باب وجوب الجمعة و فضلها و من وضعت عنه و الصّلاة و الخطبة فيها

1219-  قال أبو جعفر الباقر ع لزرارة بن أعين إنّما فرض اللّه عزّ و جلّ على النّاس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها اللّه عزّ و جلّ في جماعة و هي الجمعة و وضعها عن تسعة عن الصّغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين و القراءة فيها بالجهر و الغسل فيها واجب و على الإمام فيها قنوتان قنوت في الرّكعة الأولى قبل الرّكوع و في الرّكعة الثّانية بعد الرّكوع

 و من صلّاها وحده فعليه قنوت واحد في الرّكعة الأولى قبل الرّكوع و تفرّد بهذه الرّواية حريز عن زرارة و الّذي أستعمله و أفتي به و مضى عليه مشايخي رحمة اللّه عليهم هو أنّ القنوت في جميع الصّلوات في الجمعة و غيرها في الرّكعة الثّانية بعد القراءة و قبل الرّكوع

1220-  و قال زرارة قلت له على من يجب الجمعة قال تجب على سبعة نفر من المسلمين و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم

1221-  و قال أبو جعفر ع إنّما وضعت الرّكعتان اللّتان أضافهما النّبيّ ص يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام فمن صلّى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلّها أربعا كصلاة الظّهر في سائر الأيّام

1222-  و قال ع وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشّمس و وقتها في السّفر و الحضر واحد و هو من المضيّق و صلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر الأيّام

 -  و روى عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه ع أنّه قال لا بأس أن تدع الجمعة في المطر

1224-  و روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال تجب الجمعة على سبعة نفر من المؤمنين و لا تجب على أقلّ منهم الإمام و قاضيه و مدّعيا حقّ و شاهدان و الّذي يضرب الحدود بين يدي الإمام

 -  و قال أبو جعفر ع أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشّمس إلى أن تمضي ساعة فحافظ عليها فإنّ رسول اللّه ص قال لا يسأل اللّه عزّ و جلّ عبد فيها خيرا إلّا أعطاه

 و قال أبي رضي اللّه عنه في رسالته إليّ إن استطعت أن تصلّي يوم الجمعة إذا طلعت الشّمس ستّ ركعات و إذا انبسطت ستّ ركعات و قبل المكتوبة ركعتين و بعد المكتوبة ستّ ركعات فافعل و في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى و ركعتين بعد العصر و إن قدّمت نوافلك كلّها في يوم الجمعة قبل الزّوال أو أخّرتها إلى بعد المكتوبة فهي ستّ عشرة ركعة و تأخيرها أفضل من تقديمها فإذا زالت الشّمس في يوم الجمعة فلا تصلّ إلّا المكتوبة و اقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة و سبّح اسم ربّك الأعلى و في صلاة الغداة و الظّهر و العصر سورة الجمعة و المنافقين فإن نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظّهر و قرأت غيرهما ثمّ ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة و المنافقين ما لم تقرأ نصف السّورة فإذا قرأت نصف السّورة فتمّم السّورة و اجعلها ركعتين نافلة و سلّم فيهما و أعد صلاتك بسورة الجمعة و المنافقين و لا بأس بأن تصلّي العشاء و الغداة و العصر بغير سورة الجمعة و المنافقين إلّا أنّ الفضل في أن تصلّيها بالجمعة و المنافقين و من أراد أن يقرأ في صلاته بسورة فقرأ غيرها فليرجع إليها إلّا أن تكون السّورة قل هو اللّه أحد فلا يرجع عنها إلى غيرها إلّا يوم الجمعة في صلاة الظّهر فإنّه يرجع منها إلى سورة الجمعة و المنافقين و ما روي من الرّخص في قراءة غير الجمعة و المنافقين في صلاة الظّهر يوم الجمعة فهي للمريض و المستعجل و المسافر

1226-  و روى صفوان بن يحيى عن عليّ بن يقطين قال سألت أبا الحسن ع عن الجمعة في السّفر ما أقرأ فيهما قال اقرأ فيهما قل هو اللّه أحد

 -  و روى جعفر بن بشير و عبد اللّه بن جبلة عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه ع قال سمعته يقول في صلاة الجمعة لا بأس أن تقرأ فيها بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت مستعجلا

 و غسل يوم الجمعة من وقت طلوع الفجر إلى أن تزول الشّمس و هو سنّة واجبة و يبدأ فيها بالوضوء

1228-  و كان موسى بن جعفر ع يتهيّأ يوم الخميس للجمعة

1229-  و روى الحلبيّ عن أبي عبد اللّه ع أنّه قال وقت الجمعة زوال الشّمس و وقت صلاة الظّهر في السّفر زوال الشّمس و وقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظّهر في غير يوم الجمعة

1230-  و قال أمير المؤمنين ع لا كلام و الإمام يخطب و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصّلاة و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين جعلتا مكان الرّكعتين الأخيرتين فهي صلاة حتّى ينزل الإمام

1231-  و روى العلاء عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه ع قال لا بأس أن يتكلّم الرّجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن تقام الصّلاة و إن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه

1232-  و روى سماعة عنه ع أنّه قال صلاة يوم الجمعة مع الإمام ركعتان فمن صلّى وحده فهي أربع ركعات

 -  و روى حمّاد بن عثمان عن عمران الحلبيّ قال سئل أبو عبد اللّه ع عن الرّجل يصلّي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة قال نعم و القنوت في الثّانية

 و هذه رخصة الأخذ بها جائز و الأصل أنّه إنّما يجهر فيها إذا كانت خطبة فإذا صلّاها الإنسان وحده فهي كصلاة الظّهر في سائر الأيّام يخفي فيها القراءة و كذلك في السّفر من صلّى الجمعة جماعة بغير خطبة جهر بالقراءة و إن أنكر ذلك عليه و كذلك إذا صلّى ركعتين بخطبة في السّفر جهر فيها

1234-  و روى الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه ع قال إذا أدرك الرّجل ركعة فقد أدرك الجمعة و إن فاتته فليصلّ أربعا

 -  و روى الحلبيّ عنه ع أنّه قال إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الرّكعة الأخيرة فقد أدركت الصّلاة و إن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظّهر

1236-  و روى عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن ع في رجل صلّى في جماعة يوم الجمعة فلمّا ركع الإمام الجأه النّاس إلى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع و لا أن يسجد حتّى يرفع القوم رءوسهم أ يركع ثمّ يسجد و يلحق بالصّفّ و قد قام القوم أم كيف يصنع فقال يركع و يسجد ثمّ يقوم في الصّفّ و لا بأس بذلك

1237-  و روى سليمان بن داود المنقريّ عن حفص بن غياث قال سمعت أبا عبد اللّه ع يقول في رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم النّاس فكبّر مع الإمام و ركع و لم يقدر على السّجود و قام الإمام و النّاس في الرّكعة الثّانية و قام هذا معهم فركع الإمام فلم يقدر هذا على الرّكوع في الرّكعة الثّانية من الزّحام و قدر على السّجود كيف يصنع فقال أمّا الرّكعة الأولى فهي إلى عند الرّكوع تامّة فلمّا لم يسجد لها حتّى دخل في الرّكعة الثّانية لم يكن له ذلك فلمّا سجد في الثّانية إن كان نوى هاتين السّجدتين للرّكعة الأولى فقد تمّت له الأولى فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة فسجد بها ثمّ تشهّد و سلّم و إن كان لم يكن ينوي السّجدتين للرّكعة الأولى لم تجز عنه الأولى و لا الثّانية و عليه أن يسجد سجدتين و ينوي أنّها للرّكعة الأولى و عليه بعد ذلك ركعة تامّة يسجد فيها

1238-  و روى ربعيّ بن عبد اللّه و فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه ع أنّه قال ليس في السّفر جمعة و لا فطر و لا أضحى

1239-  و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه ع أنّه قال إنّ اللّه تبارك و تعالى لينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أوّل اللّيل إلى آخره أ لا عبد مؤمن يدعوني لآخرته و دنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه أ لا عبد مؤمن يتوب إليّ من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه أ لا عبد مؤمن قد قتّرت عليه رزقه يسألني الزّيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأوسّع عليه أ لا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه أ لا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه فأخلّي سربه أ لا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له و آخذ له بظلامته قال فما يزال ينادي بهذا حتّى يطلع الفجر

1240-  و روى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ رضي اللّه عنه عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرّضا ع يا ابن رسول اللّه ما تقول في الحديث الّذي يرويه النّاس عن رسول اللّه ص أنّه قال إنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل في كلّ ليلة جمعة إلى السّماء الدّنيا فقال ع لعن اللّه المحرّفين الكلم عن مواضعه و اللّه ما قال رسول اللّه ص ذلك إنّما قال ع إنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل ملكا إلى السّماء الدّنيا كلّ ليلة في الثّلث الأخير و ليلة الجمعة في أوّل اللّيل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له يا طالب الخير أقبل و يا طالب الشّرّ أقصر فلا يزال ينادي بهذا حتّى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محلّه من ملكوت السّماء حدّثني بذلك أبي عن جدّي عن آبائه عن رسول اللّه ص

1241-  و روي أنّه ما طلعت الشّمس في يوم أفضل من يوم الجمعة

  و كان اليوم الّذي نصب فيه رسول اللّه ص أمير المؤمنين ع بغدير خمّ يوم الجمعة و قيام القائم ع يكون في يوم الجمعة و تقوم القيامة في يوم الجمعة يجمع اللّه فيها الأوّلين و الآخرين قال اللّه عزّ و جلّ ذلك يوم مجموع له النّاس و ذلك يوم مشهود

1242-  و روى محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه ع في قول يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربّي قال أخّرها إلى السّحر ليلة الجمعة

1243-  و روى أبو بصير عن أحدهما ع قال إنّ العبد المؤمن ليسأل اللّه جلّ جلاله الحاجة فيؤخّر اللّه عزّ و جلّ قضاء حاجته الّتي سأل إلى يوم الجمعة ليخصّه بفضل يوم الجمعة

1244-  و روى داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه ع في قول اللّه عزّ و جلّ و شاهد و مشهود قال الشّاهد يوم الجمعة

1245-  و روى المعلّى بن خنيس عنه ع أيضا أنّه قال من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلنّ بشي‏ء غير العبادة فإنّ فيها يغفر للعباد و تنزل عليهم الرّحمة

 -  و روى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين ع أنّه قال ليلة الجمعة ليلة غرّاء و يومها يوم أزهر من مات ليلة الجمعة كتب اللّه له براءة من ضغطة القبر و من مات يوم الجمعة كتب اللّه له براءة من النّار

1247-  و روى هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه ع في الرّجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصّدقة و الصّوم و نحو هذا قال يستحبّ أن يكون ذلك يوم الجمعة فإنّ العمل يوم الجمعة يضاعف

1248-  و قال رسول اللّه ص أطرفوا أهليكم كلّ يوم جمعة بشي‏ء من الفاكهة و اللّحم حتّى يفرحوا بالجمعة

1249-  و في رواية إبراهيم بن أبي البلاد عن زرارة عن أبي عبد اللّه ع قال من أنشد بيت شعر يوم الجمعة فهو حظّه من ذلك اليوم

1250-  و قال رسول اللّه ص إذا رأيتم الشّيخ يحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهليّة فارموا رأسه و لو بالحصى

1251-  و روى عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه ع قال من قال في آخر سجدة من النّافلة بعد المغرب ليلة الجمعة و إن قاله كلّ ليلة فهو أفضل اللّهمّ إنّي أسألك بوجهك الكريم و اسمك العظيم أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تغفر لي ذنبي العظيم سبع مرّات انصرف و قد غفر له قال و قال ع إذا كانت عشيّة الخميس و ليلة الجمعة نزلت ملائكة من السّماء و معها أقلام الذّهب و صحف الفضّة لا يكتبون عشيّة الخميس و ليلة الجمعة و يوم الجمعة إلى أن تغيب الشّمس إلّا الصّلاة على النّبيّ ص

1252-  و يكره السّفر و السّعي في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصّلاة فأمّا بعد الصّلاة فجائز يتبرّك به ورد ذلك في جواب السّريّ عن أبي الحسن عليّ بن محمّد ع

1253-  و سأل أبو أيّوب الخزّاز أبا عبد اللّه ع عن قول اللّه عزّ و جلّ فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل اللّه قال الصّلاة يوم الجمعة و الانتشار يوم السّبت

1254-  و قال ع السّبت لبني هاشم و الأحد لبني أميّة فاتّقوا أخذ الأحد

1255-  و قال رسول اللّه ص اللّهمّ بارك لأمّتي في بكورها يوم سبتها و خميسها

1256-  و قال الرّضا ع ينبغي للرّجل أن لا يدع أن يمسّ شيئا من الطّيب في كلّ يوم فإن لم يقدر فيوم و يوم لا فإن لم يقدر ففي كلّ جمعة لا يدع ذلك

1257-  و كان رسول اللّه ص إذا كان يوم الجمعة و لم يصب طيبا دعا بثوب مصبوغ بزعفران فرشّ عليه الماء ثمّ مسح بيده ثمّ مسح به وجهه

 و يستحبّ أن يعتمّ الرّجل يوم الجمعة و أن يلبس أحسن ثيابه و أنظفها و يتطيّب فيدّهن بأطيب دهنه

1258-  و روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر ع أنّه قال إذا كان بين القريتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و هؤلاء و لا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال

1259-  و قال ع إنّ الملائكة المقرّبين يهبطون في كلّ يوم جمعة معهم قراطيس الفضّة و أقلام الذّهب فيجلسون على كلّ أبواب المساجد على كراسيّ من نور فيكتبون من حضر الجمعة الأوّل و الثّاني و الثّالث حتّى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام طووا صحفهم

1260-  و قال رسول اللّه ص من أتى الجمعة إيمانا و احتسابا استأنف العمل

1261-  و قال أمير المؤمنين ع لا يشرب أحدكم الدّواء يوم الخميس فقيل يا أمير المؤمنين و لم ذلك قال لئلّا يضعف عن إتيان الجمعة

1262-  و قال النّبيّ ص كلّ واعظ قبلة للموعوظ و كلّ موعوظ قبلة للواعظ

 يعني في الجمعة و العيدين و صلاة الاستسقاء

1263-  و خطب أمير المؤمنين ع في الجمعة فقال الحمد للّه الوليّ الحميد الحكيم المجيد الفعّال لما يريد علّام الغيوب و خالق الخلق و منزل القطر و مدبّر أمر الدّنيا و الآخرة و وارث السّماوات و الأرض الّذي عظم شأنه فلا شي‏ء مثله تواضع كلّ شي‏ء لعظمته و ذلّ كلّ شي‏ء لعزّته و استسلم كلّ شي‏ء لقدرته و قرّ كلّ شي‏ء قراره لهيبته و خضع كلّ شي‏ء لملكته و ربوبيّته الّذي يمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه و أن تقوم السّاعة إلّا بأمره و أن يحدث في السّماوات و الأرض شي‏ء إلّا بعلمه نحمده على ما كان و نستعينه من أمرنا على ما يكون و نستغفره و نستهديه و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ملك الملوك و سيّد السّادات و جبّار الأرض و السّماوات القهّار الكبير المتعال ذو الجلال و الإكرام ديّان يوم الدّين ربّ آبائنا الأوّلين و نشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالحقّ داعيا إلى الحقّ و شاهدا على الخلق فبلّغ رسالات ربّه كما أمره لا متعدّيا و لا مقصّرا و جاهد في اللّه أعداءه لا وانيا و لا ناكلا و نصح له في عباده صابرا محتسبا فقبضه اللّه إليه و قد رضي عمله و تقبّل سعيه و غفر ذنبه ص أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه و اغتنام ما استطعتم عملا به من طاعته في هذه الأيّام الخالية و بالرّفض لهذه الدّنيا التّاركة لكم و إن لم تكونوا تحبّون تركها و المبلية لكم و إن كنتم تحبّون تجديدها فإنّما مثلكم و مثلها كركب سلكوا سبيلا فكأن قد قطعوه و أفضوا إلى علم فكأن قد بلغوه و كم عسى المجرى إلى الغاية أن يجرى إليها حتّى يبلغها و كم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه و طالب حثيث في الدّنيا يحدوه حتّى يفارقها فلا تتنافسوا في عزّ الدّنيا و فخرها و لا تعجبوا بزينتها و نعيمها و لا تجزعوا من ضرّائها و بؤسها فإنّ عزّ الدّنيا و فخرها إلى انقطاع و إنّ زينتها و نعيمها إلى زوال و إنّ ضرّاءها و بؤسها إلى نفاد و كلّ مدّة منها إلى منتهى و كلّ حيّ منها إلى فناء و بلاء أ و ليس لكم في آثار الأوّلين و في آبائكم الماضين معتبر و تبصرة إن كنتم تعقلون أ لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون و إلى الخلف الباقين منكم لا يقفون قال اللّه تبارك و تعالى و حرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون و قال كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النّار و أدخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدّنيا إلّا متاع الغرور أ و لستم ترون إلى أهل الدّنيا و هم يصبحون و يمسون على أحوال شتّى فميّت يبكى و آخر يعزّى و صريع يتلوّى و عائد و معود و آخر بنفسه يجود و طالب الدّنيا و الموت يطلبه و غافل و ليس بمغفول عنه و على أثر الماضين يمضي الباقون و الحمد للّه ربّ العالمين ربّ السّماوات السّبع و ربّ الأرضين السّبع و ربّ العرش العظيم الّذي يبقى و يفنى ما سواه و إليه يئول الخلق و يرجع الأمر ألا إنّ هذا اليوم يوم جعله اللّه لكم عيدا و هو سيّد أيّامكم و أفضل أعيادكم و قد أمركم اللّه في كتابه بالسّعي فيه إلى ذكره فلتعظم رغبتكم فيه و لتخلص نيّتكم فيه و أكثروا فيه التّضرّع و الدّعاء و مسألة الرّحمة و الغفران فإنّ اللّه عزّ و جلّ يستجيب لكلّ من دعاه و يورد النّار من عصاه و كلّ مستكبر عن عبادته قال اللّه عزّ و جلّ ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين و فيه ساعة مباركة لا يسأل اللّه عبد مؤمن فيها شيئا إلّا أعطاه و الجمعة واجبة على كلّ مؤمن إلّا على الصّبيّ و المريض و المجنون و الشّيخ الكبير و الأعمى و المسافر و المرأة و العبد المملوك و من كان على رأس فرسخين غفر اللّه لنا و لكم سالف ذنوبنا فيما خلا من أعمارنا و عصمنا و إيّاكم من اقتراف الآثام بقيّة أيّام دهرنا إنّ أحسن الحديث و أبلغ الموعظة كتاب اللّه عزّ و جلّ أعوذ باللّه من الشّيطان

 الرّجيم إنّ اللّه هو الفتّاح العليم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ثمّ يبدأ بعد الحمد بقل هو اللّه أحد أو بقل يا أيّها الكافرون أو بإذا زلزلت الأرض زلزالها أو بألهيكم التّكاثر أو بالعصر و كان ممّا يدوم عليه قل هو اللّه أحد ثمّ يجلس جلسة خفيفة ثمّ يقوم فيقول الحمد للّه نحمده و نستعينه و نؤمن به و نتوكّل عليه و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلوات اللّه و سلامه عليه و آله و مغفرته و رضوانه اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك و رسولك و نبيّك صلاة نامية زاكية ترفع بها درجته و تبيّن بها فضله و صلّ على محمّد و آل محمّد و بارك على محمّد و آل محمّد كما صلّيت و باركت و ترحّمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد اللّهمّ عذّب كفرة أهل الكتاب الّذين يصدّون عن سبيلك و يجحدون آياتك و يكذّبون رسلك اللّهمّ خالف بين كلمتهم و ألق الرّعب في قلوبهم و أنزل عليهم رجزك و نقمتك و بأسك الّذي لا تردّه عن القوم المجرمين اللّهمّ انصر جيوش المسلمين و سراياهم و مرابطيهم في مشارق الأرض و مغاربها إنّك على كلّ شي‏ء قدير اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات اللّهمّ اجعل التّقوى زادهم و الإيمان و الحكمة في قلوبهم و أوزعهم أن يشكروا نعمتك الّتي أنعمت عليهم و أن يوفوا بعهدك الّذي عاهدتهم عليه إله الحقّ و خالق الخلق اللّهمّ اغفر لمن توفّي من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات و لمن هو لاحق بهم من بعدهم منهم إنّك أنت العزيز الحكيم إنّ اللّه يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلّكم تذكّرون اذكروا اللّه يذكركم فإنّه ذاكر لمن ذكره و اسألوا اللّه من رحمته و فضله فإنّه لا يخيب عليه داع دعاه ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النّار

1264-  و قال أبو عبد اللّه ع أوّل من قدّم الخطبة على الصّلاة يوم الجمعة عثمان لأنّه كان إذا صلّى لم يقف النّاس على خطبته و تفرّقوا و قالوا ما نصنع بمواعظه و هو لا يتّعظ بها و قد أحدث ما أحدث فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين على الصّلاة

 و سألت شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضي اللّه عنه عمّا يستعمله العامّة من التّهليل و التّكبير على أثر الجمعة ما هو فقال روّيت أنّ بني أميّة كانوا يلعنون أمير المؤمنين ع بعد صلاة الجمعة ثلاث مرّات فلمّا ولّي عمر بن عبد العزيز نهى عن ذلك و قال للنّاس التّهليل و التّكبير بعد الصّلاة أفضل