار الماء وان لزم فيه المحاذير المذكورة. ثم إن هذه المعارضة على تقدير تماميتها، فانما تقتضي الطهارة في غير الغسلة المزيلة، أما هي فيمكن الالتزام بالعمل بجميع القواعد فيها بلا تخصيص.

 

===============

 

( 234 )

 

هذا وربما يستدل للطهارة بالتعليل المتقدم في ماء الاستنجاء (* 1). وفيه - مع ما عرفت من ضعف سند الرواية: أن الاخذ بظاهر التعليل يستوجب البناء على عدم انفعال الماء القليل. والكلام في المقام بعد البناء على انفعاله اللازم للبناء على اجمال التعليل، والاقتصار به على مورده. وقد يستدل أيضا بخبر عمر بن يزيد: قلت لابي عبد الله (ع): أغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة، فيقع في الاناء ما ينزو من الارض، فقال (ع): لا بأس به " (* 2). وفيه - مع ضعف السند، واحتمال كون السؤال من جهة احتمال إصابة القطرة الموضع الذي أصابه البول، لا صورة العلم بذلك. وظهور السؤال في نجاسة ماء الغسل من الجنابة، وحمله على ما يستعمل في تطهير القبل من المني يستوجب البناء على نجاسة ماء الغسالة -: أنه مختص بالقطرة غير المستقرة مع النجاسة، وكونها مما نحن فيه غير معلوم. مع أن التعدي إلى غيرها غير ظاهر. وقد يستدل بما ورد من تطهير النبي صلى الله عليه وآله المسجد من بول الاعرابي بالقاء ذنوب من الماء (* 3). وفيه: أنها رواية أبى هريرة لا يعول عليها. مع أنها في واقعة مجملة. وبما ورد في صحيح ابن مسلم (* 4) من غسل الثوب في المركن مرتين. وفيه: أنه لا تعرض فيه للطهارة. نعم بناء على نجاسة الغسالة لابد من الالتزام بعدم نجاسة الثوب بالماء المغسول به، وقد عرفت أنه لا ضير في الالتزام به.

 

 

____________

(* 1) تقدم في رواية العلل هناك، وهو التعليل بأن الماء اكثر من القذر. (* 2) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المضاف حديث: 7. (* 3) مستدرك الوسائل باب: 52 من ابواب النجاسات حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 2 من ابواب النجاسات حديث: 1.

 

===============

 

( 235 )

 

وبما ورد في صحيح الاحول: " قلت له: أستنجي ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب. فقال (ع): لا بأس به " (* 1) بناء على ظهوره في الاستنجاء من المني، أو أنه محتمل لذلك، فيكون ترك الاستفصال دليلا على العموم. وفيه: أن ظاهر الرواية الاستنجاء من البول والغائط في حال الحدث، ومن المحتمل أن يكون السائل توهم دخل خصوصية الحدث الخاص في اختلاف حكم الاستنجاء. مع أنه لو سلم ما ذكر فغاية ما تدل عليه الحاق الاستنجاء من المني بالاستنجاء من البول، لا طهارة ماء الغسالة كلية. وبمنع شمول الاطلاق الاحوالي للغسلة المطهرة، لان الماء فيها مزيل للنجاسة وغالب عليها، فلا يكون مغلوبا. وفيه: أن ذلك خلاف الارتكاز العرفي، فان المرتكز عند العرف أن الماء المزيل للقذارة كأنه يحمل القذارة وينقلها إلى نفسه فلاحظ. ومما ذكرنا تعرف الاشكال في استدلال السيد (ره) على عدم انفعال الماء الوارد: بأن البناء على نجاسة يؤدي إلى انحصار التطهير بالكر، الراجع إلى اعتبار طهارة ماء التطهير حتى بعد التطهير. إذ فيه: أنه لا دليل على ذلك عقلا ولا عرفا، وعموم انفعال الماء القليل قاض بخلافه. والمحصل: من جميع ما ذكرنا: أن الادلة المستدل بها على النجاسة مخدوشة، عدا عموم انفعال القليل. والادلة المستدل بها على الطهارة التي يخرج بها عن عموم الانفعال أيضا غير سالمة عن الاشكال. والمناقشة في العموم الافرادي قد عرفت ضعفها، كالمناقشة في العموم الاحوالي. نعم احتمال انصراف الشئ في روايات الكر إلى نجس العين قريب. لكنه خلاف إطلاق الشئ. فالعمل على الاطلاق متعين. ومن هنا يظهر أن القول بالنجاسة في جميع الغسلات أقرب إلى ظاهر الادلة الشرعية والاذواق

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من ابواب الماء المضاف حديث: 4.

 

===============

 

( 236 )

 

[ (مسألة 1): لا إشكال في القطرات التي تقع في الاناء عند الغسل (1) ولو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الاكبر. ] العرفية. وهو سبحانه ولي التوفيق. (1) كما نص عليه جماعة. وعن ظاهر المنتهى جريان الخلاف فيها. ولكنه غير واضح، للنصوص للكثيرة النافية للبأس فيه، مثل صحيح الفضيل عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الاناء. فقال (ع): لا بأس، ما جعل عليكم في الدين من حرج " (* 1) ونحوه غيره (* 2) والظاهر منه السؤال عن جواز الاغتسال مما في الاناء لا خصوص الطهارة. ولاسيما مع وضوح طهارة ماء الغسل، ومع عدم التنبيه على عدم جواز الاغتسال به مع كون الغالب في التقاطر كونه في أول الامر. ومن ذلك يظهر ضعف المناقشة في دلالة النصوص، من جهة احتمال كون الجهة المسؤول عنها الطهارة. نعم لا يبعد هذا الاحتمال في بعض نصوص الباب، كرواية عمر بن يزيد المتقدمة في ماء الغسالة. ثم إن مقتضى الجمود على مورد النصوص عدم التعدي إلى غير القطرات من إجزاء ماء الغسل. اللهم إلا أن يدعى قصور الاطلاق المانع عن شموله فان الاجزاء اليسيرة المنبثة في الماء لا يصدق الوضوء بها، كما ذكره شيخنا الاعظم (ره). بل احتمل (قده) الجواز مع تساويهما في المقدار. بدعوى ظهور دليل المنع في انحصار الغسل به. ولكنه يشكل بمنع ذلك، كما يظهر من ملاحظة نظائره من الاحكام، فانها شاملة لصورة الامتزاج جزما، بل لا فرق فيها بين اليسير والكثير، إذ لا اضمحلال للجزء اليسير، ولا استهلاك مع وحدة الجنس فكيف لا يشمله الاطلاق؟!. ولا سيما بملاحظة ما في

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف والمستعمل حديث: 5. (* 2) راجع الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المضاف والمستعمل

 

===============

 

( 237 )

 

[ (مسألة 2): يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور: الاول: عدم تغيره في أحد الاوصاف الثلاثة (1). الثاني: عدم وصول نجاسة إليه من خارج (2). الثالث: عدم التعدي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء (3). الرابع: أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى مثل الدم (4). نعم الدم الذي يعد جزءا من البول أو الغائط لا بأس به (5). ] الصحيح السابق من تمسك الامام (ع) بآية نفي الحرج، الظاهر في وجود مقتضي المنع في القطرات كغيرها. (1) بلا خلاف ظاهر، بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه، ومنهم شيخنا الاعظم. ويقتضيه مادل على نجاسة المتغير، ولا تصلح لمعارضته نصوص المقام، لقرب انصرافها إلى حيثية الملاقاة لا مطلقا. ولو سلم إطلاقها فلا أقل من كون التصرف فيها بالحمل على ذلك أسهل من التصرف في عموم نجاسة المتغير. بل التعليل كالتصريح في الاختصاص بغير المتغير. لكن عرفت الاشكال في سنده. (2) لاهمال نصوص الطهارة بالاضافة إلى ذلك، فيتعين الرجوع إلى عموم الانفعال. (3) فلا يدخل في نصوص الباب، بل في عموم الانفعال. (4) كدم البواسير. لما سبق من إهمال نصوص الباب بالاضافة إلى هذه الجهة، فيتعين الرجوع إلى عموم الانفعال. (5) في خارجية الفرض اشكال، إذ البول والغائط مغايران مفهوما

 

===============

 

( 238 )

 

[ الخامس: أن لا يكون فيه الاجزاء من الغائط بحيث يتميز (1). أما إذا كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء، أو شئ آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به (2). (مسألة 3): لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد (3) وان كان أحوط. (مسألة 4): إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء، ثم أعرض، ثم عاد لا بأس، إلا إذا عاد بعد مدة ينتفي معها ] للدم، فإذا خرج مع أحدهما، فان كان مستهلكا فلا موضوع له، وان لم يكن مستهلكا امتنع أن يكون جزءا، بل يكون ممازجا لاحدهما، وملاقاته موجبة لنجاسة ماء الاستنجاء، على ما عرفت (1) إذ لو كانت فيه فهي بمنزلة النجاسة الخارجية في إهمال النصوص بالاضافة إليها، لكونها متعرضة لحكم الماء من حيث الملاقاة في المحل لا غير، فلا تشمل الملاقاة في خارجه، والمرجع حينئذ عموم الانفعال. (2) كما نص عليه بعض. وفي الجواهر قوى النجاسة بعد أن ذكر أن فيه وجهين، وجزم بها شيخنا الاعظم، لان المتنجس كالنجس الاجنبي الذي عرفت نجاسة الماء به، لقصور أدلة الطهارة عن شموله. لكنه يشكل: بأن غلبة وجود ذلك مع كونه مغفولا عنه، لكون نجاسته بالتبع، وعدم التنبيه على حكمه في النصوص، يوجب ظهورها في عموم الحكم. نعم لو لاقاه بعد الانفصال عن المحل لم يبعد الحكم بالنجاسة، لقصور النصوص عن شمول ذلك. (3) لجريان العادة بسبق كل منهما، فترك الاستفصال يقتضي المساواة في الحكم.

 

===============

 

( 239 )

 

[ صدق التنجس بالاستنجاء (1)، فينتفي حينئذ حكمه. (مسألة 5): لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاولى والثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد (2). (مسألة 6): إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي، ومع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات (3) في وجوب الاحتياط من غسالته (4). (مسألة 7): إذا شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء أو غسالة ساير النجاسات يحكم عليه بالطهارة (5)، وان كان الاحوط الاجتناب. ] (1) فانه موضوع نصوص الطهارة، فإذا انتفى انتفى حكمه. (2) للاطلاق. (3) لانصراف الادلة عنه، فيرجع فيه إلى عموم الانفعال. إلا أن يقال إن كان الموجب للانصراف الغلبة، فمع أن المحقق في محله أن الانصراف للغلبة بدوي لا يعتد به، أن لازمه النجاسة في غير الطبيعي ولو مع الاعتياد، وإن كان مجرد عدم الاعتياد مع قطع النظر عن الغلبة فغير ظاهر. فالاولى أن يقال: إن الاستنجاء يختص بغسل الموضع المعد لخروج النجو كان الاعداد أصليا أو عرضيا، فلو كان الموضع معدا لذلك كان غسله استنجاء سواء اكان متكررا خروجه ليكون عاديا أم لا، وإذا كان خروجه بلا اعداد بل بمحض الاتفاق، لم يكن غسله استنجاء. (4) يعنى: غير المزيلة. (5) لاستصحاب الطهارة. اللهم إلا ان يبنى على الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقية. فيرجع حينئذ إلى عموم الانفعال. لكنه خلاف

 

===============

 

( 240 )

 

[ (مسألة 8): إذا اغتسل في الكر - كخزانة الحمام - أو استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الاكبر (1). ] التحقيق. أو على أن مقتضى الجمع بين العام والخاص كون موضوع حكم العام الفرد الذي ليس بخاص، فيكون موضوع الانفعال في المقام الماء الملاقي للنجاسة وليس ماء الاستنجاء، ولما كان مقتضى الاصل عدم كون الماء مستعملا في الاستنجاء مع العلم بملاقاته للنجاسة، فقد أحرز موضوع الانفعال بعضه بالوجدان وبعضه بالاصل. وليس هذا الاصل من قبيل الاصل الجاري في العدم الازلي، لان عدم الاستعمال في الاستنجاء عدم في حال وجود الماء - كما لا يخفى - فلا إشكال في صحة استصحابه. أو يبنى على أن إناطة الرخصة بالامر الوجودي يقتضي البناء على عدمها عند الشك في ثبوته. لكن عرفت الاشكال في هذه القاعدة. (1) قال في الحدائق: " يظهر الاختصاص بالقليل من كلمات جمع " وفي الجواهر: " الظاهر أن النزاع مخصوص في المستعمل إذا كان قليلا، أما لو كان كثيرا فلا ". وفي طهارة شيخنا الاعظم (ره): " لا ينبغي الاشكال في الجواز في الماء الكثير وان قلنا بالمنع في غيره، لاختصاص دليل المنع بما يغتسل به لا فيه. قال في المعتبر: ولو منع هنا لمنع ولو اغتسل في البحر ". اقول: الباء في قوله (ع) في رواية ابن سنان: " يغتسل به الرجل من الجنابة " (* 1) باء الاستعانة، وهي كما تصدق في القليل تصدق في الكثير ولو بني على انصرافها إلى ما يصب على المحل لزم دخول الكثير إذا كان الاغتسال به بنحو الصب، وخروج القليل الذي يرتمس فيه الجنب، ولم يقل به أحد وان اختلفوا في صدق الاستعمال بمجرد النية مطلقا، أو يتوقف على الخروج من الماء كذلك، أو يفصل بين نفسه وغيره على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المضاف حديث: 13.

 

===============

 

( 241 )

 

[ أو غسالة الاستنجاء (1) أو الخبث. (مسألة 9): إذا شك في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبني على العدم (2). ] أقوال. فراجع. فالعمدة إذا في خروج الكثير - مضافا إلى الاجماع - صحيح صفوان الجمال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الحياض التي ما بين مكة والمدينة تردها السباع، وتلغ فيها الكلاب، وتشرب منها الحمير، ويغتسل فيها الجنب، ويتوضأ منه. قال (ع): وكم قدر الماء؟ قال: إلى نصف الساق وإلى الركبة. فقال: توضأ منه " (* 1). وصحيح محمد ابن اسماعيل الوارد في الغدير الذي يستنجى فيه، أو يغتسل فيه الجنب. فقال (ع): " لا تتوضأ من مثل هذا إلا من ضرورة " (* 2)، بناء على الاجماع على عدم التفصيل في المنع بين الضرورة وغيرها. فيكون ذلك قرينة على الكراهة. وقد يستفاد أيضا مما ورد في الاغتسال في ماء الحمام. (1) لان العمدة في المنع عن طهوريته الاجماع وهو مفقود في الكثير وأما خبر ابن سنان، فقد تقدمت الاشارة إلى الاشكال في الاستدلال به على ذلك، بناء على طهارة ماء الاستنجاء ونجاسة الغسالة. ولو فرض ظهوره في مطلق ما يلاقي النجاسة وجب الخروج عنه بما ورد من جواز الوضوء من الماء الكثير الذي تكون فيه العذرة، أو البول. أو الجيفة، أو تلغ فيه الكلاب، أو نحو ذلك (* 3). ومنه يظهر أيضا عدم جريان حكم الغسالة على الكثير المغسول به الخبث. فلاحظ. (2) لاستصحاب العدم.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 12. (* 2) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق حديث: 15. (* 3) راجع الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق.

 

===============

 

( 242 )

 

[ (مسألة 10): سلب الطهارة والطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر أو الخبث استنجاء أو غيره، إنما يجري في الماء القليل دون الكر فما زاد، كخزانة الحمام ونحوها (1). (مسألة 11): المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر (2)، فلو أخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة. وكذا ما يبقى في الاناء بعد إهراق ماء غسالته. (مسألة 12): تطهر اليد تبعا بعد التطهير، فلا حاجة إلى غسلها. وكذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب ونحوه. (مسألة 13): لو أجرى الماء على المحل النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر (3)، وان عد تمامه غسلة واحدة ولو كان بمقدار ساعة. ولكن مراعاة الاحتياط أولى. (مسألة 14): غسالة ما يحتاج إلى تعدد الغسل كالبول - مثلا - إذا لاقت شيئا لا يعتبر فيها التعدد (4)، وان كان أحوط. ] (1) مضمون هذه المسألة متحد مع مضمون المسألة الثامنة. (2) يأتي الكلام في هذه المسألة ولا حقتها في مبحث الطهارة بالتبعية في مبحث المطهرات. (3) لان ظاهر الدليل كون الغسل المطهر بنحو صرف الوجود الصادق على الحدوث، فإذا تحقق طهر المحل، فما يلاقيه من الماء المنصب طاهر، لعدم ملاقاته للنجس. (4) قد اختلفوا في ملاقي الغسالة بناء على نجاستها، وأنه كالمحل بعدها

 

===============

 

( 243 )

 

[ (مسألة 15): غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها (1). ] أو كالمحل قبلها، أو كالمحل قبل الغسل. وقد ذكروا وجوها لا تخلو من تأمل، لكونها مبنية على ظن وتخمين. وينبغي أن يكون مبنى هذا الخلاف وجود إطلاق يرجع إليه وعدمه، فعلى الاول يكتفى في تطهير الملاقي بالمرة ولو كانت من الغسلة الاولى فيما يجب فيه التعدد. وعلى الثاني يجب التعدد للاستصحاب حتى إذا كانت مما لا يجب فيه العدد، أو كانت من الغسلة الاخيرة. هذا ولا يحضرني إطلاق في خصوص ملاقي الغسالة يرجع إليه عدا رواية العيص المتقدمة (* 1)، وقد عرفت الاشكال في سندها. نعم يأتي في مبحث المطهرات - إن شاء الله تعالى - تقريب إطلاق مطهرية الماء من مثل النبوي: " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ " وأنه كما يرجع إلى العرف في كيفية التنجيس يرجع إليهم في كيفية التطهير. ومن المعلوم أن الكيفية عند العرف هي الغسل مرة، ومقتضى ذلك الاكتفاء بالمرة في التطهير ما لم يقم دليل على التعدد، كما في البول والاواني بناء على وجوب التعدد فيها. وسيأتي - إن شاء الله - ماله نفع في المقام. (1) لاشتراك المناط وهو احتمال النجاسة مع كون الحجة على خلافه.

 

 

____________

(* 1) تقدمت في حكم ماء الغسالة.

 

===============

 

( 244 )

 

[ فصل الماء المشكوك نجاسته طاهر (1) إلا مع العلم بنجاسته سابقا (2). والمشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق (3)، إلا مع سبق إطلاقه (4). والمشكوك إباحته محكوم بالاباحة (5) ]