دعاؤه (عليه السلام) يوم عرفة

ذكر السيد ابن طاووس في الاقبال والكفعمي في البلد الأمين والمجلسي في البحار وغيرهم انه: روى بشر وبشير ابنا غالب الأسدي قالا: كنا مع الحسين بن علي (عليهما السلام) عشية عرفة فخرج (عليه السلام) من فسطاطه متذللاً خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من اهل بيته وولده ومواليه في مسيرة الجبل مستقبلاً البيت، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ثم قال: الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر اجناس البدائع واتقن بحكمته الصنائع، لا تخفى ‌عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع (1) جازي كل صانع ورائش كل قانع وراحم كل ضارع، منزل المنافع والكتاب الجامع بالنور الساطع وهو للدعوات سامع وللكربات دافع وللدرجات رافع وللجبابرة قامع فلا اله غيره ولا شيء يعدله و «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» اللطيف الخبير وهو على كل شيء قدير. اللهم اني ارغب اليك واشهد بالربوبية لك، مقر بانك ربي و [ان] اليك مردي، ابتدأتني بنعمتك قبل ان اكون شيئاً مذكوراً [و] خلقتني من التراب ثم اسكنتني الاصلاب آمناً لريب المنون واختلاف الدهور والسنين فلم ازل ظاعناً من صلب الى رحم في تقادم من الايام الماضية والقرون الخالية لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي [بي] واحسانك الي في دولة ائمة الكفر الذين تقضوا عهدك وكذبوا رسلك. لكنك اخرجتني [رأفة ‌منك وتحنناً علي] للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني وفيه انشأتني ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمك فابتدعت خلقي من مني يمنى واسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم ودم وجلد لم تشهدني خلقي [لم تشهرني بخلقي] ولم تجعل الي شيئاً من امري ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الى الدنيا تاماً سوياً وحفظتني في المهد طفلاً صبياً ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً وعطفت علي قلوب الحواضن، وكفلتني الامهات الرواحم [الرحائم] وكلأتني من طوارق الجان وسلمتني من الزيادة والنقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمان.  حتى اذا استهللت ناطقاً بالكلام، واتممت علي سوابغ الانعام، وربيتني زائداً في كل عام، حتى اذا اكتملت فطرتي واعتدلت مرتي (2) [سريرتي] اوجبت علي حجتك بان الهمتني معرفتك، وروعتني بعجائب حكمتك [فطرتك] وايقظتني لما ذرأت في سمائك وارضك من بدائع خلقك.
 ونبهتني لشكرك وذكرك، واوجبت علي طاعتك وعبادتك، وفهمتني ما جاءت به رسلك،‌ ويسرت لي تقبل مرضاتك،‌ ومننت علي [في جميع ذلك] بعونك ولطفك، ثم اذ خلقتني من خير [حر] الثرى، لم ترض لي يا الهي نعمةً [بنعمة] دون اخرى، ورزقتني من انواع المعاش وصنوف الرياش بمنك العظيم الاعظم علي، واحسانك القديم الي، حتى اذا اتممت علي جميع النعم، وصرفت عني كل النقم لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك ان دللتني الى [على] ما يقربني اليك، ووفقتني لما يزلفني لديك، فان دعوتك اجبتني، وان سألتك اعطيتني، وان اطعتك شكرتني، وان شكرتك زدتني، كل ذلك اكمال [لاً] لأ نعمك علي، واحسانك الي. فسبحانك سبحانك من مبديء معيد حميد مجيد، [و] تقدست اسماؤك، وعظمت آلاؤك، فأي نعمك يا الهي احصي عدداً وذكراً، ام اي عطاياك اقوم بها شكراً، وهي يا رب اكثر من ان يحصيها العادون، او يبلغ علماً بها الحافظون، ثم ما صرفت ودرأت (3) عني اللهم - من الضر والضراء- اكثر مما ظهر لي من العافية والسراء وأنا [فأنا] اشهد يا الهي بحقيقة ايماني وعقد عزمات يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري، وعلائق مجاري نور بصري، واسارير صفحة جبيني (4).
 وخرق مسارب (5) نفسي [نفسي] وخذاريف مارن (6) عرنيني، ومسارب سماخ‌‌‌ (7) [صماخ] سمعي وما ضمت واطبقت عليه شفتاي، وحركات لفظ لساني، ومغرز (8) حنك فمي وفكي، ومنابت (9) اضراسي ومساغ (10) مطعمي ومشربي، وحمالة (11) ام رأسي وبلوغ فارغ حبائل [بلوغ حبائل بارع] عنقي وما اشتمل عليه تامور (12) صدري وحمائل [حبائل] حبل وتيني (13) ونياط حجاب قلبي (14) وافلاذ حواشي كبدي (15)، وما حوته شراسيف اضلاعي (16)، وحقاق مفاصلي (17)، وقبض عواملي، واطراف اناملي ولحمي ودمي وشعري وبشري، وعصبي وقصبي (18) وعظامي ومخي وعروقي وجميع جوارحي، وما انتسج على ذلك ايام رضاعي، وما اقلت الارض مني (19)، ونومي ويقظتي (20) وسكوني وحركات ركوعي وسجودي ان لو حاولت واجتهدت مدى الاعصار والاحقاب (21) لو عمرتها ان اؤدي شكر واحدة من انعمك، ما استطعت ذلك الا بمنك الموجب علي به شكرك ابداً جديداً، ونثاءً طارفاً عتيداً (22)، اجل ولو حرصت انا والعادون من انامك ان نحصي مدى انعامك سالفه [سالفة] وآنفه، [آنفة] ما حصرناه عدداً، ولا احصيناه امداً، هيهات انى ذلك! وانت المخبر في كتابك الناطق، والنبأ الصادق [وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها] (23) صدق كتابك اللهم وانباؤك وبلغت انب ياؤك ورسلك ما انزلت عليهم [عليها] من وحيك، وشرعت لهم [لها وبها] وبهم من دينك.
 غير اني [يا الهي] اشهد بجهدي وجدي، ومبلغ طاعتي [طاقتي] ووسعي، واقول مؤمناً موقناً الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في ملكه فيضاده فيما ابتدع، ولا ولي من الذل فيرفده فيما صنع (24)، فسبحانه سبحانه [لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا] (25) وتفطرتا (26) سبحان الله الواحد الأحد، الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً احد، الحمد لله حمداً يعادل حمد ملائكته المقربين وانبيائه المرسلين وصلى الله على خيرته محمد خاتم النبيين، وآله الطيبين الطاهرين المخلصين وسلم. ثم شرع الحسين (عليه السلام) في مسألة البارىء (عزوجل) وأخذ يدعو الله ويقول بعد ان جرت الدموع على وجناته المتلألئة:  «اللهم اجعلني اخشاك، كأني اراك، واسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي (27) في قضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا احب تعجيل ما اخرت ولا تأخير ما عجلت، اللهم اجعل غناي في نفسي، واليقين في قلبي، والاخلاص في عملي، والنور في بصري، والبصيرة في ديني، ومتعني بجوارحي، واجعل سمعي وبصري الوارثين مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني فيه ثاري ومآربي (28)، واقر بذلك عيني. اللهم اكشف كربتي، واستر عورتي، واغفر لي خطيئتي، واخساً شيطاني (29)، وفك رهاني، واجعل لي - يا الهي- الدرجة العليا في الآخرة والأولى، اللهم لك الحمد كما خلقتني، فجعلتني سميعاً بصيراً، ولك الحمد كما خلقتني، فجعلتني خلقاً [حياً] سوياً، رحمةً بي وقد كنت عن خلقي غنياً.
 رب بما برأتني فعدلت فطرتي، رب بما أنشأتني فاحسنت صورتي، رب بما احسنت الي [بي] وفي نفسي عافيتني، رب بما كلأتيني ووفقتيني، رب بما انعمت علي فهديتيني، رب بما اوليتني، ومن كل خير اعطيتني رب بما اطعمتني وسقيتني، رب بما اغنيتني واقنيتني رب بما اعنتني واعززتني، رب بما البستني من سترك الصافي ويسرت لي من صنعك الكافي: صل على محمد وآل محمد واعني على بوائق الدهور (30)، وصروف الليالي والايام ونجني من اهوال الدنيا وكربات الآخرة، واكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض. اللهم ما اخاف فاكفني، وما احذر فقني، وفي نفسي وديني فاحرسني، وفي سفري فاحفظني، وفي اهلي ومالي فاخلفني (31)، وفيما رزقتني فبارك لي، وفي نفسي فذللني، وفي اعين الناس فعظمني، ومن شر الجن والانس فسلمني وبذنوبي فلا تفضحني، وبسريرتي فلا تخزني وبعملي فلا تبتلني، ونعمك فلا تسلبني، والى غيرك فلا تكلني (32) الهي الى من تكلني؟ الى قريب فيقطعني؟ ام الى بعيد فيتجهمني (33)؟ ام الى المستضعفين لي، وانت ربي ومليك امري؟ اشكو اليك غربتي، وبعد داري، وهواني على من ملكته امري، الهي فلا تحلل علي غضبك فان لم تكن غضبت علي فلا ابالي [سواك]، سبحانك غير ان عافيتك اوسع لي. فأسألك يا رب بنور وجهك الذي اشرقت له الارض والسموات وكشفت [وانكشفت] به الظلمات وصلح به أمر الأولين والآخرين، ان لا تميتني على غضبك ولا تنزل بي سخطك، لك العتبى (34) لك العتبى حتى ترضى قبل ذلك، لا اله الا انت رب البلد الحرام والمشعر الحرام والبيت العتيق الذي احللته البركة وجعلته للناس امناً.
 يا من عفا عن عظيم الذنوب بحلمه، يا من اسبغ النعماء بفضله (35)، يا من اعطى الجزيل بكرمه، يا عدتي في شدتي (36)، يا صاحبي في وحدتي، يا غياثي في كربتي، يا وليي في نعمتي، يا الهي واله آبائي: ابراهيم، واسماعيل واسحق ويعقوب، ورب جبرائيل وميكائيل [وميكال] واسرافيل، ورب محمد خاتم النبيين وآله المنتجبين [و] منزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان، ومنزل كهيعص وطه ويس والقرآن الحكيم، انت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها (37)، وتضيق بي الارض برحبها [بما رحبت] ولو لا رحمتك لكنت من الهالكين، وانت مقيل عثرتي (38)، ولو لا سترك اياي لكنت من المفضوحين، وانت مؤيدي بالنصر على اعدائي ولو لا نصرك اياي [لي] لكنت من المغلوبين. يا من خص نفسه بالسمو والرفعة، فأولياؤه بعزه يعتزون، يا من جعلت له الملوك نير المذلة على اعناقهم (39)، فهم من سطواته خائفون، يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وغيب ما تأتي به الازمنة والدهور، يا من لا يعلم كيف هو الا هو، يا من لا يعلم ما هو الا هو، يا من لا يعلمه الا هو [يا من لا يعلم ما يعلمه الا هو] يا من كبس الارض على الماء (40) [وسد الهواء بالسماء (41) يا من له اكرم الاسماء‌ يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً] يا مقيض الركب ليوسف في البلد القفر ومخرجه من الجب (42) وجاعله بعد العبودية ملكاً، يا راده على يعقوب بعد ان ابيضت عيناه من االحزن فهو كظيم يا كاشف الضر والبلوى عن ايوب و[يا] ممسك يدي ابراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنه وفناء عمره، يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى ولم يدعه فرداً وحيداً، يا من اخرج يونس من بطن الحوت، يا من فلق البحر لبني اسرائيل فأنجاهم وجعل فرعون وجنوده من المغرقين، يا من ارسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته، يا من لم يعجل على من عصاه من خلقه، يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود وقد غدوا في نعمته يأكلون رزقة ويعبدون غيره وقد حادوه ونادوه (43) وكذبوا رسله.
 يا الله يا الله يا بديء يا بديع لا [بدء] ند لك يا دائماً لا نفاد لك (44)، يا حياً حين لا حي، يا محيي الموتى، يا من هو قائم على كل نفس بما كسبت، يا من قل له شكري فلم يحرمني، وعظمت خطيئتي فلم يفضحني ورآني على المعاصي فلم يشهرني [يخذلني] يا من حفظني في صغري يا من رزقني في كبري يا من اياديه عندي لا تحصى ونعمه لا تجازى يا من عارضني بالخير والاحسان وعارضته بالاساءة والعصيان يا من هداني للايمان من قبل ان اعرف شكر الامتنان، يا من دعوته مريضاً فشفاني، وعرياناً فكساني، وجائعاً فاشبعني وعطشاناً فأرواني وذليلاً فاعزني وجاهلاً فعرفني، ووحيداً فكثرني، وغائباً فردني ومقلاً فاغناني، ومنتصراً فنصرني وغنياً فلم يسلبني، وامسكت عن جميع ذلك فابتدأني. فلك الحمد والشكر، يا من اقال عثرتي ونفس كربتي واجاب دعوتي، وستر عورتي، وغفر ذنوبي وبلغني طلبتي، ونصرني على عدوي، وان اعد نعمك ومننك وكرائم منحك لا احصيها. يا مولاي انت الذي مننت، انت الذي انعمت، انت الذي احسنت، انت الذي اجملت، انت الذي افضلت، انت الذي اكملت، انت الذي رزقت، انت الذي وفقت، انت الذي اعطيت، انت الذي اغنيت، انت الذي اقنيت (45)، انت الذي آويت، انت الذي كفيت، انت الذي هديت، انت الذي عصمت، انت الذي سترت، انت الذي غفرت، انت الذي اقلت، انت الذي مكنت، انت الذي اعززت، انت الذي اعنت، انت الذي عضدت، انت الذي ايدت، انت الذي نصرت، انت الذي شفيت،‌ انت الذي عافيت، انت الذي اكرمت تباركت وتعاليت، فلك الحمد دائماً ولك الشكر واصباً ابداً.
 ثم انا –يا الهي- المعترف بذنوبي فاغفرها لي، انا الذي اسأت، انا الذي اخطأت، انا الذي هممت، انا الذي جهلت، انا الذي غفلت، انا الذي سهوت، انا الذي اعتمدت، انا الذي تعمدت، انا الذي وعدت، وانا الذي اخلفت، انا الذي نكثت، انا الذي اقررت، انا الذي اعترفت بنعمتك علي وعندي وأبوء (46) بذنوبي فاغفرها لي يا من لا تضره ذنوب عباده وهو الغني عن طاعتهم والموفق من عمل صالحاً منهم بمعونته ورحمته، فلك الحمد الهي وسيدي. الهي امرتني فعصيتك، ونهيتني فارتكبت نهيك فأصبحت لا ذا براءة [لي] فاعتذر، ولا ذا قوة فانتصر، فبأي شيء استقبلك [استقيلك] يا مولاي؟ أبسمعي، ام ببصري، ام بلساني، ام بيدي، ام برجلي؟ اليس كلها نعمك عندي وبكلها عصيتك يا مولاي؟ فلك الحجة والسبيل علي، يا من سترني من الآباء والامهات ان يزجروني، ومن العشائر والاخوان ان يعيروني، ومن السلاطين ان يعاقبوني، ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني اذاً ما انظروني، ولرفضوني وقطعوني.
 فهأنذا يا الهي بين يديك - يا سيدي- خاضع ذليل حصير حقير، لاذو براءة فأعتذر ولا ذو قوة فانتصر، ولا حجة فاحتج بها، ولا قائل لم اجترح (47) ولم اعمل سوءاً، وما عسي الجحود - ولو جحدت يا مولاي- ينفعني، كيف واني ذلك، وجوارحي كلها شاهدة علي بما قد عملت؟ [علمت]، وعلمت يقيناً غير ذي شك انك سائلي من عظائم الامور، وانك الحكم [الحكيم] العدل الذي لا تجور، وعدلك مهلكي، ومن كل عدلك مهربي، فان تعذبني - يا الهي- فبذنوبي بعد حجتك علي، وان تعف عني فبحلمك وجودك وكرمك.
 لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من المستغفرين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الموحدين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الخائفين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الوجلين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الراجين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الراغبين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من المهللين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من السائلين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من المسبحين، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من المكبرين، لا اله الا انت سبحانك ربي ورب آبائي الاولين. اللهم هذا ثنائي عليك ممجداً، واخلاصي لذكرك موحداً، واقراري بآلائك معدداً-وان كنت مقراً اني لم احصها لكثرتها وسبوغها وتظاهرها وتقادمها الى حادث ما لم تزل تتعهدني [تتغمدني] به معها منذ خلقتني وبرأتني من اول العمر من الاغناء من [بعد] الفقر، وكشف الضر، وتسبيب اليسر، ودفع العسر، وتفريج الكرب، والعافية في البدن والسلامة‌ في الدين ولو رفدني على‌ قدر ذكر نعمتك جميع العالمين من الأولين والآخرين ما قدرت، ولا هم على‌ ذلك. 
 تقدست وتعاليت من ربك كريم عظيم رحيم لا تحصى آلاؤك، ولا يبلغ ثناؤك، ولا تكافى نعماؤك، صل على محمد وآل محمد، وأتمم علينا نعمك واسعدنا بطاعتك، سبحانك لا اله الا انت. اللهم انت تجيب المضطر وتكشف السوء، وتغيث المكروب، وتشفي السقيم، وتغني الفقير، وتجبر الكسير، وترحم الصغير وتعين الكبير، وليس دونك ظهير، ولا فوقك قدير، وانت العلي الكبير، يا مطلق المكبل الاسير، يا رازق الطفل الصغير، يا عصمة الخائف المستجير يا من لا شريك له ولا وزير، صل على محمد وآل محمد، واعطني في هذه العشية افضل ما اعطيت وانلت احداً من عبادك، من نعمة توليها، وآلاء تجددها، وبلية تصرفها، وكربة تكشفها، ودعوة ‌تسمعها، وحسنة تتقبلها، وسيئة‌ تتغمدها، انك لطيف بما تشاء خبير، وعلى كل شيء قدير. اللهم انك اقرب من دعي، واسرع من اجاب واكرم من عفا، واوسع من اعطى، واسمع من سئل، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، ليس كمثلك مسؤول، ولا سواك مأمول، دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني، ورغبت اليك فرحمتني، ووثقت بك فنجيتني، وفزعت اليك فكفيتني، اللهم فصل على محمد عبدك ورسولك ونبيك وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين، وتمم لنا نعماءك، وهنئنا عطاءك، واكتبنا لك شاكرين، ولآلائك ذاكرين، آمين آمين رب العالمين. اللهم يا من ملك فقدر، وقدر فقهر وعصي فستر، واستغفر فغفر يا غاية الطالبين الراغبين، ومنتهى امل الراجين، يا من احاط بكل شيء علماً، ووسع المستقيلين رأفة ورحمة وحلماً، اللهم انا نتوجه اليك في هذه العشية التي شرفتها وعظمتها، بمحمد نبيك ورسولك، وخيرتك من خلقك، وامينك على وحيك البشير النذير، السراج المنير انعمت به على المسلمين، وجعلته رحمة للعالمين. اللهم فصل على محمد وآل محمد، ‌كما محمد اهل لذلك منك يا عظيم، فصل عليه وعلى آله المنتجبين الطيبين الطاهرين اجمعين، وتغمدنا بعفوك عنا، فاليك عجت (48) الاصوات بصنوف اللغات، فاجعل لنا اللهم في هذه العشية نصيباً من كل خير تقسمه بين عبادك، ونور تهدي به، ورحمة تنشرها، وبركة تنزلها،‌وعافية تجللها، ورزق تبسطه، يا ارحم الراحمين.
 اللهم اقلبنا في هذا الوقت منجحين مفلحين، مبرورين غانمين (49)، ولا تجعلنا من القانطين (50)، ولا تخلنا من رحمتك ولا تحرمنا ما نؤمله من فضلك، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين، ولا لفضل ما نؤمله من عطائك قانطين، ولا لردنا خائبين، ولا من بابك مطرودين، يا اجود الاجودين، واكرم الاكرمين، اليك اقبلنا موقنين ولبيتك الحرام آمين قاصدين (51)، فاعنا على مناسكنا، واكمل لنا حجنا، واعف عنا، وعافنا فقد مددنا اليك ايدينا، فهي بذلة الاعتراف موسومة. اللهم فاعطنا في هذه العشية ما سألناك واكفنا ما استكفيناك، فلا كافي لنا سواك، ولا رب لنا غيرك نافذ فينا حكمك، محيط بنا علمك، عدل فينا قضاؤك، اقض لنا الخير، واجعلنا من اهل الخير، اللهم اوجب لنا بجودك عظيم الاجر، وكريم الذخر، ودوام اليسر، واغفر لنا ذنوبنا اجمعين، ولا تهلكنا مع الهاكين، ولا تصرف عنا رأفتك ورحمتك يا ارحم الراحمين. اللهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك فاعطيته وشكرك فزدته، وثاب [تاب] اليك فقبلته، وتنصل (52) اليك من ذنوبه كلها، ‌فغفرتها له، يا ذا الجلال والاكرام. 
 اللهم وفقنا [وفقنا]، وسددنا [واعصمنا] واقبل تضرعنا، يا خير من سئل، ويا ارحم من استرحم، يا من لا يخفى عليه اغماض الجفون، ولا لحظ العيون، ولا ما استقر في المكنون ولا ما انطوت عليه مضمرات القلوب الا كل ذلك قد احصاه علمك ووسعه حلمك، سبحانك وتعاليت عما يقول الظالمون علواً كبيراً، تسبح لك السموات السبع، والارضون ومن فيهن، وان من شيء الا يسبح بحمدك، فلك الحمد والمجد، وعلو الجد، يا ذا الجلال والاكرام والفضل والانعام، والايادي الجسام، وانت الجواد الكريم الرؤوف الرحيم. اللهم اوسع علي من رزقك الحلال، وعافني في بدني وديني، وآمن خوفي، واعتق رقبتي من النار،‌ اللهم لا تمكر بي، ولا تستدرجني (53)، ولا تخدعني، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس. ثم رفع بصره الى السماء وقال برفيع صوته: يا أسمع السامعين! يا ابصر الناظرين ويا اسرع الحاسبين، ويا ارحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد السادة الميامين (54). وأسألك اللهم حاجتي التي ان اعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، وان منعتنيها لم ينفعني ما اعطيتني، أسألك فكاك رقبتي من النار، لا اله الا انت وحدك لا شريك لك. لك الملك ولك الحمد، وانت على كل شيء قدير، يا رب يا رب». قال المحدث القمي (ره) الى هنا نقل الكفعمي والعلامة المجلسي هذا الدعاء ولكن السيد (ره) في الاقبال ذكر بعد ذكر يا رب يا رب (هذه الزيادة):
 «الهي انا الفقير في غناي، فكيف لا اكون فقيراً في فقري، الهي انا الجاهل في علمي فكيف لا اكون جهولاً في جهلي، الهي ان اختلاف تدبيرك وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون الى عطاء واليأس منك في بلاءٍ، الهي مني ما يليق بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك، الهي وصفت نفسك باللطف والرأفة لي قبل وجود ضعفي افتمنعني منهما بعد وجود ضعفي؟ الهي ان ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنة علي، وان ظهرت المساوىء مني فبعدلك ولك الحجة علي، الهي كيف تكلني وقد تكفلت لي وكيف اضام وانت الناصر لي، ام كيف اخيب وانت الحفي بي، هأنا اتوسل اليك بفقري، وكيف اتوسل اليك بما هو محال ان يصل اليك، ام كيف اشكو اليك حالي وهو لا يخفى عليك، ام كيف اترجم بمقالي وهو منك برز اليك، ام كيف تخيب آمالي وهي قد وفدت اليك ام كيف لا تحسن احوالي وبك قامت، الهي ما الطفك بي مع عظيم جهلي وما ارحمك بي مع قبيح فعلي، الهي ما اقربك مني وابعدني عنك وما ارأفك بي فما الذي يحجبني عنك؟ 
 الهي علمت باختلاف الآثار وتنقلات الأطوار ان مرادك مني ان تتعرف الي في كل شيء حتى لا اجهلك في شيء، الهي كلما اخرسني لؤمي انطقني كرمك، وكلما آيستني اوصافي اطمعتني مننك، الهي من كانت محاسنة مساوىء فكيف لا تكون مساوئه مساوىء، ومن كانت حقائقه دعاوى فكيف لا تكون عاواه دعاوي، الهي حكمك النافذ ومشيتك القاهرة لم يتركا لذي مقال مقالاً ولا لذي حال حالاً، الهي كم من طاعة بنيتها وحالة شيدتها هدم اعتمادي عليها عدلك بل اقالني منها فضلك، الهي انك تعلم اني وان لم تدم الطاعة مني فعلاً جزماً فقد دامت محبة وعزماً، الهي كيف اعزم وانت القاهر وكيف لا اعزم وانت الآمر. الهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار، فاجمعني عليك بخدمة توصلني اليك،‌ كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك، ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك، عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً.
 الهي امرت بالرجوع الى الآثار فارجعني اليك بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها، ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها، انك على كل شيء قدير. الهي هذا ذلي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك،‌ منك اطلب الوصول اليك، وبك استدل عليك، فاهدني بنورك اليك، واقمني بصدق العبودية بين يديك. الهي علمني من علمك المخزون، وصني بسترك المصون، الهي حققني بحقائق اهل القرب، واسلك بي مسلك اهل الجذب. الهي اغنني بتدبيرك عن تدبيري، وباختيارك عن اختياري واوقفني على مراكز اضطراري، الهي اخرجني من ذل نفسي وطهرني من شكي وشركي قبل حلول رمسي. بك انتصر فانصرني، وعليك اتوكل فلا تكلني، واياك اسأل فلا تخيبني، وفي فضلك ارغب فلا تحرمني، وبجنابك انتسب فلا تبعدني، وببابك اقف فلا تطردني. الهي تقدس رضاك ان يكون له علة منك فكيف تكون له علة مني، الهي انت الغني بذاتك ان يصل اليك النفع منك، فكيف لا تكون غنياً عني، الهي ان القضاء والقدر يمنيني، وان الهوى بوثائق الشهوة اسرني، فكن انت النصير لي حتى تنصرني وتبصرني، واغنني بفضلك حتى استغني بك عن طلبي.
 انت الذي اشرقت الانوار في قلوب اوليائك حتى عرفوك ووحدوك، وانت الذي ازلت الأغيار عن قلوب احبائك حتى لم يحبوا سواك، ولم يلجأوا الى غيرك، انت المؤنس لهم حيث اوحشتهم العوالم، وانت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغى عنك متحولاً. كيف يرجى سواك وانت ما قطعت الاحسان، وكيف يطلب من غيرك، وانت ما بدلت عادة الامتنان؟ يا من اذاق احباءه حلاوة المؤانسة، فقاموا بين يديه متملقين، ويا من البس أولياءه ملابس هيبته، فقاموا بين يديه مستغفرين. انت الذاكر قبل الذاكرين، وانت البادىء بالاحسان قبل توجه العابدين، وانت الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين، وانت الوهاب ثم لما وهبت لنا من المستقرضين. الهي اطلبني برحمتك حتى اصل اليك، واجذبني بمنك حتى اقبل عليك، الهي ان رجائي لا ينقطع عنك وان عصيتك، كما ان خوفي لا يزايلني وان اطعتك،‌فقد دفعتني العوالم اليك، وقد اوقعني علمي بكرمك عليك.
 الهي كيف اخيب وانت املي؟ ام كيف اهان وعليك متكلي؟ الهي كيف أستعز وفي الذلة اركزتني؟ ام كيف لا استعز واليك نسبتني؟ الهي كيف لا افتقر وانت الذي في الفقراء اقمتني؟ ام كيف افتقر وانت الذي بجودك اغنيتني؟ وانت الذي لا اله غيرك، تعرفت لكل شيء، فما جهلك شيء، وانت الذي تعرفت الي في كل شيء، فرأيتك ظاهراً في كل شيء، وانت الظاهر لكل شيء. يا من استوى برحمانيته فصار العرش غيباً في ذاته، محقت الآثار بالآثار، ومحوت الأغيار بمحيطات افلاك الأنوار. يا من احتجب في سرادقات عرشه عن ان تدركه الأبصار، يا من تجلى بكمال بهائه، فتحققت عظمته الاستواء، كيف تخفى ‌وانت الظاهر؟ ام كيف تغيب وانت الرغيب الحاضر؟ انك على كل شيء قدير، والحمد لله وحده».
*******
(1) أتى بالكتاب الجامع، وبشرع الاسلام النور الساطع، وللخليفة صانع، وهو المستعان على الفجائع (نسخة بدل).
(2) المرة: بكسر الميم: قوة الخلق وشدته، اصالة العقل.
(3) الدرأ: الدفع.
(4) أسارير: أسرار وهي جمع السر بالكسر والضم: خطوط الجبهة.
(5) مسارب النفس: مجاريها في العروق والاعضاء، وخرقها: منافذها.
(6) خذاريف: جمع خذروف: القطعة، والمارن: ما لان من الأنف.
(7) مسارب الصماخ: ملتوياتها وقنواتها التي تصل منها الهواء الى السامعة.
(8) المغرز: موضع الغرز، ومغرز الفكين: محل اتصالهما بالجسم.
(9) المنابت: جمع منبت محل النبت، والأضراس جمع ضرس بالكسر، الأسنان الخمسة او الاربعة من كل جانب من جوانب الفك.
(10) مساغ : مصدر ميمي: الذي سهل ولان وهنأ.
(11) الحمالة: علاقة السيف لأنها تحمله، وحمالة ام الرأس الرابطة التي تربط ام الرأس-وهو: المخ – بالبدن حتى لا يتزحزح عن محله.
(12) التامور: الوعاء 
(13) الوتين: عرق في القلب يجري منه الدم الى كافة العروق وحمائله مواضع اتصاله بالجسم.
(14)نياط القلب: عرقه الغليظ الذي اذا قطع مات الشخص.
(15) الأفلاذ: جمع فلذة بالكسر: القطعة، اي قطع اطراف الكبد التي تعمل لأخذ الغذاء، وتقسيمه الى الاخلاط الاربعة.
(16) شراسيف: جمع شرسوف بالضم: طرف الضلع المشرف على البطن وهو القلب والرئتان وما اليها من الاعضاء الرئيسية.
(17) الحقاق: بالكسر جمع حق بالضم: النقر التي هي الأقفال للقبض والبسط.
(18) العصب: الأطناب المنتشرة في الجسم الذي بها يتحرك الانسان، والقصب: كل شيء مجوف مثل الأنبوب ومنه القصب الذي يخرج منه النفس.
(19) اقل: رفع.
(20) اليقظة بالتحريك: خلاف النوم.
(21) الأحقاب جمع حقب بضمتين: الدهر، السنة او السنون، ثمانون سنة او كثر.
(22) الطارف- المستحدث، العتيد: الجسيم.
(23) سورة ابراهيم، الآية: 34.
(24) رفده، وأرفده: اعطاه.
(25) سورة الأنبياء، الآية: 22.
(26) تفطر: انشق.
(27) اللهم خر لي: اي اختر لي اصلح الأمرين.
(28) الثار من ثار من باب منع الدم، والمآرب جمع مأرب، بتثليت الراء: الحاجة.
(29) خسأ من باب منع: طرد.
(30) بوائق جمع بائقة: الشر والغائلة.
(31) اي عوضني.
(32) من وكل يكل من باب ضرب التفويض والتسليم الى الغير.
(33) تجهمه: استقبله بوجه كريه عبوس.
(34) العتبى، بالضم: الرضا.
(35) اسبغ عليه النعم: وسع واتم عليه جميع ما يحتاجه.
(36) العدة بالضم: ما يستعد به الانسان من مال او سلاح.
(37) الكهف بالفتح: الملجأ، والعي: العجز.
(38) مقيل العثرة: الذي يصفح عن الذنوب ومنه الحديث: «من اقال مؤمناً اقاله الله يوم القيامة».
(39) النير: الخشبة التي توضع على عنق الثور.
(40) الكبس على الشيء: الشد والضغط عليه.
(41) وهو الغلاف الجوي الذي يمنع من تسرب الهواء من الأرض.
(42) الجب: البثر والحفرة العميقتين.
(43) حاده: غضبه واظهر العداوة له، نادوه: اي جعلوا له نداً وشريكاً.
(44) النفاد: الفناء والانقطاع.
(45) أقناه الله: اي اعطاه بقدر ما يكفيه.
(46) باء يبوء بالذنب: اعترف وتكلم به.
(47) الاجتراح: الارتكاب والاكتساب.
(48) عج: صاح وارتفع صوته.
(49) البر بالكسر: الصلاح والطاعة، والغانم: هو الذي يفوز وينال الغنيمة.
(50) القنط بالضم: اليأس.
(51) آمين بالتشديد: قاصدين.
(52) تنصل: خرج وتبرأ.
(53) الاستدراج من الله للعبد اي يفعل شيئاً بالنسبة الى العبد حتى لا يوفق ان يتوب ويرفع الى خالقه.
(54) الميامين، جمع ميمون: ذو اليمن والبركة.