قصص آدم وحواء وأولادهما

في قصص آدم وحواء وأولادهما وفيه فصول

الفصل الأول في فضلهما والعلة في تسميتهما وبدو خلقهما وسؤال الملائكة في ذلك

قال الله تعالى وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والْأَرْضِ وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. أقول الخليفة من ينوب عن غيره والهاء للمبالغة وهذه الآية وما بمعناها دالة على أن الغرض والمقصود من خلق آدم ع أن يكون خليفة في الأرض لمن تقدمه من الجان وليس المقصود من خلقه أن يكون في الجنة نعم كان الأولى به ألا يفعل ما فعل وينزل من الجنة عزيزا كريما على خلع الجنة وعلى زوجته ثياب حور العين والملائكة يزفونه ويسجدون له في الجنة. وأما قول الملائكة أَ تَجْعَلُ فِيها فهو تعجب أما من أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها من يفسد فيها واستكشاف عما خفي عليهم من الحكمة التي غلبت تلك المفاسد واستخبار عما يزيح شبههم وليس باعتراض على الله ولا طعن في بني آدم وعلى وجه الغيبة كما توهمه من جواز الذنوب على الملائكة فإنهم أجل وأعلى من أن يظن بهم ذلك. وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله أو تلق من اللوح المحفوظ أو قياس لأحد الثقلين على الآخر. وقوله ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ حال مقررة لجهة الإشكال عليهم قيل وكأنهم علموا أن المجعول خليفة ذو ثلاث قوى عليها مدار أمره شهوية وغضبية تؤديان به إلى الفساد وسفك الدماء وعقلية تدعوه إلى المعرفة والطاعة ونظروا إليها مفردة وقالوا ما الحكمة في استخلافه وهو باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة إيجاده فضلا عن استخلافه وأما باعتبار القوة العقلية فنحن نقيم بما يتوقع منها سليما عن معارضة تلك المفاسد وغفلوا عن فضيلة كل واحد من القوتين إذا صارت مهذبة مطاوعة للعقل متمرنة على الخير كالعفة والشجاعة ولم يعلموا أن التركيب يفيد ما يقصر عنه الآحاد كالإحاطة بالجزئيات واستخراج منافع الكائنات من القوة إلى الفعل الذي هو المقصود من الاستخلاف. وأما تعليم آدم الأسماء فبخلق علم ضروري فيه أو أنه ألقاه في روعه. وقوله ثُمَّ عَرَضَهُمْ أي المسميات المدلول عليها ضمنا. وأما ما يقال من أنه كان للملائكة أن يقولوا لو علمتنا كما علمت آدم لعلمنا مثله فجوابه أنهم أجابوا أنفسهم بقولهم إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وذلك أن مقتضى الحكمة وضع الأشياء مواضعها على وفق الحكمة فحكمته تعالى إنما اقتضت إلقاء التعليم إلى آدم لا إلى الملائكة

 وروى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد الله ع قال إنما سمي آدم ع لأنه خلق من أديم الأرض

قال الصدوق اسم الأرض الرابعة أديم وخلق منها آدم فلذلك قيل من أديم الأرض

 وقال ع سميت حواء لأنها من حي يعني آدم ع

و قد اختلف في اشتقاق اسم آدم ع فقيل اسم أعجمي لا اشتقاق له كآزر. وقيل إنه مشتق من الأدمة بمعنى السمرة لأنه كان أسمر اللون وقيل من الأدم بمعنى الألفة والاتفاق. وأما اشتقاق حواء من حي أو الحيوان فهو من الاشتقاقات الشاذة أو الجعلية كلابن وتامر

 وروى الصدوق رحمه الله أيضا عن ابن سلام أنه قيل للنبي ص هل خلق آدم من الطين كله أو من طين واحد قال بل من الطين كله ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا وكانوا على صورة واحدة قال فلهم في الدنيا مثل ذلك قال التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر يعني شديد الحمرة وفيه أزرق وفيه عذب وفيه ملح فلذلك صار الناس فيهم أبيض وفيهم أصفر وفيهم أسود وعلى ألوان التراب الحديث

 وعن أمير المؤمنين ع إن الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل ع وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء وذلك من سهلها وحزنها ثم أمره أن يأتيه بأربع مياه عذب وماء مالح وماء مر وماء منتن ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين فجعل الماء العذب في حلقه وجعل الماء المالح في عينيه وجعل الماء المر في أذنيه وجعل الماء المنتن في أنفه

 و جاء تعليله في توحيد المفضل

 عن الصادق ع إنما جعل الماء العذب في الحلق ليسوغ له أكل الطعام وجعل الماء المالح في العينين إبقاء على شحمة العين لأن الشحم يبقى إذا وضع عليه الماء وأما الماء المر في الأذنين فلئلا تهجم الهوام على الدماغ

و من ذلك أنها إذا وصلت إلى الماء المر في الأذنين ماتت وربما تعدى الماء المر ووصل إلى الدماغ. ومن العجب أنه جاءت إلي امرأة تستفتيني في أن بعض الجراحين أراد أن يكسر قطعة من عظم رأسها حتى يظهر الدماغ وذلك أن هامة تسمى هزارپا دخلت أذنها وهي نائمة فوصلت إلى الدماغ وإلى مخ الرأس فصارت تأكل منه وربما سكنت وبقيت على هذا أعواما وما أفتيت في حكاية كسر شي‏ء من قحفة رأسها وجاء في كتب الطب أنه وقع مثل هذا في زمن أفلاطون فأخذ الرجل إلى الحمام ورفع قطعة من قحفة رأسه واستخرج الهامة ثم وضع القحفة على حالها وهذا منه ليس بعجيب فقد روي عنه لما قلع القحفة وظهر هزارپا في الدماغ أراد أن يتناوله بالمنقاش فقال له أحد تلاميذه لا تفعل فإنه محكم أيديه وأرجله في حجاب الدماغ فحمي له المنقاش ووضعه على ظهره حتى رفع رجليه من حجاب الدماغ فتناوله ورماه

 وعنه ع أول من قاس إبليس قال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ولو علم إبليس ما جعل الله في آدم لم يفتخر عليه ثم قال إن الله عز وجل خلق الملائكة من نور وخلق الجان من النار وخلق الجن صنفا من الجان من الريح وصنفا من الماء وخلق آدم من صفحة الطين ثم أجرى في آدم النور والنار والريح والماء فبالنور أبصر وعقل وفهم وبالنار أكل وشرب ولو لا النار في المعدة لم تطحن المعدة الطعام ولو لا أن الريح في جوف بني آدم تلهب نار المعدة لم تلتهب ولو لا أن الماء في جوف ابن آدم يطفئ حر المعدة لأحرقت النار جوف ابن آدم فجمع الله ذلك في آدم لخمس خصال وكانت في إبليس خمسة فافتخر بها

 وعنه عن أبي عبد الله ع قال إن القبضة التي قبضها الله عز وجل من الطين الذي خلق منها آدم أرسل إليها جبرائيل ع أن يقبضها فقالت الأرض أعوذ بالله أن تأخذ مني شيئا فرجع إلى ربه وقال يا رب تعوذت بك مني فأرسل إليها إسرافيل فقالت مثل ذلك فأرسل إليها ميكائيل فقالت مثل ذلك فأرسل إليها ملك الموت فتعوذت بالله أن يأخذ منها شيئا فقال ملك الموت وإني أعوذ بالله أن أرجع إليه حتى أقبض منك

 أقول جاء في الرواية أن الله سبحانه أمر ملك الموت على الحتم ويدل على أن أمره تعالى لمن تقدمه ليس على سبيل الحتم

 وروى علي بن إبراهيم بإسناده إلى الباقر ع عن أمير المؤمنين ص قال إن الله تعالى لما أراد أن يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والناس في الأرض سبعة آلاف سنة فكشف عن أطباق السماوات وقال للملائكة انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي عظم ذلك عليهم فقالوا ربنا أنت العزيز القادر وهذا خلقك الضعفاء يعيشون برزقك ويعصونك ولا تنتقم لنفسك فلما سمع من الملائكة قال إني جاعل في الأرض خليفة يكون حجة في أرضي فقالت الملائكة سبحانك تجعل فيها من يفسد فيها كما أفسدت بنو الجان فاجعل ذلك الخليفة منا فإنا لا نعصيك ونسبح بحمدك ونقدس لك فقال عز وجل إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ أريد أن أخلق خلقا بيدي وأجعل من ذريته أنبياء وعبادا صالحين وأئمة مهديين أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي وأطهر أرضي من الناس وأنقل مردة الجن العصاة على خلقي وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع فنظر الرب إليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فطافوا به وهو البيت الذي يدخله الجن كل يوم سبعون ألف ملك يعودون إليه أبدا فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض إلى أن قال ثم قبض الله سبحانه طينة آدم وأجرى فيها الطبائع الأربع الريح والدم والمرة والبلغم فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الأمل والحرص ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق ولزمه من ناحية المرة الغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة ولزمه من ناحية الدم حب النساء واللذات وركوب المحارم والشهوات

أقول قيل المراد بالريح السوداء وبالمرة الصفراء أو بالعكس أو المراد بالريح الروح والمرة الصفراء والسوداء معا إذ يطلق عليهما وتكرار حب النساء لمدخليتهما معا

 وعن الرضا ع قال كان نقش خاتم آدم لا إله إلا الله محمد رسول الله هبط به معه في الجنة

 وعنه ص أهل الجنة ليست لهم كنى إلا آدم ع فإنه يكنى بأبي محمد توقيرا وتعظيما

 وعن أبي عبد الله ع إن الله سبحانه خلق آدم ع من غير أب وأم وعيسى ع من غير أب ليعلم أنه قادر على أن يخلق من غير أب وأم ومن غير أب كما هو قادر على أن يخلق منهما وفي قوله خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ قال لما أجرى الله الروح في آدم من قدميه فبلغت إلى ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر فقال الله عز وجل خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ وقال سميت المرأة امرأة لأنها خلقت من المرء يعني خلقت من آدم ع وسمي النساء نساء لأنه لم يكن لآدم أنس غير حواء

 وعن عبد العظيم الحسني قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني ع أسأله عن علة الغائط ونتنه قال إن الله عز وجل خلق آدم ع وكان جسده طيبا وبقي أربعين سنة ملقى تمر به الملائكة فتقول لأمر ما خلقت وكان إبليس يدخل في فيه ويخرج من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا خبيثا غير طيب

 وعن أحدهما ع أنه سئل عن ابتداء الطواف فقال إن الله تبارك وتعالى لما أراد خلق آدم ع قال للملائكة إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فقال ملكان من الملائكة أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ فوقعت الحجب فيما بينهما وبين الله عز وجل وكان تبارك وتعالى نوره ظاهرا للملائكة فلما وقعت الحجب بينه وبينهما علما أنه سخط من قولهما فقالا للملائكة ما حيلتنا وما وجه توبتنا فقالوا ما نعرف لكما من التوبة إلا أن تلوذا بالعرش فلاذا بالعرش حتى أنزل الله توبتهما ورفعت الحجب فيما بينه وبينهما وأحب الله تبارك وتعالى أن يعبد بتلك العبادة فخلق الله البيت في الأرض وجعل على العباد الطواف حوله وخلق البيت المعمور في السماء

أقول المراد من نوره تعالى الأنوار المخلوقة في عرشه أو أنوار الأئمة ص أو أنوار معرفته وفيضه فتكون حجبا معنوية

 وفي علل محمد بن سنان عن الرضا ع أن الملائكة لما استغفروا من قولهم أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وعلموا أنهم أذنبوا فندموا ولاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله أن يتعبد بمثل تلك العبادة فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ثم وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثم أمر آدم ع فطاف به فتاب الله عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة

 وروي أنه قيل لأبي عبد الله ع لم صار الطواف سبعة أشواط قال لأن الله تبارك وتعالى قال للملائكة إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فردوا على الله تبارك وتعالى وقالوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وكان لا يحجبهم عن نوره فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام فلاذوا بالعرش سبعة آلاف فتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد لكل ألف سنة شوطا واحدا

  وعن أبي عبد الله ع قال كان الصرد دليل آدم ع من بلاد سرانديب إلى جدة شهرا وهو أول طائر صام لله تعالى

 وسأل أمير المؤمنين ع النبي ص كيف صارت الأشجار بعضها تحمل وبعضها لا تحمل فقال كلما سبح آدم تسبيحا صارت له في الدنيا شجرة مع حمل وكلما سبحت حواء تسبيحة صارت لها في الدنيا شجرة من غير حمل

 وسئل مما خلق الله الشعير فقال إن الله تبارك وتعالى أمر آدم ع أن ازرع مما اختزنت لنفسك وجاء جبرئيل بقبضة من الحنطة فقبض آدم ع على قبضة وقبضت حواء على قبضة فقال آدم لحواء لا تزرعي أنت فلم تقبل قول ]أمر[ آدم وكلما زرع آدم ع جاء حنطة وكلما زرعت حواء جاء شعيرا

 وروى الثقة علي بن إبراهيم بإسناده إلى أبي جعفر ع في قول الله ولَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً قال عهد إليه في محمد والأئمة من بعده ص فترك ولم يكن له عزم فيهم أنهم هكذا وإنما سموا أولو العزم لأنه عهد إليهم في محمد وأوصيائه من بعده والقائم ع وسيرته فأجمع عزمهم أن كذلك والإقرار به

 وعن أبي عبد الله ع في قول الله تعالى وهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْراً إن الله تعالى خلق آدم ع من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فيراها من أسفل أضلاعه فجرى بذلك الضلع بينهما نسب ثم زوجها إياه فجرى بسبب ذلك بينهما صهر فذلك قوله نَسَباً وصِهْراً فالنسب ما كان من نسب الرجال والصهر ما كان من سبب النساء

 وقال إن الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حواء من آدم فهمة الرجال الأرض وهمة النساء في الرجال

 وقال ع لما بكى آدم ص على الجنة كان رأسه في باب من أبواب السماء وكان يتأذى بالشمس فحط من قامته

 وقال إن آدم لما أهبط من الجنة وأكل من الطعام وجد في بطنه ثقلا فشكا ذلك إلى جبرئيل فقال يا آدم فتنح فنحاه فأحدث وخرج منه الثقل

 وقال ع أتى هذا البيت ألف آتية على قدميه منها سبعمائة حجة وثلاثمائة عمرة

 وعنه ع لما أن خلق الله آدم أوقعه بين يديه فعطس فألهمه الله أن حمده فقال الله يا آدم حمدتني فو عزتي وجلالي لو لا عبدان أريد خلقهما في آخر الزمان ما خلقتك قال يا رب بقدرهم عندك ما اسمهما فقال تعالى يا آدم انظر نحو العرش فإذا بسطرين من نور أول السطر لا إله إلا الله محمد نبي الرحمة علي مفتاح الجنة والسطر الثاني إني آليت على نفسي أن أرحم من والاهما وأعذب من عاداهما

 وفي قصص الأنبياء عن أبي عبد الله ع قال اجتمع ولد آدم في بيت فتشاجروا فقال بعضهم خير خلق الله أبونا آدم وقال بعضهم الملائكة المقربون وقال بعضهم حملة العرش إذ دخل عليهم هبة الله فحكوا له فرجع إلى آدم ع وقال يا أبت إني دخلت على إخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله فسألوني فلم يكن عندي ما أخبرهم فقال آدم يا بني إني وقفت بين يدي الله جل جلاله فنظرت إلى سطر على وجه العرش مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم محمد وآل محمد خير من برأ الله

 وروى العياشي عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال سألت أبا جعفر ع من أي شي‏ء خلق الله حواء فقال أي شي‏ء يقولون هذا الخلق قلت يقولون إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم فقال كذبوا كان يعجزه أن يخلقها من ضلعه فقلت جعلت فداك يا ابن رسول الله من أي شي‏ء خلقها فقال أخبرني أبي عن آبائي قال رسول الله ص إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء

أقول هذا الخبر معمول عليه بين أصحابنا رضوان الله عليهم وما ورد من أنه خلق من ضلع من أضلاعه وهو الضلع الأيسر القصير محول على التقية أو على التأويل أو بأن يراد أن الطينة التي قررها الله سبحانه لذلك الضلع خلق منها حواء لأنها خلقت منه بعد خلقه فإنه يلزم كما قال ع أن يكون آدم ينكح بعضه بعضا فيقوى بذلك مذهب المجوس في نكاح المحرمات

 وعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله ع قال سألته عن إبليس أ كان من الملائكة وهل كان يلي من أمر السماء شيئا قال لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي من أمر السماء شيئا كان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة تراه أنه منها وكان الله يعلم أنه ليس منها فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان وقال ع لما خلق الله آدم قبل أن ينفخ فيه الروح كان إبليس يمر به فيضربه برجله ويقول إبليس لأمر ما خلقت

 وقال السيد ابن طاوس في كتاب سعد السعود من صحائف إدريس النبي ع خلق الله آدم على صورته التي صورها في اللوح المحفوظ

يقول علي بن طاوس فأسقط بعض المسلمين بعض هذا الكلام وقال إن الله خلق آدم على صورته فاعتقد الجسم فاحتاج المسلمون إلى تأويل الحديث. وقال في الصحف ثم جعل طينة آدم جسدا ملقى على طريق الملائكة التي تصعد فيه إلى السماء أربعين سنة ثم ذكر تناسل الجن وفسادهم وهروب إبليس منهم إلى الله وسأله أن يكون مع الملائكة وإجابة سؤاله وما وقع من الجن حتى أمر الله إبليس أن ينزل مع الملائكة لطرد الجن فنزل وطردهم من الأرض التي أفسدوا فيها إلى آخر كلامه. واعلم أنهم ذكروا في أخبار الملائكة عن الفساد وجوها منها أنهم قالوا ذلك ظنا لما رأوا من حال الجن الذين كانوا قبل آدم في الأرض وهو المروي عن ابن عباس وفي أخبارنا إرشاد إليه. ومنها أنهم علموا أنه مركب من الأركان المتخالفة والأخلاط المتنافية الموجبة للشهوة التي منها الفساد والغضب منه سفك الدماء. ومنها أنهم قالوا ذلك على اليقين لما يروي ابن مسعود وغيره أنه تعالى لما قال للملائكة إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قال ربنا وما يكون الخليفة قال تكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا فعند ذلك قالوا ربنا أَ تَجْعَلُ فِيها إلى آخرها ومنها أنه تعالى كان قد أعلم الملائكة أنه إذا كان في الأرض خلق عظيم أفسدوا فيها وسفكوا الدماء. ومنها أنه لما كتب القلم في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلك. ومنها أن الخليفة إذا كان معناه النائب عن الله في الحكم والقضاء والاحتياج إنما يكون عند التنازع واختلال النظام كان الإخبار عن وجود الخليفة إخبارا عن وقوع الفساد والشر بطريق الالتزام. ومنها أن الله سبحانه لما خلق النار خافت الملائكة خوفا شديدا فقالوا لمن خلقت هذه النار قال لمن عصاني من خلقي ولم يكن يومئذ خلق غير الملائكة فلما قال إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً عرفوا أن المعصية منهم وقد جوز الحشوية صدور الذنب من الملائكة وجعلوا اعتراضهم هذا على الله من أعظم الذنوب ونسبة بني آدم إلى القتل والفساد من الكبائر لأنه غيبة لهم ولأنهم مدحوا أنفسهم بقولهم ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وهو عجب. وأيضا قولهم لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا اعتذار والعذر دليل الذنب. وأيضا قوله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ دل على أنهم كانوا كاذبين فيما قالوه. والجواب عن هذا كله ظاهر وهو أن ليس غرضهم الاعتراض بل السؤال عما خفي عليهم من وجه الحكمة وليس لمن لم يوجد غيبة

 وفي كتاب قصص الراوندي عن مقاتل بن سليمان قال سألت أبا عبد الله ع كم كان طول آدم ع حين هبط به إلى الأرض وكم كان طول حواء قال وجدنا في كتاب علي ع أن الله عز وجل لما أهبط آدم وزوجته حواء إلى الأرض كانت رجلاه على ثنية الصفا ورأسه دون أفق السماء وأنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فصير طوله سبعين ذراعا بذراعه وجعل طول حواء خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها

 وفي الكافي بعد قوله من حر الشمس فأوحى الله إلى جبرئيل ع أن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس فاغمزه غمزة وصير طوله سبعين ذراعا بذراعه واغمز حواء فصير طولها خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها

أقول هذا الحديث عده المتأخرون من مشكلات الأخبار لوجهين. الأول أن طول القامة كيف يصير سببا للتضرر بحر الشمس مع أن حرارة الشمس إنما تكون بالانعكاس من الأجرام الأرضية وحده أربعة فراسخ في الهواء. الثاني أن كونه ع سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء خلقته وأنه يتعسر عليه كثير من الأعمال الضرورية وأجيب الأول بوجهين أحدهما أن يكون للشمس حرارة من غير جهة الانعكاس أيضا وتكون قامته ع طويلة جدا بحيث تتجاوز الطبقة الزمهريرية ويتأذى من تلك الحرارة ويؤيده حكاية ابن عناق أنه كان يشوي بعين الشمس. الثاني أنه كان لطول قامته لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا شجر ولا جبل فلا يمكنه الاستظلال ولا الجلوس تحت شي‏ء فكان يتأذى من حرارة الشمس لذلك. وأما الجواب عن الثاني فمن وجوه أكثرها فيه من التكلف ما أوجب الإعراض عن ذكره لبعده عن لفظ الحديث ومعناه. وأما الوجوه القريبة فمنها ما ذكره بعض الأفاضل من أن استواء الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الآن فإن الله تعالى قادر على خلق الإنسان على هيئات أخر كل منها فيه استواء الخلقة وذراع آدم ع يمكن أن يكون قصيرا مع طول العضد وجعله ذا مفاصل أو لينا بحيث يحصل الارتفاق به والحركة كيف شاء. ومنها ما روي عن شيخنا بهاء الدين طاب ثراه من أن في الكلام استخداما بأن يكون المراد بآدم حين إرجاع الضمير إليه آدم ذلك الزمان من أولاده ولا يخفى بعده وعدم جريانه في حواء إلا بتكلف. ومنها ما قاله شيخنا المحدث سلمه الله تعالى وهو أن إضافة الذراع إليهما على التوسعة و المجاز بأن نسب ذراع صنف آدم إليه وصنف حواء إليها أو يكون الضميران راجعين إلى الرجل والمرأة بقرينة المقام. ومنها أن الباء في قوله بذراعه للملابسة أي كما قصر من طوله قصر من ذراعه لتناسب الأعضاء وإنما خص الذراع لأن جميع الأعضاء داخلة في الطول بخلاف الذراع والمراد بالذراع في قوله سبعين ذراعا أما ذراع من كان في زمن آدم أو ما كان في زمن من صدر عنه الخبر. والأوجه عندي هو الوجه الأول وذلك لأن استواء الخلقة إنما يكون بالنسبة إلى أغلب أنواع ذلك العصر والشائع في ذلك العصر روي أن موسى ع أرسل النقباء الاثني عشر ليأتوا له بخبر العمالقة حتى يغزوهم فلما قربوا من بلادهم رآهم رجل من العمالقة فوضع الاثني عشر رجلا في طرف كمه وحملهم إلى سلطانهم وصبهم بين يديه وقال هؤلاء من قوم موسى أ تأمرني أن أضع رجلي عليهم أقتلهم فقال اتركهم يرجعون إلى صاحبهم ويخبرونه بما يرون فطلبوا منه زادا للطريق فأعطاهم رمانة على ثور نصفها خال من الحب يضعونه فوق النصف الآخر الذي يأكلون منه وفي الليل ينامون في النصف الخالي فهو في الليل منام وفي النهار غطاء وكان قوم موسى بالنسبة إليهم غير مستوي الخلقة وكذا العكس. على أن الأخبار الواردة بصفات حور العين وولدان الجنة وأكثر ما ورد فيها لو وجد في الدنيا لكان بعيدا عن استواء الخلقة

الفصل الثاني في سجود الملائكة وله معناه وأنها أية جنة كانت ومعنى تعليمه الأسماء

قال الله تعالى وإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى واسْتَكْبَرَ وكانَ مِنَ الْكافِرِينَ. وقال عز شأنه ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ وقالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومِنْ خَلْفِهِمْ وعَنْ أَيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ ولا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ. وقال عز جلاله رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ و قوله فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ

 في مجمع البيان روي عن ابن عباس أن الملائكة كانت تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيرا وكان مع الملائكة فتعبد معها بالأمر بالسجود لآدم فسجدوا وأبى فلذلك قال الله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ

 وروي عن طاوس ومجاهد أن إبليس كان قبل أن يرتكب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزرائيل وكان من سكان الأرض وكان سكان الأرض من الملائكة يسمون الجن ولم يكن من الملائكة أشد اجتهادا ولا أكثر علما منه فلما عصى الله لعنه وجعله شيطانا وسماه إبليس وكان من الكافرين في علم الله

 قال ابن عباس أول من قاس إبليس فأخطأ القياس فمن قاس الدين بشي‏ء من رأيه قرنه الله بإبليس

و قوله أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يعني يخرجون من قبورهم للجزاء أراد الخبيث أن لا يذوق الموت في النفخة الأولى وأجيب بالإنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهي النفخة الأولى ليذوق الموت بين النفختين وهو أربعون سنة. وقوله فَبِما أَغْوَيْتَنِي أي خيبتني من رحمتك وجنتك وامتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده أو حكمت بغوايتي وهذا كله تأويل والظاهر أنه كان يعتقد أن الإضلال عن الله تعالى وهو من جملة اعتقاداته الخبيثة. وتعجبني مقالة حكيتها في كتاب زهر الربيع وهي أني تباحثت مع علماء الجمهور فانتهى الحال إلى قوله إن الشيطان كان من أهل العلم فما مذهبه فقلت إنه كان في الأصول من الأشاعرة وفي الفروع من الحنفية فتعجب من قولي فقال وما الدليل قلت أما الأول فقوله فَبِما أَغْوَيْتَنِي فنسب الإضلال والإغواء إلى الله تعالى وهذا هو مذهب الجبرية من الأشاعرة. وأما الثاني فعمله بالقياس في قوله أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فعمل بقياس الأولوية زعما منه أن السجود إنما يكون للأشرف الأفضل وهو بزعمه أفضل من آدم لأنه مخلوق من النار وهي أشرف من الطين. والحاصل أن مذهب الشيطان أفضل من مذهب الحنفية لأنه يعمل بقياس الأولوية وأبو حنيفة كان يعمل بقياس المساواة الذي هو أضعف القياسات وأردؤها. وقوله ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ

 روى أبو جعفر ع قال ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ معناه أهون عليهم أمر الآخرة ومن خلفهم آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم وعن أيمانهم أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة وعن شمائلهم بتحبب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم

 وفي كتاب الخرائج في حديث طويل عن أبي محمد العسكري ع وفيه أنه لا أحد من محبي علي ع نظف قلبه من قذر الغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب إلا لكان أطهر وأفضل من الملائكة

 وفي جواب مسائل الزنديق عن أبي عبد الله ع أنه سئل أ يصلح السجود لغير الله قال لا قال فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فقال إن من سجد بأمر الله فكان سجوده إذ كان عن أمر الله

 وفي حديث آخر عنه ع سجدت الملائكة لآدم ووضعوا جباههم على الأرض تكرمة من الله

 وعن أبي الحسن الثالث ع إن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم إنما كان طاعة لله ومحبة منهم لآدم

 وفي الخرائج عن موسى بن جعفر عن آبائه ع أن يهوديا سأل أمير المؤمنين ع عن معجزة النبي ص في مقابلة معجزات الأنبياء فقال هذا آدم أسجد الله له ملائكته فهل فعل بمحمد ص شيئا من هذا فقال علي ع لقد كان ذلك ولكن أسجد الله لآدم ملائكته لم يكن سجود طاعة إنهم عبدوا آدم من دون الله عز وجل ولكل اعترافا لآدم بالفضيلة ورحمة من الله له ومحمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله جل وعلا صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها وتعبد المؤمنون بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي

أقول اتفق علماء الإسلام على أن ذلك السجود لآدم ع لم يكن سجود عبادة وإلا لحصل الشرك لكنهم ذكروا فيه أقوالا. الأول أن ذلك السجود كان لله تعالى وآدم ع كان قبلة وهو قول أبي علي الجبائي وجماعة. الثاني أن السجود في اللغة هو الانقياد والخضوع فهذا هو السجود لآدم. ويبعده مع أنه خلاف التبادر قوله تعالى فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ وكذلك الحديث السابق الثالث أن السجود كان تعظيما لآدم ع وتكرمة وهو في الحقيقة عبادة لله تعالى لكونه بأمره وهذا هو الأظهر من الأخبار وقال علي بن إبراهيم طاب ثراه إن الاستكبار أول معصية عصي الله بها قال إبليس يا رب اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل فقال الله تعالى لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد فقال الله تعالى فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ قال إبليس كيف يا رب وأنت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك أعطك فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله تعالى قد أعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال سلطتك قال أجرني فيهم مجرى الدم في العروق قال قد أجريتك قال لا يولد لهم واحد إلا ولد لي اثنان وأراهم ولا يروني وأتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد أعطيتك قال يا رب زدني قال لقد جعلت لك ولذريتك صدورهم أوطانا قال رب حسبي قال إبليس عند ذلك فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الآية

 قال أبو عبد الله ع لما أعطى الله تبارك وتعالى إبليس ما أعطاه من القوة قال آدم ع يا رب سلطت إبليس على ولدي وأجريته فيهم مجرى الدم في العروق وأعطيته ما أعطيته فما لي وولدي فقال لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها قال يا رب زدني قال التوبة مبسوطة إلى أن تبلغ النفس الحلقوم قال يا رب زدني قال أغفر ولا أبالي قال حسبي قال جعلت فداك بما ذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه فقال بشي‏ء كان منه شكره الله تعالى عليه قلت وما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة

أقول وفي نهج البلاغة من قوله ع إنه صلى ركعتين في السماء في ستة آلاف سنة لا يدرى أ من سني الدنيا أم سني الآخرة

و على هذا فلو كان من سني الآخرة لبلغ من السنين شيئا كثيرا. واعلم أن جماعة من الصوفية قد شكروا لإبليس إباءه عن السجود لآدم قالوا إنه أراد اختصاص السجود بالله تعالى فسموه من أجل هذا سيد الموحدين عليه وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين

 

 وعنه ص قال إنما كان لبث آدم وحواء في الجنة حتى أخرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أهبطهما الله من يومهما ذلك

 وفي كتاب علل الشرائع عن وهب قال لما أسجد الله الملائكة لآدم ع وأبى إبليس أن يسجد قال له ربه عز وجل اخرج منها ثم قال عز وجل يا آدم انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فسلم عليهم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فلما رجع إلى ربه قال له ربه تبارك وتعالى هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة

 علل الشرائع مسندا إلى الصادق ع قال سألته عن جنة آدم فقال جنة من جنان الدنيا تطلع منها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا وروى علي بن إبراهيم مثله أيضا

و قد وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في أن جنة آدم ع هل كانت في الأرض أم في السماء وعلى الثاني هل هي جنة الخلد والجزاء أم غيرها ذهب أكثر المفسرين وجمهور المتعلمة إلى أنها جنة الخلد وهو ظاهر أكثر علمائنا رضوان الله عليهم. وقال أبو هاشم جنة من جنان الدنيا غير جنة الخلد وذهب طائفة من علماء المسلمين إلى أنها بستان من بساتين الدنيا في الأرض كما دل عليه الخبر. احتج الأولون بالتبادر وعهدية الألف واللام ولا يخفى ما فيه. واحتجت الفرقة الثانية بأن الهبوط يدل على الإهباط من السماء إلى الأرض وليست بجنة الخلد لأن من دخلها خلد فيها فلزم المطلوب. والجواب الانتقال من أرض إلى أرض أخرى يسمى هبوطا كقوله تعالى اهْبِطُوا مِصْراً. واحتج القائلون بأنها من بساتين الدنيا بأن جنة الخلد لا يخرج داخلها ولا يفنى نعيمها. وأجيب عنه بأنه إنما يمكن بعد الدخول والاستقرار وذكروا في الكتب الكلامية دلائل متكثرة على ما ساروا إليه وهذان الخبران يعارضهما ظواهر الآيات والأخبار مع إمكان حملهما على التقية

 وعن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله ع أ كان إبليس من الملائكة أم من الجن قال كانت الملائكة ترى أنه منها وكان الله يعلم أنه ليس منها فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان

أقول اختلف علماء الإسلام في أن إبليس هل كان من الملائكة أم لا فأكثر المتكلمين وكثير من علمائنا كالشيخ المفيد طاب ثراه على أنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن قال وقد جاءت الأخبار متواترة عن أئمة الهدى س وهو مذهب الإمامية وذهبت طائفة إلى أنه من الملائكة واختاره شيخ الطائفة في التبيان قال وهو المروي عن أبي عبد الله ع والظاهر في تفاسيرنا. ثم اختلفت الطائفة الأخيرة. فقيل إنه كان خازنا للجنان. وقيل كان له سلطان السماء وسلطان الأرض. وقيل كان يسوم ما بين السماء والأرض وما صار إليه المفيد طاب ثراه هو مدلول الأحاديث المستفيضة

 والعياشي مسندا إلى أمير المؤمنين ع أنه قال أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا على ظهر الكوفة

 

وعن إسحاق بن جرير قال أبو عبد الله ع أي شي‏ء يقول أصحابك في قول إبليس خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قلت جعلت فداك قد قال وذكره الله في كتابه قال كذب يا إسحاق ما خلقه الله إلا من طين ثم قال قال الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ خلقه الله من تلك النار من تلك الشجرة والشجرة أصلها من طين

 علي بن إبراهيم بإسناده إلى الصادق ع في قول الله تبارك وتعالى إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ يوم يذبحه رسول الله ص على الصخرة التي في بيت المقدس

أقول يشير إلى أن إنظاره إلى يوم خروج القائم ع وهو القيامة الصغرى والأخبار المستفيضة دالة عليه

الفصل الثالث في أن ذنبه كان ترك الأولى وكيفية قبول توبته والكلمات التي تلقاها من ربه وكيفية نزوله من الجنة وحزنه عليها

في كتاب النبوة أن الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حواء من آدم فهمة الرجال الماء والطين وهمة النساء الرجال

 وفي العلل والأمالي مسندا إلى الحسن بن علي ع قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ص فسألوه عن مسائل فقالوا أخبرنا عن الله لأي شي‏ء وقت هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت على أمتك في ساعات الليل والنهار فأجاب إلى أن قال وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل فيها من الشجرة فأخرجه الله من الجنة فأمر الله ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة واختارها لأمتي فهي من أحب الصلوات إلى الله عز وجل وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات وأما صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب الله فيها على آدم وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب الله عليه ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا وفي أيام الآخرة يوم كألف سنة من وقت صلاة العصر إلى العشاء فصلى آدم ثلاث ركعات ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حواء وركعة لتوبته فافترض الله عز وجل هذه الثلاث ركعات على أمتي ثم قال فأخبرني لأي شي‏ء توضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد وقال النبي ص لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام وهو أول قدم مشت إلى الخطيئة ثم تناول بيده ثم مسها فأكل منها فطار الحلي والحلل عن جسده ثم وضع يده على رأسه وبكى فلما تاب الله عليه فرض الله عليه وعلى ذريته الوضوء على الجوارح الأربع وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة وأمره أن يغسل الساعدين إلى المرفقين لما تناوله منها وأمره أن يمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة ثم قال أخبرني لأي شي‏ء فرض الله الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض الله على آدم أكثر من ذلك قال النبي ص لما أكل آدم من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما وفرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش والذي يأكلونه تفضل من الله عز وجل عليهم وكذلك كان على آدم ففرض الله على أمتي ذلك ثم تلا رسول الله ص كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ

 تفسير علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله ع قال إن موسى ع سأل ربه أن يجمع بينه وبين آدم ع فجمع فقال له موسى يا أبت أ لم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته قال يا موسى بكم وجدت ]حل على[ قبل خلقي في التوراة قال بثلاثين سنة قال فهو نسلك قال الصادق ع فحج آدم موسى ع

أقول وجد أن الخطيئة قبل الخلق أما في عالم الأرواح كما قيل بأن تكون روح موسى ع اطلعت على ذلك في اللوح أو المراد أنه وجد في التوراة أن تقدير خطيئة آدم ع كان قبل خلقه بثلاثين سنة وفي الأخبار دلالة عليه وقوله فحج أي غلبه في الحجة. و هذا من فروع مسألة القضاء والقدر وراجع إلى العلم القديم وهي المعركة الكبرى بين علماء الإسلام وضل به خلق كثير وطوائف لا تحصى فوردوا النار بهاتين المسألتين

 وعنه ع لما خرج آدم من الجنة نزل عليه جبرئيل ع فقال يا آدم أ ليس الله خلقك بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك الملائكة وزوجك حواء أمته وأسكنك الجنة وأباحها لك ونهاك مشافهة أن لا تأكل من الشجرة فأكلت منها وعصيت الله فقال آدم ع إن إبليس حلف لي بالله أنه لي ناصح فما ظننت أن أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا

 

أقول اختلفوا في الشجرة التي ورد النهي عنها فقيل كانت السنبلة. ورووه عن ابن عباس ويدل عليه بعض الأخبار وقيل هي الكرمة وقيل شجرة الكافور. وقيل التينة وقيل شجرة العلم علم الخير والشر وقيل هي شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة والكل مروي في الأخبار وهذه الرواية تجمع بين الروايات وأكثر الأقوال وسيأتي ما هو أجمع للأقوال والأخبار والمراد بالحسد هنا الغبطة التي تركها هو الأولى وقوله وتمنى منزلتهم دال عليه وحينئذ فمعنى شجرة الحسد الشجرة التي كان سبب الأكل منها الحسد

 علل الشرائع بإسناده إلى الباقر ع قال لو لا أن آدم أذنب ما أذنب مؤمن أبدا ولو لا أن الله عز وجل تاب على آدم ما تاب على مذنب أبدا

 وفيه عن أبي عبد الله ع لما أهبط الله آدم من الجنة ظهرت فيه شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به فأتاه جبرئيل ع فقال ما يبكيك يا آدم قال لهذه الشامة التي ظهرت بي قال قم فصل فهذا وقت الأولى فقام فصلى فانحطت الشامة إلى صدره فجاءه في الصلاة الثانية فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة إلى سرته فجاء في الصلاة الثالثة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الثالثة فقام فصلى فانحطت الشامة إلى ركبتيه فجاءه في الصلاة الرابعة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الرابعة فقام فصلى فانحطت الشامة إلى رجليه فجاءه في الصلاة الخامسة فقال آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الخامسة فقام فصلى فخرج منها فحمد الله وأثنى عليه فقال جبرئيل ع يا آدم مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشامة من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة

 وفيه أنه سأل الشامي أمير المؤمنين ع لم صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين قال من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبة وأطعمت آدم حبتين فمن أجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الأنثيين

 وفيه عن أبي عبد الله ع كيف صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين قال لأن الحبات التي أكل منها آدم وحواء في الجنة كانت ثماني عشرة أكل آدم منها اثنتي عشرة حبة وأكلت حواء ستا فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين

أقول يجمع بين الخبرين بحمل ما تقدم على أول سنبلة أخذاها كذلك حتى صار ثماني عشرة أو المراد أنها كانت على شعبة فيها ثلاث حبات وكانت الشعبة ست

 وعنه ع في حديث طويل قال فيه إن آدم جاء من الهند وكان موضع قدميه حيث يطأ عليه العمران وما بين القدم إلى القدم صحاري ليس فيها شي‏ء ثم جاء إلى البيت فطاف الحديث

  وفي ذلك الكتاب عن ابن مسعود وسئل عن أيام البيض ما سببها قال سمعت رسول الله ص يقول إن آدم لما عصى ربه عز وجل ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري فإنه لا يجاورني أحد عصاني فبكى وبكت الملائكة فبعث الله عز وجل إليه جبرئيل فأهبطه إلى الأرض مسودا فلما رأته الملائكة ضجت وبكت وانتحبت وقالت يا رب خلقا خلقته ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك فبذنب واحد حولت بياضه سوادا فنادى مناد من السماء صم لربك اليوم فصام فوافق يوم الثالث عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ثم نودي يوم الرابع عشر أن صم لربك فصام فذهب ثلثا السواد ثم نودي في اليوم الخامس عشر بالصيام فصام وقد ذهب السواد كله فسميت أيام البيض التي رد الله فيها على آدم من بياضها ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة أيام جعلتها لك ولولدك من صامها في كل شهر فإنما صام الدهر ثم قال فأصبح آدم وله لحية سوداء كالحمم فصرف يده إليها فقال يا رب ما هذه فقال هذه اللحية زينتك بها أنت وذكور ولدك إلى يوم القيامة

 

أقول لا يتوهم أن آدم ع صار يتمنى منزلتهم من الظالمين المدعين لمنزلتهم حتى يستحق بذلك أليم النكال فإن في عده من الظالمين هنا نوعا من التجوز لأنه تشبه بهم في التمني ومخالفة الأمر الندبي لا في ادعاء المنزلة وغصبها والقتل عليها وحمل الأمانة غير حفظها كما يدل عليه قوله فلم تزل أنبياء الله يحفظون هذه الأمانة إلى قوله فيأبون حملها فالمراد بحملها ادعاؤها بغير حق وغصبها وقال الزجاج كل من خان الأمانة فقد حملها ومن لم يحمل الأمانة فقد أداها فآدم ع لم يكن من الحاملين للأمانة على ما ذهب إليه بعض المفسرين وفسروا الإنسان بآدم وقوله الذي قد عرفت هو الأول وهذا مشهور لا أصل له لأن الثاني

 كما قال الصادق ع سيئة من سيئات الأول

 وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

معاني الأخبار بإسناده إلى الصادق ع قال لقد طاف آدم ع بالبيت مائة عام ما ينظر إلى وجه حواء ولقد بكى على الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين العظيمين من الدموع ولقد قام على باب الكعبة ثيابه جلود الإبل والبقر فقال اللهم أقلني عثرتي واغفر لي ذنبي وأعدني إلى الدار التي أخرجتني منها فقال الله عز وجل قد أقلتك عثرتك وغفرت لك ذنبك وسأعيدك إلى الدار التي أخرجتك منها

أقول فيه دلالة على أن الجنة التي أخرج منها هي جنة الخلد لأنها التي سيعود إليها وكذلك الأخبار السابقة وما بمعناها الدالة على أنه نظر إلى منزلة محمد وعلي وإلى أنه رآهم مكتوبين على أركان العرش فإن العرش سقف لجنة الخلد كما جاء في الحديث أن الجنة فوق السماء وسقفها العرش والتأويل بالجمل على أنها جنة البرزخ التي تأوي أرواح المؤمنين بعيد لما عرفت وحينئذ فطريق الجمع ما مر من حمل الأخبار الدالة على أنها من بساتين الدنيا على التقية. وفي ذلك الكتاب الحديث عن الصادق ع.

أقول ورد أن الكلمات هي قوله تعالى رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الآية. وورد أيضا أنها قوله سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك الدعاء. وورد غيره أيضا. و الجمع بين الروايات الجمع بينها إلا أن الأصل هو ما روي عن السادة الأطهار ص من أنها أسماؤهم

 وفي الحديث أن آدم ع لما كثر ولده وولده كانوا يتحدثون عنده وهو ساكت فقالوا يا أبة ما لك لا تتكلم فقال يا بني إن الله جل جلاله لما أخرجني من جواره عهد إلي وقال أقلل كلامك ترجع إلى جواري

 قصص الراوندي بإسناده إلى أبي جعفر ع قال إن آدم ع نزل بالهند فبنى الله تعالى له البيت فلما خطا من الهند فكان موضع قدميه حيث خطا عمران وما بين القدم والقدم صحاري

أقول المشهور في الأخبار عن السادة الأطهار ص أن نزول آدم ع كان على الصفا ونزول حواء على المروة وهذا الخبر وما روي بمعناه يدل على أن نزولهما كان بالهند وحمله بعض أهل الحديث على التقية لأنه المشهور بين العامة أن آدم ع هبط على جبل في سرنديب يقال له نود وحواء هبطت في جدة مع أنه يمكن أن يقال إن هبوطهما على الصفا والمروة بعد دخولهما مكة من اهبطوا مصرا

 العياشي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع رفعه إلى النبي ص أن موسى ع سأل ربه أن يجمع بينه وبين آدم ع حيث عرج إلى السماء في أمر الصلاة ففعل فقال له موسى يا أبت أنت الذي خلقك الله بيده وأباح لك جنته ثم نهاك عن شجرة واحدة فلم تصبر عنها حتى أهبطت إلى الأرض بسببها فلم تستطع أن تضبط نفسك عنها حتى أغراك إبليس فأطعته فأنت الذي أخرجتنا من الجنة بمعصيتك فقال آدم ع ارفق بأبيك يا بني فيما لقي من أمر هذه الشجرة يا بني إن عدوي أتاني من وجه المكر والخديعة فحلف لي بالله إنه في مشورته علي لمن الناصحين وذلك أنه قال لي منتصحا إني لشأنك يا آدم لمغموم قلت وكيف قال قد كنت أنست بك وبقربك مني وأنت تخرج مما أنت فيه إلى ما أستكرهه فقلت له وما الحيلة فقال إن الحيلة هو ذا معك أ فلا أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فكلا منها أنت وزوجك فتصيرا معي في الجنة أبدا من الخالدين وحلف لي بالله كاذبا إنه لمن الناصحين ولم أظن يا موسى أن أحدا يحلف بالله كاذبا فوثقت بيمينه فهذا عذري فأخبرني يا بني هل تجد فيما أنزل الله أن خطيئتي كائنة من قبل أن أخلق قال له موسى بدهر طويل قال رسول الله ص فحج آدم موسى قال ذلك ثلاثا

أقول أما أن تلك الشجرة شجرة الخلد فهو غير كاذب فيما قاله إلا أن من أكلها أفادته الخلد في الجنة إذا كان الأكل مباحا منها يكون مأمورا به وإذا كان الأكل منهيا عنه يكون أثره المترتب عليه ما وقع على آدم من إخراجه من الجنة في ذلك اليوم وقوله بدهر طويل يرجع حاصله إلى أن الله سبحانه علم بذنب آدم وقدره موافقا للعلم القديم كما هو حال جميع مقدرات الله سبحانه ومقدراته

 العياشي عن عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله ع وأنا حاضر كم لبث آدم ع وزوجته في الجنة حتى أخرجهما منها فقال إن الله تبارك وتعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه ثم أسجد له ملائكته وأسكنه جنته من يومه ذلك فو الله ما استقر فيها إلا ست ساعات في يومه ذلك حتى عصى الله فأخرجهما الله منها بعد غروب الشمس وما باتا فيها وصيرا بفناء الجنة حتى أصبحا فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ فاستحى آدم من ربه وخضع وقال رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا قال الله لهما اهبطا من سماواتي إلى الأرض فإنه لا يجاورني في جنتي عاص ولا في سماواتي

 وقال أبو عبد الله ع إن آدم لما أكل من الشجرة ذكر ما نهاه الله عنها فندم فذهب ليتنحى من الشجرة فأخذت الشجرة برأسه فجرته إليها وقالت له أ فلا كان فرارك قبل أن تأكل مني

و في هذا الحديث دلالة على أن تلك الجنة كانت في السماء والظاهر أنها شجرة الخلد

 

أقول اختلف في كيفية وصول إبليس إلى آدم وحواء حتى وسوس إليهما وإبليس كان قد أخرج من الجنة حين أبى السجود وهما في الجنة. فقيل إن آدم كان يخرج إلى باب الجنة وإبليس لم يكن ممنوعا من الدنو منه فكان يكلمه وكان هذا قبل أن يهبط إلى الأرض وبعد أن أخرج من الجنة. وقيل إنه كلمهما في الأرض بكلام عرفاه وفهماه منه. وقيل إنه دخل في شدق الحية وخاطبهما من شدقها قال صاحب الكامل إن إبليس أراد دخول الجنة فمنعته الخزنة فأتى كل دابة من دواب الأرض وعرض نفسه عليها أن تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم وزوجته فكل الدواب أبى عليه ذلك حتى أتى الحية وقال لما أمنعك من ابن آدم فأنت في ذمتي إن أدخلتني فجعلته ما بين نابين من أنيابها ثم دخلت به وكانت رأسية على أربع قوائم من أحسن دابة خلقها الله كأنها بختية فأعراها الله تعالى وجعلها تمشي على بطنها انتهى. وقيل راسلهما بالخطاب وظاهر الآيات تدل على المشافهة وورد أن السم الذي في أنياب الحية من مقعد الشيطان فيه أما لأنه أثر فيه السم أو لأن السم خلق هناك بسببه. أقول أعظم شبهة المخطئة للأنبياء ع قصة آدم ع حيث سماه عاص بقوله وعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. وأجاب عنه علم الهدى طاب ثراه بأن العصيان مخالفة الأمر أعم من كونه واجبا أو ندبا وأطال في تحقيق المقام وكل هذا يرجع إلى قوله ع

 حسنات الأبرار سيئات المقربين وقد حققنا جملة القول في هذه المقالة الواردة في الأنبياء والأئمة ع في شرحنا على الصحيفة السجادية عند شرح دعاء الإمام علي بن الحسين ع إذا استقال من ذنوبه

 وعن أبي عبد الله ع قال رن إبليس أربع رنات أولهن يوم لعن وحين أهبط إلى الأرض وحين بعث محمد ص على حين فترة من الرسل وحين أنزلت أم الكتاب ونخر نخرتين حين أكل يعني آدم من الشجرة وحين أهبط من الجنة

أقول الرنة الصوت والصياح والنخير الصوت من الأنف والأول للحزن والثاني للفرح

 وعنه ع البكاءون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد ص وعلي بن الحسين ع فأما آدم فبكى للجنة حتى صار في خديه مثل الأودية

 وفي حديث آخر أنه بكى حتى خرج من إحدى عينيه من الدموع مثل ماء دجلة و من الأخرى مثل ماء الفرات

 وعنه ع لما أهبط الله عز وجل آدم ع من الجنة أهبط معه مائة وعشرين قضيبا منها أربعون ما يؤكل منها داخلها وخارجها وأربعون منها ما يؤكل داخلها ويرمى خارجها وأربعون منها ما يؤكل خارجها ويرمى بداخلها وغرارة فيها بذر كل شي‏ء والغرارة الجوالق معرب جوال

 علل الشرائع عن بكير بن أعين قال قال لي أبو عبد الله ع هل تدري ما كان الحجر قال قلت لا قال كان ملكا عظيما من عظماء الملائكة عند الله عز وجل فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك فاتخذه الله أمينا على جميع خلقه فألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالعهد والميثاق الذي أخذه الله عليهم ثم جعله الله مع آدم في الجنة يذكر الميثاق ويجدد عنده الإقرار كل سنة فلما عصى آدم ع وأخرج من الجنة أنساه الله العهد والميثاق الذي أخذ الله عليه وعلى ولده لمحمد ووصيه وجعله باهتا حيران فلما تاب على آدم حول ذلك الملك في صورة درة بيضاء فرماه من الجنة إلى آدم وهو بأرض الهند فلما رآه أنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنه جوهرة فأنطقه الله عز وجل فقال يا آدم أ تعرفني قال لا قال أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربك وتحول إلى الصورة التي كان بها في الجنة مع آدم ع فقال لآدم أين العهد والميثاق فوثب إليه آدم وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبله وجدد الإقرار بالعهد والميثاق ثم حول الله عز وجل جوهر الحجر درة بيضاء صافية تضي‏ء فحمله آدم على عاتقه إجلالا له وتعظيما فكان إذا أعيا عليه حمله عنه جبرئيل ع حتى وافى به مكة فما زال يأنس به بمكة ويجدد له الإقرار كل يوم وليلة ثم إن الله عز وجل لما أهبط جبرائيل ع إلى أرضه وبنى الكعبة هبطا إلى ذلك المكان بين الركن والباب وفي ذلك الموضع تراءيا لآدم حين أخذ الميثاق وفي ذلك الموضع ألقم الملك الميثاق فلتلك العلة وضع في ذلك الركن ونحي آدم من مكان البيت إلى الصفا وحواء إلى المروة وجعل الحجر في الركن فكبر الله وهلله ومجده فلذلك جرت السنة بالتكبير في استقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا

 وفيه عنه ع قال أهبط آدم ع من الجنة إلى الصفا وحواء إلى المروة وقد كانت امتشطت في الجنة فلما صارت في الأرض قالت ما أرجو من المشط وأنا مسخوط علي فحلت مشطها فانتشر من مشطها العطر الذي كانت امتشطت به في الجنة فطارت به الريح فألقت أثره في الهند فلذلك صار العطر بالهند

 وفي حديث آخر أنها حلت عقيصتها فأرسل الله عز وجل على ما كان فيها من ذلك الطيب ريحا فهبت به في المشرق والمغرب

  وفيه عن أمير المؤمنين ع أن النبي ص سئل مما خلق الله عز وجل الكلب قال خلقه من بزاق إبليس قال وكيف ذلك يا رسول الله قال لما أهبط الله عز وجل آدم وحواء إلى الأرض أهبطهما كالفرخين المرتعشين فغدا إبليس الملعون إلى السباع وكانوا قبل آدم في الأرض فقال لهم إن طيرين قد وقعا من السماء لم ير الراءون أعظم منهما تعالوا فكلوهما فتعاوت السباع معه وجعل إبليس يحثهم ويصيح بهم ويعدهم بقرب المسافة فوقع من فيه من عجلة كلامه بزاق فخلق الله عز وجل من ذلك البزاق كلبين أحدهما ذكر والآخر أنثى فقاما حول آدم وحواء الكلبة بجدة والكلب بالهند فلم يتركا السباع أن يقربوهما ومن ذلك اليوم صار الكلب عدو السبع والسبع عدو الكلب

 وفيه عن أبي جعفر عن آبائه ع قال إن الله عز وجل أوحى إلى جبرئيل ع أني قد رحمت آدم وحواء فاهبط عليهما بخيمة من خيم الجنة فاضرب الخيمة مكان البيت وقواعدها التي رفعها الملائكة قبل آدم فهبط بالخيمة على مقدار أركان البيت فنصبها وأنزل آدم من الصفا وحواء من المروة وجمع بينهما في الخيمة وكان عمود الخيمة قضيبا من ياقوت أحمر فأضاء نوره جبال مكة فامتد ضوء العمود وهو موضع الحرم اليوم فجعله الله حرما لحرمة الخيمة والعمود لأنهما من الجنة ومدت أطناب الخيمة حولها فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام وأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل أن اهبط إلى الخيمة بسبعين ألف ملك يحرسونها من مردة الشياطين ويؤنسون آدم ويطوفون حول الخيمة فكانوا يطوفون حولها ويحرسونها ثم إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى جبرئيل ع بعد ذلك أن اهبط إلى آدم وحواء فنحهما عن موضع القواعد وارفع قواعد بيتي لملائكتي وخلقي من ولد آدم فهبط عليهما وأخرجهما من الخيمة ونحاهما عن البيت ونحى الخيمة عن موضع البيت وقال يا آدم إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض سألوا الله عز وجل أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أن أنحيك وأرفع الخيمة فرفع قواعد البيت بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السلام وهو ظهر الكعبة فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل ع أن ابنه وأتمه فاقتلع جبرئيل ع الأحجار الأربعة من موضعها بجناحه فوضعها حيث أمره الله تعالى في أركان البيت على قواعده ونصب أعلامها ثم أوحى إلى جبرئيل أن ابنه وأتمه من حجارة أبي قبيس واجعل له بابين بابا شرقا و بابا غربا فأتمه جبرئيل ع فلما فرغ طافت الملائكة حوله فلما نظر آدم وحواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا سبعة أشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان

 وفيه عن أبي عبد الله ع قال إن آدم ع لما أهبط من الجنة اشتهى من ثمارها فأنزل الله تبارك وتعالى عليه قضيبين من عنب فغرسهما فلما أورقا وأثمرا وبلغا جاء إبليس فحاط عليهما حائطا فقال له آدم ما لك يا ملعون فقال إبليس إنهما لي فقال كذبت فرضيا بينهما بروح القدس فلما انتهيا إليه قص عليه آدم ع قصته فأخذ روح القدس شيئا من نار فرمى بها عليهما فالتهبت في أغصانهما حتى ظن آدم أنه لم يبق منهما شي‏ء إلا احترق وظن إبليس مثل ذلك قال فدخلت النار حيث دخلت وقد ذهب منهما ثلثاهما وبقي الثلث فقال الروح أما ما ذهب منهما فحظ إبليس لعنه الله وما بقي فلك يا آدم

 العياشي عن أبي عبد الله ع قال ما بكى أحد بكاء ثلاثة آدم ويوسف وداود فقلت ما بلغ بكاؤهم فقال أما آدم ع فبكى حين أخرج من الجنة وكان رأسه في باب من أبواب السماء فبكى حتى تأذى به أهل السماء فشكوا ذلك إلى الله فحط من قامته فأما داود فإنه بكى حتى هاج العشب من دموعه وكان ليزفر الزفرة فيحرق ما ينبت من دموعه وأما يوسف فإنه كان يبكي على أبيه يعقوب وهو في السجن فتأذى أهل السجن فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما

 علل الشرائع وعيون الأخبار عن صفوان بن يحيى قال سئل أبو الحسن ع عن الحرم وأعلامه فقال إن آدم ع لما أهبط من الجنة هبط على أبي قبيس والناس يقولون بالهند فشكا إلى ربه عز وجل الوحشة وأنه لا يسمع ما كان يسمع في الجنة فأهبط الله عز وجل عليه ياقوتة حمراء فوضعت في موضع البيت فكان يطوف بها آدم ع وكان يبلغ ضوؤها الأعلام فعلمت الأعلام على ضوئها فجعله الله عز وجل حرما

أقول فيه دلالة على ما قدمنا سابقا من الأخبار الواردة بنزوله ع بالهند محمول على التقية. وأما الجمع بين هذين الخبرين من نزول الياقوتة وما تقدم من نزول الخيمة فقد ورد في بعض الروايات أن تلك الخيمة كانت ياقوتة. وقيل في وجه الجمع بنزولهما متعاقبين أو متقاربين

 الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم طفق يخصف عليه من ورق الجنة وطار عنه لباسه الذي كان عليه من حلل الجنة فالتقط ورقة فستر بها عورته فلما هبط عبقت أي لصقت رائحة تلك الورقة بالهند بالنبت فصار في الأرض من سبب تلك الورقة التي عبقت بها رائحة الجنة فمن هناك الطيب بالهند لأن الورقة هبت عليها ريح الجنوب فأدت رائحتها إلى المغرب لأنها احتملت رائحة الورقة في الجو فلما ركدت الريح بالهند عبق بأشجارهم ونبتهم فكان أول بهيمة أرتعت من تلك الورقة ظبي المسك فمن هناك صار المسك في سرة الظبي لأنه جرى رائحة النبت في جسده وفي دمه حتى اجتمعت في سرة الظبي

 وفيه عنه ع قال إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم ع أمره بالحرث والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنة فأعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان وغرسها لتكون لعقبه وذريته فأكل هو من ثمارها فقال إبليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض وقد كنت بها قبلك ائذن لي آكل منها شيئا فأبى أن يطعمه فجاء إلى حواء فقال لحواء إنه قد أجهدني الجوع والعطش فقالت له حواء ع إن آدم عهد أن لا أطعمك من هذا الغرس لأنه من الجنة ولا ينبغي لك أن تأكل منه فقال لها فاعصري في كفي منه شيئا فأبت عليه فقال ذريني أمصه ولا آكله فأخذت عنقودا من العنب فأعطته فمصه ولم يأكل منه شيئا لما كانت حواء قد أكدت عليه فلما ذهب بعضه جذبته حواء من فيه فأوحى الله عز وجل إلى آدم ع أن العنب قد مصه عدوي وعدوك إبليس لعنه الله وقد حرمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لأن عدو الله إبليس مكر بحواء حتى مص من العنبة ولو أكلها لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها وجميع ثمارها وما يخرج منها ثم إنه قال لحواء ع فلو أمصصتيني من هذا التمر كما أمصصتيني من العنب فأعطته ثمرة فمصها وكانت العنبة والتمر أشد رائحة وأذكى من المسك الأذفر وأحلى من العسل فلما مصهما عدو الله ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما ثم إن إبليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم ع فبال في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء في عروقهما ببول عدو الله فمن ثم يختمر التمر والعنب أي يتغير ريحهما ويصير منتنا فحرم الله عز وجل على ذرية آدم كل مسكر لأي الماء جرى ببول عدو الله في النخل والعنب وصار كل مختمر خمرا لأن الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدو الله إبليس لعنه الله

 وعنه ع قال العجوة أم التمر وهي التي أنزلها الله تعالى لآدم من الجنة

  وعن أبي الحسن الرضا ع قال كانت نخلة مريم ع العجوة نزلت في كانون ونزل مع آدم ع العتيق والعجوة ومنها تفرق أنواع النخيل

الفصل الرابع في تزويج آدم وحواء وكيفية ابتداء النسل وقصة قابيل وهابيل وبقية أحوال آدم ع

 علل الشرائع بإسناده إلى زرارة قال سئل أبو عبد الله ع أن عندنا أناسا يقولون إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم ع أن يزوج بناته من بنيه وإن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والأخوات قال أبو عبد الله ع سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يقول من يقول هذا إن الله عز وجل جعل صفوة خلقه وأبو أنبيائه من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال والله لقد نبئت أن بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها أخته أخرج غرموله في ذكره ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا قال زرارة ثم سئل ع عن خلق حواء وقيل أناس عندنا يقولون إن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى قال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا من يقول هذا إن الله تعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه وجعل المتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى الكلام يقول إن آدم ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم ثم قال إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين أمر الملائكة فسجدوا له وألقى عليه النوم ثم ابتدع له خلقا ثم جعلها في موضع النقرة الذي بين وركيه وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فنوديت أن تنحي عنه فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثى فكلمها فكلمته بلغته فقال لها من أنت قالت خلق خلقني الله كما ترى فقال آدم يا رب من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه فقال الله هذه أمتي حواء أ فتحب أن تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك قال نعم يا رب ولك بذلك الشكر والحمد ما بقيت فقال الله فاخطبها إلي فإنها أمتي وقد تصلح أيضا للشهوة وألقى الله عليه الشهوة وقد علم قبل ذلك المعرفة فقال يا رب فإني أخطبها إليك فبما رضاك لذلك قال رضائي أن تعلمها معالم ديني فقال لك ذلك علي يا رب إن شئت ذلك قال عز وجل قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك فقال أقبلي فقالت بل أنت فأقبل إلي فأمر الله عز وجل آدم أن يقوم إليها فقام ولو لا ذلك لكان النساء هن يذهبن إلى الرجال حتى يخطبن على أنفسهن فهذه قصة حواء ص

أقول المشهور بين العامة أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر. وفي بعض الأخبار ما يدل عليه وهذا الحديث وما بمعناه ينفي ذلك القول وحينئذ لذلك الأخبار إما محمولة على التقية أو على أنها خلقت من فضلة الطينة كما قاله الصدوق. قال الرازي في تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها المراد من هذا الزوج هو حواء وفي كون حواء مخلوقة من آدم قولان الأول وهو الذي عليه الأكثر أنه لما خلق الله آدم ألقى عليه النور ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى فلما استيقظ رآها ومال إليها لأنها مخلوقة من جزء من أجزائه واحتجوا عليه بقول النبي ص إن المرأة خلقت من ضلع فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها. القول الثاني وهو اختيار أبي مسلم الأصفهاني في أن المراد من قوله وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أي من جنسها وهو كقوله تعالى واللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وكقوله إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ. قال القاضي والقول الأول أقوى لكي يصح قوله خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إذ لو كانت حواء مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة ويمكن أن يجاب عنه بأن كلمه من لابتداء الغاية فلما كان ابتداء التخليق والإيجاد وقع بآدم ع صح أن يقال خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وأيضا فلما ثبت أنه تعالى قادر على خلق آدم من التراب كان قادرا على خلق حواء من التراب فإذا كان الأمر كذلك فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضلاع آدم ع انتهى. وقال بعض أهل الحديث يمكن أن يقال إن المراد بالخلق من نفس واحدة الخلق من أب واحد كما يقال بنو تميم نشئوا من تميم ولا تنافيه شركة الأم على أنه يجوز أن يكون من قوله مِنْها للتعليل أي لأجلها

 وفيه أيضا عن زرارة عن أبي عبد الله ع في حديث طويل ذكر فيه ما يقوله العامة من تزويج الإخوة بالأخوات إلى أن قال ويح هؤلاء أين هم عما لم يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز ولا فقهاء أهل العراق إن الله عز وجل أمر القلم فجرى القلم على اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل خلق آدم ع بألفي عام وأن كتب الله كلها مما جرى فيه القلم في كلها تحريم الأخوات على الإخوة مع ما حرم ونحن نقرأ الكتب المنزلة الأربعة المشهورة في هذا العالم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان أنزلها الله عز وجل من اللوح المحفوظ على رسله ص ليس فيها تحليل شي‏ء من ذلك ومن أراد أن يقول هذا وشبهه إلا تقوية حجج المجوس ثم أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم وذريته فقال إن لآدم ص ولد سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل فجزع آدم عليه جزعا قطعه عن إتيان النساء خمسمائة عام ثم تخلى ما به من الجزع عليه فغشي حواء فوهب الله له شيئا وليس معه ثان فلما أدرك وأراد الله أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما جرى به القلم تحريم ما حرم الله عز وجل من الأخوات على الإخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها نزلة فأمر الله عز وجل أن يزوجها من شيث فزوجها منه ثم أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فأمر الله عز وجل آدم حين أدركا أن يزوج بنت يافث من ابن شيث ففعل ذلك فولد الصفوة من النبيين والمرسلين ومعاذ الله أن ذلك على ما قالوا من الإخوة والأخوات

 وعنه ع قال أوصى آدم إلى شيث وهو هبة الله بن آدم وأوصى شيث إلى ابنه شيبان وهو ابن منزلة الحوراء التي أنزلها الله على آدم من الجنة فزوجها ابنه شيثا

 في كتاب الخرائج عن الثمالي قال سمعت علي بن الحسين ع يحدث رجلا من قريش قال لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلقت إلا في الأرض وذلك بعد ما تاب الله عليه وكان آدم يعظم الحرم وإذا أراد أن يغشي حواء خرج من الحرم وأخرجها معه وغشيها في الحل ثم يغتسلان ثم يرجع إلى فناء البيت فولد لآدم من حواء عشرون ولدا ذكرا وعشرون أنثى فولد له في كل بطن ذكر وأنثى فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها إقليما وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها لوذا وكانت لوذا أجمل بنات آدم فلما أدركوا خاف عليها آدم الفتنة فقال أريد أن أنكحك يا هابيل لوذا وأنكحك يا قابيل إقليما قال قابيل ما أرض بهذا أ تنكحني أخت هابيل القبيحة وتنكح قابيل أختي الجميلة قال آدم ع فأنا أقرع بينكما فإن خرج سهمك يا قابيل على إقليما زوجت كل واحد منكما التي خرج سهمه عليها فرضيا بذلك فاقترعا فخرج سهم هابيل على لوذا أخت قابيل وخرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل فزوجها على ما خرج لهما من عند الله قال ثم حرم الله نكاح الأخوات بعد ذلك فقال له القرشي فأولداهما قال نعم فقال القرشي فهذا فعل المجوس اليوم فقال علي بن الحسين ع إن المجوس إنما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله ثم قال علي بن الحسين ع لا تنكر هذا أ ليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك

أقول هذا الحديث وما روي بمعناه محمول على التقية لأنه المذهب المشهور بينهم

 وعن أبي عبد الله ع قال لما أهبط الله آدم وحواء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت له بنتا فسماها عتاقا فكانت أول من بغى على وجه الأرض فسلط الله عليها ذئبا كالفيل ونسرا كالحمار فقتلاها ثم ولد له إثر عتاق قابيل فلما أدرك أظهر الله عز وجل جنية من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة إنسية فلما رآها قابيل أحبها فأوحى الله إلى آدم أن يزوج جهانة من قابيل ثم ولد لآدم هابيل فلما أدرك أهبط الله إلى آدم حوراء واسمها نزلة الحوراء فلما رآها هابيل أحبها فأوحى الله إلى آدم أن يزوجها من هابيل ففعل ذلك فكانت نزلة الحوراء زوجة لهابيل بن آدم ثم أوحى الله إلى آدم أن يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه إلى هابيل ففعل ذلك فلما علم قابيل غضب وقال لأبيه أ لست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به فقال يا بني إن الأمر بيد الله وإن الله خصه بما فعلت فإن لم تصدقني فقربا قربانا فأيكما قبل قربانه فهو أولى بالفضل وكان القربان في ذلك الوقت تنزل النار فتأكله وكان قابيل صاحب زرع فقرب قمحا رديئا وكان هابيل صاحب غنم فقرب كبشا سمينا فأكلت النار قربان هابيل فأتاه إبليس فقال يا قابيل لو ولد لكما ولد وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به أبوك ولقبول النار قربانه وتركها قربانك وإنك إن قتلته لم يجد أبوك بدا من أن يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل إلى هابيل فقتله ثم قال إبليس إن النار التي قبلت القربان هي المعظمة فعظمها واتخذ لها بيتا واجعل لها أهلا وأحسن عبادتها والقيام عليها يقبل قربانك إذا أردت ذلك ففعل قابيل ذلك فكان أول من عبد النار واتخذ بيوت النيران وإن آدم أتى الموضع الذي قتل فيه قابيل أخاه فبكى هناك أربعين صباحا يلعن تلك الأرض حيث قبلت دم ابنه وهو الذي فيه قبلة المسجد الجامع بالبصرة وإن هابيل يوم قتل كانت امرأته نزلة الحوراء حبلى فولدت غلاما فسماه آدم باسم ابنه هابيل وإن الله عز وجل وهب لآدم بعد هابيل ابنا فسماه شيث ثم قال إن هذا هبة الله فلما أدرك أهبط الله على آدم حوراء يقال لها ناعمة في صورة إنسية فلما رآها شيث أحبها فأوحى الله إلى آدم أن زوج ناعمة من شيث ففعل ذلك آدم فولدت له جارية فسماها آدم حورية فلما أدركت أوحى الله إلى آدم أن زوج حورية من هابيل ففعل ذلك آدم فهذا الخلق الذي ترى من هذا النسل فلما انقضت نبوة آدم أمره الله تعالى أن يدفع العلم وآثار النبوة إلى شيث وأمره بالكتمان والتقية من أخيه لئلا يقتله كما قتل هابيل الحديث

 وروى علي بن إبراهيم عن الإمام علي بن الحسين ع أنه لما سولت له نفسه قتل أخيه لم يدر كيف يقتله حتى جاء إبليس فعلمه فقال ضع رأسه بين حجرين ثم اشدخه فلما قتله لم يدر ما يصنع به فجاء غرابان فأقبلا يتقاتلان حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر الذي بقي على الأرض بمخالبه ودفن صاحبه قال قابيل يا وَيْلَتى أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فحفر له حفيرة ودفنه فيها فرجع قابيل إلى أبيه ولم يكن معه هابيل قال آدم أين تركت ابني فقال قابيل أرسلتني عليه راعيا فقال انطلق معي إلى مكان القربان وأحس قلب آدم بالذي فعل قابيل فلما بلغ مكان القربان استبان قتله فلعن آدم الأرض التي قبلت دم هابيل ولذلك لا تشرب الأرض الدم فانصرف وبكى على هابيل أربعين يوما وليلة

 وعنه ع إن قابيل يعذب بعين الشمس يستقبلون بوجهه الشمس حتى تطلع ويديرونه معها حتى تغيب ثم يصبون عليه في البرد الماء البارد وفي الحر الماء الحار

 عيون أخبار الرضا ع سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن قول الله عز وجل يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ فقال ع قابيل يفر من أخيه هابيل وسئل ع عن يوم الأربعاء والتطير منه فقال ع هو آخر أربعاء وهو المحاق وفيه قتل قابيل أخاه هابيل

 وعن أبي عبد الله ع إن أشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة أنفر أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه واثنان في بني إسرائيل هودا قومهم ونصراهم وفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى واثنان من هذه الأمة يعني الأول والثاني

 سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن أول من قال الشعر فقال آدم لما أنزل إلى الأرض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها وقتل قابيل هابيل فقال آدم ع

تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح‏تغير كل ذي لون وطعم وقل بشاشة الوجه المليح

فأجابه إبليس لعنه الله

تنح عن البلاد وساكنيها فبئ بالخلد ضاق بك الفسيح

 و كنت بها وزوجك في قرار وقلبك من أذى الدنيا مريح‏فلم تنفك من كيدي ومكري إلى أن فاتك الثمن الربيح‏فلو لا رحمة الجبار أضحت بكفك من جنان الخلد ريح

 أقول وربما زاد فيه بعضهم إلا أن الاعتماد على هذا الورود في كتاب علل الشرائع وعيون الأخبار وغيرهما

 وعن أبي عبد الله ع قال كانت الوحوش والطير والسباع وكل شي‏ء خلق الله عز وجل مختلطا ببعض فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت وفزعت فذهب كل شي‏ء إلى شكله

 وعنه ع إن الله عز وجل أنزل حوراء من الجنة إلى آدم فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر إلى الجن فولدتا جميعا فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته

أقول قيل في وجه الجمع بينه وبين ما سبق أما بالتجوز في الخبر السابق بأن يكون المراد بالحوراء الشبيهة بها في الجمال أو في هذا الخبر بأن يكون المراد بكونها من الجن كونها شبيهة بهم في الخلق ويمكن القول بالجمع بينهما في أحد ابنيه وفي الأخبار ما يؤيده

 وعنه ص إن الله عز وجل حين أهبط آدم وزوجته وهبط إبليس ولا زوجة له وهبطت الحية ولا زوج لها فكان أول من يلوط بنفسه إبليس فكانت ذريته من نفسه وكذلك الحية وكانت ذرية آدم من زوجته فأخبرهما أنهما عدوان لهما

أقول قد مر سابقا أن ذرية إبليس أنه يبيض ويفرخ فيحمل هذا إما على أن يكون هذا اللواط ليتولد منه البيض والفرخ وإما على أن ذريته يحصلان من النوعين

 وعن أمير المؤمنين ع إن أول من بغى على الله عز وجل على وجه الأرض عتاق بنت آدم ع خلق الله لها عشرين إصبعا وفي كل إصبع منها ظفران طويلان كالنخلين العظيمين وكان مجلسها في الأرض موضع جريب فلما بغت بعث الله لها أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا كالحمار وكان ذلك في الخلق الأول فسلطهم الله عليها فقتلوها

 معاني الأخبار عنه ص قال أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فأما الأمانة فهي التي أخذ الله عز وجل على آدم حين زوجه حواء وأما الكلمات فهي الكلمات التي شرط بها على آدم أن يعبده ولا يشرك به شيئا ولا يزني ولا يتخذ من دونه أولياء

القصص للراوندي أن عوج بن عناق كان جبارا عدوا لله وللإسلام وله بسط في الجسم والخلق وكان يضرب يده فيأخذ الحوت من أسفل البحر ثم يرفع إلى السماء فيشويه في حر الشمس فيأكله وكان عمره ثلاثة آلاف وستمائة سنة

 وروي أنه لما أراد نوح ع أن يركب السفينة جاء إليه عوج فقال له احملني معك فقال إني لم أؤمر بذلك فبلغ الماء إليه وما جاوز ركبتيه وبقي إلى أيام موسى ع فقتله موسى ص

 العياشي عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر ع قال إن آدم لما ولد له أربعة ذكور فأهبط الله إليهم أربعة من الحور العين فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا ثم إن الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعة من الجن فصار النسل فيهم فما كان من حلم فمن آدم وما كان من جمال فمن قبل الحور العين وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن

 وعن أبي جعفر ع إن قابيل بن آدم معلق بقرونه في عين الشمس تدور به حيث دارت في زمهريرها وحميمها إلى يوم القيامة صيره الله إلى النار

 الكافي مسندا إلى أبي عبد الله ع أنه سئل عن أول كتاب كتب في الأرض فقال إن الله عز وجل عرض على آدم وذريته عرض العين في صورة الذر نبيا فنبيا وملكا فملكا ومؤمنا فمؤمنا وكافرا فكافرا فلما انتهى إلى داود ع قال من هذا الذي نبأته وكرمته وقصرت عمره فأوحى الله عز وجل إليه هذا ابنك داود عمره أربعون سنة وأني قد كتبت الآجال وقسمت الأرزاق وأنا أمحو ما أشاء وأثبت وعندي أم الكتاب فإن جعلت له شيئا من عمرك ألحقته له قال يا رب قد جعلت له من عمري ستين سنة تمام المائة فقال الله عز وجل لجبرئيل وميكائيل وملك الموت اكتبوا عليه كتابا فإنه سينسى فكتبوا عليه كتابا وختموه بأجنحتهم من طينة عليين فلما حضرت آدم الوفاة أتاه ملك الموت فقال آدم يا ملك الموت ما جاء بك فقال جئت لأقبض روحك قال قد بقي من عمري ستون سنة فقال إنك جعلتها لابنك داود ونزل عليه جبرئيل وأخرج له الكتاب فقال أبو عبد الله ع فمن أجل ذلك إذا أخرج الصك على المديون ذل المديون فقبض روحه

 وفيه عن الباقر ع قال إن ما بين الركن والمقام لمشحون من قبور الأنبياء وإن آدم لقي حرم الله عز وجل

 وفيه عن أبي عبد الله ع لما مات آدم ع وشمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم ع فما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو ابن ذاك

 كتاب التهذيب سمعت مرسلا من الشيوخ ومذاكرة ولم يحضرني الآن إسناده أن آدم ع لما أهبطه الله من جنة المأوى إلى الأرض استوحش فسأل الله تعالى أن يؤنسه بشي‏ء من أشجار الجنة فأنزل الله تعالى إليه النخلة فكان يأنس بها في حياته فلما حضرته الوفاة قال لولده إني كنت آنس بها في حياتي وأرجو الأنس بها بعد وفاتي فإذا مت فخذوا منها جريدا وشقوه بنصفين وضعوهما معي في أكفاني ففعل ولده ذلك وفعلته الأنبياء بعده ثم اندرس ذلك في الجاهلية فأحياه النبي ص وفعله فصارت سنة متبعة

 وعن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى نوح ع وهو في السفينة أن يطوف بالبيت أسبوعا فطاف أسبوعا ثم نزل في الماء إلى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم ع فحمل التابوت في جوف السفينة حتى طاف بالبيت ما شاء الله أن يطوف ثم ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها وتفرق الجمع الذي كان مع نوح ع في السفينة فأخذ التابوت فدفنه في الغري

 وعنه ع قال قال النبي ص عاش آدم أبو البشر تسعمائة وثلاثين سنة وفي قول إن عمره ألف سنة

و ذكر السيد ابن طاوس في سعد السعود من صحف إدريس ع مرض ع عشرة أيام بالحمى ووفاته يوم الجمعة لأحد عشر يوما خلت من المحرم ودفنه في غار جبل أبي قبيس ووجهه إلى الكعبة وأن عمره ع من وقت نفخ الروح إلى وفاته ألف سنة وثلاثين وأن حواء ما بقيت بعده إلا سنة ثم مرضت خمسة عشر يوما ثم توفيت ودفنت إلى جنب آدم ع. وهذا حاصل قصص آدم وحواء عليهما أفضل الصلوات 

 

باب 1- فضل آدم و حواء و علل تسميتهما و بعض أحوالهما و بدء خلقهما و سؤال الملائكة في ذلك

 

باب 2- سجود الملائكة و معناه و مدة مكثه عليه السلام في الجنة و أنها أية جنة كانت و معنى تعليمه الأسماء

 

باب 3- ارتكاب ترك الأولى و معناه و كيفيته و كيفية قبول توبته و الكلمات التي تلقاها من ربه

 

باب 4- كيفية نزول آدم ع من الجنة و حزنه على فراقها و ما جرى بينه و بين إبليس لعنه الله

 

باب 5- تزويج آدم حواء و كيفية بدء النسل منهما و قصة قابيل و هابيل و سائر أولادهما

 

باب 6- تأويل قوله تعالى جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما

 

باب 7- ما أوحي إلى آدم ع

 

باب 8- عمر آدم و وفاته و وصيته إلى شيث و قصصه ع