باب وصف الصّلاة من فاتحتها إلى خاتمتها

915-  روي عن حمّاد بن عيسى أنّه قال قال لي أبو عبد اللّه ع يوما تحسن أن تصلّي يا حمّاد قال قلت يا سيّدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصّلاة قال فقال ع لا عليك قم فصلّ قال فقمت بين يديه متوجّها إلى القبلة فاستفتحت الصّلاة و ركعت و سجدت فقال يا حمّاد لا تحسن أن تصلّي ما أقبح بالرّجل أن تأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة قال حمّاد فأصابني في نفسي الذّلّ فقلت جعلت فداك فعلّمني الصّلاة فقام أبو عبد اللّه ع مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضمّ أصابعه و قرّب بين قدميه حتّى كان بينهما ثلاث أصابع مفرّجات فاستقبل بأصابع رجليه جميعا لم يحرّفهما عن القبلة بخشوع و استكانة فقال اللّه أكبر ثمّ قرأ الحمد بترتيل و قل هو اللّه أحد ثمّ صبر هنيئة بقدر ما يتنفّس و هو قائم ثمّ قال اللّه أكبر و هو قائم ثمّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات و ردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره حتّى لو صبّ عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره و ردّ ركبتيه إلى خلفه و نصب عنقه و غمّض عينيه ثمّ سبّح ثلاثا بترتيل و قال سبحان ربّي العظيم و بحمده ثمّ استوى قائما فلمّا استمكن من القيام قال سمع اللّه لمن حمده ثمّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه و سجد و وضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه فقال سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات و لم يضع شيئا من بدنه على شي‏ء منه و سجد على ثمانية أعظم الجبهة و الكفّين و عيني الرّكبتين و أنامل إبهامي الرّجلين و الأنف فهذه السّبعة فرض و وضع الأنف على الأرض سنّة و هو الإرغام ثمّ رفع رأسه من السّجود فلمّا استوى جالسا قال اللّه أكبر ثمّ قعد على جانبه الأيسر و وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى و قال أستغفر اللّه ربّي و أتوب إليه ثمّ كبّر و هو جالس و سجد الثّانية و قال كما قال في الأولى و لم يستعن بشي‏ء من بدنه على شي‏ء منه في ركوع و لا سجود و كان مجّنّحا و لم يضع ذراعيه على الأرض فصلّى ركعتين على هذا ثمّ قال يا حمّاد هكذا صلّ

 و لا تلتفت و لا تعبث بيديك و أصابعك و لا تبزق عن يمينك و لا يسارك و لا بين يديك

916-  و قال الصّادق ع إذا قمت إلى الصّلاة فقل اللّهمّ إنّي أقدّم إليك محمّدا بين يدي حاجتي و أتوجّه إليك به فاجعلني به وجيها في الدّنيا و الآخرة و من المقرّبين و اجعل صلاتي به مقبولة و ذنبي به مغفورا و دعائي به مستجابا إنّك أنت الغفور الرّحيم

 فإذا قمت إلى الصّلاة فلا تأت بها شبعا و لا متكاسلا و لا متناعسا و لا مستعجلا و لكن على سكون و وقار فإذا دخلت في صلاتك فعليك بالتّخشّع و الإقبال على صلاتك فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول الّذين هم في صلاتهم خاشعون و يقول و إنّها لكبيرة إلّا على الخاشعين و استقبل القبلة بوجهك و لا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك و قم منتصبا

 فإنّ رسول اللّه ص قال من لم يقم صلبه فلا صلاة له

و اخشع ببصرك و لا ترفعه إلى السّماء و ليكن نظرك إلى موضع سجودك و اشغل قلبك بصلاتك فإنّه لا يقبل من صلاتك إلّا ما أقبلت عليه منها بقلبك حتّى أنّه ربّما قبل من صلاة العبد ربعها أو ثلثها أو نصفها و لكنّ اللّه عزّ و جلّ يتمّها للمؤمنين بالنّوافل و ليكن قيامك في الصّلاة قيام العبد الذّليل بين يدي الملك الجليل و اعلم أنّك بين يدي من يراك و لا تراه و صلّ صلاة مودّع كأنّك لا تصلّي بعدها أبدا و لا تعبث بلحيتك و لا برأسك و لا بيديك و لا تفرقع أصابعك و لا تقدّم رجلا على رجل و زاوج بين قدميك و اجعل بينهما قدر ثلاث أصابع إلى شبر و لا تتمطّأ و لا تتثاءب و لا تضحك فإنّ القهقهة تقطع الصّلاة و لا تتورّك فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد عذّب قوما على التّورّك كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصّلاة و لا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس و أرسل يديك و ضعهما على فخذيك قبالة ركبتيك فإنّه أحرى أن تهتمّ بصلاتك و لا تشغل عنها نفسك فإنّك إذا حرّكتها كان ذلك يلهيك و لا تستند إلى جدار إلّا أن تكون مريضا و لا تلتفت عن يمينك و لا عن يسارك فإن التفتّ حتّى ترى من خلفك فقد وجب عليك إعادة الصّلاة و إنّ العبد إذا التفت في صلاة ناداه اللّه عزّ و جلّ فقال عبدي إلى من تلتفت إلى من هو خير لك منّي فإن التفت ثلاث مرّات صرف اللّه عزّ و جلّ عنه نظره فلم ينظر إليه بعد ذلك أبدا و لا تنفخ في موضع سجودك فإذا أردت النّفخ فليكن قبل دخولك في الصّلاة فإنّه يكره ثلاث نفخات في موضع السّجود و على الرّقى و على الطّعام الحارّ و لا تبزق و لا تمخط فإنّ من حبس ريقه إجلالا للّه تعالى في صلاته أورثه اللّه عزّ و جلّ صحّة إلى الممات و ارفع يديك بالتّكبير إلى نحرك و لا تجاوز بكفّيك أذنيك حيال خدّيك ثمّ ابسطهما بسطا و كبّر ثلاث تكبيرات و قل اللّهمّ أنت الملك الحقّ المبين لا إله إلّا أنت سبحانك و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت ثمّ كبّر تكبيرتين في ترسّل ترفع بهما يديك و قل لبّيك و سعديك و الخير في يديك و الشّرّ ليس إليك و المهديّ من هديت عبدك و ابن عبدك بين يديك منك و بك و لك و إليك لا ملجأ و لا منجى و لا مفرّ منك إلّا إليك تباركت و تعاليت سبحانك و حنانيك سبحانك ربّ البيت الحرام ثمّ كبّر تكبيرتين و قل وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات و الأرض على ملّة إبراهيم و دين محمّد ص و منهاج عليّ حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه ربّ العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا من المسلمين أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و إن شئت كبّرت سبع تكبيرات ولاء إلّا أنّ الّذي وصفناه تعبّد و إنّما جرت السّنّة في افتتاح الصّلاة بسبع تكبيرات لما رواه زرارة

917-  عن أبي جعفر ع أنّه قال خرج رسول اللّه ص إلى الصّلاة و قد كان الحسين ع أبطأ عن الكلام حتّى تخوّفوا أنّه لا يتكلّم و أن يكون به خرس فخرج ص به حاملا على عاتقه و صفّ النّاس خلفه فأقامه على يمينه فافتتح رسول اللّه ص الصّلاة فكبّر الحسين ع فلمّا سمع رسول اللّه ص تكبيره عاد فكبّر و كبّر الحسين ع حتّى كبّر رسول اللّه ص سبع تكبيرات و كبّر الحسين ع فجرت السّنّة بذلك

918-  و قد روى هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع لذلك علّة أخرى و هي أنّ النّبيّ ص لمّا أسري به إلى السّماء قطع سبعة حجب فكبّر عند كلّ حجاب تكبيرة فأوصله اللّه عزّ و جلّ بذلك إلى منتهى الكرامة

919-  و ذكر الفضل بن شاذان عن الرّضا ع علّة أخرى و هي أنّه إنّما صارت التّكبيرات في أوّل الصّلاة سبعا لأنّ أصل الصّلاة ركعتان و استفتاحهما بسبع تكبيرات تكبيرة الافتتاح و تكبيرة الرّكوع و تكبيرتي السّجدتين و تكبيرة الرّكوع في الثّانية و تكبيرتي السّجدتين فإذا كبّر الإنسان في أوّل صلاة سبع تكبيرات ثمّ نسي شيئا من تكبيرات الافتتاح من بعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته

 و هذه العلل كلّها صحيحة و كثرة العلل للشّي‏ء تزيده تأكيدا و لا يدخل هذا في التّناقض و قد يجزي في الافتتاح تكبيرة واحدة

920-  و كان رسول اللّه ص أتمّ النّاس صلاة و أوجزهم كان إذا دخل في صلاة قال اللّه أكبر بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

921-  و سأل رجل أمير المؤمنين ع فقال له يا ابن عمّ خير خلق اللّه تعالى ما معنى رفع يديك في التّكبيرة الأولى فقال ع معناه اللّه أكبر الواحد الأحد الّذي ليس كمثله شي‏ء لا يلمس بالأخماس و لا يدرك بالحواسّ

 فإذا كبّرت تكبيرة الافتتاح فاقرأ الحمد للّه و سورة معها موسّع عليك أيّ السّور قرأت في فرائضك إلّا أربع سور و هي سورة و الضّحى و أ لم نشرح لأنّهما جميعا سورة واحدة و لإيلاف و أ لم تر كيف لأنّهما جميعا سورة واحدة فإن قرأتهما كان قراءة الضّحى و أ لم نشرح في ركعة واحدة و لإيلاف و أ لم تر كيف في ركعة و لا تنفرد بواحدة من هذه الأربع السّور في ركعة فريضة و لا تقرننّ بين سورتين في فريضة فأمّا في النّافلة فاقرن ما شئت و لا تقرأ في الفريضة شيئا من العزائم الأربع و هي سورة سجدة لقمان و حم السّجدة و النّجم و سورة اقرأ باسم ربّك و من قرأ شيئا من العزائم الأربع فليسجد و ليقل إلهي آمنّا بما كفروا و عرفنا منك ما أنكروا و أجبناك إلى ما دعوا إلهي فالعفو العفو ثمّ يرفع رأسه و يكبّر

922-  و قد روي أنّه يقول في سجدة العزائم لا إله إلّا اللّه حقّا حقّا لا إله إلّا اللّه إيمانا و تصديقا لا إله إلّا اللّه عبوديّة و رقّا سجدت لك يا ربّ تعبّدا و رقّا لا مستنكفا و لا مستكبرا بل أنا عبد ذليل خائف مستجير ثمّ يرفع رأسه ثمّ يكبّر

 و من سمع رجلا يقرأ العزائم فليسجد و إن كان على غير وضوء و يستحبّ أن يسجد الإنسان في كلّ سورة فيها سجدة إلّا أنّ الواجب في هذه العزائم الأربع و أفضل ما يقرأ في الصّلاة في اليوم و اللّيلة في الرّكعة الأولى الحمد و إنّا أنزلناه و في الثّانية الحمد و قل هو اللّه أحد إلّا في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة فإنّ الأفضل أن يقرأ في الأولى منها الحمد و سورة الجمعة و في الثّانية الحمد و سبّح اسم و في صلاة الغداة و الظّهر و العصر يوم الجمعة في الأولى الحمد و سورة الجمعة و في الثّانية الحمد و سورة المنافقين و جائز أن يقرأ في العشاء الآخرة ليلة الجمعة و صلاة الغداة و العصر بغير سورة الجمعة و المنافقين و لا يجوز أن يقرأ في صلاة الظّهر يوم الجمعة بغير سورة الجمعة و المنافقين فإن نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظّهر و قرأت غيرهما ثمّ ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة و المنافقين ما لم تقرأ نصف السّورة فإن قرأت نصف السّورة فتمّم السّورة و اجعلهما ركعتي نافلة و سلّم فيهما و أعد صلاتك بسورة الجمعة و المنافقين و قد رويت رخصة في القراءة في صلاة الظّهر بغير سورة الجمعة و المنافقين لا أستعملها و لا أفتي بها إلّا في حال السّفر و المرض و خيفة فوت حاجة و في صلاة الغداة يوم الإثنين و يوم الخميس في الرّكعة الأولى الحمد و هل أتى على الإنسان و في الثّانية الحمد و هل أتيك حديث الغاشية فإنّ من قرأهما في صلاة الغداة يوم الإثنين و يوم الخميس وقاه اللّه شرّ اليومين و حكى من صحب الرّضا ع إلى خراسان لمّا أشخص إليها أنّه كان يقرأ في صلاته بالسّور الّتي ذكرناها فلذلك اخترناها من بين السّور بالذّكر في هذا الكتاب و اجهر ب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في جميع الصّلوات و اجهر بجميع القراءة في المغرب و العشاء الآخرة و الغداة من غير أن تجهد نفسك أو ترفع صوتك شديدا و ليكن ذلك وسطا لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول و لا تجهر بصلاتك و لا تخافت بها و ابتغ بين ذلك سبيلا و لا تجهر بالقراءة في صلاة الظّهر و العصر فإنّ من جهر بالقراءة فيهما أو أخفى بالقراءة في المغرب و العشاء و الغداة متعمّدا فعليه إعادة صلاته فإن فعل ذلك ناسيا فلا شي‏ء عليه إلّا يوم الجمعة في صلاة الظّهر فإنّه يجهر فيها و في الرّكعتين الأخراوين بالتّسبيح

923-  و قال الرّضا ع إنّما جعل القراءة في الرّكعتين الأوّلتين و التّسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه اللّه عزّ و جلّ من عنده و بين ما فرضه اللّه تعالى من عند رسول اللّه ص

 -  و سأل محمّد بن عمران أبا عبد اللّه ع فقال لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة و صلاة المغرب و صلاة العشاء الآخرة و صلاة الغداة و سائر الصّلوات الظّهر و العصر لا يجهر فيهما و لأيّ علّة صار التّسبيح في الرّكعتين الأخيرتين أفضل من القراءة قال لأنّ النّبيّ ص لمّا أسري به إلى السّماء كان أوّل صلاة فرض اللّه عليه الظّهر يوم الجمعة فأضاف اللّه عزّ و جلّ إليه الملائكة تصلّي خلفه و أمر نبيّه ع أن يجهر بالقراءة ليبيّن لهم فضله ثمّ فرض اللّه عليه العصر و لم يضف إليه أحدا من الملائكة و أمره أن يخفي القراءة لأنّه لم يكن وراءه أحد ثمّ فرض عليه المغرب و أضاف إليه الملائكة و أمره بالإجهار و كذلك العشاء الآخرة فلمّا كان قرب الفجر نزل ففرض اللّه عزّ و جلّ عليه الفجر و أمره بالإجهار ليبيّن للنّاس فضله كما بيّن للملائكة فلهذه العلّة يجهر فيها و صار التّسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأنّ النّبيّ ص لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه عزّ و جلّ فدهش فقال سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر فلذلك صار التّسبيح أفضل من القراءة

925-  و سأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن الأوّل ع عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلوات النّهار و إنّما يجهر في صلاة اللّيل فقال لأنّ النّبيّ ص كان يغلّس بها فقرّبها من اللّيل

926-  و فيما ذكره الفضل من العلل عن الرّضا ع أنّه قال أمر النّاس بالقراءة في الصّلاة لئلّا يكون القرآن مهجورا مضيّعا و ليكن محفوظا مدروسا فلا يضمحلّ و لا يجهل و إنّما بدئ بالحمد دون سائر السّور لأنّه ليس شي‏ء من القرآن و الكلام جمع فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد و ذلك أنّ قوله عزّ و جلّ الحمد للّه إنّما هو أداء لما أوجب اللّه عزّ و جلّ على خلقه من الشّكر و شكر لما وفّق عبده من الخير ربّ العالمين توحيد له و تحميد و إقرار بأنّه هو الخالق المالك لا غيره الرّحمن الرّحيم استعطاف و ذكر لآلائه و نعمائه على جميع خلقه مالك يوم الدّين إقرار له بالبعث و الحساب و المجازاة و إيجاب ملك الآخرة له كإيجاب ملك الدّنيا إيّاك نعبد رغبة و تقرّب إلى اللّه تعالى ذكره و إخلاص له بالعمل دون غيره و إيّاك نستعين استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة لما أنعم اللّه عليه و نصره اهدنا الصّراط المستقيم استرشاد لدينه و اعتصام بحبله و استزادة في المعرفة لربّه عزّ و جلّ صراط الّذين أنعمت عليهم توكيد في السّؤال و الرّغبة و ذكر لما قد تقدّم من نعمه على أوليائه و رغبة في مثل تلك النّعم غير المغضوب عليهم استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفّين به و بأمره و نهيه و لا الضّالّين اعتصام من أن يكون من الّذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا فقد اجتمع فيه من جوامع الخير و الحكمة من أمر الآخرة و الدّنيا ما لا يجمعه شي‏ء من الأشياء

 و ذكر العلّة الّتي من أجلها جعل الجهر في بعض الصّلوات دون بعض أنّ الصّلوات الّتي تجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة فإن أراد أن يصلّي صلّى لأنّه إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السّماع و الصّلاتان اللّتان لا يجهر فيهما إنّما هما بالنّهار في أوقات مضيئة فهي من جهة الرّؤية لا يحتاج فيهما إلى السّماع فإذا قرأت الحمد و سورة فكبّر واحدة و أنت منتصب ثمّ اركع و ضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى و ضع راحتيك على ركبتيك و ألقم أصابعك عين الرّكبة و فرّجها و مدّ عنقك و يكون نظرك في الرّكوع ما بين قدميك إلى موضع سجودك

927-  و سأل رجل أمير المؤمنين ع فقال يا ابن عمّ خير خلق اللّه عزّ و جلّ ما معنى مدّ عنقك في الرّكوع فقال تأويله آمنت باللّه و لو ضربت عنقي

 فإذا ركعت فقل اللّهمّ لك ركعت و لك خشعت و لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكّلت و أنت ربّي خشع لك وجهي و سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخّي و عصبي و عظامي و ما أقلّت الأرض منّي للّه ربّ العالمين ثمّ قل سبحان ربّي العظيم و بحمده ثلاث مرّات فإن قلتها خمسا فهو أحسن و إن قلتها سبعا فهو أفضل و يجزيك ثلاث تسبيحات تقول سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه و تسبيحة تامّة تجزي للمريض و المستعجل ثمّ ارفع رأسك من الرّكوع و ارفع يديك و استو قائما ثمّ قل سمع اللّه لمن حمده و الحمد للّه ربّ العالمين الرّحمن الرّحيم أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة و يجزيك سمع اللّه لمن حمده ثمّ كبّر و اهو إلى السّجود و ضع يديك جميعا معا قبل ركبتيك

928-  و سأل طلحة السّلميّ أبا عبد اللّه ع لأيّ علّة توضع اليدان على الأرض في السّجود قبل الرّكبتين فقال لأنّ اليدين بهما مفتاح الصّلاة

 و إن كان بين يديك و بين الأرض ثوب في السّجود فلا بأس و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل

929-  و روى إسماعيل بن مسلم عن الصّادق عن أبيه ع أنّه قال إذا سجد أحدكم فليباشر بكفّيه الأرض لعلّ اللّه يدفع عنه الغلّ يوم القيامة

 و يكون سجودك كما يتخوّى البعير الضّامر عند بروكه و تكون شبه المعلّق لا يكون شي‏ء من جسدك على شي‏ء منه و يكون نظرك في السّجود إلى طرف أنفك و لا تفترش ذراعيك كافتراش السّبع و لكن اجنح بهما و ترغم بأنفك و يجزيك في موضع الجبهة من قصاص الشّعر إلى الحاجبين مقدار درهم و من لا يرغم بأنفه فلا صلاة له و تقول في سجودك اللّهمّ لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت و عليك توكّلت سجد لك وجهي و سمعي و بصري و شعري و بشري و مخّي و عصبي و عظامي سجد وجهي للّذي خلقه و صوّره و شقّ سمعه و بصره تبارك اللّه ربّ العالمين ثمّ تقول سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات فإن قلتها خمسا فهو أحسن و إن قلتها سبعا فهو أفضل و يجزيك ثلاث تسبيحات تقول سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه و تسبيحة تامّة تجزي للمريض و المستعجل ثمّ ارفع رأسك من السّجود و اقبض يديك إليك قبضا فإذا تمكّنت من الجلوس فارفع يديك بالتّكبير و قل بين السّجدتين اللّهمّ اغفر لي و ارحمني و أجرني و اهدني و عافني و اعف عنّي و يجزيك اللّهمّ اغفر لي و ارحمني و ارفع يديك و كبّر و اسجد الثّانية و قل فيها ما قلت في الأولى و لا بأس بالإقعاء فيما بين السّجدتين و لا بأس به بين الأولى و الثّانية و بين الثّالثة و الرّابعة و لا يجوز الإقعاء في موضع التّشهّدين لأنّ المقعي ليس بجالس إنّما يكون بعضه قد جلس على بعضه فلا يصبر للدّعاء و التّشهّد و من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه فليتجاف و السّجود منتهى العبادة من ابن آدم للّه تعالى ذكره و أقرب ما يكون العبد إلى اللّه عزّ و جلّ إذا كان في سجوده و ذلك قوله عزّ و جلّ و اسجد و اقترب

930-  و سأل رجل أمير المؤمنين ع فقال له يا ابن عمّ خير خلق اللّه ما معنى السّجدة الأولى فقال تأويلها اللّهمّ إنّك منها خلقتنا يعني من الأرض و تأويل رفع رأسك و منها أخرجتنا و تأويل السّجدة الثّانية و إليها تعيدنا و رفع رأسك و منها تخرجنا تارة أخرى

931-  و سأل أبو بصير أبا عبد اللّه ع عن علّة الصّلاة كيف صارت ركعتين و أربع سجدات قال لأنّ ركعة من قيام بركعتين من جلوس

 و إنّما يقال في الرّكوع سبحان ربّي العظيم و بحمده و في السّجود سبحان ربّي الأعلى و بحمده لأنّه

932-  لمّا أنزل اللّه تبارك و تعالى فسبّح باسم ربّك العظيم قال النّبيّ ص اجعلوها في ركوعكم فلمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ سبّح اسم ربّك الأعلى قال النّبيّ ص اجعلوها في سجودكم

 ثمّ ارفع رأسك من السّجدة الثّانية و تمكّن من الأرض و ارفع يديك و كبّر ثمّ قم إلى الثّانية فإذا اتّكيت على يديك للقيام قلت بحول اللّه و قوّته أقوم و أقعد فإذا قمت إلى الثّانية قرأت الحمد و سورة و قنتّ بعد القراءة و قبل الرّكوع و إنّما يستحبّ أن يقرأ في الأولى الحمد و إنّا أنزلناه و في الثّانية الحمد و قل هو اللّه أحد لأنّ إنّا أنزلناه سورة النّبيّ ص و أهل بيته صلوات اللّه عليهم أجمعين فيجعلهم المصلّي وسيلة إلى اللّه تعالى ذكره لأنّه بهم وصل إلى معرفة اللّه تعالى و يقرأ في الثّانية سورة التّوحيد لأنّ الدّعاء على أثره مستجاب فيستجاب بعده القنوت و القنوت سنّة واجبة من تركها متعمّدا في كلّ صلاة فلا صلاة له قال اللّه عزّ و جلّ و قوموا للّه قانتين يعني مطيعين داعين و أدنى ما يجزي من القنوت أنواع منها أن تقول ربّ اغفر و ارحم و تجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأكرم و منها أن تقول سبحان من دانت له السّماوات و الأرض بالعبوديّة و منها أن تسبّح ثلاث تسبيحات و لا بأس أن تدعو في قنوتك و ركوعك و سجودك و قيامك و قعودك للدّنيا و الآخرة و تسمّي حاجتك إن شئت

933-  و سأل الحلبيّ أبا عبد اللّه ع عن القنوت فيه قول معلوم فقال أثن على ربّك و صلّ على نبيّك و استغفر لذنبك

934-  و روى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر ع أنّه قال القنوت في كلّ ركعتين في التّطوّع و الفريضة

935-  و روى عنه زرارة أنّه قال القنوت في كلّ الصّلوات

 و ذكر شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه عن سعد بن عبد اللّه أنّه كان يقول لا يجوز الدّعاء في القنوت بالفارسيّة و كان محمّد بن الحسن الصّفّار يقول إنّه يجوز و الّذي أقول به أنّه يجوز

936-  لقول أبي جعفر الثّاني ع لا بأس أن يتكلّم الرّجل في صلاة الفريضة بكلّ شي‏ء يناجي به ربّه عزّ و جلّ

  و لو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر الّذي روي

937-  عن الصّادق ع أنّه قال كلّ شي‏ء مطلق حتّى يرد فيه نهي

 و النّهي عن الدّعاء بالفارسيّة في الصّلاة غير موجود و الحمد للّه ربّ العالمين

938-  و قال الحلبيّ له أسمّي الأئمّة ع في الصّلاة قال أجملهم

939-  و قال الصّادق ع كلّ ما ناجيت به ربّك في الصّلاة فليس بكلام

940-  و سأله منصور بن يونس بزرج عن الرّجل يتباكى في الصّلاة المفروضة حتّى يبكي فقال قرّة عين و اللّه و قال ع إذا كان ذلك فاذكرني عنده

941-  و روي أنّ البكاء على الميّت يقطع الصّلاة و البكاء لذكر الجنّة و النّار من أفضل الأعمال في الصّلاة

 و روي أنّه ما من شي‏ء إلّا و له كيل أو وزن إلّا البكاء من خشية اللّه عزّ و جلّ فإنّ القطرة منه تطفئ بحارا من النّيران و لو أنّ باكيا بكى في أمّة لرحموا

 -  و كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا ثلاث أعين عين بكت من خشية اللّه و عين غضّت عن محارم اللّه و عين باتت ساهرة في سبيل اللّه

943-  و روي عن صفوان الجمّال أنّه قال صلّيت خلف أبي عبد اللّه ع أيّاما فكان يقنت في كلّ صلاة يجهر فيها أو لا يجهر

944-  و روي عن زرارة أنّه قال قال أبو جعفر ع القنوت كلّه جهار

 و القول في قنوت الفريضة في الأيّام كلّها إلّا في الجمعة اللّهمّ إنّي أسألك لي و لوالديّ و لولدي و لأهل بيتي و إخواني المؤمنين فيك اليقين و العفو و المعافاة و الرّحمة و المغفرة و العافية في الدّنيا و الآخرة فإذا فرغت من القنوت فاركع و اسجد فإذا رفعت رأسك من السّجدة الثّانية فتشهّد و قل بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه و الأسماء الحسنى كلّها للّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي السّاعة ثمّ انهض إلى الثّالثة و قل إذا اتّكيت على يديك للقيام بحول اللّه و قوّته أقوم و أقعد و قل في الرّكعتين الأخيرتين إماما كنت أو غير إمام سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر ثلاث مرّات و إن شئت قرأت في كلّ ركعة منها الحمد إلّا أنّ التّسبيح أفضل فإذا صلّيت الرّكعة الرّابعة فتشهّد و قل في تشهّدك بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه و الأسماء الحسنى كلّها للّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه و لو كره المشركون التّحيّات للّه و الصّلوات الطّيّبات الطّاهرات الزّاكيات النّاميات الغاديات الرّائحات المباركات الحسنات للّه ما طاب و طهر و زكى و خلص و نمى فللّه و ما خبث فلغيره أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي السّاعة و أشهد أنّ الجنّة حقّ و أنّ النّار حقّ و أنّ السّاعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من في القبور و أشهد أنّ ربّي نعم الرّبّ و أنّ محمّدا نعم الرّسول أرسل و أشهد أنّ ما على الرّسول إلّا البلاغ المبين السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته السّلام على محمّد بن عبد اللّه خاتم النّبيّين السّلام على الأئمّة الرّاشدين المهديّين السّلام على جميع أنبياء اللّه و رسله و ملائكته السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين و يجزيك في التّشهّد الشّهادتان و هذا أفضل لأنّها العبادة ثمّ تسلّم و أنت مستقبل القبلة و تميل بعينك إلى يمينك إن كنت إماما و إن صلّيت وحدك قلت السّلام عليكم مرّة واحدة و أنت مستقبل القبلة و تميل بأنفك إلى يمينك و إن كنت خلف إمام تأتمّ به فسلّم تجاه القبلة واحدة ردّا على الإمام و تسلّم على يمينك واحدة و على يسارك واحدة إلّا أن لا يكون على يسارك إنسان فلا تسلّم على يسارك إلّا أن تكون بجنب الحائط فتسلّم على يسارك و لا تدع التّسليم على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن

945-  و قال رجل لأمير المؤمنين ع يا ابن عمّ خير خلق اللّه ما معنى رفع رجلك اليمنى و طرحك اليسرى في التّشهّد قال تأويله اللّهمّ أمت الباطل و أقم الحقّ قال فما معنى قول الإمام السّلام عليكم فقال إنّ الإمام يترجم عن اللّه عزّ و جلّ و يقول في ترجمته لأهل الجماعة أمان لكم من عذاب اللّه يوم القيامة

 فإذا سلّمت رفعت يديك و كبّرت ثلاثا و قلت لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له أنجز وعده و نصر عبده و أعزّ جنده و غلب الأحزاب وحده فله الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو على كلّ شي‏ء قدير و سبّح تسبيح فاطمة الزّهراء ع و هي أربع و ثلاثون تكبيرة و ثلاث و ثلاثون تسبيحة و ثلاث و ثلاثون تحميدة

946-  فإنّه روي عن الصّادق ع أنّه قال من سبّح تسبيح فاطمة الزّهراء ع في دبر الفريضة قبل أن يثني رجليه غفر اللّه له

947-  و روي أنّ أمير المؤمنين ع قال لرجل من بني سعد أ لا أحدّثك عنّي و عن فاطمة الزّهراء أنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها و طحنت بالرّحى حتّى مجلت يداها و كسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها و أوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرّ شديد فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل فأتت النّبيّ ص فوجدت عنده حدّاثا فاستحيت فانصرفت فعلم ص أنّها قد جاءت لحاجة فغدا علينا و نحن في لحافنا فقال السّلام عليكم فسكتنا و استحيينا لمكاننا ثمّ قال السّلام عليكم فسكتنا ثمّ قال السّلام عليكم فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف و قد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثا فإن أذن له و إلّا انصرف فقلنا و عليك السّلام يا رسول اللّه ادخل فدخل و جلس عند رءوسنا ثمّ قال يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد فخشيت إن لم نجبه أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت أنا و اللّه أخبرك يا رسول اللّه إنّها استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها و جرّت بالرّحى حتّى مجلت يداها و كسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها و أوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل قال أ فلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعا و ثلاثين تكبيرة و سبّحا ثلاثا و ثلاثين تسبيحة و احمدا ثلاثا و ثلاثين تحميدة فأخرجت فاطمة ع رأسها و قالت رضيت عن اللّه و عن رسوله رضيت عن اللّه و عن رسوله

  فإذا فرغت من تسبيح فاطمة ع فقل اللّهمّ أنت السّلام و منك السّلام و لك السّلام و إليك يعود السّلام سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته السّلام على الأئمّة الهادين المهديّين السّلام على جميع أنبياء اللّه و رسله و ملائكته السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين ثمّ تسلّم على الأئمّة واحدا واحدا ع و تدعو بما أحببت