الطهارة

{ فصل في المياه الماء إما مطلق (1) أو مضاف، كالمعتصر من الاجسام أو الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء. والمطلق أقسام (2): ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطهارة الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله الغر الميامين. واللعنة على أعدائهم أجمعين. (1) وعرف بما يصح إطلاق لفظ الماء عليه من غير إضافة. يعني: يصح بلا تجوز ولا عناية. وهذا بخلاف الماء المضاف كماء الرمان، وماء الورد، فان إطلاق لفظ الماء - مفردا بلا إضافة - عليه مجاز، والذي يكون إطلاقه عليه حقيقة، ماء الرمان، أو ماء الورد كما أن إطلاق ماء الورد على ماء الرمان مجاز، وكذا اطلاق ماء الرمان على ماء الورد. ومن هنا ظهر أن تقسيم الماء إلى المطلق والمضاف بلحاظ المسمى. كما ظهر أن مفهوم الماء جامع حقيقي بين أفراده، ومفهوم الماء المضاف جامع انتزاعي بين أفراده، فانها حقائق متباينة (2) الموجود في كلام جماعة تقسيمه إلى جار، ومحقون، وماء بئر وتقسيم المحقون إلى كثير وقليل. وكأن موضوع القسمة ماء الارض، ولذا

 

===============

 

( 110 )

 

[ الجاري، والنابع غير الجاري والبئر، والمطر، والكر، والقليل وكل واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر مطهر من الحدث والخبث (1). ] لم يذكر في أقسامه ماء المطر. وعدم ذكر النابع في الاقسام إما لدخوله في الجاري - كما صرح به بعض، حيث عرفه بالنابع غير البئر - أو في البئر - كما هو ظاهر آخرين - بل عن المحقق البهبهاني: " أن النابع الراكد عند الفقهاء في حكم البئر " والامر سهل. (1) إجماعا مستفيض النقل، بل وضوحه أغنى عن الاستدلال عليه بالآيات الشريفة مثل قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) (* 1) بناء على أن المراد من لفظ الطهور فيها إما المطهر بناء على أنه أحد معانيه - كما عن بعض - فيدل على طهارته في نفسه بالالتزام، أو الطاهر المطهر - كما عن جمع أنه أحد معانيه - أو ما يتطهر به كالسحور والفطور - كما هو أحد معانيه قطعا - فيدل أيضا بالالتزام على طهارته في نفسه. هذا ولكن من المحتمل ارادة المبالغة منه، فان (فعول) أيضا من صيغ المبالغة كالصبور والحسود، فان الطهارة ذات مراتب متفاوتة، ولذا صح التفضيل فيها بلفظ: (أطهر) ومع هذا الاحتمال يشكل الاستدلال. وأشكل منه الاستدلال به على المطهرية لغيره - حتى بناء على حمل الهيئة على المبالغة - بدعوى: أن المبالغة لا معنى لها إلا بلحاظ المطهرية لغيره. إذ فيه - - مضافا إلى ما عرفت -: أن هذا المعنى من المبالغة مجاز لا يجوز ارتكابه في الاستدلال. وإن كان الاقرب الحمل على المعنى الثالث، لعدم ثبوت المعنيين الاولين، ولكونه أقرب من الحمل على المبالغة، لخفاء وجهها. وأما قوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) (* 2)

 

 

____________

(* 1) الفرقان: 48. (* 2) الانفال: 11.

 

===============

 

( 111 )

 

[ (مسألة 1): الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر (1)، لكنه غير مطهر، لا من الحدث (2). ] فدلالته على المطلوب سالمة عن الاشكال المتقدم، وإن كانت لا عموم فيها لوروده في واقعة خاصة، إلا أن يتمسك بالاجماع على عدم الفرق، كالاجماع على عدم الفرق بين ماء السماء وغيره. ثم إنه لا تخلو النصوص الشريفة من الدلالة على طهارته ومطهريته، ففي رواية السكوني عن النبي صلى الله عليه وآله: " الماء يطهر ولا يطهر " (. 1). وفي صحيح ابن فرقد عن أبي عبد الله (ع): " كان بنو اسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسع الله تعالى عليكم باوسع ما بين السماء والارض، وجعل لكم الماء طهورا " (* 2)، وفي غيرهما: أنه تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (* 3). ومورد الاخير الحدث، كما أن مورد ما قبله الخبث، بل هو ظاهر رواية السكوني بقرينة المقابلة بالنفي. كما أنه لا عموم في الجميع بالاضافة إلى ما يتطهر به فلابد من تتميم الدلالة بالاجماع المحقق في الجملة. (1) يعنى: مع طهارة أصله. ويكفي في ذلك الاستصحاب، وأصالة الطهارة. (2) كما هو المشهور، ويقتضيه الكتاب المجيد، مثل قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (* 4). والسنة التى هي بمضمونه وبغير مضمونه كما ستأتي في محلها إن شاء الله. وعن الصدوق: جواز

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 1. (* 4) النساء: 43 والمائدة: 6.

 

===============

 

( 112 )

 

[ ولا من الخبث (1). ] الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد، لخبر يونس عن أبى الحسن (ع) قال: " قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة. قال (ع): لا بأس بذلك " (* 1). لكن عن الشيخ أنه خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره. انتهى. وكفى بهذا موهنا له ومانعا عن الاعتماد عليه. وعن الحسن جواز استعمال مطلق المضاف عند عدم الماء. ولم يظهر له مستند. (1) كما هو المشهور أيضا. ويقتضيه ظاهر كثير من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة مثل قوله (ع): " لا يجزئ من البول إلا الماء " (* 2) وقوله (ع) في تطهير الاناء من الولوغ: " اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء " (* 3) ونحوهما غيرهما وهو كثير. وقد تقدم صحيح ابن فرقد الظاهر - بقرينة الامتنان - في انحصار المطهر بالماء. وعن المفيد والسيد - قدهما - جواز رفع الخبث به. وعن الاول الاستدلال عليه بالرواية. وعن الثاني الاستدلال عليه بالاجماع. لكن الرواية مرسلة والاجماع معلوم العدم. وأما إطلاق الامر بالغسل والتطهير، فمقيد بالنصوص المشار إليها. مع قرب دعوى انصراف الاول إلى الغسل بالماء الارتكاز مطهريته عرفا وشرعا دون غيره من المايعات. كما لا تبعد دعوى اجمال الثاني، وحصوله بغير الماء يحتاح إلى دليل، ولو بني على اطلاقه كان مقتضاه الاكتفاء بزوال العين. وأما رواية غياث: " لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق " (* 4) فلعلها المشار إليها في كلام المفيد. لكنها مع أنها

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب الماء المضاف والمستعمل حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 30 من ابواب احكام الخلوة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب الاسئار حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 4 من ابواب الماء المضاف والمستعمل حديث: 2.

 

===============

 

( 113 )

 

مهجورة - أخص من المدعى - لو كان البصاق من المضاف - وإلا كانت أجنبية عنه. مع أن ظاهر رواية غياث الاخرى: " لا يغسل بالبصاق شئ غير الدم " (* 1) مناف له فلا مجال لتتميمها بعدم القول بالفصل ونحوه. ثم إن المحكي عن السيد (ره) الاستدلال على ما ذكرنا: بأن الغرض ازالة عين النجاسة، وهو يحصل بالغسل بالمضاف. ومقتضى هذا الاستدلال عدم وجوب تطهير المتنجس بما لا تبقى عينه، وحصول الطهارة بمجرد زوال عين النجاسة بكل مزيل وان لم يكن مضافا، ولكنه - كما ترى - خلاف النصوص المتقدمة الآمرة بالغسل والتطهير، فضلا عن النصوص الظاهرة في تعيين الماء. وعن الكاشانى (ره) التفصيل بين الموارد التي ورد فيها ذلك فلابد من الماء وبين غيرها فيكفي زوال العين. وفيه: أن هذا خلاف استصحاب النجاسة من دون دليل عليه. مضافا إلى أنه خلاف ما ثبت إجماعا وارتكازا من عدم الفرق بين الموارد. وانكار سراية النجاسة إلى الجسم - ليسقط الاستصحاب - خلاف ظاهر النصوص الموافق للارتكاز العرفي من سراية أثر عين النجاسة إلى ملاقيها. فلاحظ ما ورد في المرق والعجين اللذين أصابهما قطرة من خمر أو نبيذ (* 2)، وقوله (ع): " ما يبل الميل ينجس حبا من الماء " (* 3). ويشير إلى ذلك ما في رواية عمر بن شمر الواردة في طعام ماتت فيه الفارة، قال (ع): " إنما استخففت بدينك حيث أن الله تعالى حرم الميتة من كل شئ " (* 4) وما ورد في التطهير من البول

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب الماء المضاف والمستعمل حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 38 من ابواب النجاسات حديث: 8. (* 3) الوسائل باب: 38 من ابواب النجاسات حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 5 من ابواب الماء المضاف والمستعمل حديث: 2.

 

===============

 

( 114 )

 

[ ولو في حال الاضطرار (1)، وان لاقى نجسا تنجس (2) وان كان كثيرا بل وان كان مقدار ألف كر (3) فانه ينجس بمجرد ] من أن الغسلة الثانية لازالة الاثر (* 1)، وغير ذلك. فلاحظ. (1) لعدم الفرق بين الحالين فيما ذكرنا. وعن ابن أبي عقيل مطهرية المضاف حينئذ. ودليله غير ظاهر، كما تقدم في رفع الحدث. (2) إجماعا محكيا عن كتب الفاضلين والشهيدين، وغيرها، وعن السرائر: نفي الخلاف فيه. وقد تدل عليه الاخبار الواردة في نجاسة الزيت والسمن والمرق ونحوها بملاقاة النجاسة (* 2)، لانها وان لم تكن من المضاف، إلا أنها مثله في الميعان، الموجب لسراية النجاسة حسب الارتكاز العرفي، فالتعدي عنها إلى المضاف نظير التعدي منها إلى المايعات التي ليست من المضاف. بل قد عرفت أنه يظهر من رواية عمر بن شمر المتقدمة أن ذلك من أحكام النجاسة. (3) كما يقتضيه إطلاق معاقد الاجماعات والكلمات. لكنه لا يخلو من تأمل، لعدم السراية عرفا في مثله، نظير ما يأتي من عدم السراية إلى العالي الجاري إلى السافل. والنصوص الواردة في السمن والمرق ونحوهما غير شاملة لمثله. وثبوت الاجماع على السراية في الكثرة المفرطة غير ظاهر ومن هنا يسهل الامر في عيون النفط المستخرج في عصرنا، المعلوم غالبا مباشرة الكافر له بالرطوبة المسرية.

 

 

____________

(* 1) لم نعثر على ما تضمن ذلك في كتب الحديث. نعم روى في المعتبر صفحة: 121 عن الحسين بن أبي العلاء عن الصادق (ع) قال: " سألته.. عن الثوب يصيبه البول قال: إغسله مرتين الاول للازالة والثاني للانقاء " ورواه مرسلا في الذكرى صفحة: 15 (* 2) راجع الوسائل باب: 5 من ابواب الماء المضاف والمستعمل. وباب: 38 من ابواب النجاسات حديث: 8.

 

===============

 

( 115 )

 

[ ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأش ابرة في أحد أطرافه فينجس كله. نعم إذا كان جاريا من العالي إلى السافل ولاقى سافله النجاسة لا ينجس العالي منه (1)، كما إذا صب الجلاب من ابريق على يد كافر، فلا ينجس ما في الابريق وان كان متصلا بما في يده. (مسألة 2): الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن اطلاقه (2). نعم لو مزج معه غيره وصعد - كماء الورد - يصير مضافا. (مسألة 3): المضاف المصعد مضاف (3). (مسألة 4): المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد، لاستحالته بخارا (4) ثم ماء. ] (1) كما هو المشهور، بل قيل: الظاهر أنه مذهب الكل عدا السيد في المناهل. لعدم ثبوت سراية النجاسة كلية في المايعات، وانما الثابت منها في غير مثل ذلك. والرجوع إلى العرف - الذي هو مقتضى الاطلاقات المقامية - يقتضي البناء على عدم السراية للنجاسة من السافل إلى العالي، فانه المطابق لمرتكزاتهم. ومثله الكلام في سراية النجاسة من العالي إلى السافل مع تدافع السافل عليه كما في الفوارة. أما مع عدم التدافع من أحدهما إلى الآخر فلا إشكال في السراية من كل منهما إلى الآخر. (2) لصدق الماء عليه عرفا، الذي هو المعيار في الاطلاق. (3) لما تقدم من الصدق العرفي. لكن في اطراده في جميع الموارد تأملا. (4) الموجبة لمغايرته له عرفا، على نحو لا يجري معه استصحاب الحكم لتعدد الموضوع. وهذا هو المدار في مطهرية الاستحالة، لجريان أصالة

 

===============

 

( 116 )

 

[ (مسألة 5): إذا شك في مايع أنه مضاف أو مطلق فان علم حالته السابقة أخذ بها (1). وإلا فلا يحكم عليه بالاطلاق، ولا بالاضافة (2). لكن لا يرفع الحدث والخبث (3) وينجس بملاقاة النجاسة إن كان قليلا، وإن كان بقدر الكر لا ينجس، لاحتمال كونه مطلقا، والاصل الطهارة (4). ] الطهارة حينئذ بلا معارض، كما سيأتي في محله إن شاء الله. فإذا انقلب البخار ماء كان المرجع في حكمه أصالة الطهارة أيضا، لا استصحابها، لتعدد الموضوع عرفا، كما في البخار. (1) للاستصحاب. هذا إذا كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية، أما لو كان بنحو الشبهة المفهومية - للشك في حدود المفهوم وقيوده، على نحو يستوجب الشك في صدقه على الموارد - أشكل جريان الاستصحاب، لانه من الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد: كالجاري في الفرد المردد وأما استصحاب الحكم السابق فلا مانع منه، مثل استصحاب كونه مطهرا من الحدث والخبث، إذا علم انه كان مطلقا، أو استصحاب انفعاله بالملاقاة إذا علم كونه مضافا كثيرا. لكنه من الاستصحاب التعليقي المعارض بالاستصحاب التنجيزي غالبا. فلو لم يكن معارضا أو بنينا على حكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي، أو كان الحكم السابق تنجيزيا، فلا بأس بجريانه. (2) إذ لا موجب للحكم بذلك من دليل أو أصل. (3) لاستصحاب بقائهما. (4) يعني: استصحابها. نعم ربما يكون بعض الوجوه الموجبة للنجاسة في فرض الملاقاة مع الشك في الكرية مقتضيا للحكم بالنجاسة في المقام فانتظر.

 

===============

 

( 117 )

 

[ (مسألة 6): المضاف النجس يطهر بالتصعيد - كما مر - وبالاستهلاك في الكر أو الجاري (1). ] (1) بتفرق أجرائه فيه على نحو لا يبقى له وجود محفوظ في نظر العرف يجري فيه الاستصحاب. نظير الاستحالة في الاعيان النجسة المطهرة للمستحيل بالمناط المذكور. وأما المطلق المستهلك فيه فالمرجع فيه دليل اعتصامه كرا كان أو جاريا، أو ماء بئر، بناء على اعتصامه. ويعضده بعض النصوص الواردة في طهارة الماء الذي وقع فيه بول أو دم أو خمر أو نحوها (* 1) بعد حملها على المعتصم. ولو انقلب المضاف مطلقا. بقي على نجاسته، للاستصحاب، إذ لا دليل على مطهرية الانقلاب كلية. وحينئذ يطهر بكل ما يطهر القليل النجس الآتي بيانه (* 2) إن شاء الله. وعن العلامة - رحمه الله - القول بطهر المضاف بمجرد الاتصال بالكثير لكن لا دليل عليه. وقول على (ع): " الماء يطهر ولا يطهر (* 3) لا عموم له لكل متنجس كما أشرنا إليه آنفا. مع أن العموم غير كاف في ذلك إذ لا إطلاق له في كيفية التطهير، وليس بناء العرف على كفاية مجرد الاتصال في مثل ذلك. وأما ما عن الشيخ (ره) من اعتبار عدم تغير المطلق المستهلك فيه المضاف بصفات المضاف، ومع التغير يتنجس المطلق. فغير ظاهر، إلا بناء على نجاسة المطلق المتغير بصفات المتنجس الملاقي له، وسيأتي الكلام فيه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب الماء المطلق حديث: 3، 7 وباب: 5 حديث: 6، وباب: 9 حديث: 14. (* 2) راجع المسألة: 2 وما بعدها من مسائل الفصل المتعرض فيه لماء البئر (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 7.

 

===============

 

( 118 )

 

[ (مسألة 7): إذا القي المضاف النجس في الكر، فخرج عن الاطلاق إلى الاضافة، تنجس إن صار مضافا قبل الاستهلاك. وان حصل الاستهلاك والاضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه (1) لكنه مشكل. (مسألة 8): إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين، ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر حتى يصفو ويصير الطين إلى الاسفل، ثم يتوضأ على الاحوط (2). وفي ضيق الوقت يتيمم، لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق. } (1) إذ في حال وجود المضاف كان المطلق الملاقي له معتصما، وبعد انقلاب المطلق مضافا لا مضاف نجس كي ينجس بملاقاته. نعم قد تشكل صحة الفرض: بأن الاستهلاك يلازم صدق المطلق على الجميع، فكيف يكون الماء حينئذ مضافا، والاضافة والاطلاق ضدان يمتنع اجتماعهما في محل واحد؟! وفيه: ما عرفت من أن الاستهلاك عبارة اخرى عن ذهاب الموضوع بنحو يمتنع أن يجري استصحاب نجاسته، ولا ملازمة عقلا بين ذلك وبين صدق الماء المطلق على المستهلك فيه كي يلزم اجتماع الضدين. نعم في الغالب يكون انقلاب المطلق إلى المضاف ناشئا من علبة المضاف النجس عليه بنحو يمتنع صدق استهلاكه مع غلبته على المطلق. ولكن هذا المقدار لا يوجب امتناع الفرض. (2) بل الاقوى، بناء على أن المصحح للتيمم والمسقط لوجوب الطهارة المائية عدم القدرة عليها، لا مجرد عدم وجود الماء، كما سيأتي (* 1) إن شاء الله.

 

 

____________

(* 1) يأتي توضيخ ان المراد عدم القدرة على المأمور به حتى في آخر الوقت (منه قدس سره)

 

===============

 

( 119 )

 

[ (مسألة 9): الماء المطلق بأقسامه - حتى الجاري منه - ينجس إذا تغير بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة من الطعم، والرائحة، واللون (1). بشرط أن يكون بملاقاة النجاسة، فلا يتنجس إذا كان بالمجاورة (2)، كما إذا وقعت ميتة قريبا من الماء فصار جائفا. وأن يكون التغير بأوصاف النجاسة (3) ] (1) إجماعا محصلا ومنقولا كاد يكون متواتر، كما في الجواهر. ويدل عليه الاخبار الكثيرة. منها النبوي المتفق على روايته - كما عن السرائر - المتواتر عن الصادق (ع) عن آبائه - كما عن ابن أبي عقيل - الذي عمل به الامة وقبلوه - كما عن الذخيرة -: " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ، إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه " (* 1) ونحوه غيره (* 2). ولا يقدح عدم ذكر اللون في جملة منها، فقد ذكر في بعضها الآخر، كمعتبر شهاب، وفيه: " قلت: وما التغير؟ قال: الصفرة " (* 3) ومعتبر العلاء بن الفضيل: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الحياض يبال فيها. قال (ع): لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول " (* 4) وقريب منهما غيرهما. (2) لعله لا خلاف فيه بل مجمع عليه، كذا في الجواهر. لانه خارج عن مورد اكثر النصوص ومنصرف الباقي. (3) سيأتي بيان المراد منه في المسألة الحادية عشرة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب الماء المطلق حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 3 من ابواب الماء المطلق ففيها جملة أحاديث، ويوجد بعض الاحاديث في ابواب أخر متفرقة. (* 3) الوسائل باب: 9 من ابواب الماء المطلق حديث: 11. (* 4) الوسائل باب: 3 من ابواب الماء المطلق حديث: 7.

 

===============

 

( 120 )

 

[ دون أوصاف المتنجس (1). فلو وقع فيه دبس نجس فصار أحمر، أو أصفر لا ينجس إلا إذا صيره (2) مضافا. نعم لا يعتبر أن يكون بوقوع عين النجس فيه (3)، بل لو وقع فيه متنجس حامل لاوصاف النجس فغيره بوصف النجس ] (1) كما صرح به جماعة كثيرة، بل في الجواهر: " يمكن استنباط الاجماع عند التأمل عليه ". إذ مورد اكثر النصوص نجس العين كالميتة، والدم، والبول. وأما النبوي ونحوه فهو وان كان لفظه عاما للمتنجس، إلا أن منصرفه خصوص وصف نجس العين، إذ هو الذي يساعده الارتكاز العرفي من اختصاص النفرة بذلك لا غير عندهم، للفرق بين ظهور أثر النجس بالذات في الماء، وبين ظهور أثر الطاهر بالذات فيه، وان كان نجسا بالعرض، فان الاول يناسب البناء على نجاسة الماء دون الثاني، لان النفرة الذاتية في الاول تستوجب النفرة عن الاثر، بخلاف الثاني، لعدم النفرة الذاتية فيه، والنفرة العرضية زائلة بزوال موضوعها، لفرض الاستهلاك. فتأمل جيدا. (2) يعنى: مع بقاء الدبس بنحو يصح استصحاب نجاسته. أما لو صيره مضافا بعد الاستهلاك أو مقارنا له فقد تقدم أن للطهارة وجها وجيها. (3) كما صرح بذلك جماعة. وقد يشكل: بأن المعيار في التنجس ان كان ظهور أثر النجاسة في الماء - ولو لم تكن ملاقاة لها فالازم الاكتفاء بذلك ولو مع المجاورة، وان كان بشرط الملاقاة فالتغير بالمتنجس الحامل لصفات عين النجاسة لا يوجب النجاسة لعدم الملاقاة. نعم إذا كان المتنجس حاملا لاجزاء النجاسة - ولو كانت متفرقة فيه - كانت الملاقاة للنجاسة، لكنه ليس من محل الكلام، أو أنه ليس كذلك دائما. فان قلت: المتنجس إذا كان حاملا لاوصاف النجاسة فلابد أن يكون حاملا لاجزائها لامتناع انتقال العرض من محل إلى محل آخر، وحينئذ فالملاقي

 

===============

 

( 121 )

 

[ تنجس أيضا. وأن يكون التغير حسيا (1)، فالتقديري لا يضر، ] له ملاق لعين النجاسة حقيقة (قلت): هذا المقدار غير كاف في التنجس لان قوله صلى الله عليه وآله: " لا ينجسه شئ إلا ما غير.. ". قد عرفت أنه منصرف إلى المتغير بملاقاة النجاسة عرفا، وهو غير حاصل في جميع أفراد المتغير بالمتنجس وان كان حاصلا عقلا. اللهم إلا أن يبنى على عموم الموصول في النبوي ونحوه للنجس والمتنجس وعلى انصرافه إلى خصوص صورة الملاقاة وكون التغير بوصف النجس ذاتا لمساعدة الارتكاز العرفي عليه، كما أشرنا إلى ذلك آنفا. ويؤيده أن الغالب في التغير بالجيفة ونحوها سراية التغير مما حولها إلى ما يتصل به وهكذا. ومن هذا يظهر الاشكال فيها في الجواهر من اختصاص الحكم بالنجاسة بصورة استناد التغير إلى النجاسة التي تغير بها المتنجس دون غيرها من الصور وان كان التغير بصفة النجاسة. فانه مبني على اختصاص الموصول في النبوي ونحوه بالنجس دون المتنجس، ولكنه خلاف الاطلاق. فلاحظ. وقد يقرر الوجه في النجاسة: بأن المتغير بعين النجاسة إذا امتزج بالكثير فغيره، فاما أن يطهر المتنجس، وهو خلاف النص والاجماع على اعتبار زوال التغير في طهارة المتغير، أو يبقى كل على حكمه، وهو خلاف الاجماع على اتحاد الماء الواحد في الحكم، أو ينجس الطاهر، وهو المطلوب ويتم الحكم في غير الممتزج بالاجماع على عدم الفصل. (1) المراد بالحسي (تارة): ما يقابل الواقعي الذي لا يدركه الحس (وأخرى): الفعلي ما يقابل التقديري. واعتبار الحسي بالمعنى الاول مقتضى النصوص الدالة على الطهارة بملاقاة البول والدم وغيرهما إذا لم يتغير الماء، فانه لابد من وجود التغير واقعا لاختلاف اللونين. وأما اعتباره بالمعنى الثاني فهو المشهور بل لم ينسب الخلاف فيه إلا إلى العلامة في القواعد وغيرها

 

===============

 

( 122 )

 

[ فلو كان لون الماء أحمر أو أصفر، فوقع فيه مقدار من الدم كان يغيره لو لم يكن كذلك لم ينجس، وكذا إذا صب فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيره، وكذا لو كان ] وبعض من تأخر عنه. ويشكل: بأن التغير كغيره من العناوين المذكورة في القضايا الشرعية ظاهر في الوجود الفعلى، ولا سيما بملاحظة الارتكاز العرفي فلا يشمل التقدير الفرضي. ودعوى: كون التغير ملحوظا طريقا إلى كم النجاسة، لا موضوعا ليدور الحكم مداره. مندفعة أولا: بأنه خلاف الظاهر، كما عرفت. ثانيا: بأن لازمه عدم نجاسة المتغير إذا كان كم النجاسة قليلا ووصفها شديدا. وثالثا: بأن تحديد الكم المقتضى للتغير مجهول لا طريق إلى معرفته، ولازمه أنه مع الشك يرجع إلى استصحاب الطهارة ولو مع العلم بالتغير. اللهم إلا أن يدعى ان التغير طريق شرعي إلى حصول الكم المنجس، فتكون النصوص المتضمنة للنجاسة مع التغير واردة في مقام جعل الحكم الظاهري لا الواقعي ولكنه كما ترى. وعن البيان وجامع المقاصد الاكتفاء بالتقدير فيما لو كان عدم ظهور أثر النجاسة لوجود وصف في الماء، معللا: بأن التغير فيه حقيقي مستور، ووافقهما عليه جماعة من الاساطين، بل في الحدائق: نسبه إلى قطع المتأخرين من دون خلاف ظاهر معروف. وفيه ما لا يخفى، لا متناع اجتماع المثلين كالضدين، فإذا كان الماء متلونا بمثل لون النجاسة كيف يتلون بلونها؟ وأشكل من ذلك ما عن المحقق الخونساري من التفصيل في اعتبار التقدير بين الصفات العارضية، كما في المصبوغ بطاهر أحمر، فيعتبر فيه التقدير، وبين الصفات الاصلية، كما في المياه الكبريتية، فلا يعتبر فيه التقدير. فانه بلا فاصل ظاهر.

 

===============

 

( 123 )

 

[ جائفا فوقع فيه ميتة كانت تغيره لو لم يكن جائفا، وهكذا. ففي هذه الصور ما لم يخرج عن صدق الاطلاق (1) محكوم بالطهارة، على الاقوى. (مسألة 10): لو تغير الماء بما عدا الاوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة، مثل الحرارة والبرودة، والرقة والغلظة، والخفة والثقل، لم ينجس ما لم يصر مضافا (2). (مسألة 11): لا يعتبر في تنجسه أن يكون التغير بوصف النجس (3) بعينه، فلو حدث فيه لون أو طعم أو ريح غير ما بالنجس - كما لو اصفر الماء مثلا بوقوع الدم - تنجس. وكذا لو حدث فيه بوقوع البول أو العذرة رائحة أخرى غير رائحتهما. فالمناط تغير أحد الاوصاف المذكورة بسبب النجاسة وان كان من غير سنخ وصف النجس (4). ] (1) يعنى: مع عدم استهلاك النجاسة، أما لو كان الخروج عن ذلك بعد الاستهلاك فالحكم الطهارة أيضا. (2) إجماعا محكيا عن غير واحد. ويقتضيه الحصر المستفاد من النبوي وغيره (3) يعنى: قبل الملاقاة. (4) محتملات التغير بدوا أربعة: (الاول): التغير بمثل وصف النجاسة (الثاني): التغير بسنخ وصفها قبل الملاقاة، مثل التغير بالصفرة من وقوع الدم الاحمر. (الثالث): التغير بوصف النجاسة في الجملة ولو كان وصفا لها بعد ملاقاة الماء، نظير الحناء التى وصفها الخضرة، فإذا لاقت الماء صار وصفها الحمرة، والزاج الذي وصفه البياض، فإذا لاقى الماء الذي فيه شئ من الدباغ صار وصفه السواد. (الرابع): التغير

 

===============

 

( 124 )

 

[ (مسألة 12): لا فرق بين زوال الوصف الاصلي للماء أو العرضي، فلو كان الماء أحمر أو أسود لعارض، فوقع فيه البول حتى صار أبيض، تنجس. وكذا إذا زال طعمه ] مطلقا ولو بوصف أجنبي عن وصف النجاسة مطلقا أو بزوال وصفه. هذا وقد يظهر من الجواهر أحد الاولين، للتبادر، أو لانه المتيقن ويرجع في غيره إلى استصحاب الطهارة. كما أن مقتضى الاطلاق في النبوي وغيره الاخير. اللهم إلا أن يناقش في الاطلاق: بأن الارتكاز العرفي يساعد على اعتبار ظهور وصف النجاسة في الماء لاختصاص الاستقذار العرفي بذلك وطروء وصف أجنبي أو زوال وصف الماء لا يوجب النفرة. ويعضده ظهور جملة من النصوص في ذلك، ففي صحيح شهاب الوارد في الجيفة تكون في الغير قال (ع): " إلا أن يغلب الماء الريح فينتن.. (إلى أن قال): قلت: فما التغير؟ قال (ع): الصفرة " (* 1). وفي موثق سماعة: " إذا كان النتن الغالب على الماء فلا يتوضأ ولا يشرب " (* 2). وفي خبر العلاء: " لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول " (* 3). وفى صحيح ابن بزيع: " حتى يذهب الريح ويطيب طعمه " (* 4). فان ظاهر الجميع اعتبار التغير بوصف النجاسة في الجملة ولو كان ثبوته لها في حال الملاقاة للماء، كما عرفت في الاحتمال الثالث. وعلى هذا يكون هو المتعين. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف - رحمه الله - في المسألة اللاحقة بقوله: " لا فرق بين ". فلاحظ وتأمل.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 6. (* 3) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 7 (* 4) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.

 

===============

 

( 125 )

 

[ العرضي، أو ريحه العرضي. (مسألة 13): لو تغير طرف من الحوض - مثلا - تنجس، فان كان الباقي أقل من الكر تنجس الجميع (1)، وان كان بقدر الكر بقي على الطهارة وإذا زال تغير ذلك البعض طهر الجميع ولو لم يحصل الامتزاج، على الاقوى (2) ] (1) لانفعال الباقي بملاقاة المتغير. (2) كما نسب إلى الاكثر، وعن المحقق والشهيد الثانيين واكثر من تأخر عنهما التصريح به. بل قيل: " لم يعرف القول بالامتزاج من قبل المحقق في المعتبر ". وان كان ذلك لا يخلو عن نظر. لصحيح ابن بزيع عن الرضا (ع): " ماء البئر واسع لا يفسده شئ، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه، لان له مادة " (* 1) ومحصل ما ينبغي أن يقال في تقريب الاستدلال: أن قوله (ع): " واسع " وان كان يحتمل أن يراد منه الكثير، لكن لما كان ذلك أمرا خارجيا عرفيا كان خلاف ظاهر البيان الوارد من الشارع. فيتعين أن يكون المراد منه أنه واسع الحكم. ولا سيما بملاحظة عدم المناسبة في التعبير عن الكثرة بالسعة وعليه فيكون قوله (ع): " لا يفسده شئ ". من قبيل التفصيل بعد الاجمال، فترجع الجملتان إلى مضمون واحد، ورجوع التعليل إليه محتمل وأما الاستثناء فلا معنى لرجوع التعليل إليه. أما قوله: " فينزح " فرجوع التعليل إليه وان كان ممكنا عقلا إلا أنه بعيد جدا، لخلوه عن المناسبة العرفية وأما قوله (ع): " حتى يذهب الريح.. ". فلما كان المستفاد منه أمرين أحدهما عرفي خارجي، وهو ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح والثاني حصول الطهارة بذلك، كما هو مفاد حرف الانتهاء، لم يكن مانع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب الماء المطلق حديث: 12.

 

===============

 

( 126 )

 

عقلي من رجوعه إلى كل منهما. لكن رجوعه إلى الاول يبعده أمور: (الاول): أنه أمر عرفي واضح التحقق، فيكون تعليله في لسان الشارع تعليلا على خلاف وظيفته وبيانا للواضح، (الثاني): أن ذهاب الريح لا يترتب على مجرد وجود المادة، وانما يترتب على ذلك منضما إلى تزايد الماء النقي، ونقص المتغير وغلبة الاول على الثاني، فلو رجع التعليل إليه لزم الاقتصار على بعض العلة في التعليل وهو خلاف الظاهر. (الثالث): أن المفاد المذكور ليس مدلولا عليه بالكلام ولا مما سيق لاجله، وانما هو متصيد. وهذا بخلاف المفاد الثاني كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما عن الشيخ البهائي (ره) في الحبل المتين من إجمال التعليل، لاحتمال رجوعه إلى ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح، نظير قولك: لازم غريمك حتى يوفيك حقك فانه يكره ملازمتك. وعلى ما ذكرنا فالمتعين ارجاع التعليل إما إلى المفاد الثاني للفقرة الاخيرة وحده، أو مع الفقرة الاولى فيكون تعليلا لمجموع المفادين. والاول متيقن والاظهر الاخير. واحتمال ارجاعه إلى الفقرة الاولى فقط - فيكون تعليلا للدفع فقط - بعيد، لان الكلام السابق عليه مشتمل على الدفع والرفع معا وكون الرفع أقرب إليه، فيكون تعليل الدفع الذي هو أبعد إيهاما لخلاف المقصود، فهو خلاف الظاهر. بل عرفت أن رجوعه إلى الرفع الذي هو أقرب متيقن ورجوعه إليه والى الدفع الابعد أظهر، لان تخصيصه بأحدهما دون الآخر مع احتياج كل منهما إليه بلا مخصص، فهو خلاف الظاهر. وكون الثاني من متعلقات الاول - لو تم - فأولى أن يقتضي الرجوع اليهما معا لا إلى احدهما وحده. على أن تعلق الثاني بالاول من جهة عطفه عليه

 

===============

 

( 127 )

 

[ (مسألة 14): إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير، } بالفاء، والتعلق بالعطف لا يمنع من كون الثاني متيقنا في مرجعية التعليل. ثم إن مقتضى ظهور التعليل في العموم للمورد وغيره عدم الفرق بين ماء البئر وغيره، فيشمل المقام وان لم يصدق عرفا على مقدار الكر أنه مادة، لان الارتكاز العرفي يقتضي كون المراد من المادة مطلق المعتصم وان لم يسم بالمادة. ولو بني على الاقتصار في التعليل على خصوص ما يسمى بالمادة كان تعليلا تعبديا، وهو خلاف الظاهر. فان قلت: مورد التعليل صورة امتزاج ما في المادة بالماء المتغير على نحو يزول تغيره بتوسط النزح، لان الحكم المعلل مطهرية زوال التغير بتوسط النزح، وهو إنما يكون مع الامتزاج لا بدونه، فكيف يستفاد من التعليل مطهرية الاتصال مطلقا؟! قلت: خصوصية النزح ليست معتبرة. أولا: للاجماع على كفاية الامتزاج ولو لم يكن نزح. وثانيا: لاجل أن البناء على اعتبارها تعبدا يوجب حمل التعليل على التعبدي لعدم دخل النزح في الطهارة في مرتكز العرف، وانما الدخيل مجرد زوال التغير بأي سبب كان، فإذا بني لذلك على الغاء خصوصية النزح كان المدار على مجرد زوال التغير. وأما الامتزاج وغيره من الخصوصيات الموجودة في ماء البئر عند ذهاب تغيره فالغاؤها لازم، للاقتصار في التعليل على ذكر المادة فلو كانت خصوصية غيرها دخيلة في الطهارة عند زوال الريح كان اللازم ذكرها، فعدم التعرض لذلك دليل على عدم اعتباره. والمتحصل مما ذكرنا: أن ظاهر الصحيح الشريف رجوع التعليل إلى الدفع والرفع معا، فكما أن الاتصال بالمادة موجب لاعتصام للماء حدوثا كذلك يوجب ارتفاع النجاسة عند زوال التغير الموجب للنجاسة.

 

===============

 

( 128 )

 

[ ثم تغير بعد مدة، فان علم استناده إلى ذلك النجس تنجس، وإلا فلا (1). (مسألة 15): إذا وقعت الميتة خارج الماء ووقع جزء منها في الماء (2) وتغير بسبب المجموع من الداخل والخارج، تنجس (3)، بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء. (مسألة 16): إذا شك في التغير وعدمه، أو في كونه للمجاورة أو بالملاقاة، أو كونه بالنجاسة أو بطاهر، لم يحكم بالنجاسة (4). (مسألة 17): إذا وقع في الماء دم وشئ طاهر أحمر فاحمر بالمجموع لم يحكم بنجاسة (5). ] (1) للاصل. (2) يعنى: بعضها في الماء وبعضها في الارض. (3) كما استظهره شيخنا الاعظم (ره) (* 1) لاطلاق النصوص، مع أن الغالب الجيفة التي تكون في الماء بروز بعضها. والتفكيك بينه وبين فرض المسألة في الحكم بعيد عن المرتكز العرفي والبناء على الطهارة فيهما معا في صورة الاستناد إلى الداخل والخارج كما ترى. بل من المحتمل شمول الاطلاقات لصورة الاستناد إلى ما هو خارج فقط بلا مشاركة ما هو في الماء نعم لو كانت الجيفة في الخارج وبعضها اليسير في الماء كطرف رجلها وذنبها ونحوهما لم تبعد دعوى الانصراف عن مثله. (4) لاصالة عدم التغير، وعدم الملاقاة، وعدم التغير بالنجس. (5) بل ينبغى الحكم بها لو كان بعض مراتب الحمرة مستندا إلى الدم

 

 

____________

(* 1) المحقق الشيخ الانصاري.

 

===============

 

( 129 )

 

[ (مسألة 18): الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر (1). نعم الجاري والنابع ] وبعضها مستندا إلى الاحمر، لتحقق التغير بالنجاسة عرفا على سبيل الاستقلال نعم لو كان التغير بمرتبة ضعيفة، بحيث كان أثر الدم استقلالا غير محسوس لم يبعد ما في المتن، لظهور الادلة في الاستناد الاستقلالي. (1) إجماعا في القليل - كما قيل - وعلى المشهور في الكثير. وعن يحيى بن سعيد: القول بالطهارة فيه. لاصالة الطهارة. وللنصوص الدالة على إناطة النجاسة بالتغير وجودا وعدما. وللخبر: " إذا بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا " (* 1). ولقول الرضا (ع) في صحيح ابن بزيع المتقدم: " حتى يذهب الريح ويطيب طعمه " (* 2) بناء على كون (حتى) تعليلية مع رجوع التعليل إلى الامر العرفي كما سبق احتماله في الحبل المتين. وفيه: أن أصل الطهارة محكوم باستصحاب النجاسة. والاشكال على الاستصحاب: بأن موضوع اليقين فيه المتغير وموضوع الشك غير المتغير، فيتعدد فيه الموضوع، ومع تعدد الموضوع لا يجري الاستصحاب. مندفع: بأن التغير وعدمه من قبيل الاحوال، التى لا يوجب اختلافها تعددا في الموضوع عرفا، كما حقق في محله. وأما النصوص: فظاهرها إناطة النجاسة حدوثا بالتغير وعدمه، لا ما يعم الحدوث والبقاء، كي تصلح حجة في المقام وأما الخبر: فسيأتي - إن شاء الله تعالى - في حكم المتمم كرا الاشكال فيه، لضعف سنده، وهجره عند المشهور، ومعارضته بما دل على انفعال

 

 

____________

(* 1) السرائر صفحة: 8. (* 2) الوسائل باب: 3 من ابواب الماء المطلق حديث: 12.

 

===============

 

( 130 )

 

[ إذا زال تغيره بنفسه طهر، لاتصاله بالمادة. وكذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكر كما مر (1). ] الماء القليل (* 1). نعم لو جاز العمل به هناك تعين العمل به هنا، لان خروج الماء عنه حال التغير إنما يقتضي تقييد اطلاقه الاحوالي، لا تخصيص عمومه الافرادي، فإذا وجب الخروج عنه في حال تعين الرجوع إليه في غيره من الاحوال، لوجوب الرجوع إلى المطلق مع الشك في التقييد، فإذا شك في طهارته في حال زوال التغير كان اطلاقه الدال على الطهارة مرجعا رافعا للشك، فلا مجال لاستصحاب النجاسة. وأما صحيح ابن بزيع: فكون (حتى) فيه تعليلية غير ظاهر، وانما تتعين (حتى) لذلك إذا لم يمكن استمرار ما قبلها بدون ما بعدها، مثل: أسلم حتى تسلم، أما إذا أمكن استمراره كذلك فهي فيه للغاية. نعم ربما يكون مدخولها علة غائية وربما لا يكون، والحمل على واحد منهما بعينه يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة في المقام. وقد عرفت ضعف احتمال رجوع التعليل إلى الامر العرفي. (1) ومر وجهه في شرح المسألة الثالثة عشرة.

 

 

____________

(* 1) يأتي منه قدس سره في المسألة الرابعة عشرة من فصل الماء الراكد الاشكال بذلك تبعا لما هو المشهور بين الفقهاء. لكنه قدس سره دفع المعارضة واستشكل في الخبر بضعف الدلالة. فراجع.