قصص إبراهيم ع

قصص إبراهيم ع

الفصل الأول في علة تسميته وفضائله وسننه ونقش خاتمه على نبينا وآله وعليه السلام

قد ذكر الله سبحانه قصته وبين أحواله في كثير من الآيات والسور لأنه أبو الأنبياء وثاني أولي العزم وخليل الرحمن وكانت الأنبياء ينسبون إلى دينه.

 ولذا قال ع ما على دين إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا

قال الله سبحانه ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا ولكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا واللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ

 علل الشرائع مسندا إلى الرضا ع قال إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا قط ولم يسأل أحدا غير الله عز وجل

 وعن علي ع قال كان إبراهيم أول من أضاف الضيف وأول من شاب فقال ما هذا فقيل وقار في الدنيا ونور في الآخرة

و قال الصدوق رحمه الله سمعت بعض المشايخ من أهل العلم يقول إنه سمي إبراهيم إبراهيم لأنه هم فبر وقيل إنه هم بالآخرة فبرئ من الدنيا

 وسئل عن أبي عبد الله ع لم اتخذ الله إبراهيم خليلا قال لكثرة سجوده على الأرض

 وعن محمد بن العسكري ع قال إنما اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلا لكثرة صلواته على محمد وآل محمد ص

 وعنه ص ما اتخذ الله إبراهيم خليلا إلا لإطعامه الطعام وصلواته بالليل والناس نيام

 وعن أبي جعفر ع قال لما اتخذ الله إبراهيم خليلا أتاه ملك الموت ببشارة الخلة في صورة شاب أبيض فدخل إبراهيم الدار فاستقبله خارجا من الدار وكان إبراهيم رجلا غيورا وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه فقال يا عبد الله ما أدخلك داري فقال ربها أدخلنيها فقال إبراهيم ربها أحق بها مني فمن أنت قال ملك الموت ففزع إبراهيم فقال جئتني لتسلبني روحي فقال لا ولكن اتخذ الله عز وجل خليلا فجئت ببشارته فقال إبراهيم فمن هذا لعلي أخدمه حتى أموت قال أنت هو فدخل على سارة فقال إن الله اتخذني خليلا

 وعن أبي عبد الله ع قال لما جاء المرسلون إلى إبراهيم ع جاءهم بالعجل فقال كلوا فقالوا لا نأكل حتى تخبرنا مأمنه فقال إذا أكلتم فقولوا بسم الله وإذا فرغتم فقولوا الحمد لله فالتفت جبرئيل ع إلى أصحابه وكانوا أربعة فقال حق الله أن يتخذ هذا خليلا ولما ألقي في النار تلقاه جبرئيل في الهواء وهو يهوي فقال يا إبراهيم أ لك حاجة فقال أما إليك فلا

 تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله ع أن إبراهيم ع أول من حول له الرمل دقيقا وذلك أنه قصد صديقا له بمصر في قرص طعام فلم يجده في منزله فكره أن يرجع بالجمل خاليا فملأ جرابه رملا فلما دخل منزله خلى بين الجمل وبين سارة استحياء منها ودخل البيت ونام ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا فقال إبراهيم من أين لك هذا فقالت من الدقيق الذي حملته من خليلك المصري فقال أما أنه من خليلي وليس بمصري فلذلك أعطي الخلة فشكر الله وحمده وأكل

أقول هذه أسباب لكونه ع خليلا ولا تكون الخلة إلا مع اجتماع تلك الخصال كلها

وعن علي ع قال كان الرجل يموت وقد بلغ الهرم ولا يشيب فكان الرجل يأتي النادي فيه الرجل وبنوه فلا يعرف الأب من الابن فيقول أيكم أبوكم فلما كان زمن إبراهيم ع قال اللهم اجعل لي شيئا أعرف به فشاب وابيض رأسه ولحيته

قصص الأنبياء للراوندي من علماء الإمامية قال كان في عهد إبراهيم ع رجل يقال له ماريا بن آوي قد أتت عليه ستمائة وستون سنة وكان يكون في غيضته له بينه وبين الناس خليج من ماء غمر وكان يخرج إلى الناس في كل ثلاث سنين فيقيم في الصحراء في محراب يصلي فيه فخرج ذات يوم فإذا هو بغنم كان عليها الدهن فأعجب بها وفيها شاب كان وجهه شقة قمر طالع فقال يا فتى لمن هذه الغنم قال لإبراهيم خليل الرحمن قال فمن أنت قال أنا ابنه إسحاق فقال ماريا في نفسه اللهم أرني عبدك وخليلك حتى أراه قبل الموت ثم رجع إلى مكانه ورفع إسحاق خبره إلى أبيه فكان إبراهيم يتعاهد ذلك المكان ويصلي فيه فسأله إبراهيم عن اسمه وما أتى عليه من السنين فخبره فقال أين تسكن قال في غيضة قال إبراهيم إني أحب أن آتي موضعك فأنظر إليه وكيف عيشك فيها فقال إني أيبس من الثمار الرطب ما يكفيني إلى قابل لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فإنه خليج وماء غمر فقال له إبراهيم فما لك معبر قال لا قال كيف تعبر قال أمشي على الماء قال إبراهيم لعل الذي سخر لك الماء يسخره لي للعبور فانطلقا وبدأ ماريا فوضع رجله على الماء وقال بسم الله وقال إبراهيم بسم الله فالتفت ماريا وإذا إبراهيم يمشي كما يمشي هو فتعجب من ذلك فدخل الغيضة وأقام معه إبراهيم ع ثلاثة أيام لا يعلمه من هو ثم قال له ماريا ما أحسن موضعك هل لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع فقال ما كنت لأفعل قال ولم قال لأني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين فلم يجبني فيها قال وما الذي دعوته فقص عليه خبر الغنم وإسحاق فقال إبراهيم قد استجاب لك أنا إبراهيم فقام وعانقه فكانت أول معانقة

 نوادر الراوندي بإسناده عن الكاظم ع قال قال رسول الله ص أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم الخليل ع حيث أسرت الروم لوطا ع فنفر إبراهيم ع واستنقذه من أيديهم وأول من اختتن إبراهيم ع اختتن بالقدوم على رأس ثمانين سنة

أقول يحمل هذا الاختتان وما روي بمعناه من الأخبار على التقية كما ورد في حديث آخر والوارد في أكثر الأخبار أن الأنبياء ع يولدون مختونين وفي بعضها أن غلفهم وسررهم تسقط يوم السابع ويمكن التوفيق بحمل الأول على أولي العزم منهم والثاني على غيرهم وقيل بإمكان ما يبقى من الغلف شي‏ء يسقط يوم السابع

 تفسير العياشي عن الصادق ع قال إذا سافر أحدكم فليأت أهله بما تيسر ولو بحجر فإن إبراهيم ع ضاف ضيفا فأتى قومه فوافق منهم قحطا شديدا فرجع كما ذهب فلما قرب من منزله نزل عن حماره فملأ خرجه رملا أراد أن يسكن به روع زوجته سارة فلما دخل منزله حط الخرج عن الحمار وافتتح العلوفة فجاءت سارة ففتحت الخرج فوجدته مملوءا دقيقا فاختبزت منه وقالت لإبراهيم انفتل من صلاتك وكل فقال لها من أين لك هذا قالت من الدقيق الذي في الخرج فرفع رأسه إلى السماء فقال أشهد أنك الخليل

 وعنه ع قال لقد كانت الدنيا وما كان فيها إلا واحدا يعبد الله ولو كان معه غيره إذا لأضافه إليه حيث يقول إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً ولَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فصبر بذلك ما شاء الله ثم إن الله تبارك وتعالى آنسه بإسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة

  وعنه ع أن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم ع عبدا قبل أن يتخذه نبيا وأن الله تعالى اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وأن الله تعالى اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وأن الله تعالى اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء قال إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قال فمن عظمها في عين إبراهيم قالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال لا يكون السفيه إمام التقي

 وعنه ع أول من اتخذ النعلين إبراهيم ع

 وعن أبي جعفر ع قال كان الناس يموتون فجأة فلما كان زمن إبراهيم ع قال يا رب اجعل الموت علة يؤجر بها الميت ويسلى بها عن المصائب فأنزل الله عز وجل البرسام ثم أنزل بعده الداء

 نوادر الراوندي عن الكاظم ع قال قال رسول الله ص إن الولدان تحت عرش الرحمن يستغفرون لآبائهم يحضنهم إبراهيم ع وتربيهم سارة في جبل من مسك وعنبر وزعفران

أقول أولاد المؤمنين الذين يموتون أطفالا ورد في بعض الأخبار أن الزهراء ع تربيهم في الجنة حتى يأتي أبواهم أو واحد من أقاربهم فتدفعه إليهم. وفي بعضها أن بعض شجر الجنة له أخلاف كأخلاف البقر يرتضع منه أطفال المؤمنين الذين يموتون رضعانا حتى يكبروا فيدفعوا إلى آبائهم والتوفيق بين الأخبار تارة بأن بعضهم تربيهم الزهراء ع والآخر يحضنهم إبراهيم وسارة وأخرى بأن أطفال العلويين من أولادها ع هي التي تربيهم وأطفال باقي المؤمنين يوكل إلى غيرها وأما نقش خاتمه ع فقد تقدم

الفصل الثاني في بيان ولادته ع وكسر الأصنام وحال أبيه وما جرى له مع فرعون

قال الله سبحانه أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لم ينته علمك الذي حاج إبراهيم أي خاصمه وهو نمرود بن كنعان وهو أول من تجبر وادعى الربوبية وهذه المحاجة.

 روي عن الصادق ع أنها بعد إلقائه في النار

و قوله أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ أي محاجته ومخاصمته مع إبراهيم طغيانا وبغيا باعتبار الملك الذي آتاه الله والملك هنا عبارة عن نعيم الدنيا وهو بهذا المعنى يجوز أن يعطيه الله الكافر والمؤمن وأما الملك بمعنى تمليك الأمر والنهي وتدبير أمور الناس وإيجاب الطاعة على الخلق فلا يجوز أن يؤتيه الله إلا من يعلم أنه يدعو إلى الصلاح والسداد والرشاد ولا يكون إلا للنبي وأهل بيته الطاهرين العالمين بما يحتاج إليه الأمة من أول أمرها إلى آخرها. وقد ذكرت في بعض مؤلفاتي مباحثة مع بعض علماء العامة قلت له الشيطان يأمر بكل منكر وينهى عن كل معروف قال نعم قلت الإمام يجب أن يكون نقيضا للشيطان يأمر بما ينهى عنه الشيطان وينهى عما يأمر به الشيطان فقال نوافق على هذا القول فقلت وهذا لا يكون إلا إذا كان الإمام عالما بجميع الأوامر والنواهي الإلهية وإلا كان الشيطان أعلم منه ولم يكن على طرف نقيض مع الشيطان ومن ادعيتم لهم الإمامة ليسوا على هذه الصفة بالإجماع على ما تواتر من قول الثاني كل الناس أفقه مني حتى المخدرات في الحجاب وقول الأول عند أغاليطه إن لي شيطانا يعتريني إذا زغت فقوموني وإذا ملت فسددوني وأما الثالث فحاله في الجهل أوضح من أن يذكر فعلى هذا الملك الذي وثبوا عليه وتقمصوه لم يكن ملك آتاهم الله حتى أوجب على الناس طاعتهم مع أنه لو كان الأمر كذلك يلزم الحرج على المكلفين لأن الأول في زمن خلافة ذهب إلى مذاهب وفتاوى في الأحكام لم يذهب إليها الثاني وعمل بضدها فكيف يجب متابعة الرجلين مع ما بينهما من التضاد والخلاف في الأقوال والأفعال

 وروي في تفسير قوله تعالى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ أنه قال رجل للصادق ع ملك بني أمية أ هو من الله تعالى فقال ع إنه ملك لنا من الله ولكن بنو أمية وثبوا عليه وغصبوه منا كمن كان له ثوب فجاء رجل فغصبه منه ولبسه فبلبسه له لم يصر ملكا له ولا ثوبه

و المراد بالملك هنا هو معناه الثاني وأما الملك بمعناه الأول فلا مانع من تمكين الله سبحانه لهم منه كما أعطى ملوك الكفار والسلاطين الظالمين وكانوا من الفريقين. و قوله الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ المراد بالإماتة هنا إخراج الروح من بدن الحي من غير جرح ولا نقص بنية ولا إحداث فعل يتصل بالبدن من جهته وهذا خارج عن قدرة البشر. وقوله أَنَا أُحْيِي بالتخلية من الحبس وأُمِيتُ بالقتل وهذا جهل منه لأنه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع الذي ينفرد سبحانه به ولا يقدر عليه سواه فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي تحير عن الانقطاع بما بان له من ظهور الحجة فإن قيل فهلا قال له نمرود فليأت بها ربك من المغرب. قيل إنه لما رأى الآيات علم أنه لو اقترح ذلك لأتي به تصديقا لإبراهيم فكان يزداد بذلك فضيحة على أن الله سبحانه خذله ولطف لإبراهيم واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد. عن ابن عباس أن الله سبحانه سلط على نمرود بعوضة فعضت شفته فأهوى إليها ليأخذها فطارت في منخره فذهب ليستخرجها فطارت في دماغه فعذبه الله بها أربعين ليلة ثم أهلكه

 تفسير علي بن إبراهيم بإسناده إلى الباقر ع أنه قال ليهنئكم الاسم قيل ما هو قال وإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ وقوله فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ليهنئكم الاسم

أقول الشيعة اسم تسمى الشيعة به ولقبوا به أنفسهم وأما الرافضة فاسم سمانا به المخالفون وجاء في الحديث أنه اسم للمؤمنين من قوم موسى سموا به لأنهم رفضوا فرعون وقومه فذخر الله سبحانه هذا الاسم لنا معاشر الشيعة

 وفيه عن أبي عبد الله ع إن آزر أبا إبراهيم ع كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين فقال له نمرود في أي بلاد يكون قال في هذه البلاد ولم يخرج بعد إلى الدنيا قال ينبغي أن نفرق بين الرجال والنساء ففرق وحملت أم إبراهيم بإبراهيم ولم يظهر حملها فلما حانت ولادتها قالت يا آزر إني قد اعتللت وأريد أن أعتزل عنك وكانت في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها فاعتزلت في غار ووضعت إبراهيم وقمطته ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة فأجرى الله لإبراهيم لبنا من إبهامه وكانت تأتيه أمه ووكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح وكان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر حتى أتى له في الغار ثلاث عشرة سنة فلما كان بعد ذلك زارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال يا أمي أخرجيني فقالت يا بني إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك فلما خرجت أمه من الغار وقد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء فقال هذا ربي فلما غابت الزهرة فقال لو كان ربي ما زال ولا برح ثم قال لا أحب الآفلين الآفل الغائب فلما نظر إلى المشرق وقد طلع القمر قال هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما تحرك وزال قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فلما أصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها في الدنيا قال هذا أكبر وأحسن فلما تحركت وزالت كشف الله عن السماوات حتى رأى العرش وأراه الله ملكوت السماوات والأرض فعند ذلك قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والْأَرْضَ حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فجاء إلى أمه وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها فنظر إليه آزر فقال من هذا الذي بقي في سلطان الملك والملك يقتل أولاد الناس قالت هذا ابنك ولدته وقت كذا وكذا حين اعتزلت فقال ويحك إن علم الملك هذا نزلت منزلتنا عنده وكان آزر صاحب أمر نمرود ووزيره وكان يتخذ الأصنام له وللناس ويدفعها إلى ولده فيبيعونها فقالت أم إبراهيم لا عليك إن لم يشعر الملك به بقي لنا وإن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه وكان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا وكان يدفع إليه الأصنام ليبيعها كما يبيع إخوته فكان يعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الأرض ويقول من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه ويغرقها في الماء والحمام ويقول لها تكلمي فذكر إخوته ذلك لأبيه فنهاه فلم ينته فحبسه ولم يدعه يخرج ف حاجَّهُ قَوْمُهُ فقال إبراهيم أَ تُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وقَدْ هَدانِ

 وقال ع في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن ع

و فيه أنه خرج نمرود وجميع أهل مملكتهم إلى عيد لهم وكره أن يخرج إبراهيم ع معهم فوكله ببيت الأصنام فلما ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم فكان يدنو من صنم صنم فيقول له كل وتكلم فإذا لم يجبه اتخذ القدوم فكسر يده ورجله حتى فعل ذلك بجميع الأصنام ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذي كان في الصدر فلما رجع الملك ومن معه من العبيد نظروا إلى الأصنام متكسرة فقالوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ فقالوا هاهنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم وهو ابن آزر فجاءوا به إلى نمرود فقال نمرود لآزر خنتني وكتمت هذا الولد عني فقال أيها الملك هذا عمل أمه وذكرت أنها تقوم بحجته فدعا نمرود أم إبراهيم فقال لها ما حملك على أن كتمتيني أمر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل فقالت أيها الملك نظرا مني لرعيتك فقال وكيف ذلك قالت لأني رأيتك تقتل أولاد رعيتك فكان يذهب النسل فقلت إن كان هذا الذي يطلبه دفعته ليقتله ويكف عن أولاد الناس وإن لم يكن ذلك فبقي لنا ولدنا وقد ظفرت به فشأنك فكف عن أولاد الناس بصواب رأيها ثم قال لإبراهيم مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا قال فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ.

 فقال الصادق ع ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم لأنه إنما قال فعله كبيرهم هذا إن نطق وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا

فاستشار نمرود قومه في إبراهيم فقالوا له أحرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين.

 فقال الصادق ع كان فرعون إبراهيم وأصحابه لغير رشدة فإنهم قالوا لنمرود أحرقوه وكان فرعون موسى وأصحابه لرشدة فإنه لما استشار أصحابه في موسى قالُوا أَرْجِهْ وأَخاهُ وأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ

فحبس إبراهيم وجمع له الحطب حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم في النار برز نمرود وجنوده وكان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم كيف تأخذه النار فجاء إبليس واتخذ لهم المنجنيق لأنه لم يقدر أحد أن يتقارب منها وكان الطائر من مسيرة فرسخ يحترق فوضع إبراهيم في المنجنيق وجاء أبوه فلطمه لطمة وقال ارجع عما أنت عليه ولم يبق شي‏ء إلا طلب إلى ربه وقالت الأرض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق وقالت الملائكة يا رب خليلك إبراهيم يحرق فقال الله عز وجل أما إنه إن دعاني كفيته وقال جبرئيل يا رب خليلك ليس في الأرض أحد يعبدك غيره سلطت عليه عدوه يحرقه بالنار فقال اسكت إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي آخذه إذا شئت فإن دعاني أجبته فدعا إبراهيم ع ربه بسورة الإخلاص يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك قال فالتقى معه جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق فقال يا إبراهيم هل لك إلي من حاجة فقال إبراهيم أما إليك فلا وأما إلى رب العالمين فنعم فدفع إليه خاتما عليه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله وأسندت أمري إلى الله وفوضعت أمري إلى الله فأوحى الله إلى النار كُونِي بَرْداً وسَلاماً فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتى قال سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فانحط جبرئيل وجلس معه يحدثه في النار وهو في روضة خضراء ونظر إليه نمرود فقال من اتخذ إلها فليتخذ إلها مثل إله إبراهيم فقال عظيم عن عظماء أصحاب نمرود إني عزمت على النار أن تحرقه فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه ونظر نمرود إلى إبراهيم في روضة خضراء في النار مع شيخة يحدثه فقال لآزر ما أكرم ابنك على ربه قال وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم وكان الضفدع يذهب بالماء ليطفئ به النار قال ولما قال الله تبارك وتعالى للنار كُونِي بَرْداً وسَلاماً لم يعمل النار في الدنيا ثلاثة أيام ونَجَّيْناهُ ولُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ إلى الشام وسواد الكوفة. أقول قال الرازي اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أوجه أحدها أن الله تعالى أزال منها ما فيها من الحر والإحراق وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق وثانيها الله سبحانه خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة كما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة بدن السمندر وبحيث لا يضره المكث في النار وثالثها أنه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول النار إليه. قال المحققون والأول أولى لأن ظاهر قوله يا نارُ كُونِي بَرْداً أن نفس النار صارت باردة

 وعنه ص أنه لما ألقي إبراهيم في النار نزل جبرئيل ع بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه

و في التفسير أنه لما ألقى نمرود إبراهيم ع في النار وجعلها الله بردا وسلاما قال نمرود يا إبراهيم من ربك قال ربي الذي يحيي ويميت قال له نمرود أنا أحيي وأميت قال إبراهيم كيف تحيي وتميت قال أعمد إلى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل فأطلق عن واحد وأقتل واحدا فكنت أمت وأحييت فقال إبراهيم إن كنت صادقا فاحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فإن ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر

 وعن أبي عبد الله ع قال ملك الأرض كلها أربعة مؤمنان وكافران فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين ع والكافران نمرود وبخت‏نصر واسم ذي القرنين عبد الله بن ضحاك بن معد وأول منجنيق عمل في الدنيا منجنيق عمل لإبراهيم ع بسور الكوفة في نهر يقال له كوفي وفي قرية يقال لها قنطانا

 علل الشرائع سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن قول الله عز وجل يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وأُمِّهِ وأَبِيهِ وصاحِبَتِهِ وبَنِيهِ من هم فقال ع قابيل يفر من هابيل والذي يفر من أمه موسى والذي يفر من أبيه إبراهيم والذي يفر من صاحبته لوط والذي يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان

أقول قال الصدوق طاب ثراه إن موسى ع يفر من أمه خوفا أن لا يعرفها حق تربيتها له وقيل إنها كانت مرضعة ترضعه في بيت فرعون قبل وقوعهم على أمه وكانت كافرة وأما أبو إبراهيم فالمراد عمه وإلا فأبوه تارخ كان من المسلمين

 وعن أبي عبد الله ع أنه لما أضرمت النار على إبراهيم ع شكت هوام الأرض إلى الله عز وجل واستأذنته أن تصب عليها الماء فلم يأذن الله عز وجل لشي‏ء منها إلا الضفدع فاحترق منه الثلثان وبقي منه ثلث

 وعن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى ع قال يا أبا إسحاق إن في النار لواديا يقال له سقر لم يتنفس منذ خلقه الله وإن أهل النار ليتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله وإن لذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله وإن في الجبل لشعبا يتعوذ جميع أهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه وإن في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ أهل ذلك الشعب من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لأهله وإن في ذلك القليب لحية يتعوذ أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها وما أعد الله في أنيابها من السم لأهلها وإن في جوف تلك الحية لسبع صناديق فيها خمسة من الأمم السالفة واثنان من هذه الأمة قال قلت جعلت فداك من الخمسة ومن الاثنين قال فأما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه وفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى ويهودا الذي هود اليهود وبولس الذي نصر النصارى ومن هذه الأمة أعرابيان

أقول يعني به الأول والثاني وسماهما أعرابيان لما فيهما من الجفاء

 وعن الرضا ع قال لما رمي إبراهيم في النار دعا الله بحقنا فجعل الله النار عليه بردا وسلاما وقال ع لما ألقاه الله في النار أنبت الله في حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة وأنبت حوله من أنواع الأشجار ما لا يوجد في الفصول الأربعة من السنة

 كتاب المحاسن رفعه إلى علي بن الحسين ع أن هاتفا هتف به فقال يا علي بن الحسين أي شي‏ء كانت العلامة بين يعقوب ويوسف فقال لما قذف إبراهيم في النار هبط جبرئيل بقميص فضة فألبسه إياه ففرت عنه النار ونبت حوله النرجس فأخذ إبراهيم ع القميص فجعله في عنق إسحاق في قصبة من فضة وعلقها إسحاق في عنق يعقوب وعلقها يعقوب في عنق يوسف ع فقال له إن نزع هذا القميص من بدنك علمت أنك ميت أو قد قتلت فلما دخل عليه إخوته أعطاهم القصبة وأخرجوا القميص فاحتملت الريح رائحته فألقته على وجه يعقوب بالأردن فقال إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ

 العياشي عن الحرث عن علي بن أبي طالب ع قال إن نمرود أراد أن ينظر إلى ملك السماء فأخذ نسورا أربعة فرباهن وجعل تابوتا من خشب وأدخل فيه رجلا ثم شد قوائم النسور بقوائم التابوت ثم جعل في وسط التابوت عمودا وجعل في رأس العمود لحما فلما رأت النسور اللحم طارت بالتابوت والرجل فارتفعت فمكث ما شاء الله ثم إن الرجل أخرج من التابوت رأسه فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى الجبال إلا كالذر ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى إلا الماء ثم مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى شيئا ثم وقع في ظلمة لم ير ما فوقه وما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضة فلما نظرت الجبال إليها وقد أقبلت منقضة وسمعت حفيفها فزعت وكادت أن تزول مخافة أمر السماء وهو قول الله وإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ

 الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله ع قال إن إبراهيم ع كان مولده بكوثى يعني قرية من قرى الكوفة وكان أبوه من أهلها وكانت أم إبراهيم وأم لوط أختين وهما ابنتان للاحج وكان لاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا وإن إبراهيم لزوج سارة وهي ابنة خالته وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة فملكته إبراهيم ع فقام فيه وأصلحه ولما كسر أصنام نمرود وأمر بإحراقه ولم يحترق أمرهم أن ينفوه من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بما يشتهيه وماله فحاجهم إبراهيم فقال إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى أن الحق لإبراهيم فخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله فأخرجوا إبراهيم ولوطا معه من بلادهم إلى الشام إلى بيت المقدس فعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليه الأغلاق غيرة منه عليها ومضى حتى خرج من سلطان نمرود ودخل في سلطان رجل من القبط يقال له عرارة فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه فقال العاشر لإبراهيم افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه فقال إبراهيم قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطيك عشره ولا تفتحه فأبى العاشر إلا فتحه وغضب إبراهيم ع فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر ما هذه منك قال إبراهيم هي حرمتي وابنة خالتي فقال له العاشر لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت فقال إبراهيم ع لا أفارق التابوت فحملوه مع التابوت إلى الملك فقال له افتح التابوت فقال إبراهيم إن فيها حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد لا أفتحه بجميع ما معي فغضب الملك على إبراهيم لعدم فتحه فلما رأى سارة لم يملك حلمه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم وجهه عنه وعنها غيرة وقال اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه فقال له الملك إن إلهك هو الذي فعل بي هذا فقال نعم إن إلهي غيور يكره الحرام فقال له الملك فادع إلهك أن يرد علي يدي فإن أجابك فلم أتعرض لها فقال إبراهيم إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي فرد الله عز وجل عليه يده فأقبل الملك عليها ببصره ثم عاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم غيرة وقال اللهم احبس يده عنها فيبست يده ولم تصل إليها فقال الملك لإبراهيم إن إلهك لغيور وإنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد أفعل فقال إبراهيم أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله فقال له الملك نعم فقال إبراهيم اللهم إن كان صادقا فرد عليه يده فرجعت إليه فلما رأى الملك ذلك عظم إبراهيم عنده وأكرمه واتقاه وقال له انطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة وهو أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما فأذن له إبراهيم فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل فسار إبراهيم بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم إعظاما له وهيبة فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار ولكن اجعله أمامك وعظمه فإنه مسلط ولا بد من آمر في الأرض بر أو فاجر فوقف إبراهيم ع وقال للملك امض فإن إلهي أوحى إلي الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك فقال له الملك أشهد أن إلهك لرقيق حليم كريم وأنت ترغبني في دينك فودعه الملك وسار إبراهيم حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطا ع في أدنى الشامات ثم إن إبراهيم ع لما أبطأ عليه الولد قال لسارة لو شئت لبعتيني هاجر لعل الله يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا فابتاع إبراهيم هاجر من سارة ع فوقع عليها فولدت إسماعيل ع

أقول بقي في هذا المقام أمور لا بد من التنبيه عليها الأمر الأول اختلف علماء الإسلام في أب إبراهيم ع قال الرازي في تفسير قوله تعالى وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ظاهر هذه الآية تدل على أن اسم والد إبراهيم ع هو آزر ومنهم من قال اسمه تارخ قال الزجاج الاختلاف بين النسابين أن اسمه تارخ ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن وذكر له وجوها منها أن والد إبراهيم ع كان تارخ وآزر كان عما له والعم قد يطلق عليه لفظ الأب كما حكى الله عن أولاد يعقوب أنهم قالوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ومعلوم أن إسماعيل كان عما ليعقوب وقد أطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا. ثم قال قالت الشيعة إن أحدا من آباء رسول الله ص ما كان كافرا وذكروا أن آزر كان عمه واحتجوا على قولهم بوجوه الحجة الأولى أن آباء نبينا ما كانوا كفارا لوجوه منها قوله تعالى الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ. يعني أنه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد ويدل عليه أيضا

 قوله ص لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات

و قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يكون أحد أجداده منهم. وأيضا أجمع الإمامية رضوان الله عليهم على إسلام والد إبراهيم ع وحينئذ فالأخبار الدالة على أنه كان مشركا أباه حقيقة محمولة على التقية. الأمر الثاني في قول إبراهيم إِنِّي سَقِيمٌ واختلف في معناه على أقوال أحدها أنه نظر في النجوم فاستدل بها على وجه حمى كانت تعتوره فقال إني سقيم أي حضر وقت ذلك المرض فكأنه قال إني سأسقم. وثانيها أنه نظر في النجوم كنظرهم لأنهم يتعاطون علم النجوم فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم فقال عند ذلك إني سقيم فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل على سقمه. وثالثها أن يكون الله أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل وجعل العلامة على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص. فلما رأى إبراهيم ع تلك الأمارة قال إني سقيم تصديقا لما أخبره الله تعالى سبحانه. ورابعها أن معنى قوله إِنِّي سَقِيمٌ أي سقيم القلب أو الرأي حزنا من إصرار القوم على عبادة الأصنام ويكون على ذلك معنى نظره في النجوم فكرته في أنها محدثة مخلوقة فكيف ذهب على العقلاء حتى عبدوها

 

 إن زحل نجم أمير المؤمنين ع فلا يقال إنه نحس كما يقوله الناس

الأمر الثالث قوله ع هذا رَبِّي وقيل في تأويله وجوه الأول أنه ع إنما قال عند كمال عقله في زمان مهلة النظر فإنه تعالى لما أكمل عقله وحرك دواعيه على الفكر والتأمل ورأى الكوكب فأعظمه نوره وقد كان قومه يعبدون الكواكب فقال هذا ربي على سبيل الفكر فلما غاب علم أن الأفول لا يجوز على الإله فاستدل بذلك على أنه محدث مخلوق وكذلك كان حاله في رؤية القمر والشمس قال في آخر كلامه يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى وعلمه بأن صفات المحدثين لا تجوز عليه وفي بعض الأخبار إيماء إليه. الثاني أنه كان عارفا بعدم صلاحيتها للربوبية ولكن قال ذلك في مقام الاحتجاج على عبدة الكواكب على سبيل الفرض الشائع عند المناظرة فكأنه أعاد كلام الخصم ليلزم عليه المحال ويؤيده بعد ذلك وتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ. الثالث أن يكون المراد هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ونظيره أن يقول الموحد للمجسم إن إلهه جسم محدود أي في زعمه واعتقاده وقوله تعالى وانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً. الرابع أن يكون المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار. الخامس أن يكون القول مضمرا أي يقولون هذا ربي. السادس أن يكون قوله ذلك على سبيل الاستهزاء كما يقال الدليل ساد قوما هذا سيدكم على وجه الهزء. السابع أنه ص أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل أنه لو صرح بالدعوة إلى الله لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه فمال إلى طريق يستدرجهم به إلى استماع الحجة وذلك بأنه ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم مع أن قلبه كان مطمئنا بالإيمان فكأنه بمنزلة المكره على إجراء كلمة الكفر على اللسان على وجه المصلحة لإحياء الخلق بالإيمان. الأمر الرابع وجه الاستدلال بالأفول على عدم صلاحيتها للربوبية. قال الرازي الأفول عبارة عن غيبوبة الشي‏ء بعد ظهوره. وإذا عرفت هذا فلسائل أن يقول الأفول إنما يدل على الحدوث من حيث إنه حركة وعلى هذا يكون الطلوع أيضا دليلا على الحدوث فلم ترك إبراهيم ع الاستدلال على حدوثها بالطلوع وعول في إثبات هذا المطلوب على الأفول. والجواب أنه لا شك أن الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث وإلا فإن الدليل الذي يحتج به الأنبياء في معروض دعوة الخلق كلهم إلى الإله لا بد وأن يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل ودلالة الحركة على الحدوث وإن كانت يقينية إلا أنها دقيقة لا يعرفها إلا الأفاضل من الخلق وأما دلالة الأفول فكانت على هذا المقصود وأيضا قال بعض المحققين الهوى في حظيرة الإمكان.

 أقول وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الأوساط وحصة العوام فإن الخواص يفهمون من الأفول الإمكان وكل ممكن محتاج والمحتاج لا يكون مقطعا للحاجة فلا بد من الانتهاء إلى ما يكون منزها عن الإمكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال وأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى وأما الأوساط فإنهم يفهمون من الأفول مطلق الحركة فكل متحرك محدث وكل محدث محتاج إلى القديم القادر فلا يكون الأقل إلها بل الإله هو الذي احتاج إليه هذا الأقل وأما العوام فإنما يفهمون من الأفول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الأفول فإنه يزول فورا ضوؤه ويذهب سلطانه ويصير كالمعدوم ومن كان كذلك فإنه لا يصلح للإلهية فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فكانت أكمل الدلائل وأفضل البراهين وفيه دقيقة أخرى وهي أنه ع كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ومذهب أهل النجوم إذا كان في الربع الشرقي ويكون شاهدا إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثر وأما إذا كان غربيا وقريبا من الأفول فإنه يكون ضعيف الأثر قليل القوة فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقص ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ناقص التأثير عاجزا عن التدبير وذلك يدل على القدح في إلهيته فظهر أن على قول المنجمين للأفول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الإلهية انتهى. الأمر الخامس تأويل قوله ع بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وقد ذكروا له وجوها الأول ما ذكره علم الهدى نور الله ضريحه وهو أن الخبر مشروط غير مطلق لأنه قال إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ومعلوم أن الأصنام لا تنطق فما علق على المستحيل فهو مستحيل فأراد إبراهيم توبيخهم بعبادة من لا ينطق ولا يقدر أن يخبر عن نفسه بشي‏ء فإذا علم استحالة النطق علم استحالة الفعل وعلم باستحالة الأمرين أنه لا يجوز أن تكون آلهة معبودة وأن من عبدها ضال مضل ولا فرق بين قوله إنهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون وبين قوله إنهم ما فعلوا ذلك ولا غيره لأنهم لا ينطقون ولا يقدرون. وأما قوله فَسْئَلُوهُمْ فإنما هو أمر بسؤالهم أيضا على شرط والنطق منهم شرط في الأمرين فكأنه قال إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فاسألوهم فإنه لا يمتنع أن يكونوا فعلوه و هذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره من فعل هذا الفعل فيقول زيد فعل كذا وكذا ويشير إلى فعله يضيفه السائل إلى زيد وليس في الحقيقة من فعله ويكون غرض المسئول نفي الأمرين عن زيد وتنبيه السائل على خطئه في إضافته إلى زيد. الثاني أنه لم يكن قصد إبراهيم ع إلى أن ينسب الأمر الصادر عنه إلى الصنم وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على وجه تعريضي وهذا كما لو قال صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق وأنت تحسن الخط أنت كتبت هذا وصاحبك لا يحسن الخط فقلت له بل كنت أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء لا نفيه عنك. الثالث أن إبراهيم ع غاظته تلك الأصنام حيث أبصرها مصفقة مرتبة فكان غيظه من كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته وحطمه لها والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه. الرابع أنه قال على وجه التورية لما فيه من الإصلاح.

 روي في الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص لا كذب على مصلح ثم تلى أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ثم قال والله ما سرقوا وما كذب ثم تلى بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فقال والله ما فعلوا وما كذب

و هذا إرادة الإصلاح ودلالة على أنهم لا يعقلون وبقيت وجوه أخر لا نطول الكتاب بذكرها

الفصل الثالث في إراءته ملكوت السماوات والأرض وسؤاله إحياء الموتى وجملة من حكمه ومناقبه ع وفيه وفاته ع

قال الله سبحانه وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ ولَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً واعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

 الإحتجاج عن أبي محمد العسكري ع قال قال رسول الله ص إن إبراهيم ع لما رفع في الملكوت وذلك قول ربي وكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا الله عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فأوحى الله إليه يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي كما لا ينفعني طاعتهم ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة ولا مهيمن علي ولا على عبادي وعبادي معي بين خلال ثلاث إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين وأتأنى بالأمهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج أولئك المؤمنون من أصلابهم فإذا تزايلوا حق بهم عذابي وإن لم يكن هذا ولا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريد لهم فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي يا إبراهيم وخل بيني وبين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم أدبرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري ثم التفت إبراهيم ع فرأى جيفة على ساحل البحر بعضها في الماء وبعضها في البر تجي‏ء سباع الماء فتأكل ما في الماء ثم ترجع فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا وتجي‏ء سباع البر فتأكل منها فيشتمل ]فيشتد[ بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فعند ذلك تعجب إبراهيم ع مما رأى وقال يا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى هذه أمم تأكل بعضها بعضا قالَ أَ ولَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً

أقول الظاهر من الأحاديث أن رؤية الملكوت كانت بالعين وجوز بعضهم الرؤية القلبية بأن أنار قلبه حتى أحاط بها علما

 وفي علل الشرائع سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول في قول إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى إن الله عز وجل أمر إبراهيم أن يزور عبدا من عباده الصالحين فزاره فلما كلمه قال له إن الله تبارك وتعالى خلق في الدنيا عبدا يقال له إبراهيم اتخذه خليلا قال وما علامة ذلك العبد قال يحيي الموتى فوقع لإبراهيم أنه هو فسأله أن يحيي الموتى قالَ أَ ولَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي على الخلة

و يقال إنه أراد أن تكون له في ذلك معجزة كما كانت للرسل وإن إبراهيم سأل ربه أن يحيي له الميت فأمره الله عز وجل إلى أن يميت لأجله الحي سواء بسواء وهو لما أمره بذبح ابنه إسماعيل وإن الله عز وجل أمر إبراهيم بذبح أربعة من الطير طاوس ونسر وديك وبط. فالطاوس يريد به زينة الدنيا والنسر يريد به الأمل الطويل والبط يريد به الحرص والديك يريد به الشهوة يقول الله عز وجل إن أحببت أن تحيي قلبك وتطمئن معي فاخرج عن هذه الأشياء الأربعة فإذا كانت هذه الأشياء في قلب فإنه لا يطمئن معي وسألته كيف قال أَ ولَمْ تُؤْمِنْ مع علمه بسره وحاله فقال إنه لما قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى كان ظاهر هذه اللفظة توهم أنه لم يكن بيقين فقرره الله بسؤاله عنه إسقاطا للتهمة عنه وتنزيها له من الشك

 وفي الكافي عن الحصين بن الحكم قال كتبت إلى العبد الصالح أخبره أني شاك وقد قال إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى وإني أحب أن تريني شيئا فكتب إلي أن إبراهيم كان مؤمنا وأحب أن يزداد إيمانا وأنت شاك والشاك لا خير فيه

 وعن أبي عبد الله ع قول الله عز وجل فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ قال أخذ الهدهد والصرد والطاوس والغراب فذبحهن وعزل رءوسهن ودق لحمهن في الهاون مع عظامهن وريشهن حتى اختلطن ثم جزأهن عشرة أجزاء على عشرة جبال ثم وضع عنده حبا وماء ثم جعل مناقيرهن بين أصابعه قال ائتين معي بإذن الله فتطاير بعضها إلى بعض اللحوم والريش والعظام حتى استوت الأبدان كما كانت وجاء كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها رأسه والمنقار فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فوقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب ثم قلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال إبراهيم ع بل الله يحيي ويميت فهذا تفسيره الظاهر وتفسيره في الباطن خذ أربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهم علمك ثم ابعثهم في أطراف الأرضين حججا لك على الناس وإذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر يأتينك سعيا بإذن الله عز وجل

قال الصدوق الذي عندي في هذا أنه أمر بالأمرين جميعا

 وروي أن الطيور التي أمر بأخذها الطاوس والنسر والديك والبط

أقول يجوز أن يحمل تغاير الطيور على تعدد المرات

 عيون أخبار الرضا عن ابن الجهم قال سأل المأمون الرضا ع عن قول إبراهيم ع رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قال الرضا ع إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم ع إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم ع أنه ذلك الخليل فقال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ ولَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي على الخلة قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ الحديث

أقول ذكر المفسرون لتأويل هذه الآية وجوها الأول ما تضمنه هذا الحديث. الثاني أنه أحب أن يعلم ذلك عيانا بعد ما كان عالما به من جهة الدليل والبرهان لتزول الخواطر والوساوس وفي الأخبار دلالة عليه. الثالث أن سبب السؤال منازعة نمرود إياه في الأحياء فقال أحيي وأميت أطلق محبوسا وأقتل إنسانا. فقال إبراهيم ع ليس هذا بإحياء وقال يا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ليعلم نمرود ذلك وذلك أن نمرود توعده بالقتل إن لم يحيي الله له الميت بحيث يشاهده ولذلك قال لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أي بأن لا يقتلني الجبار

  معاني الأخبار مسندا عن النبي ص قال أنزل الله على إبراهيم ع عشرين صحيفة قلت ما كانت صحيفة إبراهيم قال كانت أمثالا كلها وكان فيها أيها الملك المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها وإن كانت من كافر وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا أي مريضا وصاحب علة أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز وجل وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيها صنع الله عز وجل وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات على العاقل أن يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال كانت عبرا كلها وفيها عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن أيقن بالنار كيف يضحك ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها لم يطمئن إليها ومن لم يؤمن بالقدر كيف ينصب أي يتعب نفسه في طلب الرزق ولمن أيقن بالحساب لم لا يعمل

 وعن أبي جعفر ع في قول الله تعالى وكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والْأَرْضِ قال أعطي بصره من القوة ما يعدو السماوات فرأى ما فيها ورأى العرش وما فوقه ورأى الأرض وما تحتها وفعل محمد ص مثل ذلك وأنا لا أرى صاحبكم والأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك

 العياشي عن عبد الصمد بن بشير قال جمع لأبي جعفر الدوانيقي جميع القضاة فقال لهم رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء فلم يعلموا كم الجزء فأبرد بريد إلى صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمد ع رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء فقد أشكل ذلك على القضاة فلم يعلموا كم الجزء فأتى صاحب المدينة إلى الصادق ع وسأله عن الجزء فقال ع هذا في كتاب الله بين إن الله يقول لما قال إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً وكانت الطيور والجبال عشرة الحديث

 العياشي عن أحدهما ع أنه كان يقرأ هذه الآية رب اغفر لي ولولدي يعني إسماعيل وإسحاق

 غوالي اللئالئ في الحديث أن إبراهيم ع لقي ملكا فقال له من أنت قال أنا ملك الموت قال تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض بها روح المؤمن قال نعم أعرض عني فأعرض عنه فإذا هو شاب حسن الصورة حسن الثياب حسن الشمائل طيب الرائحة فقال يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن إلا حسن صورتك لكان حسبه ثم قال هل تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض بها روح الفاجر فقال لا تطيق فقال بلى قال فأعرض عني فأعرض عنه ثم التفت إليه فإذا هو رجل أسود قائم الشعر منتن الرائحة أسود الثياب يخرج من فيه ومن مناخيره النيران والدخان فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد عاد ملك الموت إلى حالته الأولى فقال يا ملك الموت لو لم يلق الفاجر إلا صورتك هذه لكفته

 علل الشرائع عن علي ع قال إن إبراهيم ص مر ببانقيا وكان ينزل بها فبات بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم فقالوا ما هذا وليس حدث قالوا هاهنا شيخ ومعه غلام له قال فأتوه فقالوا له يا هذا إنه كان يزلزل بنا كل ليلة ولم تزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا فبات فلم يزلزل بهم فقالوا أقم عندنا ونحن نجري عليك ما أحببت قال لا ولكن تبيعوني هذا الظهر ولم يزلزل بكم قالوا فهو لك قال لا آخذه إلا بالشراء قالوا فخذه بما شئت فاشتراه بسبع نعاج وأربع أحمرة فلذلك سمى بانقيا لأن النعاج بالنبطية نقيا فقال له غلامه يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر وليس فيه زرع ولا ضرع فقال له اسكت فإن الله عز وجل يحشر من هذا الظهر سبعين ألف يدخلون الجنة بغير حساب يشفع منهم لكذا وكذا

أقول بانقيا على ما في القاموس قرية بالكوفة والمراد هنا ظهر الكوفة هي النجف

 وفيه أيضا مسندا إلى الصادق ع قال أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم ع أن الأرض قد شكت إلي الحياء من رؤية عورتك فاجعل بينك وبينها حجابا فجعل شيئا هو أكبر من الثياب ومن دون السراويل فلبسه فكان إلى ركبتيه

 أقول المراد من قوله ومن دون السراويل أنه أنقص طولا من هذه السراويل المتعارفة وهو السروال لإبراهيم ع إلا أنه كان قاصرا أن يدل على أن أول من اتخذ لبس السراويل هو إبراهيم ع

 وعنه ص في حديث المعراج أنه مر على شيخ قاعد تحت الشجرة حوله أطفال فقال رسول الله ص من هذا الشيخ يا جبرئيل قال هذا أبوك إبراهيم فقال فما هؤلاء الأطفال حوله قال هؤلاء الأطفال أطفال المؤمنين حوله يغذيهم

 الأمالي عن الصادق ع عن أمير المؤمنين ع قال لما أراد الله تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم ع أهبط الله ملك الموت فقال السلام عليك يا إبراهيم قال وعليك السلام يا ملك الموت أ داع أم ناع فقال بل ناع يا إبراهيم فأجب قال يا ملك الموت فهل رأيت خليلا يميت خليله قال فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدي الله جل جلاله فقال إلهي قد سمعت بما قال خليلك إبراهيم فقال الله جل جلاله يا ملك الموت اذهب إليه وقل له هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه

أقول المراد بالداعي هنا الطالب على سبيل التخيير والرضا كمن يدعو أحدا إلى ضيافة وبالناعي الطالب على سبيل القهر والجزم فلما علم إبراهيم ع أن الأمر موسع عليه طلب الحياة ليكثر من الطاعة والعبادة

 العلل عن الصادق ع قال إن إبراهيم ع لما قضى مناسكه رجع إلى الشام فهلك وكان سبب هلاكه أن ملك الموت أتاه ليقبضه فكره إبراهيم الموت فرجع ملك الموت إلى ربه عز وجل فقال إن إبراهيم كره الموت فقال دع إبراهيم فإنه يحب أن يعبدني حتى رأى إبراهيم شيخا كبيرا يأكل ويخرج منه ما يأكله فكره الحياة وأحب الموت فبلغنا أن إبراهيم أتى داره فإذا فيها رجلا حسن الصورة ما رآها قط قال من أنت قال أنا ملك الموت قال سبحان الله من الذي يكره قربك وزيارتك وأنت بهذه الصورة فقال يا خليل الرحمن إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا بعثني إليه في هذه الصورة وإذا أراد بعبد شرا بعثني إليه في غير هذه الصورة فقبض ع بالشام وتوفي إسماعيل بعده وهو ابن ثلاثين ومائة سنة فدفن في الحجر مع أمه

 وفيه أيضا عنه ع قال إن سارة قالت لإبراهيم ع يا إبراهيم قد كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا تقر أعيننا به فإن الله اتخذك خليلا وهو مجيب لدعوتك فسأل إبراهيم ع ربه أن يرزقه غلاما عليما فأوحى الله إليه أني واهب لك غلاما عليما ثم أبلوك بالطاعة فمكث إبراهيم ع بعد البشارة ثلاث سنين وأن سارة قالت لإبراهيم ع إنك قد كبرت وقرب أجلك فلو دعوت الله عز وجل أن يمد لك في العمر فتعيش معنا فسأل إبراهيم ع ربه ذلك فأوحى الله إليه سل من زيادة العمر ما أحببت فقالت سارة سل أن لا يميتك حتى تكون أنت الذي تسأله الموت فأوحى الله تعالى إليه في ذلك فقالت سارة اشكر الله واعمل طعاما وادع عليه الفقراء وأهل الحاجة ففعل ودعا الناس فكان فيمن أتى رجل كبير ضعيف مكفوف معه قائد له فأجلسه على مائدته فمد الأعمى يده فتناول اللقمة وأقبل بها نحو فيه فجعلت تذهب يمينا وشمالا ثم أهوى بيده إلى جبهته فتناول قائده يده فجاء بها إلى فمه ثم تناول المكفوف لقمة ثم ضرب بها عنقه قال وإبراهيم ينظر إلى المكفوف وإلى ما يصنع فتعجب إبراهيم ع من ذلك وسأل قائده فقال هذا الذي ترى من الضعف فقال إبراهيم ع في نفسه أ ليس إذا كبرت أصير مثل هذا ثم إن إبراهيم ع سأل الله عز وجل حيث رأى من الشيخ ما رأى اللهم توفني في الأجل الذي كتبت لي فلا حاجة لي في الزيادة في العمر بعد الذي رأيت

 وعنه ع قال إن إبراهيم ع ناجى ربه فقال يا رب كيف تميت ذا العيال من قبل أن تجعل له من ولده خلفا يقوم بعده في عياله فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم أ وتريد لها خلفا منك يقوم مقامك من بعدك خيرا مني قال إبراهيم اللهم لا الآن طابت نفسي

الفصل الرابع في أحوال أولاده وأزواجه ص وبناء البيت الحرام

قال الله تعالى وإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وأَمْناً واتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْعاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ

 الطبرسي طاب ثراه روي عن الباقر ع أنه قال نزلت ثلاثة أحجار من الجنة حجر مقام إبراهيم ع وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود واستودعه الله إبراهيم ع حجرا أبيض وكان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم

أقول الحجر الأسود تقدم أن آدم ع حمله من الجنة وحدثني بعض الشيوخ من العلماء أن الكعبة لما هدمها السيل أنهم شاهدوا الحجر من الطرف الذي يلي البيت وكان أبيض

 قال ابن عباس وروي في كثير من أخبارنا أنه لما أتى إبراهيم بإسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة وأتت على ذلك مدة ونزلها الجرهميون وتزوج إسماعيل منهم وماتت هاجر استأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل فقدم إبراهيم ع وقد ماتت هاجر فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته أين صاحبك فقالت ذهب يتصيد وكان إسماعيل ع يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع فقال لها إبراهيم هل عندك ضيافة قالت ما عندي شي‏ء فقال لها إبراهيم ع إذا جاء زوجك فأقرءيه السلام وقولي له فليغير عتبة بابه وذهب إبراهيم ع فلما جاء إسماعيل ع ووجد ريح أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه قال فما قال لك قالت قال لي أقرئي زوجك السلام وقولي فليغير عتبة بابه فطلقها وتزوج بأخرى فلبث إبراهيم ما شاء الله ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له واشترطت عليه أن ينزل فجاء حتى انتهى إلى باب إسماعيل فقال لامرأته أين صاحبك فقالت ذهب يتصيد وهو يجي‏ء الآن إن شاء الله فانزل يرحمك الله قال لها هل عندك ضيافة قالت نعم فجاءت باللبن واللحم ودعا لها بالبركة فلو جاءت يومئذ بخبز بر أو شعير أو تمر لكان أكثر أرض الله برا أو تمرا أو شعيرا فقالت له انزل حتى أغسل رأسك فلم ينزل فجاءت بالمقام فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه فبقي أثر قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر فبقي أثر قدميه عليه فغسلت شق رأسه الأيسر فقال لها إذا جاء زوجك فأقرءيه السلام وقولي له لقد استقامت عتبة بابك فلما جاء إسماعيل وجد رائحة أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا وقال لي كذا وكذا وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه على المقام قال لها إسماعيل ذلك إبراهيم ع

  وعن النبي ص الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لا أن نورهما طمس لأضاء ما بين المشرق والمغرب

 العياشي عن الصادق ع قال أنزل الحجر الأسود من الجنة لآدم وكان في البيت درة بيضاء فرفعه الله تعالى إلى السماء وبقي أساسه فهو حيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت على القواعد

 وعن ابن عباس قال قدم إبراهيم في المقام فنادى أيها الناس إن الله دعاكم إلى الحج فأجابوا لبيك اللهم لبيك أجابه من في أصلاب الرجال وأول من أجابه أهل اليمن

 تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى طَهِّرا بَيْتِيَ عن الصادق ع يعني نح عنه المشركين وقال لما بنى إبراهيم ع البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما تلقى من أنفاس المشركين فأوحى الله إليها قري يا كعبة فإني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون

أقول قضبان الشجر شامل للأراك وغيره وربما توجد في موضع آخر تخصيصه بالأراك وإرادة العموم جائزة فإن السواك بمطلق قضبان الشجر مستحب وإن كان الأفضل هو الأراك بل ورد استحباب السواك بالأصابع وهو منزل بمراتب الفضل والاستحباب

 وفيه في قوله تعالى ووَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا يعني لإبراهيم وإسحاق ويعقوب مِنْ رَحْمَتِنا يعني برسول الله ص وجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ يعني أمير المؤمنين ع حدثني بذلك أبي عن الإمام الحسن العسكري ع

 علل الشرائع بإسناده إلى الصادق ع في حديث طويل يقول فيه لما بنى إبراهيم وإسماعيل ع البيت قالت امرأة إسماعيل وكانت عاقلة فهلا تعلق على هذين البابين سترا من هاهنا قال نعم فعملا له سترين طولهما اثنا عشر ذراعا فعلقهما على البابين فأعجبها ذلك فقالت فهلا أحوك للكعبة ثيابا ونسترها كلها فإن هذه الأحجار سمجة فقال إسماعيل بلى فأسرعت في ذلك وبعثت إلى قومها بصوف كثير تستغزل بهن قال أبو عبد الله ع وإنما وقع استغزال بعضهن مع بعض لذلك فأسرعت واستعانت في ذلك فلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقي وجه من وجوه الكعبة فقالت لإسماعيل كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم ندركه بكسوة فكسوه خصفا فجاء الموسم فجاءته العرب فنظروا إلى أمر فأعجبهم فقالوا ينبغي لعامر هذا البيت أن يهدى إليه فمن ثم وقع الهدي فأتى كل فخذ من العرب بشي‏ء يحمله من ورق ومن أشياء وغير ذلك فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين وكانت غير مسقفة فسقفها إسماعيل بالجرائد فجاءت العرب فرأوا عمارتها فزادوا في الهدي فأوحى الله إليه أن انحره وأطعم الحاج وشكا إسماعيل إلى إبراهيم قلة الماء فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم ع احتفر بئرا يكون منها شرب الماء فاحتفر زمزم وضرب إبراهيم ع في أربع زوايا البئر فانفجرت من كل زاوية عين فقال جبرئيل ع اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة ثم تزوج إسماعيل الحميرية وولد منها ولد ثم تزوج بعدها أربع نسوة فولد له من كل واحدة أربع غلمان ثم قضى الله على إبراهيم بالموت فلم يره إسماعيل ولم يخبر بموته حتى كان أيام الموسم فنزل جبرئيل ع وأخبره بموت أبيه وكان لإسماعيل ابن صغير يحبه وكان هوى إسماعيل فيه فأبى الله عليه ذلك فقال يا إسماعيل هو فلان فلما قضى الموت على إسماعيل دعا وصيه فقال يا بني إذا حضرك الموت فافعل كما فعلت فمن ذلك لا يموت إمام إلا أخبره الله إلى من يوصي

 تفسير علي بن إبراهيم مسندا إلى الصادق ع قال إن إبراهيم ع كان نازلا في بادية الشام فلما ولد من هاجر إسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد وقد كانت تؤذي إبراهيم في هاجر فتغمه فشكا ذلك إلى الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن تركت استمتعت بها وإن أقمتها كسرتها ثم أمره أن يخرج إسماعيل وأمه عنها فقال يا رب إلى أي مكان فقال إلى حرمي فأنزل عليه جبرئيل ع بالبراق فحمل هاجر وإسماعيل ع وكان إبراهيم ع لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا وقال يا جبرئيل إلى هاهنا فقال لا امض حتى وافى مكة فوضعه موضع البيت وقد كان عاهد سارة ألا ينزل حتى يرجع إليها فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها فاستظلوا تحته فلما وضعهم وأراد الانصراف إلى سارة قالت له هاجر يا إبراهيم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع فقال إبراهيم ع الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم ثم انصرف عنهم فالتفت إليهم فقال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ فبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى فنادت هل في الوادي من أنيس فغاب إسماعيل عنها فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في موضع الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فجمعت حوله رملا فإنه كان سائلا فزمته بما جعلت حوله فلذلك سمي زمزم وكان جرهم نازلة بعرفات فلما ظهر الماء بمكة وعكفت الطير والوحوش عليه اتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا بشجرة قد ظهر الماء لهما قالوا لهاجر من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي قالت أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن وهذا ابنه فقالوا لها فتأذنين لنا أن نكون بالقرب منكم ثم إنها استأذنت إبراهيم فأذن لهم فنزلوا بالقرب منهم فأنست هاجر وإسماعيل بهم فلما رآهم إبراهيم ع في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا فلما ترعرع إسماعيل ع وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين وكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها فلما بلغ مبلغ الرجال أمر الله عز وجل إبراهيم أن يبني البيت فقال يا رب في أية بقعة أنا قال في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم تزل القبة التي أنزلها على آدم قائمة حتى كانت أيام الطوفان أيام نوح ع فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا فسميت البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فلما أمر الله عز وجل إبراهيم أن يتخذ البيت فلم يدر في أي مكان فبعث الله عز وجل جبرئيل ع فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما مسته أيدي الكفار اسود فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة أذرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن وجعل له بابين بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب يسمى المستجار ثم ألقى عليه الشجر والإذخر وعلقت هاجر على بابه كساء فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل ع يوم التروية فقال جبرئيل ع قم فارتو من الماء لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم قال إبراهيم ع لما فرغ من بناء البيت رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ قال من ثمرات القلوب أي حببه إلى الناس ليعودوا إليه

 علل الشرائع بإسناده إلى محمد بن عرفة قال قلت لأبي عبد الله ع إن من قبلنا يقولون إن إبراهيم خليل الرحمن ختن نفسه بقدوم على دن فقال سبحان الله ليس كما يقولون كذبوا على إبراهيم قلت له صف لي ذلك فقال إن الأنبياء ع كان يسقط غلفهم مع سررهم يوم السابع فلما ولد إسماعيل سقط عنه غلفته مع سرته وعيرت بعد ذلك سارة هاجر بما تعير به الإماء فبكت هاجر واشتد عليها وبكى لبكائها إسماعيل فأخبر إبراهيم فقام إلى مصلاه وناجى ربه وسأله أن يلقي ذلك عن هاجر فألقاه الله عز وجل عنها فلما ولدت سارة إسحاق وكان يوم السابع لم تسقط غلفته فجزعت من ذلك سارة وقالت لإبراهيم ما هذا الحادث الذي حدث في أولاد الأنبياء هذا ابنك إسحاق سقطت سرته ولم تسقط غلفته فقام إبراهيم إلى مصلاه وناجى ربه فقال يا رب ما هذا الحادث الذي حدث في آل إبراهيم هذا إسحاق ابني سقطت سرته ولم تسقط غلفته فأوحى الله عز وجل إليه هذا لما عيرت سارة هاجر فآليت أن لا أسقط ذلك عن أحد من أولاد الأنبياء بعد تعييرها لهاجر فاختتن إسحاق بالحديد وأذاقه حر الحديد فقال فختن إبراهيم إسحاق بحديد فجرت السنة في الناس بعد ذلك 1- 

أقول القدوم المراد منه قدوم النجار وقول الجزي إنه قرية بالشام أو موضع على ستة أميال من المدينة غير مناسب هنا. والدن الراقود العظيم أو أطول من الحب أو أصغر وفيه دلالة على اختتان إبراهيم محمول على التقية

 مناقب ابن شهر شهرآشوب عن علي ع أن الجمار إنما رميت بسبع حصيات لأن جبرئيل ع حين أرى إبراهيم ع المشاعر برز له إبليس فأمره جبرئيل أن يرميه فرماه بسبع حصيات فدخل عند الجمرة الأولى تحت الأرض فأمسك ثم إنه برز عند الثانية فرماه بسبع حصيات أخر فدخل تحت الأرض في موضع الثانية ثم برز له في موضع الثالثة فرماه بسبع حصيات فدخل موضعها

 وفيه عن أبي الحسن ع قال السكينة ريح تخرج من الجنة لها صورة كصورة الإنسان ورائحة طيبة وهي التي أنزلت على إبراهيم ع فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الأساطين

 علل الشرائع عن ابن عباس قال كانت الخيل العراب وحوشا بأرض العرب فلما رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت قال الله إني أعطيتك كنزا لم أعطه أحدا كان قبلك فخرج إبراهيم وإسماعيل حتى صعدا جيادا يعني جبلا بمكة فقال ألا هلا ألا هلم فلم يبق في أرض العرب فرس إلا أتاه وتذلل له وأعطت بنواصيها وإنما سميت جيادا لهذا فما زال الخيل بعد تدعو الله أن يحببها إلى أربابها فلم تزل حتى اتخذها سليمان فلما آلمته أمر بها أن يمسح رقابها وسوقها حتى بقي أربعون فرسا

أقول هذا زجر للخيل أي اقربي قاله الجوهري

 وفيه عن أبي عبد الله ع قال لما أمر الله عز وجل إبراهيم وإسماعيل ع ببنيان البيت وتم بناؤه أمره أن يصعد ركنا ثم ينادي في الناس ألا هلم إلى الحج فلو نادى هلموا إلى الحج لم يحج إلا من كان إنسيا مخلوقا ولكن نادى هلم إلى الحج فلبى الناس في أصلاب الرجال لبيك داعي الله فمن لبى عشرا حج عشرا ومن لبى خمسا حج خمسا ومن لبى أكثر فبعدد ذلك ومن لبى واحدا حج واحدا ومن لم يلب لم يحج ورواه في الكافي مثله

أقول ذكروا في وجه الفرق أن الأصل في الخطاب أن يكون متوجها إلى الموجودين أما شمول الحكم للمعدومين فيستفاد من دليل آخر لا من نفس الخطاب إلا أن يكون المراد بالخطاب الخطاب العام المتوجه إلى كل من يصلح للخطاب فإنه شامل للواحد والكثير والموجود والمعدوم والشائع في مثل هذا الخطاب أن يكون بلفظ المفرد بل صرح بعض أهل العربية بأنه لا يتأتى إلا بالمفرد وفي الكافي أسقط لفظ إلى في المفرد وأثبتها في الجمع وجعله بعضهم هو وجه الفرق بأن يكون في المفرد المخاطب هو الحج مجازا لبيان كونه مطلوبا من غير خصوصية شخص أي هلم أيها الناس الحج. و في الفقيه كلمة إلى موجودة في المواضع وفيه عند ذكر المفرد في الموضعين نادى وعند ذكر الجمع ناداهم ومن ثم قال بعض المحققين ليس مناط الفرق بين أفراد الصيغة وجمعها بل ما في الحديث بيان للواقعة. والمراد أن إبراهيم ع نادى هلم إلى الحج بلا قصد إلى مناد معين أي الموجودين لكان الحج مخصوصا بالموجودين فلذا يعم الموجودين والمعدومين فلو ناداهم إلى الموجودين وقال هلموا إلى الحج قاصدا إلى الموجودين لكان الحج مخصوصا بالموجودين فضمير هم في ناداهم راجع إلى الناس الموجودين فالمناط قصد المنادي المعين المشعر إليه بلفظهم في إحدى العبارتين وعدم القصد في الأخرى المشعر إليه بذكر نادى مطلقا لا الإفراد والجمع. أقول وجه التحقيق فيه أن الموجودين وقت الخطاب كانوا جماعة من الأحياء فلو خاطبهم باللفظ الصالح لهم لكان متوجها إليهم لأن الأصل في الخطاب أن يكون متوجها إلى من يقبل صيغة الخطاب ولما عدل عنه إلى الإفراد مع عدم القرينة على تعيين المخاطب كان شاملا لكل من يقبل أن يكون مخاطبا ولو بعد الوجود وإلا لكان الخطاب عبثا خاليا عن الحكمة والفائدة

 وفيه عن أبي جعفر ع قال إن الله جل جلاله لما أمر إبراهيم ع ينادي في الناس بالحج قام على المقام فارتفع به حتى صار بإزاء أبي قبيس فنادى في الناس بالحج فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أن تقوم الساعة

 وفيه عنه ع أن الله عز وجل أوحى إلى إبراهيم وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا فنادى فأجيب من كل فج عميق وقال إنما سميت الخيل العراب لأن أول من ركبها إسماعيل وقال ع إن بنات الأنبياء لا يطمثن إنما جعل الطمث عقوبة وأول من طمثت سارة

 وعنه ع صار السعي بين الصفا والمروة لأن إبراهيم ع عرض له إبليس فأمره جبرئيل ع فشد عليه فهرب منه فجرت به السنة يعني به الهرولة

 وفيه عن الرضا ع إنما سميت منى بمنى لأن جبرئيل ع قال هناك يا إبراهيم تمن على ربك ما شئت فتمنى إبراهيم في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره الله بذبحه فداء له فأعطاه الله

  وفيه عن أبي عبد الله ع أن جبرئيل ع خرج بإبراهيم ع يوم عرفة فلما زالت الشمس قال له جبرئيل ع يا إبراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك فسميت عرفات لقول جبرئيل ع اعرف واعترف وقال إن جبرئيل ع انتهى إلى الموقف فأقام به حتى غربت الشمس ثم أفاض به فقال يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام

 وفيه عن أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع في قول سارة اللهم لا تؤاخذني بما صنعت بهاجر إنها كانت خفضتها فجرت السنة بذلك

أقول فيه بيان ما تقدم من أن الذي عيرت سارة بهاجر هو هذا نعم الموجود هناك هو أن الله سبحانه ألقاها عنه وهاهنا أن سارة خفضتها ولم تقصد سارة من ذلك الخفض التطهير والسنة بل قصدت به الإيذاء والإضرار بها كما تقطع الفروج إضرارا بأهلها

 وفيه عن أبي الحسن ع أن إبراهيم دعا ربه أن يرزق أهله من كل الثمرات فقطع له قطعة من الشام فأقبلت بثمارها حتى طافت بالبيت سبعا ثم أقرها الله عز وجل في موضعها فإنما سميت الطائف للطواف بالبيت

 قصص الأنبياء بإسناده إلى علي ع قال شب إسماعيل وإسحاق فتسابقا فسبق إسماعيل فأخذه إبراهيم فأجلسه في حجره وأجلس إسحاق إلى جنبه فغضبت سارة وقالت أما إنك قد جعلت أن لا تساوي بينهما فاعزلهما عني فانطلق إبراهيم ع بإسماعيل وأمه إلى مكة الحديث

الفصل الخامس في قصة الذبح وتعيين المذبوح

قال الله تعالى وقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَما وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ونادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وبارَكْنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحاقَ ومِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أي شب حتى صار يتصرف مع إبراهيم ويعينه على أموره وكان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وقيل يعني بالسعي العمل لله والعبادة فَلَمَّا أَسْلَما أي استسلما لأمر الله ورضيا به. وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ قيل وضع جبينه على الأرض لئلا يرى وجهه فتلحقه رقة الآباء.

 وروي أنه قال اذبحني وأنا ساجد لا تنظر إلى وجهي فعسى أن يرحمني

 لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ أي الامتنان الظاهر والاختبار الشديد أو النعمة الظاهرة بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قيل كان كبشا من الغنم. قال ابن عباس هو الكبش الذي تقبل من هابيل حين قربه وكونه عظيما لأنه رعى في الجنة أربعين خريفا وبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ من قال إن الذبيح إسحاق قال يعني بشرناه بنبوة إسحاق وبصبره. وبارَكْنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحاقَ أي وجعلناه فيما أعطيناهما من الخير والبركة والمراد كثرة ولدهما وبقاؤهم قرنا بعد قرن إلى أن تقوم الساعة ومِنْ ذُرِّيَّتِهِما أي من أولاد إبراهيم وإسحاق مُحْسِنٌ بالإيمان والطاعة وظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر والمعاصي

 عيون أخبار الرضا بإسناده إلى الرضا ع وقد سئل عن معنى قول النبي ص أنا ابن الذبيحين قال يعني إسماعيل بن إبراهيم وعبد الله بن عبد المطلب أما إسماعيل فهو الغلام الذي قال الله فيه إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فلما عزم على ذبحه فداه الله بكبش أملح يأكل في سواد وينظر في سواد ويبول في سواد ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما وما خرج من أنثى فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة ثم ذكر قصة عبد الله

ثم قال الصدوق ره وقد اختلفت الروايات في الذبح. فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أنه هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك. ثم روي في ذلك حديثا عن الصادق ع وقال

 قول النبي ص أنا ابن الذبيحين

و يؤيد ذلك لأن العم قد سماه الله أبا في قوله تعالى أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله أبا.

 وقول النبي ص العم والد

فعلى هذا الأصل أيضا يطرد قول النبي ص أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب على النية والتمني فالنبي ص هو ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه وللذبح العظيم وجه آخر

وفي تفسير علي بن إبراهيم في حديث طويل عن الصادق ع وفيه أنه لما أسلم إسماعيل أمره إلى الله في حكاية الذبح وأراد إبراهيم ع ذبحه أقبل شيخ وقال يا إبراهيم ما تريد من الغلام قال أريد أن أذبحه فقال سبحان الله تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين فقال إبراهيم إن الله أمرني بذلك فقال ربك ينهاك عن ذلك وإنما أمرك بهذا الشيطان فقال له إبراهيم ويلك إن الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به ثم قال يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك وإنك إن ذبحته ذبح الناس أولادهم فلم يكلمه وأقبل على الغلام فاستشاره في الذبح فلما أسلما جميعا لأمر الله قال الغلام يا أبتاه خمر وجهي وشد وثاقي فقال إبراهيم ع يا بني الوثاق مع الذبح لا والله لا أجمعها عليك فأضجعه وأخذ المدية فوضعها على حلقه ورفع رأسه إلى السماء ثم جر عليه المدية وقلب جبرئيل المدية على قفاها واجتر الكبش وأثار الغلام من تحته ووضع الكبش مكان الغلام ونودي من ميسرة مسجد الخيف أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا

 وفيه عن أبي عبد الله ع قال سأل ملك الروم الحسن بن علي ع عن سبعة أشياء خلقها الله لا تركضن في رحم فقال ع أول هذا آدم ثم كبش إبراهيم ثم ناقة الله ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن

 وفي عيون الأخبار قال سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن ستة لم يركضوا في رحم فقال آدم وحواء وكبش إبراهيم وعصا موسى وناقة صالح والخفاش الذي عمله عيسى ع فطار بإذن الله عز وجل

 علل الشرائع مسندا إلى أبان بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله ع كيف صار الطحال حراما وهو من الذبيحة فقال إن إبراهيم ع هبط عليه الكبش من ثبير وهو جبل بمكة ليذبحه أتاه إبليس فقال له أعطني نصيبي من هذا الكبش قال وأي نصيب لك وهو قربان لربي وفداء لابني فأوحى الله عز وجل إليه أن له فيه نصيبا وهو الطحال لأنه مجمع الدم وحرم الخصيتين لأنهما موضع النكاح ومجرى النطفة فأعطاه الله الطحال والأنثيين وهما الخصيتان قال فقلت فكيف حرم النخاع قال لأنه موضع الماء الدافق من كل ذكر وأنثى وهو المخ الطويل الذي يكون في فقار الظهر

 وفي الكافي عن الرضا ع لو علم الله شيئا أكرم من الضأن لفدى به إسماعيل ع

أقول اختلف علماء الإسلام في تعيين الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق ع فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلى أنه إسماعيل ع والأخبار الصحيحة دالة عليه ع دلالة غيرهما من الآيات ودلائل العقل وذهب طائفة من الجمهور إلى أنه إسحاق ع وبه أخبار واردة من الطرفين وطريق تأويلها أما تحمل على التقية وأما حملها على ما قاله الصدوق طاب ثراه من أن إسحاق ع صار ذبيحا بالنية والتمني

 وروى شيخنا أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله أن إبراهيم ع لما خلا بابنه إسماعيل أخبره بما قد ذكر الله عنه في المنام فقال يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح من دمي شي‏ء فتراه أمي وأشحذ شفرتك وأسرع من السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد فقال له إبراهيم نعم العون أنت على أمر الله 

 

باب 1- علل تسميته و سنته و فضائله و مكارم أخلاقه و سننه و نقش خاتمه ع

 

باب 2- قصص ولادته عليه السلام إلى كسر الأصنام و ما جرى بينه و بين فرعونه و بيان حال أبيه

 

باب 3- إراءته عليه السلام ملكوت السماوات و الأرض و سؤاله إحياء الموتى و الكلمات التي سأل ربه و ما أوحى إليه و صدر عنه من الحكم

 

باب 4- جمل أحواله و وفاته ع

 

باب 5- أحوال أولاده و أزواجه صلوات الله عليهم و بناء البيت

 

باب 6- قصة الذبح و تعيين الذبيح