الباب في قوله تعالى * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * من طريق العامة

الصفحة 16   

الباب في قوله تعالى * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) *(1)

من طريق العامة وفيه أحد عشر حديثا

الحديث الأول: عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن حماد قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا أبو بلخ قال: حدثنا عمر بن ميمون قال: إني جالس إلى ابن عباس (رضي الله عنه) إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا بن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلوا بنا عن هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال: فابتدؤا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف وقعوا في رجل له عشر خصال، وقعوا في رجل قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):

" لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله " قال: فاستشرف لها من استشرف فقال: " أين علي؟ " قال: في الرحا يطحن، قال: وما كان أحدكم ليطحن قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر قال: فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا فأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حي، قال:

ثم بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال: " لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه " - أو قال: " يواليني " - وقال لبني عمه: " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة " قال: وعلي جالس معهم فأبوا، فقال علي (عليه السلام): " أنا أواليك في الدنيا والآخرة " قال: قال: أنت وليي في الدنيا والآخرة قال:

فتركه، ثم أقبل على رجل منهم، فقال: " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة " فأبوا قال فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: أنت وليس في الدنيا والآخرة قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة قال وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثوبه فوضعه على علي (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين، وقال:

* (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * قال: وشرى على نفسه لبس ثوب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نام مكانه قال وكان المشركون يرمون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاء أبو بكر وعلي نائم قال أبو بكر: يحسب أنه نبي الله، قال: فقال: يا نبي الله قال: فقال له علي (عليه السلام): " إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه " قال: فانطلق أبو بكر فأدركه فدخل معه الغار، وقال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله وهو يتضور قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن

____________

(1) البقرة: 207.

الصفحة 17   

رأسه، فقالوا: كان صاحبك نراميه فلا يتضور وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك، قال: وخرج بالناس في غزوة تبوك فقال علي (عليه السلام): " أخرج معك " فقال له نبي الله (صلى الله عليه وآله): " [ لا ](1) " فبكى علي فقال له: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك ليس نبي أنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة " قال: وسد أبواب المسجد غير باب علي (عليه السلام) قال: ودخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره قال وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "(2).

وروى هذا الحديث أيضا أبو المؤيد موفق بن أحمد قال: أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي ابن أحمد العاصمي الخوارزمي أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال: أخبرنا أبو علي عبد الله بن أحمد بن حنبل أخبرنا أبي حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة حدثنا أبو بلج حدثنا عمر بن ميمون قال: إني جالس إلى ابن عباس (رضي الله عنه) إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا بن عباس وساق الحديث إلا أن فيه وقعوا في رجل له بضعة عشرة فضيلة(3).

الحديث الثاني: ومن تفسير الثعلبي في الجزء الأول في تفسير سورة البقرة قوله تعالى: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بمكة، لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة الخروج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه (صلى الله عليه وآله) فقال له: " يا علي اتشح ببردي الحضرمي ثم نم على فراشي فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله عز وجل " ففعل ذلك (عليه السلام) فأوحى الله عز وجل إلى جبرائيل وميكائيل (عليهما السلام): إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة فأوحى الله عز وجل إليهما إلا كنتما مثل علي ابن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبرائيل (عليه السلام) عند رأسه وميكائيل (عليه السلام) عند رجله فقال جبرائيل: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * "(4).

____________

(1) زيادة اقتضاها السياق.

(2) مسند أحمد: 1 / 331.

(3) المناقب: 125 / ح 140.

(4) العمدة: 239 / 367 عن الثعلبي.

الصفحة 18   

الحديث الثالث: تفسير الثعلبي قال: روى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله القايني قال:

حدثني أبو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي ببغداد قال: حدثني أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السيبي بحلب حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني محمد بن منصور قال: حدثني أحمد بن عبد الرحمن حدثني الحسن بن محمد بن فرقد حدثني الحكم بن ظهير قال:

حدثنا السدي في قول الله عز وجل: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * قال: قال ابن عباس نزلت في علي بن أبي طالب صلى الله عليه حين هرب النبي (صلى الله عليه وآله) من المشركين إلى الغار مع أبي بكر، ونام علي (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله)(1).

الحديث الرابع: أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي(2) عن أحمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان بمرو حدثنا عبيد بن قنفذ البزاز بالكوفة حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدثنا قيس بن ربيع حدثنا حكيم بن جبير عن علي بن الحسين قال: " إن أول من شرى نفسه ابتغاء مرضات الله تعالى علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وقال علي عند مبيته على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) شعرا:

 

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى    ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به   فنجاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا   موقى وفي حفظ الإله وفي ستر

وبث أراعيهم وما يثبتونني       وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

 

الحديث الخامس: أبو نعيم الحافظ بإسناده عن عبد الله بن معد عن أبيه عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: بات علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليلة خرج النبي (صلى الله عليه وآله) الغار على فراشه ونزلت * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) *(3).

الحديث السادس: الثعلبي في تفسيره وابن عقبة في ملحمته وأبو السعادات في " فضائل العشرة والغزالي في الأخبار برواياتهم عن أبي اليقظان وجماعة من أصحابنا نحو ابن بابويه وابن شاذان والكليني والطوسي وابن عقدة والبرقي وابن فياض والعبدي والصفواني والثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي رافع وهند بن أبي هالة أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر

____________

(1) العمدة: 240 / ذيل ح 367.

(2) في المناقب: 127 / ح 141.

(3) بحار الأنوار: 32 / 41 ذيل ح 3.

 

 

 

 

الصفحة 19   

أخاه، فكلاهما كرها الموت فأوحى الله إليهما ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد نبيي فآثره بالحياة على نفسه، ثم ظل أو رقد على فراشه يقيه بمهجته، إهبطا إلى الأرض جميعا واحفظاه من عدوه، فهبط جبرائيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل جبرائيل يقول: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة فأنزل الله * (ومن الناس من يشري نفسه) * "(1) الآية.

الحديث السابع: فضائل الصحابة عن عبد الملك العكبري وعن ابن المظفر السمعاني بإسنادهما عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: أول من شرى نفسه لله علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان المشركون يطلبون رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام من فراشه وانطلق هو وأبو بكر، واضطجع علي على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء المشركون فوجدوا عليا (عليه السلام) ولم يجدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)(2).

الحديث الثامن: أبو المؤيد موفق بن أحمد قال: أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد ابن الحسين البيهقي أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان بمرو حدثنا عبيد بن قنفذ البزاز بالكوفة أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني أخبرنا قيس بن ربيع أخبرنا حكيم بن جبير عن علي بن الحسين قال: " إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله تعالى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه " وقال علي عند مبيته على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله):

 

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى    ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به   فنجاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا   موقى وفي حفظ الإله وفي ستر

وبت أراعيهم وما يثبتونني       وقد وطنت نفسي على القتل والأسر(3)

 

الحديث التاسع: إبراهيم بن محمد الحمويني قال: حدثنا عماد الدين عبد الحافظ بن بدران بن شبل بن طرخان المقدسي قرائتي عليه بمدينة نابلس قلت له: أخبرك الشيخ القاضي جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري إجازة قال: نعم، قال: أنبأنا أبو عبد الله بن الفضل بن أحمد إذنا قال: أنبأنا شيخ السنة أحمد بن الحسين أبو بكر الحافظ إجازة إن لم يكن سماعا قال: أنبأنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع قال: نبأنا أبو أحمد بكر بن محمد بن

____________

(1) بحار الأنوار: 32 / 43.

(2) مناقب آل أبي طالب: 1 / 339.

(3) المناقب: 127 / ح 141.

الصفحة 20   

حمدان بمرو، قال: نبأنا عبد بن قنفذ البزاز بالكوفة، قال: نبأنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: نبأنا قيس بن الربيع، قال: نبأنا حكيم بن جبير عن علي بن الحسين (عليه السلام): " إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب (عليه السلام) " وقال علي (عليه السلام) عند مبيته على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله):

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى، وساق الأبيات المتقدمة(1).

الحديث العاشر: الحمويني هذا قال: أخبرني الإمامان نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار وعلا الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر الطاوسي القزوينيان كتابة بروايتهما عن الشيخين عز الدين محمد بن عبد الرحمن الواريني وتاج الدين عبد الله بن إبراهيم الشحاذي القزويني إجازة قالا: أنبأنا الشيخان محمد بن الفضل بن أحمد وزاهر بن طاهر بن محمد إجازة قالا:

أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، قال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنبأنا أحمد بن جعفر القطيعي قال نبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: أنبأنا أبي قال نبأنا يحيى بن حماد قال: نبأنا أبو عوانة قال: نبأنا أبو بلج قال نبأنا عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا ابن عباس: إما أن تقوم معنا، وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، وساق الحديث(2) وقد تقدم في أول الباب وكررناه لزيادة النقلة وتضاعف رواته.

الحديث الحادي عشر: المالكي في كتاب (الفصول المهمة) قال: أورد الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (رحمه الله) في كتابه (إحياء علوم الدين) أن الليلة التي بات علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله): أوحى الله تعالى: إلى جبرائيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه الحياة، فاختارا كلاهما الحياة وأحباها، فأوحى الله تعالى إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات علي على فراشه يقيه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ينادي، ويقول: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله عز وجل * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) * "(3).

____________

(1) فرائد السمطين: 1 / 330 / ب 60 / ح 256.

(2) فرائد السمطين: 1 / 327 / ب 60 / ح 255.

(3) الفصائل المهمة: 33، وإحياء علوم الدين: 3 / 238.