كلام 16- لما بويع في المدينة و فيها يخبر الناس بعلمه بما تئول إليه أحوالهم و فيها يقسمهم إلى أقسام

ذمّتي بما أقول رهينة و أنا به زعيم إنّ منْ صرّحتْ له الْعبر عمّا بيْن يديْه من الْمثلات حجزتْه التّقْوى عنْ تقحّم الشّبهات ألا و إنّ بليّتكمْ قدْ عادتْ كهيْئتها يوْم بعث اللّه نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) و الّذي بعثه بالْحقّ لتبلْبلنّ بلْبلة و لتغرْبلنّ غرْبلة و لتساطنّ سوْط الْقدْر حتّى يعود أسْفلكمْ أعْلاكمْ و أعْلاكمْ أسْفلكمْ و ليسْبقنّ سابقون كانوا قصّروا و ليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا و اللّه ما كتمْت وشْمة و لا كذبْت كذْبة و لقدْ نبّئْت بهذا الْمقام و هذا الْيوْم ألا و إنّ الْخطايا خيْل شمس حمل عليْها أهْلها و خلعتْ لجمها فتقحّمتْ بهمْ في النّار ألا و إنّ التّقْوى مطايا ذلل حمل عليْها أهْلها و أعْطوا أزمّتها فأوْردتْهم الْجنّة حقّ و باطل و لكلّ أهْل فلئنْ أمر الْباطل لقديما فعل و لئنْ قلّ الْحقّ فلربّما و لعلّ و لقلّما أدْبر شيْ‏ء فأقْبل .

 قال السيد الشريف : و أقول إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان و إن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به و فيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان و لا يطلع فجها إنسان و لا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق و جرى فيها على عرق و ما يعْقلها إلّا الْعالمون .

و من هذه الخطبة و فيها يقسم الناس إلى ثلاثة أصناف

شغل من الْجنّة و النّار أمامه ساع سريع نجا و طالب بطي‏ء رجا و مقصّر في النّار هوى الْيمين و الشّمال مضلّة و الطّريق الْوسْطى هي الْجادّة عليْها باقي الْكتاب و آثار النّبوّة و منْها منْفذ السّنّة و إليْها مصير الْعاقبة هلك من ادّعى و خاب من افْترى منْ أبْدى صفْحته للْحقّ هلك و كفى بالْمرْء جهْلا ألّا يعْرف قدْره لا يهْلك على التّقْوى سنْخ أصْل و لا يظْمأ عليْها زرْع قوْم فاسْتتروا في بيوتكمْ و أصْلحوا ذات بيْنكمْ و التّوْبة منْ ورائكمْ و لا يحْمدْ حامد إلّا ربّه و لا يلمْ لائم إلّا نفْسه .