فصل في مستحبات غسل الجنابة

(فصل في مستحبات غسل الجنابة) وهي أمور: (أحدها): الاستبراء من المني (2)، ] الارتماس الخارجي لا غير، بل هو الوجود الخاص، فيكون تمامه مفطرا واحدا. لكن فيه أن ذلك خلاف الاطلاق. وقد يقال: إن لازمه أن لو ارتمس في الجزء الاخير من النهار وبقي تحت الماء حتى دخل الليل فخرج لم يفطر، إذ لم يقع منه الوجود الواحد في النهار. وهو كما ترى. وفيه: أنه إذا وقع بعض هذا الوجود في النهار فقد وقع المفطر فيه، غاية الامر أن تمامه يكون في الليل، لا أن الوجود لم يقع في النهار ليتوجه الاشكال. (1) حيث لا يقع الخروج منه مبعدا، لمسبوقيته بالتوبة، فكما أن التوبة اللاحقة توجب خروجه عن المبعدية كذلك السابقة، وإن كان لا يخلو من إشكال يأتي في مبحث مكان المصلي. (فصل في مستحبات غسل الجنابة) (2) كما هو مذهب اكثر علمائنا - كما عن التذكرة - والمشهور بين المتأخرين كما عن المدارك، وفي الحدائق. للامر به في مصحح البزنطي: " سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن غسل الجنابة. فقال (ع): تغسل يدلك اليمنى من المرفق إلى أصابعك، وتبول إن قدرت على البول، ثم تدخل... " (* 1) ومضمر أحمد بن هلال: " سألته عن رجل اغتسل قبل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 6 وباب: 34 من ابواب الجنابة حديث: 3

 

===============

 

( 110 )

 

[ بالبول قبل الغسل (1). ] أن يبول، فكتب: إن الغسل بعد البول، إلا أن يكون ناسيا " (* 1) المحمول على الاستحباب بعد امتناع حمله على الوجوب الغيري، لظاهر الاجماع المحكى على صحة الغسل بدونه. والنصوص الدالة عليها كما سيأتي. وحمله على الوجوب التعبدي خلاف الظاهر جدا كما في أمثاله. ومنه يظهر صعف ما عن جماعة من القدماء من القول بالوجوب، واختاره في الحدائق اعتمادا على ظاهر الامر المذكور الذي عرفت ما فيه، ولا سيما مع تقييده بالقدرة وعدم النسيان الذي هو خلاف إطلاق كلمات القائلين بالوجوب. فتأمل. ثم إن المصرح به في كلام جماعة - بل نسب إلى المشهور - اختصاص استحباب الاستبراء بالبول من المني، كما قيده في المتن، لانه منصرف النصوص المتقدمة. ولاختصاص فائدته من إخراج أجزاء المني به. فلا يستحب لمن أجنب بالايلاج، وأورد عليه في محكي الذخيرة: بعموم الروايات وثبوت الفائدة لاحتمال أن ينزل ولم يطلع واحتبس شئ في المجاري، لكون الجماع مظنة الانزال. وهو كما ترى، لما عرفت من الانصراف، ولا سيما مع اشتمال الصحيح على قوله (ع): " ثم اغسل ما أصابك منه... " (* 2) واحتمال الانزال خلاف المفروض. فتأمل. (1) قد تقدم في آداب التخلي استحباب الاستبراء من البول. وأما استحبابه لاجل الغسل فلا دليل عليه، وإن ذكره جماعة، ما بين مقتصر عليه، وذاكر له مع الاستبراء من المني، ومقيد لاستحبابه بما إذا لم يتيسر الآخر. ولعل هذا المقدار كاف في الحكم باستحبابه، ولا سيما بملاحظة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 12 (* 2) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 6 وباب: 34 من أبواب الجنابة حديث: 3

 

===============

 

( 111 )

 

[ (الثاني): غسل اليدين ثلاثا (1) إلى المرفقين (2) أو إلى نصف الذراع (3)، أو إلى الزندين (4) ] ما عن الجعفي من إيجابه كالاستبراء من المني. (1) لصحيح الحلبي عن الصادق (ع): " كم يفرغ الرجل على يده اليمني قبل أن يدخلها في الاناء؟ قال (ع): واحدة من حدث البول واثنتان من حدث الغائط وثلاث من الجنابة " (* 1) ونحوه مرسل الفقيه (* 2). ورواية حريز (* 3). (2) ففي صحيح يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن (ع): " يبدأ بغسل يديه إلى المرفقين " (* 4) وفي صحيح البزنطي المروي عن قرب الاسناد: " تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك " (* 5). وفي صحيحه الآخر الذي رواه الشيخ: " تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك " (* 6) والظاهر أن تثنية المرفقين سهو، وقد ضرب عليها في النسخة المصححة من الوسائل. لكن عن الوافي: " في بعد النسح: تغسل يديك إلى المرفقين. وهو الصواب ". (3) ففي رواية يونس المتضمنة لغسل الميت: " إغسل يديه ثلاث مرات - كما يغتسل الانسان من الجنابة - إلى نصف الذراع. " (* 7). (4) ففي صحيح ابن مسلم: " تبدأ بكفيك فتغسلهما " (* 8) ونحوه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 27 من أبواب الوضوء حديث: 1 (* 2) الوسائل باب: 27 من أبواب الوضوء حديث: 4 (* 3) الوسائل باب: 27 من أبواب الوضوء حديث: 2 (* 4) الوسائل باب: 34 من أبواب الجنابة حديث: 1 (* 5) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 16 (* 6) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 6 وباب: 34 من أبواب الجنابة حديث: 3 (* 7) الوسائل باب: 44 من أبواب الجنابة حديث: 1 (* 8) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1

 

===============

 

( 112 )

 

[ من غير فرق بين الارتماس والترتيب (1) ] موثق أبي بصير (* 1). والجمع بين النصوص المذكورة يقتضي حملها على اختلاف مراتب الفضل. الجواهر: " لولا مخافة الخروج عن كلام الاصحاب لامكن دعوى: أنه يتحصل من النصوص أن استحباب غسل الكفين إنما هو من حيث مباشرة ماء الغسل، لمكان توهم النجاسة، ولذا كان في بعضها أنه إن لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء... (* 2) وأما الغسل من المرفق فهو مستحب من حيث الغسل فيكون كالمضمضة مثلا... ". لكن لا يظهر وجه للفرق بين نصوص الكفين وغيرهما في ذلك، لوحدة سياق الجميع. وما ذكر في بعضها ظاهر في سقوط غسل اليد مع العلم بالطهارة مطلقا لا خصوص الكف، فلا يصلح فارقا بين النصوص. فالعمل بظاهر الجميع من استحباب غسل اليدين لاجل الغسل متعين. نعم لا يبعد أن تكون الحكمة في هذا الاستحباب هو الاحتياط من جهة النجاسة. فلا حظ. (1) كما عن العلامة (ره) لاطلاق بعض النصوص، كصحاح زرارة ومحمد بن مسلم وحكم بن حكيم (* 3). وظاهر الشرائع الاختصاص بصورة الاغتسال بالاغتراف. وكأنه جمود منه على النصوص المتضمنة للامر بغسلهما قبل غمسهما في الاناء، أو إدخالهما فيه (* 4)، مما لا إطلاق لها. لكنه غير ظاهر. ثم إن الموجب لرفع اليد عن ظاهر الامر بالغسل وحمله على الاستحباب هو الاجماع. مضافا إلى صحيح زرارة المشار إليه في عبارة الجواهر المتقدمة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 9 (* 2) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 2 (* 3) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة (* 4) الوسائل باب: 26 من ابواب الجنابة

 

===============

 

( 113 )

 

[ (الثالث): المضمضة والاستنشاق (1) بعد غسل اليدين (3) ثلاث مرات (3) ويكفي مرة أيضا (الرابع): أن يكون ماؤه في الترتيبي بمقدار صاع (4) ] (1) إجماعا، كما عن جماعة. للامر بهما في صحيح زرارة (* 1)، وموثق أبي بصير (* 2) وغيرهما، المحمول على الاستحباب، جمعا بينها وبين ما دل على نفي الوجوب صريحا، معللا في بعضها بأنه لا يجنب الباطن (* 3). (2) كما يقتضيه عطفهما ب‍ " ثم " الدالة على الترتيب. (3) كما عن جماعة، وليس لهم دليل ظاهر عدا ما عن الرضوي: " ويروى: أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا. وروي: مرة تجزئه " (* 4). (4) إجماعا صريحا وظاهرا، حكاه جماعة، للنصوص الدالة عليه، كصحيح زرارة الحاكي لاغتسال النبي صلى الله عليه وآله مع زوجته بخمسة أمداد: ثلاثة له ومدين لها المتضمن لقوله (ع): " ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع " (* 5)، المحمول على الاستحباب، للاجماع. ولما دل على الاكتفاء بمجرد جريان الماء على البدن وإمساسه به (* 6)، وأنه يكفي مثل الدهن (* 7)، كما أن مقتضى صدره - بل وغيره أيضا - اختصاص ذلك بحال الانفراد، وفي حال الاشتراك المستحب بثلاثة أمداد للرجل ومدين للمرأة. ولكنه خلاف إطلاق كلماتهم. اللهم إلا أن تكون محمولة على صورة الانفراد لا غير.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5 (* 2) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 9 (* 3) الوسائل باب: 24 من أبواب الجنابة (* 4) مستدرك الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 1 (* 5) الوسائل باب: 32 من أبواب الجنابة حديث: 4 (* 6) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1 و 2 و 5 (* 7) الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 6

 

===============

 

( 114 )

 

[ وهو ستمائة وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال (1) (الخامس): إمرار اليد على الاعضاء (2) لزيادة الاستظهار (3) (السادس): تخليل الحاجب غير المانع (4) لزيادة الاستظهار ] (1) كما تقدم في الوضوء. (2) أما عدم وجوبه إذا لم يتوقف عليه وصول الماء إلى البشرة فعليه الاجماع عن جماعة، كالشيخ والحلي والشهيد قدس سرهم. مضافا إلى ما دل على الاكتفاء بامساس البدن للماء وإجرائه عليه (* 1)، وما ورد من أن نساء النبي صلى الله عليه وآله إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله أمرهن أن يصببن الماء صبا على أجسادهن (* 2). وأما رجحانه فيدل عليه - مضافا إلى الاجماع - ما في خبر ابن جعفر (ع) الوارد في الغسل بالمطر من قوله (ع): " إلا أنه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق ويمر يده على ما نالت من جسده " (* 3) وخبر عمار: " ثم تمر يدها على جسدها كله " (* 4). ومنه يظهر الاختصاص بالترتيبي كما صرح به بعض. (3) بذا علله جماعة. لكنه - مع أنه لا دليل على استحباب زيادة الاستظهار شرعا - غير مطرد في جميع الاعضاء، كما هو ظاهر. (4) ذكره جماعة. وليس له دليل ظاهر إلا زيادة الاستظهار التي عرفت حالها. وما في صحيح ابن مسلم الوارد في حكم الشعر من قوله (ع): " فاما النساء الآن فقد ينبغي لهن أن يبالغن في الماء " (* 5)، وما في

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1 و 2 و 5 (* 2) الوسائل باب: 30 من أبواب الجنابة حديث: 2 (* 3) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 11 (* 4) الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 6 (* 5) الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 1

 

===============

 

( 115 )

 

[ (السابع): غسل كل من الاعضاء الثلاثة ثلاثا (1) (الثامن): التسمية (2)، بأن يقول: بسم الله والاولى أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم (التاسع) الدعاء المأثور في حال الاشتغال، وهو: اللهم طهر قلبي وتقبل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (3)، ] مصحح جميل الوارد في ذلك أيضا من قوله (ع): " يبالغن في الغسل " (* 1). وفي استفادة ذلك منه تأمل ظاهر. (1) لفتوى جماعة به. وأما الامر بالصب على الرأس ثلاثا - أو ثلاث مرات مل ء كفيه، أو ثلاث أكف، أو نحو ذلك (* 2) - فلا يدل على تثليث الغسل. مضافا إلى خلو تلك النصوص عن التعرض للجانبين، أو التصريح بالمرتين فيهما. (2) كما عن جماعة. ولم يعرف لهم دليل. نعم عن الرضوي: " وتذكر الله فانه من ذكر الله على غسله وعند وضوئه فقد طهر جسده كله " (* 3) وعن لب الالباب عن النبي صلى الله عليه وآله:: " إذا اغتسلتم فقولوا: بسم الله اللهم استرنا بسترك " (* 4)، وأما صحيح زرارة: " إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم الله وبالله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين " (* 5) فغير ظاهر في المقام. وإطلاقه بنحو يشمله مشكل. (3) هذا الدعاء مذكور في موثق عمار: " قال أبو عبد الله (ع):

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 2 (* 2) الوسائل باب: 26 و 40 من أبواب الجنابة (* 3) مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1 (* 4) مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 4 (* 5) الوسائل باب: 26 من أبواب الوضوء حديث: 2

 

===============

 

( 116 )

 

[ أو يقول: اللهم طهر قلبي واشرح صدري، وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك، اللهم اجعله لي طهورا وشفاء ونورا، إنك على كل شئ قدير (1). ولو قرأ هذا الدعاء بعد الفراغ أيضا كان أولى (2) (العاشر): الموالاة (3) والابتداء بالاعلى في كل من الاعضاء في الترتيبي (4). (مسألة 1): يكره الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة، على ما مر في الوضوء (5). ] إذا اغتسلت من الجنابة فقل: اللهم... " (* 1) وظاهره استحبابه بعد الغسل لا في أثنائه. نعم في مرسل ابن الحكم: " تقول في غسل الجنابة: اللهم طهر قلبي وزك عملي، وتقبل سعيي، واجعل ما عندك خيرا لي " (* 2) وظاهره حال الاشتغال. (1) هذا محكي عن الشهيد في النفلية (* 3)، لكن بزيادة " لي " بين " اشرح " و " صدري "، وجعله مستحبا في أثناء كل غسل. (2) في محكي النفلية جعل المستحب بعد الفراغ ما في مرسل ابن الحكم لكن بزيادة " اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين " (* 4). (3) كما عن جمع. وكأنه لعموم الامر بالمسارعة والاستباق، والكون على الطهارة، فانه يقتضي استحباب الموالاة فيه بعين اقتضائه المبادرة إليه. (4) كما يقتضيه الامر بالصب على الرأس والمنكبين. فتأمل. (6) ومروجهه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 37 من أبواب الجنابة حديث: 3 (* 2) الوسائل باب: 37 من أبواب الجنابة حديث: 1 (* 3) مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 2 (* 4) مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 2

 

===============

 

( 117 )

 

[ (مسألة 2): الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطا في صحته (1)، وإنما فائدته عدم وجوب الغسل إذا خرج منه رطوبة مشتبهة بالمني، فلو لم يستبرئ واغتسل وصلي ثم خرج منه المني أو الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته، ويجب عليه الغسل لما سيأتي. ] (1) قطعا، كما في المستند، وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده بين أصحابنا "، بل قد يظهر من بعضهم الاجماع عليه، ويدل عليه النصوص الواردة في البلل الخارج بعد الغسل، فانها ما بين ناف للغسل ومثبت له لحدوث جنابة جديدة بالبلل، كصحيح محمد بن مسلم: " قال أبو جعفر (ع): من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول، ثم وجد بللا فقد انتقض غسله، وان كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله، ولكن عليه الوضوء، لان البول لم يدع شيئا " (* 1)، فان التعبير فيه بالانتقاض والتعليل في ذيله صريحان فيما ذكرنا. نعم عن الحلي والمنتهى حكاية القول بوجوب إعادة الصلاة التي صلاها بالغسل قبل خروج البلل عن بعض أصحابنا، لكنه غير معروف القائل. وربما يستدل له بما في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع): " عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ. قال (ع): يغتسل ويعيد الصلاة، إلا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل فانه لا يعيد غسله " (* 2) وفيه عدم ظهوره في الصلاة قبل خروج البلل، فمن المحتمل قريبا إرادة ما صلاها بعد خروجه، فيجب حمله على ذلك جمعا.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 7 (* 2) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 6

 

===============

 

( 118 )

 

[ (مسألة 3): إذا اغتسل بعد الجنابة بالانزال ثم خرج منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني، فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بأنها مني (1) فيجب الغسل، ] (1) إجماعا في الجملة عن الشيخ والحلي والعلامة والشهيد والمحقق الثاني. ويدل عليه جملة من النصوص، كصحيح محمد بن مسلم المتقدم، وصحيح الحلبي: " سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل. قال (ع): ليتوضأ، وان لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل " (* 1)، ونحوهما موثق سماعة (* 2)، وخبر معاوية ابن ميسرة (* 3)، ومصحح الحلبي (* 4)، إلا أنه لم يتعرض في الاخير إلا لنفي الغسل على تقدير البول. وفي صحيح سليمان بن خالد: " عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شئ؟ قال (ع): يعيد الغسل " (* 5). نعم يعارضها خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع): " عن رجل أجنب ثم اغتسل قبل أن يبول، ثم رأى شيئا؟ قال (ع): ليس ذلك الذي رأى شيئا " (* 6)، ونحوه خبرا عبد الله بن هلال وجميل (* 7) إلا أن مورد الاخير صورة نسيان البول، قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل، ثم يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال (ع): لا، قد تعصرت ونزل من الحبائل ".

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 1 (* 2) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 8 (* 3) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 9 (* 4) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 5 (* 5) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 10 (* 6) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 14 (* 7) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 13 و 11

 

===============

 

( 119 )

 

وقد تقدم في نسيان الاستبراء ما في مضمر أحمد بن هلال من قوله (ع) مكاتبة: " إن الغسل بعد البول، إلا أن يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل " (* 1) إلا أن إعراض الاصحاب عنها مانع عن الاعتماد عليها. مع أن ظاهر الاخير شرطية البول للغسل فيجب تجديده إذا لم يبل، وان لم يخرج منه شئ. نعم عن الصدوق انه - بعد روايته صحيح الحلبي المتقدم - قال: " وروي في حديث آخر: إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل، إنما ذلك من الحبائل (* 2). قال مصنف هذا الكتاب: إعادة الغسل أصل، والخبر الثاني رخصة " (* 3)، وظاهره نفي وجوب الغسل. لكن المرسل أيضا غير ثابت الحجية. واحتمال - أن يكون أراد به خبر جميل المتقدم الذي لا يخلو من اعتبار - يدفعه خلو خبر جميل من الامر بالوضوء، واشتمال المرسل عليه، الذي ينافي الحكم فيه بأن البلل من الحبائل. وعن ظاهر الاستبصار التفصيل بين ترك البول عمدا وتركه نسيانا، فيعيد في الاول دون الثاني، حملا للنصوص الاولى على العمد وللثانية على النسيان، بشهادة خبري جميل وابن هلال. وفيه - مضافا إلى ما عرفت فيها - ان التعليل في صحيح ابن مسلم يأبي الحمل على العمد. كما ان التعليل في خبر جميل المستفاد من قوله (ع): " قد تعصرت ونزل من الحبائل "، يأبى الحمل على النسيان. وخبر أحمد بن هلال قد عرفت انه ظاهر في بطلان الغسل بدون البول من دون تعرض فيه للبلل. ثم إنه لا ينبغي التأمل في أن مورد النصوص المتقدمة هو البلل المشتبه لا المعلوم من بول أو غيره مع احتمال خروج المني معه، بل يظهر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 12 (* 2) الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 2 (* 3) الفقيه ج: 1 باب صفة غسل الجنابة

 

===============

 

( 120 )

 

[ ومع الاستبراء بالبول وعدم الاستبراء بالخرطات بعده يحكم بأنه بول فيوجب الوضوء (1) ومع عدم الامرين (2) ] - من نفي غير واحد الاشكال في وجوب الوضوء لو علم كون الخارج بولا - الاتفاق عليه، ويساعده التعبير في النصوص عن الخارج ب‍ " البلل " و " الشئ " ونحو ذلك، الظاهر في أنه مشتبه غير معلوم، وحينئذ فلو بال بعد الغسل واحتمل خروج شئ معه لم يجب الغسل. ولا ينافي ذلك ما في صحيح ابن مسلم من قوله (ع): " لان البول لم يدع شيئا " (* 1) لانه في مقام بيان عدم الاعتناء باحتمال كون الخارج من المني المتخلف، ولا يدل على أنه مهما احتمل خروج شئ من المني مع البول وجب الغسل كما لعله ظاهر. كما أن مقتضى إطلاق النصوص عدم الفرق بين المشتبه من كل وجه وبين المردد بين البول والمني. وتخصيصها بالاول - كما قد يظهر من تمهيد القواعد، حيث أطلق فيه الحكم بوجوب الغسل والوضوء لخروج المردد بين البول والمني - غير ظاهر. نعم لابد من احتمال كونه منيا، كما يظهر من صحيحي سليمان ومنصور الآتيين في المسألة السادسة، وتوهم أن العلم الاجمالي بالتكليف لا يجوز الترخيص في بعض أطرافه، مندفع بأن الحكم الظاهري بكون الخارج منيا موجب لانحلال العلم الاجمالي، وخروجه عن الحجية. (1) كما تقتضيه نصوص المقام الآمرة بالوضوء إذا كان الغسل بعد البول، مضافا إلى النصوص المتقدمة في فصل الاستبراء من البول. (2) الظاهر زيادة لفظ " عدم " لانه إذا لم يستبرئ بالبول يجب

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من أبواب الوضوء حديث: 7

 

===============

 

( 121 )

 

[ يجب الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء (1) إن لم يحتمل غيرهما، وان احتمل كونها مذيا مثلا - بأن يدور الامر بين البول والمني والمذي - فلا يجب عليه شئ (2). وكذا حال الرطوبة الخارجة بدوا من غير سبق جنابة، فانها مع دورانها ] الغسل للمشتبه، سواء استبرأ بالخرطات أم لم يستبرئ، كما تقدم في المتن. (1) إذا لا دليل على الاكتفاء باحدهما، فان ما دل على أن الرطوبة المشتبهة بالمني مني، وما دل على أن الرطوبة المشتبهة بالبول بول، قاصران عن شمول المقام، لاختصاص الاول بصورة عدم البول والمفروض حصوله ولاختصاص الثاني بصورة عدم الاستبراء بالخرطات والمفروض حصوله أيضا. فالمتعين الرجوع إلى القواعد، وهي مقتضية للاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل، للعلم الاجمالي بوجوب أحدهما، هذا لو كانت الحالة السابقة على خروج البلل المشتبه الطهارة، كما في مفروض المتن، أما لو كانت الحدث اكتفي بالوضوء، كما تقدم في آخر فصل الاستبراء من البول. فان قلت: مقتضى إطلاق النصوص - الآمرة بالوضوء من البلل الخارج بعد الغسل إذا كان قد بال - الاكتفاء بالوضوء في المقام مطلقا. قلت: هي محمولة على صورة عدم الاستبراء بالخرطات، جمعا بينها وبين ما دل على عدم الاعتناء بالبلل الخارج بعد البول إذا كان قد استبرأ بالخرطات، فانه وان كان بينهما عموم من وجه إلا أن الثانية في مورد الاجتماع أظهر من الاولى، ولو سلم تساويهما في الظهور فاللازم الرجوع إلى القواعد المقتضية للجمع. فلا حظ. (2) إذ لا علم إجمالي بالحدث، فاستصحاب الطهارة السابقة محكم، ولو كانت الحال السابقة الحدث الاصغر فالعمل عليها، كما عرفت.

 

===============

 

( 122 )

 

[ بين المني والبول يجب الاحتياط بالوضوء والغسل (1) ومع دورانها بين الثلاثة، أو بين كونها منيا أو مذيا، أو بولا أو مذيا، لا شئ عليه. (مسألة 4): إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل وشك في أنه استبرأ بالبول أم لا بني على عدمه، فيجب عليه الغسل (2) والاحوط ضم الوضوء أيضا. (مسألة 5): لا فرق في جريان حكم للرطوبة المشتبهة بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص والاختبار أو لاجل عدم إمكان الاختبار (3) من جهة العمي أو الظلمة أو نحو ذلك. (مسألة 6): الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها (4) ] (1) مما تقدم تعرف الوجه فيه وفيما بعده. (2) لاصالة عدمه فيترتب عليه أثره وهو وجوب الغسل. فان قلت: وجوب الغسل واقعا من آثار كون الخارج منيا، لا من آثار عدم الاستبراء بالبول، فكيف يترتب على أصالة عدمه؟! قلت: المقصود إثباته بالاصل وجوب الغسل ظاهرا، وهو من آثار عدم الاستبراء، كما يستفاد من النصوص، فيمكن إثباته بالاصل الجاري لاثبات العدم المذكور. (3) لاطلاق الادلة، بل مقتضاه ثبوت حكمها بمجرد الشبهة ولو لعدم الفحص مع إمكانه. (4) كما هو المشهور، كما في المستند. لاختصاص النصوص بالرجل. ولصحيح سليمان عن أبي عبد الله (ع): " عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شئ؟ قال (ع): يعيد الغسل. قلت: فالمرأة يخرج منها

 

===============

 

( 123 )

 

[ وإن كانت قبل استبرائها فيحكم عليها بعدم الناقضية وعدم النجاسة (1)، إلا إذا علم انها إما بول أو مني (2). (مسألة 7): لا فرق في ناقضية الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول بين أن يكون مستبرئا بالخرطات أم لا (3). وربما ] شئ بعد الغسل؟ قال (ع): لا تعيد. قلت: فما الفرق بينهما؟ قال (ع): لان ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل " (* 1)، ونحوه خبر منصور (* 2)، فترجع فيه إلى الاصول. وقد لا يجب الغسل عليها وإن علمت أنه مني إذا احتملت كونه من مني الرجل وقد خرج من الرحم لا من مخرج منيها. ثم إنه لم أقف على من نسب إليه الخلاف في الحكم المذكور عاجلا كما لم أقف على مستنده. ولعله قاعدة الاشتراك المقتضية لالحاق المرأة بالرجل التي لا مجال لها بعد ورود النص على خلافها. نعم يختص النص بما إذا كان الخارج من الرحم الذي هو موضع مني الرجل، أما إذا كان خارجا من مخرج منيها فاللازم الالحاق إذا علم كون كيفية خلقتها مثل كيفية خلقة الرجل. لكن العلم غير حاصل، لا سيما وأن ظاهر الصحيح أنه لا يحصل الشك في منيها وأن ما يخرج منها هو ماء الرجل. (1) للاصل في المقامين. (2) وحينئذ يجب عليها الجمع بين الغسل والوضوء. هذا كله إذا كانت حالتها السابقة الطهارة، ولو كانت الحدث فالعمل عليها، كما عرفت. (3) لاطلاق النصوص المتقدمة الآمرة بالغسل على تقدير ترك البول.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من أبواب الجنابة حديث: 1 وباب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 10 (* 2) الوسائل باب: 13 من أبواب ملحق حديث: 1.

 

===============

 

( 124 )

 

[ يقال: إذا لم يمكنه البول تقوم الخرطات مقامه (1). وهو ضعيف (2). (مسألة 8): إذا أحدث بالاصغر في أثناء غسل الجنابة ] (1) حكي هذا القول عن المقنعة، والمراسم، والسرائر، والجامع والتذكرة والبيان والدروس والذكرى وجامع المقاصد، وعن الاخيرين نسبته إلى الاصحاب. (2) لعدم الدليل عليه. ومثله ما في الشرائع، وعن ظاهر المبسوط والنافع من قيام الاستبراء بالخرطات اختيارا مقام البول. فلا يجب الغسل للرطوبة المشتبهة الا مع انتفائهما معا. والوجه في الاول ما ذكره في الذكرى - ناسبا له إلى الاصحاب - من كونه وجها للجمع بين ما تقدم من النصوص الدالة على وجوب الغسل مع عدم البول، والنصوص الدالة على نفيه حينئذ. وفيه أنه جمع لا شاهد عليه. ومثله ما ربما يقال في وجه القول الثاني من أنه أيضا وجه جمع بين النصوص المذكورة. وأضعف من ذلك ما عن التهذيب من نفي الغسل مع عدم البول في صورة عدم القدرة عليه، ولعله لتقييد نصوص وجوبه بصحيح البزنطي: " وتبول إن قدرت على البول " (* 1) لكنه غير ظاهر، لانه إنما تضمن تقييد الامر به بصورة القدرة عليه لا تقييد فائدته بذلك فتأمل. نعم مقتضى التعليل في صحيح ابن مسلم (* 2) ثبوت حكم البول لكل ما لا يدع شيئا في المحل، سواء كان الاستبراء بالخرطات أم خروج المذي الكثير أم غير ذلك، فلا فرق بين البول وغيره مما لا يدع شيئا في المحل.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 6 (* 2) راجع ص: 117

 

===============

 

( 125 )

 

[ الاقوى عدم بطلانه. نعم يجب عليه الوضوء بعده (1). ] (1) كما عن المرتضى والمحقق في كتبه الثلاثة وتلميذه اليوسفي والشهيد الثاني وسبطه والبهائي ووالده وكاشف اللثام والعلامة الطباطبائي وغيرهم. أما عدم البطلان فالعدم الدليل عليه، وإطلاق الادلة البيانية ينفيه. وحملها على كونها في مقام بيان الاجزاء والشرائط دون الموانع غير ظاهر إلا أن يقال: الادلة البيانية إنما تنفي احتمال المانعية، لكن الظاهر التسالم على كون الحدث الاصغر ليس من قبيل الموانع المعتبر عدمها في الصحة، وإنما الكلام في كونه ناقضا للغسل في الاثناء كالحدث الاكبر الواقع في الاثناء أو بعد الفراغ، وحينئذ مع الشك في ذلك لا مجال للرجوع إلى الادلة المذكورة لعدم تعرضها لهذه الجهة. نعم لا بأس بالرجوع إلى أصالة عدم الانتقاض، كما في سائر موارد الشك في الانتقاض بنحو الشبهة الكلية أو الجزئية. وبالجملة: إن كان المدعى أن الحدث الاصغر في أثناء الغسل من موانع الغسل فالاخبار البيانية تنفيه، وإن كان المدعى أنه ناقض لاثر الاجزاء المأتي بها كالجنابة في أثناء الغسل فالاستصحاب ينفيه. وأما وجوب الوضوء فلعموم ما دل على وجوبه لاسبابه، ولا ينافيه ما دل على أن غسل الجنابة لا وضوء معه وأنه بدعة، لوروده بلحاظ رفع الحدث السابق على الشروع في الغسل، ولا يدل على رفع ما يكون في أثنائه، كما لا يدل على رفع ما يكون بعده. فان قلت: قد تقدم في مبحث تداخل الوضوء أنه لا دليل على وجوب الوضوء لكل فرد من السبب، وإنما المستفاد من الادلة كون الاسباب المذكورة نواقض للوضوء، والنقض لما لم يقبل التكرر والتأكد امتنع أن يكون لكل واحد منها أثر، بل الاثر إنما يكون للسابق فيكون

 

===============

 

( 126 )

 

هو الناقض لا غير. وحينئذ فلا دليل على وجوب الوضوء في المقام، لامتناع كون البول مثلا ناقضا مادام حدث الجنابة، لاستناد الانتقاض إليه حال حدوثه فقط، ولا سيما إذا كان قد بال قبل الغسل، فان البول في الاثناء يكون من البول بعد البول الذي لا أثر له جزما. قلت: نعم، لكن هذا الاشكال بعينه جار في البول في أثناء الوضوء ومقتضاه عدم وجوب الاستئناف، وكما يندفع هناك بأن ما دل على ناقضية البول للوضوء يدل على نقضه لكل جزء جزء منه، ولا يختص نقضه بالجزء الاخير فقط - ولذلك اقتضى وجوب تمام أفعال الوضوء لو وقع بعد تمامه فإذا وقع في أثناء الوضوء اقتضى نقض الاجزاء السابقة كما يقتضي نقضها لو وقع بعد تمامها، إذ احتمال اختصاص انتقاض كل جزء به بصورة الاجتماع لا الانفراد خلاف المقطوع به من الادلة - نقول هنا أيضا: إذا وقع في أثناء الغسل اقتضى انتقاض الاجزاء السابقة بعين اقتضائه لانتقاضها إذا وقع بعد تمام الغسل، فكما يقتضي الوضوء هناك يقتضي الوضوء هنا أيضا، فلا يتوقف القول بوجوب الوضوء هنا على عموم سبية كل فرد من الاسباب للوضوء، كي يتوجه الاشكال عليه بمنع العموم المذكور إجماعا، بل يتوقف على عموم السببية لكل فرد ناقض ولو للجزء، ولا مانع عقلا من البناء على هذا العموم بعد دلالة الادلة عليه. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الحلي، والمحقق الثاني في كتبه الثلاثة والمحقق الداماد والفاضل الخراساني من القول بصحة الغسل وعدم وجوب الوضوء، اعتمادا منهم في الصحة على ما سبق. وفي عدم وجوب الوضوء على أنه لا أثر للحدث الاصغر مع الجنابة، ولما دل من النصوص أن غسل الجنابة لا وضوء معه.

 

===============

 

( 127 )

 

هذا وعن الصدوق، والشيخ، والعلامة، والشهيد: وجوب استئناف الغسل لا غير، ووافقهم عليه جماعة ممن تأخر، كالوحيد في حاشية المدارك بل فيها نسبه إلى المشهور. لاستصحاب الحدث. ولانه لو تأخر عن تمام الطهارة لابطل إباحتها للصلاة، فللبعض بطريق أولى. ولما عن الرضوي: " فان أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك، فأعد الغسل من أوله " (* 1). ولما في المدارك عن كتاب عرض المجالس للصدوق عن الصادق (ع) قال (ع): " فان أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو مني بعدما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أول " (* 2) ونحوهما ما عن الهداية له أيضا التي قيل إنها متون أخبار (* 3). لكن الجميع كما ترى. فان استصحاب الحدث محكوم لادلة رافعية الغسل للحدث. ونقضه لاباحة الصلاة مسلم، لكنه أعم من بطلان الغسل، إذ يمكن التفكيك بين النقض بلحاظ الجنابة والنقض بلحاظ الحدث الاصغر، فيلتزم بالثاني دون الاول جمعا بين الادلة. والرضوي غير ثابت الحجية. ومثله ما عن عرض المجالس، لعدم الوقوف على سنده، بل عن جماعة عدم العثور عليه فيه. ومثلهما ما عن الهداية لو تم كونه متن رواية. ودعوى انجبار الجميع بالشهرة ممتنع، إذ لو سلم ثبوت الشهرة في نفسها لم يثبت صلاحيتها للجبر، لعدم ثبوت الاعتماد عليها، بل الموثوق به عدمه، كما لعله ظاهر بأدني مراجعة لكلماتهم.

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة حديث: 1 (* 2) الوسائل باب: 29 من أبواب الجنابة حديث: 4 (* 3) باب غسل الجنابة ص: 3

 

===============

 

( 128 )

 

[ لكن الاحوط إعادة الغسل بعد إتمامه (1)، والوضوء بعده أو الاستئناف (2) والوضوء بعده. وكذا إذا أحدث في سائر الاغسال (3). ولا فرق بين أن يكون الغسل ترتيبيا أو ارتماسيا إذا كان على وجه التدريج (4)، وأما إذا كان على وجه الآنية ] (1) يعني: فيأتي بكل منهما برجاء المطلوبية. (2) وحينئذ فيأتي بالافعال التي جاء بها أولا برجاء المطلوبية. وبالباقي بالجزم بالمطلوبية مرددا بين كونه إتماما للال أو للثاني. (3) فانه بناء على عدم احتياجها إلى الوضوء يجري فيها الخلاف السابق، كما صرح به في المدارك وغيرها، وبناء على احتياجها إليه يكفي إتمامها مع الوضوء بغير إشكال، كما عن المسالك والروضة. واستوجه بعض لزوم الوضوء ثانيا للمتخلل، وكأنه لعدم الدليل على رفع الوضوء المكمل للحدث المتخلل لاصالة عدم التداخل. لكن عرفت أن المستفاد من النصوص كون الوضوء الصحيح رافعا للاصغر مطلقا فلا يحتاج إلى فعله ثانيا، نعم لو قدم الوضوء فأحدث في أثنائه أو فيما بينه وبين الغسل أو في أثناء الغسل وجب فعل الوضوء ثانيا، لما عرفت وهل يشرع إتمام الوضوء لو أحدث في أثنائه ثم تجديده ثانيا أولا؟ وجهان مبنيان على أن الوضوء له دخل في رفع الاكبر أو لا دخل له إلا في رفع الاصغر، فعلى الاول لا مانع من إتمامه بقصد رفع الاكبر ثم تجديده بعد ذلك لرفع المتخلل، وعلى الثاني لا مجال له كما لو أحدث في أثناء الوضوء للاصغر. (4) إما للقول بوقوعه على الوجه الاول من الوجهين المتقدمين، أو للبناء على إمكان امتداده لو قلنا بأنه عبارة عن كون تمام البدن تحت الماء، بأن يكون أوله أول التغطية وآخره انغسال آخر جزء من تلك التغطية

 

===============

 

( 129 )

 

[ فلا يتصور فيه حدوث الحدث في أثنائه (1). (مسألة 9): إذا أحدث بالاكبر في أثناء الغسل، فان كان مماثلا للحدث السابق - كالجنابة في أثناء غسلها أو المس في أثناء غسله - فلا إشكال في وجوب الاستئناف (2)، وإن كان مخالفا له فالاقوى عدم بطلانه (3) فيتمه ويأتي بالآخر. ] فلو أحدث فيما بين ذلك جرى الخلاف المذكور فيه. (1) نعم يتصور فيه المقارنة، وحينئذ فان قلنا هناك بالصحة ووجوب الوضوء كان القول بذلك هنا أظهر، أما لو قلنا بالبطلان ففي القول به هنا إشكال، لقصور بعض أدلة القول المذكور عن شمول الفرض إلا بالغاء خصوصية المورد. وكذا الاشكال في الاكتفاء بالاتمام لو قيل به هناك، إذ لم يثبت كون البول حينئذ - مثلا - من قبيل البول على الجنابة، لاحتمال حصول الطهارة من الجنابة مقارنة للحدث الاصغر فيكون له أثر. فتأمل جيدا. وكذا الكلام فيما لو فرض مقارنة الحدث لآخر جزء من الغسل. (2) وعن كشف اللثام الاتفاق عليه. لما عرفت من أنه من قبيل البول في أثناء الوضوء للاصغر. (3) لما عرفت من عدم الدليل عليه، وإطلاق الادلة ينفيه، فيحكم بصحة الغسل لرفع الحدث السابق، ووجوب استئنافه لرفع المتخلل. ولا مجال هنا للقول بالاكتفاء بالاتمام، بدعوى: أنه لا أثر للمتخلل. لما يظهر من نصوص تداخل الاغسال وغيرها من كون الاسباب المختلفة لا تتداخل في مقام التأثير، بل يكون لكل منها أثر مستقل، وحينئذ فلا مانع من التفكيك بينها في الارتفاع وعدمه. وما عن بعض - من دعوى الاجماع على بطلان غسل الجنابة لو تخلله الحدث الاكبر - غير ثابت، أو محمول

 

===============

 

( 130 )

 

[ ويجوز الاستئناف (1) بغسل واحد لهما. ويجب الوضوء بعده (2) ] على تخلل خصوص الجنابة. نعم لو بني على حجية رواية عرض المجالس كان اللازم الحكم ببطلان الغسل بتخلل الحدث الاكبر مطلقا، للتصريح فيها بذكر المني، ولزوم التعدي منه إلى سائر أقسام الحدث الاكبر، كالتعدي من البول وأخويه إلى غيرها. وسيأتي في أحكام المستحاضة بعض الكلام في تخلل بعضها في غسل بعض. فانتظر. (1) لاطلاق أدلة تداخل الاغسال الآتية في المسألة الخامسة عشرة. بل لو قلنا بكون التداخل عزيمة تعين الاستئناف لا غير. (2) للاحتياج إليه في رفع المتخلل على كل حال، فيجب كما يجب الغسل. ومنه يظهر الوجه في وجوب الوضوء لو كان السابق هو الجنابة فاتم غسلها ثم استأنف غسلا للمتخلل. أما لو استأنف غسلا واحدا لهما فلا موجب للوضوء، لان الغسل المنوي به رفع الجنابة وغيرها لا يجب معه الوضوء، كما سيأتي. ومنه يظهر أن ما في المتن من الجزم بجواز الاستئناف بغسل واحد لهما لا يلائم التوقف في سقوط الوضوء لو كان السابق هو الجنابة بل الملائم له الجزم بسقوطه. كما أنه لا يظهر وجه للفرق بين كون الجنابة سابقا أو لاحقة، حيث جزم بسقوط الوضوء في الثاني في صورة استئناف الغسل لهما، وتوقف فيه في الاول حينئذ. اللهم إلا أن يكون المراد من استئناف الغسل لهما، أن يأتي بالغسل ناويا بغسل الاعضاء التي غسلها أولا قبل الحدث المتخلل رفع ذالك المتخلل، وبغسل الاعضاء الباقية رفع المتخلل والسابق، فيكون تداخل في بعض الغسل لا في تمامه. لكن في صحة مثل ذلك إشكال مع أن الظاهر في مثله وجوب الوضوء لعدم الدليل على ما يجزئ عنه.

 

===============

 

( 131 )

 

[ إن كانا غير الجنابة، أو كان السابق هو الجنابة حتى لو استأنف وجمعهما بنية واحدة على الاحوط، وإن كان اللاحق جنابة فلا حاجة إلى الوضوء، سواء أتمه وأتى للجنابة بعده (1) أو استأنف وجمعهما بنية واحدة. (مسألة 10): الحدث الاصغر في أثناء الاغسال المستحبة أيضا لا يكون مبطلا لها (2). نعم في الاغسال المستحبة لاتيان ] وبالجملة: يظهر من المتن إجراء حكم الحدث الاصغر الواقع في أثناء غسل الجنابة على الحدث الاكبر الواقع فيه، وإجراء حكم الجنابة الواقعة في أثناء الوضوء على الجنابة الواقعة في أثناء الغسل من غيرها. وهو في محله في غير صورة الاستئناف لهما بناء على جزمه بصحته. (1) سقوط الوضوء حينئذ للغسل المستأنف للجنابة ظاهر. أما سقوطه للاول المتخلل في غسل الحدث فهو مبني على ثبوت إطلاق ما دل على أن غسل الجنابة لا وضوء معه، حتى بلحاظ حال غيره من الاحداث، فيكون غسل الجنابة رافعا لكل حدث محتاج إلى الوضوء. وسيأتي إن شاء الله الكلام فيه. (2) لعدم الدليل عليه، فانه لا يكون ناقضا لو وقع بعده. وفي الجواهر عن المصابيح: " الاجماع على عدم إعادة شئ منها بالحدث... " ففي أثنائه بطريق أولى. مضافا إلى خبر ابن بكير: " سأل الصادق (ع) عن الغسل في رمضان... إلى أن قال: والغسل أول الليل. قلت: فان نام بعد الغسل؟ قال: هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك " (* 1). لكن لا يخفى أن الاجماع المدعى لو سلم فانما يدل على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب الاغسال المسنونة حديث: 2

 

===============

 

( 132 )

 

[ فعل - كغسل الزيارة والاحرام - لا يبعد البطلان (1). كما أن حدوثه بعده وقبل الاتيان بذلك الفعل كذلك (2) كما سيأتي. ] عدم لزوم الاعادة، وهو أعم من عدم الانتقاض، لجواز أن يكون المأمور به صرف الوجود الصادق على مجرد حدوثه وان انتقض بعد ذلك. ومنه تظهر المناقشة في دلالة الخبر أيضا. فلم يبق إلا استصحاب عدم الانتقاض الذي لا فرق في صحة جريانه بين ما بعد الفراغ وما في الاثناء. وحينئذ فيمكن أن يكون محكوما بالاخبار الآتية الظاهرة في انتقاض الغسل لدخول مكة أو للاحرام أو للزيارة بالحدث. وحملها على خصوص الغسل للمكان أو الفعل غير ظاهر، ولا سيما في صحيح ابن الحجاج لظهورها في المفروغية عن انتقاض الغسل في نفسه بالحدث الاصغر، وأن وجوب الاعادة لاعتبار وقوع الفعل على حالة الغسل. وعليه فلا فرق بين جميع أفراد الغسل في انتقاضها بالحدث الاصغر، غاية الامر أنه إن كان المطلوب صرف الكون على حالة الغسل آناما - كما في الاغسال الزمانية - لم يقدح الانتقاض بالحدث الاصغر الواقع بعدها، وإن كان المطلوب كونه على حالة الغسل في حال الفعل ولو كان هو الدخول في مكان فلابد من الاعادة. وعلى هذا فلو تخلله الحدث الاصغر انتقض مطلقا. وسيأتي - إن شاء الله تعالى - في الاغسال المسنونة بقية الكلام فيما يتعلق بالمقام فانتظر. (1) لما عرفت من أن الانتقاض بالمتخلل من لوازم الانتقاض بالمتأخر عرفا. (2) كما لعله المشهور، بل لم يعرف الخلاف فيه في الجملة إلا من الحلي لدلالة النصوص عليه، كصحيح ابن الحجاج: سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل أن يدخل، أيجزئه ذلك

 

===============

 

( 133 )

 

[ (مسألة 11): إذا شك في غسل عضو من الاعضاء الثلاثة، أو في شرطه قبل الدخول في العضو الآخر رجع وأتى به (1)، ] أو يعيده؟ قال (ع): لا يجزئه، لانه إنما دخل بوضوء " (* 1) ونحوه صحيحه الآخر في غسل الزيارة (* 2)، وصحيح النضر بن سويد عن أبي الحسن (ع): " عن رجل يغتسل للاحرام ثم ينام قبل أن يحرم. قال (ع): عليه إعادة الغسل " (* 3). وموثق إسحاق عن غسل الزيارة: " يغتسل الرجل بالليل ويزور بالليل بغسل واحد، أيجزئه ذلك؟ قال (ع): يجزئه ما لم يحدث ما يوجب وضوءا، فان أحدث فليعد غسله بالليل " (* 4) وقريب منه خبره الآخر (* 5). وموردها وإن كان خاصا، لكن الظاهر عدم الفرق بين الاغسال المعتبر مقارنتها لفعل، كما يشهد به التعليل في صحيحي ابن الحجاج، وعن بعض المحققين نسبته إلى الاصحاب. وأما صحيح العيص: " سألت أبا عبد الله (ع): عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة، ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم، قال (ع): ليس عليه غسل " (* 6) فمع أنه مهجور عند الاصحاب غير ظاهر في عدم النقض، وإنما هو ظاهر في نفي الوجوب. وسيأتي - إن شاء الله تعالى - تمام الكلام في الاغسال المسنونة. (1) لاستصحاب العدم، أو لقاعدة الاشتغال. نعم هذا في الشك في الجزء ظاهر، أما في الشك في الشرط بأن جاء بالجزء وشك في شرطه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1 (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب زيارة البيت حديث: 4 (* 3) الوسائل باب: 10 من أبواب الاحرام حديث: 1 (* 4) الوسائل باب: 3 من أبواب زيارة البيت حديث: 3 (* 5) الوسائل باب: 3 من أبواب زيارة البيت حديث: 2 (* 6 الوسائل باب: 10 من أبواب الاحرام حديث: 3

 

===============

 

( 134 )

 

[ وإن كان بعد الدخول فيه لم يعتن به ويبني على الاتيان على الاقوى (1)، وإن كان الاحوط الاعتناء ما دام في الاثناء ولم يفرغ من الغسل، كما في الوضوء. نعم لو شك في غسل الايسر أتى به وإن طال الزمان، لعدم تحقق الفراغ حينئذ، لعدم اعتبار الموالاة فيه (2)، وإن كان يحتمل عدم الاعتناء إذا كان معتاد الموالاة. (مسألة 12): إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل، ثم شك في أنه كان ناويا للغسل الارتماسي حتى يكون فارغا، أو لغسل الرأس والرقبة في الترتيبي حتى يكون في الاثناء، ] فيمكن الرجوع إلى قاعدة الفراغ، فانه لا فرق في جريانها بين الجزء المشكوك شرطه والكل، والتخصيص بالثاني بلا مخصص، بعد عموم النص الموافق لارتكاز العقلاء. (1) لعموم قاعدة التجاوز، كما تقدمت الاشارة إليه في الوضوء. والخروج عنه في الوضوء لا يقتضي الخروج عنه في الغسل أو التيمم. ودعوى، ان الشارع قد اعتبر الطهارات الثلاث كعمل واحد بسيط، غير ثابتة. والقياس على الوضوء لوحدة المناط في غير محله، لعدم العلم بذلك. فراجع ما تقدم في الوضوء. (2) قد عرفت في مبحث الوضوء أن الفراغ الذي هو موضوع عدم الاعتناء بالشك بعده هو الفراغ البنائي، فلا يعتنى بالشك في غسل الايسر بعد بنائه على الفراغ من الغسل. وأما احتمال عدم الاعتناء بالشك فيه لمعتاد الموالاة فمبني على جريان قاعدة التجاوز بلحاظ التجاوز عن المحل العادي، وقد تقدم الاشكال فيه أيضا. ولو سلم فاعتياد الموالاة غير كاف،

 

===============

 

( 135 )

 

[ ويجب عليه الاتيان بالطرفين، يجب عليه الاستئناف (1). نعم يكفيه غسل الطرفين بقصد الترتيبي، لانه إن كان بارتماسه قاصدا للغسل الارتماسي فقد فرغ، وإن كان قاصدا للرأس والرقبة فبإتيان غسل الطرفين يتم الغسل الترتيبي. (مسألة 13): إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي ثم تبين له بقاء جزء من بدنه غير منغسل يجب عليه الاعادة ترتيبا أو ارتماسا، ولا يكفيه جعل ذلك الارتماس للرأس والرقبة إن كان الجزء غير المنغسل في الطرفين فيأتي بالطرفين الآخرين لانه قصد به تمام الغسل ارتماسا لا خصوص الرأس والرقبة. ولا تكفي نيتهما في ضمن المجموع (2). ] بل لابد من الدخول في عمل مرتب على المشكوك عادة. فان قلت: قاعدة الشك بعد الفراغ وإن كانت جارية، إلا أن قاعدة الشك في المحل أيضا جارية، فيتعارضان ويرجع إلى قاعدة الاشتغال. قلت: قاعدة الفراغ مقدمة على قاعدة الشك في المحل، كتقدمها على أصالة عدم الاتيان، لان نسبة دليلها إلى دليلهما نسبة الخاص إلى العام، ودليل المقتضي بالنسبة إلى دليل اللامقتضي. (1) لقاعدة الاشتغال، لكن الظاهر عدم جواز استئناف الغسل الترتيبي، لسقوط الامر بغسل الرأس والرقبة على كل تقدير، فلا مجال للتقرب به. نعم يجوز استئناف الغسل الارتماسي رجاء أن يكون قد نوى الرأس والرقبة. إذ بذلك لم يخرج عن كونه جنبا، فيشمله عموم ما دل على إجزاء الارتماسي للجنب، وقد تقدم جواز العدول من الترتيبي إلى الارتماسي. (2) في إطلاقه نظر، لان الرأس والرقبة مأمور بغسلهما بأمر ضمني

 

===============

 

( 136 )

 

[ (مسألة 14): إذا صلي ثم شك في أنه اغتسل للجنابة أم لا يبني على صحة صلاته (1) ولكن يجب عليه الغسل للاعمال للآتية (2). ولو كان الشك في أثناء الصلاة بطلت، لكن الاحوط إتمامها ثم الاعادة. ] على كل تقدير، فإذا نوى امتثاله في ضمن المجموع لا بنحو التقييد صح وإن لم يتم له فعل المجموع. نعم إذا كان بنحو التقييد في الامتثال، بحيث يكون الغرض قائما بامتثال المجموع بطل على تقدير عدم حصول المجموع لعدم القصد. (1) لقاعدة الفراغ. (2) فان قاعدة الفراغ الجارية لاثبات الغسل بالنسبة إلى الصلاة الماضية لا تصلح لاثبات وجوده بالاضافة إلى بقية الصلوات، لقصور أدلتها عن إفادة ذلك. وبذلك افترقت قاعدة الفراغ عن قاعدة التجاوز بناء على كونهما قاعدتين، كما هو التحقيق، فان مجرى الاولى الشك في صحة الموجود المعلوم الوجود، ومجرى الثانية الشك في أصل الوجود، وشرط الاولى حصول الفراغ البنائي وشرط الثانية الدخول في أمر مرتب على المشكوك شرعا. ووجه الفرق بينهما فيما نحن فيه: أن الاولى إنما تضمن دليلها صحة الموجود لا غير، والثانية تضمن دليلها ثبوت المشكوك بلحاظ جميع الآثار المترتبة عليه، كما يأتي توضيحه في أوائل مباحث الخلل إن شاء الله تعالى. هذا وقد تقدم منا في مبحث الاستنجاء نظير هذا المسألة، وقلنا هناك: ان قاعدة الفراغ تثبت الجزء بلحاظ سائر الآثار، وكأنه مبني على رجوع القاعدتين إلى قاعدة واحدة، على خلاف التحقيق، وإن كان هو مذهب شيخنا الاعظم (ره) وغيره ممن تبعه.

 

===============

 

( 137 )

 

[ (مسألة 15): إذا اجتمع عليه أغسال متعددة فاما أن يكون جميعها واجبا أو يكون جميعها مستحبا أو يكون بعضها واجبا وبعضها مستحبا، ثم إما أن ينوي الجميع أو البعض، فإن نوي الجميع بغسل واحد صح في الجميع (1). ] ومنه يظهر حال الشك في الاثناء، فان حال الاجزاء اللاحقة حال الصلوات الآتية، ولا مجال لتجديد الطهارة في الاثناء، لا لانها منافية للصلاة بل لاعتبار استمرارها لادلة قاطعية الحدث. ثم إن ما ذكر المصنف (ره) في وجوب الغسل مقتصرا عليه يختص بما إذا لم يحدث بالاصغر بعد الصلاة وإلا كان عليه الوضوء مع الغسل وإعادة الصلاة الاولى، لانه لو اغتسل وصلى بلا وضوء يعلم ببطلان إحدى الصلاتين، لانه إن كان قد اغتسل أولا احتاج في صلاته الثانية بعد الحدث الاصغر إلى الوضوء، فلو صلى بدونه بطلت، وإن كان لم يغتسل فصلاته الاولى باطلة، وإن شئت قلت: إذا أحدث بالاصغر يعلم بأنه إما يجب عليه إعادة الصلاة السابقة أو الوضوء للصلاة اللاحقة، فيجب الجمع بينهما. (1) إن كانت كلها واجبة وكان واحد منها غسل الجنابة بلا خلاف ظاهر، بل الظاهر دخوله في معقد الاجماعات المحكية على الصحة إذا نوى الجنابة فقط، بل لعله أولى بالصحة من ذلك. نعم قد يوهم ما عن النهاية من كون الوجه الاجزاء، وما عن الذخيرة من أنه أظهر، وجود الخلاف فيه. لكنه إن تم ففي غير محله، كيف؟! وقد قيل: انه القدر المتيقن من النصوص، كصحيح زرارة: " إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة، فإذا اجتمعت لله - تعالى - عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد. وكذلك

 

===============

 

( 138 )

 

المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها " (* 1) وموثق عمار: " سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل. قال (ع): إن شاءت أن تغتسل فعلت وإن لم تفعل فلا شئ عليها، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض والجنابة " (* 2) ومرسل جميل: " إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأه عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم " (* 3) وخبر شهاب: " فيمن غسل ميتا ثم أتى أهله. قال (ع): ويجزئه غسل واحد لهما " (* 4) وجملة مما ورد في كفاية غسل واحد للحيض والجنابة (* 5) وبها يرفع اليد عن أصالة عدم التداخل التي هي مقتضى ظهور أدلة السببية في كون كل سبب مستقلا في تأثيره، مقتضيا لمسبب غير ما يقتضيه السبب الآخر، كما هو محرر في محله. وكذا لو لم يكن واحد منها الجنابة بلا خلاف ظاهر أيضا لاطلاق قوله (ع): " فإذا اجتمع لله عليك... ". وأما إذا كانت كلها مستحبة فهو المشهور ظاهرا، كما قيل. وعن التحرير والقواعد والارشاد: العدم، وعن جامع المقاصد: أنه أرجح، وعن ظاهر الدروس: الميل إليه. وكأنه لاصالة عدم التداخل، لعدم ما يوجب الخروج عنها، إذ ليس ما يوهم ذلك سوى قوله (ع): " فإذا اجتمع لله عليك... "، لكنه لا يصلح لذلك، لان الظاهر من الحقوق هي الواجبة، لا أقل من عدم ظهوره في المستحبة. وفيه: أنه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 1 (* 2) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 7 (* 3) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 2 (* 4) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 3 (* 5) الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض، وباب: 43 من أبواب الجنابة

 

===============

 

( 139 )

 

لو سلم ذلك فبقرينة الصدر والذيل يراد منه ما يعم المستحبة. وربما يستدل له أيضا برواية عثمان بن يزيد - الذي استظهر أنه عمرو بن يزيد فتكون صحيحة - عن الصادق (ع): " من اغتسل بعد الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر " (* 1) وناقش فيه شيخنا الاعظم (ره) بأنها ظاهرة في أن من اغتسل لغاية في ليل أو نهار لم تلزم المبادرة إليها، بل جاز إيقاعها ولو في آخر الليل أو النهار. لكن الاستظهار المذكور غير ظاهر. فلا حظها. نعم التعبير فيها بالوجوب يمنع من التمسك بها. وحمله على مجرد الثبوت غير ظاهر. فتأمل. وأما إذا كان بعضها واجبا وبعضها مستحبا فعن ظاهر المشهور الصحة عن الجميع، بل عن الخلاف الاجماع على الاجتزاء بغسل واحد للجنابة والجمعة ويقتضيه إطلاق ما تقدم أيضا. وعن ظاهر القواعد والارشاد وصريح جامع المقاصد والتذكرة: البطلان. والمتحصل من كلماتهم في وجهه: امتناع اجتماع الوجوب والندب في شئ فيمتنع نيتهما معا. لكن عرفت في فصل غايات الوضوء اندفاع الاشكال المذكور هناك، فاندفاعه هنا أولى، إذ يمكن الالتزام في المقام بأن الغسل الواحد مجمع عناوين متكثرة، يكون بعضها واجبا وبعضها مندوبا، بناء على جواز اجتماع الامر والنهي، ولا يمكن الالتزام بذلك هناك، لان جهة المقدمية للواجب أو المستحب من الجهات التعليلية، فلا يمكن أن تكون منشأ لاجتماع الحكمين المتضادين في شئ واحد إجماعا، لاختصاص الخلاف في مسألة جواز الاجتماع وامتناعه بصورة اجتماع الجهات التقييدية لا غير، وإن كان التحقيق الامتناع مطلقا. وبالجملة:

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب الاحرام حديث: 4

 

===============

 

( 140 )

 

[ وحصل امتثال أمر الجميع (1) وكذا إن نوي رفع الحدث (2) أو الاستباحة إذا كان جميعها أو بعضها لرفع الحدث والاستباحة، وكذا لو نوي القربة (3) وحينئذ فإن كان فيها غسل الجنابة لا حاجة إلى الوضوء بعده أو قبله (4)، ] الاشكال المذكور لا يهم ولا يوجب رفع اليد عن ظاهر أدلة المقام. لامكان الاعتماد عليها في رفع اليد عن القواعد المقتضية للبطلان، فضلا عما إذا لم تكن تقتضيه، كما عرفت في الوضوء. فراجع. (1) على ما عرفت في الضمائم الراجحة في شرائط الوضوء. (2) بلا خلاف ظاهر - كما قيل - لرجوعه إلى نية الجميع. وكذا نية الاستباحة. هذا إذا كان الجميع لرفع الحدث، أما إذا كان بعضها كذلك فنية ذلك راجعة إلى نية البعض لا غير، فيترتب عليها حكمها الآتي. فانتظر. (3) فان نية القربة مطلقا راجعة إلى نية الجميع مطلقا. ثم إن مورد كلام المصنف وغيره في نية الرفع وغيره هو نيتها مطلقا، أما إذا نواها لا مطلقا بل من جهة دون جهة رجعت إلى نية البعض. فيجري عليها حكمها الآتي. (4) كما هو ظاهرهم، كما في الغنائم والمستند. ويستدل له بأن غسل الجنابة يكفي عن الوضوء المسبب عن أي سبب، كما يشهد به قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) (* 1). ولا سيما بملاحظة رواية ابن مسلم المتضمنة تكذيب الباقر (ع) نسبة القول بوجوب الوضوء إلى علي (ع) مستشهدا بالآية الشريفة على نفيه (* 2). ولما دل على أن غسل الجنابة لا وضوء معه

 

 

____________

(* 1) المائدة: 6 (* 2) الوسائل باب: 34 من أبواب الجنابة حديث: 5

 

===============

 

( 141 )

 

[ وإلا وجب الوضوء (1) وإن نوي واحدا منها وكان واجبا كفي عن الجميع أيضا على الاقوى (2) وإن كان ذلك الواجب غير غسل الجنابة وكان من جملتها، لكن على هذا يكون امتثالا ] لا قبله ولا بعده (* 1). لكن لا يخفي أن الامر بالتطهر في الآية لا يدل إلا على أن حدث الجنابة لا يحتاج إلى الوضوء، ومثله حال الروايات، وليس هو محل الكلام. نعم لو تم أن الفارق بين غسل الجنابة وغيره أن الحدث الاصغر لا يجتمع مع حدث الجنابة، أو أن غسل الجنابة كما يرفع الجنابة يرفع الاصغر، بخلاف غسل غير الجنابة فانه لا يرفع الاصغر، فيكون الوضوء في الاحداث الكبيرة غير الجنابة رافعا للاصغر، كان سقوط الوضوء هنا في محله، لانتفاء الاصغر أو لارتفاعه بالغسل المنوي به الجنابة. أما لو كان الحدث الاكبر غير الجنابة لا يرفعه الغسل وحده بخلاف حدث الجنابة فيحتاج إلى الوضوء. أو أن حدث الجنابة لا يوجب الاصغر بخلاف غيره من الاحداث الكبيرة، كان اللازم فعل الوضوء في المقام. ولعله يأتي في المسألة السادسة والعشرين من فصل أحكام الحائض بعض ماله دخل في المقام. وكأن ما ذكرنا من الاشكال هو الوجه فيما عن المحقق الخونساري والمحقق القمي من التأمل في سقوط الوضوء في المقام لولا الاجماع فتأمل جيدا. (1) لاطلاق ما دل على وجوبه مع كل غسل غير غسل الجنابة. هذا وظاهرهم التسالم على الاكتفاء بوضوء واحد. (2) أما إذا كان المنوي هو الجنابة وكان الجميع واجبا فلا خلاف في ذلك، كما عن شرحي الجعفرية والموجز، بل عن السرائر وجامع المقاصد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب الجنابة حديث: 2

 

===============

 

( 142 )

 

الاجماع عليه. ويقتضيه - مضافا إلى ذلك - اطلاق النصوص. ودعوى كون الظاهر منها خصوص صورة نية الجميع، غير ظاهرة، بل تمكن دعوى ظهورها في نية واحد منها، فان صدر صحيح زرارة ظاهر في تشريع التداخل في ظرف الاتيان بالفعل جريا على مقتضى الجعل الاولي، أعني عدم التداخل، وهو إنما يكون بنية واحد منها لا غير، بل مرسل جميل كالصريح في كون غسل الجنب للجنابة لا غير. ولا ينافي ما ذكرنا من ظهور صدر الصحيح في ذلك إطلاق قوله (ع) في ذيله: إذا اجتمعت... " وقوله (ع): " وكذلك المرأة... " الشامل لصورة نية الجميع ونية واحد بعينه، وذلك لان الذيل يكون من قبيل الكبرى الشاملة لما في الصدر ولغيره نعم لو كان ما في الذيل ظاهرا في خصوص نية الجميع لزم التنافي بين الصدر والذيل، ووجب صرف أحدهما إلى الآخر، لكن على هذا يكون اللازم صرف الذيل إلى ما في الصدر، وحينئذ يشكل الاستدلال بالرواية على الاجزاء في صورة نية الجميع التي قيل: انها المتيقن من النصوص. نعم موثق عمار المتقدم ظاهر في نية الجميع، لكنه لا يعارض الاطلاق المذكور ولا ما دل على الاجزاء بالغسل لواحد منهما. اما إذا كان بعضها مستحبا ففي الاجتزاء بالغسل المنوي به الجنابة عنها وعدمه قولان: المشهور الاول، والمحكي عن جماعة من الاساطين الثاني، وينبغي ابتناؤهما على ثبوت إطلاق النصوص وعدمه، وقد عرفت أن الظاهر ثبوت الاطلاق، وأنه ظاهر مرسل جميل، فيكون الاول هو الاقوى وأما إذا كان المنوي به واجبا غير الجنابة، فالكلام فيه (تارة) من حيث صحته في نفسه، (وأخرى) في الاجتزاء به عن غسل الجنابة، لو كان عليه جنابة، (وثالثة) في الاجتزاء عن غير غسل الجنابة من الاغسال

 

===============

 

( 143 )

 

الواجبة والمندوبة. أما الصحة في نفسه ففي محكي التذكرة الاستشكال فيها، قال: " فان نوت الجنابة أجزأ عنهما، وان نوت الحيض فاشكال، ينشأ من عدم ارتفاع الحيض مع بقاء الجنابة لعدم نيتها "، بل عن بعض الجزم بالعدم. لكن الموجود في الذكرى في أواخر مباحث الجنابة ما ظاهره الجزم بالصحة، وأن الاشكال إنما كان في ارتفاع حدث الجنابة به. فراجع. وكيف كان فعدم الاجزاء خلاف اطلاق الامر به المقتضي للاجزاء كما صرح به غير واحد. واحتمال اعتبار عدم الجنابة في صحة غسل الحيض خلاف إطلاق الادلة البيانية. مضافا إلى موثق عمار المتقدم. وأما الاجتزاء به عن غسل الجنابة - لو كان عليه جنابة - فهو الذي اختاره في الشرائع، وعن المعتبر، ونسب إلى الشهيدين والمحقق الثاني، بل إلى المشهور، والعمدة فيه ما عرفت من إطلاق النصوص. وعن الشيخ والحلي وجماعة: العدم، لمنع الاطلاق، والمتيقن من النصوص خصوص صورة نية الجميع. ولو سلم فهو معارض بموثق سماعة، " في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة؟ قال (ع): غسل الجنابة عليها واجب " (* 1)، لكن عرفت ثبوت الاطلاق. والموثق وارد في وجوب غسل الجنابة من حيث هو لرفع احتمال ارتفاع الجنابة بحدوث حدث الحيض، فلا ينافي الاجتزاء بغسل الحيض عنه، كما ذكر ذلك المحقق الخونساري فيما حكي عنه. وأما الاجتزاء به عن غير الجنابة من الاحداث فالكلام فيه هو الكلام في إغنائه عن الجنابة، لكن الظاهر ضعف الخلاف هنا لما عن الخونساري

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 8

 

===============

 

( 144 )

 

[ بالنسبة إلى ما نوي وأداء بالنسبة إلى البقية (1) ] من استظهار الاتفاق عليه، الا أن العمدة الاطلاق. وأما ألاغناء عن الاغسال المستحبة فالظاهر أن الكلام فيه هو الكلام في إغناء غسل الجنابة عنها، فان تم الاطلاق - كما عرفت - كفى، وإلا فالاصل عدم التداخل. وربما يحكى عن ظاهر بعض التفصيل، باغناء غسل الجنابة عن المندوب وعدم إغناء غيره عنه. لكنه غير ظاهر الوجه غير احتمال اختصاص نصوص التداخل بالجنابة لذكرها فيها. لكن عرفت الاشكال في ذلك، وأن الظاهر من ذكرها أنها أحد الافراد، ولا سيما بعد قوله (ع): " إذا اجتمعت لله عليك... ". (1) المحتمل بدوا في نصوص التداخل أمور: (الاول): أن يكون من التداخل في الاسباب نظير الداخل في أسباب الوضوء، بأن تكون حقائق الاسباب واحدة وليس لها إلا أثر واحد يستند إلى أسبقها وجودا ولا أثر لللاحق، ويكون الغسل الواحد رافعا لذلك الاثر. (الثاني): أن يكون لكل واحد من الاسباب أثر في قبال أثر الآخر مع وحدة الحقيقة، على نحو يتأكد وجود السابق بوجود اللاحق، ويكونان وجودا واحدا متأكدا ويكون الغسل الواحد رافعا لذلك الوجود المتأكد. (الثالث): أن تكون الآثار متباينة ذاتا ووجودا، لكن الغسل الواحد رافعا للجميع لاجل كونه رافعا للجهة المشتركة، فترتفع جميعها، لتقوم كل واحد بالجهة المشتركة، فإذا زالت زال. (الرابع): أن تكون الاسباب مختلفة الحقيقة كآثارها، وتكون الاغسال كذلك، إلا أنها تنطبق على غسل واحد لكونه مجمع جهات متكثرة متباينة. (الخامس): أن يكون الغسل الواحد رافعا لواحد منها دون غيره، إلا أنه لا يمكن ارتفاع غيره فيكون

 

===============

 

( 145 )

 

إجزاؤه عن غيره بهذا المعنى. لكن يدفع الاخير. أنه خلاف ظاهر التعبير بالاجزاء في الصحيح وغيره (* 1). ويدفع الثلاث الاول أنها خلاف ظاهر قوله (ع) في الصحيح: " إذا اجتمعت لله عليك حقوق... "، فإن الظاهر من الحقوق الاغسال لا الاحداث، بقرينة قوله (ع): " عليك... " إذ الاحداث لا تكون حقوقا عليه بل هي نقص فيه. وكذا قوله (ع) في المرسل: " أجزأه عنه ذلك الغسل من كل غسل... ". وما ورد في الحائض والجنب من قوله (ع): " تجعلهما غسلا واحدا " فان ذلك كله ظاهر في تعدد الغسل. وكذا اتفاقهم على جواز نية الجميع، فيتعين الوجه الرابع. نعم ظهور النصوص في كون الاتيان بالغسل بنية واحد منها ينافيه إذ عليه يلزم سقوط أمر غير المنوي بدون قصد امتثاله، وهو خلاف ما دل على عباديته. اللهم إلا أن يقال: الالتزام بذلك أولى من الخروج عن ظاهر النصوص الدالة على التعدد كما عرفت. وهذا هو الاقرب، لان حمل التعدد المستفاد من النصوص على تعدد السبب بعيد. ثم إنه يدفع الاحتمالين الاولين - مضافا إلى ما ذكر - ما دل على اختلاف أحكام تلك الاحداث، فانه يدل على اختلاف حقيقتها. كما أنه يدفع الاول - مضافا - إلى ذلك كله - أنه خلاف ظاهر أدلة السببية. فلاحظ. ومما ذكرنا تعرف أنه لو نوى بعضها كان امتثالا بالنسبة إلى ما نواه، وأداء للمأمور به بلا امتثال لامره بالنسبة إلى ما لم ينوه. نعم لو بني على الثالث لم يكن بالنسبة إلى ما لم ينوه امتثالا ولا أداء، بل كان سقوطا فقط.

 

 

____________

(* 1) ارجع إلى الصفحة: 137

 

===============

 

( 146 )

 

[ ولا حاجة إلى الوضوء إذا كان فيها الجنابة (1)، وإن كان الاحوط مع كون أحدها الجنابة أن ينوي غسل الجنابة (2). وإن نوي بعض المستحبات كفى أيضا عن غيره من المستحبات (3) ] (1) أما إذا كان قد نوى الجنابة فلما عرفت، وأما إذا نوى غيرها فلانه مقتضى إطلاق إجزائه عن غسل الجنابة. اللهم إلا أن يحمل الاجزاء على خصوصية رفع حدث الجنابة لا غير، لكنه غير ظاهر. (2) لما عرفت من الاتفاق على الصحة فيه. (3) الغسل المأتي به بقصد الامر الاستحبابي (تارة) يكون معه غسل مستحب آخر، (وأخرى) معه غسل واجب آخر، (وثالثة) معه واجب ومستحب. فعلى الاول لا إشكال ظاهرا في صحته في نفسه، كما يقتضيه إطلاق الامر به. وفي الاجتزاء به عن غيره الذي لم ينوه - كما هو محل الكلام - خلاف، فعن المعتبر العدم، وعن ظاهر المنتهى الاجتزاء وتبعه عليه غيره. وقد عرفت أنه مقتضى إطلاق النصوص الواجب العمل به، المقدم على أصالة عدم التداخل. وعلى الثاني قيل: لا يجزئ عن الواجب لاصالة عدم التداخل، ولا عن نفسه لان المقصود منه التنظيف، وهو لا يحصل مع بقاء الحدث وفي الاول ما عرفت من الاطلاق فيندفع الثاني. مضافا إلى أن التنظيف المقصود من الغسل المستحب لا ينافي بقاء الحدث لعدم الدليل على ذلك، بل هو خلاف إطلاق الامر. ولاجل ذلك قيل بأنه يصح ويجزئ عن الواجب. وفي الجواهر قوى إجزاءه عن نفسه، أخذا باطلاق الامر به المقتضي للاجزاء، وعدم إجزائه عن الواجب، لاصالة عدم التداخل.

 

===============

 

( 147 )

 

[ وأما كفايته عن الواجب ففيه إشكال (1) وإن كان غير بعيد، لكن لا يترك الاحتياط. (مسألة 16): الاقوى صحة غسل الجمعة من الجنب والحائض (2)، بل لا يبعد إجزاؤه عن غسل الجنابة، بل عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم. ] لكن عرفت أنها خلاف الاطلاق. ويؤيده مرسل الفقيه، قال (ره): " وروي في خبر آخر: من جامع في شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فانه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ولا يقضي ما بعد ذلك " (* 1)، ومن ذلك تعرف الحكم في الصورة الثالثة، وان مقتضى إطلاق النصوص هو الاجزاء عن الجميع. ثم إن الظاهر أن الكلام في الاحتياج إلى الوضوء وعدمه إذا كان معه جنابة هو الكلام فيما سبق بعينه. والله سبحانه أعلم. (1) كأن الوجه في تخصيص المقام بالاشكال دون ما سواه - مع أن العمدة في وجه الاجتزاء فيه وفي غيره هو الاطلاق المشترك بين الجميع - ورود بعض الوجوه المقتضية للاجزاء في غيره، مثل كون الاحداث حقيقة واحدة فرافع واحد منها رافع لغيره، ومثل كون المقصود من الاغسال المستحبة التنظيف، وهو يترتب على الغسل المقصود به رفع الحدث أو غيره قهرا، وعدم ورود مثل ذلك في المقام، ولذا لم يقل بالاجزاء فيه من قال به في غيره. فتأمل جيدا. والله سبحانه أعلم. (2) كما عرفت في الغسل المنوي به المستحب، وعرفت فيه أيضا أن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2

 

===============

 

( 148 )

 

[ (مسألة 17): إذا كان يعلم إجمالا أن عليه أغسالا، لكن لا يعلم بعضها بعينه، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه، كما يكفيه أن يقصد (1) البعض المعين ويكفي عن غير المعين (2) بل إذا نوي غسلا معينا ولا يعلم - ولو إجمالا - غيره وكان عليه في الواقع كفى عنه أيضا وإن لم يحصل امتثال أمره. نعم إذا نوي بعض الاغسال ونوي عدم تحقق الآخر ففي كفايته عنه إشكال (3)، بل صحته أيضا لا تخلو عن إشكال بعد كون (4) ] الاقوى إجزاؤه عن غيره. وهذه المسألة من صغريات ما سبق، ولم يتضح وجه لذكرها بالخصوص. (1) لانه على تقدير وجود أي غسل في الواقع يكون منويا بالغسل فيجزئ عنه. (2) لما عرفت من الاجتزاء بالغسل المنوي به البعض المعين عن غيره مطلقا معلوما كان الغير تفصيلا أو إجمالا، أم غير معلوم. (3) لقرب دعوى قصور النصوص عن شمول الفرض. لكن الانصاف أن إطلاقها محكم لكون الانصراف بدائيا. (4) الظاهر أن المراد الوجه الاول من الوجوه الخمسة المتقدمة، وهو المذكور في ظاهر كلام غير واحد منهم المحقق في المعتبر، فانه قال في مقام الاستدلال على إجزاء غسل الحيض عن غسل الجنابة: " إن الغسل بنية خصوص الحيض صحيح نوي به الاستباحة فيجزئ ". وفي جامع المقاصد استدل على عكس المسألة بأن الحدث الذي هو عبارة عن النجاسة الحكمية متحد وإن تعددت أسبابه، فإذا نوي ارتفاعه بالسبب الاقوى ارتفع بالاضافة إلى غيره. وربما نسب هذا المعنى إلى صريح الاكثر. لكن عرفت

 

===============

 

( 149 )

 

[ حقيقة الاغسال واحدة ومن هذا يشكل البناء على عدم التداخل (1) بأن يأتي باغسال متعددة كل واحد بنية واحد منها، ] آنفا أنه خلاف ظاهر الادلة أو المقطوع به منها. وكيف كان فالاشكال المذكور مبني على أن نية عدم رفع غيره راجعة إلى تقييد الغسل المنوي بكونه غير رافع للحدث المقصود رفعه، فإذا ثبت كونه رافعا له فقد انتفي القيد، وانتفاؤه يوجب انتفاء المقيد، فيكون ما قصد لم يقع، وما وقع لم يقصد، فيبطل. لكن ذلك يتوقف على كونه ملحوظا بنحو وحدة المطلوب لا بنحو تعدد المطلوب، وإلا فهو مقصود بالقصد التحليلي وهو كاف في الصحة. وقد تقدم نظير ذلك في فصل غايات الوضوء. فراجع. (1) لا يبعد أن يكون منصرف تعبير الفقهاء بالاجزاء في المقام كون التداخل رخصة، وكأنه لذلك نسب ذلك إلى ظاهر الاصحاب. إلا أن التأمل في كلماتهم يعطي خلاف ذلك، وأنه عندهم عزيمة، كما أوضحه شيخنا الاعظم (ره). والمتحصل من الادلة - سواء أكان مفادها الوجه الرابع أم هذا الوجه الذي أشار إليه المصنف (ره) المنسوب إلى صريح الاكثر أو غيرهما من الوجوه - هو عدم مشروعية الغسل الثاني، لان إجزاء الغسل المأتي به عن غيره ظاهر في وفائه بالغرض المقصود منه، وبعد حصول الغرض يسقط الامر، فلا مجال للامتثال بالغسل ثانيا. نعم قبل فعل المجزئ يجوز فعل المبدل منه. ومنه يظهر أن البناء على التداخل لا يتوقف على كون حقيقة الاغسال واحدة. نعم البناء على كون حقيقة الاغسال واحدة يقتضي القول بالتداخل إذا كان المراد الوجه الاول، أما إذا كان المراد الوجه الثاني فالبناء على وحدة حقيقة الاغسال كوحدة حقيقة الحدث لا يقتضي

 

===============

 

( 150 )

 

[ لكن لا إشكال إذا أتى (1) فيما عدا الاول برجاء الصحة والمطلوبية.