مناظرات الإمام الرضا علي بن موسى عليه السلام

التوحيد ، عيون أخبار الرضا عليه السلام حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي رضي الله عنه قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي قال حدثني أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي قال حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي يقول لما قدم علي بن موسى الرضا (ع) على المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر وأصحاب ذردهشت ونسطاس الرومي والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال المأمون أدخلهم علي ففعل فرحب بهم المأمون ثم قال لهم إني إنما جمعتكم لخير وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي فإذا كان بكرة فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد فقالوا السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله قال الحسن بن محمد النوفلي فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا (ع) إذ دخل علينا ياسر وكان يتولى أمر أبي الحسن الرضا (ع) فقال له يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول فداك أخوك إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت ذلك فلا تتجشم وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا فقال أبو الحسن (ع) أبلغه السلام وقل له قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله قال الحسن بن محمد النوفلي فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات فقلت جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس والله ما بنى فقال لي وما بناؤه في هذا الباب قلت إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا صحح وحدانيته وإن قلت إن محمدا رسول الله قالوا أثبت رسالته ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك قال فتبسم (ع) ثم قال يا نوفلي أ فتخاف أن يقطعوني على حجتي قلت لا والله ما خفت عليك قط وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله فقال لي يا نوفلي أ تحب أن تعلم متى يندم المأمون قلت نعم قال إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له جعلت فداك ابن عمك ينتظرك وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه فقال له الرضا (ع) تقدمني فإني سائر إلى ناحيتكم إن شاء الله ثم توضأ (ع) وضوءه للصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون فإذا المجلس غاص بأهله ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقواد حضور فلما دخل الرضا (ع) قام المأمون وقام محمد بن جعفر وجميع بني هاشم فما زالوا وقوفا والرضا (ع) جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة ثم التفت إلى الجاثليق فقال يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى بن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما فأحب أن تكلمه وتحاجه وتنصفه فقال الجاثليق يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره ونبي لا أؤمن به فقال له الرضا (ع) يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أ تقر به قال الجاثليق وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم والله أقر به على رغم أنفي فقال له الرضا (ع) سل عما بدا لك وافهم الجواب قال الجاثليق ما تقول في نبوة عيسى وكتابه هل تنكر منهما شيئا قال الرضا (ع) أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به أمته وأقرت به الحواريون وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد ص وبكتابه ولم يبشر به أمته قال الجاثليق أ ليس إنما تقطع الأحكام بشاهدي عدل قال بلى قال فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد ممن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا قال الرضا (ع) الآن جئت بالنصفة يا نصراني أ لا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى ابن مريم قال الجاثليق من هذا العدل سمه لي قال ما تقول في يوحنا الديلمي قال بخ بخ ذكرت أحب الناس إلى المسيح قال (ع) فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به قال الجاثليق قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل وبأهل بيته ووصيه ولم يلخص متى يكون ذلك ولم يسم لنا القوم فنعرفهم قال الرضا (ع) فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته وأمته أ تؤمن به قال شديدا قال الرضا (ع) لنسطاس الرومي كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل قال ما أحفظني له ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال أ لست تقرأ الإنجيل قال بلى لعمري قال فخذ علي السفر الثالث فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي ثم قرأ (ع) السفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبي ص وقف ثم قال يا نصراني إني أسألك بحق المسيح وأمه أ تعلم أني عالم بالإنجيل قال نعم ثم تلا علينا ذكر محمد وأهل بيته وأمته ثم قال ما تقول يا نصراني هذا قول عيسى ابن مريم فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت موسى وعيسى (ع) ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت بربك وبنبيك وبكتابك قال الجاثليق لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإني لمقر به قال الرضا (ع) اشهدوا على إقراره ثم قال يا جاثليق سل عما بدا لك قال الجاثليق أخبرني عن حواري عيسى ابن مريم كم كان عدتهم وعن علماء الإنجيل كم كانوا قال الرضا (ع) على الخبير سقطت أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا وكان أفضلهم وأعلمهم ألوقا وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال يوحنا الأكبر بأج ويوحنا بقرقيسا ويوحنا الديلمي بزجار وعنده كان ذكر النبي ص وذكر أهل بيته وأمته وهو الذي بشر أمة عيسى وبني إسرائيل به ثم قال له يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد ص وما ننقم على عيساكم شيئا إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته قال الجاثليق أفسدت والله علمك وضعفت أمرك وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الإسلام قال الرضا (ع) وكيف ذاك قال الجاثليق من قولك إن عيسى كان ضعيفا قليل الصيام قليل الصلاة وما أفطر عيسى يوما قط ولا نام بليل قط وما زال صائم الدهر قائم الليل قال الرضا (ع) فلمن كان يصوم ويصلي قال فخرس الجاثليق وانقطع قال الرضا (ع) يا نصراني أسألك عن مسألة قال سل فإن كان عندي علمها أجبتك قال الرضا (ع) ما أنكرت أن عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله عز وجل قال الجاثليق أنكرت ذلك من قبل أن من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فهو رب مستحق لأن يعبد قال الرضا (ع) فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فلم تتخذه أمته ربا ولم يعبده أحد من دون الله عز وجل ولقد صنع حزقيل النبي مثل ما صنع عيسى ابن مريم فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له يا رأس الجالوت أ تجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة اختارهم بخت‏نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله تعالى عز وجل إليهم فأحياهم الله هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم قال رأس الجالوت قد سمعنا به وعرفناه قال صدقت ثم قال يا يهودي خذ على هذا السفر من التوراة فتلا (ع) علينا من التوراة آيات فأقبل اليهودي يترجح لقراءته ويتعجب ثم أقبل على النصراني فقال يا نصراني أ فهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم قال بل كانوا قبله قال الرضا (ع) لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله ص فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجه معهم علي بن أبي طالب (ع) فقال له اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان ويا فلان يقول لكم محمد رسول الله قوموا بإذن الله عز وجل فقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم أخبروهم أن محمدا ص قد بعث نبيا وقالوا وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلمه البهائم والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربا من دون الله عز وجل ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم فمتى اتخذتم عيسى ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع والحزقيل لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره وإن قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون{و هم ألوفٌ حذر الموت} فأماتهم الله في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميما فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى الله عز وجل إليه أ تحب أن أحييهم لك فتنذرهم قال نعم يا رب فأوحى الله عز وجل إليه أن نادهم فقال أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عز وجل فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رءوسهم ثم إبراهيم خليل الرحمن حين أخذ الطير فقطعهن قطعا ثم وضع {على كل جبل منهن جزءا} ثم ناداهن فأقبلن سعيا إليه ثم موسى بن عمران وأصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له إنك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته فقال لهم إني لم أره فقالوا {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيدا فقال يا رب إني اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به ف{ لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أ تهلكنا بما فعل السفهاء منا} فأحياهم الله عز وجل من بعد موتهم وكل شي‏ء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لأن التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا ما تقول يا يهودي قال الجاثليق القول قولك ولا إله إلا الله ثم التفت (ع) إلى رأس الجالوت فقال يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد وأمته إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفزع بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئن قلوبهم فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض أ هكذا هو في التوراة مكتوب قال رأس الجالوت نعم إنا لنجده كذلك ثم قال للجاثليق يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا قال أعرفه حرفا حرفا قال لهما أ تعرفان هذا من كلامه يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر فقالا قد قال ذلك شعيا قال الرضا (ع) يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى إني ذاهب إلى ربكم وربي والبارقليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له وهو الذي يفسر لكم كل شي‏ء وهو الذي يبدي فضائح الأمم وهو الذي يكسر عمود الكفر فقال الجاثليق ما ذكرت شيئا في الإنجيل إلا ونحن مقرون به قال أ تجد هذا في الإنجيل ثابتا يا جاثليق قال نعم قال الرضا (ع) يا جاثليق أ لا تخبرني عن الإنجيل الأول حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل قال له ما افتقدنا الإنجيل إلا يوما واحدا حتى وجدناه غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا ومتى فقال له الرضا (ع) ما أقل معرفتك بسر الإنجيل وعلمائه فإن كان هذا كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل وإنما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه ولكني مفيدك علم ذلك اعلم أنه لما افتقد الإنجيل الأول اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم قتل عيسى ابن مريم وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم فقال لهم ألوقا ومرقابوس إن الإنجيل في صدورنا ونحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد فلا تحزنوا عليه ولا تخلوا الكنائس فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى نجمعه كله فقعد ألوقا ومرقابوس ويوحنا ومتى فوضعوا لكم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول وإنما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ التلاميذ الأولين أ علمت ذلك قال الجاثليق أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء مما علمته شهد قلبي أنها حق فاستزدت كثيرا من الفهم فقال له الرضا (ع) فكيف شهادة هؤلاء عندك قال جائزة هؤلاء علماء الإنجيل وكل ما شهدوا به فهو حق فقال الرضا (ع) للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم اشهدوا عليه قالوا قد شهدنا ثم قال للجاثليق بحق الابن وأمه هل تعلم أن متى قال إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن حضرون وقال مرقابوس في نسبة عيسى ابن مريم أنه كلمة الله أحلها في الجسد الآدمي فصارت إنسانا وقال ألوقا إن عيسى ابن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس ثم إنك تقول من شهادة عيسى على نفسه حقا أقول لكم يا معشر الحواريين إنه لا يصعد إلى السماء إلا من نزل منها إلا راكب البعير خاتم الأنبياء فإنه يصعد إلى السماء وينزل فما تقول في هذا القول قال الجاثليق هذا قول عيسى لا ننكره قال الرضا (ع) فما تقول في شهادة ألوقا ومرقابوس ومتى على عيسى وما نسبوه إليه قال الجاثليق كذبوا على عيسى قال الرضا (ع) يا قوم أ ليس قد زكاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حق فقال الجاثليق يا عالم المسلمين أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء قال الرضا (ع) فإنا قد فعلنا سل يا نصراني عما بدا لك قال الجاثليق ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك فالتفت الرضا (ع) إلى رأس الجالوت فقال له تسألني أو أسألك فقال بل أسألك ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو بما في صحف إبراهيم وموسى قال الرضا (ع) لا تقبل مني حجة إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران والإنجيل على لسان عيسى ابن مريم والزبور على لسان داود فقال رأس الجالوت من أين تثبت نبوة محمد قال الرضا (ع) شهد بنبوته موسى بن عمران وعيسى ابن مريم وداود خليفة الله عز وجل في الأرض فقال له ثبت قول موسى بن عمران قال الرضا (ع) هل تعلم يا يهودي أن موسى بن عمران أوصى بني إسرائيل فقال لهم إنه سيأتيكم نبي من إخوانكم فبه فصدقوا ومنه فاسمعوا فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيم فقال رأس الجالوت هذا قول موسى لا ندفعه فقال له الرضا (ع) هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد قال لا قال الرضا (ع) أ فليس قد صح هذا عندكم قال نعم ولكني أحب أن تصححه لي من التوراة فقال له الرضا (ع) هل تنكر أن التوراة تقول لكم قد جاء النور من جبل طور سيناء وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران قال رأس الجالوت أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها قال الرضا (ع) أنا أخبرك به أما قوله جاء النور من قبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء وأما قوله وأضاء الناس من جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم وهو عليه وأما قوله واستعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم وقال شعيا النبي فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما على حمار والآخر على جمل فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل قال رأس الجالوت لا أعرفهما فخبرني بهما قال (ع) أما راكب الحمار فعيسى وأما راكب الجمل فمحمد أ تنكر هذا من التوراة قال لا ما أنكره ثم قال الرضا (ع) هل تعرف حيقوق النبي قال نعم إني به لعارف قال (ع) فإنه قال وكتابكم ينطق به جاء الله بالبيان من جبل فاران وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأمته يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس يعني بالكتاب القرآن أ تعرف هذا وتؤمن به قال رأس الجالوت قد قال ذلك حيقوق النبي ولا ننكر قوله قال الرضا (ع) فقد قال داود في زبوره وأنت تقرؤه اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد قال رأس الجالوت هذا قول داود نعرفه ولا ننكره ولكن عنى بذلك عيسى وأيامه هي الفترة قال له الرضا (ع) جهلت إن عيسى لم يخالف السنة وكان موافقا لسنة التوراة حتى رفعه الله إليه وفي الإنجيل مكتوب أن ابن البرة ذاهب والبارقليطا جاء من بعده وهو يخفف الآصار ويفسر لكم كل شي‏ء ويشهد لي كما شهدت له أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل أ تؤمن بهذا في الإنجيل قال نعم لا أنكره فقال له الرضا (ع) يا رأس الجالوت أسألك عن نبيك موسى بن عمران فقال سل قال (ع) ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته قال اليهودي إنه جاء بما لم يجئ به أحد من الأنبياء قبله قال له مثل ما ذا قال مثل فلق البحر وقلبه العصا حية تسعى وضربه الحجر فانفجرت منه العيون وإخراجه يده {بيضاء للناظرين} وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها قال له الرضا (ع) صدقت في أنه كانت حجة على نبوته إنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أ فليس كل من ادعى أنه نبي ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه قال لا لأن موسى لم يكن له نظير لمكانه من ربه وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار بنبوة من ادعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به قال الرضا (ع) فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا ولم يخرجوا بأيديهم مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلبوا العصا حية تسعى قال له اليهودي قد خبرتك أنه متى ما جاءوا على نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا بما لم يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم قال قال الرضا (ع) يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى ابن مريم وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله قال رأس الجالوت يقال إنه فعل ذلك ولم نشهده قال الرضا (ع) أ رأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته أ ليس إنما جاءت الأخبار من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك قال بلى قال فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى ابن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى فلم يحر جوابا قال الرضا (ع) وكذلك أمر محمد ص وما جاء به وأمر كل نبي بعثه الله ومن آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا ولم يختلف إلى معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفا حرفا وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم وجاء بآيات كثيرة لا تحصى قال قال رأس الجالوت لم يصح عندنا خبر عيسى ولا خبر محمد ولا يجوز لنا أن نقر لهما بما لم يصح قال الرضا (ع) فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد صلى الله عليهما شاهد زور فلم يحر جوابا ثم دعا بالهربذ الأكبر فقال له الرضا (ع) أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجتك على نبوته قال إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه قال أ فليس إنما أتتكم الأخبار فاتبعتموه قال بلى قال فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيون وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الإقرار لهم إذ كنتم إنما أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره فانقطع الهربذ مكانه فقال الرضا (ع) يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم فقام إليه عمران الصابئ وكان واحدا من المتكلمين فقال يا عالم الناس لو لا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل فلقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته أ فتأذن لي أن أسألك قال الرضا (ع) إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو قال أنا هو قال سل يا عمران وعليك بالنصفة وإياك والخطل والجور قال والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه قال سل عما بدا لك فازدحم الناس وانضم بعضهم إلى بعض فقال عمران الصابئ أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق قال سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شي‏ء معه بلا حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة لا في شي‏ء أقامه ولا في شي‏ء حده ولا على شي‏ء حذاه ومثله له فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة واختلافا وائتلافا وألوانا وذوقا وطعما لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لا يبلغها إلا به ولا رأي لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا تعقل هذا يا عمران قال نعم والله يا سيدي قال واعلم يا عمران أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى والحاجة يا عمران لا يسعها لأنه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه حاجة أخرى ولذلك أقول لم يخلق الخلق لحاجة ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل ولا نقمة منه على من أذل فلهذا خلق قال عمران يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه قال الرضا (ع) إنما يكون المعلمة بالشي‏ء لنفي خلافه وليكون الشي‏ء نفسه بما نفي عنه موجودا ولم يكن هناك شي‏ء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشي‏ء عن نفسه بتحديد ما علم منها أ فهمت يا عمران قال نعم والله يا سيدي فأخبرني بأي شي‏ء علم ما علم أ بضمير أم بغير ذلك قال الرضا (ع) أ رأيت إذا علم بضمير هل تجد بدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا تنتهي إليه المعرفة قال عمران لا بد من ذلك قال الرضا (ع) فما ذلك الضمير فانقطع عمران ولم يحر جوابا قال الرضا (ع) لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر فقلت نعم أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران أ ليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهم منه مذاهب وتجربة كمذاهب المخلوقين وتجربتهم فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صوابا قال عمران يا سيدي أ لا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي وما معانيها وعلى كم نوع تكون قال قد سألت فافهم إن حدود خلقه على ستة أنواع ملموس وموزون ومنظور إليه وما لا ذوق له وهو الروح ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق والتقدير والأعراض والصور والطول والعرض ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها وتغيرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها فأما الأعمال والحركات فإنها تنطلق لأنه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه فإذا فرغ من الشي‏ء انطلق بالحركة وبقي الأثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره قال له عمران يا سيدي أ لا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شي‏ء غيره ولا شي‏ء معه أ ليس قد تغير بخلقه الخلق قال له الرضا (ع) لم يتغير عز وجل بخلق الخلق ولكن الخلق يتغير بتغيره قال عمران فبأي شي‏ء عرفناه قال بغيره قال فأي شي‏ء غيره قال الرضا (ع) مشيته واسمه وصفته وما أشبه ذلك وكل ذلك محدث مخلوق مدبر قال عمران يا سيدي فأي شي‏ء هو قال هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض وليس لك على أكثر من توحيدي إياه قال عمران يا سيدي أ ليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق قال الرضا (ع) لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال إن السراج ليضي‏ء فيما يريد أن يفعل بنا لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وإنما هو ليس شي‏ء غيره فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به فبهذا تستبصر أمرك قال عمران يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق قال الرضا (ع) أحلت يا عمران في قولك إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره يا عمران هل تجد النار يغيرها تغير نفسها أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها أو هل رأيت بصيرا قط رأى بصره قال عمران لم أر هذا أ لا تخبرني يا سيدي أ هو في الخلق أم الخلق فيه قال الرضا (ع) جل يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه تعالى عن ذلك وسأعلمك ما تعرفه به و{ لا قوة إلا بالله} أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شي‏ء استدللت بها على نفسك قال عمران بضوء بيني وبينها قال الرضا (ع) هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك قال نعم قال الرضا (ع) فأرناه فلم يحر جوابا قال (ع) فلا أرى النور إلا وقد دلك ودل المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما ولهذا أمثال كثرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا{ ولله المثل الأعلى} ثم التفت إلى المأمون فقال الصلاة قد حضرت فقال عمران يا سيدي لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي قال الرضا (ع) نصلي ونعود فنهض ونهض المأمون فصلى الرضا (ع) داخلا وصلى الناس خارجا خلف محمد بن جعفر ثم خرجا فعاد الرضا (ع) إلى مجلسه ودعا بعمران فقال سل يا عمران قال يا سيدي أ لا تخبرني عن الله عز وجل هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف قال الرضا (ع) إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحدا لا شي‏ء معه فردا لا ثاني معه لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا منسيا ولا شيئا يقع عليه اسم شي‏ء من الأشياء غيره ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا بشي‏ء قام ولا إلى شي‏ء يقوم ولا إلى شي‏ء استند ولا في شي‏ء استكن وذلك كله قبل الخلق إذ لا شي‏ء غيره وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم واعلم أن الإبداع والمشية والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شي‏ء ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل مشكل وبتلك الحروف تفريق كل شي‏ء من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى وعليها اجتمعت الأمور كلها ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا وجود لها لأنها مبدعة بالإبداع والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عز وجل علمها خلقه وهي ثلاثة وثلاثون حرفا فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا فأما الخمسة المختلفة فحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل {كن فيكون} وكن منه صنع وما يكون به المصنوع فالخلق الأول من الله عز وجل الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظور إليه والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله عز وجل شي‏ء ولا كان معه شي‏ء والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدل على غير نفسها قال المأمون وكيف لا تدل على غير نفسها قال الرضا (ع) لأن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا قال عمران فكيف لنا بمعرفة ذلك قال الرضا (ع) أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فردا فقلت أ ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها أ فهمته قال نعم قال الرضا (ع) واعلم أنه لا تكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الإحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لأن الله عز وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك وليس يحل بالله جل وتقدس شي‏ء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع أذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه فلو لا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لأن صفاته وأسماءه غيره أ فهمت قال نعم يا سيدي زدني قال الرضا (ع) إياك وقول الجهال أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون وذلك قوله عز وجل{ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}يعني أعمى عن الحقائق الموجودة وقد علم ذوو الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هاهنا من أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا لأن الله عز وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون قال عمران يا سيدي أ لا تخبرني عن الإبداع أ خلق هو أم غير خلق قال له الرضا (ع) بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما صار خلقا لأنه شي‏ء محدث والله الذي أحدثه فصار خلقا له وإنما هو الله عز وجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فما خلق الله عز وجل لم يعد أن يكون خلقه وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز وجل واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس وكل حاسة تدل على ما جعل الله عز وجل لها في إدراكها والفهم من القلب بجميع ذلك كله واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر وليس في واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يكنه والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا فيه{ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} قال عمران يا سيدي أشهد أنه كما وصفت ولكن بقيت لي مسألة قال سل عما أردت قال أسألك عن الحكيم في أي شي‏ء هو وهل يحيط به شي‏ء وهل يتحول من شي‏ء إلى شي‏ء أو به حاجة إلى شي‏ء قال الرضا (ع) أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم وليس يفهمه المتفاوت عقله العازب حلمه ولا يعجز عن فهمه أولو العقل المنصفون أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجة ولم يزل ثابتا لا في شي‏ء ولا على شي‏ء إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله وليس يدخل في شي‏ء ولا يخرج منه ولا يئوده حفظه ولا يعجز عن إمساكه ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عز وجل ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين لأمره وخزانه القائمين بشريعته وإنما أمره{ كلمح بالبصر أو هو أقرب إذا شاء شيئا فإنما يقول له كن فيكون} بمشيته وإرادته وليس شي‏ء من خلقه أقرب إليه من شي‏ء ولا شي‏ء أبعد منه من شي‏ء أ فهمت يا عمران قال نعم يا سيدي قد فهمت وأشهد أن الله على ما وصفته ووحدته وأن محمدا عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم خر ساجدا نحو القبلة وأسلم قال الحسن بن محمد النوفلي فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابئ وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قط لم يدن من الرضا (ع) أحد منهم ولم يسألوه عن شي‏ء وأمسينا فنهض المأمون والرضا (ع) فدخلا وانصرف الناس وكنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إلي محمد بن جعفر فأتيته فقال لي يا نوفلي أ ما رأيت ما جاء به صديقك لا والله ما ظننت أن علي بن موسى (ع) خاض في شي‏ء من هذا قط ولا عرفناه به أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام قلت قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم وربما كلم من يأتيه يحاجه فقال محمد بن جعفر يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء قلت إذا لا يقبل مني وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شي‏ء من علوم آبائه (ع) فقال لي قل له إن عمك قد كره هذا الباب وأحب أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى فلما انقلبت إلى منزل الرضا (ع) أخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم ثم قال حفظ الله عمي ما أعرفني به لم كره ذلك يا غلام صر إلى عمران الصابئ فأتني به فقلت جعلت فداك أنا أعرف موضعه وهو عند بعض إخواننا من الشيعة قال فلا بأس قربوا إليه دابة فصرت إلى عمران فأتيته به فرحب به ودعا بكسوة فخلعها عليه وحمله ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها فقلت جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين (ع) قال هكذا يجب ثم دعا (ع) بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره حتى إذا فرغنا قال لعمران انصرف مصاحبا وبكر علينا نطعمك طعام المدينة فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه ووصله المأمون بعشرة     آلاف درهم وأعطاه الفضل مالا وحمله وولاه الرضا (ع) صدقات بلخ فأصاب الرغائب

-----------------

بحار الانوار ج10 ص299, الاحتجاج ج2 ص415, التوحيد ص417, عيون اخبار الرضا (ع) ج1 ص154

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

احتجاج الامام الرضا (ع) وجوابه لسليمان المروزي متكلم خراسان 

التوحيد ، عيون أخبار الرضا عليه السلام بالإسناد المتقدم عن الحسن بن محمد النوفلي قال قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ثم قال له إن ابن عمي علي بن موسى قدم علي من الحجاز وهو يحب الكلام وأصحابه فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته فقال سليمان يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلمني ولا يجوز الاستقصاء عليه قال المأمون إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط فقال سليمان حسبك يا أمير المؤمنين اجمع بيني وبينه وخلني والذم فوجه المأمون إلى الرضا (ع) فقال إنه قد قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت فنهض (ع) للوضوء وقال لنا تقدموني وعمران الصابئ معنا فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون فلما سلمت قال أين أخي أبو الحسن أبقاه الله قلت خلفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدم ثم قلت يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك معي وهو بالباب فقال من عمران قلت الصابئ الذي أسلم على يديك قال فليدخل فدخل فرحب به المأمون ثم قال له يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم قال الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان قال عمران يا أمير المؤمنين إنه يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء قال فلم لا تناظره قال عمران ذاك إليه فدخل الرضا (ع) فقال في أي شي‏ء كنتم قال عمران يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي فقال سليمان أ ترضى بأبي الحسن وبقوله فيه قال عمران قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها على نظرائي من أهل النظر قال المأمون يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه قال وما أنكرت من البداء يا سليمان والله عز وجل يقول{ أ ولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا} ويقول عز وجل {و هو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده} ويقول {بديع السماوات والأرض} ويقول عز وجل{ يزيد في الخلق ما يشاء} ويقول {و بدأ خلق الإنسان من طين} ويقول عز وجل {و آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم }و يقول عز وجل {و ما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} قال سليمان هل رويت فيه عن آبائك شيئا قال نعم رويت عن أبي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال إن لله عز وجل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء وعلما علمه ملائكته ورسله فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه قال سليمان أحب أن تنزعه لي من كتاب الله عز وجل قال قول الله تعالى لنبيه ص {فتول عنهم فما أنت بملوم} أراد هلاكهم ثم بدا لله تعالى فقال {و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} قال سليمان زدني جعلت فداك قال الرضا (ع) لقد أخبرني أبي عن آبائه (ع) أن رسول الله ص قال إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير وقال يا رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أني قد أنسيت أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة فقال ذلك النبي يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط فأوحى الله عز وجل إليه إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك والله {لا يسئل عما يفعل} ثم التفت إلى سليمان فقال أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب قال أعوذ بالله من ذلك وما قالت اليهود قال قالت اليهود {يد الله مغلولةٌ}يعنون أن الله تعالى قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا فقال الله عز وجل {غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا} ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر عن البداء فقال وما ينكر الناس من البداء وأن يقف الله قوما يرجئهم لأمره قال سليمان أ لا تخبرني عن { إنا أنزلناه في ليلة القدر} في أي شي‏ء أنزلت قال يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق فما قدره في تلك الليلة فهو من المحتوم قال سليمان الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني قال يا سليمان إن من الأمور أمورا موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء يا سليمان إن عليا (ع) كان يقول العلم علمان فعلم علمه الله ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء قال سليمان للمأمون يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ولا أكذب به إن شاء الله فقال المأمون يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف قال سليمان يا سيدي أسألك قال الرضا سل عما بدا لك قال ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير قال الرضا (ع) إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد ولم تقولوا حدثت واختلفت لأنه سميع بصير فهذا دليل على أنها ليست مثل سميع ولا بصير ولا قدير قال سليمان فإنه لم يزل مريدا قال يا سليمان فإرادته غيره قال نعم قال فقد أثبت معه شيئا غيره لم يزل قال سليمان ما أثبت قال الرضا (ع) أ هي محدثة قال سليمان لا ما هي محدثة فصاح به المأمون وقال يا سليمان مثله يعايا أو يكابر عليك بالإنصاف أ ما ترى من حولك من أهل النظر ثم قال كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان فأعاد عليه المسألة فقال هي محدثة يا سليمان فإن الشي‏ء إذا لم يكن أزليا كان محدثا وإذا لم يكن محدثا كان أزليا قال سليمان إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه وعلمه منه قال الرضا (ع) فإرادته نفسه قال لا قال فليس المريد مثل السميع والبصير قال سليمان إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه قال الرضا (ع) ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئا أو أراد أن يكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا قال نعم قال الرضا (ع) أ فبإرادته كان ذلك قال سليمان نعم قال الرضا (ع) فليس لقولك أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته قال سليمان بلى قد كان ذلك بإرادته فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضا (ع) ثم قال لهم ارفقوا بمتكلم خراسان فقال يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغير عنها وهذا ما لا يوصف الله عز وجل به فانقطع ثم قال الرضا (ع) يا سليمان أسألك مسألة قال سل جعلت فداك قال أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون أو بما لا تفقهون ولا تعرفون قال بما نفقه ونعلم قال الرضا (ع) فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة وأن المريد قبل الإرادة وأن الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم إن الإرادة والمريد شي‏ء واحد قال جعلت فداك ليس ذاك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون قال فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة وقلتم الإرادة كالسمع والبصر وإذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل فلم يحر جوابا ثم قال الرضا (ع) يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة والنار قال سليمان نعم قال فيكون ما علم الله عز وجل أنه يكون من ذلك قال نعم قال فإذا كان حتى لا يبقى منه شي‏ء إلا كان أ يزيدهم أو يطويه عنهم قال سليمان بل يزيدهم قال فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون قال جعلت فداك فالمزيد لا غاية له قال فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما أن يكون تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا قال سليمان إنما قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عز وجل وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا قال الرضا (ع) ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم وكذلك قال عز وجل في كتابه {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} وقال لأهل الجنة {عطاء غير مجذوذ} وقال عز وجل {و فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة} فهو جل وعز يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة أ رأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أ ليس يخلف مكانه قال بلى قال أ فيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه قال سليمان لا قال فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم قال سليمان بل يقطعه عنهم ولا يزيدهم قال الرضا (ع) إذا يبيد ما فيهما وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب لأن الله عز وجل يقول{ لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيدٌ} ويقول عز وجل {عطاء غير مجذوذ} ويقول عز وجل {و ما هم منها بمخرجين} ويقول عز وجل {خالدين فيها أبدا} ويقول عز وجل {و فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة} فلم يحر جوابا ثم قال الرضا (ع) يا سليمان أ لا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل قال بلى هي فعل قال فهي محدثة لأن الفعل كله محدث قال ليست بفعل قال فمعه غيره لم يزل قال سليمان الإرادة هي الإنشاء قال يا سليمان هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم إن كل ما خلق الله عز وجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله وإن إرادة الله تحيا وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلد وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك فنبرأ منها ونعاديها وهذا حدها قال سليمان إنها كالسمع والبصر والعلم قال الرضا (ع) قد رجعت إلى هذا ثانية فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أ مصنوع قال سليمان لا قال الرضا (ع) فكيف نفيتموه فمرة قلتم لم يرد ومرة قلتم أراد وليست بمفعول له قال سليمان إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم قال الرضا (ع) ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس بنفي العلم ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون لأن الشي‏ء إذا لم يرد لم يكن إرادة وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن المبصر ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم قال سليمان إنها مصنوعة قال فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة قال سليمان إنها صفة من صفاته لم تزل قال فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل لأن صفته لم تزل قال سليمان لا لأنه لم يفعلها قال الرضا (ع) يا خراساني ما أكثر غلطك أ فليس بإرادته وقوله تكون الأشياء قال سليمان لا قال فإذا لم تكن بإرادته ولا مشيته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك تعالى الله عن ذلك فلم يحر جوابا ثم قال الرضا (ع) أ لا تخبرني عن قول الله عز وجل{ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} يعني بذلك أنه يحدث إرادة قال له نعم قال فإذا أحدث إرادة كان قولك إن الإرادة هي هو أو شي‏ء منه باطلا لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله تعالى الله عن ذلك قال سليمان إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدث إرادة قال فما عنى به قال عنى به فعل الشي‏ء قال الرضا (ع) ويلك كم تردد هذه المسألة وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة لأن فعل الشي‏ء محدث قال فليس لها معنى قال الرضا (ع) قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم إن الله لم يزل مريدا قال سليمان إنما عنيت أنها فعل من الله لم يزل قال أ لا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا وقديما حديثا في حالة واحدة فلم يحر جوابا قال الرضا (ع) لا بأس أتمم مسألتك قال سليمان قلت إن الإرادة صفة من صفاته قال الرضا (ع) كم تردد علي أنها صفة من صفاته فصفته محدثة أو لم تزل قال سليمان محدثة قال الرضا (ع) الله أكبر فالإرادة محدثة وإن كانت صفة من صفاته لم تزل فلم يرد شيئا قال الرضا (ع) إن ما لم يزل لا يكون مفعولا قال سليمان ليس الأشياء إرادة ولم يرد شيئا قال الرضا (ع) وسوست يا سليمان فقد فعل وخلق ما لم يزل خلقه وفعله وهذه صفة من لا يدري ما فعل تعالى الله عن ذلك قال سليمان يا سيدي فقد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم قال المأمون ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والترداد اقطع هذا وخذ في غيره إذ لست تقوى على غير هذا الرد قال الرضا (ع) دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة تكلم يا سليمان قال قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم قال الرضا (ع) لا بأس أخبرني عن معنى هذه أ معنى واحد أو معاني مختلفة قال سليمان معنى واحد قال الرضا (ع) فمعنى الإرادات كلها معنى واحد قال سليمان نعم قال الرضا (ع) فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام إرادة القعود وإرادة الحياة إرادة الموت إذ كانت إرادته واحدة لم يتقدم بعضها بعضا ولم يخالف بعضها بعضا وكان شيئا واحدا قال سليمان إن معناها مختلف قال فأخبرني عن المريد أ هو الإرادة أو غيرها قال سليمان بل هو الإرادة قال الرضا (ع) فالمريد عندكم مختلف إذ كان هو الإرادة قال يا سيدي ليس الإرادة المريد قال فالإرادة محدثة وإلا فمعه غيره افهم وزد في مسألتك قال سليمان فإنها اسم من أسمائه قال الرضا (ع) هل سمى نفسه بذلك قال سليمان لا لم يسم نفسه بذلك قال الرضا (ع) فليس لك أن تسميه بما لم يسم به نفسه قال قد وصف نفسه بأنه مريد قال الرضا (ع) ليس صفته نفسه أنه مريد إخبارا عن أنه إرادة ولا إخبارا عن أن الإرادة اسم من أسمائه قال سليمان لأن إرادته علمه قال الرضا (ع) يا جاهل فإذا علم الشي‏ء فقد أراده قال سليمان أجل قال فإذا لم يرده لم يعلمه قال سليمان أجل قال من أين قلت ذاك وما الدليل على أن إرادته علمه وقد يعلم ما لا يريده أبدا وذلك قوله عز وجل {و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} فهو يعلم كيف يذهب به ولا يذهب به أبدا قال سليمان لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئا قال الرضا (ع) هذا قول اليهود فكيف قال {ادعوني أستجب لكم} قال سليمان إنما عنى بذلك أنه قادر عليه قال أ فيعد ما لا يفي به فكيف قال{ يزيد في الخلق ما يشاء} وقال عز وجل {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} وقد فرغ من الأمر فلم يحر جوابا قال الرضا (ع) يا سليمان هل يعلم أن إنسانا يكون ولا يريد أن يخلق إنسانا أبدا أو أن إنسانا يموت ولا يريد أن يموت اليوم قال سليمان نعم قال الرضا (ع) فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون قال يعلم أنهما يكونان جميعا قال الرضا (ع) إذا يعلم أن إنسانا حي ميت قائم قاعد أعمى بصير في حالة واحدة وهذا هو المحال قال جعلت فداك فإنه يعلم أن يكون أحدهما دون الآخر قال لا بأس فأيهما يكون الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون قال سليمان الذي أراد أن يكون فضحك الرضا (ع) والمأمون وأصحاب المقالات قال الرضا (ع) غلطت وتركت قولك إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم وإنه يخلق خلقا وإنه لا يريد أن يخلقهم وإذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون قال سليمان فإنما قولي إن الإرادة ليست هو ولا غيره قال الرضا (ع) يا جاهل إذا قلت ليست هو فقد جعلتها غيره فإذا قلت ليست هي غيره فقد جعلتها هو قال سليمان فهو يعلم كيف يصنع الشي‏ء قال نعم قال سليمان فإن ذلك إثبات للشي‏ء قال الرضا (ع) أحلت لأن الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن ويحسن الخياطة وإن لم يخط ويحسن صنعة الشي‏ء وإن لم يصنعه أبدا ثم قال له يا سليمان هل يعلم أنه واحد لا شي‏ء معه قال نعم قال أ فيكون ذلك إثباتا للشي‏ء قال سليمان ليس يعلم أنه واحد لا شي‏ء معه قال الرضا (ع) أ فتعلم أنت ذاك قال نعم قال فأنت يا سليمان أعلم منه إذا قال سليمان المسألة محال قال محال عندك أنه واحد لا شي‏ء معه وأنه سميع بصير حكيم قادر قال نعم قال فكيف أخبر عز وجل أنه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير وهو لا يعلم ذلك وهذا رد ما قال وتكذيبه تعالى الله عن ذلك ثم قال له الرضا (ع) فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشي‏ء قبل أن يصنعه فإنما هو متحير تعالى الله عن ذلك قال سليمان فإن الإرادة القدرة قال الرضا (ع) وهو عز وجل يقدر على ما لا يريده أبدا ولا بد من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى {و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته فانقطع سليمان قال المأمون عند ذلك يا سليمان هذا أعلم هاشمي ثم تفرق القوم

----------------

بحار الانوار ج10 ص329, الاحتجاج ج2 ص401, التوحيد ص441 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

الامام الرضا (ع) يبهت الجاثليق من النصارى 

عيون أخبار الرضا عليه السلام الهمداني والمكتب والوراق عن أبيه عن علي عن صفوان بن يحيى صاحب السابري قال سألني أبو قرة صاحب الجاثليق أن أوصله إلى الرضا (ع) فاستأذنته في ذلك فقال أدخله علي فلما دخل عليه قبل بساطه وقال هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا ثم قال له أصلحك الله ما تقول في فرقة ادعت دعوى فشهدت لهم فرقة أخرى معدلون قال الدعوى لهم قال فادعت فرقة أخرى دعوى فلم يجدوا شهودا من غيرهم قال لا شي‏ء لهم قال فإنا نحن ادعينا أن عيسى روح الله وكلمته فوافقنا على ذلك المسلمون وادعى المسلمون أن محمدا نبي فلم نتابعهم عليه وما أجمعنا عليه خير مما افترقنا فيه فقال له الرضا (ع) ما اسمك قال يوحنا قال يا يوحنا إنا آمنا بعيسى روح الله وكلمته الذي كان يؤمن بمحمد ويبشر به ويقر على نفسه أنه عبد مربوب فإن كان عيسى الذي هو عندك روح الله وكلمته ليس هو الذي آمن بمحمد وبشر به ولا هو الذي أقر لله بالعبودية والربوبية فنحن منه براء فأين اجتمعنا فقام فقال لصفوان بن يحيى قم فما كان أغنانا عن هذا المجلس 

--------------

بحار الانوار ج10 ص341, عيون اخبار الرضا (ع) ج2 ص230

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

جواب الامام الرضا (ع) لاسئلة المامون عن ايات قرانية 

عيون أخبار الرضا عليه السلام تميم بن عبد الله بن تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال سأل مأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) عن قول الله عز وجل {و هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا} فقال إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض فكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلم أنه على كل شي‏ء قدير ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو مستول على عرشه وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شي‏ء فتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم تعالى عن صفة خلقه علوا كبيرا وأما قوله عز وجل {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان والتجربة لأنه لم يزل عليما بكل شي‏ء فقال المأمون فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك ثم قال له يا ابن رسول الله فما معنى قول الله جل ثناؤه {و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} فقال الرضا (ع) حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسن بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال إن المسلمين قالوا لرسول الله ص لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا فقال رسول الله ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا {و ما أنا من المتكلفين} فأنزل الله عز وجل عليه يا محمد {و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا ولكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد{ أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} وأما قوله عز وجل {و ما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبد عنها فقال المأمون فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك فأخبرني عن قول الله عز وجل {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا} فقال إن غطاء العين لا يمنع من الذكر الذكر لا يرى بالعين ولكن الله عز وجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب (ع) بالعميان لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي ص فيه ولا يستطيعون له سمعا فقال المأمون فرجت عني فرج الله عنك

-----------------

بحار الانوار ج10 ص342, التوحيد ص320, عيون اخبار الرضا (ع) ج1 ص134

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

جواب الامام الرضا (ع) لابو قرة المحدث على مسائل في التوحيد 

الإحتجاج, عن صفوان بن يحيى قال سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن أدخله إلى أبي الحسن الرضا (ع) فاستأذنته فأذن له فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام والفرائض والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال له أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى فقال الله أعلم بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية فأخذ أبو قرة بلسانه فقال إنما أسألك عن هذا اللسان فقال أبو الحسن (ع) سبحان الله عما تقول ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلمون ولكنه تبارك وتعالى{ ليس كمثله شي‏ءٌ} ولا كمثله قائل فاعل قال كيف ذلك قال كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق ولا يلفظ بشق فم ولا لسان ولكن يقول له كن فكان بمشيته ما خاطب به موسى من الأمر والنهي من غير تردد في نفس فقال أبو قرة فما تقول في الكتب فقال أبو الحسن (ع) التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكل كتاب أنزل كان كلام الله تعالى أنزله للعالمين نورا وهدى وهي كلها محدثة وهي غير الله حيث يقول {أو يحدث لهم ذكرا} وقال {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون} والله أحدث الكتب كلها التي أنزلها فقال أبو قرة فهل يفنى فقال أبو الحسن (ع) أجمع المسلمون على أن ما سوى الله فان وما سوى الله فعل الله والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعل الله تعالى أ لم تسمع الناس يقولون رب القرآن وإن القرآن يقول يوم القيامة يا رب هذا فلان وهو أعرف به قد أظمأت نهاره وأسهرت ليله فشفعني فيه وكذلك التوراة والإنجيل والزبور كلها محدثة مربوبة أحدثها من {ليس كمثله شي‏ءٌ} هدى لقوم يعقلون فمن زعم أنهن لم يزلن فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم ولا واحد وأن الكلام لم يزل معه وليس له بدء وليس بإله قال أبو قرة وإنا روينا أن الكتب كلها تجي‏ء يوم القيامة والناس في صعيد واحد صفوف قيام لرب العالمين ينظرون حتى ترجع فيه لأنها منه وهي جزء منه فإليه تصير قال أبو الحسن (ع) فهكذا قالت النصارى في المسيح إنه روحه جزء منه ويرجع فيه وكذلك قالت المجوس في النار والشمس إنهما جزء منه يرجع فيه تعالى ربنا أن يكون متجزئا أو مختلفا وإنما يختلف ويأتلف المتجزي لأن كل متجزئ متوهم والقلة والكثرة مخلوقة دالة على خالق خلقها فقال أبو قرة فإنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم لموسى الكلام ولمحمد ص الرؤية فقال أبو الحسن (ع) فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والإنس أنه {لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شي‏ءٌ} أ ليس محمد قال بلى قال أبو الحسن (ع) فكيف يجي‏ء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول إنه {لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شي‏ءٌ} ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر أ ما تستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر فقال أبو قرة فإنه يقول {و لقد رآه نزلة أخرى} فقال أبو الحسن (ع) إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث يقول {ما كذب الفؤاد ما رأى} يقول ما كذب فؤاد محمد ص ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأت عيناه فقال{لقد رأى من آيات ربه الكبرى} فآيات الله غير الله وقال {و لا يحيطون به علما} فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة فقال أبو قرة فتكذب بالرواية فقال أبو الحسن (ع) إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما و{لا تدركه الأبصار وليس كمثله شي‏ءٌ} وسأله عن قول الله {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام} فقال أبو الحسن قد أخبر الله تعالى أنه أسرى به ثم أخبر لم أسرى به فقال {لنريه من آياتنا} فآيات الله غير الله لقد أعذر وبين لم فعل به ذلك وما رآه فقال {فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} فأخبر أنه غير الله فقال أبو قرة فأين الله فقال أبو الحسن (ع) الأين مكان وهذه مسألة شاهد عن غائب والله تعالى ليس بغائب ولا يقدمه قادم وهو بكل مكان موجود مدبر صانع حافظ ممسك السماوات والأرض فقال أبو قرة أ ليس هو فوق السماء دون ما سواها فقال أبو الحسن (ع) {هو الله في السماوات وفي الأرض وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء وهو معكم أين ما كنتم وهو الذي استوى إلى السماء وهي دخانٌ وهو الذي استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو الذي استوى على العرش} قد كان ولا خلق وهو كما كان إذ لا خلق لم ينتقل مع المنتقلين فقال أبو قرة فما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء فقال أبو الحسن (ع) إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة ولله مفازع يفزعون إليه ويستعبد فاستعبد عباده بالقول والعلم والعمل والتوجيه ونحو ذلك استعبدهم بتوجيه الصلاة إلى الكعبة ووجه إليها الحج والعمرة واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرع ببسط الأيدي ورفعها إلى السماء لحال الاستكانة وعلامة العبودية والتذلل له فقال أبو قرة فمن أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض قال أبو الحسن (ع) إن كنت تقول بالشبر والذراع فإن الأشياء كلها باب واحد هي فعله لا يشتغل ببعضها عن بعض يدبر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله ويدبر أوله من حيث يدبر آخره من غير عناء ولا كلفة ولا مئونة ولا مشاورة ولا نصب وإن كنت تقول من أقرب إليه في الوسيلة فأطوعهم له وأنتم تروون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ورويتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق وأحدهم من أسفل الخلق وأحدهم من شرق الخلق وأحدهم من غرب الخلق فسأل بعضهم بعضا فكلهم قال من عند الله أرسلني بكذا وكذا ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه والتمثيل فقال أبو قرة أ تقر أن الله تعالى محمول فقال أبو الحسن (ع) كل محمول مفعول ومضاف إلى غيره محتاج فالمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو اللفظ في ممدوح وكذلك قول القائل فوق وتحت وأعلى وأسفل وقد قال الله تعالى{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} ولم يقل في شي‏ء من كتبه أنه محمول بل هو الحامل في البر والبحر والممسك للسماوات والأرض والمحمول ما سوى الله ولم نسمع أحدا آمن بالله وعظمه قط قال في دعائه يا محمول قال أبو قرة أ فتكذب بالرواية أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجدا فإذا ذهب الغضب خف فرجعوا إلى مواقفهم فقال (ع) أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا وإلى يوم القيامة غضبان هو على إبليس وأوليائه أو راض عنهم فقال نعم هو غضبان عليه قال فمتى رضي فخفف وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أتباعه ثم قال ويحك كيف تجتري أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين سبحانه لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين قال صفوان فتحير أبو قرة ولم يحر جوابا حتى قام وخرج

----------------

بحار الانوار ج10 ص343, الاحتجاج ج2 ص405

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

الامام الرضا (ع) يناظر قوم في الامامة 

المناقب لابن شهرآشوب, روى ابن جرير بن رستم الطبري عن أحمد الطوسي عن أشياخه في حديث أنه انتدب للرضا (ع) قوم يناظرون في الإمامة عند المأمون فأذن لهم فاختاروا يحيى بن الضحاك السمرقندي فقال سل يا يحيى فقال يحيى بل سل أنت يا ابن رسول الله لتشرفني بذلك فقال (ع) يا يحيى ما تقول في رجل ادعى الصدق لنفسه وكذب الصادقين أ يكون صادقا محقا في دينه أم كاذبا فلم يحر جوابا ساعة فقال المأمون أجبه يا يحيى فقال قطعني يا أمير المؤمنين فالتفت إلى الرضا (ع) فقال ما هذه المسألة التي أقر يحيى بالانقطاع فيها فقال (ع) إن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن شهد بالعجز على نفسه فقال على منبر الرسول وليتكم ولست بخيركم والأمير خير من الرعية وإن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر على نفسه على منبر الرسول ص أن لي شيطانا يعتريني والإمام لا يكون فيه الشيطان وإن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر عليه صاحبه فقال كانت إمامة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه فصاح المأمون عليهم فتفرقوا ثم التفت إلى بني هاشم فقال لهم أ لم أقل لكم أن لا تفاتحوه ولا تجمعوا عليه فإن هؤلاء علمهم من علم رسول الله ص  

---------------

بحار الانوار ج10 ص348, المناقب ج4 ص351 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 وفي كتاب الصفواني أنه قال الرضا (ع) لابن قرة النصراني ما تقول في المسيح قال يا سيدي إنه من الله فقال وما تريد بقولك من ومن على أربعة أوجه لا خامس لها أ تريد بقولك من كالبعض من الكل فيكون مبعضا أو كالخل من الخمر فيكون على سبيل الاستحالة أو كالولد من الوالد فيكون على سبيل المناكحة أو كالصنعة من الصانع فيكون على سبيل المخلوق من الخالق أو عندك وجه آخر فتعرفناه فانقطع

---------------

بحار الانوار ج10 ص349, المناقب ج4 ص351 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أبو إسحاق الموصلي إن قوما من ما وراء النهر سألوا الرضا (ع) عن الحور العين مم خلقن وعن أهل الجنة إذا دخلوها ما أول ما يأكلون وعن معتمد رب العالمين أين كان وكيف كان إذ لا أرض ولا سماء ولا شي‏ء فقال (ع) أما الحور العين فإنهن خلقن من الزعفران والتراب لا يفنين وأما أول ما يأكلون أهل الجنة فإنهم يأكلون أول ما يدخلونها من كبد الحوت التي عليها الأرض وأما معتمد الرب عز وجل فإنه أين الأين وكيف الكيف وإن ربي بلا أين ولا كيف وكان معتمده على قدرته سبحانه وتعالى

---------------

بحار الانوار ج10 ص349, المناقب ج4 ص355

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أقول وروى السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الفصول، عن شيخه المفيد رحمه الله أنه قال روي أنه لما سار المأمون إلى خراسان وكان معه الرضا علي بن موسى (ع) فبينا هما يسيران إذ قال له المأمون يا أبا الحسن إني فكرت في شي‏ء فنتج لي الفكر الصواب فيه فكرت في أمرنا وأمركم ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضيلة فيه واحدة ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى والعصبية فقال له أبو الحسن (ع) إن لهذا الكلام جوابا إن شئت ذكرته لك وإن شئت أمسكت فقال له المأمون إني لم أقله إلا لأعلم ما عندك فيه قال له الرضا (ع) أنشدك الله يا أمير المؤمنين لو أن الله بعث نبيه محمدا ص فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الآكام يخطب إليك ابنتك كنت مزوجه إياها فقال يا سبحان الله وهل يرغب أحد عن رسول الله ص فقال له الرضا (ع) أ فتراه كان يحل له أن يخطب إلي قال فسكت المأمون هنيئة ثم قال أنتم والله أمس برسول الله ص رحما

-------------------

بحار الانوار ج10 ص349, الفصول المختارة ص37, كنز الفوائد ج1 ص356 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

قال وحدثني الشيخ أدام الله عزه أيضا قال قال المأمون يوما للرضا (ع) أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين (ع) يدل عليها القرآن قال فقال له الرضا (ع) فضيلة في المباهلة قال الله جل جلاله {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} فدعا رسول الله ص الحسن والحسين (ع) فكانا ابنيه ودعا فاطمة (ع) فكانت في هذا الموضع نساؤه ودعا أمير المؤمنين (ع) فكان نفسه بحكم الله عز وجل فقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله ص وأفضل فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله ص بحكم الله تعالى قال فقال له المأمون أ ليس قد ذكر الله تعالى الأبناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله ابنيه خاصة وذكر النساء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله ص ابنته وحدها فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين (ع) ما ذكرت من الفضل قال فقال له الرضا (ع) ليس يصح ما ذكرت يا أمير المؤمنين وذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره كما أن الآمر آمر لغيره ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة وإذا لم يدع رسول الله ص رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين (ع) فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه وجعل حكمه ذلك في تنزيله قال فقال المأمون إذا ورد الجواب سقط السؤال

----------------

بحار الانوار ج10 ص350, الفصول المختارة ص38

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية 

 

الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة، قال للرضا (ع) الصوفية إن المأمون قد رد إليك هذا الأمر وأنت أحق الناس به إلا أنه تحتاج أن تلبس الصوف وما يحسن لبسه فقال (ع) ويحكم إنما يراد من الإمام قسطه وعدله إذا قال صدق وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز قال الله تعالى {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} إن يوسف (ع) لبس الديباج المنسوج بالذهب وجلس على متكآت آل فرعون

----------------

بحار الانوار ج10 ص351, العدد القوية ص297, كشف الغمة ج2 ص310 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية 

 

و أراد المأمون قتل رجل فقال له ما تقول يا أبا الحسن فقال إن الله لا يزيد لحسن العفو إلا عزا فعفا عنه

 وأتي المأمون بنصراني زنى بهاشمية فلما رآه أسلم فقال الفقهاء أهدر الإسلام ما قبله فسأل الرضا (ع) فقال اقتله فإنه ما أسلم حتى رأى البأس قال الله تعالى {فلما رأوا بأسنا الآيتان}

----------------

بحار الانوار ج10 ص351

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية