من مولده الى مبعثه

* إرضاعه (ص) من حليمة السعدية:

ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث من مضر زوجة الحارث ابن عبد العزى المضري أن البوادي أجدبت، وحملنا الجهد على دخول البلد، فدخلت مكة، ونساء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن، فسألت مرضعا فدلوني على عبد المطلب، وذكر أن له مولودا يحتاج إلى مرضع له، فأتيت إليه فقال: يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه محمد، فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور، فشرب من ثديي الأيمن ساعة، ولم يرغب في الأيسر أصلا، واستعمل في رضاعه عدلا، فناصف فيه شريكه، واختار اليمين اليمين، وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله (ص)، فحملته على الأتان وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا قوة ونشاطا، واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلاث مرات، وقالت: برئت من مرضي، وسلمت من غثي وعلي سيد المرسلين، وخاتم النبيين وخير الأولين والآخرين، فكان الناس يتعجبون منها ومن سمني وبرئي ودر لبني، فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتلألؤ نوره إلى عنان السماء وسلم عليه، وقال: إن الله تعالى وكلني برعايته، وقابلنا ظبأ وقلن: يا حليمة لا تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين، وأطهر الطاهرين، وما علونا تلعة ولا هبطنا واديا إلا سلموا عليه، فعرفت البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا، ولم يحدث في ثيابه، ولم تبد عورته، ولم يحتج في يوم إلا مرة، وكان مسرورا مختونا، وكنت أرى شابا على فراشه يعد له ثيابه، فربيته خمس سنين ويومين.

---------

مناقب آشوب ج 1 ص 32, بحار الأنوار ج 15 ص 332

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن حليمة: فكان ثديي اليمين لرسول الله (ص) واليسار لولدي ضميرة, وكان ولدي لا يشرب حتى يراه قد شرب. قالت: ولم أر قط ما يرى للأطفال طهارة ونظافة وإنما كان له وقت واحد ثم يعود إلى وقته من الغد, وما كان شي‏ء أبغض إليه من أن يرى جسده مكشوفا فكنت إذا كشفته يصيح حتى أستر عليه.

-----------

كنز الفوائد ج 1 ص 168

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن حليمة السعدية قالت: لما تمت للنبي (ص)‏ سنة تكلم بكلام لم أسمع أحسن منه, سمعته يقول: قدوس قدوس نامت العيون والرحمان لا تأخذه سنة ولا نوم, ولقد ناولتني امرأة كف تمر من صدقة فناولته منه وهو ابن ثلاث سنين فرده علي وقال يا أمة لا تأكلي الصدقة فقد عظمت نعمتك وكثر خيرك فإني لا آكل الصدقة, قالت: فو الله ما قبلتها بعد ذلك من أحد من العالمين.

-----------

كنز الفوائد ج 1 ص 168, بحار الأنوار ج 15 ص 400

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن حليمة السعدية: كانت في بني سعد شجرة يابسة ما حملت قط، فنزلنا يوما عندها ورسول الله (ص) في حجري, فما قمت حتى اخضرت وأثمرت ببركة منه، وما أعلم أني جلست موضعا قط إلا كان له أثر، إما نبات، وإما خصب، ولقد دخلت على امرأة من بني سعد يقال لها: أم مسكين وكانت سيئة الحال، فحملته فأدخلته منزلها، فإذا هي قد أخصبت وحسن حالها، فكانت تجئ كل يوم فتقبل رأسه. قالت حليمة: ما نظرت في وجه رسول الله (ص) وهو نائم إلا ورأيت عينيه مفتوحتين كأنه يضحك، وكان لا يصيبه حر ولا برد. قالت حليمة: ما تمنيت شيئا قط في منزلي إلا أعطيته من الغد، ولقد أخذ ذئب عنيزة لي فتداخلني من ذلك حزن شديد، فرأيت النبي (ص) رافعا رأسه إلى السماء، فما شعرت إلا والذئب والعنيزة على ظهره قد ردها علي ما عقر منها شيئا. قالت حليمة: ما أخرجته قط في شمس إلا وسحابة تظله، ولا في مطر إلا وسحابة تكنه (أي تستره) من المطر. قالت حليمة: فما زال من خيمتي نور ممدود بين السماء والأرض، ولقد كان الناس يصيبهم الحر والبرد فما أصابني حر ولا برد منذ كان عندي، ولقد هممت يوما أن أغسل رأسه فجئته وقد غسل رأسه ودهن وطيب، وما غسلت له ثوبا قط، وكلما هممت بغسل ثوبه سبقت إليه فوجدت عليه ثوبا غيره جديدا. قالت: ما كنت أخرج لمحمد (ص) ثديي إلا وسمعت له نغمة، ولا شرب قط إلا وسمعته ينطق بشئ، فتعجبت منه حتى إذا نطق وعقد كان يقول: بسم الله رب محمد, إذا أكل، وفي آخر ما يفرغ من أكله وشربه يقول: الحمد لله رب محمد.

------------

العدد القوية ص 122, بحار الأنوار ج 15 ص 340

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* وفاة والديه (ص):

خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات, ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا, فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض فقال: أنا أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار, فأقام عندهم مريضا شهرا ومضى أصحابه, فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض, فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة, وهو رجل من بني عدي بن النجار في الدار التي إذا دخلتها فالدويرة عن يسارك, وأخبره أخواله بمرضه وبقيامهم عليه وما ولوا من امره وانهم قبروه, فرجع إلى أبيه فأخبره فوجد عليه عبد المطلب وإخوته وأخواته وجدا شديدا, ورسول الله (ص) يومئذ حمل ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة.

------------

الطبقات الكبرى ج 1 ص 99, تاريخ مدينة دمشق ج 3 ص 77, المنتظم من تاريخ الأمم ج 2 ص 244, البداية والنهاية ج 2 ص 322, السيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 205, سبل الهدى والرشد ج 1 ص 331, السيرة الحلبية ج 1 ص 81

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ترك عبد الله بن عبد المطلب أم أيمن وخمسة أجمال أوارك - يعني تأكل الأراك - وقطعة غنم, فورث ذلك رسول الله (ص), فكانت أم أيمن تحضنه واسمها بركة.

-------

الطبقات الكبرى ج 1 ص 100, المحاضرات والمحاورات ص 56

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

قالت آمنة بنت وهب ترثي زوجها عبد الله بن عبد المطلب:

عفا جانب البطحاء من بن هاشم وجاور لحدا خارجا في الغماغم

دعته المنايا دعوة فأجابها وما تركت في الناس مثل بن هاشم

عشية راحوا يحملون سريره تعاوره أصحابه في التزاحم

فان يك غالته المنايا وريبها فقد كان معطاء كثير التراحم

-------

الطبقات الكبرى ج 1 ص 100, المحاضرات والمحاورات ص 56, أنساب الأشراف ج 1 ص 92, البدء والتاريخ ج 4 ص 116, سبل الهدى والرشاد ج 1 ص 332

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

كان رسول الله (ص) مع أمه آمنة بنت وهب, فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار تزورهم به ومعه أم أيمن تحضنه، وهم على بعيرين، فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم شهرا – وساق الحديث- ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانت بالأبواء توفيت أمه آمنة بنت وهب، فقبرها هناك فرجعت به أم أيمن إلى مكة وكانت تحضنه.

---------

سبل الهدى والرشاد ج 2 ص 120, الطبقات الكبرى ج 1 ص 116, المنتظم من تاريخ الأمم ج 2 ص 272, إمتاع الأسماع ج 4 ص 93, كفاية الطالب اللبيب ص 79, شبل الهدى والرشاد ج 2 ص 120

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: إن الله عز وجل أيتم نبيه (ص) لئلا يكون لاحد عليه طاعة.

----------

علل الشرائع ج 1 ص 131, الفقيه ج 3 ص 494, معاني الأخبار ص 53, الوافي ج 23 ص 1434, بحار الأنوار ج 16 ص 141

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* كفالة عبد المطلب (ع) لرسول الله (ص):

عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: إن عبد المطلب حجة، وأبو طالب وصيه.

------

الدر النظيم ص 40

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن رفاعة, عن أبي عبد الله (ع) قال: كان عبد المطلب (ع) يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لأحد غيره, وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه, فجاء رسول الله (ص) وهو طفل يدرج حتى جلس على فخذيه, فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه فقال له عبد المطلب (ع): دع ابني فإن الملك قد أتاه.

-------------

الكافي ج 1 ص 448, الوافي ج 3 ص 696, بحار الأنوار ج 15 ص 159

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن ابن عباس قال: كان يوضع لعبد المطلب (ع) فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إلا هو إجلالا له, وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب, فكان رسول الله (ص) يخرج وهو غلام فيمشي حتى يجلس على الفراش فيعظم ذلك على أعمامه ويأخذونه ليؤخروه, فيقول لهم عبد المطلب (ع) إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما, إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم, إني أرى غرته غرة تسود الناس, ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله ويقول: ما رأيت قبلة أطيب منه, ولا أطهر قط, ولا جسدا ألين منه, ولا أطيب منه, ثم يلتفت إلى أبي طالب وذلك أن عبد الله وأبا طالب لأم واحدة, فيقول: يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأنا عظيما فاحفظه واستمسك به فإنه فرد وحيد, وكن له كالأم لا يصل إليه بشي‏ء يكرهه, ثم يحمله على عنقه فيطوف به أسبوعا (أي سبعا) فكان عبد المطلب قد علم أنه يكره اللات والعزى فلا يدخله عليهما, فلما تمت له ست سنين ماتت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة, وكانت قدمت به على أخواله من بني عدي, فبقي رسول الله (ص) يتيما لا أب له ولا أم, فازداد عبد المطلب له رقة وحفظا وكانت هذه حاله حتى أدركت عبد المطلب (ع) الوفاة.

---------------

كمال الدين ج 1 ص 171, إعلام الورى ج 1 ص 62, بحار الأنوار ج 15 ص 142

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم وكانت والدة عبد المطلب (ع) قالت: تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع ودقت العظم, فبينا أنا راقدة لهم - أو مهمومة - إذ هاتف يصرخ بصوت صحل يقول: يا معشر قريش إن هذا النبي مبعوث قد أظلتكم أيامه وهذا إبان نجومه, فحيهلا بالحياء والخصب, ألا فانظروا رجلا منكم وسيطا عظاما جساما أبيض وضاء أو طف أهدب سهل الخدين أشم العرنين له فخر يكظم عليه وشنة يهدأ إليه فليخلص هو وولده, وليهبط إليه من كل بطن رجل فليشنوا من الماء وليمسوا من الطيب وليستلموا الركن, ثم ليرقوا أبا قبيس ثم ليدعوا الرجل وليؤمن القوم, فغثتم ما شئتم. فأصبحت علم الله فاقشعر جلدي ووله عقلي واقتصصت رؤياي ونمت في شعاب مكة فوق الحرمة والحرم ما بقي بها أبطح إلا قال: هذا شيبة الحمد, وتناهت إليه رجالات قريش وهبط إليه من كل بطن رجل فشنوا ومشوا واستلموا ثم ارتقوا أبا قبيس واصطفوا حوله

ما يبلغ سعيهم مهلة, حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب (ع) ومعه رسول الله (ص) غلام قد أيفع أو كرب فرفع يديه وقال: اللهم ساد الخلة, وكاشف الكربة, أنت معلم غير معلم, ومسؤول غير مبخل, وهذه عبيدك وإماؤك, هذا رب حرمك يشكون إليك سنتهم أذهبت الخف والظلف, اللهم فأمطر علينا غيثا طبقا مغدقا مريعا. فورب الكعبة ما راحوا حتى تفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجيجه, فسمعت شيخان قريش وحليها عبد الله بن جدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئا لك أبا البطيحاء. وفي ذلك تقول رقيقة بنت أبي صيفي:

لشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر

فجاد بالماء جوني له سبل ... سحا فعاشت به الانعام والشجر

منا من الله بالميمون طائره ... وخير من بشرت يوما به مضر

مبارك الامر يستسقي الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر

-------------

مجمع الزوائد ج 2 ص 214, الأحاديث الطوال ص 68, الدعاء للطبراني ص 605, المعجم الكبير ج 24 ص 259, تاريخ مدينة دمشق ج 57 ص 149, أسد الغابة ج 5 ص 454, ربيع الأبرار ج 1 ص 109, المنتظم من تاريخ الأمم ج 2 ص 275, دلائل النبوة ج 2 ص 15, كفاية الطالب اللبيب ج 1 ص 80, سبل الهدى والرشاد ج 2 ص 131, التذكرة الحمدونية ج 9 ص 158 بدون الشعر

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن المفضل بن عمر, عن أبي عبد الله (ع) قال: كان عبد المطلب (ع) أرسل رسول الله (ص) إلى رعاته في إبل قد ندت له فجمعها فأبطأ عليه, فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل يقول: يا رب أتهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدا لك, فجاء رسول الله (ص) بالإبل وقد وجه عبد المطلب (ع) في كل طريق وفي كل شعب في طلبه, وجعل يصيح: يا رب, أتهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدا لك, ولما رأى رسول الله (ص) أخذه فقبله وقال: يا بني لا وجهتك بعد هذا في شي‏ء فإني أخاف أن تغتال فتقتل.

---------

الكافي ج 1 ص 447, مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 34, الوافي ج 3 ص 694, بحار الأنوار ج 15 ص 157

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن كميل بن سعيد, عن أبيه قال: حججت في الجاهلية فإذا أنا برجل يطوف بالبيت وهو يرتجز ويقول‏:

يا رب رد راكبي محمدا ... رد إلي واصطنع عندي يدا

 قال: فقلت: من هذا؟ قيل: هو عبد المطلب بن هاشم, ذهبت إبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها, ولم يرسله في حاجة قط إلا جاء بها وقد احتبس عليه, قال: فما برحت أن جاء النبي (ص) وجاء بالإبل, فقال له: يا بني قد حزنت عليك حزنا, لا يفارقني أبدا.

----------

العدد القوية ص 127, الدر النظيم 80, بحار الأنوار ج 15 ص 156

نحوه من كتب السنة: المعجم الكبير ج 6 ص 64, تفسير الثعلبي ج 10 ص 226, التاريخ الكبير ج 3 ص 454, تاريخ الإسلام للذهبي ج 1 ص 54

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن ابن عباس في حديث عن حسن تعامل عبد المطلب (ع) مع رسول الله (ص): وكانت هذه حاله حتى أدركت عبد المطلب (ع) الوفاة, فبعث إلى أبي طالب ومحمد على صدره وهو في غمرات الموت وهو يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول: يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة أمه, انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإني قد تركت بني كلهم وأوصيتك به لأنك من أم أبيه, يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس وأعلم الناس به, فإن استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك, فإنه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي, يا أبا طالب ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا أمه على حال أمه فاحفظه لوحدته, هل قبلت وصيتي فيه؟ فقال (ع): نعم قد قبلت والله علي بذلك شهيد, فقال عبد المطلب (ع): فمد يدك إلي, فمد يده إليه فضرب يده على يده ثم قال عبد المطلب: الآن خفف علي الموت, ثم لم يزل يقبله ويقول: أشهد أني لم أقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا منك ولا أحسن وجها منك, ويتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه, فمات عبد المطلب (ع) وهو ابن ثمان سنين فضمه أبو طالب (ع) إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار, وكان ينام معه حتى لا يأتمن عليه أحدا.

---------------

كمال الدين ج 1 ص 172, إعلام الورى ج 1 ص 62, بحار الأنوار ج 15 ص 143

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

أوصى عبد المطلب (ع) إلى ابنه إلى أبي طالب (ع) برسول الله (ص) وسقاية زمزم, وقال له: قد خلفت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب العرب. وقال لأبي طالب (ع):

أوصيك يا عبد مناف بعدي ... بمفرد بعد أبيه فرد

فارقه وهو ضجيع المهد ... فكنت كالأم له في الوجد

تدنيه من أحشائها والكبد ... فأنت من أرجى بني عندي

لدفع ضيم أو لشد عقد

وتوفي عبد المطلب (ع) ولرسول الله (ص) ثماني سنين ولعبد المطلب المطلب مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة وأربعون سنة. وأعظمت قريش موته، وغسل بالماء والسدر. وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر، ولف في حلتين من حلل اليمن قيمتهما ألف مثقال ذهب، وطرح عليه المسك حتى سترة، وحمل على أيدي الرجال عدة أيام إعظاما وإكراما وإكبارا لتغييبه في التراب. واحتبى ابنه بفناء الكعبة لما غيب عبد المطلب واحتبى ابن جدعان التيمي من ناحية والوليد بن ربيعة

المخزومي، فادعى كل واحد الرئاسة. وروي عن رسول الله (ص) أنه قال: إن الله يبعث جدي عبد المطلب أمة واحدة في هيئة الأنبياء وزي الملوك. فكفل رسول الله (ص) بعد وفاة عبد المطلب أبو طالب عمه، فكان خير كافل.

------------

تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 13

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

مات عبد المطلب بالطائف.

-----------

العدد القوية ص 140, الدر النظيم ص 43, بحار الأنوار ج 15 ص 161

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده, عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك.

--------

الكافي ج 1 ص 447, الدر النظيم ص 40, الوافي ج 3 ص 694, بحار الأنوار ج 15 ص 157

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: يبعث عبد المطلب أمة وحده, عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء, وذلك أنه أول من قال بالبداء

--------

الكافي ج 1 ص 447, الوافي ج 3 ص 694, بحار الأنوار ج 15 ص 158

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* كفالة أبو طالب (ع) لرسول الله (ص):

عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: إن عبد المطلب حجة، وأبو طالب وصيه.

------

الدر النظيم ص 40

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن رسول اله (ص) أنه قال: إن أبي هلك وأنا صغير. فأخذتني هي – فاطمة بنت أسد – وزوجها, فكانا يوسعان علي ويؤثراني على أولادهما.

----------

علل الشرائع ج 2 ص 469, بحار الأنوار ج 35 ص 77

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله (ع) يقولان: حج رسول الله (ص) عشرين حجة مستسرا, منها عشرة حجج - أو قال: سبعة الوهم من الراوي - قبل النبوة, وقد كان صلى قبل ذلك وهو ابن أربع سنين, وهو مع أبي طالب (ع) في أرض بصرى, وهو موضع كانت قريش تتجر إليه من مكة.

------------

السرائر ج 3 ص 575, بحار الأنوار ج 15 ص 361

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي طالب (ع): لقد كنت كثيرا ما أسمع منه - من رسول الله (ص) - إذا ذهب من الليل كلاما يعجبني، وكنا لا نسمي على الطعام ولا على الشراب حتى سمعته يقول: بسم الله الأحد، ثم يأكل، فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيرا، فتعجبت منه، وكنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السماء، ثم لم أر منه كذبة قط، ولا جاهلية قط، ولا رأيته يضحك في موضع الضحك، ولا وقف مع صبيان في لعب، ولا التفت إليهم، وكان الوحدة أحب إليه والتواضع. وكان النبي (ص) ابن سبع سنين فقالت اليهود: وجدنا في كتبنا أن محمدا يجنبه ربه من الحرام والشبهات فجربوه، فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة، فكانت قريش يأكلون منها، والرسول تعدل يده عنها، فقالوا: مالك؟ قال: أراها حراما يصونني ربي عنها، فقالوا: هي حلال فنلقمك، قال: فافعلوا إن قدرتم، فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات، فجاؤوه بدجاجة أخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا جاء، فتناول منها لقمة فسقطت من يده، فقال (ع): وما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عنها، فقالوا: نلقمك منها، فكلما تناولوا منها ثقلت في أيديهم، فقالوا: لهذا شأن عظيم. ولما ظهر أمره (ص) عاداه أبو جهل، وجمع صبيان بني مخزوم وقال: أنا أميركم، وانعقد صبيان بني هاشم وبني عبد المطلب على النبي وقالوا: أنت الأمير، قالت أم علي (ع): وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست، ولها زمان يابسة، فأتى النبي (ص) يوما إلى الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضراء، وحملت الرطب، فكنت في كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة، فإذا كانت وقت ضاحي النهار يدخل يقول: يا أماه أعطيني ديوان العسكر، وكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان بني هاشم، فلما كان بعض الأيام دخل وقال: يا أماه أعطيني ديوان العسكر، فقلت: يا ولدي اعلم أن النخلة ما أعطتنا اليوم شيئا، قالت: فوحق نور وجهه لقد رأيته وقد تقدم نحو النخلة وتكلم بكلمات وإذا بالنخلة قد أنحنت حتى صار رأسها عنده، فأخذ من الرطب ما أراد، ثم عادت النخلة إلى ما كانت.

------------

مناقب آشوب ج 1 ص 37, بحار الأنوار ج 15 ص 335

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي طالب (ع): كنا لا نسمي على الطعام ولا على الشراب ولا ندري ما هو حتى ضممت محمدا (ص) إلي, فأول ما سمعته يقول: بسم الله الأحد, ثم يأكل فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيرا, فتعجبنا منه وكان يقول: ما رأيت جسد محمد (ص) قط, وكان لا يفارقني الليل والنهار, وكان ينام معي في فراشي فأفقده من فراشه فإذا قمت لأطلبه بادرني من فراشه فيقول: ها أنا يا عم ارجع إلى مكانك, ولقد رأيت ذئبا يوما قد جاءه وشمه وبصبص حوله ثم ربض بين يديه ثم انصرف عنه, ولقد دخل ليلا البيت فأضاء ما حوله ولم أر منه نجوا قط, ولا رأيته يضحك في غير موضع الضحك, ولا وقف مع صبيان في لعب ولا التفت إليهم, وكان الوحدة أحب إليه والتواضع, ولقد كنت أرى أحيانا رجلا أحسن الناس وجها يجي‏ء حتى‏ يمسح على رأسه ويدعو له ثم يغيب. ولقد رأيت رؤيا في أمره ما رأيتها قط, رأيته وكان الدنيا قد سيقت إليه وجميع الناس يذكرونه, ورأيته وقد رفع فوق الناس كلهم وهو يدخل في السماء. ولقد غاب عني يوما فذهبت في طلبه فإذا أنا به يجي‏ء ومعه رجل لم أر مثله قط, فقلت له: يا بني أليس قد نهيتك أن تفارقني؟ فقال الرجل: إذا فارقك كنت أنا معه أحفظه, فلم أر منه في كل يوم إلا ما أحب حتى شب وخرج يدعو إلى الدين.

--------------

الدر النظيم ص 91, العدد القوية ص 146, بحار الأنوار ج 15 ص 360

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* قصة الراهب بحيرا:

عن العباس بن عبد المطلب‏، عن أبي طالب (ع) قال: خرجت إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولده النبي (ص)، وكان في أشد ما يكون من الحر، فلما أجمعت‏ على السير، قال لي رجال من قومي: ما تريد أن تفعل بمحمد (ص) وعلى من تخلفه؟ فقلت: لا أريد أن أخلفه‏ على أحد من الناس، أريد أن يكون معي، فقيل لي: غلام صغير في حر مثل هذا تخرجه معك؟ فقلت: والله لا يفارقني حيث ما توجهت أبدا فإني لأوطي‏ء له الرحل، فذهبت فحشوت له حشية كساء وكتانا. وكنا ركبانا كثيرا، فكان والله البعير الذي عليه محمد (ص) أمامي لا يفارقني فكان يسبق الركب كلهم، فكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه، فتقف على رأسه ولا تفارقه، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا، وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة إلا بدينارين، وكنا حيث ما نزلنا تمتلى‏ء الحياض، ويكثر الماء، وتخضر الأرض. فكنا في كل خصب وطيب من الخير، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله (ص) فمسح يده عليها فسارت، فلما قربنا من بصرى الشام، إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى قربت منا ووقفت، وإذا فيها راهب، وكانت السحابة لا تفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة واحدة، وكان الراهب لا يكلم الناس ولا يدري ما الركب وما فيه من التجارة. فلما نظر إلى النبي (ص) عرفه، فسمعته يقول له: إن كان أحد فأنت أنت، قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب، قليلة الأغصان ليس لها حمل، وكانت الركبان تنزل تحتها، فلما نزلها رسول الله (ص) اهتزت الشجرة وألقت أغصانها على رسول الله (ص) وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة: فاكهتان للصيف، وفاكهة للشتاء، فتعجب جميع من معنا من ذلك، فلما رأى بحيرا الراهب ذلك ذهب، فاتخذ لرسول الله (ص) طعاما بقدر ما يكفيه. ثم جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال: أي شي‏ء تكون منه؟ فقلت: أنا عمه، فقال: يا هذا إن له أعماما، أي الأعمام أنت؟ فقلت أنا أخو أبيه من أم واحدة، فقال: إنه هو، وإلا فلست بحيراء. ثم قال لي: يا هذا أتأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله؟ فقلت: قربه إليه، والتفت إلى النبي (ص) فقلت: يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل، فقال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيرا: نعم هو لك خاصة، فقال النبي (ص): فإني لا آكل دون هؤلاء، فقال بحيرا: إنه لم يكن عندي أكثر من هذا، فقال: أفتأذن يا بحيرا أن يأكلوا معي؟ فقال: بلى فقال: كلوا بسم الله، فأكل وأكلنا معه، فو الله لقد كنا مائة وسبعين رجلا وأكل كل واحد منا حتى شبع وتجشئ، قال: وبحيرا قائم على رأس رسول الله (ص) يذب عنه ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه‏، ويقول: هو هو ورب المسيح، والناس لا يفقهون، فقال له رجل من الركبان: إن لك لشأنا وقد كنا نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر؟ فقال بحيرا: والله إن لي لشأنا وشأنا وإني لأرى ما لا ترون، وأعلم ما لا تعلمون، وإن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه والله ما أكرمتكم إلا له. ولقد رأيت له وقد أقبل نورا أمامه ما بين السماء والأرض، ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه، وآخرون ينثرون عليه‏ أنواع الفواكه، ثم هذه السحابة لا تفارقه، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها. ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ولقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه: فاكهتان للصيف، وفاكهة للشتاء. ثم هذه الحياض قد غارت وذهب ماؤها أيام تمرج‏ بني إسرائيل بعد الحواريين حين وردوا عليهم، فوجدنا في كتاب شمعون الصفا: أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها. ثم قال: متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لأجل نبي يخرج في أرض تهامة مهاجرا إلى المدينة، اسمه في قومه محمد الأمين وفي السماء أحمد (ص)، وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه، فو الله إنه لهو. ثم قال بحيرا: يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى إلا اخبرتنيها فغضب رسول الله (ص) عند ذكر اللات والعزى، وقال: لا تسألني بهما فو الله ما أبغضت شيئا كبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي. فقال بحيراء: هذه والله واحدد، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني، فقال: سل عما بدا لك، فإنك قد سألتني بإلهي، وإلهك الذي ليس كمثله شي‏ء. فقال: أسألك عن نومك وهيأتك وأمورك ويقظتك، فأخبره عن نومه وهيأته وأموره ويقظته وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته التي عنده، فانكب عليه بحيرا فقبل رجليه وقال: يا بني ما أطيبك وأطيب ريحك؟! يا أكثر النبيين أتباعا، يا من بهاء نور الدنيا من نوره، يا من بذكره‏ تعمر المساجد، كأني بك قد قدت الأجناد والخيل الجياد، وقد تبعك العرب والعجم طوعا وكرها، وكأني باللات والعزى وقد كسرتهما، وقد صار البيت العتيق لا يملكه أحد غيرك، تضع مفاتيحه حيث تريد، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه! معك مفاتيح الجنان والنيران، معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام، أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قمئة، فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول: لإن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند، أنت سيد ولد آدم، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت، فهي ضاحكة إلى يوم القيمة فرحا بك، والله لقد بكت البيع والأصنام والشياطين، فهي باكية إلى يوم القيمة، أنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية. ثم التفت إلى أبي طالب فقال: ما يكون‏ هذا الغلام منك فإني أراك لا تفارقه؟ فقال أبو طالب: هو ابني، فقال: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا ولا أمه، فقال: إنه ابن أخي، وقد مات أبوه وأمه حاملة به، وماتت أمه وهو ابن ست سنين فقال: صدقت هكذا هو، ولكن أرى لك أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه، فإنه ما بقي على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغنه شرا وأكثر ذلك هؤلاء اليهود. فقال أبو طالب: ولم ذلك؟ قال: لأنه كاين لابن أخيك هذا النبوة والرسالة، ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى، فقال أبو طالب: كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه. ثم خرجنا به إلى الشام، فلما قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلها قد اهتزت، وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلما توسطنا الشام، ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحم الناس وينظرون إلى وجه رسول الله (ص)، وذهب الخبر في جميع الشامات، حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه. فجاء حبر عظيم، كان اسمه نسطور، فجلس حذاه ينظر إليه ولا يكلمه بشي‏ء حتى فعل ذلك ثلثة أيام متوالية، فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا، فقلت له: يا راهب كأنك تريد منه شيئا؟ فقال أجل إني أريد منه شيئا، ما اسمه (ع)؟ قلت: محمد بن عبد الله (ص)، فتغير والله لونه، ثم قال: فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه؟ فكشف عن ظهره، فلما رأى الخاتم انكب عليه يقبله ويبكي. ثم قال: يا هذا اسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه، فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك، فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده، فقال له: ترى أن تلبس هذا القميص لتذكرني‏ به؟ فلم يقبله ورأيته كارها لذلك، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم وقلت: أنا ألبسه، وعجلت به حتى رددته إلى مكة، فو الله ما بقي بمكة يومئذ امرأة، ولا كهل ولا شاب، ولا صغير، ولا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبا جهل لعنه الله فإنه كان فاتكا ماجنا قد ثمل‏ من السكر. (1)

و في حديث آخر: لما فارقه بحيرا بكى بكاء شديدا، وأخذ يقول: يا ابن آمنة كأني بك وقد رمتك العرب بوترها، وقد قطعك الأقارب، ولو علموا لكنت عندهم بمنزلة الأولاد. ثم التفت إلي وقال: أما أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة، احفظ فيه وصية أبيك، فإن قريشا ستهجرك فيه فلا تبال فإني أعلم أنك لا تؤمن به ظاهرا، وستؤمن به باطنا، ولكن سيؤمن به ولد تلده، وسينصره نصرا عزيزا، اسمه في السماوات البطل‏ الهاصر، والشجاع الأنزع‏، منه الفرخان المستشهدان وهو سيد العرب والعجم، ورئيسها وذو قرنيها، وهو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى (ع). فقال أبو طالب: فقد رأيت والله الذي وصفه بحيرا وأكثر. (2)

-----------

(1) كمال الدين ج 1 ص 182, حلية الأبرار ج 1 ص 41, بحار الأنوار ج 15 ص 193, الخرائج ج 3 ص 1084

(2) كمال الدين ج 1 ص 187, حلية الأبرار ج 1 ص 47, بحار الأنوار ج 15 ص 198

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبان بن عثمان يرفعه قال: لما بلغ رسول الله (ص) أراد أبو طالب (ع) يخرج إلى الشام في عير قريش, فجاء رسول الله (ص) وتشبث بالزمام وقال: يا عم على من تخلفني؟ لا على أم ولا على أب, وقد كانت أمه توفيت, فرق له أبو طالب (ع) ورحمه وأخرجه معه, وكانوا إذا ساروا تسير على رأس رسول الله (ص) الغمامة تظله من الشمس, فمروا في طريقهم برجل يقال له "بحيراء" فلما رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته فأخذ لقريش طعاما وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه, فأتوه وخلفوا رسول الله (ص) في الرحل, فنظر بحيراء إلى الغمامة قائمة فقال لهم: هل بقي منكم أحد لم يأتني؟ فقالوا: ما بقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل, فقال: لا ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم, فبعثوا إلى رسول الله (ص) فلما أقبل أقبلت الغمامة, (1) فلما نظر إليه بحيراء قال: من هذا الغلام؟ قالوا: ابن هذا, وأشاروا إلى أبي طالب (ع), فقال له بحيراء: هذا ابنك؟ فقال أبو طالب (ع): هذا ابن أخي, قال: ما فعل أبوه؟ قال: توفي وهو حمل, فقال بحيراء لأبي طالب (ع): رد هذا الغلام في بلاده فإنه إن علمت منه اليهود ما أعلم منه قتلوه, فإن لهذا شأنا من الشأن, هذا نبي هذه الأمة هذا نبي السيف‏. (2)

--------------

(1) الى هنا في إثبات الهداة

(2) كمال الدين ج 1 ص 187, حلية الأبرار ج 1 ص 47, بحار الأنوار ج 15 ص 200, إثبات الهداة ج 1 ص 291

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: فنشأ رسول الله (ص) في حجر أبي طالب (ع),‏ فبينما هو غلام يجي‏ء بين الصفا والمروة إذ نظر إليه رجل من أهل الكتاب فقال: ما اسمك؟ قال: اسمي محمد, قال: ابن من؟ قال: ابن عبد الله, قال: ابن من؟ قال: ابن عبد المطلب, قال: فما اسم هذه؟ - وأشار إلى السماء - قال: السماء, قال: فما اسم هذه؟ - وأشار إلى الأرض - قال: الأرض, قال: فمن ربهما؟ قال: الله, قال: فهل لهما رب غيره؟ قال: لا. ثم إن أبا طالب (ع) خرج به معه إلى الشام في تجارة قريش, فلما انتهى به إلى بصرى وفيها راهب لم يكلم أهل مكة إذا مروا به ورأى علامة رسول الله (ص) في الركب, فإنه رأى غمامة تظله في مسيره, ونزل تحت شجرة قريبة من صومعته, فثنيت أغصان الشجرة عليه والغمامة على رأسه بحالها, فصنع لهم طعاما واجتمعوا إليه وتخلف النبي محمد (ص), فلما نظر بحيراء الراهب إليهم ولم ير الصفة التي يعرف قال: فهل تخلف منكم أحد؟ قالوا: لا واللات والعزى إلا صبي, فاستحضره فلما لحظ إليه نظر إلى أشياء من جسده قد كان يعرفها من صفته, فلما تفرقوا قال: يا غلام أتخبرني عن أشياء أسألك عنها؟ قال: سل, قال: أنشدك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه, وإنما أراد أن يعرف لأنه سمعهم يحلفون بهما, فذكروا أن النبي (ص) قال له: لا تسألني باللات والعزى فإني والله لم أبغض بغضهما شيئا قط, قال: فو الله لأخبرتني عما أسألك عنه. قال: فجعل يسأله عن حاله في نومه وهيئته في أموره فجعل رسول الله (ص) يخبره, فكان يجدها موافقة لما عنده فقال له: اكشف عن ظهرك, فكشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الموضع الذي يجده عنده, فأخذه الأفكل وهو الرعدة واهتز الديراني فقال: من أبو هذا الغلام؟ قال أبو طالب (ع): هو ابني, قال: لا والله لا يكون أبوه حيا, قال: أبو طالب (ع): إنه هو ابن أخي, قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وهو ابن شهرين, قال: صدقت فارجع بابن أخيك إلى بلادك واحذر عليه اليهود فو الله لئن رأته وعرفوا منه الذي عرفته ليبغنه شرا, فخرج أبو طالب (ع) فرده إلى مكة.

-----------

الخرائج ج 1 ص 71, بحار الأنوار ج 15 ص 214

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن معمر, عن الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) ذات يوم وأنا طفل خماسي، إذ دخل عليه نفر من اليهود، فقالوا: أنت ابن محمد نبي هذه الأمة، والحجة على أهل الأرض؟ قال لهم: نعم. قال: إنا نجد في التوراة أن الله تبارك وتعالى آتى إبراهيم وولده الكتاب والحكمة والنبوة، وجعل لهم الملك والامامة، وهكذا وجدنا ورثة الأنبياء لا تتعداهم النبوة والخلافة، فما بالكم قد تعداكم ذلك وثبت في غيركم، ونلقاكم مستضعفين لا ترقب فيكم ذمة نبيكم‏؟ فدمعت عينا أبي عبد الله (ع) ثم قال: نعم لم تزل أنبياء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حق، والظلمة غالبة، وقليل من عبادي الشكور. قالوا: فإن الأنبياء وأولادهم علموا من غير تعليم، وأوتوا العلم تلقينا، وكذلك ينبغي لأئمتهم وخلفائهم وأوصيائهم، فهل أوتيتم ذلك؟ فقال أبو عبد الله (ع): ادنه يا موسى فدنوت فمسح يده على صدري ثم قال: اللهم أيده بنصرك بحق محمد وآله. ثم قال: سلوه عما بدا لكم، قالوا: كيف نسأل طفلا لا يفقه، قلت: سلوني تفقها ودعوا العنت‏، قالوا: أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران، قلت: العصا، وإخراجه يده من جيبه بيضاء، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ورفع الطور، والمن والسلوى آية واحدة، وفلق البحر. قالوا: صدقت فما أعطي نبيكم من الآيات التي نفت الشك عمن أرسل إليه: قلت: آيات كثيرة أعدها إنشاء الله فاسمعوا وعوا وافقهوا. - وذكر آيات كثيرة إلى أن قال موسى بن جعفر (ع) في الآيات - ومن ذلك أنه توجه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش، فلما كان بحيال بحيرا الراهب نزلوا بفناء ديره، وكان عالما بالكتب، وقد كان قرأ في التوراة مرور النبي (ص) به، وعرف أوان ذلك، فأمر فدعى إلى طعامه، فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها، فقال: هل بقي في رجالكم أحد؟ فقالوا: غلام يتيم، فقام بحيرا فاطلع، فإذا هو برسول الله (ص) نائم، وقد أظلته سحابة، فقال للقوم: ادعوا هذا اليتيم، ففعلوا وبحيرا مشرف عليه، وهو يسير والسحابة قد أظلته، فأخبر القوم بشأنه وأنه سيبعث فيهم رسولا وما يكون من حاله وأمره، فكان القوم بعد ذلك يهابونه ويبجلونه فلما قدموا أخبروا قريشا بذلك.

-------------

حلية الأبرار ج 1 ص 48, قرب الإسناد ص 317, إثبات الهداة ج 1 ص 267, بحار الأنوار ج 17 ص 224

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

لما خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله (ص) في المرة الأولى وهو بن اثنتي عشرة سنة, فلما نزل الركب بصرى من الشام وبها راهب يقال له "بحيرا" في صومعة له, وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه, فلما نزلوا بحيرا وكان كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم, حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا فصنع لهم طعاما ثم دعاهم, وانما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله (ص) من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة, ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة واخضلت أغصان الشجرة على النبي (ص) حين أستظل تحتها, فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فأتي به وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضروه كلكم, ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا, حرا ولا عبدا, فإن هذا شئ تكرموني به, فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع بنا هذا, فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم ولكم حق, فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله (ص) من بين القوم لحداثة سنه, ليس في القوم أصغر منه في رحالهم, تحت الشجرة, فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده وجعل ينظر ولا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها متخلفة على رأس رسول الله (ص), قال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي, قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم, فقال: أدعوه فليحضر طعامي, فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم, فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا وهو بن أخي هذا الرجل - يعنون أبا طالب - وهو من ولد عبد المطلب فقال الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف: والله ان كان بنا للؤم أن يتخلف بن عبد المطلب من بيننا, ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه, وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته, فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى الا أخبرتني عما أسألك, فقال رسول الله (ص): لا تسألني باللات والعزى, فوالله ما أبغضت شيئا بغضهما, قال: فبالله الا أخبرتني عما أسألك عنه, قال: سلني عما بدا لك, فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه فجعل رسول الله (ص) يخبره فيوافق ذلك ما عنده, ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده, قال: فقبل موضع الخاتم وقالت قريش: ان لمحمد عند هذا الراهب لقدرا, وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على بن أخيه, فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني, قال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا, قال: فابن أخي, قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به, قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا, قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود, فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه عنتا, فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا, واعلم أني قد أديت إليك النصيحة, فلما فرغوا من تجاراتهم خرج به سريعا وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله (ص) وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه, فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم, قال: فما لكم إليه سبيل, فصدقوه وتركوه ورجع به أبو طالب, فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه.

-----------

الطبقات الكبرى ج 1 ص 153. نحوه: تاريخ مدينة دمشق ج 3 ص 10, المنتظم في تاريخ الأمم ج 2 ص 292, البداية والنهاية ج 2 ص 345, إمتاع الأسماع ج 8 ص 179, السير والمغازي ج 2 ص 53, دلائل النبوة ج 2 ص 26, السيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 243, كفاية الطالب اللبيب ج 1 ص 83

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن آمنة بنت أبي سعيد السهمي قالت: امتنع أبو طالب من إتيان اللات والعزى بعد رجوعه من الشام في المرة الأولى حتى وقع بينه وبين قريش كلام كثير، فقال لهم أبو طالب (ع): إنه لا يمكنني أن أفارق هذا الغلام ولا مخالفته، وإنه يأبى أن يصير إليهما، ولا يقدر أن يسمع بذكرهما، ويكره أن آتيهما أنا، قالوا: فلا تدعه وأدبه حتى يفعل ويعتاد عبادتهما، فقال أبو طالب (ع): هيهات ما أظنكم تجدونه ولا ترونه يفعل هذا أبدا، قالوا: ولم ذاك؟ قال: لأني سمعت بالشام جميع الرهبان يقولون: هلاك الأصنام على يد هذا الغلام، قالوا: فهل رأيت يا أبا طالب منه شيئا غير هذا الذي تحكيه عن الرهبان؟ فإنه غير كائن أبدا أو نهلك جميعا، قال: نعم، نزلنا تحت شجرة يابسة فاخضرت وأثمرت، فلما ارتحلنا وسرنا نثرت على رأسه جميع ثمرها ونطقت، فما رأيت شجرة قط تنطق قبلها وهي تقول: يا أطيب الناس فرعا وأزكاهم عودا، امسح بيديك المباركتين على لابقي خضراء إلى يوم القيامة، قال: فمسح يده عليها فازدادت الضعف نورا وخضرة، فلما رجعنا للانصراف ومررنا عليها ونزلنا تحتها فإذا كل طير على ظهر الأرض له فيها عش وفرخ، ولها بعدد كل صنف من الطير أغصان كأعظم الأشجار على ظهور الأرضين، قال: فما بقي طير إلا استقبله يمد جناحه على رأسه، قال: فسمعت صوتا من فوقها وهي تقول: ببركتك يا سيد النبيين والمرسلين قد صارت هذه الشجرة لنا مأوى، فهذا ما رأيت، فضحكت قريش في وجهه، وهم يقولون: أترى يطمع أبو طالب أن يكون ابن أخيه ملك هذا الزمان.

-------------

العدد القوية ص 131, الدر النظيم ص 84, بحار الأنوار ج 15 ص 357

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

حدث بكر بن عبد الله الأشجعي, عن آبائه قالوا: خرج سنة خرج رسول الله (ص) إلى الشام عبد مناف بن كنانة ونوفل بن معاوية بن عروة تجارا إلى الشام فلقيهما أبو المويهب الراهب فقال لهما: من أنتما؟ قالا: نحن تجار من أهل الحرم من قريش, قال لهما: من أي قريش؟ فأخبراه فقال لهما: هل قدم معكما من قريش غيركما؟ قالا: نعم شاب من بني هاشم اسمه محمد, فقال أبو المويهب: إياه والله أردت, فقالا: والله ما في قريش أخمل ذكرا منه, إنما يسمونه يتيم قريش وهو أجير لامرأة منا يقال لها خديجة, فما حاجتك إليه؟ فأخذ يحرك رأسه ويقول: هو هو, فقال لهما: تدلاني عليه, فقالا: تركناه في سوق بصرى, فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول الله (ص) فقال: هو هذا, فخلا به ساعة يناجيه ويكلمه, ثم أخذ يقبل بين عينيه وأخرج شيئا من كمه لا ندري ما هو ورسول الله (ص) يأبى أن يقبله, فلما فارقه قال لنا: تسمعان مني, هذا والله نبي هذا الزمان, سيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله, فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه, ثم قال: هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي؟ فقلنا: لا, قال: إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته وهو أول من يؤمن به, نعرفه وإنا لنجد صفته عندنا في الوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة, وإنه سيد العرب وربانيها وذو قرنيها, يعطي السيف حقه اسمه في الملإ الأعلى علي.

------------

كمال الدين ج 1 ص 190, الخرائج ج 3 ص 1093, العدد القوية ص 144, حلية الأبرار ج 1 ص 53, بحار الأنوار ج 15 ص 359

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن يعلي النسابة قال: خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص‏ وطليق بن سفيان بن أمية، تجارا إلى الشام سنة خرج رسول الله (ص) فيها، فكانا معه وكانا يحكيان: أنهما رأيا في مسيره وركوبه مما يصنع الوحش والطير، فلما توسطنا سوق بصرى، إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاؤوا متغيري الألوان، كأن على وجوههم الزعفران، ترى منهم الرعدة، فقالوا: نحب أن تأتوا كبيرنا فإنه ههنا قريب في الكنيسة العظمى، فقلنا: ما لنا ولكم؟ فقالوا: ليس يضركم من هذا شي‏ء، ولعلنا نكرمكم، وظنوا أن واحدا منا محمد (ص)، فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان، فإذا كبيرهم قد توسطهم وحوله تلامذته، وقد نشر كتابا في يديه، فأخذ ينظر إلينا مرة وفي الكتاب مرة، فقال لأصحابه: ما صنعتم شيئا، لم تأتوني بالذي أريد، وهو الآن هيهنا. ثم قال لنا: من أنتم؟ فقلنا: رهط من قريش، فقال: من أي قريش؟ فقلنا: من بني عبد شمس، فقال لنا: معكم غيركم؟ فقلنا: بلى معنا شاب من بني هاشم نسميه يتيم بني عبد المطلب، فو الله لقد نخر نخرة كاد أن يغشى عليه، ثم وثب فقال: أوه أوه هلكت النصرانية والمسيح، ثم قام واتكى على صليب من صلبانه وهو مفكر، وحوله ثمانون رجلا من البطارقة والتلامذة، فقال لنا: فيخف عليكم أن ترونيه؟ فقلنا له: نعم، فجاء معنا فإذا نحن بمحمد (ص) قائم في سوق بصرى، والله لكأنا لم نر وجهه إلا يومئذ، كأن هلالا يتلألأ من وجهه، قد ربح الكثير واشترى الكثير، فأردنا أن نقول للقسيس هو هذا فإذا هو سبقنا فقال: هو هو، قد عرفته والمسيح، فدنا منه، وقبل رأسه، وقال له: أنت المقدس. ثم أخذ يسأله عن أشياء من علاماته، فأخذ النبي (ص) يخبره، فسمعناه يقول: لأن أدركت زمانك لأعطين السيف حقه، ثم قال لنا: أتعلمون ما معه؟ معه الحياة والموت، من تعلق به حي طويلا، ومن زاغ عنه مات موتا لا يحيى بعده أبدا. هو الذي معه الذبح الأعظم به ثم قبل وجهه ورجع راجعا.

----------

كمال الدين ج 1 ص 188, حلية الأبرار ج 1 ص 52, بحار الأنوار ج 15 ص 201

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* زواجه (ص) من السيدة خديجة بنت خويلد (ع):

عن جابر قال: كان سبب تزويج خديجة محمدا (ص) أن أبا طالب قال: يا محمد, إني أريد أن أزوجك ولا مال لي أساعدك به, وإن خديجة قرابتنا وتخرج كل سنة قريشا في مالها مع غلمانها يتجر لها ويأخذ وقر بعير مما أتى به, فهل لك أن تخرج؟ قال: نعم, فخرج أبو طالب إليها, وقال لها ذلك ففرحت, وقالت لغلامها ميسرة: أنت وهذا المال كله بحكم محمد (ص), فلما رجع ميسرة حدث أنه ما مر بشجرة ولا مدرة إلا قالت: السلام عليك يا رسول الله, وقال: جاء بحيرا الراهب وخدمنا لما رأى الغمامة على رأسه تسير حيثما سار تظله بالنهار, وربحا في ذلك السفر ربحا كثيرا, فلما انصرفا قال ميسرة: لو تقدمت يا محمد إلى مكة وبشرت خديجة بما قد ربحنا لكان أنفع لك, فتقدم محمد (ص) على راحلته, فكانت خديجة في ذلك اليوم جالسة على غرفة مع نسوة, فظهر لها محمد (ص) راكبا, فنظرت خديجة إلى غمامة عالية على رأسه تسير بسيره, ورأت ملكين‏ عن يمينه وعن شماله في يد كل واحد سيف مسلول يجيئان في الهواء معه, فقالت: إن لهذا الراكب لشأنا عظيما, ليته جاء إلى داري, فإذا هو محمد (ص) قاصد لدارها, فنزلت حافية إلى باب الدار وكانت إذا أرادت التحول من مكان إلى مكان حولت الجواري السرير الذي كانت عليه, فلما دنت منه قالت: يا محمد اخرج وأحضرني عمك أبا طالب الساعة, وقد بعثت إلى عمها أن زوجني من محمد إذا دخل عليك, فلما حضر أبو طالب (ع) قالت: اخرجا إلى عمي ليزوجني من محمد فقد قلت له في ذلك, فدخلا على عمها وخطب أبو طالب الخطبة المعروفة وعقد النكاح, فلما قام محمد (ص) ليذهب مع أبي طالب قالت خديجة: إلى بيتك, فبيتي بيتك, وأنا جاريتك.

---------

الخرائج ج 1 ص 139, بحار الأنوار ج 16 ص 3

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية 

 

أما الغمامة فإن رسول الله (ص) كان يسافر إلى الشام مضاربا لخديجة بنت خويلد، وكان من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر فكانوا في حمارة القيظ يصيبهم حر تلك البوادي، وربما عصفت عليهم فيها الرياح وسفت عليهم الرمال والتراب. وكان الله تعالى في تلك الأحوال يبعث لرسول الله (ص) غمامة تظله فوق رأسه تقف بوقوفه، وتزول بزواله، إن تقدم تقدمت، وإن تأخر تأخرت، وإن تيامن تيامنت، وإن تياسر تياسرت، فكانت تكف عنه حر الشمس من فوقه، وكانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال والتراب، تسفيها في وجوه قريش ووجوه رواحلهم حتى إذا دنت من محمد ص هدأت وسكنت، ولم تحمل شيئا من رمل ولا تراب، وهبت عليه ريحا باردة لينة، حتى كانت قوافل قريش يقول قائلها: جوار محمد أفضل من خيمة. فكانوا يلوذون به، ويتقربون إليه- فكان الروح يصيبهم بقربه، وإن كانت الغمامة مقصورة عليه. وكان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء، فإذا الغمامة تسير في موضع بعيد منهم. قالوا: إلى من قرنت هذه الغمامة فقد شرف وكرم.

--------------

تفسير الإمام العسكري (ع) ص 155, حلية الأبرار ج 1 ص 50, مدينة المعاجز ج 3 ص 5, بحار الأنوار ج 17 ص 308

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: لما أراد رسول الله (ص) أن يتزوج خديجة بنت خويلد, أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة, فابتدأ أبو طالب (ع) بالكلام فقال: الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل, وأنزلنا حرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس, وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه, ثم إن ابن أخي هذا - يعني رسول الله (ص) - ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به, ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ولا عدل له في الخلق, وإن كان مقلا في المال فإن المال رفد جار وظل زائل, وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة, وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها, والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله, وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل. ثم سكت أبو طالب (ع) فتكلم عمها وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب, وأدركه القطع والبهر وكان رجلا من القسيسين, فقالت خديجة مبتدئة: يا عماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود فلست أولى بي من نفسي, قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر علي في مالي, فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل على أهلك, قال أبو طالب (ع): اشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها, فقال بعض قريش: يا عجباه المهر على النساء للرجال؟ فغضب أبو طالب (ع) غضبا شديدا وقام على قدميه, وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر, وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي. ونحر أبو طالب (ع) ناقة ودخل رسول الله (ص) بأهله, فقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم‏:

هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت ... لك الطير فيما كان منك بأسعد

تزوجت خير البرية كلها ... ومن ذا الذي في الناس مثل محمد

وبشر به البران عيسى ابن مريم ... وموسى بن عمران فيا قرب موعد

أقرت به الكتاب قدما بأنه ... رسول من البطحاء هاد ومهتد

------------

الكافي ج 5 ص 374, عوالي الئالي ج 3 ص 298, الوافي ج 21 ص 387, بحار الأنوار ج 16 ص 14

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

روى أحمد البلاذري وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما والمرتضى في الشافي وأبو جعفر في التلخيص أن النبي (ص) تزوج بها وكانت عذراء, يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة.

---------

مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 159, الدر النظيم ص 185, بحار الأنوار ج 22 ص 191

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أن الرواية صحت عندنا عنهم أنه كانت لخديجة بنت خويلد من أمها أخت يقال لها هالة, قد تزوجها رجل من بني مخزوم فولدت بنتا اسمها هالة, ثم خلف عليها بعد أبي هالة رجل من تميم يقال له أبو هند, فأولدها ابنا كان يسمى هندا بن أبي هند وابنتين, فكانتا هاتان الابنتان منسوبتين إلى رسول الله (ص) زينب ورقية من امرأة أخرى قد ماتت. ومات أبو هند وقد بلغ ابنه مبالغ الرجال والابنتان طفلتان وكان في حدثان تزويج رسول الله (ص) بخديجة بنت خويلد، وكانت هالة أخت خديجة فقيرة وكانت خديجة من الأغنياء الموصوفين بكثرة المال، فأما هند ابن أبي هند فإنه لحق بقومه وعشيرته بالبادية، وبقيت الطفلتين عند أمهما هالة أخت خديجة, فضمت خديجة أختها هالة مع الطفلتين وكفلت جميعهم، وكانت هالة أخت خديجة هي الرسول بين خديجة وبين رسول الله (ص) في حال التزويج, فلما تزوج رسول الله (ص) بخديجة ماتت هالة بعد ذلك بمدة يسيرة وخلفت الطفلتين زينب ورقية في حجر رسول الله (ص) وحجر خديجة فربياهما، وكان من سنة العرب في الجاهلية من يربي يتيما ينسب ذلك اليتيم إليه.

-----------

الإستغاثة ج 1 ص 68

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أمير المؤمنين (ع) في وصف رسول الله (ص) قال: ولقد قرن الله به من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت معه أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري.

-----------

نهج البلاغة ص 300, الطرائف ج 2 ص 415, بحار الأنوار ج 15 ص 361

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* ولادة أمير المؤمنين (ع): 

قال الشيخ الكليني: ولد أمير المؤمنين (ع) بعد عام الفيل بثلاثين سنة, وقتل (ع) في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة, بقي بعد قبض النبي (ص) ثلاثين سنة, وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف, وهو أول هاشمي ولده هاشم مرتين.

---------

الكافي ج 1 ص 452, الوافي ج 3 ص 744

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع), عن آبائه (ع), قال: كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بازاء بيت الله الحرام, إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين (ع), وكانت حاملة بأمير المؤمنين (ع) لتسعة أشهر, وكان يوم التمام, قال: فوقفت بازاء البيت الحرام, وقد أخذها الطلق, فرمت بطرفها نحو السماء, وقالت: أي رب, إني مؤمنة بك, وبما جاء به من عندك الرسول, وبكل نبي من أنبيائك, وبكل كتاب أنزلته, وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل, وإنه بنى بيتك العتيق, فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه, وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه, وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي. قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء, رأينا البيت قد انفتح من ظهره, ودخلت فاطمة فيه, وغابت عن أبصارنا, ثم عادت الفتحة والتزقت بأذن الله تعالى, فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا, فلم ينفتح الباب, فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله تعالى, وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام, قال: وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك, وتتحدث المخدرات في خدورهن, قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه, فخرجت فاطمة وعلي (ع) على يديها, ثم قالت: معاشر الناس, إن الله عز وجل اختارني من خلقه, وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي, وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطراراً, ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسر عليها ولادة عيسى, فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الارض حتى تساقط عليها رطباً جنياً, وإن الله تعالى اختارني وفضلني عليهما, وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين, لأني ولدت في بيته العتيق, وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها, فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة, سميه علياً, فأنا العلي الأعلى, وإني خلقته من قدرتي, وعز جلالي, وقسط عدلي, واشتققت اسمه من اسمي, وأدبته بأدبي, وفوضت إليه أمري, ووقفته على غامض علمي, وولد في بيتي, وهو أول من يؤذّن فوق بيتي, ويكسر الاصنام ويرميها على وجهها, ويعظمني ويمجدني ويهللني, وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي, ووصيه, فطوبى لمن أحبه ونصره, والويل لمن عصاه.

------------

الأمالي للطوسي ص 709, البرهان ج 4 ص 12, حلية الأبرار ج 2 ص 20, مدينة المعاجز ج 1 ص 45, بحار الأنوار ج 35 ص 35. نحوه: الأمالي للصدوق ص 132, معاني الأخبار ص 62, علل الشرائع ج 1 ص 135, روضة الواعظين ج 1 ص 76, بشارة المصطفى ص 7, الثاقب في المناقب ص 197, كشف الغمة ج 1 ص 60, كشف اليقين ص 17, إرشاد القلوب ج 2 ص 211

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن علي بن الحسين (ع) قال:‏ إن فاطمة بنت أسد (ع) ضربها الطلق وهي في الطواف فدخلت الكعبة فولدت أمير المؤمنين (ع) فيها.

------------ 

روضة الواعظين ج 1 ص 81, بحار الأنوار ج 35 ص 23 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق إن النبي (ص) حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب (ع): إني أحب أن تدفع إلي بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني وأشكر لك بلاك عندي, فقال أبو طالب (ع): خذ أيهم شئت. فأخذ عليا (ع).

-----------

مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 180, تسلية المجالس ج 1 ص 269, حلية الأبرار ج 2 ص 29, بحار الأنوار ج 38 ص 295

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

قال أمير المؤمنين (ع): وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة, وضعني في حجره وأنا وليد, يضمني إلى صدره ويلفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه, وكان يمضغ الشي‏ء ثم يلقمنيه, وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل, ولقد قرن الله به (ص) من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكة يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره, ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه, يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به.

----------

نهج البلاغة ص 300, مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 180, تسلية المجالس ج 1 ص 269, بحار الأنوار ج 14 ص 475

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

بمصادر السنة:

عن أم عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي انها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا فقلت له: ما شأنك يا أبا طالب؟ قال: إن فاطمة بنت أسد في شدة المخاض، ثم وضع يديه على وجهه. فبينا هو كذلك، إذ أقبل محمد (ص) فقال له: ما شأنك يا عم؟ فقال: إن فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده وجاء وهي معه فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثم قال: اجلسي على اسم الله! قال: فطلقت طلقة فولدت غلاما مسرورا نظيفا منظفا لم أر كحسن وجهه فسماه أبو طالب عليا, وحمله النبي (ص) حتى أداه إلى منزلها.

----------

مناقب ابن المغازلي ص 26, الفصول المهمة ج 1 ص 173

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

روي ان فاطمة بنت أسد لما حملت بأمير المؤمنين عليه السلام كانت تطوف بالبيت فجاءها المخاض وهي في الطواف فلما اشتد بها دخلت الكعبة فولدته في جوف البيت على مثال ولادة آمنة النبي صلى الله عليه وآله ما ولد في الكعبة قبله ولا بعده غيره.

----------

إثبات الوصية ص 133

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

فقد تواترت الاخبار ان فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في جوف الكعبة

----------

المستدرك ج 3 ص 483

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ولم يولد في البيت الحرام قبله - الإمام علي ع - أحد سواه، وهي فضيلة خصه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاء لمرتبته وإظهارا لتكرمته

---------

الفصول المهمة ج 1 ص 172

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

الحلبي ضمن كلام عن الإمام علي (ع): لأنه ولد في الكعبة.

-----------

السيرة الحلبية ج 1 ص 226

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* اعادة بناء الكعبة في الجاهلية:

علي بن إبراهيم وغيره بأسانيد مختلفة رفعوه قالوا: إنما هدمت قريش الكعبة لان السيل كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها فانصدعت، وسرق من الكعبة غزال من ذهب رجلاه جوهر، - الى أن قال -

 فأرادت قريش أن يهدموا الكعبة ويبنوها ويزيدوا في عرصتها، ثم أشفقوا من ذلك وخافوا إن وضعوا فيها المعاول أن تنزل عليهم عقوبة، فقال الوليد بن المغيرة: دعوني أبدأ فإن كان لله رضى لم يصبني شئ، وإن كان غير ذلك كففت، فصعد على الكعبة، وحرك منها حجرا، فخرجت عليه حية، وانكسفت الشمس، فلما رأوا ذلك بكوا وتضرعوا وقالوا: اللهم إنا لا نريد إلا الصلاح، فغابت عنهم الحية فهدموه ونحوا حجارته حوله حتى بلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم (ع)، فلما أرادوا أن يزيدوا في عرصته وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم (ع) أصابتهم زلزلة شديدة وظلمة فكفوا عنه، وكان بنيان إبراهيم (ع) الطول ثلاثون ذراعا، والعرض اثنان وعشرون ذراعا، والسمك تسعة أذرع، فقالت قريش: نزيد في سمكها، فبنوها فلما بلغ البناء إلى موضع الحجر الأسود تشاجرت قريش في وضعه، قال كل قبيلة: نحن أولى به، ونحن نضعه، فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة، فطلع رسول الله (ص) فقالوا: هذا الأمين قد جاء فحكموه، فبسط ردائه - وقال بعضهم: كساء طاروني كان له - ووضع الحجر فيه، ثم قال: يأتي من كل ربع من قريش رجل، فكانوا عتبة بن ربيعة من عبد شمس، والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى، وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم، وقيس بن عدي من بني سهم فرفعوه، ووضعه النبي (ص) في موضعه، وقد كان بعث ملك الروم بسفينة فيها سقوف وآلات وخشب وقوم من الفعلة إلى الحبشة ليبنى له هناك بيعة فطرحتها الريح إلى ساحل الشريعة فبطحت، فبلغ قريشا خبرها فخرجوا إلى الساحل فوجدوا ما يصلح للكعبة من خشب وزينة وغير ذلك فابتاعوه وصاروا به إلى إلى مكة، فوافق ذلك ذرع الخشب البناء ما خلا الحجر، فلما بنوها كسوها الوصائل وهي الأردية.

--------

الكافي ج 4 ص 217, الوافي ج 12 ص 58, وسائل الشيعة ج 13 ص 214, بحار الأنوار ج 15 ص 337

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن سعيد بن عبد الله الأعرج, عن أبي عبد الله (ع) قال: إن قريشا في الجاهلية هدموا البيت, فلما أرادوا بناءه حيل بينهم وبينه وألقي في روعهم حتى قال قائل منهم: ليأتي كل رجل منكم بأطيب ماله, ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام, ففعلوا فخلي بينهم وبين بنائه, فبنوه حتى انتهوا إلى موضع الحجر الأسود فتشاجروا فيهم أيهم يضع الحجر الأسود في موضعه حتى كاد أن يكون بينهم شر, فحكموا أول من يدخل من باب المسجد, فدخل رسول الله (ص), فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه, ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه, ثم تناوله (ص) فوضعه في موضعه, فخصه الله به.

----------

الكافي ج 4 ص 217, الفقيه ج 2 ص 247, الوافي ج 12 ص 57, وسائل الشيعة ج 13 ص 214, حلية الأبرار ج 1 ص 315, بحار الأنوار ج 15 ص 337

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن داود بن سرحان, عن أبي عبد الله (ع) قال: إن رسول الله (ص) ساهم قريشا في بناء البيت, فصار لرسول الله (ص) من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود.

وفي رواية أخرى: كان لبني هاشم من الحجر الأسود إلى الركن الشامي‏. (1) (2)

------------

(1) العلامة المجلسي في مرآة العقول ج 17 شرح ص 59: قوله (ع): "إلى النصف" أي إلى منتصف الضلع الذي بين اليماني والحجر, ولا يخفى أنها تنافي الرواية الأخرى إلا أن يقال: إنهم كانوا أشركوه (ص) مع بني هاشم في هذا الضلع وخصوه بالنصف من الضلع الآخر, فجعل بنو هاشم له (ص) ما بين الحجر والباب.

(2) الكافي ج 4 ص 218, الفقيه ج 2 ص 247, الوافي ج 12 ص 59, وسائل الشيعة ج 13 ص 216, بحار الأنوار ج 15 ص 339, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 127, تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 155, مستدرك الوسائل ج 17 ص 376

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية